موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

عباس العزاوي المحامي

موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين - ج ٦

المؤلف:

عباس العزاوي المحامي


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٣٢

جمعهم يبلغ من الخيالة والمشاة نحو العشرين ألفا. واستعدوا في (نهر عمر) فمكثوا ثلاثة أيام عبأوا الجيوش تعبئة حربية كاملة. وفي اليوم الرابع من مقام الوزير في أم العباس أي في غرة المحرم ضحى يوم الأحد ظهر جمعهم في البر كما أنهم سيروا قسما نهرا في شبارتين فأطلقوا المدافع على الجيش وشرع الوزير في القتال. فكان عثمان باشا على الميمنة ، وإبراهيم باشا على الميسرة ، وكذا نظمت المقدمة والساقة بالوجه المطلوب ، فكان الوزير في القلب بدائرته وخاصته.

وحينئذ التقى الجمعان في (أم الحنطة). وفي هذه الحرب سلّ الوزير سيفه وأبدى من الأقدام والشجاعة ما لا يوصف كما أنه حضّ الجيش على الثبات والصبر. وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة.

أما جيش الوزير فقد صدّ هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا إذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولا حكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه ، فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لا يحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب ، وحينئذ فرح الوزير وناله ما لا مزيد عليه من السرور.

انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبد الله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ إلى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عند ما انتصر مشيخة المنتفق كما أنه وجه مشيخة الخزاعل إلى محسن الحمد وكذا وجه متسلمية البصرة إلى مصطفى آغا الكردي (خازنه) ونظم الأمور. وأبقى الباش آغا إسماعيل آغا التكه لي رأس اللاوند مع جملة بيارق خيالة في البصرة.

وكان سفره من بغداد في ١٢ جمادى الأولى سنة ١٢٠١ ه‍ ورجوعه في ٨ ربيع الأول سنة ١٢٠٢ ه‍.

١٢١

ويلاحظ أن الوحدة انفصمت عراها بانعزال حمود الثامر ، ومحسن الحمد فلم تكن الواقعة مما يترتب عليها أمر الحياة والممات كما وصفها المؤرخون. وإنما سلط الوزير الكرد على العرب كما أنه استخدم كثيرا من العرب مما ثبّت هذه الحكومة. وكان بين حياتها وموتها نفس واحد (١).

حدث غلاء في سنة ١٢٠٢ ويقال له «خسباك» أو قحط خسباك (٢).

حوادث سنة ١٢٠٣ ه‍ ـ ١٧٨٨ م

العفو عن سليمان الشاوي :

إن حادثة المنتفق فرقت شمل المتحاربين وبقي سليمان بك ضاربا في البوادي والقفار ، فلم ير بدّا من طلب العفو ، راعى الوزير خدماته القديمة وإخلاصه فعفا عنه وسمح له بالدخول في بغداد. والصحيح أنه حذر أن يحدث أمرا أكبر من الأول أو مثله في خطره وكانت ضبطت أملاكه ، فأعيدت إليه وأن يسكن في غابة (تل أسود) (٣) فأقام هناك (٤)

مصطفى الكردي :

وجهت إيالة البصرة إلى مصطفى الكردي إلا أنه كان مغبرا من الوزير فأضمر له في الخفاء الانتقام. فلما وجهت إليه البصرة كاشف عثمان باشا آل بابان بسره وكانت بينهما مودة قديمة. قال له : إذا ربحت الإيالة أساهمك فيها وأخذ عهدا منه. ولما نال منصب البصرة رآها

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢٠٢.

(٢) (عن مجموعة عمر رمضان).

(٣) هذا التل لا يزال موجودا ويبعد عن جسر الخر نحو ربع ساعة في السيارة وكانت بقربه غابة عرفت بهذا الاسم. والآن لا وجود لها.

(٤) دوحة الوزراء ص ٢٠٢.

١٢٢

محققة لنواياه فاغتنم الفرصة كما أنه أطمع رئيس الكتيبة (باش آغا) والرؤساء الآخرين ممن معه ووعدهم بوعود خلابة وكتب إلى ثويني شيخ المنتفق أن يكون معه وقربه إلى ديار المنتفق وكان حمود الثامر رئيسا جديدا لم يحصل على رضا العشائر. لذا مال القوم إلى رئيسهم القديم فمنحه المشيخة وعرض على الوزير أن حمودا لم يقدر أن يقوم بالمشيخة ففوض الرئاسة إلى ثويني.

جاء حمود إلى بغداد. وكانت أعمال هذا المتسلم على خلاف رغبة الوزير فاضطر أن يغمض العين عنه لذا أبدى الوزير موافقته على نصب ثويني شيخا وأرسل له الخلعة. وجلب رئيس الكتيبة وبيارق الخيالة إلى بغداد. لعلمه باتفاق المتسلم مع رئيس الكتيبة. وفي هذه تغافل عنه ولم يقم بأي عمل تشم منه رائحة الارتياب ، فعينه إلى زنگباد مع رعيل الخيالة ولكن مصطفى آغا لا يزال باقيا على نواياه ، ولذا أرسل إلى عثمان باشا بالخبر وبين له أنه لا يزال باقيا على عهده. فجددوا العهد بينهما ووثقوه بالأيمان المغلظة وباشر مصطفى آغا في مهمته وصار لا يلتفت إلى أمر ، أو نهي وكذا قوّى الأواصر القديمة بينه وبين رئيس الكتيبة إسماعيل التكه لي (١) وراسله مجددا فظهرت النوايا. فعزم الوزير على تأديبه والقضاء عليه. ورأى أن غائلته لا تقل عن غائلة الشاوي. ولذا خابر سرّا رئيس قبطانية شط العرب مصطفى آغا آل حجازي أن يغتاله من جهة ، ومن أخرى أرسل محمد بك لاستمالته ونصحه ليوهم أنه مرسل للنصيحة إلا أن محمد بك إثر وروده إلى البصرة أطلعه الآغا على الأمر المتضمن اغتياله ولذا ركب في الحال وذهب إلى المناوي وقتل رئيس القبطانية وأبدى العصيان واتخذ الوسائل لتنفيذ مطلوبه.

__________________

(١) في الدوحة ورد (تكيه لي). وصواب تلفظها (تكه لي) وفي مجموعة خطية ورد (تكلي). والشائع على الألسنة (تكرلي). وآل التكرلي معروفون في بغداد.

١٢٣

فلما علم الوزير أن قد هتك الستر أصدر أمره بالسفر عليه بنفسه وجاهره بالعداء. فأمر عثمان باشا أن يجمع الجيوش ويأتيه بها ، وإلى هذا الحين لم يطلع الوزير على المخابرة الدائرة بين عثمان باشا ومصطفى آغا وأنهما بيتا الأمر ليلا دون علم من الوزير إلا أن الحاج سليمان حينما سمع بعزم الوزير على حرب مصطفى آغا أعلمه بأن هناك خفايا يأمل أن يعفو عنه والظاهر أنه أراد الانتقام منهم ، فأرسل إليه الكهية معتمده سليمان آغا ليستطلع القضية فأخبره بأن بين مصطفى آغا وبين عثمان باشا مراسلة واتفاقا ، فسلم كتابا ورد إليه من عثمان باشا ، يتضمن دعوته لما عزم عليه فأرسله مع سلمان آغا ليقف على الحالة ... قدمه إليه تأييدا لقوله (١).

وحينئذ علم الوزير بدخائل الأمور وحاول أن يتوسل بأسباب جلب عثمان باشا. ولذا أرسل إليه عبد الله بك أخا أحمد الكهية فحلف له الأيمان ووثقه بالمواعيد فاستصحبه وجاء به إلى بغداد وكان الموسم شتاء فأكرمه الوزير كثيرا وأظهر له اللطف والإنعام على أن يأتي بجيشه في الربيع. وعلى هذا تأخر بضعة أيام ثم رخصه ولزيادة اطمئنانه أوجد بينه وبين أحمد الكهية صهرية بأن زوج أخته من عبد الله بك.

وعلى هذا ، استصحب جيشه في الربيع وجاء إلى بغداد فولد يأسا في مصطفى آغا ومن له ارتباط حينما رأوا مجيئه. ومن جملة هؤلاء رئيس الكتيبة استولى عليه الارتياب ، وكذا أصاب أمراء السرية رعب ففر بهم وعدتهم نحو ٢٥ أو ٣٠ ذهبوا إلى البصرة. وأما العساكر الباقية فقد كانت على استعداد ، فتحرك الوزير من بغداد في ١١ جمادى الأولى ومعه جحافل جرارة. أما الشيخ ثويني فإنه هيأ وسائل الدفاع وأعد العدة.

__________________

(١) مطالع السعود ص ١١٢ ودوحة الوزراء ص ٢٠٣.

١٢٤

ولما وصل الوزير بجيشه إلى العرجاء اضطرب ثويني منه ومال إلى الصحارى والقفار كما أن مصطفى آغا تزلزل وضعه وتفرق جمعه فلم يستطع البقاء في البصرة وانهزم إلى الكويت (١). وعلى هذا نظم الوزير تلك الأنحاء وأزال عنها الاضطراب ورتبها وتوجه إلى البصرة فدخلها بأبهة وجعل حمود الثامر شيخا على المنتفق ونصب الأمير عيسى بك المارديني متسلما واستراح بضعة أيام ثم رجع إلى بغداد (٢).

عزل عثمان باشا :

ولما وصل الوزير إلى المسعودي أمر أن يحدر له الجسر ليعبر جيشه فنصب ومر منه الجيش بأبهة عظيمة فبات تلك الليلة بالباب الشرقي. وفي اليوم التالي سلخ رمضان دخلت الجيوش بغداد. وحينئذ استصحب الوزير عثمان باشا. ركب زورقا وعبر ولما كان متألما كثيرا من خيانته عزله في الحال وأمر بحبسه ووجه متصرفية بابان إلى إبراهيم باشا المتصرف السابق لوثوقه منه. وكذا وجه ألوية كوى وحرير إلى محمود باشا ابن تمر باشا.

ولما رأى جيش عثمان باشا ذلك بأعينهم أصابهم اندهاش فانفصل بعضهم من الجيش والبعض الآخر فرح بتعيين إبراهيم باشا وفي الحال توجه الفريق الساخط إلى ديار الكرد. ودام هذا السفر من ١١ جمادى الأولى إلى سلخ شهر رمضان. فطال أربعة أشهر وعشرين يوما (٣).

وفاة عثمان باشا :

أجريت التحقيقات عليه بعد حبسه وعزله فوصلت بعض الكتب

__________________

(١) مطالع السعود ص ١١٣.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٠٤.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٠٥.

١٢٥

الدالة على خيانته مما تيسر للوزير الحصول عليها. وهذا ما جعله في ارتباك عظيم فمرض بضعة أيام ونقل إلى دار الحاج محمد سعيد المصرف بجانب سراي الكهية. فعين الوزير طبيبا لمعالجته ، ولكن حالته ساءت وتدهورت صحته ولم يبق أمل من حياته على ما قاله طبيبه فتحول إلى دار والدة الحاج محمد سعيد فبقي فيها يوما أو يومين وتوفي ، فشيع جثمانه باحتفال. قال صاحب المطالع (والله أعلم بالسرائر). وفي هذه الأثناء توفي محمود باشا ابن تمر باشا. أخبر بذلك إبراهيم باشا متصرف بابان فوجهت ألوية كوى وحرير إلى إبراهيم باشا ضميمة إلى لواء بابان.

بناء سور النجف :

في هذه السنة كان بناء سور النجف بأمر الوزير سليمان باشا كما في المجموعة المخطوطة الموجودة عندي. ولا أدري كيف أغفل أمره صاحب الدوحة وسائر مؤرخي المماليك.

حوادث سنة ١٢٠٤ ه‍ ـ ١٧٨٩ م

حوادث بابان :

كان عثمان باشا حينما ذهب مع الوزير جعل أخاه عبد الرحمن بك نائبا عنه. فلما سمع بما جرى استصحب أعوانه مع سائر حاشيته وعياله وذهب من طريق سنة إلى كرمانشاه وأقام في سقز (ساقز) فلما رأى الوزير أن قد خلا الجو له ذهب إلى مندلي للصيد فقضى بضعة أيام.

وفي هذه الأثناء وردت معروضات من عبد الرحمن بك يرجو فيها العفو عنه. ومن أمد بعيد كانت تتولد المشادة بين إيران وبغداد من جراء أمثال هذا الالتجاء. لذا أصدر الوزير عفوا عنه. فأرسل بعض الوجهاء للذهاب إليه ودعوته. ثم رجع الوزير إلى بغداد. وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بك إلى بغداد بأتباعه وأهله فرحب به الوزير كثيرا وبالغ في إكرامه.

١٢٦

متصرفية بابان :

وبعد مدة قليلة ساعد الوزير في توجيه متصرفية بابان ولصهريته لأخي أحمد الكهية ساعد في توجيه متصرفية بابان إليه وكذا كوى وحرير برتبة باشا إلى عبد الرحمن بك.

ولما ورد خبر العزل إلى إبراهيم باشا لم يبد مخالفة وباشر في الذهاب إلى جهة أخرى ثم إن عبد الرحمن باشا وصل إلى محل قريب منه وأرسل أخاه سليم بك أمامه. فلما سمع به عيّن قوة مع أخيه عبد العزيز بك لمجرد المحافظة ، وإيصال عائلته إلى مأمنها فاتخذ طريق ذهابه قره طاغ فتلاقى مع سليم بك في (گله زرده) (١) فتقاتلا فجرح عبد العزيز بك بعض الجروح وتغلب عليه سليم بك فألقي القبض عليه وانهزم باقي عسكره.

فلما وصل الأمر إلى هذه الدرجة لم يبق طريق لمرور أهله وأثقاله فاضطر للذهاب إلى إيران من طريق (سنة) فوصل إلى (برنة) من أعمال كرمانشاه وتوقف هناك وأرسل عبد الرحمن باشا عبد العزيز بك مجروحا إلى بغداد فكان ذهاب إبراهيم باشا إلى إيران لضرورة اقتضت لكنها على خلاف رغبة الوزير. ولذا حينما وصل عبد العزيز بك غضب الوزير عليه وسجنه (٢).

تجديد صندوق الإمام علي :

في شوال جرى تجديد شباك ضريح الإمام علي فعمل من الفضة أرسله محمد خان ابن حسن خان القجاري ويسمى أقا محمد خان مؤسس دولة القجارية.

__________________

(١) كله زرده تعني التراب الأصفر. وهي قرية على قمة الجبل المعروف بهذا الاسم الكائن بين السليمانية وقره طاغ.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٠٧.

١٢٧

حوادث سنة ١٢٠٥ ه‍ ـ ١٧٩٠ م

رجوع إبراهيم باشا :

كان اغتاظ الوزير على إبراهيم باشا من جراء ذهابه إلى إيران. وحينما جاء إليه أخوه مقبوضا عليه من عبد الرحمن باشا غضب عليه وسجنه لكنه علم أن ذلك كان لضرورة فأطلق سراحه.

فلما سمع إبراهيم باشا انبعث فيه الأمل فطلب العفو وحينئذ صدر الأمر بالرأي والأمان وسير إليه الكتاب مع محمد بك الشاوي فالوزير لا يريد إثارة عداء مع إيران ولذا وافق بعد أن انهكت الفتن قواه وكادت تقضي على وزارته. وعلى هذا جاء إبراهيم باشا إلى بغداد فأكرمه الوزير وبقي معززا ينتظر فيه الفرصة. وليس في أمله أن يدع بابان خالصة لواحد ، وأن تتوحد إدارتها بيد أمير من أمرائها. لأنه يرى ذلك مما يهدد السلام ويورث فتنة.

وأقام أتباعه قسما في كركوك ، وقسما آخر في قزلرباط (١) وقولاي وخانقين وعلي آباد (علياوه) وقرى بشير وتازه خرماتي. وفوض إليه خاص كركوك (٢).

الشيخ ثويني :

في هذه الأيام شاع أن الوزير اتخذ العفو وسيلة للتقريب والظاهر أنه أوعز إلى الشيخ ثويني بذلك. أراد أن لا يستقل بإدارة المنتفق أمير فكان يخشى كل قوة وإن كانت منقادة فطلب ثويني العفو فوافق الوزير وبعث إليه بكتاب الأمان فجاء إلى بغداد ونال إكراما واحتراما (٣).

__________________

(١) تعرف قديما بجلولاء كذا في وقفية مرجان وتسمى الأراضي المتصلة ببهرز جلولاء ولعلها تنتهي بـ (قزلرباط) المعروفة اليوم بالسعدية.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٠٧.

(٣) دوحة الوزراء ص ٢٠٧.

١٢٨

سليمان الشاوي ومحمد الكهية :

كان الحاج سليمان الشاوي طلب العفو من الوزير فعفا عنه وأعيدت إليه أملاكه. وبقي مدة ساكنا في (تل أسود). وفي هذه الأيام وعلى حين غرة ورد إليه محمد الكهية (عجم محمد) ملتجئا إليه بعد أن كان في إيران ينتقل من محل إلى آخر ، لا يستقر به موطن.

سمع الوزير بذلك فتولدت الشائعات فصارت الحكومة تخشى من وقوع فتنة. ولذا كتب الوزير إلى الشاوي أن يرسله محفوظا إلى جانبه. فأبدى المعاذير بالنظر إلى أنه دخل بيته فهو في حراسته حسب التقاليد العربية وبين أنه يطلق سراحه ويسيره إلى جهات أخرى ليبلغ مأمنه فلم يقبل. ولذا أصدر أمره إلى الكهية أن يسير إليه ، وأنه إذا قاومه فليأخذه ولينكل به ، أو يطرده من تلك الأنحاء. فخرج الكهية من بغداد فوافق الحاج سليمان أن يذهب إلى جهة أخرى مع دخيله (عجم محمد) لعلمهما أن لا طاقة لهما بالمقاومة. فوصل الخبر إلى أحمد الكهية فاقتفى أثرهما ورغم شدة الحر قطع مسافة طويلة فوصل إلى (الرحبة) فتمكن من الوصول إلى أثقالهما في (عين القير) فعلم الشاوي مع محمد كهية فنجوا بأنفسهما بصعوبة وهربا في البيد فاغتنم الكهية جميع أموالهم وعيالهم وخيامهم وما يملكون إلا أنه بالتماس من محمد الشاوي لم يتعرض بالأهل والعيال لكنهم استولوا على ما يتجاوز الأربعين ألفا من الغنم والأموال الأخرى ورجع الكتخدا إلى بغداد.

سليمان باشا والملية :

إن العشائر الملية (١) من أهل (اسكان) التابعة للرقة وكان رئيسها تيمور باشا (تمر باشا) الملي. وهذا عصى على الدولة سنين. وانتصر

__________________

(١) الملية موضحة في عشائر الشام ج ٢ ص ٣٢٢ وآل الملي معروفون ببغداد.

١٢٩

بضع مرات. فتجمعت إليه العشائر الضعيفة واعتزت به. وبذلك تمكن من جمع أموال كثيرة وحطام زائد فناله غرور كبير. فاستولى على كثير من الألوية والقرى والضياع المجاورة.

لم يتمكن ولاة ديار بكر والرقة من القضاء على غائلته. ولا زال عصيانه يزداد. فعهد بفرمان إلى الوزير للقيام بأمر تأديبه ولم يسبق للدولة أن استخدمت جيش العراق لتسكين الاضطرابات خارجه في غالب أحيانها. فنهض من بغداد وورد نصيبين واتخذ (قوچ حصار) مضرب خيامه.

أما تيمور فقد جمع نحو خمسة عشر ألفا وتأهب للقتال. ولما قرع سمعه صيت الوزير وسطوته تزلزلت منه الأقدام. فترك دياره والتجأ إلى الجبال وتشتت جموعه. ولكن الوزير أراد أن يقطع دابر فساده فتوجه نحو الرها فوصل إلى (دبة حمدون) وتبعد عنها نحو ١٢ ساعة فأراد أن يقضي على أتباعه أو من كانت له علاقة به فانتشرت الجيوش ونكلت بهم تنكيلا مرا فعادت بغنائم وافرة.

بقي الوزير نحو أربعين يوما أظهر فيها السطوة. فكان الماء قليلا والهواء رديئا فأحس بحدوث بعض الأمراض في الجيش فسمع باحتشاد بعضهم في أطراف (نظر بيجاق) فنهض في ٢٤ ذي الحجة وتوجه نحو أولئك المحتشدين فوصلوا إلى أنحاء (سويركة) وبعد نصف ساعة أرسل لطف الله (رئيس الديوان) (١) ، فجعل مقدارا من الجيش تحت قيادته (٢).

__________________

(١) يسمى ديوان أفنديسي.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢٠٩.

١٣٠

حوادث سنة ١٢٠٦ ه‍ ـ ١٧٩١ م

تتمة الوقعة السالفة :

ولما سمع المتمردون في أطراف بوجاق (نظر بيجاق) من أعوان تيمور بمجيء العساكر وتعقيبهم لهم التجأوا إلى الجبل إلا أن لطف الله لم يقصر في اقتفائهم فأحاط بأطرافهم. وفي نتيجة الحرب استولى على حصونهم وقتّل فيهم كثيرا وعاد بغنائم وافرة.

وعلى كلّ قضى الوزير على هذه الغائلة ونظم الأمور ونصب إبراهيم المحمود أخا تيمور باشا رئيسا على (اسكان) وألبسه الخلعة وعفا عن العشائر وأدخلها في طاعته. وحينئذ عاد متوجها نحو ماردين فنصب خيامه في (حضرم) وبقي بضعة أيام للاستراحة وفي هذه الأثناء ألقي القبض على (ملكي حسين آغا) و (غورس ملكي حسن آغا) وكانا من أعوان تيمور والمتفقين معه. أزعجوا الناس بعصيانهم ، فأرسلوا إلى ماردين فصلبوا فيها (١).

اليزيدية :

ومن ذيول هذه الوقعة أن الوزير غزا اليزيدية وسماهم (عبدة الشيطان). رأى عصيان فرقة موسّان منهم فنزل عليها ، وطلب رجالها فلما جاؤوا إليه أمر بقتلهم وأرسلت رؤوسهم المقطوعة إلى استنبول ، وتخلص الناس من شرورهم فعد ذلك من مقتضيات المصلحة (٢).

مدرسة السليمانية :

عمّر الوزير هذه المدرسة فكانت كأنها نشوة الظفر والانتصارات

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢١٠.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢١٠ وتاريخ اليزيدية.

١٣١

الباهرة. وقفها في ٢ شوال سنة ١٢٠٦ ه‍. ذكرتها في كتاب المعاهد الخيرية.

حوادث سنة ١٢٠٧ ه‍ ـ ١٧٩٢ م

سليمان بك الشاوي :

في خلال سنة ١٢٠٥ ه‍ فر عجم محمد الكهية إلى مصر فمات فيها. أما الحاج سليمان الشاوي فإنه أقام في أنحاء الخابور. فتمكن من جمع حاشية له فأشاع عنه الوزير أنه سلك طريق البغي ليبرر محاربته فلم يهدأ له قرار فأمر أحمد الكهية أن يذهب إليه بعسكر وافر فعلم بالأمر وحينئذ رحل من مكانه ، وعقب الكهية أثره حتى وصل إلى كبيسة ولما لم يتيسر الظفر به عاد. فاستغرقت سفرته من ٨ صفر إلى ٢٦ منه (١).

صيد وزيارة :

أراد الوزير أن يبدي سطوته في أنحاء الفلوجة ويرهب عدوه فذهب للصيد هناك. تحرك من بغداد في ٢ جمادى الثانية فقضى فيها بضعة أيام للنزهة.

ثم مال عنها إلى كربلاء فزار مرقد الإمام الحسين وعاد إلى بغداد (٢).

حوادث سنة ١٢٠٨ ه‍ ـ ١٧٩٣ م

وقائع الخزاعل :

لم يؤد محسن المحمد شيخ الخزاعل الميري ولا المعينات التي

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢١١.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢١١.

١٣٢

١٣٣

عليه. ماطل واعتذر ، فأرسل الوزير عليه أحمد الكهية بقوة كافية فتحرك من بغداد في ١١ ربيع الأول وتوجه نحو حسكة. فأقام قريبا منها واتخذ التدابير اللازمة للحصار.

رأى شيخ الخزاعل أن لا طريق للنجاة سوى التسليم فركن للطاعة فأرسل جماعة وطلب العفو وتعهد بما هو مطلوب من الميري. فسامحهم الكتخدا وقبل دخالتهم واستوفى الرسوم عن سنة وأخذ من رئيسهم الرهائن وأبقاه في مشيخته ، وعاد في ٢٠ جمادى الثانية.

وكان الإذعان من شيخ الخزاعل مما سهل أن ينفر منه قسما كبيرا من أتباعه ولا سبب لذلك سوى التضييق في تنفيذ مطالب الحكومة بدرجة قاسية. فمال القوم إلى أكبر معارض له الشيخ حمد الحمود فوردت منه معروضات خلاصتها أن أكثر الشيوخ والأعيان فارقوا الشيخ محسن المحمد ومالوا إليه وأنه متعهد بكافة ما يجب من خدمة وهناك الشاوي لم تتم قضيته فكانت خير مسهل أن يأخذه لجانبه. لذا عزل محسن المحمد ووجه المشيخة إلى حمد الحمود وأرسلت إليه الخلعة مع كتاب المشيخة (١).

حوادث سنة ١٢٠٩ ه‍ ـ ١٧٩٤ م

سليمان الشاوي وقتله :

ذهب سليمان الشاوي إلى أنحاء الخابور بعد واقعة أحمد الكهية وهناك اغتاله أحد أقاربه محمد بن يوسف الحربي وأولاده. وهؤلاء من البو شاهر من فخذ (الحربي). ورئيس البو شاهر آنئذ علي الحمد. والآن لم يبق من الحربي إلا القليل فكانت وفاته سبب ذل هذا الفخذ (٢).

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٢١١.

(٢) دوحة الوزراء ص ٢١٢.

١٣٤

وسليمان الشاوي أديب ، عالم ، فاضل ، شاعر. ذو دين ومهذب من كل وجه قال فيه صاحب المطالع : كان مسعر الحرب وهامر الكف. إلا أن السياسة رمته ظلما وجورا بالعصيان وقطع الطرق وما شاكل. وأساسا أن القلم بأيديهم. ولكن وقائعه تؤذن بأنه لا يريد البادية ، ولا يرغب فيها. مال إلى السلم مرارا ولكن الحكومة لم تشأ أن يكون معها متنفذ لم يطأطىء رأسه لظلم. ولم يشأ أن يسلم (دخيله).

وفي مطالع السعود وديوان الأزري وإرشاد المناوي ، إلى فضائل آل الشاوي وكتب أخرى كثيرة ما يبصر بوضعه.

والحكومة متغلبة. تنزع إلى قهر كل قوة وطنية بالقضاء على نفوذ رجالها. قتلت قبل هذه أباه ثم ثنت به وهكذا لم تترك قائما يقوم من إخوته وسائر أفراد أسرته (١).

تيمور باشا الملي :

مضى الكلام عليه. وفي هذه المرة راسل حاكم ماردين (ويودة) صاري محمد آغا وبواسطته تشبث لدى الوزير في عرض الطاعة والاستيمان.

قبل الوزير التجاءه ولزيادة الاطمئان جلبه إلى بغداد وأبدى له من الرعاية واللطف ما يليق به وتشفع له من السلطان فنال العفو.

صيد وزيارة :

وفي هذه المرة ذهب الوزير للصيد إلى أنحاء الفلوجة في ٢٢ جمادى الأولى فمكث فيها بضعة أيام ثم ذهب إلى كربلاء للزيارة. ومنها

__________________

(١) مطالع السعود ص ١٣٤ ودوحة الوزراء ص ٢١٢. ومجلة (لغة العرب) والتاريخ الأدبي.

١٣٥

قفل راجعا إلى بغداد في ٢١ جمادى الثانية.

حوادث سنة ١٢١٠ ه‍ ـ ١٧٩٥ م

الخزاعل :

كان شيخ الخزاعل حمد الحمود أذعن بالطاعة إلا أنه اقتضى أن يرسل الوزير بالجيوش متوالية إلى تلك الأنحاء للارهاب وتأمين الطاعة فسار أحمد الكهية عليهم بعد أن استعد استعدادا كاملا. فورد حسكة في ١٠ ربيع الثاني. وأقام فيها ما يزيد على الشهرين ومد سطوته إلى ما جاور تلك الأنحاء ونظم الأحوال كما تقتضيه المصلحة. واستوفي الميري السنوي من الخزاعل ، وبذلك قوّى نفوذ الحكومة.

ثم عاد في ١٥ رجب (١).

صيد وزيارة ـ عشيرة بني عز :

عند حلول موسم الربيع لم تكن للوزير مشغلة ، فاكتفى بالكهية. ليروح نفسه بالصيد والنزهة على المناظر الربيعية. وفي ١ شوال (٢) خرج من بغداد متوجها نحو سامراء للزيارة ومنها مضى إلى عشيرة بني عز. قضى بضعة أيام في الصيد حتى وصل إلى ناحية افتخار من أعمال كركوك ثم عاد إلى بغداد فدخلها في ٢٢ منه. وهذه العشيرة من عبادة. والتفصيل عنها في كتاب عشائر العراق.

قتلة الكهية :

كان منح الوزير منصب كهية بغداد إلى أحمد آغا ، ومضت وقائعه

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٦١.

(٢) ورد في دوحة الوزراء في ٢١ شوال ، وليس بصواب.

١٣٦

وأعماله. فالوزير وجد فيه كفاءة لتمكين سيطرة المماليك إلا أنهم كانوا يرون له معايب تعد سبب قتله. منها أنه لم ينشأ في نعيم وإنما كان من طبقة الدون وأنه كان يستخف بأصحاب المكانة وإذا رأى مواهب من أحد عاداه ولذا صار يقدم الجهال ليبقى محافظا على مكانته ، ولو شاهد أن الوزير لحظ أحدا أو جلب رضاه صار عدوه الأكبر وخصمه الألد وسعى أن يوقع به أما بنسبة خيانة إليه أو اتهام بقضية قاصمة الظهر أو داعية للنفرة منه فيكون سبب إبعاده أو القضاء عليه ... وبعض أعماله تدل على حسن التدبير والاقتصاد في النفقات. فتسامح الوزير في أمره وأغمض عينيه.

وبين صاحب الدوحة أنه حينما أراد الوزير تزويج بنته من علي آغا خازنه لم يتمكن من عذله فأضمر له العداء ، فقام بترتيب اغتيال الوزير مع أنه أكبر منعم عليه فكان ذلك سبب قتله من خازنه علي آغا في ٢ صفر بأمر الوزير وفي عنوان المجد أن ذلك كان في شهر رمضان فحاز الوزير جميع خزائنه وأمواله مما لا يحصيه العد (١).

وفي مرآة الزوراء قص حادث سليمان بك الشاوي وأنه لم يرض أن يكون تحت إمرة المهر دار أحمد آغا نظرا لخساسة نسبه وأصله. ومن الأولى أن لا يقدم أمثاله على أهل الكمال والمعرفة من عريقي النجار ...

وكان أحمد آغا منح منصب كتخدا ثم جعل ميرميران فأحرز رتبة (باشا) لا سيما بعد وفاة سليمان الشاوي. إلا أن القدر كان يضمر له الوقيعة. وذلك أنه بعد أن تعين كتخدا اشتغل في إدارة الأمور واستولى عليها جميعها فترك نومه وراحته وأبدى لوزيره التفادي ، واختار العناء

__________________

(١) دوحة الوزراء ص ٣٦٢. وفي مجموعة خطية أنه قتل في غرة صفر.

١٣٧

العظيم. وهذه كانت السبب الوحيد في موفقيته ، وكان الوزير راضيا عن أعماله في كل الأحوال ، ونال مكانة في قلبه. أما المماليك ممن تقدم في الخدمة فإن الكتخدا لم يقصر في تنكيل من يرى منه خروجا عن طريقه. فكان يظن أن الجو صفا له ولم يبق من مزاحم. وفي هذا الآوان استشار الوزير كتخداه في تزويج ابنته الأولى خديجة خانم إلى أحد عتقائه خازنه علي آغا فأبدى له من المحاذير السياسية ما يمنع أن يتزوج بها فنالت تلقيناته تصديقا وتسليما.

علم بذلك الخازن وأحس بنوايا الكتخدا نحوه فعرّف رفقاءه بالأمر. وحينئذ وللعصبية اتفقوا على قتل الكتخدا. ولما كان يخشى سوء نية الوزير اتفقوا أن يرفعوه من هذا المنصب فتعاهدوا على ذلك.

وبعد هذا الاتفاق خرج الكتخدا في بعض الأيام من عند الوزير وحده حسب المعتاد وعند وصوله إلى رأس السلم قاصدا دائرته فاجأه رئيس البندقيين (تفكجي باشي) وهو عبد الله آغا والخازن علي آغا. سلا سيوفهما عليه. فلم يبد الكتخدا أي ارتباك. ويحكى أنه أظهر لهما اللائمة ، وبعضهما ينقل أنه رفع صوته ودعا الوزير لما ارتكباه ولكنه عاجلته المنية. ولما علم الوزير بما جرى حاول أن يسرع إلى محل الوقعة إلا أن بعض المخلصين له بيّن له بأن قضي الأمر وليس من المصلحة بقاؤك في المقام فأخذه من إبطه إلى الدائرة الداخلية.

فالوزير حينما تحقق أن كتخداه قتل غيلة ثارت حميته فدعا الينگچرية وصنوف العساكر والضباط والعلماء ووجوه المملكة ، وأراد أن ينتقم من الخازن ومتفقيه ولكن المماليك اتفقوا على المعصية وركبوا الشر. وأن تفريق جموعهم يستدعي وقوع محذورين أحدهما أن الأمن والراحة تأسسا بهمة هؤلاء. ومحوهم يستلزم زوال الأمن ، وثانيهما أن وكلاء الدولة إذا سمعوا بالواقعة حملوها على تشوش الإدارة وانتهزوا

١٣٨

الفرصة فلا يترددون من توجيه الوزارة إلى من لم يكن من المماليك.

ومن جهة أخرى أنه لو تعرض الوزير لهذا الأمر عادت الاضطرابات في العشائر العربية والكردية فالمصلحة تقتضي أن يعلن بأنه وقع هذا الأمر بتدبير منه ، وأن ينصب الخازن كتخدا إزالة لخوفه وأن يرشح لخطبة ابنته خديجة خانم. وبذلك تحصل له الطمأنينة.

أبدى ذلك محمد بك الشاوي فاستحسنه الحضار. وفي الحال نفذ الوزير هذه التدابير ، فأخمدت نيران الفتنة. وما جاء في الدوحة من أن إعدام الكتخدا كان بأمر من الوزير إنما كتبه كما وقع وأن الأستاذ سليمان فائق نقل ذلك عن والده وعمن يثق بهم (١)

ومن مجرى الحوادث ومن تصريحات الأستاذ سليمان فائق بك أن الوزير أراد أن يجعل الإدارة خالصة (للمماليك) فتمكن لولا أن الخازن أحبط أعماله.

قال صاحب مرآة الزوراء : إن الخازن لم يجسر أن يصل إلى الوزير بعد فعلته ما لم يرسل إليه مصحفا شريفا مختوما يختمه مع أمر بمنصب كتخدا للدلالة على العفو عنه.

ولما لقيه أول مرة عاتبه قائلا :

إني وضعت في بغداد منهاجا قويما فلم تدع بنائي على حاله بل سعيت لامحائه وستنال بنفسك مكافأة عملك. قال ذلك بتأسف وتألم. ودفن الكتخدا في مقبرة الشيخ شهاب الدين السهروردي وكلما جاء الوزير إلى زيارة الإمام تقدم لزيارة الكتخدا وقال :

اللهمّ عاقب ببلائك من غدر بأحمد.!!

وكانت تغرورق عيناه بالدموع.

__________________

(١) مرآة الزوراء.

١٣٩

والحاصل أن علي آغا نصب كتخدا وتزوج بخديجة خانم ونال رتبة (باشا) ولكن لم يكن له من المقدرة ما يؤهله للقيام بأعباء هذا الأمر. فكان السبب في أن يقوم بها الوزير بنفسه أيام شيخوخته. فأتعب الوزير كما أنه فتح طريقا سيئة للمماليك فصاروا إلى حين انقراضهم لا يأمن الواحد منهم جانب الآخر (١).

ولما كان الكتخدا المقتول حرص على إدارة الأمور واختص بفائدتها ، وجماعته يشاهدون. فإنه ذلك كان من أكبر أسباب نكبته وتلخص في كثرة أطماعه. وبعد قتلته ظهرت أمواله بالوجه الذي شاع عنه فاستغل الخطة التي اختطها الوزير (٢).

حوادث سنة ١٢١١ ه‍ ـ ١٧٩٦ م

مشيخة ثويني على المنتفق :

كان الشيخ ثويني في بغداد منزويا وكان لطف الوزير يشمله ولكنه لحقته حسرة على وطنه. فظهر انعام الوزير عليه. ولذا عزل الشيخ حمودا ووجه مشيخة المنتفق إليه وكساه الخلعة وعين بصحبته رئيس آغوات اللاوند وجملة بيارق من الخيالة وأذن له بالذهاب إلى محله. وفي مدة إقامته في بغداد يأمل أن يوليه الوزير مشيخة المنتفق للزحف على نجد ... فحصل على مطلوبه وجهز بجيش جرار فاستقر في المنتفق وذهب توا إلى البصرة (٣).

__________________

(١) مرآة الزوراء.

(٢) دوحة الوزراء ص ٣٦٤.

(٣) دوحة الوزراء ص ٣٦٤.

١٤٠