وضوء النبي - ج ٢

السيد علي الشهرستاني

وضوء النبي - ج ٢

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٦

سمعت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ويل للأعقاب من النار) وتعليل الحجّاج بأنّه أقرب للخبث.

فالرواية تدل على أنّ رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد بقوله الإشارة إلى تحقق الإسباغ في الأعضاء المغسولة والممسوحة سواء بمرّة أو مرتين ، إذ الإسباغ ليس ناظرا إلى التعدّد ، بل هو يتحقق في كيفية الغسل والمسح ، فربّ غسلة واحدة مسبغة ، ورب ثلاث أو أربع غسلات غير مسبغات ، وكذلك المسحات ، ويؤكد ذلك أنّ الرواية مع ذكرها للمسح وعدم ذكرها لتكرار الغسل ، ذكرت إسباغ الوضوء ، إذ لا ملازمة ولا ربط بين الإسباغ والتعدّد كما لا يخفى ، فلا وجه لتعميمه إلى الثلاث والاستفادة منه في إيجاب غسل الأرجل.

وأمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تتمّ صلاة لأحد» فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد منها التأكيد على لزوم التعبّد بما أمر به اللّٰه ، لا استخدام الرأي والاستحسان للإكثار من الماء والإسراف فيه ، وبما أنّ حكم الرأس والرجلين كان المسح ، فلا بد من الالتزام بأوامر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعدم إبدالها تبرّعا بالغسل.

الثالث : إنّ ما رواه أوس بن أبي أوس من أنّه رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى كظامة قوم بالطائف فبال .. ثمّ توضّأ ومسح على قدميه ، يؤكّد على عدم وجود حكم وضوء من لم يحدث ، لأنّه قال : (بال ، ومسح على قدميه) ، وفي هذا دلالة على أنّ المسح حكم لمن أحدث لا لمن لم يحدث! وأمّا ما ادّعاه هشيم في آخر الخبر بقوله : كان هذا في أوّل الإسلام ، يعني بكلامه أنه نسخ لاحقا ، فهو كلام مردود ، وادعاء محض سنجيب عنه في آخر هذا القسم وندلّل على عدم وقوع النسخ.

والحاصل : فإن هذه الرواية دليل آخر على نفي وجود حكم الغسل لمن أحدث ، واختصاص المسح بغير المحدث ، بل هي صريحة في أنّ المسح هو حكم ابتدائي لمن أحدث.

٣٢١

وقفة مع قوله «لرأيت»

مر عليك خبر عبد خير عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأنّه رأى الإمام يمسح ظهور قدميه ويقول : لو لا أنّي رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح على ظهورهما لظننت أن بطونهما أحقّ. وقد كنّا أثبتنا في مدخل الدراسة انقسام المسلمين إلى نهجين في الوضوء ، وأنّ دعاة الغسل كانوا من أصحاب الرأي ومن الذين ينظرون إلى الأحكام من زاوية استحسانية ذوقية ، لا تعبديّة شرعيّة.

وأنّ دعاة المسح كانوا من المتعبّدين بفعل وقول رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد شهد لهم بذلك الخليفة عثمان بقوله : (إنّ ناسا يتحدثون بأحاديث لا أدري ..)

فالإمام علي أراد بقوله هذا إلزام اتّجاه الرأي بما ألزموا به أنفسهم ـ مثلما فعل ابن عباس معهم ـ فقال لهم ـ ما معناه ـ : لو كان المسح من الأمور العاديّة ومن المستحسنات النفسيّة لكنت أرى مثل ما ترون ـ أنّ مسح باطن القدم أولى من مسح ظاهرها ـ لكنّي بما أني من المتعبدين بقول وفعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكون الوضوء من الأمور الشرعيّة لا العرفيّة والاجتماعيّة. وقد رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح على ظهورهما فألزمت نفسي بالمسح وترك الاجتهاد مقابله.

ومثله قوله في خبر عبد خير (السند الثالث والخامس) : كنت أرى باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح ظاهرهما ..

ومجي‌ء هذا النص عنه في تلك الفترة من تاريخ الإسلام يؤكّد مدّعانا من أنّ النهج الحاكم كان وراء تطبيق الغسل والدفاع عنه بالاستحسان والذوق الشخصي ، وأنّهم استغلّوا مفهوم (أسبغوا الوضوء) و (ويل للأعقاب من النار) وما شابهها مما صدر عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله للتدليل على ما يريدون ، والمطالع في أبواب الفقه والحديث في كتب أهل السنة والجماعة يرى تصدّر أحاديث (ويل للأعقاب من النار) لأبواب غسل الرجلين ، في حين أنه لا دلالة لها عليه ، وإنّ الحكم مختصّ بالعقب

٣٢٢

لتعرضه للنجاسة في غالب الأحيان ، فلو صحّ عندهم خبر دالّ على مشاهدة حسيّة عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله لاستدلّوا به على غسل الرجلين ، ولما اكتفوا بهذه الجملة للتدليل على الغسل ، مع أنك عرفت سقم محكيات الصحابة وطرقهم الغسليّة عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وإليك الآن ما أخرجه مسلم في صحيحه ـ باب غسل الرجلين ـ بسنده إلى سالم مولى شدّاد ، قال : دخلت على عائشة زوج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم توفي سعد بن أبي وقاص ، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر فتوضّأ عندها ، فقالت : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ويل للأعقاب من النار (١).

وفي مسند أحمد : .. فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : ويل للأعقاب يوم القيامة من النار (٢).

فهذان النصان يوضّحان لنا أن وضوء عبد الرحمن يغاير وضوء عائشة ، لقول عائشة له : (أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ويل للأعقاب من النار) ، ولما نقله الراوي (فأساء عبد الرحمن ، فقالت عائشة ..) فإن عائشة لو كانت قد رأت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد غسل رجليه للزمها أن تقول : يا عبد الرحمن اغسل رجلك ، فإني رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يغسل رجليه ، وحيث لم تر رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يغسل رجليه استدلّت على وجوب الغسل بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويل للأعقاب من النار ، لا برؤيتها.

والبصير العالم يعلم بأنه لا دلالة في (أسبغ الوضوء) و (ويل للأعقاب من النار) على غسل الأقدام ، بل إنّ لكلّ واحدة من الجملتين مفهوما يختص بها حسب ما سنوضحه في المجلد الثالث من هذا الكتاب «الوضوء في الكتاب واللغة».

نعم ، إنّ الرأي قد استخدم لترسيخ وضوء الخليفة عثمان بن عفان ، ومما يؤيّد ذلك ما أخرجه الطبري بسنده إلى حميد ، قال : قال موسى بن أنس لأنس ـ ونحن عنده ـ : يا أبا حمزة إنّ الحجّاج خطبنا بالأهواز ونحن معه نذكر الطهور ، فقال : اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم ، وإنه ليس من ابن آدم أقرب إلى خبثه من قدميه ، فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٢١٣ / ٢٥.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٦ : ١١٢.

٣٢٣

فقال أنس : صدق اللّٰه وكذب الحجاج ، قال تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) (١).

فترى الحجّاج ـ في هذا النص ـ استخدم الرأي في إلزام الناس بغسل أرجلهم معلّلا بأنه أقرب شي‌ء إلى الخبث ، فجملة الإمام علي عليه‌السلام المارة آنفا «لو كان الدين بالرأي لكان باطن القدم أول من ظاهره ، إلّا أني رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح على ظاهره» ناظرة إلى دحض مثل هذا الاتجاه الدخيل المتولّد في خلافة عثمان بن عفان ، ومثلها جملة أنس بن مالك ، فهي ناظرة إلى دحض امتداد ذلك الاتجاه الذي شجّعه الحجّاج وأتباع السلاطين ، ولا يفوتك أنّ قول أنس ـ وهو خادم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن متأخر جدّا يدلّ دلالة واضحة على بطلان ما ادعي من نسخ حكم المسح بالغسل ، إذ لو كان ثمة نسخ لما خفي على أنس بن مالك ، وهو هو في قربه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومن هنا نفهم مقصود الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : تعمل هذه الأمة برهة بكتاب اللّٰه ، ثمّ تعمل برهة بسنة رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تعمل بالرأي ، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلّوا وأضلّوا (٢).

__________________

(١) تفسير الطبري ٦ : ٨٢ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٤٤ ، الجامع لأحكام القرآن ٦ : ٩٢ ، الدر المنثور ٢ : ٢٦٢.

(٢) كنز العمال ١ : ١٨٠ / ٩١٥.

٣٢٤

نسبة الخبر إليه

لا ينكر أحد استمرار النزاع بين قريش وبني هاشم بعد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتأثير هذا النزاع على فقه المسلمين من بعد ، لانقسامهم إلى نهجين فكريّين في الشريعة ، فبعض الصحابة ـ وعلى رأسهم أكثر المهاجرين ـ قد شرّعوا الرأي وأخذوا به قبال النص ، بخلاف بني هاشم وجمع آخرين من الصحابة الذين أكّدوا على لزوم استقاء الأحكام الشرعيّة من القرآن والسنة المطهرة ، ولم يعطوا للرأي قيمة أمام النصّ القرآني والنبوي.

وقد شرح الإمام عليّ بن أبي طالب هذا الانقسام موضّحا دور قريش في بدء الدعوة وسعيها لاستئصال الدين ودفنه عند منبته ، مشيرا إلى دور بني هاشم وأنّهم الذين دافعوا عن الإسلام ، ووقوه بأموالهم وأنفسهم ، حتى قال عنهم رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله (. إنّهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام وإنما نحن وهم شي‌ء واحد ، وشبّك بين أصابعه) (١).

وبما أنّ قريشا لم يمكنها الوقوف بوجه الدّعوة ، انضوت تحت لوائه مرغمة ، منتظرة أن يأتي اليوم الموعود ـ وهو رحيل الرسول الأعظم ـ كي يحققوا ما يهدفون إليه ، وقد أخبر سبحانه بوقوع هذا الانقلاب بقوله (أَفَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ).

إخبار رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالفتنة

وجاء في كلام للإمام علي مخاطبا (أهل البصرة) حين قام إليه رجل ، فقال :يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الفتنة ، وهل سألت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها؟

فقال عليه‌السلام : إنّه لما أنزل اللّٰه سبحانه قوله (الم ، أَحَسِبَ النّٰاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّٰا وَهُمْ لٰا يُفْتَنُونَ) علمت أنّ الفتنة لا تنزل بنا ورسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أظهرنا ، فقلت :

__________________

(١) سنن النسائي ٧ : ١٣١ ، سنن أبي داود ٣ : ١٤٦ / ٢٩٨٠.

٣٢٥

يا رسول اللّٰه : ما هذه الفتنة التي أخبرك اللّٰه تعالى بها؟

فقال : يا عليّ إنّ أمّتي سيفتنون من بعدي.

فقلت : يا رسول اللّٰه : أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد ، من استشهد من المسلمين وحيزت عنّي الشهادة ، فشق ذلك عليّ ، فقلت لي : أبشر ، فإنّ الشهادة من ورائك؟ فقال لي صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذن؟.

فقلت : يا رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي إنّ القوم سيفتنون بأموالهم ، ويمنّون بدينهم على ربّهم ويتمنّون رحمته ، ويأمنون سطوته ، ويستحلّون حرامه بالشبهات الكاذبة ، والأهواء الساهية ، فيستحلّون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع.

قلت : يا رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبأيّ المنازل أنزلهم عند ذلك؟ أبمنزلة ردّة أم بمنزلة فتنة؟

فقال : بمنزلة فتنة (١).

وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب ، قال : أتاني رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنا أعرف الحزن في وجهه ، فأخذ بلحيتي ، فقال : إنا للّٰه وإنا إليه راجعون ، أتاني جبريل آنفا فقال : إنا للّٰه وإنا إليه راجعون.

قلت : أجل ، فإنا للّٰه وإنا إليه راجعون ، فممّ ذاك يا جبرائيل.

فقال : إنّ أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير.

قلت : فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟

قال : كلّ ذلك سيكون.

قلت : ومن أين ذاك ، وأنا تارك فيهم كتاب اللّٰه؟

قال : بكتاب اللّٰه يضلّون ، وأوّل ذلك من قبل قرّائهم وأمرائهم ، يمنع الأمراء حقوقهم فلا يعطونها فيقتتلون ، وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدّونهم في الغي ثمّ

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٢٢٠ ضمن ط ١٥٦ ، خاطب به أهل البصرة على جهة اقتصاص الملاحم.

٣٢٦

لا يقصرون.

قلت : يا جبرئيل ، فبم يسلم من سلم منهم؟

قال : بالكف والصبر ، إن أعطوا الذي لهم أخذوه ، وإن منعوه تركوه (١).

تحذير عليّ بن أبي طالب الناس من الفتنة

وقال لما بويع في المدينة : ذمّتي بما أقول رهينة ، (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) ، إنّ من صرحت له العبر عمّا بين يديه من المثلات ، حجزته التقوى عن تقحّم الشبهات ، ألا وإنّ بليّتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث اللّٰه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلة ، ولتغربلنّ غربلة ، ولتساطن (٢) سوط القدر ، حتى يعود أسفلكم أعلاكم ، وأعلاكم أسفلكم ، وليسبقنّ سابقون كانوا قصّروا ، وليقصّرنّ سبّاقون كانوا سبقوا ، واللّٰه ما كتمت وشمة (٣) ، ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ، ألا وإنّ الخطايا خيل شمس (٤) حمل عليها أهلها ، وخلعت لجمها (٥) فتقحمت (٦) بهم في النار ، ألا وإنّ التقوى مطايا ذلل (٧) ، حمل عليها أهلها ، وأعطوا أزمّتها ، فأوردتهم الجنة. حق وباطل ، ولكلّ أهل ، فلئن أمر الباطل لقديما فعل ، ولئن قلّ الحق فلربّما ولعلّ ، ولقلّ ما أدبر شي‌ء فأقبل! (٨).

موقف قريش مع الرسول والرسالة

نعم ، إنّ قريشا أرادت قتل الرسول واجتياح أصل الإسلام ، بعكس بني هاشم

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ١٥٥ عن الترمذي.

(٢) لتساطن : من السوط ، وهو أن تجعل شيئين في الإناء وتضربهما بيديك حتى يختلطا فينقلب أعلاها أسفلها ، وهو حكاية عما يئولون إليه من الاختلاف وفساد النظام.

(٣) الوشمة : الكلمة.

(٤) الشمس : جمع شموس وهي من شمس كنصر : أي منع ظهره أن يركب.

(٥) جمع لجام ، وهو عنان الدابة التي تلجم به.

(٦) تقحمت به في النار : أي أردته فيها.

(٧) الذلل : جمع ذلول ، وهي المروضة الطائعة.

(٨) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٥٧.

٣٢٧

الذين دافعوا عنه وجادوا بأنفسهم لحماية دينه.

فقريش ـ مع أنّ رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقي أصحابه بأهل بيته ـ كانوا ينقلون عنه عكس ذلك ، والمطالع في كتب الإمام علي لمعاوية يقف على حقائق كثيرة في تاريخ الإسلام واختلاف المسلمين ، وإليك هذا المقطع من أحد كتبه عليه‌السلام لمعاوية وفيه : ..

فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا ، وهمّوا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، ومنعونا العذب ، وأحلّونا الخوف ، واضطرونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، فعزم اللّٰه لنا على الذبّ عن حوزته ، والرمي من وراء حرمته ، مؤمننا يبغي بذلك الأجر ، وكافرنا يحامي عن الأصل ، ومن أسلم من قريش خلو مما نحن فيه بحلف يمنعه أو عشيرة تقوم دونه ، فهو من القتل بمكان آمن (١) ، وكان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا احمرّ البأس ، وأحجم الناس ، قدّم أهل بيته فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسيوف ، فقتل عبيدة بن الحارث [وهو ابن عم رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله] يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر يوم مؤتة ، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة ، ولكنّ آجالهم عجّلت ومنيّته أجّلت ، فيا عجبا للدهر ، إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ، ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلّا أن يدّعي مدّع ما لا أعرفه ولا أظنّ اللّٰه يعرفه (٢).

ثمّ كشف عليه‌السلام في خطبة أخرى سرّ مخالفة قريش لهم وأنه يرجع إلى تفضيل اللّٰه لأهل البيت دونهم ، فقال : مالي ولقريش! واللّٰه لقد قاتلتهم كافرين ولأقاتلنهم مفتونين ، وإنّي لصاحبهم بالأمس ، كما أنا صاحبهم اليوم! واللّٰه ما تنقم منّا قريش إلّا أنّ اللّٰه اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا (٣).

وفي كلام له عليه‌السلام بعد أن وعظهم وحذّرهم من الشيطان ، ودعاهم للاعتبار بالأمم السالفة ، وذكرهم النعمة برسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ قال : (ألا وإنكم قد نفضتم أيديكم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن اللّٰه المضروب عليكم ، بأحكام الجاهلية ، فإنّ اللّٰه سبحانه

__________________

(١) علق محقق النهج بقوله : كان المسلمون من غير آل البيت آمنين على أنفسهم ، إمّا بتحالفهم مع بعض القبائل أو بالاستناد إلى عشائرهم.

(٢) نهج البلاغة : ٣٦٨ / ٩.

(٣) نهج البلاغة : ٧٧ / ضمن ط ٣٣.

٣٢٨

قد امتنّ على جماعة هذه الأمة فيما عقد بينهم من حبل هذه الألفة التي ينتقلون في ظلها ويأوون إلى كنفها ، بنعمة لا يعرف أحد من المخلوفين لها قيمة لأنّها أرجع من كلّ ثمن ، وأجلّ من كلّ حظّ.

واعلموا أنكم صرتم بعد الهجرة إعرابا ، وبعد الموالاة أحزابا ، ما تنطقون من الإسلام إلّا باسمه ، ولا تعرفون من الإيمان إلّا رسمه إلى أن يقول : ألا وقد قطعتم قيد الإسلام ، وعطّلتم حدوده ، وأمتّم أحكامه ، ألا وقد أمرني اللّٰه بقتال أهل البغي ، والنكث والفساد في الأرض.

ثمّ أخذ يصف حاله مع رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وسبقه إلى الإسلام ، بقوله : (أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد علمتم موضعي من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا ولد ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسّني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشي‌ء ثمّ يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن اللّٰه به صلى‌الله‌عليه‌وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت اتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة : وأشمّ ريح النبوة ، ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله) (١).

المتقون والفساق وبعض صفاتهم

ثمّ ذكر عليه‌السلام في آخر النص السابق عتوّ قريش على رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وطلبهم منه أن يدعو لهم شجرة كانت أمامه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تأتيه ، فلما أتاهم بها أعرضوا كفرا وعتوا.

والإمام في خطبة أخرى نقل لنا صفات المتّقين والفساق ممّا يمكن أن يكون فيهما إشارة إلى الصنفين في عهده ، فقال عليه‌السلام في صفة المتقين :

__________________

(١) نهج البلاغة : ٢٩٨ / ضمن ط ١٩٢.

٣٢٩

(.. فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف منارة ، وقطع غماره ، واستمسك من العري بأوثقها ، ومن الجبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه للّٰه سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه ، وتصيير كلّ فرع إلى أصله).

ثمّ وصف الفساق بقوله :

(وآخر قد تسمّى عالما وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال وأضاليل من ضلال ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه ، يؤمن الناس من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع) (١).

مكانة أهل البيت في الأمة والتشريع

ثمّ أخذ عليه‌السلام يصف عترة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : فأين تذهبون وأنى تؤفكون ، والأعلام قائمة والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ، وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ، وهم أزمّة الحقّ ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن ، وردوهم ورود الهيم العطاش.

أيّها الناس ، خذوها عن خاتم النبيين «إنّه يموت من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منّا وليس ببال» فلا تقولوا بما لا تعرفون ، فإنّ أكثر الحقّ فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجة لكم عليه ، وهو أنا ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر! قد ركزت فيكم راية الإيمان ، ووقفتكم على حدود الحلال والحرام ، وألبستكم العافية من عدلي ، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي ، وأريتكم كرائم الأخلاق من نفسي ، فلا تستعملوا الرأي فيما لا يدرك قعره البصر ، ولا تتغلغل إليه الفكر (٢).

وفي آخر (.. لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ١١٨ / ٨٧ ، / ضمن ٨٧.

(٢) نهج البلاغة : ١٢٠.

٣٣٠

نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفي‌ء الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص الولاية وفيهم الوصيّة والوراثة. وكان قد قال قبلها عن آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : هم موضع سرّه ولجأ أمره ، وعيبة علمه ، وموئل حكمه ، وكهوف كتبه ، وجبال دينه ، بهم أقام انحناء ظهره ، وأذهب ارتعاد فرائضه) (١).

وفي كلام آخر له يذكر فيه آل محمد : (هم عيش العلم ، وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعائه ورعاية ، لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل) (٢).

وفي آخر : (انظروا أهل بيت نبيكم ، فألزموا سمتهم واتّبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلّوا ولا تتأخّروا عنهم فتهلكوا) (٣).

حال الأمّة في عهد عليّ بن أبي طالب

وقال عليه‌السلام في بيان الأسباب التي تهلك الناس : (وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها! لا يقتصون أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفون عن عيب ، يعملون في الشبهات ، ويسيرون في الشهوات ، المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، مفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم ، وتعويلهم في المهمات على آرائهم ، كأن كلّ امرئ منهم إمام نفسه ، قد أخذ منها فيما يرى بعرى ثقات ، وأسباب محكمات) (٤).

وقد قال عليه‌السلام لمّا انصرف من صفين :

(.. والناس في فتن انجذم فيها حبل الدين ، وتزعزعت سواري اليقين ،

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٤٧.

(٢) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٣٥٨.

(٣) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ١٤٣.

(٤) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ١٢١ / ٨٧.

٣٣١

واختلف النجر وتشتت الأمر ، وضاق المخرج ، وعمي المصدر ، فالهدى خامل والعمى شامل ، عصي الرحمن ، ونصر الشيطان ، وخذل الإيمان ، فانهارت دعائمه ، وتنكّرت معالمه ، ودرست سبله ، وعفت شركه ، أطاعوا الشيطان فسلكوا مسالكه ، ووردوا مناهله ، بهم سارت أعلامه وقام لواؤه ، في فتن داستهم بأخفافها ، ووطئتهم بأظلافها ، وقامت على سنابكها ، فهم فيها تائهون حائرون جاهلون مفتونون ..).

ومنها قوله : (أيها الناس لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة أهله ، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل ـ إلى أن يقول ـ أيها الناس من سلك الطريق الواضح ورد الماء ، ومن خالف وقع في التيه) (١).

وقال في نص آخر : (أيّها الناس شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة وعرّجوا عن طريق المنافرة ، وضعوا تيجان المفاخرة ..) (٢).

وفي آخر : (قد خاضوا بحار الفتن ، وأخذوا بالبدع دون السنن وأرز المؤمنون ، ونطق الضالّون المكذّبون ، نحن الشعار والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا) (٣).

وفي آخر : وأخذوا يمينا وشمالا ، طعنا في مسالك الغي وتركا لمذاهب الرشد.

ومن وصيته للحسن عند انصرافه من صفين : (. وان أبتدئك بتعليم كتاب اللّٰه عزوجل وتأويله ، وشرائع الإسلام وأحكامه ، وحلاله وحرامه ، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره ، ثمّ أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم ، فكان إحكام ذلك على ما كرهت من تنبيهك له أحبّ إليّ من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة) (٤).

وفي كلام له في سحرة اليوم الذي ضرب فيه :

(ملكتني عيني وأنا جالس ، فسنح لي (٥) رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت : يا رسول اللّٰه ، ما ذا لقيت من أمتك من الأود واللّدد؟

__________________

(١) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٣١٩.

(٢) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٥٢.

(٣) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٢٠٨.

(٤) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٣٩٤.

(٥) مرّ بي كما تسنح الظباء والطير.

٣٣٢

فقال : ادع عليهم.

فقلت : أبدلني بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرّا لهم منّي) (١).

وفي كلام له : .. وإنّما الأئمة قوّام اللّٰه على خلقه ، وعرفاؤه على عباده ، ولا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه ..) (٢).

توضح لنا هذه النصوص امتداد النهجين بعد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتصدّر قريش المعارضة بعد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بعد أن عارضته في حياته ، وقد مرّ عليك حكاية الإمام علي عليه‌السلام طلبهم من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يأتيهم بالشجرة التي أمامه ، ولما أتاهم بها قالوا إنّه ساحر.

نعم إنّ قريشا قد نقضت البيعة ، وثلمت حصن اللّٰه بأحكام الجاهلية ، وفي عهدهم أرز المؤمنون ونطق الضالّون المكذّبون وتصدّر الجهّال لأمور الدين ، وحكّموا العصبية والقبلية في الشريعة ، وعملوا بغير علم «فلا يزيده بعده عن الطريق الواضح إلّا بعدا من حاجته ، لأنّ العامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح ، فلينظر ناظر ، أسائر هو أم راجع» (٣).

وقد وضّح الإمام بخطبة ورسائله انحراف الأمّة عن الشريعة ، وتحكيم الرأي والبدع والأهواء فيها ، مؤكّدا عليه‌السلام لزوم اتّباع أهل البيت ، لأنّ الابتعاد عنهم يعني الخروج عن الجادّة والسير على غير هدى ، وقد صنف الإمام الناس إلى رجلين : متّبع شرعة ، ومبتدع بدعة ليس معه من اللّٰه سبحانه برهان سنة ولا ضياء حجّة.

في آخر عرّف أهل البيت بأنهم «الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب ولا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها ، فمن أتاها من غير أبوابها سمّي سارقا» «وإنّ من سلك الطريق الواضح ورد الماء ، ومن خالف وقع في التيه». وكان قد قال قبلها «أيّها الناس لا تستوحشوا من طريق الهدى لقلة أهله ، فإنّ الناس قد اجتمعوا على مائدة شبعها قصير وجوعها طويل».

كل ذلك وهو يؤكد على مكانته من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنه كان يتّبعه اتّباع الفصيل

__________________

(١) نهج البلاغة : ٩٩.

(٢) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٢١٢.

(٣) نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح : ٢١٦.

٣٣٣

لأمّه ، وأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمضغ الشي‌ء ثمّ يلقمه إياه ، كناية عن قربه منه واهتمامه به ، وقد شمّ ريح النبوّة ورأى نور الوحي. وقد كان عليه‌السلام قد أكد مرارا على لزوم اتباع أهل البيت وأخذ سمتهم واتّباع أثرهم «لأنّهم لم يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى» وفي قول آخر «فأين تذهبون ، وأنى تؤفكون ، والأعلام قائمة والآيات واضحة ، والمنار منصوبة ، فأين يتاه بكم ، وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم ، هم أزمّة الحق وأعلام الدين» وفي قول ثالث : «وإنّه لا يدخل الجنة إلّا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلّا من أنكرهم وأنكروه».

وهذه النصوص توضح مراد الإمام وأن هناك نهجان : نهج الرأي والاجتهاد ، الذي قد تصدرته قريش والامويون ، ونهج التعبد المحض المتمثل بأهل بيت الرسالة والمتعبّدين من الصحابة.

نعم ، إنّ رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبر بأن أمّته تعمل برهة بكتاب اللّٰه ، ثمّ برهة بسنة رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمّ تعمل بالرأي ، فإذا عملوا بالرأي فقد ضلّوا وأضلوا (١).

وإنّ في نهي أهل بيت النبوة عن العمل بالرأي وتأكيدهم على لزوم استقاء الأحكام من الكتاب العزيز والسنة ، لتصريح وتلويح إلى وجود النهج المقابل لهم (٢).

ونحن بتقديمنا ما مر كنا نبغي إيقاف القاري العزيز على أنّ الخلاف السياسي قد اثر على الاختلاف الفقهي بين المسلمين ، وهو الأخر قد وضّح لنا اهداف بعض الجهات في التشريع الإسلامي.

وقد كنا بينا سابقا ـ في نسبة الخبر إلى ابن عباس ـ بعض الشي‌ء في سبب اختلاف النقل عن الصحابي الواحد والدواعي والأسباب الكامنة وراءه ، والان مع بيان أمر آخر وهو دور الرأي والاجتهاد في الانحراف الفقهي بعد رسول اللّٰه ، لاعتقادنا بأن في تبيين هكذا أمور ـ غير مطروحة لحد اليوم ـ المعين الصافي والمنبع الدافق لتفهم تاريخ التشريع الإسلامي.

__________________

(١) كنز العمال ١ : ١٨٠ / ٩١٥.

(٢) لو أردت المزيد فيمكنك مراجعة كتابنا (منع تدوين الحديث) ففيه ما يوضح انقسام المسلمين بعد رسول اللّٰه.

٣٣٤

نعم ، قد شرّع التحريف لاحقا وقد كان للأمويين والقرشيين الدور الأكبر فيه ، وإنّ رسول اللّٰه ص بتاكيده على العترة كان يريد إرشادهم ـ وإيانا ـ إلى أن الخلاف السياسي بين الصحابة سيوصل الأمة إلى الابتعاد الفقهي عن العترة ، وهذا يسبب لهم الابتعاد عن سبيل الرسول ، لأنا نعلم بأن السنة هي الطريقة ، في اللغة ، والإضلال معناه الابتعاد عن الدرب ، فقد يكون صلى‌الله‌عليه‌وآله أراد بكلامه في حديث الثقلين (ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا) الإشارة إلى لزوم استقاء الاحكام عنهما وعدم التأثر بالمؤثرات السياسية ، لأن في ذلك الابتعاد عن نهج رسول اللّٰه وسنته.

هذا وإنا كنا بينا في نسبة الخبر إلى ابن عباس بعض الجهات في التشريع ، والان مع بيان جذور تشريع الرأي والاجتهاد قبال النص وملابسات هذا الأمر عند المسلمين لان فيه الخبر الكثير لتفهم تاريخ التشريع الإسلامي وما جرى عليه من أمور.

الأمة بين الرأي والاجتهاد

عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال لجابر : يا جابر! لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأصول عنه ، نتوارثها كابر عن كابر ، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم (١).

وسأل رجل الصادق عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل : أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟

فقال له : مه! ما أجبتك فيه شي‌ء فهو عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لسنا من (أرأيت) في شي‌ء (٢).

عن سعيد الأعرج ، قال : قلت لأبي عبد اللّٰه (الصادق) إنّ من عندنا ممّن يتفقّه ، يقولون : يرد علينا ما لا نعرفه في كتاب اللّٰه ولا في السنّة نقول فيه برأينا.

فقال أبو عبد اللّٰه : كذبوا ، ليس شي‌ء إلّا قد جاء في الكتاب وجاءت به السنّة (٣).

__________________

(١) بصائر الدرجات : ٣٠٠ و ٢٩٩.

(٢) الكافي ١ : ٥٨.

(٣) مستدرك وسائل الشيعة ١٧ : ٢٥٨ ، اختصاص المفيد : ٢٨١.

٣٣٥

وعن الباقر قوله : ما أحد أكذب على اللّٰه وعلى رسوله ممّن كذّبنا أهل البيت أو كذب علينا ، لأنّا إنّما نحدّث عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن اللّٰه. فإذا كذّبنا فقد كذّب اللّٰه ورسوله (١) وقال : لو أنّا حدّثنا برأينا ضللنا كما ضلّ من كان قبلنا (وفي آخر : فلو لا ذلك كنّا كهؤلاء الناس) (٢) ولكنّا حدّثنا ببيّنة من ربّنا لنبيّه فبيّنها لنا (٣).

وفي خبر آخر عنه عليه‌السلام : إنّ اللّٰه علّم نبيّه التنزيل والتأويل فعلّمه رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّا وعلّمنا واللّٰه الحديث (٤).

وعن الصادق أنّه قال : إنّ اللّٰه بعث محمّدا فختم به الأنبياء فلا نبيّ بعده ، وأنزل عليه كتابا فختم به الكتب فلا كتاب بعده ـ إلى أن قال ـ : فجعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله علما باقيا في أوصيائه فتركهم الناس ـ فهم الشهداء على أهل كلّ زمان ـ حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر ، وطلب علومهم ، وذلك أنّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض ، واحتجّوا بالمنسوخ وهم يظنّون أنّه تأويله ، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام وإلى ما يختمه ، ولم يعرفوا موارده ومصادره إذ لم يأخذوا عن أهله فضلّوا وأضلّوا (٥).

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أفتى الناس بغير علم وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك (٦).

وعن محمد بن حكيم قال قلت للصادق : إنّ قوما من أصحابنا قد تفقّهوا وأصابوا علما ورووا أحاديث فيرد عليهم الشي‌ء فيقولون فيه برأيهم ، فقال : لا ، وهل هلك من مضى إلّا بهذا وأشباهه (٧)؟! وقد جاء هذا الكلام بنحو آخر عن الباقر ، وذلك حينما ذكر له عن عبيدة

__________________

(١) جامع أحاديث الشيعة ١ : ١٨١.

(٢) بصائر الدرجات : ٣٠١.

(٣) بصائر الدرجات : ٢٩٩.

(٤) جامع أحاديث الشيعة ١ : ١٨٤ عن الكافي.

(٥) جامع أحاديث الشيعة ١ : ٢٢٠ عن تفسير العيّاشي.

(٦) جامع أحاديث الشيعة ١ : ١٥٣.

(٧) المحاسن : ٢١٢.

٣٣٦

السلمانيّ أنّه روى عن عليّ بيع أمّهات الأولاد ، فقال الباقر : كذبوا على عبيدة أو كذب عبيدة على عليّ ، فما حدّثناكم به عن عليّ فهو قوله ، وما أنكرناه فهو افتراء عليه ، ونحن نعلم أنّ القياس ليس من دين عليّ ، وإنّما يقيس من لا يعلم الكتاب والسنّة ، فلا تضلّنّكم روايتهم ، فإنّهم لا يدعون أن يضلّوا .. (١)

وعن أبي بصير ، قال : قلت للصادق : ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّٰه ولا سنّة فننظر فيها؟ قال : لا ، أمّا إنّك إن أصبت لم تؤجر وإن أخطأت كذبت على اللّٰه عزوجل (٢).

وعن عليّ بن الحسين : أنّ دين اللّٰه لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقاييس الفاسدة ولا يصاب إلّا بالتسليم ، فمن سلّم لنا سلم ، ومن اقتدى بنا هدي ، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئا ممّا نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم (٣).

ومن أوضح مواطن العمل بالرأي هو نهي قريش عن تدوين حديث رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد صحّ عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص أنّه قال : كنت أكتب كلّ شي‌ء أسمعه من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله أريد حفظه ، فنهتني قريش ، فقالوا : إنّك تكتب كلّ شي‌ء تسمعه من رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله بشر يتكلّم في الغضب والرضا ، فأمسكت (٤).

واستمر ذلك الخطّ الناهي بعد وفاة رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال أبو بكر القرشي «لا تحدثوا عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا» (٥) ، وكتب عمر بن الخطّاب إلى الأمصار «من كان عنده منها شي‌ء فليمحه» (٦) ، وقوله «فلا يبقين أحد عنده كتابا إلّا أتاني به فأرى

__________________

(١) مستدرك وسائل الشيعة ١٧ : ٢٥٤.

(٢) الكافي ١ : ٥٦.

(٣) جامع أحاديث الشيعة ١ : ٣٣٤.

(٤) تقييد العلم ، المستدرك على الصحيحين ١ : ، مسند أحمد : ١٦٢ وقريب منه في عوالي اللئالي ١ : ٦٨ / ١٢٠.

(٥) تذكرة الحفاظ ١ : ٢ ـ ٣ ، حجية السنة : ٣٩٤.

(٦) تقييد العلم : ٥٣ ، حجية السنة : ٣٩٥.

٣٣٧

فيه رأيي .. فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار» (١).

وقد حدّد عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان الأحاديث النبوية بالتي عمل بها في زمن عمر بن الخطّاب.

قال محمود بن لبيد : سمعت عثمان على المنبر يقول : لا يحل لأحد أن يروي حديثا عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (٢).

وعن معاوية أنه قال : أيّها الناس! أقلّوا الرواية عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن كنتم تحدّثون فحدّثوا بما كان يتحدّث به في عهد عمر (٣).

وفي رواية ابن عساكر : إياكم والأحاديث عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا حديثا ذكر على عهد عمر (٤) ، وقد مر عليك كل هذا سابقا.

بلى إنهم وبتشريعهم الرأي اتخذوا الاجتهاد مطيّة يحملون عليها آثار ومساوئ الرأي ، وإنّ عليّ بن أبي طالب كان قد أكّد بأنّ بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأن الكثير من الاجتهادات ما هي إلّا آراء شخصية ومصالح ارتضاها النهج الحاكم ، وإليك بعض كلامه عليه‌السلام :

(.. وإنّما بدء وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب اللّٰه ، يتولّى فيها رجال رجالا ، ألا إنّ الحقّ لو خلص لم يكن اختلاف ، ولو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ، فيمزجان فيجعلان معا ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من اللّٰه الحسنى ، وإنّي سمعت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : كيف أنتم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ، يجري الناس عليها ويتّخذونها سنّة ، فإذا غيّر منها شي‌ء قيل : قد غيّرت السنة وقد أتى الناس منكرا؟! ثمّ تشتد البليّة وتسبى الذرّية ، وتدقّهم

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ١ : ١٤٠ ، حجية السنة : ٣٩٥.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٣٣٦ ، وعنه في السنة قبل التدوين : ٩٧.

(٣) كنز العمال ١ : ٢٩١.

(٤) تاريخ دمشق ٣ : ١٦٠.

٣٣٨

الفتنة كما تدقّ النار الحطب ، وكما تدقّ الرحى بثفالها (١) ، ويتفقّهون لغير اللّٰه ويتعلّمون لغير العمل ، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة.)

ثمّ أقبل بوجهه ، وحوله ناس من أهل بيته وخاصّته وشيعته ، فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله لتفرّق عنّي جندي ، حتى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب اللّٰه عزوجل وسنّة رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله. أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة (٣) ، ورددت صاع رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله كما كان (٤) ، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار جعفر إلى ورثته وهدمتها من المسجد (٥) ، ورددت قضايا من الجور قضي بها (٦) ، ونزعت نساء تحت رجال بغير حقّ فرددتهن إلى أزواجهن (٧) واستقبلت بهنّ الحكم في الفروج والأحكام ، وسبيت ذراري بني تغلب (٨) ، ورددت ما قسّم من أرض خيبر ، ومحوت دواوين العطايا (٩) ، وأعطيت كما كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يعطي بالسويّة.

__________________

(١) الثفال بالكسر جلدة تبسط تحت رحى اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل : ثفالا بها.

(٢) انظر الغدير وغيره :

(٣) قصة فدك مشهورة لا حاجة لبيانها ، وللاعلام فيها كتب كثيرة.

(٤) انظر الخلاف للشيخ الطوسيّ لتعرف حقيقة الأمر.

(٥) كأنّهم غصبوها وأدخلوها في المسجد.

(٦) كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث و ..

(٧) كمن طلّق زوجته بغير شهود وعلى غير طهر ، وقد يكون فيه إشارة إلى قوله بعد بيعته : ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال اللّٰه فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي‌ء ، ولو وجدته قد تزوج .. إلخ ، وانظر نهج البلاغة ١ : ٤٢ خ ١٤.

(٨) لأنّ عمر رفع الجزية عنهم فهم ليسوا بأهل ذمّة ، فيحلّ سبي ذراريهم ، قال محيي السنّة البغويّ : روي أنّ عمر بن الخطّاب رام نصارى العرب على الجزية ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدّي ما يؤدّي العجم ، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض ، بعنوان الصدقة. فقال عمر : هذا فرض اللّٰه على المسلمين. قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية ، فراضاهم على أن ضعّف عليهم الصدقة.

(٩) إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من وضعه الخراج على أرباب الزراعة والصناعة والتجارة لأهل العلم والولاة والجند ، بمنزلة الزكاة المفروضة ، ودوّن دواوين ، فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء.

٣٣٩

ولم أجعلها دولة بين الأغنياء ، وألقيت المساحة (١) وسوّيت بين المناكح (٢) ، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل عزوجل وفرض (٣) ، ورددت مسجد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما كان عليه (٤) ، وسددت ما فتح فيه من الأبواب (٥) ، وفتحت ما سدّ منه ، وحرّمت المسح على الخفين (٦) ، وحددت على النبيذ ، وأمرت بإحلال المتعتين (٧) ، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات (٨) ، وألزمت الناس الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم (٩) ، وأخرجت من أدخل بعد رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجده ممّن كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله أخرجه ، وأدخلت من أخرج بعد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه وآله ممّن كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله أدخله (١٠) ، وحملت الناس على حكم القرآن وعلى الطلاق على السنّة (١١) ، وأخذت الصدقات على أصنافها وحدودها (١٢) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها (١٣) ، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (١٤) ،

__________________

(١) راجع تفصيل هذا الأمر في كتاب الشافي للسيّد المرتضى.

(٢) ربّما كان إشارة إلى ما ذهب إليه عمر من منع غير القرشيّ الزواج من القرشيّة ، ومنعه العجم من التزوّج من العرب.

(٣) إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم.

(٤) يعني أخرجت منه ما زاده عليه غصبا.

(٥) إشارة إلى ما نزل به جبرئيل من اللّٰه تعالى بسد الأبواب إلّا باب عليّ.

(٦) إشارة إلى ما أجازه عمر في المسح على الخفّين ، ومخالفة عائشة وابن عبّاس وعليّ وغيرهم له في هذا.

(٧) يعني متعة النساء ومتعة الحجّ.

(٨) لما كبّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رواية حذيفة وزيد بن أرقم وغيرهما.

(٩) والجهر بالبسلمة مما ثبت قطعا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في صلاته وروى الصحابة في ذلك آثارا صحيحة مستفيضة متظافرة ، فانظر صحيح ..

(١٠) يحتمل أن يكون المراد إشارة إلى الصحابة المخالفين الذين أخرجوا من المسجد في حيث إنّهم كانوا مقرّبين عند رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّه عليه‌السلام يخرج من أخرجه رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كالحكم بن العاص وغيرهم.

(١١) كما مرّت عليك الاجتهادات المخالفة للقرآن وما قالوه في الطلاق ثلاثا.

(١٢) أي من أجناسها التسعة ، وهي : الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر.

(١٣) وذلك لمخالفتهم هذه الأحكام. وقد وضّحنا حكم الوضوء منه في كتابنا هذا.

(١٤) وهم الذين أجلاهم عمر عن مواطنهم.

٣٤٠