وضوء النبي - ج ٢

السيد علي الشهرستاني

وضوء النبي - ج ٢

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٦

الحربي أنّ حجّاجا لمّا قدم بغداد آخر مرة خلّط ، فرآه ابن معين يخلّط فقال لابنه : لا يدخل عليه أحد (١).

وقال ابن سعد : كان قد تغيّر في آخر عمره حين رجع إلى بغداد (٢).

الثانية : إنّ شيبة في هذا السند ، مجهول ، ويدل على جهالته ما رواه ابن جرير ، عن علي بن مسلم ، عن أبي عاصم ، عن ابن جريح ، عن شيبة ـ ولم ينسبه ـ وقال :شيبة مجهول (٣).

وقال ابن حبان : شيبة شيخ يروي عن أبي جعفر محمد بن علي ، وعنه ابن جريح ، إن لم يكن ابن نصاح فلا أدري من هو (٤).

وقال البخاري : شيبة سمع محمد بن علي ، حدثني أبو حفص بن علي أخبرنا أبو عاصم ، أنبأنا ابن جريح ، أخبرني شيبة أنّ محمد بن علي أخبره عن حسين بن علي أخبره أنّه رأى عليا توضّأ ثلاثا ، قال : رأيت أباك يفعله (٥).

وهذه الأقوال لا تثبت اتحاد شيبة المجهول مع شيبة بن نصاح ، عند البخاري وغيره ، لأنّ البخاري حينما ترجم لشيبة في تاريخه الكبير ذكر قبله شيبة ابن نصاح (٦) ، وهو دليل على أنّهما اثنان ، لإفراد الترجمة لكل واحد منهما دون الإشارة إلى اتحادهما ، فلو كانا متحدين لأشار إلى هذا ، وحينما لم يفعل علمنا أنّ الثاني غير الأول.

وإذا ثبت أنّهما اثنان أو احتمل ذلك فيهما ، ثبت أنّ شيبة مجهول لا يصحّ الاحتجاج به.

نعم استظهر ابن حجر كونهما متحدين ، مستدلا على ذلك بقوله : (إنّ أبا قرة موسى بن طارق روى هذا الحديث عن ابن جريح ، قال : حدثني شيبة

__________________

(١) تهذيب الكمال ٥ : ٤٥٦ ، ميزان الاعتدال ١ : ٤٦٤ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٤٩.

(٢) تهذيب الكمال ٥ : ٤٥٦ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٤٩.

(٣) حكاه ابن حجر في تهذيب التهذيب ٤ : ٣٧٧ عن تهذيب ابن جرير.

(٤) الثقات لابن حبان ، حكاه عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب ٤ : ٣٧٧.

(٥) التاريخ الكبير ٤ الترجمة ٢٦٦٣.

(٦) التاريخ الكبير ٤ الترجمة ٢٦٦٣.

٢٦١

ابن نصاح ..) (١).

إلّا أنّ هذا الاستظهار يرد عليه أن موسى بن طارق لا يمكن الاحتجاج به هكذا ببساطة فقد ذكره الذهبي في الميزان وقال : قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج (٢).

وقال ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم ، قال أبي : محله الصدق (٣).

وذكره ابن حبان في كتاب الثقات إلّا أنّه قال : يغرب (٤).

والعجيب أن ابن حجر ـ نفسه ـ ذكره في التقريب وقال : ثقة يغرب (٥).

مضافا إلى ذلك فان الدار قطني قال : روى أبو عاصم وأبو قرة عن ابن صريح أنه قال : أخبرني شيبة ، ويقال هو شيبة بن أبي راشد .. (٦).

وشيبة بن أبي راشد هذا مجهول الحال أو مهمل ، إذ لم نعثر له على ترجمة في كتب الرجال المعتمدة ، فعلى هذا فإن إشكال كون شيبة مجهول وأنّه ليس ابن نصاح مستحكم.

فنتساءل : مع اعتراف ابن حجر بإغراب موسى ، فلم لا يحتمل أن تكون روايته هذه غريبة كذلك؟! فالحاصل : أنّ شيبة في هذا الطريق مجهول لعدم ثبوت كونه ابن نصاح ، فيكون مجهولا ، فلا يمكن الاحتجاج بما يرويه إذا.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٤ : ٣٧٧.

(٢) ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ٨٨٨٢.

(٣) الجرح والتعديل ٨ الترجمة ٦٦٩.

(٤) انظر الثقات لابن حبان ٩ : ١٥٩ ، الجرح والتعديل ٨ الترجمة ٦٦٩.

(٥) تقريب التهذيب ٢ : ٢٨٤.

(٦) علل الدار قطني ٣ : ١٠٠ س ٣٠٣.

٢٦٢

الخلاصة

تحصل مما سبق أنّ من روي عنهم الغسل عن علي بن أبي طالب ، هم :

١ ـ أبو حيّة الوادعي ٢ ـ عبد خير بن يزيد ٣ ـ زرّ بن حبيش الأسدي ٤ ـ عبد الرحمن بن أبي ليلى ٥ ـ عبد اللّٰه بن عباس ٦ ـ الحسين بن علي فأما أخبار أبي حية الوادعي فلا يمكن الاعتماد عليها ، لجهالة أبي حية ، على ما هو صريح ابن المديني ، وأبي الوليد الفرضي ، وأبي زرعة ، والذهبي ، وغيرهم ، ولورود أبي إسحاق السبيعي المدلس (١) في الخبر وعنعنته عن أبي حيّة مع عدم وجود سماع له عن أبي حيّة في مكان آخر من الكتب التسعة ، ويضاف إليه وجود زكريا ابن أبي زائدة المدلّس في طريق النسائي الثاني (رقم ٣) وهو ليس بمستقيم السماع عن أبي إسحاق ، لاحتمال روايته عنه بعد الكبر وعند التغيّر والاختلاط.

وأمّا خبر عبد خير فهو الآخر لا يمكن الاعتماد عليه لأنّه معارض بأخبار مسحية أخرى. قد رواها عبد خير نفسه عن عليّ بن أبي طالب ، ولوجود أبي عوانة الأمي الذي تغير بأخرة ـ كما في الإسناد الأول منه (طريق أبي داود) والثاني (طريق النسائي) ولوجود الخلّال الحلواني وزائدة في الإسناد السابع (طريق أبي داود) وهما ممن تكلّم فيهما ، ولوجود محمد بن المثنى الذي لا يعتمد على مرويّاته إلّا بعد النظر ، ومحمد بن جعفر ـ المعروف بغندر ـ الذي اشتهر بكثرة نسيانه وبلادته ، ولجهالة مالك بن عرفطة في الإسناد الرابع (طريق أبي داود) والنسائي الإسناد الخامس والسادس.

وأما خبر زرّ بن حبيش الأسدي ، فقد ضعّف بالمنهال بن عمرو الذي ذمّ من قبل أساطين العلم كشعبة والقطّان وابن معين وابن حزم وأحمد بن حنبل وغيرهم ،

__________________

(١) كما هو صريح ابن حبان والكرابيسي والطبرسي وابن حجر وغيرهم.

٢٦٣

وقد أورده ابن الجوزي والعقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل والذهبي في الديوان.

وأما ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فقد ضعّف لسوء حفظه وتدليسه ، ولوجود عبيد اللّٰه بن موسى الذي ليّنه كثير من أهل العلم ، ولوجود فطر بن خليفة المضعّف عند الكثير.

وأما ما روي عن ابن عباس عن علي فقد ضعف من عدة جهات :

الأولى : لوجود محمد بن إسحاق المضعّف من قبل يحيى بن سعيد وابن معين وأحمد بن حنبل والنسائي والدار قطني ومالك وابن أبي حاتم والجوزجاني وابن أبي خيثمة وأبي داود الطيالسي وغيرهم.

الثانية : لوجود عبد العزيز الحراني ـ شيخ أبي داود ـ الذي لا يؤخذ بروايته إلّا بعد النظر ، وقد أورده الذهبي في المغني والميزان والديوان ، والعقيلي في الضعفاء ، وقال عنه ابن حجر : صدوق ربّما يهم.

الثالثة : لمعارضته مع الثابت الصريح من سيرة ابن عباس وعليّ بن أبي طالب ، ولعدم منطقية صدور الوضوء التعليمي لابن عباس وهو ابن عمّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله المقرب منه ، وحبر الأمّة! وأما ما روي عن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عن أبيه ، فهو الآخر ممّا لا يعتمد عليه ، وذلك لوجود حجاج بن محمد المطعون في حفظه وضبطه وتغيّره في آخر عمره ، ولجهالة شيبة في الخبر ، ولتعارض المتن مع الثابت المحفوظ من سيرة الطالبيين ووضوء الإمام عليّ بن أبي طالب.

كان هذا إجمال نتائج البحث عن الطرق الغسليّة عن عليّ بن أبي طالب.

٢٦٤

على ابن أبي طالب وروايات المسح

٢٦٥
٢٦٦

بعد أن بيّنّا حال الطرق الغسليّة عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، صار لا بد من بيان حال الطرق المسحيّة عن علي.

والباحث المتتبع لأسانيد مرويات علي الغسليّة يعلم بأن أحسن الطرق فيها هي رواية عبد خير عن عليّ بن أبي طالب وهذه الرواية معارضة بما جاء عنه في المسح ، فالبحث إذن يفرض علينا أن نرى رواياته المسحيّة لنعلم قيمتها ومدى حجيتها.

وإليك روايات عبد خير المسحيّة كي تقف على حقيقة الحال :

أ ـ مرويات عبد خير المسحيّة

الإسناد الأول

قال الحميدي : حدثنا سفيان (١) ، حدثني أبو السوداء (٢) ـ عمرو النهدي ـ عن ابن عبد خير (٣) عن أبيه (٤) قال : رأيت علي بن أبي طالب يمسح ظهور قدميه ، ويقول : لو لا أنّي رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح على ظهورهما لظننت أنّ بطونهما أحق (٥).

__________________

(١) هو سفيان بن عيينة ، الإمام المعروف ، أبو محمد الكوفي ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال ١٢ : ١٧٨ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٠٠ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١١٧) وغيرها من المصادر.

(٢) هو عمرو بن عمران ، أبو السوداء النهدي الكوفي ، احتج به النسائي وأبو داود (انظر تهذيب الكمال ٢٢ : ١٧١ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٨٤ ، التاريخ الكبير للبخاري ٦ : الترجمة ٢٦٣٤) وغيرها من المصادر.

(٣) هو المسيب بن عبد خير الهمداني ، احتج به أبو داود والنسائي (انظر تهذيب الكمال ٢٧ : ٥٨٨ ، التاريخ الكبير للبخاري ٧ : الترجمة ١٧٨٨ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٣) وغيرها من المصادر.

(٤) هو عبد خير بن يزيد ، أبو عمارة الكوفي روى له أصحاب السنن الأربعة (انظر تهذيب الكمال ١٦ : ٤٧ ، تهذيب التهذيب ٦ : ١٢٤) وغيرها من المصادر.

(٥) مسند الحميدي ١ : ٢٦ ح ٤٧.

٢٦٧

الإسناد الثاني

قال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل حدثنا إسحاق (١) ، حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه ، قال : رأيت عليا توضّأ فمسح ظهورهما (٢).

المناقشة

وهذان الإسنادان صحيحان وليس ثمة ما يوجب الطعن فيهما ، فرواتهما من أهل الصدق والأمانة ، عدول ثقات ، ضابطون ، غير مخلّطين ..

فأمّا الحميدي وسفيان بن عيينة وعبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل. فهم أئمة لا يحتاجون إلى مزيد بيان.

وأمّا أبو السوداء فهو ثقة ، على ما هو صريح كثير من أهل العلم.

قال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه : ثقة (٣).

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة ، عن يحيى بن معين : ثقة (٤).

وقال ابن حجر في التقريب : ثقة (٥).

وقال أبو حاتم : ما بحديثه بأس (٦).

ووثقه ابن نمير وغيره (٧).

وأما ابن عبد خير (المسيّب) فقد وثّقه ابن حبّان (٨). وقال إسحاق بن منصور ،

__________________

(١) هو مردد بين الأيلي والطالقاني ، والترديد هنا غير مضرّ لأنّ كلاهما ثقة ، محتج به (انظر تهذيب الكمال ٢ : ٤٠٨ ـ ٤١١ وج ١ : ٤٣٧ وج ١٤ : ٢٨٦).

(٢) مسند احمد بن حنبل ١ : ١٢٤.

(٣) تهذيب الكمال ٢٢ : ١٧٢.

(٤) المصدر نفسه والجرح والتعديل ٦ : الترجمة ١٣٨٩.

(٥) تقريب التهذيب ٢ : ٧٥.

(٦) تهذيب الكمال ٢٢ : ١٧٢ ، الجرح والتعديل ٦ الترجمة ١٣٨٩.

(٧) انظر هامش تهذيب الكمال ٢٢ : ١٧٣.

(٨) الثقات لابن حبان ٧ : ٤٩٧.

٢٦٨

عن يحيى بن معين : ثقة (١).

وقال ابن حجر في التقريب : ثقة (٢).

وأمّا إسحاق بن إسماعيل فلم نعثر على قول تناوله بسوء ، بل نصّ أهل العلم على توثيقه :

قال يعقوب بن شيبة : كان يحيى بن معين يوثّق إسحاق بن إسماعيل جدا (٣).

وقال أبو داود : ثقة (٤) ، وكذا قال الدار قطني (٥).

وقال عثمان بن خرزاد : ثقة ، ثقة (٦).

وأمّا عبد خير فالحديث عنه تحصيل للحاصل ، إذ هو ثقة عند جميع الأئمة.

نعم ذكر ابن حجر في التهذيب أنّ الأزديّ ضعفه (٧) ، ولكنّ تضعيفه هذا لم يتابعه عليه أحد ، على أنّه تضعيف غير مفسّر ، فلا يعارض توثيق أهل العلم له ، وقد بيّنّا سابقا أنّ التعديل لا يعارضه الجرح غير المفسر وإن كثر عدد الجارحين ، فكيف بانفراد الأزدي هنا!!

الإسناد الثالث

قال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : حدّثني أبي ، حدثنا وكيع (٨) ، حدثنا الأعمش (٩) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي رضي اللّٰه عنه : قال : كنت أرى أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما ، حتى رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح ظاهرهما (١٠).

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٧ : ٥٨٩ ، الجرح والتعديل ٨ الترجمة ١٣٥٠.

(٢) تقريب التهذيب ٢ : ٢٥٠.

(٣) تهذيب الكمال ٢ : ٤١٢ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٣٦.

(٤) تهذيب الكمال ٢ : ٤١٢ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٣٦.

(٥) تهذيب الكمال ٢ : ٤١٢ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٣٦.

(٦) تهذيب الكمال ٢ : ٤١٢.

(٧) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٤.

(٨) هو وكيع بن الجراح الرواسي ، أبو سفيان الكوفي ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٦٢ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٤٠ ، تهذيب التهذيب ١١ : ١٢٣) وغيرها من المصادر.

(٩) سيأتي الحديث عنه في الإسناد الخامس الآتي.

(١٠) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٩٥.

٢٦٩

المناقشة

في هذا الطريق وكيع بن الجراح ، وشهرته عند أهل الحديث أبين من النهار وأوضح من الشمس ، ومثله حال باقي رجال السند اللهم إلّا أن يقال : إنّ هذا السند لا يمكن الاحتجاج به بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي المدلس عن عبد خير ، وعدم تصريحه بالسماع عنه في مكان آخر ، وهذا ما يجعل الإسناد منقطعا ، فلا يمكن الاحتجاج به.

لكن يقال في جواب هذا الاعتراض : إنّ الكلام المتقدّم صحيح ، فيما لو أخذ هذا الطريق لوحدة ، لكنّ واقع الحال أنّ لهذا الطريق أكثر من تابع صحيح ـ على ما تقدم وسيأتي ـ فالطريق إذن يمكن تصحيحه لا بنفسه بل لوجود التابع الصحيح له.

الإسناد الرابع

قال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : حدثني أبي ، حدثنا إسحاق بن يوسف (١) ، عن شريك (٢) ، عن السّدّي (٣) ، عن عبد خير ، قال : رأيت عليّا رضي اللّٰه عنه دعا بماء ليتوضأ فتمسّح به تمسحا ، ومسح على ظهر قدميه ، ثمّ قال : هذا وضوء من لم يحدث ، ثمّ قال : لو لا إنّي رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله مسح على ظهر قدميه ، رأيت أنّ بطونهما أحقّ ، ثمّ شرب فضل وضوئه وهو قائم ، ثمّ قال : أين الذين يزعمون أنّه لا ينبغي لأحد أن يشرب قائما (٤).

__________________

(١) هو إسحاق بن يوسف ، القرشي ، المخزومي ، أبو محمد الواسطي المعروف بالأزرق ، احتج به الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٦ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٣٠ ، لابن سعد ٧ : ٦٢) وغيرها من المصادر.

(٢) هو شريك بن عبد اللّٰه النخعي ، روى له الجماعة ، إلّا أنّ البخاري أخرج له استشهادا ومسلم في المتابعات (انظر تهذيب الكمال ١٢ : ٤٦٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٣٣ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ١٧٨) وغيرها من المصادر.

(٣) هو إسماعيل بن عبد الرحمن السدي ، أبو محمد القرشي الكوفي ، الأعور ، احتج به الجماعة غير أنّ البخاري لم يخرج له شيئا (انظر تهذيب الكمال ٣ : ١٣٢ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٦٤ ، الجرح والتعديل ١ الترجمة ١٨٤) وغيرها من المصادر.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١١٦.

٢٧٠

وأخرج الطحاوي في شرح معاني الآثار (١) ، عن محمد بن الأصبهاني (٢) ، قال : أخبرنا شريك ، عن السدّي ، عن عبد خير ، عن عليّ رضي اللّٰه عنه : أنّه توضأ فمسح على ظهر القدم ، وقال : لو لا إنّي رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فعله لكان باطن القدم أحقّ من ظاهره.

المناقشة

وحال رجال هذا الإسناد كالتالي :

فأمّا إسحاق بن يوسف : فهو ثقة من دون نزاع من أحد ، فقد قال عثمان بن سعيد الدارمي ، عن يحيى بن معين : ثقة (٣).

وسئل أحمد بن حنبل : أهو ثقة؟ فقال : إي واللّٰه ثقة (٤).

وقال العجلي : ثقة (٥).

وقال أحمد بن علي : ورد بغداد وحدّث بها ، وكان من الثقات المأمونين ، وأحمد عباد اللّٰه الصالحين (٦).

وقال أبو حاتم : صحيح الحديث ، صدوق ، لا بأس به (٧).

وأما شريك ، فهو صدوق بلا نزاع ، وثقة في نفسه بلا كلام ، إلّا أنّه أخذ عليه سوء حفظه وقلّة ضبطه.

قال يحيى بن معين : شريك ثقة إلّا أنه لا يتقن (٨) ، وقال أيضا : شريك ثقة ،

__________________

(١) شرح معاني الآثار ١ : ٣٥ ح ١٥٩.

(٢) هو محمد بن سعيد الكوفي ، أبو جعفر بن الأصفهاني ، ثقة ، احتج به البخاري والترمذي والنسائي (انظر تهذيب الكمال ٢٥ : ٢٧٢ ، تهذيب التهذيب ٩ : ١٨٨ ، التاريخ الكبير للبخاري ١ : الترجمة ٢٥٨) وغيرها من المصادر.

(٣) تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٨.

(٤) تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٨.

(٥) تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٩.

(٦) تاريخ بغداد ٦ : ٣٢٠ ، تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٩.

(٧) الجرح والتعديل ١ : ١ / ٢٣٨.

(٨) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٦٨.

٢٧١

وهو أحبّ إلىّ من أبي الأحوص وجرير (١). وقال أيضا : هو ثقة ثقة (٢).

وقال أيضا : صدوق ، ثقة ، إلّا أنّه إذا خالف فغيره أحبّ إلينا (٣). ومثله قول أحمد بن حنبل (٤).

وقيل ليحيى بن سعيد القطان : زعموا أنّ شريكا إنّما خلّط بأخرة. قال : ما زال مخلّطا (٥).

وقال وكيع : لم يكن أحد أروي عن الكوفيين من شريك (٦) ، ومثله قال خديج بن معاوية (٧).

وقال يعقوب بن شيبة : شريك صدوق ثقة ، سيئ الحفظ جدّا (٨).

وقال أيضا : شريك صدوق ثقة صحيح الكتاب ، ردي‌ء الحفظ مضطربة (٩).

وقال أبو حاتم : شريك أحبّ اليّ من أبي الأحوص ، وقد كان له أغاليط (١٠).

وقال النسائي : ليس به بأس (١١).

فهذه الأقوال صريحة بوثاقته وأمانته ، وهي أيضا صريحة في سوء حفظه وقلّة إتقانه ، لكنّ سوء حفظه لا يتصوّر في رواية نقلها إسحاق بن يوسف الأزرق أو عباد بن العوّام أو يزيد ، لأنّ هؤلاء كانوا ينقلون عن كتابه ، الذي هو صحيح كما هو صريح يعقوب بن شيبة (١٢).

قال أحمد بن حنبل : إسحاق بن يوسف الأزرق ، وعباد بن العوام ، ويزيد ، كتبوا عن شريك بواسط من كتابه ، قال : قدم عليهم شريك في حفر نهر ، وكان رجلا له عقل ـ يعني شريك ـ (١٣).

__________________

(١ ـ ٢) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٦٨.

(٣ ـ ٤) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٦٩.

(٥ ـ ٧) الجرح والتعديل ٤ الترجمة ١٦٠٢.

(٨) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٧١ ، تاريخ بغداد ٩ : ٢٨٤.

(٩) تاريخ بغداد ٩ : ٢٨٤.

(١٠) الجرح والتعديل ٤ الترجمة ١٦٠٢.

(١١) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٧٢.

(١٢) تاريخ بغداد ٩ : ٢٨٤.

(١٣) تهذيب الكمال ١٢ : ٤٩٨ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٢٠.

٢٧٢

وقال أحمد بن علي الأبّار : سألت عبد الحميد بن بيان عن إسحاق الأزرق ، وكيف سمع من شريك؟ قال : سمع منه بواسط ، قلت له : في أي شي‌ء جاء إلى واسط؟

قال : جاء في كري الأنهار ، فأخذ إسحاق كتابه ، قلت : أيهما أكثر سماعا من شريك ، إسحاق أو يزيد بن هارون؟ قال : إسحاق نحو من ثمانية آلاف ويزيد نحو من ثلاثة آلاف (١).

وعلى الإجمال فرواية إسحاق عن شريك صحيحة ، وكذا رواية شريك عن غيره إذا كانت من أصل كتابه.

وأما السّدّيّ فهو الآخر ثقة في نفسه صدوق ، إلّا أنّ أهل العلم ليّنوه : قال علي بن المديني ، عن يحيى بن سعيد القطان : لا بأس به ، ما سمعت أحدا يذكره إلّا بخير ، وما تركه أحد (٢).

وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : السّدي ثقة (٣).

وقال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : سألت يحيى بن معين عن السّدي وإبراهيم ابن مهاجر ، فقال : متقاربان في الضعف (٤).

وقال عباس الدوري : سألت يحيى بن معين عن السدّي ، فقال : في حديثه ضعف (٥).

وقال أبو زرعة : لين (٦).

وقال النسائي : صالح (٧) ، وفي موضع آخر : لا بأس به (٨).

وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتجّ به (٩).

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢ : ٤٩٨ ، تاريخ بغداد ٦ : ٣٢٠.

(٢) التاريخ الكبير للبخاري ١ : ١ / ٣٦١.

(٣) تهذيب الكمال ٣ : ١٣٤ ، الكامل لابن عدي ١ : ٢٧٨.

(٤) الكامل ، لابن عدي ١ : ٢٧٧.

(٥) تهذيب الكمال ٣ : ١٣٥.

(٦) الجرح والتعديل ١ : ١ / ١٨٥ ، تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧.

(٧) تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧.

(٨) تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧.

(٩) الجرح والتعديل ١ : ١ / ١٨٥ ، تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧.

٢٧٣

وقال أبو أحمد بن عديّ في الكامل : له أحاديث يرويها عن عدّة شيوخ ، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق ، لا بأس به (١).

وقال العجلي : ثقة ، عالم بالتفسير ، راوية له (٢).

والحاصل : فإنّ القول بوثاقة السدّي هو الأقوى ، وذلك لتوثيق الإمام أحمد والعجلي إياه ومدح باقي الأئمة له ، ويبقى تليينه غير مفسّر فلا يعارض التوثيقات الصريحة ، خصوصا وإنّ عبد الرحمن بن مهدي ـ وهو من أساطين الرجاليين ـ غضب حين سمع يحيى بن معين يضعف السدّي (٣).

وقال الحاكم في المدخل في باب الرواة الذين عيب على مسلم إخراج حديثهم : تعديل عبد الرحمن بن مهدي أقوى عند مسلم ممّن جرّحه بجرح غير مفسّر (٤).

بل الذي يظهر بوضوح هو أنّ مبعث التكلّم في السدّي كان بسبب العقائد ، فقد قال حسين بن واقد المروزي : سمعت من السدّي فما قمت حتى سمعته يشتم أبا بكر وعمر ، فلم أعد إليه (٥). ولذلك حمل عليه السّعدي فقال : هو كذاب شتّام (٦).

وقد تنبه لذلك محقّق تهذيب الكمال فأجاد بقوله : وظاهر كلام من تكلّم فيه إنّما كان بسبب العقائد (٧). ولعل الذهبي أيضا التفت لذلك فوثقه في كتابه «من تكلم فيه وهو موثق» وقال : وثقة بعضهم (٨).

فعلى ذلك يكون هذا الطريق صحيحا بنفسه ، وإلّا فهو صحيح بغيره لوجود التابع الصحيح له فيما تقدم وما سيأتي.

__________________

(١) الكامل لابن عدي ١ : ٢٧٨.

(٢) انظر هامش تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧ ، ١٣٨.

(٣) انظر تهذيب الكمال ٣ : ١٣٥.

(٤) انظر هامش تهذيب الكمال ٣ : ١٣٧.

(٥) انظر هامش تهذيب الكمال ٣ : ١٣٨.

(٦) تهذيب الكمال ٣ : ١٣٥.

(٧) هامش تهذيب الكمال ٣ : ١٣٨.

(٨) انظر هامش تهذيب الكمال ٣ : ١٣٨.

٢٧٤

الإسناد الخامس

قال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأبو خيثمة (١) ، قالا : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش (٢) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير ، عن علي ، قال : كنت أرى أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح ظاهرهما (٣).

المناقشة

وفي بيان حال رواة هذا الإسناد نقول : أمّا أبو خيثمة ، فهو ثقة بلا كلام ، قال معاوية بن صالح ، عن يحيى بن معين :ثقة (٤).

وقال أبو عبيد الآجري : قلت لأبي داود : أبو خيثمة حجة في الرجال؟ قال :ما كان أحسن علمه (٥).

وقال النسائي : ثقة مأمون (٦).

وقال الحسين بن فهم : ثقة ثبت (٧).

وقال أبو بكر الخطيب البغدادي : كان ثقة ثبتا حافظا متقنا (٨).

وأمّا الأعمش ، فهو علّامة الإسلام على ما قاله يحيى بن سعيد القطان (٩) ،

__________________

(١) هو زهير بن حرب الحرشي ، أبو خيثمة النسائي ، احتج به الجماعة إلّا أنّ الترمذي لم يرو له شيئا ، (انظر تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٢ ، تهذيب التهذيب ٣ : ٣٤٢ ، التاريخ الكبير للبخاري ٣ : الترجمة ٣٧٥) وغيرها من المصادر.

(٢) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي ، مولاهم ، أبو محمد الكوفي الأعمش ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال ١٢ : ٧٦ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٢٦) وغيرها من المصادر.

(٣) مسند أحمد ١ : ١٢٤.

(٤) تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٨٢ ، ٤٨٣.

(٥) تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٨٢ ، ٤٨٣.

(٦) تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٨٢ ، ٤٨٣.

(٧) تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٤ ، ٤٠٥ ، تاريخ بغداد ٨ : ٤٨٢ ، ٤٨٣.

(٨) تاريخ بغداد ٨ : ٤٨٢ ، تهذيب الكمال ٩ : ٤٠٥.

(٩) تهذيب الكمال ١٢ : ٨٨ ، تاريخ بغداد ٩ : ٨ ، حلية الأولياء ٥ : ٥٠.

٢٧٥

ولم يشك أحد في وثاقته ، ولكنه أخذ عليه كثرة التدليس والإرسال (١) عموما واضطراب روايته عن أبي إسحاق السبيعي خصوصا (٢) ، على ما هو صريح القطّان نفسه. هذا من جهة الأعمش ، وأما من جهة أبي إسحاق فقد بيّنا لك أنّه عنعن روايته عن عبد خير وهو ممن يدلس ، فتكون روايته كالمنقطعة.

وعليه فإن كان هذا الطريق ضعيف في نفسه ، فإنّ له تابعا صحيحا مما تقدم ومما يأتي من مرويّات النزّال بن سبرة ، فانتظر.

الإسناد السادس

قال الدارمي : أخبرنا أبو نعيم (٣) ، حدّثنا يونس (٤) ، عن أبي إسحاق ، عن عبد خير قال : رأيت عليا توضأ ومسح على نعلين ، فوسع ثمّ قال : لو لا أنّي رأيت رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أنّ باطن القدمين أحقّ بالمسح من ظاهرهما (٥).

وروى مثله الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٦) ، وليس فيه كلمة (فوسع).

المناقشة

يمكن الغمز في هذا الطريق بعنعنة أبي إسحاق المدلس ولوجود يونس الموثق عند جماعة والملين عند آخرين ، وإليك أهم الأقوال فيه :

قال علي بن المديني : سمعت يحيى ، وذكر يونس بن أبي إسحاق ، فقال : كانت

__________________

(١) انظر تهذيب الكمال مع هامشه ١٢ : ٨٣ ـ ٩٢.

(٢) مقدمة الجرح والتعديل : ٢٣٧.

(٣) هو الفضل بن دكين تقدمت ترجمته في ما رواه زر بن حبيش عن عليّ بن أبي طالب في الغسل.

(٤) هو يونس بن أبي إسحاق ، أبو إسرائيل الكوفي ، روى له أصحاب السن فضلا عن الشيخين (انظر تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٨٨ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٤٣٣ ، الجرح والتعديل ٩ الترجمة ١٠٢٤) وغيرها من المصادر.

(٥) سنن الدارمي ١ : ١٨١ باب المسح على النعلين.

(٦) مسند أحمد ١ : ١٤٨.

٢٧٦

فيه غفلة ، وكانت فيه سجيّة (١).

وقال عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه ، فقال : حديثه مضطرب (٢).

وقال عثمان الدارمي وإسحاق بن منصور وأحمد بن سعد بن أبي مريم ، كلهم عن يحيى بن معين : ثقة (٣).

وقال النسائي : ليس به بأس (٤).

وقال أبو حاتم : كان صدوقا ، إلّا أنّه لا يحتجّ بحديثه (٥).

وذكره ابن حبان في الثقات (٦) ، ووثّقه ابن سعد (٧) والعجليّ وابن شاهين (٨).

فأمّا قوله : (ومسح على نعلين) في المتن ، فإن عنى به المسح على القدمين ، أي أنّه مسح عليهما ورجلاه في النعلين ، فهذا صواب من القول ، ضرورة أنّ القائل بالمسح على القدمين يمكنه في الوضوء أن يمسح على القدمين حتى لو كانتا في نعلين ، إذ النعلين العربيين لا يحجزان من ظاهر القدم الا مقدار شراكي النعال ، وهما لا يمنعان من المسح ، وهذا واضح لمن كان له أدنى تأمل.

وإن أراد غير المسح على القدمين ـ كالمسح على النعلين حقيقة بدون قدميه فهذا غير صحيح ، لعدم تجويز أحد من المسلمين المسح على النعلين هكذا ، فعلى هذا فلا بد من عدم الركون إلى هذا التفسير الذي لا يستند إلى شي‌ء يشفي الغليل.

وسيأتيك لاحقا ـ كما قد تقدم عليك سابقا ـ أسانيد أخرى موضحة أنّ مذهب علي في الوضوء هو المسح لا غير.

__________________

(١) تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٩١ وفي الكامل ، لابن عدي ٧ : ١٧٨ شجية (بالشين) وليس فيه : كانت فيه غفلة.

(٢) تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٩٢.

(٣) تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٩٢.

(٤) تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٩٢.

(٥) الجرح والتعديل ٩ الترجمة ١٠٢٤.

(٦) الثقات لابن حبان ٧ : ٦٥٠.

(٧) الطبقات الكبرى لابن سعد ٦ : ٣٦٣.

(٨) انظر هامش تهذيب الكمال ٣٢ : ٤٩٣.

٢٧٧

استخلاص واستنتاج

عرفنا وفق الصفحات السابقة أنّ أسانيد عبد خير المسحيّة كلّها صحيحة إمّا بنفسها أو بغيرها ، وذلك لوجود أكثر من تابع صحيح لها ممّا تقدّم وممّا سيأتي.

فالإسنادان الأوّل والثاني هما من الأسانيد الصحيحة بلا كلام ، لكون رواتهما ثقات ، وليس هناك ما يوجب تليينهم بشي‌ء.

أما الإسناد الثالث فلا يمكن أن يكون صحيحا بنفسه ، لعنعنة أبي إسحاق السبيعي عن عبد خير ، وعدم تصريحه بالسماع في مكان آخر ، فهذا الإسناد له حكم المنقطع ، ولكن مع ذلك يمكن تصحيحه أيضا لوجود أكثر من تابع صحيح له.

وأمّا الإسناد الرابع فيمكن تصحيحه بنفسه ، لكون شريك قد حدّث من أصل كتابه فيؤخذ بحديثه رغم ما قيل فيه من سوء الحفظ وقلة الضبط.

وأمّا السدّي فلا يستبعد القول بوثاقته لوصف أحمد بن حنبل والعجلي له بـ (ثقة) ، لكن تليينات الآخرين للسدّي وخصوصا ابن معين يجعله ممّا يطلب تابعا لتصحيحه ، وبما أنّ لهذا الطريق أكثر من تابع صحيح ممّا تقدم ويأتي فيمكن تصحيحه.

وأمّا الإسناد الخامس فيطعن فيه بالأعمش الذي اشتهر بالتدليس والإرسال ، ولعنعنة أبي إسحاق السبيعي عن عبد خير ، ولاضطراب رواية الأعمش عن أبي إسحاق خاصّة على ما هو صريح يحيى بن سعيد القطان ، لكنه مع ذلك يمكن تصحيحه لوجود أكثر من تابع صحيح له ، فيكون صحيحا بغيره.

وأمّا الإسناد السادس فيطعن فيه بيونس ، وبعنعنة أبي إسحاق السبيعي عن عبد خير ، وهذا يمكن تصحيحه باعتبار ما يتابع عليها من روايات المسح الصحيحة.

بقي إسناد

لكن بقي إسناد يجب الإشارة إليه هنا ، وهو ما رواه عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل :حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن أبي السوداء ، عن ابن عبد خير ، عن أبيه ، قال : رأيت عليا توضأ فغسل ظهور قدميه ، وقال : لو لا إني رأيت

٢٧٨

رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يغسل ظهور قدميه ، لظننت أنّ بطونهما أحق بالغسل (١).

وهذا الإسناد عين الإسنادين الأول والثاني إلى سفيان بن عيينة وهو صحيح.

لكن هذا الخبر يعارض ما رواه عبد اللّٰه بن أحمد نفسه عن إسحاق ، عن سفيان كما في الإسناد الثاني ، وما رواه عن أبيه عن وكيع عن سفيان أيضا كما في الإسناد الثالث ، كما يخالف ما رواه هو عن أبيه عن إسحاق عن شريك عن السدي كما في الإسناد الرابع ، وما رواه أيضا عن إسحاق بن إسماعيل وأبي خيثمة عن وكيع عن الأعمش كما في الإسناد الخامس من جهة الدلالة ، وكلّ مروياته الأربعة هذه عن عبد خير عن علي تنص على المسح على القدمين لا الغسل ، مضافا إلى روايتي الحميدي والدارمي ـ في الإسنادين الأول والسادس ـ المسندتين عن عبد خير عن علي ، وكلّها تنص على مسح القدمين لا غير.

فمن المحتمل أن يكون عبد اللّٰه قد أخطأ في التحديث بجملة (فغسل ظهور قدميه) في هذا الخبر. وهو الراجح حسب ما تقدم عليك.

ومما يزيد هذا الأمر وضوحا هو كون الحميدي أثبت من إسحاق بن إسماعيل وغيره في النقل عن سفيان بن عيينة ، وذلك لملازمته له تسع عشرة سنة ، قال الحميدي ، جالست سفيان بن عيينة تسع عشرة سنة (٢).

وقال أبو حاتم : أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي وهو رئيس أصحاب ابن عيينة ، وهو ثقة إمام (٣).

وقال الإمام أحمد بن حنبل : الحميدي عندنا إمام (٤).

وقال ابن حجر في التقريب : ثقة حافظ فقيه (٥).

وبعد هذا فلا معنى للأخذ بنقل إسحاق بن إسماعيل عن سفيان مع وجود نقل الحميدي عنه.

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ١٢٤ ، مصنف عبد الرزاق ١ : ١٩ ، تفسير الطبري ٦ : ٨٢.

(٢) التاريخ الكبير للبخاري ٥ : ٢٧٦ ، تهذيب الكمال ١٤ : ٥١٤.

(٣) تهذيب الكمال ١٤ : ٥١٣ ، الجرح والتعديل ٥ الترجمة ٢٦٤.

(٤) تهذيب الكمال ١٤ : ٥١٣.

(٥) تقريب التهذيب ١ : ٤١٥.

٢٧٩

ويضاف إليه اختلاف نقل عبد اللّٰه بن أحمد عن إسحاق بن إسماعيل فتارة يروي المسح ، وأخرى الغسل ، وهذا مما يوهن ويضعّف خبره وإن أمكن تصحيح نقل المسح عنه لوجود تابع صحيح له ، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى : فإنّ جملة : (فغسل ظهور قدميه) لا معنى لها ، لكونها خطأ قطعيّا حيث لم يذهب أحد من فقهاء المسلمين إلى الاجتزاء بغسل ظاهر القدم دون باطنه.

فالمسلمون بين غاسل للقدمين ظاهرا وباطنا ، وبين ماسح ظهورهما دون بطونهما. ولم يقل أحد بغسل ظاهرهما دون باطنهما ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ نفي الخبر صراحة غسل باطن القدمين في قوله : (لظننت أنّ بطونهما أحق بالغسل) يتفق مع القائلين بالمسح لقولهم بمسح ظاهر القدمين دون باطنهما. وهذا يؤكد أنّ المحفوظ عن علي بطريق عبد خير هو المسح لا الغسل ، كما لا يخفى.

عبد خير وتعارض المروي عنه؟

لما كانت رواية عبد خير أكثر الروايات عن علي بن أبي طالب اختلافا ـ رواة ورواية ـ رأينا من الضروري الوقوف عندها بعض الشي‌ء.

فرواة الغسل عن عبد خيرهم :

١ ـ أبو إسحاق السبيعي ، كما في الإسناد الثالث.

٢ ـ خالد بن علقمة كما في الأسانيد (الأول والثاني والسابع).

٣ ـ مالك بن عرفطة كما في الأسانيد (الرابع والخامس والسادس).

أما رواة المسح ، فهم :

١ ـ المسيب بن عبد خير ، كما في الإسنادين الأول والثاني.

٢ ـ أبو إسحاق السبيعي ، كما في الأسانيد (الثالث ، والخامس ، والسادس).

٣ ـ السدي ، كما في الإسناد الرابع.

ولما كانت رواية خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي أكثر أسانيد الغسل

٢٨٠