وضوء النبي - ج ٢

السيد علي الشهرستاني

وضوء النبي - ج ٢

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٦

للخبث! وهذا فيه أوضح إشارة إلى أنّ هذا الوضوء استحكم بعد التدوين في زمن ابن عبد العزيز ولم يكن له ماله الآن من مرويات وأتباع ..

وعلى أيّ حال فإنّ روايات المسح فيها تحديد لأطراف النزاع ، وهذا التحديد يخدمنا في معرفة رموز الطرفين ، فإنّ الربيع والحجّاج من سلك الاجتهاد والرأي ومن المعدودين في جانب الحكومات ، وأما ابن عباس وأنس بن مالك والسجاد ، وابن عقيل فهم من سلك التعبد المحض ـ في هذه المفردة ـ ومن المضطهدين من قبل السلطات.

وهذا التصريح لا نجده أبدا في روايات الغسل ، فإنّها تنقل الغسل ساكتة غير مصرّحة بالمخالفين لذلك ، بل الذي رأيناه في روايات عثمان هو تعمّد الإبهام للمخالفين بمثل قولهم : «إنّ ناسا» و «حدّثت أن عثمان اختلف في خلافته في الوضوء». وأما روايات الإمام علي فإنها أكّدت على جملة «وهذا وضوء من لم يحدث» ، وهي وإن كانت شاملة لكلّ المحدثين في الوضوء ، إلّا أنّها ربّما يظهر منها التعريض بعثمان بن عفان ، لأنّه أوّل من سنّ الخلاف في الوضوء كما عرفت ، فتكون رواية الإمام محدّدة لمنشإ الوضوء الغسلي المحدث ، وأنّه عثمان بن عفان ، والتعريض هنا أبلغ من التصريح كما لا يخفى ، لاقتضاء المقام البلاغي ذلك حفاظا على وحدة المسلمين.

نصوص الوضوء والسير الطبيعي :

وفي مماشاة لسير الأحداث الوضوئية يتبين لنا صدق انسجام الوضوء المسحي مع سير السيرة النبوية في الوضوء ، ونفار الوضوء الغسلي عن هذه السيرة وبروزه بشكل مفاجئ في غير مقطعة الزمني ، ممّا يدل على حداثته وبروزه في وقت متأخّر.

ذلك أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله علّم المسلمين جميع ضروريات دينهم ، وما مات حتّى بيّن لهم معالم دينهم ، فعلم الصحابة ذلك وكانوا يعلمون من لم ير النبي أيضا ، وبقي هذا المجتمع الذي بناه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا نزاع ولا خلاف في الوضوء ، فعبرت الأحداث زمان ولم يستجدّ ما يوجب الاختلاف سوى حروب الردّة التي سرعان ما انتهت واندثرت.

ثمّ جاء زمن خلافة عمر بن الخطّاب ، فكثرت الفتوح بشكل غيّر مجرى التاريخ ، فافتتح المسلمون بلاد فارس وبلاد الروم ، وتوسّعت رقعة الدولة الإسلامية ،

٣٦١

فصار الناس من سائر الأمم يدخلون في دين الإسلام أفواجا أفواجا ، وجي‌ء بالأسارى الذي صاروا موالي للمسلمين واختلطوا معهم ، وأسلم الكثير منهم بعد اطّلاعهم على دين الإسلام.

فكان منطق الأحداث يقتضي هنا بروز وشيوع أحاديث الوضوء التعليمي ، لأنّ الداخلين الجدّد في الإسلام كان لا بدّ لهم من الصلاة ، ولا صلاة إلّا بظهور ، فمن المقطوع به أن يسألوا الصحابة عن كيفية الوضوء وتفاصيله وجزئياته ، ليؤدّوا فرائض اللّٰه ، وهنا لا بدّ أن يتجلّى دور الصحابة في روايات الوضوء ، وكان المفروض أن يبرز الخلاف بينهم لو كان ثمّة خلاف بينهم فيه ، ولكننا ما رأينا قطّ وقوع خلاف وضوئي آن ذاك ، ممّا يعني أنّ الداخلين الجدد كانوا قد تلقّوا وضوءا واحدا لا خلاف فيه وإلّا لبرز.

وما أن تسلّم عثمان أزمّة الأمور حتّى برز الوضوء الثلاثي الغسلي مقرونا بصرخات الاختلاف من أناس لم يرتضوه ، فكأنّه ولد معارضا من أناس أثبتنا أنهم من علّيّة الصحابة ، وهذا الانبثاق المفاجئ المعارض بنقول صحابة آخرين وبنص القرآن الكريم ، لا يتلائم مع سير الاحداث كما عرفت. لأنّ الوضوء ليس بالأمر الخفي ولا بالحكم المجهول.

هذا الإحداث والإبداع للوضوء الجديد خلق حالة ارتباك في ذهنية المسلمين ، فانشطروا إلى مثلّثين غاسلين تبعا لعثمان ، ومثنين ماسحين بقاء على ما كان ، وبما أنّ الكوفة كانت ـ لقربها من بلاد فارس ولاتخاذ علي لها عاصمة لخلافته ـ مشحونة بالعجم والموالي والمسلمين الحديثي عهد بالإسلام الذين التبس عليهم أمر الوضوء نتيجة الملابسات التي خلقها عثمان ، وجدنا النصوص التعليمية عن علي بن أبي طالب في الكوفة وفي الرحبة ، وعند الصلاة ، وبعد سؤال سائل ، وكلّها تحمل ردودا على إعمال الرأي في الوضوء ، وتؤكّد أنّ المسح هو السنّة النبويّة ، كما أنّها تعرّض بالمحدث لهذا الخلاف وهو عثمان بن عفّان ، فجاءت النصوص عن علي في وقتها الطبيعي وبعد حدوث الاختلاف قطعا في زمان عثمان ، وهذه الحالة طبيعية جدّا ومتماشية مع سير الأحداث.

٣٦٢

فهذا الانسجام في روايات المسح ، والشذوذ في روايات الغسل يرجّح نسبة الخبر المسحي إلى علي ويحكم بصحته وملاءمته للوقائع والرفض الاجتهاد والرأي ، كما يحكم بصحّة انتساب الوضوء الغسلي إلى عثمان بن عفان فقط ، لشذوذه عن السير الطبيعي للحدث الوضوئي ولفقه المسلمين ، ولملاءمته لمدرسة عثمان القائلة بـ «رأي رأيته» ، كما أنّه يلائم نفسيته التي نصّ عليها ، حيث كان متنظّفا حتى أنّه كان يتوقّى وصول غبار بناء مسجد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى أنفه في المدينة (١).

الوضوءان بين الاضطهاد والانفراج :

وهناك نكتة أخرى تؤيّد صحة انتساب الوضوء المسحي إلى علي بالخصوص ، وابن عباس وأنس بن مالك ، وأنّ الوضوء الغسلي نشأ وترعرع تحت أنظار سلطة عثمان والسلطة الأمويّة والعباسية من بعد ، تلك النكتة هي أنّ المسحيّين عاشوا مرحلة الاضطهاد ، لأنّهم لم يكونوا على وفاق مع السلطة في تفكيرهم وسياستهم ، وآثار هذا الضغط السلطوي لم تنفكّ عنها نصوص الوضوء المسحي ولا روّاده ، لأنّ الكثير من الصحابة كانوا لا يجرءون على التصريح بما أثروه عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في خوف عمّار من عمر في التيمّم ، وكما في ضرب عثمان لعمار وابن مسعود ، فمن المحتمل جدّا أن يكون الكثير من المسحيين قد قضوا أعمارهم ولم تصل أصواتهم إلينا ، يؤيّد ذلك أنّ أشهر ثلاثة أعلام من عظماء الصحابة الذين حملوا لواء مدرسة المسح ، كانوا ممّن امتدّ بهم العمر وانفسح لهم المجال لنشر التحديث بالوضوء.

فروايات علي عليه‌السلام المسحيّة صادرة في زمان خلافته وفي رحبة الكوفة ، بعد أن كان مبسوط اليد ، مرفوعا عنه الحصار الفكري ، فراح يقوّم الاعوجاج الحاصل في الوضوء ، ويروي للناس وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويفنّد الرأي وما اخترعه الرأي من محدثات.

وعين هذا الكلام يأتي في مرويّات ابن عباس ، فإنّها كانت صادرة بعد استشهاد الإمام علي وقبل استشهاد الإمام الحسين كما أثبتنا ذلك في المدخل (٢) ، وهي حالة

__________________

(١) العقد الفريد.

(٢) انظر وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله / المدخل : ١٩٦ ـ ١٩٧.

٣٦٣

الانفتاح التي حصلت بعد أن قضى معاوية على خصومه واستتب له الحكم ، فراح ابن عباس يطارح ويفنّد وينشر آراءه بلا خوف من السلطات.

وهكذا رواية أنس بن مالك فهي متأخّرة جدّا إذا قيست بالنصوص الصادرة عن علي وابن عباس ، وقد ساعد على تصريح أنس بمعارضة الحجّاج ومن ثمّ وصولها إلينا هو الغطاء والحماية السياسية المحدودة التي حصل عليها أنس من عبد الملك بن مروان ، باعتباره خادم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وله القدسية عند المسلمين مما تتحاشى السلطة عادة الإيقاع به وتثوير الرأي العام ضده ، اللهم إلّا إذا اقتضت ذلك ضرورة ملحّة لإدامة حكومتهم.

اى أنّ المعارضة لوضوء عثمان بدأت في عهده من قبل (الناس) (١) وبعده من قبل الإمام علي وبعد علي واصل ابن عباس المسيرة وتبعه في ذلك أنس بن مالك في عهد الحجّاج بن يوسف الثقفي ، أى أنّ المعارضة مع وضوء عثمان بدأت في حياته واستمرت حتى أواخر عهد الصحابي أنس بن مالك! لما جاءت به النصوص.

فلو افترضنا استشهاد الإمام علي في إحدى حروبه تحت لواء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كحمزة وجعفر ، وموت ابن عباس أو مقتله أو اغتياله في زمن معاوية ، وموت أنس قبل إدراكه إعلان الحجّاج لاختلف وضع الوضوء اختلافا جذريا عما هو عليه الآن ، ولضاع الكثير من عيون رواياته.

ومما يحتمل في هذا الأمر أنّ بكاء أنس في دمشق وقوله (غيرتم كلّ شي‌ء حتى الصلاة) كان من جملته بكاؤه على الوضوء المغيّر من قبل الحكّام ، لأنّك ترى الحجّاج يسعى لتحكيم الوضوء الغسلي المخالف للقرآن الحكيم ، وأنس يرى هذا التغيير جهرا وليس له قوة يصحّح بها الوضع إلّا الوقوف بوجه الحجّاج وتكذيبه موضحا سقم ما ذهب إليه.

فتأخّر النصوص جميعا عن زمن عثمان ، وصدورها عن أصحاب التعبد ، وفي أزمنة الانفراج التي حصل عليها هؤلاء الأعلام الثلاثة ، كلّها تؤكّد على أن الوضوء الغسلي عثمانيّ حكوميّ ، وأنّ الوضوء المسحي أصيل نبويّ.

ويعضّد هذا الكلام أننا نرى أكثر مرويات الوضوء عند الشيعة إنّما صدرت عن

__________________

(١) كما في خبر مسلم ١ : ٢٠٧ / ٨ وعنه في الكنز ٩ : ٣٢٤ / ٢٦٧٩٧.

٣٦٤

الإمام محمد الباقر ، حتى تناقل الأعلام في المدرسة المقابلة ثبوت المسح عنه ، إذ مر عليك كلام الفخر الرازي في تفسيره ، وغيره من أعلام العامّة ، وذلك لأنّ الإمام الباقر عاش في فترة انفتاح علمي وارتفاع الضغط عنه ، لإشراف الحكومة الأموية على نهاياتها وانشغالها بالحروب والانقسامات ، وكذلك صدرت روايات أخرى عن الإمام الصادق لنفس السبب ، فعدم اتقاء الإمام الباقر الأمويون في الوضوء والتقاء الإمام الصادق أولئك ـ كما في بعض الاخبار ـ تؤكّد سير المسألة.

فمن كلّ هذه الدلالات والقرائن والإشارات والتّتبعات نعلم بلا شك ولا ارتياب ، أنّ نسبة الوضوء المسحي إلى عليّ بن أبي طالب هو الأصحّ والأثبت والأوفق بالسير الطبيعي ، والأنسب بمواقف علي وحياته العلميّة والعمليّة ، لروائيته عنه عند الفريقين وكذلك ابن عباس ، وأنّ الوضوء الغسلي المنسوب إليه لا يتلائم مع شخصيته ولا منهجيته العلميّة ولا العمليّة ، وإنّما هو أنسب بعثمان والأمويين ومن تابعهم من أصحاب الرأي والاجتهاد ، الّذين راحوا ينسبون آراءهم إلى الطرف المقابل لهم في الفكر والمباني ليوفّروا لآرائهم الغطاء الشرعي.

٣٦٥
٣٦٦

مناقشة مرويات

عبد اللّٰه بن زيد بن عاصم المازني

سندا ودلالة ونسبة

المناقشة السندية لمروياته الغسليّة

المناقشة السندية لمرويّاته المسحيّة

البحث الدلالي نسبة الخبر إليه

٣٦٧
٣٦٨

عبد اللّٰه بن زيد وروايات الغسل

٣٦٩
٣٧٠

اختلفت الروايات عن عبد اللّٰه بن زيد بن عاصم المازني غسلا ومسحا ، والغالب منها غسلية وقد أخرجت في الكتب التسعة. وعدّت من أصح الأحاديث في باب (مسح الرأس مقبلا ومدبرا).

والرواة عن عبد اللّٰه بن زيد غسلا ، هم :

١ ـ يحيى بن عمارة المازني ٢ ـ حبان بن واسع وبما أنّ عمرو بن يحيى قد انفرد بروايته عن أبيه (يحيى بن عمارة) واختلف في النقل عنه بصيغ مختلفة ، فتارة روى عن أبيه : أنّ رجلا قال لعبد اللّٰه.

وأخرى عن أبيه : شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد اللّٰه.

وثالثا : عن أبيه عن عبد اللّٰه أنّه أفرغ من الإناء على يديه ..

ورابعا : عن أبيه أنّه قال لعبد اللّٰه ، وهو جد عمرو بن يحيى وخامسا : عن أبيه عن عبد اللّٰه الذي أرى النداء وسادسا : عن أبيه أنّه قال : كان عمّي ..

لذلك رأينا من الضروري تصنيف هذه الروايات ـ حسب حكاية ابنه عمرو بن يحيى عنه ـ تسهيلا للباحث في الوقوف على حقيقة الأمر ، ثمّ الإتيان بما رواه حبان بن واسع.

٣٧١

أ ـ ما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه :

أنّ رجلا قال لعبد اللّٰه ..

الإسناد الأول

قال البخاري : حدثنا عبد اللّٰه بن يوسف (١) ، قال : أخبرنا مالك (٢) عن عمرو بن يحيى المازني (٣) عن أبيه (٤) : أنّ رجلا قال لعبد اللّٰه بن زيد ـ وهو جد عمرو بن يحيى ـ أتستطيع أن تريني كيف كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ؟

فقال عبد اللّٰه بن زيد : نعم ، فدعا بماء فأفرغ على يديه فغسل مرّتين ، ثمّ مضمض واستنثر ثلاثا ، ثمّ غسل وجهه ثلاثا ، ثمّ غسل يديه مرّتين مرّتين إلى المرفقين ، ثمّ مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثمّ ردهما إلى المكان الذي بدأ منه ثمّ غسل رجليه (٥).

الإسناد الثاني

وأخرج عبد الرزاق عن مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى أنّ رجلا قال لعبد اللّٰه بن زيد ـ وكان من أصحاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ؟ قال : نعم ، فدعا عبد اللّٰه بن زيد بوضوء فأفرغ على يديه فغسلهما مرّتين ، ثمّ مضمض واستنثر ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، ثمّ غسل يديه إلى

__________________

(١) هو التنيسي ، أبو محمد الكلاعي المصري ، احتج به البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي (انظر تهذيب الكمال ١٦ : ٣٣٣ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٥٧ ، تهذيب التهذيب ٦ : ٨٦) وغيرها من المصادر.

(٢) هو إمام المذهب المالكي ، مشهور ، لا يحتاج إلى ترجمة.

(٣) هو عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الأنصاري ، المدني ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٢ : ٢٩٥ ، تهذيب التهذيب ٨ : ١١٨ ، التاريخ الكبير للبخاري ٦ : ٣٨٢) وغيرها من المصادر.

(٤) هو يحيى بن عمارة بن أبي حسن ، الأنصاري ، المدني ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢١ : ٤٧٤ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٢٥٩ ، التاريخ الكبير للبخاري ٨ الترجمة ٣٠٥٨) وغيرها من المصادر.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٥٨.

٣٧٢

المرفقين [مرّتين] ، ثمّ مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ، بدأ بمقدم رأسه ، ثمّ ذهب بهما إلى قفاه ثمّ ردّهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ فيه ثمّ غسل رجليه (١).

الإسناد الثالث

وأخرج البغوي بسنده إلى مالك عن عمرو بن يحيى عن أبيه أنّ رجلا قال لعبد اللّٰه بن زيد بن عاصم ـ وهو جد عمرو بن يحيى ـ وساق مثل ما تقدم (٢).

المناقشة

تكلمنا سابقا عن رجال هذه الأسانيد ، إلّا عمرو بن يحيى الذي ضعّف حديثه ابن معين فضلا عن عدم توثيقه له.

قال الدارمي عن ابن معين : صويلح وليس بالقوي (٣).

وقال ابن طالوت عن يحيى بن معين أيضا : ضعيف الحديث (٤).

وقال إسحاق بن منصور عنه أيضا : صالح (٥).

نعم حكى معاوية بن صالح عن ابن معين أنّه قال : ثقة إلّا أنّه اختلف عليه في حديثين (الأرض كلها مسجد ، وكان يسلّم عن يمينه) (٦) وهذه الحكاية عن يحيى بن معين كاذبة في نفسها ، لأنّ الراوي الكبير إذا اختلف عنه في حديثين ، أو أكثر منه لا يقال عنه ضعيف الحديث أو صويلح أو ليس بالقوي ، لأنّه ما من إمام من أئمة الحديث إلّا واختلف عنه في عدة أحاديث.

فقول ابن معين «ضعيف الحديث» يشير إلى كونه ضعيفا في الحديث على الدوام كما هو واضح ونشير أيضا إلى أنّنا لم نعثر على من وثق معاوية بن صالح (٧).

__________________

(١) المصنّف لعبد الرزاق ١ : ٤٤.

(٢) شرح السنّة للبغوي ١ : ٢٩٩.

(٣) تهذيب التهذيب ٨ : ١١٩ ، ميزان الاعتدال ٣ : ٢٩٣. الكامل في الضعفاء ٥ : ١٣٩.

(٤) هامش تهذيب الكمال ٢٢ : ٢٩٨.

(٥) الجرح والتعديل ٦ الترجمة ١٤٨٥.

(٦) مقدمة فتح الباري : ٤٣٢.

(٧) انظر ترجمته في تهذيب الكمال ٢٨ : ١٩٤.

٣٧٣

ولأجل تليين ابن معين لعمرو بن يحيى ذكره الذهبي في المغني والميزان (١) وابن عدي في الكامل (٢) وابن حجر ضمن المطعونين من رجال الصحيح (٣).

فقال ابن عدي : وعمرو بن يحيى قد روى عنه الأئمة كما ذكرت وهم أيوب ، وعبيد اللّٰه والثوري ، وشعبة ، ومالك ، وابن عيينة ، وعبد اللّٰه بن عمرو ، ويحيى بن سالم وغيرهم ، وقد روى هؤلاء عن عمرو بن يحيى أو عامتهم غير ما ذكرت ، ومالك روى من بينهم غير ما ذكرت أحاديث من مشاهير وغرائب وليس في الموطأ ، وهو لا بأس برواية هؤلاء الأئمة عنه (٤).

والذي يلوح لنا من عبارة ابن عدي أنّه يريد أن يقول أنّه لا يمكن الاحتجاج به من غير تابع.

والحاصل : فإنّ الاحتجاج به من دون اعتبار لا يخلو من إشكال.

نعم إنّ أبي حاتم والنسائي وغيرهما وثّقوا عمرو بن يحيى ، إلّا أنّ هذا التوثيق لا يعطي لمروياته الحجية ببساطة بعد وجود ما يعارضه من التضعيف وخصوصا من ناقد بارع في الرجال كابن معين.

وممّا يدل على ضعفه في الحديث وأنّه ليس بمتقن فيه أنّ ابن رجب الحنبلي قال : قرأت بخط أبي حفص البرمكي الفقيه : قال : ذكرت لأبي الحسن ـ يعني الدار قطني ـ :جاء عمرو بن يحيى في ذكره الحمار موضع البعير في توجه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله انظر خيبر ، وأنّ أحمد لم يضعّفه بذلك ، فقال أبو الحسن : مثل هذا في الصحابة ، قال :

روى رافع بن عمرو المزني قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب على بغلة بمنى ، وروى الناس كلهم خطبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ناقة ، فيضعف الصحابي بذلك.

وقال ابن رجب الحنبلي أيضا :

وقد ذكر أبو بكر الأثرم لأحمد أنّ ابن المديني كان يحمل على عمرو بن يحيى

__________________

(١) المغني في الضعفاء ٢ الترجمة ٤٧٢٨ ، ميزان الاعتدال ٣ : الترجمة ٦٤٧٥.

(٢) الكامل في الضعفاء ٥ : ١٤٠.

(٣) مقدمة فتح الباري : ٤٣٢.

(٤) الكامل في الضعفاء ٥ : ١٤٠.

٣٧٤

وذكر له هذا الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلى على حمار ، وقال : إنما هو بعير (١).

فمن الواضح أنّ الدار قطني قد ضعف عمرو بن يحيى بالأولى ، لأنه قد حكم بضعف الصحابي في الحديث إذا لم يكن متقنا فيما يروي ، ومن المقطوع به عند أهل صناعة الحديث أنّ رواية الحديث هكذا قادحة في ضبط الراوي ومؤثرة في عدم الاحتجاج به.

وأما حمل ابن المديني ـ شيخ البخاري وأستاذه ـ فقد يكون منشأه ما ذكرناه من قلة ضبط عمرو بن يحيى وعدم إتقانه لرواية الحديث ، لأنه لا يوجد هناك سبب آخر غيره ، والنص ظاهر جدا فيما قلناه.

فمع ذلك يستحكم الاشكال أكثر لو قيل بإمكانية الاحتجاج به.

والإنصاف : فإنّ الأقوال الذامة هي الراجحة في المقام ، لأنّها قد فسرت سبب الذم ، وكشفت عن العلة فيه.

والخلاصة : فإنّ هذه الأسانيد تحتاج ـ على الأصح ـ إلى تابع أو شاهد كي يرفعها إلى درجة الحجية ، وحيث لم نحصل على ذلك فإنّ الاحتجاج بها إذن لا يخلو من الإشكال.

ب ـ ما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه :

شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد اللّٰه ..

الإسناد الأوّل

قال البخاري : حدثنا موسى (٢) ، قال : حدثنا وهيب (٣) عن عمرو عن أبيه :

__________________

(١) شرح علل الترمذي : ١٥١ و ١٦١.

(٢) هو موسى بن إسماعيل المنقري ، مولاهم ، أبو سلمة التبوذكي البصري (انظر تهذيب الكمال ٢٩ : ٢١ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٦٠ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٣٣) وغيرها من المصادر.

(٣) هو وهيب بن خالد بن عجلان ، تقدمت ترجمته في الإسناد الخامس من مرويات بن عباس المسحية.

٣٧٥

شهدت عمرو بن أبي حسن (١) سأل عبد اللّٰه بن زيد عن وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بتور من ماء فتوضّأ لهم وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأكفأ على يده من التور فغسل يديه ثلاثا ، ثمّ أدخل يده في التور فمضمض واستنشق واستنثر ثلاث غرفات ثمّ أدخل يده فغسل وجهه ثلاثا ثمّ غسل يديه مرّتين إلى المرفقين ، ثمّ أدخل يده فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ، ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين (٢).

الإسناد الثاني

قال البخاري : حدثنا سليمان بن حرب (٣) ، قال : حدثنا وهيب (٤) ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه ، قال : شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد اللّٰه بن زيد عن وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا بتور من ماء فتوضأ لهم [فكفا على يديه فغسلهما ثلاثا ثمّ أدخل يده في الإناء] فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات من ماء ، ثمّ أدخل يده في الإناء فغسل وجهه ثلاثا ، ثمّ أدخل يده في الإناء فغسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ، ثمّ أدخل يده في الإناء فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر بهما ثمّ أدخل يده في الإناء فغسل رجليه (٥).

الإسناد الثالث

روى سحنون بن سعيد التنوخي عن عبد الرحمن بن القاسم عن مالك عن عمرو بن يحيى بن عمارة بن أبي حسن عن أبيه يحيى أنه سمع جده أبا حسن يسأل

__________________

(١) هو عمرو بن أبي حسن ـ وهو أخو عمارة بن أبي حسن ـ جدّ عمرو بن يحيى بن عمارة على ما قاله ابن حجر في الإصابة ٢ : ٥٣٢.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٥٨ ، باب غسل الرجلين إلى الكعبين.

(٣) هو سليمان بن حرب الأزدي الواشحي ، أبو أيوب البهري ، احتج به الجماعة (انظر تهذيب الكمال ١١ : ٣٨٤ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٣٠ ، تهذيب التهذيب ٤ : ١٧٨) وغيرها من المصادر.

(٤) تقدمت ترجمته في مرويات بن عباس المسحية.

(٥) صحيح البخاري ١ : ٥٩ باب مسح الرأس مرة.

٣٧٦

عبد اللّٰه بن زيد بن عاصم ـ وكان من أصحاب رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ : هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله يتوضأ ، قال عبد اللّٰه : نعم ، قال : فدعا عبد اللّٰه بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرّتين ثمّ مضمض واستنثر ثلاثا ثمّ غسل وجهه ثلاثا ثمّ غسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ثمّ مسح برأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثمّ ردهما حتى رجع بهما إلى المكان الذي منه بدأ ثمّ غسل رجليه ، وقال مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة : أحسن ما سمعنا في ذلك وأعمّه عندنا في مسح الرأس هذا (١).

المناقشة

تضعف هذه الأسانيد من عدة جهات :

الأولى : من جهة عمرو بن يحيى الذي مر الكلام عنه الثانية : من جهة عمرو بن أبي حسن المهمل في كتب الرجال ، نعم ذكره ابن حجر في الإصابة لكنّه لم يلتزم كونه من الصحابة ، وسيأتيك تفصيله في خلاصة البحث السندي لهذة المرويات.

الثالثة : أنّه معلول بالاضطراب السندي حسب ما سيتضح لك في خلاصة البحوث السندية ، إن شاء اللّٰه تعالى.

ج ـ ما رواه عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد اللّٰه بن زيد

الإسناد الأوّل

قال البخاري : حدثنا مسدد (٢) ، قال : حدثنا خالد بن عبد اللّٰه (٣) ، قال :

__________________

(١) المدونة الكبرى ، لمالك بن انس ١ : ٢ ـ ٣ ، برواية سحنون عن عبد الرحمن بن القاسم.

(٢) تقدمت ترجمته في الإسناد الأول مما روي عن عبد خير عن علي في الغسل.

(٣) هو خالد بن عبد اللّٰه الطحان ، أبو الهيثم المزني مولاهم الواسطي روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٨ :٩٩ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٢٤٦ ، تهذيب التهذيب ٣ : ١٠٠) وغيرها من المصادر.

٣٧٧

حدثنا مرو بن يحيى عن أبيه عن عبد اللّٰه بن زيد أنه أفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ، ثمّ غسل أو مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا ، فغسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ومسح برأسه ما اقبل وما أدبر وغسل رجليه إلى الكعبين ثمّ قال : هكذا وضوء رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

الإسناد الثاني

قال البخاري : حدثنا أحمد بن يونس (٢) ، قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة (٣) ، قال : حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد اللّٰه بن زيد قال : أتى رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخرجنا له ماء في تور من صفر فتوضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرّتين مرّتين ومسح برأسه فأقبل به وأدبر وغسل رجليه (٤).

الإسناد الثالث

أخرج مسلم في كتاب الطهارة (باب في وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) عدة طرق :

١ ـ منها : حدثني محمد بن الصباح (٥) ، حدثنا خالد بن عبد اللّٰه عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن عبد اللّٰه بن زيد بن عاصم الأنصاري وكانت له صحبة قال : قيل له : توضأ لنا وضوء رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثا ثمّ أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا ثمّ أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا ثمّ أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرّتين مرّتين ثمّ أدخل يده فاستخرجها فمسح

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٥٩.

(٢) أحمد بن عبد اللّٰه بن يونس التميمي اليربوعي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ١ : ٣٧٥ وتهذيب التهذيب ١ : ٥٠) وغيرها من المصادر.

(٣) هو عبد العزيز بن عبد اللّٰه بن أبي سلمة الماجشون ، أبو عبد اللّٰه ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ١٨ : ١٥٢ ، وسير أعلام النبلاء وتهذيب التهذيب ٦ : ٣٤٣) وغيرها من المصادر.

(٤) صحيح البخاري ١ : ٦٠.

(٥) هو محمد بن الصباح الدولابي ، أبو جعفر البغدادي البزاز ، صاحب كتاب السنن ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٥ : ٣٨٨ ، سير أعلام النبلاء ١٠ : ٦٧٠ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٢٢٩) وغيرها من المصادر.

٣٧٨

برأسه فاقبل بيديه وأدبر ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين ثمّ قال : هكذا كان وضوء رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢ ـ منها : (..) وحدثني القاسم بن زكريا (١) ، حدثنا خالد بن مخلد (٢) عن سليمان ـ وهو ابن بلال ـ عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد ولم يذكر الكعبين.

٣ ـ منها : (..) وحدثني إسحاق بن موسى (٣) الأنصاري ، حدثنا معن (٤) ، حدثنا مالك بن أنس عن عمرو بن يحيى بهذا الإسناد وقال مضمض واستنثر ثلاثا ولم يقل من كف واحدة ، وزاد بعد قوله : فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثمّ ذهب بهما إلى قفاه ثمّ ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه وغسل رجليه.

٤ ـ منها : حدثنا عبد الرحمن بن بشر العبدي (٥) ، حدثنا بهز ، حدثنا وهيب ، حدثنا عمرو بن يحيى بمثل إسنادهم ، واقتص الحديث وقال فيه : فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات وقال أيضا : فمسح برأسه فأقبل به وأدبر مرة واحدة ، قال بهز : أملى عليّ وهيب هذا الحديث وقال وهيب : أملى عليّ عمرو بن يحيى هذا الحديث مرّتين.

المناقشة

مر الكلام عن رجال هذه الأسانيد وفيه ممّن لم نترجم لهم ، وقد عرفت حال

__________________

(١) هو القاسم بن زكريا بن دينار القرشي ، أبو محمد الطحان الكوفي ، روى له مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (انظر تهذيب التهذيب ٢٣ : ٣٥١ ، تهذيب الكمال ٨ : ٣١٣) وغيرهما من المصادر.

(٢) خالد بن مخلد القطواني ، أبو الهيثم البجلي ، مولاهم ، روى له أبو داود في حديث مالك والباقون (انظر تهذيب الكمال ٨ : ١٦٣ ، تهذيب التهذيب ٣ : ١١٦ ، التاريخ الكبير للبخاري ٣ : الترجمة ٥٩٥) وغيرهما من المصادر.

(٣) هو إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي ، أبو موسى المدني احتج به مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة (انظر تهذيب الكمال ٢ : ٤٨٠ ، التاريخ الكبير للبخاري) ، وغيرهما من المصادر.

(٤) هو معن بن عيسى الأشجعي ، مولاهم القزاز ، أبو يحيى المدني ، احتج به الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٨ : ٣٣٦ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٠٤ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٢٥٢) وغيرهما من المصادر.

(٥) هو عبد الرحمن بن بشر بن الحكم بن حبيب بن مهران العبدي ، أبو محمد النيسابوري (أنظر تهذيب الكمال ١٦ : ٥٤٥ وسير أعلام النبلاء ١٣ : ٣٤٠ وتهذيب التهذيب ٦ : ١٤٤) وغيرها من المصادر.

٣٧٩

رجال الإسناد الأول للبخاري وما قاله عثمان بن أبي شيبة عن أحمد بن يونس (في الإسناد الثاني للبخاري) : كان ثقة وليس بحجة ، وكذا كلام على بن الحسين بن حبان في عبد العزيز الماجشون ، إذ قال : وجدت في كتاب أبي بخط يده ، قيل لأبي زكريا : عبد العزيز الماجشون هو مثل ليث وإبراهيم بن سعد؟ فقال : لا إنّما كان رجلا يقول بالقدر والكلام ثمّ تركه واقبل إلى السنة ولم يكن من شأنه الحديث فلمّا قدم بغداد كتبوا عنه فكان بعده يقول : جعلني أهل بغداد محدثا.

وفي أسانيد مسلم (القاسم بن زكريا) الذي لم يوثق من قبل المتشددين كابن معين ويحيى بن سعيد القطان وابن أبي حاتم بل لم يرد فيه توثيق إلّا عن النسائي ، ونقل ابن عساكر في المعجم المشتمل (الترجمة : ٧٣٠) عن النسائي أنّه قال : لا بأس.

وأما خالد بن مخلد فقد ورد فيه ما لازمة أنه لا يمكن الاحتجاج به.

قال : عبد اللّٰه بن أحمد بن حنبل : له أحاديث مناكير (١).

وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به (٢).

وقال ابن سعد : كان منكر الحديث في التشيع مفرطا وكتبوا عنه ضرورة (٣).

وقال ابن عدي : وعندي إن شاء اللّٰه لا بأس به (٤).

هذا وقد ذكره الذهبي في ديوان الضعفاء والمغني (٥).

وأمّا إسحاق بن موسى ومعن بن عيسى القراز فلم يرد فيهم توثيق من المتشددين ، فإنّ إسحاق قد ولى القضاء وكان قدم دمشق مع المتوكل ، وقال النسائي عنه : أصله كوفي وكان بالعسكر.

أمّا الطريق الأخير لمسلم ففيه عبد الرحمن بن بشر العبدي الذي لم يرد توثيق

__________________

(١) تهذيب الكمال ٨ : ١٦٥ ، الجرح والتعديل ٣ الترجمة ١٥٩٩ ، ميزان الاعتدال ١ : ٢٤٦٣.

(٢) المصادر السابقة.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٦ : ٤٠٦.

(٤) الكامل في الضعفاء ٣ : ٣٤.

(٥) أنظر هامش تهذيب الكمال ٨ : ١٦٦ عنهما.

٣٨٠