وضوء النبي - ج ٢

السيد علي الشهرستاني

وضوء النبي - ج ٢

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٦

اختلفت دلالة الروايات عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص في الوضوء الغسلي فبعضها مجملة وأخرى مبينة ، وثالثة دالة على الوضوء بالمفهوم لا بالمنطوق ، على ما قيل.

وهذا الاختلاف روي عن عبد اللّٰه بعدة أسانيد مرجعها إلى طريقين ، أحدهما : برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، والأخرى برواية مصدع عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص.

الأوّل : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.

وهي على نحوين :

أ ـ ما رواه في صفة وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

ب ـ ما رواه في الوضوء ثلاثا ثلاثا

فأمّا ما رواه في صفة وضوء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

الإسناد

قال أبو داود : حدثنا مسدد (١) ، حدثنا أبو عوانة (٢) ، عن موسى بن أبي عائشة (٣) ، عن عمرو بن شعيب (٤) ، عن

__________________

(١) هو مسدد بن مسرهد وقد تقدم تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب الغسلية.

(٢) هو الوضاح اليشكري وقد تقدم الكلام عنه في مرويات على بن أبي طالب الغسلية.

(٣) هو موسى بن أبي عائشة الهمداني ، أبو الحسن الكوفي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٩ : ٩٠ سير أعلام النبلاء ، ٦ : ١٥٠ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٥٢) وغيرها من المصادر.

(٤) هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص القريشي السهمي ، أبو إبراهيم ، لم يرو

٤٤١

أبيه (١) عن جده (٢) أنّ رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا رسول اللّٰه ، كيف الطهور؟

فدعا بماء في إناء ، فغسل كفّيه ثلاثا ، ثم غسل وجهه ثلاثا ، ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه ، ثم غسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ، أو «ظلم وأساء» (٣).

المناقشة

تقدم الكلام عن مسدد وأبي عوانة في مرويات علي بن أبي طالب.

أمّا موسى بن أبي عائشة فهو ثقة على ما هو صريح غير واحد من أئمّة الرجال ، قال الحميدي ، عن سفيان بن عيينة : حدثنا موسى بن أبي عائشة وكان من الثقات (٤).

ونقل إسحاق بن منصور وعباس الدوري ، عن يحيى بن معين : ثقة (٥).

وقال يعقوب بن سفيان : كوفي ثقة (٦) وذكره ابن حبان في الثقات (٧).

وقد مدحه آخرون ، قال علي بن المديني : سمعت يحيى بن سعيد ، قال : كان

__________________

له مسلم ، وقد روى له البخاري في القراءة خلف الامام ، وروى له أيضا أصحاب السنن الأربعة (انظر تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٤ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٥ تهذيب التهذيب ٨ : ٤٨) وغيرها من المصادر.

(١) هو شعيب بن محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص القريشي السهمي ، الحجازي ـ والد عمرو بن شعيب ـ روى له البخاري في القراءة خلف الامام ، وروى له أيضا أصحاب السنن الأربعة (انظر تهذيب الكمال ١٢ : ٥٣٤ ، التاريخ الكبير للبخاري ٤ : الترجمة ٢٥٦٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٣٥٦) وغيرها من المصادر.

(٢) اختلف في المراد بالجدّ هل هو جده الأعلى (عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص) أم جده الأدنى محمد؟

(٣) سنن أبي داود : ١ : ٣٣ ح ١٣٥ باب الوضوء ثلاثا ثلاثا.

(٤) الجرح والتعديل ٨ : الترجمة ٧٠٠ ، تهذيب الكمال ٢٩ : ٩١.

(٥) الجرح والتعديل ٨ : الترجمة ٧٠٠ ، تهذيب الكمال ٢٩ : ٩١.

(٦) تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٥٣.

(٧) الثقات لابن حبان ٥ : ٤٠٤.

٤٤٢

سفيان الثوري يحسن الثناء على موسى بن أبي عائشة (١).

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم سمعت أبي يقول تريبني رواية موسى بن أبي عائشة (حديث عبيد اللّٰه بن عبد اللّٰه في مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، قلت : ما تقول فيه؟ قال : صالح الحديث. قلت : يحتج بحديثه؟ قال يكتب حديثه (٢).

ويراد بقوله (يكتب حديثه) أنّ حديثه لا يحتج به هو فيما إذا تفرد به ، أمّا لو كان له تابع صحيح فيحتج به ، وقد ردّ ابن حجر على استرابة أبي حاتم بقوله : عنى أبو حاتم أنّه اضطرب فيه ، وهذا من تعنته ، وإلّا فهو حديث صحيح (٣).

وأمّا عمرو بن شعيب ، فهو ممن اختلفت الأقوال فيه ، وإليك بعضها :قال يحيى بن سعيد القطان : إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يحتج به (٤).

وقال سفيان بن عيينة : كان إنّما يحدث عن أبيه عن جده ، وكان حديثه عند الناس فيه شي‌ء (٥) وعن معتمر بن سليمان : سمعت : أبا عمرو بن العلاء يقول : كان لا يعاب على قتادة ، وعمرو بن شعيب إلّا أنّهما كانا لا يسمعان شيئا إلّا حدّثا به (٦).

وقال محمد بن عبد اللّٰه الرازي عن معمر ، عن أبى عمرو بن العلاء : كان قتادة وعمرو بن شعيب لا يفوت عليهما شي‌ء يأخذان عن كل أحد (٧).

وقال أبو الحسن الميموني : سمعت أحمد بن حنبل يقول : عمرو بن شعيب له أشياء مناكير وإنّما يكتب حديثه ، يعتبر به ، فأمّا أن يكون حجة فلا (٨).

وقال محمد بن على الجوزجاني الورّاق : قلت لأحمد بن حنبل : عمرو بن شعيب سمع من أبيه شيئا؟ قال : يقول حدثني أبي ، قلت : فأبوه سمع من عبد اللّٰه بن عمرو؟

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٩ : ٩١.

(٢) تهذيب الكمال ٢٩ : ٩١.

(٣) تهذيب التهذيب ١٠ : ٣٥٣.

(٤) تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٦.

(٥) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٦.

(٦) الضعفاء للعقيلي ٣ : ٧٤ ، تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨.

(٧) تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨.

(٨) تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨.

٤٤٣

قال : نعم ، أراه قد سمع منه (١).

وقال أبو بكر الأثرم : سئل أبو عبد اللّٰه عن عمرو بن شعيب ، قال : أنا اكتب حديثه وربما احتججنا به ، وربما وجس في القلب منه شي‌ء ، ومالك يروي عن رجل عنه (٢).

وقال علي بن المديني ، عن يحيى بن سعيد : حديثه ، عندنا واه (٣).

وذكره البخاري في الضعفاء الصغير (٤).

وعن البخاري : رأيت أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وأبا عبيد ، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين (٥).

قال البخاري : من الناس بعدهم؟

وقد تعقب الذهبي قول البخاري هذا مستنكرا صدوره عنه فقال في الميزان : ومع هذا القول فما احتج به البخاري في جامعه (٦)! وقال في سير أعلام النبلاء : استبعد صدور هذه الألفاظ عن البخاري ، أخاف أن يكون أبو عيسى وهم (٧) ، وإلّا فالبخاري لا يعرج على عمرو افتراءه يقول : (فمن الناس بعدهم)؟ ثم لا يحتج به أصلا ولا متابعة (٨).

وروى أبو داود عن أحمد بن حنبل قال : أصحاب الحديث إذا شاءوا احتجوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإذا شاءوا تركوه.

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٧.

(٢) الجرح والتعديل ٦ : الترجمة ١٣٢٣ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٧.

(٣) الجرح والتعديل ٦ : الترجمة ١٣٢٣ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٦ ، تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٨.

(٤) الضعفاء الصغير للبخاري : الترجمة ٢٦١.

(٥) تهذيب الكمال ٢٢ : ٦٩.

(٦) ميزان الاعتدال ٣ : الترجمة ٦٣٨٣.

(٧) يعني به الترمذي ، وذلك لان ما روى عن البخاري : «رأيت أحمد بن حنبل ..» إنّما هو من رواية الترمذي عنه.

(٨) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٧.

٤٤٤

وعلّق الذهبي على هذا القول بقوله : هذا محمول على أنّهم يترددون في الاحتجاج به لا أنّهم يفعلون ذلك على سبيل التشهي (١).

وقال أبو عبيد الآجري : قيل لأبي داود : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عندك حجه؟

قال : لا ، ولا نصف حجة ، ورجّح بهز بن حكيم عليه (٢).

قال ابن أبي شيبة : سألت علي بن المديني عن عمرو بن شعيب ، فقال : ما روى عنه أيوب وابن جريح فذلك كله صحيح ، وما روى عمرو عن أبيه عن جده ، فإنّما هو كتاب وجده ، فهو ضعيف (٣).

وروى عباس ومعاوية بن صالح عن يحيى : ثقة (٤).

وروى الكوسج عن يحيى : قال : يكتب حديثه (٥).

وروى عباس أيضا عن يحيى قال : إذا حدّث عن أبيه عن جده فهو كتاب ، ويقول : أبي عن جدي فمن هنا جاء ضعفه أو نحو هذا القول ، فإذا حدث عن ابن المسيب أو سليمان بن يسار أو عروة فهو ثقة عنهم أو قريب من هذا (٦).

وقال أبو حاتم : سألت يحيى عنه ، فغضب وقال : ما أقول؟ روى عنه الأئمّة (٧)! وروى زهير عن يحيى : ليس بذلك (٨).

وهذه الأقوال المتناقضة ظاهرا عن يحيى يحتمل فيها ثلاثة وجوه :

فإمّا أن تكون بعضها مكذوبة منسوبة إليه ،

وإمّا أن يكون هناك وجه للجمع بينهما ،

وإما أن يكون ابن معين قد اضطرب في الحكم على عمرو بن شعيب. ويؤيد الاحتمال الأخير ما حكاه عباس الدوري عنه فتارة وثقه وأخرى ضعّفه.

وقال الذهبي ـ وبعد نقله الأقوال السابقة عن يحيى بن معين ـ : فهذا إمام الصنعة أبو زكريا قد تلجلج قوله في عمرو ، فدل على أنّه ليس حجة عنده مطلقا ، وأنّ غيره أقوى منه (٩).

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٥ : ١١٨

(٢ ـ ٨) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٩ ، تهذيب الكمال ٢٢ : ٧١.

(٩) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٩.

٤٤٥

ومع ذلك فإنّه يمكننا أن نجمع بين أقوال ابن معين لأنّه كما في رواية عباس الدوري عنه لم يضعّف روايات عمرو عموما ، إلّا خصوص ما رواه عن أبيه عن جده مع بقاء كونه ثقة في الرواية عن غير أبيه.

ومثله يمكننا أن نجمع بين قولي يحيى بن سعيد القطان المتقدمين ، لأنّ قوله (إذا روى عنه الثقات فهو ثقة يحتج به) يعني به روايته عن غير أبيه عن جده ، وأمّا قوله (حديثه عندنا واه) فلروايته عن عمرو بن شعيب عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص.

قال أبو زرعة : روى عنه الثقات وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده ، وقالوا : إنّما سمع أحاديث يسيرة وأخذ صحيفة كانت عنده ، فرواها وما أقل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه عن جده المنكر ، وعامة هذه المناكير التي تروى عنه إنّما هي عن المثنى بن الصباح ، وابن لهيعة والضعفاء ، وهو ثقة في نفسه ، إنّما تكلّم فيه بسبب كتاب عنده (١).

وكلام ابن زرعة ـ هنا ـ يؤيد ما استظهرناه من أنّ اختلاف كلام ابن معين وابن القطان إنّما هو لكثرة روايته عن أبيه عن جدّه وبسبب كتابه أيضا ، إلّا أنّ كلامه أيضا ليس تاما فقوله (وعامة هذه المناكير التي تروى عنه إنما هي ..) غير مطّرد ، لان له مناكير رواها عنه الثقات أيضا ، وصرح بذلك الذهبي حين قال : ويأتي الثقات عنه بما ينكر أيضا (٢).

وقال ابن عدي : حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان ، قال : حدثنا علي بن عثمان ابن نفيل ، حدثنا أبو مسهر عن سعيد بن عبد العزيز قال : كان الزهري يلعن من يحدث بهذا الحديث (ويعنى به : نهيناكم عن النبيذ فانتبذوا).

فقلت لسعيد : هو يذكره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : إيّاه أعني (٣).

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٢ : ٧٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٩.

(٣) الكامل في الضعفاء ٥ : ١١٤.

٤٤٦

وقال أيضا : حدثنا الفضل بن الحباب ، قال : حدثنا مسدد عن يزيد بن زريع ، حدثنا أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (لا يحل سلف ولا بيع وشرطان في بيع ، ولا بيع في ما لا يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك).

سمعت أبا يعلى يقول : قال أبو عبد الرحمن الأذرمي ، يقال : ليس يصح من حديث عمرو بن شعيب إلّا هذا وهذا أصحها (١).

وقال أيضا حدّثنا ابن حماد ، حدثني عبد العزيز بن منيب المروزي وحدثنا محمد بن جعفر بن يزيد ، حدثنا محمد بن الهيثم ، قالا : حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن أيوب ، قال : كنت إذا أتيت عمرو بن شعيب غطيت رأسي حياء من الناس (٢). وقال : حدثنا محمد بن جعفر الإمام وبشر بن موسى ، قالا : حدثنا مؤمل بن إهاب ، قال : حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال : كان أيوب إذا قعد إلى عمرو بن شعيب غطى رأسه (٣).

وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة : كان لا يعبأ بحديث سالم بن أبي الجعد ، وفلاس بن عمرو ، وأبي الطفيل ، وبصحيفة عبد اللّٰه بن عمرو ، ثم قال مغيرة :ما يسرني أنّ صحيفة عبد اللّٰه بن عمرو عندي بتمرتين أو بفلسين (٤).

قال الحافظ : اعتبرت حديثه ، فوجدت أنّ بعض الرواة يسمي عبد اللّٰه ، وبعضهم يروي ذلك الحديث بعينه فلا يسميه ، ورأيت في بعضها قد روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محمد عن عبد اللّٰه ، (وفي بعضها عمرو عن جده محمد) (٥).

وعلّق الذهبي على هذا بقوله : جاء هذا في حديث واحد مختلف ، وعمرو لم يلق جده محمدا أبدا (٦).

وقال أبو حاتم البستي في كتاب الضعفاء والمجروحين : إذا روى عن طاوس وابن المسيب وغيرهما من الثقات غير أبيه فهو ثقة ، يجوز الاحتجاج به ، وإذا روى

__________________

(١) الكامل في الضعفاء ٥ : ١١٥.

(٢) الكامل في الضعفاء ٥ : ١١٤.

(٣) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٩ ، وميزان الاعتدال ٢ : ٢٦٦.

(٤) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٦٩ ، وميزان الاعتدال ٢ : ٢٦٦.

(٥) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٧٠.

(٦) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٧٠.

٤٤٧

عن أبيه عن جده ، ففيه مناكير كثيرة فلا يجوز الاحتجاج بذلك (١).

وقال أيضا : ليس الحكم عندي في عمرو بن شعيب إلا مجانبة ما روى عن أبيه عن جده ، والاحتجاج بما روى عن الثقات غير أبيه ، ولو لا كراهية التطويل لذكرت من مناكير أخباره التي رواها عن أبيه عن جده أشياء يستدل على وهن هذا الإسناد (٢).

وقال أيضا : إذا روى عن أبيه عن جده ، فإنّ شعيبا لم يلق عبد اللّٰه فيكون الخبر منقطعا ، وإذا أراد به جده الأدنى ، فهو محمد ولا صحبه له ، فيكون مرسلا (٣).

قال ابن عدي في الكامل : وعمرو بن شعيب في نفسه ثقة إلّا إذا روى عن أبيه ، عن جده فإنّه يكون مرسلا ، لأنّ جده عنده هو محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو وليس له صحبه (٤).

وقال العقيلي : حدثنا محمد ، وقال : حدثنا عباس ، قال : سمعت يحيى يقول :عمرو بن شعيب كذاب ، إنّما هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو ابن العاص ، وهو يقول : أبى عن جدي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فمن هنا ضعّف (٥).

وذكره الذهبي في ديوان الضعفاء فقال : اختلف فيه وحديثه صحيح أو حسن (٦).

وعبارة الذهبي هنا مجملة وموهمة إذ أنّه لم يبين هل أنّ صحة حديثه أو حسنه هو في روايته عن غير أبيه عن جده فقط ، أم مطلقا؟

وقد بيّن الذهبي هذا الإجمال في السير حيث قال :

فهذا يوضح لك أنّ الآخر من الأمرين عند ابن حبان أنّ عمرا ثقة في نفسه ، وأنّ روايته عن أبيه عن جده ، إمّا منقطعة أو مرسلة ، ولا ريب أنّ بعضها من قبيل المسند المتصل ، وبعضها يجوز أن تكون روايته وجادة أو سماعا ، فهذا محل نظر واحتمال ، ولسنا ممن نعدّ نسخة عمرو عن أبيه عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوجادة ، ومن أجل أنّ فيها مناكير ، فينبغي أن يتأمل في حديثه ،

__________________

(١) المجروحين ، لابن حبان ٢ : ٧٢.

(٢) المجروحين ، لابن حبان ٢ : ٧٢.

(٣) المجروحين ، لابن حبان ٢ : ٧٢.

(٤) الكامل في الضعفاء ٥ : ١١٦.

(٥) الضعفاء للعقيلي ٣ : ٢٧٤.

(٦) ديوان الضعفاء للذهبي ٢ : ٢٠٦.

٤٤٨

ويتحايد ما جاء منه منكرا ويروى ما عدا ذلك من السنن والأحكام محسنين لإسناده ، فقد احتج به أئمة كبار ووثقوه في الجملة وتوقف فيه آخرون قليلا ، وما علمت أن أحدا تركه (١).

وذكره أيضا في المغني ، فقال : اختلف فيه وحديثه حسن أو فوق الحسن (٢).

وقال أبو الفتح الأزدي : سمعت عدة من أهل العلم بالحديث يذكرون أنّ عمرو بن شعيب فيما رواه عن سعيد بن المسيب وغيره فهو صدوق ، وما رواه عن أبيه عن جده ، يجب التوقف فيه (٣).

وقال ابن الجوزي : قلت : وإنّما توقفوا فيه ، لأنّه إذا قال عن جده احتمل أن يكون صحيحا (٤).

وقال ابن حجر : ضعّفه ناس مطلقا ووثقه الجمهور ، وضعّف بعضهم روايته عن أبيه عن جده حسب ، ومن ضعّفه مطلقا فمحمول على روايته عن جده ، فأمّا روايته عن أبيه فربما دلّس ما في الصحيفة بلفظ عن .. (٥)).

وقال أبو إسحاق الشيرازي في شرح اللمع : (.. وأمّا إذا قال «أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده» ، فإنّه ينظر فيه ، فإن عيّن الجد وسماه فلا إشكال ، لأنّه سمى الجد الأدنى وهو محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص فيكون مرسلا ، لأنّه ما لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإن سمى الجد الأعلى وهو عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص فيكون مسندا ، وأمّا إذا لم يسمه وأطلق ذلك ، فيحتمل أن يكون جده الأدنى فيكون مرسلا ، ويحتمل أن يكون عن جده الأعلى فيكون مسندا ، ولا نعلم ذلك فيجب التوقف فيه ولا يجب العمل به (٦)).

وقال الزيلعي في نصب الراية : قال ابن القطان : إنّما روت أحاديث عمرو بن شعيب ، لأنّ الهاء عن جده ، يحتمل أن تعود على عمرو ، فيكون الجد محمدا

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٥ : ١٧٥.

(٢) المغني في الضعفاء ٢ : ١٤٥.

(٣) الضعفاء لابن الجوزي ٢ : ٢٢٧ الترجمة ٢٥٦٤.

(٤) الضعفاء لابن الجوزي ٢ : ٢٢٧ الترجمة ٢٥٦٤.

(٥) تهذيب التهذيب ٨ : ٥١.

(٦) شرح اللمع ٢ : ٦٢٨.

٤٤٩

فيكون الخبر مرسلا ، أو تعود على شعيب فيكون الجد عبد اللّٰه فيكون الحديث مسندا متصلا ، لأنّ شعيبا سمع من جده عبد اللّٰه بن عمرو ، فإذا كان الأمر كذلك فليس لأحد أن يفسر الجد بأنّه عبد اللّٰه بن عمرو إلّا بحجة ، وقد يوجد في بعض الأحاديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللّٰه بن عمرو ، فيرتفع النزاع (١).

هذه هي أهم الأقوال في عمرو بن شعيب ، وقد اتضح لك أنّ طائفة من أساطين العلم كابن القطان وابن حبان وأبي إسحاق الشيرازي وغيرهم أنكروا أن يكون السند تاما من جميع الوجوه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أعني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ـ ، وذلك لأنّ الجدّ هنا غير معين ، فلعله يكون محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو ، وهذا يعنى أنّ السند منقطع ، ولعله يكون عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، وأنت تعلم بأنّ مجي‌ء الاحتمال يبطل الاستدلال ، على أنّ البعض كابن حبان وغيره صرحوا : بأنّ شعيب لا يصح له سماع من عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، وهذا يعني أنّ هذا السند ضعيف على كلا الاحتمالين سواء احتمل أن يكون الجد هو عبد اللّٰه بن عمرو ابن العاص ، أو أنّه يكون محمد بن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص ، هذا شي‌ء.

والشي‌ء الآخر الذي يقال هنا هو ما صرح به ابن حبان وغيره : من أنّ في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مناكير كثيرة رواها عنه ثقات لا ضعفاء فقط ، وهذا مما يجعل الاعتماد على مروياته مشكل جدا.

وللنووي قول قد تعنّت فيه ، وإليك نصه : فإذا عرفت هذا فقد اختلف العلماء في الاحتجاج بروايته هكذا (٢) فمنعه طائفة من المحدثين كما منعه المصنّف وغيره من أصحابنا ، وذهب أكثر المحدثين إلى صحة الاحتجاج به وهو الصحيح المختار (٣).

ومختار النووي هذا جاء لما روي عن البخاري قوله : رأيت أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني .. يحتجون بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ما تركه أحد من المسلمين.

وكذا قول البخاري : من الناس بعدهم؟.

__________________

(١) نصب الراية ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٢) يعني بذلك روايته عن أبيه عن جده.

(٣) المجموع في شرح المهذب ١ : ٦٥.

٤٥٠

ونحن قد وضّحنا سابقا أنّ الذهبي توقف في صحة هذه النسبة إلى البخاري ، باعتبار أنّ البخاري لم يحتج به في جامعه الصحيح.

ولو تفحصت صحيح البخاري لما رأيته يروي عن عمرو بن شعيب فضلا عن أن يكون قد احتج به ، فعدم احتجاج البخاري به دراية وأمر محسوس لكل متتبع لجامعه الصحيح ، وقوله السابق رواية ، والدراية والقول عن حس مقدم على الرواية والظن عند جميع العقلاء.

وما أحوج البخاري وجامعه الصحيح إلى هذه الرواية التي تحكي الوضوء البياني برواية صحابي آخر ، فالبخاري ما روى عن عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص إلّا «ويل للأعقاب من النار» ، وهي تدل على الوضوء بالمفهوم لا بالمنطوق ، فلو كان الخبر الآنف ـ رواية شعيب عن أبيه عن جده ـ صحيحا لما توانى عن إدراجها في جامعه الصحيح ، فتأمل جيدا!! وربّما يقال : إنّ ما صرح به ابن حبّان من عدم سماع شعيب من عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص يخالفه ما أثبته الدار قطني ـ من خلال أكثر من رواية ـ من سماع شعيب لجدّه عبد اللّٰه.

ويجاب على ذلك : بأنّ الروايات التي صرح شعيب فيها بالسماع عن جده قد تكون معلولة لاستبعاد أن يكون مثل ابن حبان (الرجالي المحدث) لم يقف عليها بل يمكن أن يكون فيها أشياء قد خفيت على الدار قطني هذا أولا.

وثانيا : إنّ الدار قطني حينما أثبت سماع شعيب عن جده عبد اللّٰه بن عمرو لا يريد أن يحدد الجدّ به ، لكونه مشترك بين ثلاثة حسب قوله : «لعمرو بن شعيب ثلاثة أجداد الأدنى منهم محمد ، والأوسط عبد اللّٰه ، والأعلى عمرو ، وقد سمع ـ يعنى شعيبا ـ من الأدنى محمد ، ومحمد لم يدرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسمع جده عبد اللّٰه ، فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح حينئذ .. (١)».

فقوله «فإذا بيّنه وكشفه فهو صحيح حينئذ» يرشدنا إلى أنّه لو لم يبيّنه ويكشفه فحديثه غير صحيح أو ممّا يتوقف فيه ، فتأمل جيدا في قوله فلن تجد غير ما ذكرنا.

وخلاصة القول : إنّ روايته عن أبيه عن جده مع إجمال الجد وتردده بين

__________________

(١) تهذيب الكمال ٢٢ : ٧٣.

٤٥١

الصحابي عبد اللّٰه بن عمرو بن العاص وبين محمد ابنه يوجب التوقف ، بل لا يبعد القول بضعف السند ، لأنّ الاحتجاج به ملي‌ء بالاشكالات والاحتمالات المبطلة للاعتماد عليه.

وهذا الكلام ـ الذي قدمناه إليك ـ إنما هو في خصوص روايته عن أبيه عن جده ، وأمّا إذا أردنا أن نتحدث حول مطلق مروياته التي رواها عن أبيه وعن غير أبيه فإنّ الكلام سينحو منحى آخر ، ذلك لأنّ القول بوثاقته مع ما عرف عنه من تحريضه عمر بن عبد العزيز على لعن الإمام علي دونه خرط القتاد ، فقد جاء في الأمالي الخميسة :

(.. إنّ عمرو بن شعيب لمّا أسقط عمر بن عبد العزيز ـ من الخطب على المنابر ـ لعن أمير المؤمنين ، قام إليه عمرو بن شعيب وقد بلغ إلى الموضوع الذي كانت بنو أمية تلعن فيه عليا ، فقرأ مكانه (إنّ اللّٰه يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر) فقام إليه عمرو بن شعيب فقال : يا أمير المؤمنين السنّة السنّة ، يحرّضه على لعن علي بن أبي طالب).

فقال عمرو بن عبد العزيز : اسكت قبّحك اللّٰه ، تلك البدعة لا السنّة (١)).

ومن المعلوم أنّ الناصبي لا يحتج به إجماعا.

وتلخص مما سبق : أنّ هذا الطريق ضعيف بعمرو بن شعيب الناصبي ، حسب ما تقدم عليك تفصيله ، وكذا بأبي عوانة على ما تقدم توضيحه في مرويات علي الغسلية.

ب ـ ما رواه الوضوء ثلاثا ثلاثا

الإسناد

قال النسائي : أخبرنا محمود بن غيلان (٢) قال حدثنا يعلى (٣) قال ، حدثنا

__________________

(١) الأمالي الخميسة : ١٥٣.

(٢) هو محمود بن غيلان العدوي ، مولاهم أبو محمد المروزي ، روى له الجماعة سوى أبي داود (انظر تهذيب الكمال ٢٧ : ٣٠٥ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٢٢٣ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٦٤.) وغيرها من المصادر.

(٣) هو يعلى بن عبيد بن أبي أمية الأيادي ، ويقال الحنفي ، أبو يوسف الطنافسي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٣٢ : ٣٨٩ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٧٦ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٤٠٢.) وغيرها من المصادر.

٤٥٢

سفيان (١) عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال :جاء أعرابي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأله عن الوضوء فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا ، ثم قال :هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم (٢).

المناقشة

في هذا الطريق محمود بن غيلان وهو ثقة على ما هو صريح النسائي (٣) وأبو حاتم (٤) وابن حجر في موضعين (٥) وأحمد بن حنبل (٦) وغيرهم.

وأمّا يعلى بن عبيد الطنافسي فهو متكلم فيه ، فقد وثقه جماعة وليّنه آخرون ، وإليك بيان ذلك : قال صالح بن أحمد بن حنبل عن أبيه : كان صحيح الحديث ، وكان صالحا في نفسه (٧).

وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : ثقة (٨).

وقال أبو حاتم : صدوق ، وهو أثبت أولاد أبيه في الحديث (٩).

وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات (١٠).

فمهما يكن من شي‌ء فإنّ الاحتجاج بيعلى في مقامنا غير ممكن ، وذلك لأنّ يعلى هذا ضعيف في سفيان على ما هو صريح غير واحد ، وقد ذكره الذهبي في المغني من أجل ذلك وقال : إن عثمان بن سعيد الدارمي قال : قال يحيى بن معين : يعلى ضعيف في

__________________

(١) هو الامام سفيان الثوري غني عن التعريف احتج به الجماعة (انظر تهذيب الكمال ١١ : ١٥٤ ، سير أعلام النبلاء ٧ : ٢٢٩.) وغيرها من المصادر.

(٢) سنن النسائي ١ : ٨٨ الاعتداء في الوضوء.

(٣) تهذيب الكمال ٢٧ : ٣٠٨ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٩٠.

(٤) الجرح والتعديل ٨ : الترجمة ١٣٤٠.

(٥) تهذيب التهذيب ١٠ : ٦٥ ، تقريب التهذيب ٢ : ٢٣٣.

(٦) تاريخ بغداد ١٣ : ٨٩.

(٧) الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٣١٢.

(٨) تهذيب الكمال ٣٢ : ٣٩١ ، الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٣١٢.

(٩) تهذيب الكمال ٣٢ : ٣٩١ ، الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٣١٢.

(١٠) الثقات لابن حبّان ٧ : ٦٥٣.

٤٥٣

سفيان ثقة في غيره (١).

قال ابن حجر في التقريب : ثقة إلّا في حديثه عن الثوري ، ففيه لين (٢).

وقول ابن حجر هذا موهم ـ فضلا عن كونه غير دقيق ـ ذلك لأنّ حديث يعلى عن سفيان ضعيف لا أنّه فيه ضعف أو فيه لين ، وبين المعنيين فرق شاسع لا يخفى على أهل العلم والاختصاص.

فلأجل ذلك لا يمكن الاحتجاج به في مقامنا ، لأنّ السند ضعيف به ، وبعمرو بن شعيب كما عرفت.

وروى ابن ماجة : حدثنا خالي يعلى ، عن سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة (٣).

بنفس السندين المتقدمين وبنفس متن الإسناد الثاني.

الثاني : ما رواه مصدع عن عبد اللّٰه بن عمرو

الإسناد الأول

قال مسلم : وحدثني زهير بن حرب (٤) ، حدثنا جرير (٥) ، ح.

وحدثنا إسحاق (٦) ، أخبرنا جرير عن منصور (٧) عن هلال بن يساف (٨) ، عن

__________________

(١) المغني في الضعفاء ٢ : ٧٢١٢ ، تهذيب الكمال ٣٢ : ٣٩١.

(٢) تقريب التهذيب ٢ : ٣٧٨.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ١٤٦ ح ٤٢٢.

(٤) هو زهير بن حرب بن شداد الحرشي أبو خيثمة النسائي ، تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب.

(٥) هو جرير بن عبد الحميد بن قرظ الظبي ، أبو عبد اللّٰه الرازي ، القاضي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٤ : ٥٤١ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ٩ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٧٥) وغيرها.

(٦) هو إسحاق بن إسماعيل الطالقاني ، تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب.

(٧) هو منصور بن المعتمر بن عبد اللّٰه بن ربيعة .. ، السلمي ، أبو عتاب الكوفي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٨ : ٥٤٦ ، سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٠٢ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ٣١٢.) وغيرها.

(٨) هو هلال بن يساف الأشجعي ، مولاهم ، أبو الحسن الكوفي ، وهو ممن أدرك علي بن أبي طالب ـ على ما قاله المزي في التهذيب الكمال ـ ، وهلال روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة ، والبخاري في الأدب (انظر تهذيب الكمال ٣٠ : ٣٥٣ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٨٦ ، التاريخ الكبير للبخاري ٨ : الترجمة ٢٧١٢.) وغيرها من المصادر.

٤٥٤

أبي يحيى (١) ، عن عبد اللّٰه بن عمرو ، قال : رجعنا مع رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة إلى المدينة ، حتّى إذا كنّا بماء بالطريق ، تعجّل قوم عند العصر ، فتوضئوا وهم عجال ، فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسّها الماء ، فقال رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله : ويل للأعقاب من النار. أسبغوا الوضوء (٢).

المناقشة

إنّ بعض رجال هذا الإسناد متكلم فيهم وبعضهم قد وثقوا.

فأمّا جرير فقد وردت فيه عدة أقوال ، أهمها :

ما قاله محمد بن سعد : كان ثقة كثير العلم ، يرحل إليه (٣).

وقال يعقوب بن شيبة : حدثني عبد الرحمن بن محمد ، قال : سمعت سليمان بن حرب يقول : كان جرير بن عبد الحميد وأبو عوانة يتشابهان في رأي العين ، ما كانا يصلحان إلّا أن يكونا راعي غنم (٤).

وقال عبد الرحمن بن محمد : سمعت إبراهيم بن هاشم يقول : ما قال لنا جرير قط ببغداد «حدثنا» ولا في كلمة واحدة ، قال إبراهيم : فقلت : تراه لا يغلط مرة ، فكان ربّما نعس ثم ينتبه ، فيقرأ من الموضع الذي انتهى إليه (٥).

وقال علي بن المديني : كان جرير بن عبد الحميد الرازي ، صاحب ليل ، وكان له رسن ، يقولون : إذا أعيى ، تعلق به ـ يريد أنّه كان يصلي (٦).

وقال أحمد بن حنبل : لم يكن بالذكي في الحديث ، اختلط عليه حديث أشعث

__________________

(١) هو مصدع ، أبو يحيى الأعرج المعرقب ، مولى معاذ بن عفراء الأنصاري ، قد أدرك عمر بن الخطاب على ما صرح به المزي ، وهو ممن روى له الجماعة سوى البخاري (انظر تهذيب الكمال ٢٨ : ١٤ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٧ ، الجرح والتعديل ٨ : الترجمة ١٩٦٢.) وغيرها من المصادر.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٢١٤ ح ٢٦ باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما وأخرجه أحمد في مسنده : حدثني أبي ، حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن منصور.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٨١.

(٤) تهذيب الكمال ٤ : ٥٤٤ ، ميزان الاعتدال ١ : ٥٤٤ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٢.

(٥) تهذيب الكمال ٤ : ٥٤٦ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٤.

(٦) تهذيب الكمال ٤ : ٥٤٧ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٤.

٤٥٥

وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهز فعرّفه (١).

قال عبد الرحمن بن محمد : كان عثمان بن أبي شيبة يقول لأصحابنا : إنّما كتبنا عن جرير من كتبه ، فأتيته (المتكلم هو عبد الرحمن) فقلت : يا أبا الحسن كتبتم عن جرير من كتبه؟ قال : فمن أين؟! قال : وجعل يروغ ، قال : قلت له : من أصوله ، أو من نسخ؟

قال : فجعل يحيد ويقول : من كتب ، قلت : نعم ، كتبتم على الأمانة من النسخ؟

فقال : كان أمره على الصدق ، وإنّما حدثنا أصحابنا أنّ جريرا قال لهم حين قدموا إليه ، وكانت كتبه تلفت : هذه نسخ أحدّث بها على الأمانة ، ولست أدري ، لعل لفظا يخالف لفظا ، وإنّما هي على الأمانة (٢).

وقال حنبل بن إسحاق : سئل أبو عبد اللّٰه : من أحب إليك جرير أو شريك؟

فقال : جرير أقل سقط من شريك ، وشريك كان يخطئ (٣).

وقال النسائي : ثقة (٤).

وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : صدوق (٥).

وقال أبو القاسم اللاكائي : مجمع على ثقته (٦).

وقال عثمان بن سعيد الدارمي : قلت ليحيى بن معين : جرير أحب إليك من منصور أو شريك؟ فقال : شريك أعلم به (٧).

ولأجل هذه الأقوال ذكره ابن حجر ضمن المطعونين من رجال صحيح البخاري (٨).

وهذه الأقوال التي عرضناها تقتضي ـ في نفسها ـ عدم إمكان الاحتجاج به لعدة أشياء :

الأول : لقول سليمان حرب ـ بعد أن قرنه بأبى عوانة السيئ الحفظ ـ :

(ما كانا يصلحان إلّا أن يكونا راعي غنم) وهذه العبارة تشير إلى عدم اتقانهما وضبطهما وأنّهما ليسا من الضابطين في الحديث.

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ : ٣٩٤.

(٢) تهذيب الكمال ٤ : ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٦.

(٣ ـ ٧) تهذيب الكمال ٤ : ٥٤٩ ، سير أعلام النبلاء ٩ : ١٧.

(٨) انظر مقدمة فتح الباري : ٣٢٩.

٤٥٦

الثاني : إنّ الخطأ في القراءة لقوي جدا فيه ، لأنّه كان ينعس وينتبه وهو في حال الأداء ، فالأخذ عن شخص كهذا مشكل جدا.

الثالث : إنّ جريرا لم يكن بالذكي في الحديث ، فكان ممّن يختلط عليه حديث شيخ بشيخ آخر فيضيع عليه الواقع ، وقد قدمنا إليك أنه اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى ميز بهز بن أسد له ذلك.

الرابع : إنّ كتبه قد تلفت ، فكان يحدث من نسخ ما على الأمانة ، مع أنّه لا يدري هل أنّها مطابقة للواقع أم لا؟ ، والذي دفعه للرواية منها هو الأمانة لا غير حتى مع كونه غير متثبت بما يؤدي.

وأمّا توثيقات البعض له فهي لا تعارض هذه الأقوال فيه ، لأنّهم لا يعنون من توثيقهم له سوى أنّه ثقة في نفسه ، صادق غير كاذب ، وهذا كما لا يخفى يجامع كونه ليس ذكيا ، وأنّه مخلطا وغير ذلك.

والحاصل : فإنّ الاحتجاج بجرير مشكل جدا ، خاصة لو لاحظنا أنّ بعض الأقوال فيه هي من الجروح التي يمكن عدّها مفسرة ، وعليه فيكون حديثه مما يتأمّل فيه.

وأمّا منصور بن المعتمر فهو ثقة على ما هو صريح أبي حاتم (١) والعجلي (٢) وابن حجر (٣) والذهبي (٤) ، وقد أشاد الرجاليون بحفظه وإتقانه وتظلعه في هذه الصناعة فراجع.

وأمّا هلال بن يساف فقد وثقه يحيى بن معين بقوله : ثقة (٥). وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة (٦).

__________________

(١) الجرح والتعديل ٨ : الترجمة ٧٧٨.

(٢) الثقات ، للعجلي : ٤٤٠ الترجمة ١٦٣٩ وفيه : ثقة ثبت في الحديث ، وكان أثبت أهل الكوفة.

(٣) تقريب التهذيب ٢ : ٢٧٧ وفيه : ثقة ثبت وكان لا يدلس.

(٤) سير أعلام النبلاء ٥ : ٤٠٢ وفيه : الحافظ الثبت القدوة ، وقال أيضا : كان من أوعية العلم ، صاحب إتقان وتأله وخبر.

(٥) تهذيب الكمال ٣٠ : ٣٥٤.

(٦) الثقات ، للعجلي : ٤٦٠.

٤٥٧

وذكره ابن حبّان في الثقات (١) ووثقه ابن سعد في طبقاته (٢) ، وابن حجر في تقريبه (٣) وغيرهما.

وأمّا أبو يحيى الأعرج ، فظاهر حاله أنّه مما لا يمكن الاحتجاج والوثوق بمروياته ، وإليك أهم الأقوال فيه :

قال الذهبي في ديوان الضعفاء : صدوق تكلم فيه ابن حبّان بلا دليل كعادته (٤).

وقول ابن حبّان هو : «كان ممّن يخالف الإثبات في الروايات ، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات ممّا يوجب ترك ما انفرد منهما ، والاعتبار بما وافقهم فيها (٥)».

فاتهام الذهبي لابن حبّان باطل من جهتين.

الاولى : أنّ ابن حبّان هو الأقدم في هذه الصنعة منه ، والأقرب عهدا إلى الرواة من الذهبي وأنّ الاتهام يتوجه بالأولوية له لا لابن حبان.

الثانية : إنّ المتكلم في أبي يحيى الأعرج ليس ابن حبّان فقط ـ كما سيأتي ـ وأن الذهبي لم يحط علما بمن جرحه أو لينه ، وإلا بأي شي‌ء نفسر عدم تعديله لأبي يحيى في المغني؟! فهو لم يدافع عنه بأي شي‌ء سوى قوله «تكلم فيه (٦)».

وقد ذكره في ميزان الاعتدال وحكى قول السعدي فيه «زائغ جائر عن الطريق (٧)». بعد أن قال : صدوق قد تكلم فيه ، وهذا يدل على اضطراب الذهبي فيه.

وقال ابن الجنيد : سأل ابن الغلابي يحيى بن معين وأنا أسمع عن مصدع (أبي يحيى) ، فقال : لا أعرفه (٨).

وقال الجوزجاني : كان زائغا حائدا عن الطريق (٩).

__________________

(١) الثقات ، لابن حبّان ٥ : ٥٠٣.

(٢) الطبقات الكبرى ، لابن سعد ٦ : ٢٩٧.

(٣) تقريب التهذيب ٧ : الترجمة ٧٣٥٢.

(٤) ديوان الضعفاء ٢ : ٣٦١.

(٥) المجروحين ، لابن حبّان ٣ : ٣٩.

(٦) المغني في الضعفاء ٢ : ٤٠٨.

(٧) ميزان الاعتدال ٤ : ١١٨.

(٨) هامش تهذيب الكمال ٢٨ : ١٤.

(٩) انظر هامش تهذيب الكمال ٢٨ : ١٤ عن أحوال الرجال الترجمة ٢٤٩.

٤٥٨

وردّ ابن حجر قول الجوزجاني بقوله : والجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف فلا يقدح فيه قوله (١).

نعم ذكره العقيلي في الضعفاء وقال : حدّث علي بن أحمد ، قال : حدثنا صالح ، حدثنا علي ، قال سمعت سفيان ، قال : قال عمرو بن دينار ، اسم أبي يحيى ، مصدع ، قال سفيان : وقال أهل الكوفة : قطع بشر بن مروان عرقوبيه ، قيل لسفيان : في أي شي‌ء قطع عرقوبيه؟ قال : في التشيع (٢).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : .. ومصدع هو الذي مرّ به ابن أبي طالب وهو يقص ، فقال : تعرف الناسخ من المنسوخ؟

قال : لا.

قال : هلكت وأهلكت (٣).

وقال ابن حجر أيضا في تقريب التهذيب : مقبول (٤).

وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة (٥).

وحاصل الأمر في مصدع : إنّ الاحتجاج به لا يخلو من تأمل ، وأحسن ما يقال فيه هو قول ابن حبّان وابن حجر.

وخلاصة القول في هذا الطريق : أنّه ضعيف في نفسه ، مقبول منظور فيه باعتبار غيره ، بشرط ألّا ينفرد ويخالف الثقات!!

أسانيد أخرى

١ ـ قال مسلم : وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة (٦) ، حدثنا وكيع (٧)

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١ : ١٥٨.

(٢) الضعفاء للعقيلى ٤ : ٢٧٤.

(٣) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٨.

(٤) تقريب التهذيب ٢ : ٢٥٠.

(٥) الثقات ، للعجلي : ٤٢٩.

(٦) هو الامام الحافظ عبد اللّٰه بن محمد بن أبي شيبة ، أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي العبسي ، تقدمت ترجمته في مرويات عبد اللّٰه بن عباس المسحية.

(٧) هو وكيع بن الجراح بن مليح الرواسي ، أبو سفيان الكوفي ، تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب الغسلية.

٤٥٩

عن سفيان (١) ح ، وحدثنا ابن المثنى (٢) وابن بشار (٣) قالا : حدثنا محمد بن جعفر (٤) ، قال : حدثنا شعبة (٥) ، كلاهما عن منصور بهذا الإسناد (٦) ، وليس في حديث شعبة (أسبغوا الوضوء) ، وفي حديثه (٧) عن أبي يحيى الأعرج (٨).

٢ ـ وأسند ابن جرير عن منصور بن المعتمر بالأسانيد المتقدمة أنّ النبي أبصر قوما يتوضأون لم يتموا الوضوء فقال : أسبغوا الوضوء ويل للعراقيب أو الأعقاب من النار (٩)

٣ ـ وروي عن أبي كريب قال : حدثنا عبيد اللّٰه عن إسرائيل عن منصور بالإسناد المتقدم ، وفيه : فتوضئوا فجاء رسول اللّٰه فرأى أقدامهم بيضاء من أثر الوضوء فقال : ويل للعراقيب من النار أسبغوا الوضوء (١٠)

٤ ـ وقال الطبري : حدثنا ابن بشار ، قال حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان عن منصور بنفس الأسانيد المتقدمة نحو ما تقدم (١١)

__________________

(١) هو الامام سفيان بن سعيد الثوري ، أبو عبد اللّٰه الكوفي ، احتج به الجماعة وغيرهم (انظر تهذيب الكمال ١١ : ١٥٤ سير اعلام النبلاء ٧ : ٢٢٩ ، الجرح والتعديل ٤ : الترجمة ٩٧٢) وغيرها من المصادر الكثيرة.

(٢) هو محمد بن المثنى المعروف بالزمن ، تقدمت ترجمته في مرويات على بن أبي طالب الغسليّة.

(٣) هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي ، أبو بكر البصري ، بندار ، وإنما قيل له بندار لانه كان بندارا في الحديث ، والبندار : الحافظ ، جمع حديث بلده ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٢٤ : ٥١١ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ١٤٤ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٧٠) وغيرها في المصادر.

(٤) محمد بن جعفر المعروف بغندر تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب الغسلية.

(٥) هو الإمام شعبة بن الحجاج تقدمت ترجمته في مرويات علي بن أبي طالب الغسلية.

(٦) كلاهما : أي كل من سفيان وشعبة عن منصور ، وقوله (بهذا الاسناد) يعنى بالإسناد الأول الذي رواه مصدع عن عبد اللّٰه بن عمرو.

(٧) يعني : وفي حديث شعبة وجود اضافه الأعرج (عن أبي يحيى الأعرج) لا أبي يحيى فقط.

(٨) صحيح مسلم ١ : ٢١٤ ، باب وجوب غسل الرجلين بكاملهما واخرج ابن ماجة (١ : ١٥٤ ح : ٤٥) عين ما أخرجه مسلم سندا ومتنا من طريق سفيان ، وروى الطبري في تفسيره (٦ : ٨٥) عن أبي كريب قال : حدثنا وكيع عن سفيان بالإسناد المتقدم ، وكذا أحمد في مسنده (٢ : ١٦٤ ، ٢ : ١٩٣ ، ٢ : ٢٠١).

(٩) تفسير الطبري ٦ : ٨٦.

(١٠) تفسير الطبري ٦ : ٨٦.

(١١) تفسير الطبري ٦ : ٨٥.

٤٦٠