وضوء النبي - ج ٢

السيد علي الشهرستاني

وضوء النبي - ج ٢

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٦

الإسناد الرابع

النسائي : أخبرنا الهيثم بن أيوب ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمّد ، قال حدثنا زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس ..

الإسناد الأخير

هو ما رواه أبو داود : حدثنا الحسن بن علي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عباد بن منصور ، عن عكرمة بن خالد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ..

ولم يشاهد في رواة هذه الأسانيد اسم أحد من المدونين من الصحابة والتابعين إلّا سعيد بن جبير وعبد اللّٰه ابن عباس ، والأوّل لم يثبت الطريق اليه ولم يعتمده الأعلام في خبر الوضوء عن ابن عبّاس لوجود عبّاد بن منصور المضعّف عند الجميع فيه ، أمّا الثاني ـ أي ابن عبّاس في مورد النزاع ـ فقد ثبت في الصفحات السابقة أن نسبة الغسل إليه غير صحيحة ، لعدم إمكان الاعتماد على ما روي عن سعيد بن جبير المارّ ذكره ، ولاتحاد الطرق الغسليّة الأربع الأخرى في زيد بن أسلم عن عطاء وهو ممن يدلّس.

فها أنت لو لاحظت رواة الغسل فلا ترى بينهم من أصحاب المدونات الذين دونوا الحديث قبل عمر بن عبد العزيز ، وإن ورد اسم أحد منهم فأولئك من المدونين بعد عصر التدوين الحكومي ، وهو لا يخدمنا في توضيح ما نحن فيه ، لأن التدوين في عهد عمر بن عبد العزيز لم يكن كالتدوين في عهد عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان ومعاوية والمانعين له ، ونحن مع أخذنا هذه النكتة بالاعتبار لم نر اسم أحد من رواة الغسل ضمن المدوّنين من التابعين وتابعي التابعين ، فإنّ سليمان بن بلال (١) ـ الموجود

__________________

(١) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للأعظمي ١ : ٢٦٣.

٢٢١

في السند الأول ـ وعبد اللّٰه بن إدريس (١) ومحمّد بن عجلان (٢) ـ كما في السند الثالث ـ وعكرمة بن خالد (٣) وسعيد بن جبير ـ كما في السند الأخير ـ وإن كانوا من المدونين لكنهم من المدونين بعد عصر التدوين الحكومي وهو ليس محل النزاع ، ومثله حال البخاري وأبي داود والنسائي والآخرين الذين رووا لنا الغسل عن ابن عبّاس وغيره ، فهم وإن كانوا من المدونين لكن تدوينهم جاء في العصور المتأخرة عن عصر التدوين الحكومي فلا يدخلون ضمن النزاع.

هذا والذي يجب الإشارة إليه هو أنّ عطاء ـ والذي اتّحدت الطرق فيه ـ لم يكن من المدونين عن ابن عبّاس والمختصين به ، وأنت لو بحثت عن الكتّاب المدوّنين عن ابن عبّاس لا ترى اسمه ضمن أولئك كابن أبي مليكة (٤) ، والحكم بن مقسم (٥) ، وسعيد بن جبير (٦) وعلي بن عبد اللّٰه بن عباس (٧) وعكرمة (٨) وكريب (٩) ومجاهد (١٠) ونجدة الحروري (١١) وعمرو بن دينار (١٢).

وهذا بعكس الطرق المسحيّة عن ابن عباس ، فقد حكى عكرمة المسح عن ابن عبّاس وكان من المدونين عنه ، وعنه عمرو بن دينار وهو الآخر من المدونين ومن

__________________

(١) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للأعظمي ١ : ٢٨٩.

(٢) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للأعظمي ١ : ٣٠٧.

(٣) انظر مصادر ذلك في دراسات في الحديث النبوي ، للأعظمي ١ : ١٩١.

(٤) انظر مقدمة صحيح مسلم : ١٣ ، صحيح البخاري كتاب الرهن : ٦ ، الشهادات : ٢٠ ، مسند أحمد ١ : ١٤٣ ، ٣٥١ ، السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٨٣.

(٥) فتح المغيب ٢ : ١٣٨.

(٦) العلل ١ : ٥٠ ، الطبقات الكبرى لابن سعد ٦ : ١٧٩ ، تقييد العلم : ١٠٢ ـ ١٠٣ ، تاريخ أبي زرعة.

(٧) الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ : ٢١٦.

(٨) الفهرست لابن النديم : ٣٤.

(٩) الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ : ٢١٦.

(١٠) الفهرست : ٣٣.

(١١) مسند أحمد ١ : ٢٢٤ ، ٢٤٨ ، ٢٩٤ ، ٣٠٨ ، مسند الحميدي ١ : ٢٤٤ ، الجهاد ، الإصابة ٢ : ٢٣٤.

(١٢) تاريخ الفسوي ٣ : ٥ ، تاريخ أبي زرعة كما في الدراسات للأعظمي ١ : ١١٨.

٢٢٢

المختصّين به ، حتى قال سفيان ، قال لي عمرو بن دينار : ما كنت أجلس عند ابن عباس ، ما كتبت عنه إلّا قائما.

ونقل ابن عيينة عن سفيان قوله : ما أعلم أحدا أعلم بعلم ابن عبّاس رضي اللّٰه عنه من عمرو بن دينار ، سمع ابن عبّاس رضي اللّٰه عنه وسمع أصحابه ، وسيتضح لك هذا الأمر بالأرقام حين بحثنا عن رواة المسح عن بن عبّاس.

رواة المسح عن ابن عبّاس

الإسناد الأول

عبد الرزاق ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني عمرو بن دينار أنّه سمع عكرمة يقول : قال ابن عباس ..

ورواة هذا الإسناد أئمة حفاظ ، وقد احتج بهم الناس فضلا عن أئمة الصحاح والسنن ، فعبد الرزاق قد احتج له الجماعة (١) ومثله ابن جريح (٢) وعمرو بن دينار (٣) وعكرمة (٤) وبما أنّ الجماعة قد روت لهؤلاء وثبت لكل واحد منهم ملازمة طويلة لمن يروى عنه وفيهم من هو أعلم بعلم ابن عبّاس من غيره ، فلما ذا لا تروى روايتهم عن ابن عبّاس «الوضوء غسلتان ومسحتان» في صحاح الجمهور؟

ألم يقعوا في أسانيد البخاري ومسلم في روايات أخرى؟

وإذا حصل ذلك فلم لا يأتي البخاري بخبرهم في المسح عن ابن عباس؟ مع أنّهم قد أتوا بأحاديث أخرى تحتاج إلى تابع كخبر سليمان بن بلال؟

وعليه ففي السند الأول :

١ ـ عبد الملك بن جريح وهو من المدونين ، وقد كان أول من جمع الحديث بمكة المكرمة (٥) ، كما ألّف كتبا عدّة حتّى أنّه لمّا قدم على أبي جعفر قال له : جمعت حديث

__________________

(١) انظر تهذيب الكمال ١٨ : ٥٧.

(٢) انظر تهذيب الكمال ١٨ : ٣٣٨.

(٣) انظر تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٦٤.

(٤) فقد احتج به الجميع إلّا مسلما فقد قرنه بغيره ثمّ رجع. انظر تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٦٤.

(٥) ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ ١ : ١٦٠ ، وابن حجر في مقدمة فتح الباري وابن كثير في اختصار علوم الحديث.

٢٢٣

ابن عبّاس ما لم يجمعه أحد فلم يعطه شيئا (١) ، وقد كانت كتبه تحتلّ مكانا رفيعا عند المحدّثين ، حتّى قال يحيى بن القطّان : كنّا نسمّي كتب ابن جريح كتب الأمانة (٢) لصحة ما فيها.

٢ ـ وعمرو بن دينار قد مر الكلام عنه ، وأنّه ما جلس عند ابن عبّاس وما كتب عنه إلّا واقفا.

٣ ـ وعكرمة ، مولى ابن عباس ، هو من كبار تلامذة ابن عبّاس والمدوّنين عنه ، وإنّ ابن عبّاس كان يعتني به كثيرا ، حتى قال عكرمة : كان ابن عبّاس يجعل في رجلي الكبل يعلّمني القرآن ويعلّمني السنة (٣).

وكانت عنده كتب ، فقيل أنّه نزل على عبد اللّٰه الأسوار بصنعاء ، فعدا ابنه [أي عمرو بن أبي الأسوار] على كتاب لعكرمة فنسخة ، وجعل يسأل عكرمة ، ففهم أنه كتبه من كتبه ..) (٤) وقد روى عن ابن عبّاس في التفسير (٥) ، فترى جميع هؤلاء من أصحاب المدونات.

أمّا الإسناد الثاني

وهو عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن جابر بن يزيد [زيد] أو عكرمة ، عن ابن عباس ..

١ ـ ففيه معمر بن راشد ، وهذا قد كتب الأحاديث وصنّف الكتب ، وعدّ من أوائل من جمع الحديث باليمن (٦) ، قال ابن النديم : .. له من الكتب كتاب المغازي (٧) ، وآخر في التفسير ، رواه عنه عبد الرزاق وابن المبارك وآخرون ، وكان له كتاب

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٠ : ٤٠٠ ، شرح علل الترمذي : ٦٧.

(٢) دراسات في الحديث النبوي ١ : ٢٨٦ عن العلل وتاريخ بغداد ١٠ : ٤٠٤.

(٣) تاريخ الفسوي ٣ / ٥ ، تاريخ أبي زرعة كما في الدراسات للأعظمي ١ : ١١٨.

(٤) الميزان ٣ : ٢٩٥ ، الجرح والتعديل ، تهذيب التهذيب ٨.

(٥) الفهرست : ٣٤ كما في الدراسات.

(٦) انظر كتاب (أبو جعفر الطحاوي) لعبد المجيد محمود : ١٥٢.

(٧) الفهرست : ٩٤ كما في الدراسات للأعظمي ١ : ٣١٢.

٢٢٤

مشهور آخر باسم الجامع (١).

وعن هشام بن يوسف أنه قال : جاء مطرف بن مازن ، فقال : أعطني حديث ابن جريح ومعمر حتّى أسمعه منك ، فأعطيته ، فكتبها ، ثمّ جعل يحدّث بها عن معمر نفسه عن ابن جريح (٢).

٢ ـ وقتادة بن دعامة ، وهو أحد الاعلام الذين كتبوا الأحاديث وله من الكتب : تفسير القرآن (٣) والناسخ والمنسوخ في القرآن (٤) وعواشر القرآن (٥).

قال أبو هلال ، قيل لقتادة : يا أبا الخطاب أنكتب ما نسمع؟ قال : وما يمنعك أحد أن تكتب؟ وقد أنبأك اللطيف الخبير أنه قد كتب ، وقرأ (في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى) ، قال : كنت أنظر إلى فم قتادة ، فإذا قال : حدّثنا كتبت ، وإذا لم يقل لم أكتب (٦).

٣ ـ جابر بن زيد [أو يزيد] والأول هو الصحيح ، قال الرباب : سألت ابن عبّاس عن شي‌ء ، فقال : تسألوني وفيكم جابر بن زيد (٧).

وكان الحسن البصري إذا غزا أفتى الناس جابر بن زيد (٨).

وجاء عن تلاميذه أنهم يكتبون عنه ، روى حماد بن زيد ، عن عمرو بن دينار ، فقال : قيل لجابر بن زيد : إنهم يكتبون عنك ، ما يسمعون ، فقال : إنّما للّٰه يكتبون (٩).

وعكرمة قد مر الكلام عنه ، وابن عبّاس من أئمّة المدونين.

__________________

(١) الرسالة المستطرفة للكتاني : ٤١ كما في الدراسات.

(٢) المجروحين : ٣٤ ، الجرح والتعديل ٤ / ١ : ٣١٤ ، كما في الدراسات ١ : ١٩٦.

(٣) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ٢ / ٢٣ ، الفهرست لابن النديم : ٣٤ ، كما في الدراسات ١ : ١٩٦.

(٤) توجد منه نسخة بالظاهرية ، انظر الدراسات للأعظمي ١ : ١٩٦.

(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ / ٢ / ٢ كما في الدراسات.

(٦) مسند علي بن الجعد : ١١٨ ، الكفاية : ١٦٤ ، انظر الدراسات ١ : ١٩٦.

(٧) تهذيب التهذيب ٢ : ٣٨ كما في الدراسات للأعظمي ١ : ١٤٥.

(٨) تهذيب التهذيب ٢ : ٣٨ نقلا عن ابن أبي خيثمة كما في الدراسات ١ : ١٤٥ وانظر ص ١٦٢ منه كذلك.

(٩) الطبقات الكبرى ٧ : ١٨١.

٢٢٥

أما الإسناد الثالث

وهو ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر ، عن عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل عن الربيع ، أنّ رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله غسل قدميه ثلاثا ، ثمّ قالت لنا : إن ابن عبّاس قد دخل .. الخبر.

فقد تكلّمنا عن معمر ، وبقي عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل وهو من المدونين كذلك ، لقوله : كنت أنطلق أنا ومحمّد بن علي ـ أبو جعفر ـ ومحمّد بن الحنفية إلى جابر بن عبد اللّٰه [الأنصاري لنسأله عن سنن رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن صلاته ، فنكتب عنه ونتعلّم منه (١)].

أمّا الإسناد الرابع

وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة ، حدّثنا ابن علية ، عن روح بن القاسم ، عن عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل ..

ففيه ابن علية ، وهو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، وكان من الكتبة ، له من المصنفات كتاب الطهارة ، الصلاة ، المناسك ، التفسير (٢) ، وقد كتب عن أيوب السختياني (٣) ، وكتب عنه علي بن أبي هاشم بن الطبراخ (٤) ، وقد مر الكلام عن عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل.

أمّا الإسناد الخامس

وهو الحميدي قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل ابن أبي طالب ، قال : أرسلني علي بن الحسين إلى الربيع بنت المعوذ ..

١ ـ ففيه سفيان ابن عيينة ، الإمام الكبير ، وقد بدأ بكتابة الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة ، قال علي بن الجعد : كتبت عن ابن عيينة سنة ستّين ومائة

__________________

(١) تقييد العلم : ١٠٤ ، الكامل لابن عدي ٢ : ١١٣ ، الميزان ٢ : ٤٨٤.

(٢) ذكره ابن النديم في الفهرست : ٢٢٧ كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

(٣) تاريخ أبي زرعة ٧٦ كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

(٤) تاريخ بغداد ١٢ : ١٠ كما في الدراسات ١ : ٢٣٠.

٢٢٦

بالكوفة ، يملي علينا من صحيفة (١).

قال العجلي : كان حديث ابن عيينة نحوا من سبعة آلاف ولم يكن له كتب (٢).

وقد علق الدكتور الأعظمي على كلام العجلي بقوله : ولا ندري كيف تأوّل ، علما بأنّنا رأينا أنّه أملى من صحيفة وكتب لأيّوب ، وكتب عن عمرو بن دينار وآخرين. وكتابته عن الزهري مشهورة معروفة (٣).

قال ابن عيينة ، قال لي زهير الجعفي : أخرج كتبك ، فقلت له : أنا أحفظ من كتبي (٤).

وله من المؤلفات : التفسير (٥) ، روى عنه جمع أحاديثه المكتوبة ، منهم الحميدي صاحب المسند (٦).

٢ ـ وعلي بن الحسين هو الإمام السجاد وقد كان من المدونين (٧).

أما الإسنادان السادس والسابع فهما اجترار لهذا الإسناد ، لرواية سفيان ابن عيينة الخبر عن عبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل ، وأنّ علي بن الحسين قد أرسله إلى الربيع ..

وأنت ترى رجال هذه الأسانيد وأنهم كانوا أئمة حفّاظا ، وقد دونوا الحديث في كتبهم وفي جميع الطبقات ، ولا يهمنا وجود بعض المدونين بعد عصر التدوين بينهم ، فالقيمة في وجود رجال كعلي بن الحسين ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، وعبد اللّٰه بن محمّد بن عقيل ، وجابر بن زيد ، بين هؤلاء ، وقد كانوا قد دوّنوا الحديث قبل عصر التدوين الحكومي ، ولذلك تكون لمرويّاتهم قيمة أكثر من مرويات رواة الغسل ، ولو عاودنا أسماء رواه الغسل عن ابن عبّاس لعرفت المائز بين الطريقين ، وذلك لعدم وجود مدونين قبل عصر التدوين الحكومي بينهم ، فغالبهم ليسوا من

__________________

(١) تاريخ بغداد ١١ : ٣٦٢.

(٢) تاريخ بغداد ٩ : ١٧٩.

(٣) دراسات في الحديث النبوي ١ : ٢٦٢.

(٤) تهذيب التهذيب ٤ : ١٢١.

(٥) الدراسات ، للأعظمي ١ : ٢٦٢ عن التهذيب ٤ : ١٢١ الأنساب ، للسمعاني ٥ : ٤٣٩.

(٦) انظر مسند الحميدي ، وعنه في الدراسات للأعظمي ١ : ٢٦٢.

(٧) انظر منع تدوين الحديث ، لنا : ٤٠٩ ـ ٤١١.

٢٢٧

أصحاب المدونات ، وإن كان أحد منهم فهو غالبا من المدوّنين بعد عصر التدوين الحكومي ، فلا مزية لنقلهم ، لاحتمال تأثّره بمطامع الحكّام.

ورواة الغسل هم : ١ ـ محمّد بن عبد الرحيم

٢ ـ منصور بن سلمة (أبو سلمة الخزاعي)

٣ ـ سليمان بن بلال ـ وهو من المدونين بعد عصر التدوين الحكومي –

٤ ـ زيد بن أسلم

٥ ـ عطاء بن يسار

٦ ـ عثمان بن أبي شيبة.

٧ ـ محمّد بن بشر

٨ ـ هشام بن سعد

٩ ـ الحسن بن علي الخلّال الحلواني

١٠ ـ يزيد بن هارون

١١ ـ عبّاد بن منصور

١٢ ـ عكرمة بن خالد (وهو غير مولى ابن عبّاس المدوّن لحديثه)

١٣ ـ سعيد بن جبير ـ من المدونين لكن لم يثبت الطريق إليه –

١٤ ـ مجاهد بن موسى

١٥ ـ عبد اللّٰه بن إدريس ـ من المدونين بعد عصر التدوين الحكومي

١٦ ـ محمّد بن عجلان ـ من المدونين بعد عصر التدوين الحكومي

١٧ ـ الهيثم بن أيوب الطالقاني

١٨ ـ عبد العزيز بن محمّد

وبهذا فقد اتّضح أنّ الطرق المسحيّة عن ابن عبّاس هي أقوى سندا وأنقى دلالة ، وقد رويت بطرق متعدّدة وفي جميع الطبقات عن المدونين ، بخلاف الغسليّة التي لم يروها أحد من المدوّنين قبل عصر التدوين الحكومي ، وهذا ما يؤكد أنّ استقرار الوضوء المسحيّ عن ابن عبّاس ثبت بجهود المدوّنين على مرّ الأجيال. وهو الأخر يؤكد امتداد نهج التعبد المحض في العصور اللاحقة.

٢٢٨

مناقشة مرويات

علي بن أبي طالب

سندا ودلالة ونسبة

المناقشة السندية لمروياته الغسليّة

المناقشة السندية لمرويّاته المسحيّة

البحث الدلالي

تفسير قوله (هذا وضوء من لم يحدث)

وقفة مع قوله (لرأيت)

نسبة الخبر إليه

٢٢٩
٢٣٠

على ابن أبي طالب وروايات الغسل

٢٣١
٢٣٢

هناك طائفة من الروايات حكت الغسل عن عليّ بن أبي طالب ، قد رواها عنه غير واحد من الرواة ، وهم كالآتي.

أ ـ ما رواه أبو حيّة الوادعي عنه

الإسناد الأوّل

قال الترمذي : حدّثنا هنّاد (١) وقتيبة (٢) ، قالا : حدّثنا أبو الأحوص (٣) ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن أبي حيّة (٥) ، قال : رأيت عليا توضأ فغسل كفّيه حتى أنقاهما ، ثمّ مضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه مرة ، ثمّ غسل قدميه إلى الكعبين ، ثمّ قام فأخذ فضل طهوره فشربه وهو قائم ، ثمّ قال : أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

__________________

(١) هو هناد بن السّري بن مصعب ، التميمي ، الدارمي ، أبو السري الكوفي ، روى له البخاري في أفعال العباد وباقي الجماعة ، قال أبو حاتم : صدوق ، والنسائي : ثقة (انظر الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ٥٠١ ، تهذيب الكمال ٣٠ : ٣١١ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٧١).

(٢) هو قتيبة بن سعيد الثقفي ، روى له الجماعة «انظر تهذيب الكمال ٢٣ : ٥٢٣ ، سير أعلام النبلاء ١١ : ١٣ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٣٦١».

(٣) هو سلام بن سليم الحنفي ، مولاهم ، أبو الأحوص الكوفي ، وثقه ابن معين وغيره ، روى له الجماعة «انظر تهذيب الكمال ١٢ : ٢٨٢ ، تهذيب التهذيب ٤ : ٢٨٢».

(٤) هو عمرو بن عبد اللّٰه بن عبيد ، أبو إسحاق السبيعي الكوفي ، روى له الجماعة «انظر تهذيب الكمال ٢٢ :١٠٢ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٦٣».

(٥) هو أبو حية بن قيس الوادعي ، لم يحتج به البخاري ومسلم ، لكن روى له أصحاب السنن الأربعة «انظر تهذيب الكمال ٣٣ : ٢٦٩ ، ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ١٠١٣٨».

(٦) سنن الترمذي ١ : ٣٤ باب ما جاء في وضوء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف كان؟!

٢٣٣

المناقشة

يخدش هذا الإسناد من عدة جهات :

الأولى : من جهة أبي إسحاق ـ عمرو بن عبد اللّٰه ـ السبيعي ، لأنّه عنعن روايته عن أبي حية وهو ممن يدلّس.

فقد صرح ابن حبان (١) والكرابيسي (٢) والطبري (٣) بأنّ أبا إسحاق كان من المدلّسين.

وقال ابن حجر : حدّثنا إسحاق ، حدّثنا جرير ، عن معن ، قال : أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق ، يعني للتدليس (٤).

ومما يؤخذ على مرويات أبي إسحاق : عدم الضبط ، لتغيّره واختلاطه بأخرة : قال ابن حجر : ثقة .. قد اختلط بأخرة (٥).

وقال الذهبي : شاخ ونسي (٦).

وقال الفسوي : قال بعض أهل العلم : كان قد اختلط ، وإنّما تركوه مع ابن عيينة لاختلاطه (٧).

الثانية : من جهة أبي حيّة ، المجهول ، قال أبو زرعة : لا يسمّى (٨).

وقال ابن المديني : مجهول (٩).

وقال أبو الوليد الفرضي : مجهول (١٠).

__________________

(١) الثقات لابن حبان ٥ : ١٧٧ ، تهذيب التهذيب ٨ : ٦٦.

(٢) انظر هامش تهذيب الكمال ٢٢ : ١١٣.

(٣) انظر هامش تهذيب الكمال ٢٢ : ١١٣.

(٤) تهذيب التهذيب ٨ : ٦٧.

(٥) تقريب التهذيب ٢ : ٧٣.

(٦) ميزان الاعتدال ٣ : الترجمة ٦٣٩٣.

(٧) ميزان الاعتدال ٣ : الترجمة ٦٣٩٣.

(٨) الجرح والتعديل ٩ الترجمة ١٦٣٦.

(٩) تهذيب التهذيب ١٢ : ٨١ ، ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ١٠١٣٨.

(١٠) ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ١٠١٣٨.

٢٣٤

وقال الذهبي : لا يعرف (١).

وعليه فالسند مجهول ، وله حكم المنقطع ، فلا يمكن الاعتماد عليه ، لجهالة أبي حيّة.

ولأنّ أبا إسحاق السبيعي قد تغيّر بأخرة وهو ممّن يدلّس.

الإسناد الثاني

قال النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي حية ـ وهو ابن قيس ـ قال : رأيت عليا رضي اللّٰه عنه توضّأ فغسل كفّيه حتى أنقاهما ، ثمّ تمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وغسل ذراعيه ثلاثا ، ثمّ مسح برأسه ، ثمّ غسل قدميه إلى الكعبين ، ثم قام فأخذ فضل طهوره فشرب وهو قائم ، ثمّ قال : أحببت أن أريكم كيف طهور النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

المناقشة

تقدم في الإسناد السابق أنّ طريق أبي الأحوص يضعف بأبي إسحاق الذي تغيّر واختلط وشاخ ونسي والذي كان من المدلسين ، وقد عنعن هنا ولم نجد له تصريح بالسماع عن أبي حية في الكتب التسعة (٣) ، ولجهالة أبي حيّة في الإسناد.

__________________

(١) هامش تهذيب الكمال ٣٣ : ٢٧٠ ، ميزان الاعتدال ٤ : الترجمة ١٠١٣٨.

(٢) سنن النسائي ١ : ٧٠ عدد غسل اليدين.

(٣) إذ أنّ فيها ٢٢ رواية ، ففي الترمذي إسنادان برقم (٤٢) و (٤٥) ، وفي النسائي ثلاثة أسانيد بأرقام ٩٥ ، ١١٤ ، ١٣٩ ، وفي سنن أبي داود سند واحد برقم ١١١ ، وفي ابن ماجة ٤٢٠ ، ٤٩٩ ، ٢٤٣٨ وفي مسند أحمد برقم ٩٢٤ ، ٩٧٥ ، ٩٩٥ ، ٩٩٨ ، ١٢٨٠ ، ١٢٧٩ ، ١٢٧٤ ، ١٢٠٨ ، ١١٤٢ ، ١٢٨١ ، ١٢٨٣ ، ١٢٨٩ ، ١٣٠٨ ، لم يصرح في جميعها بالسماع.

٢٣٥

الإسناد الثالث

قال النسائي : أخبرنا محمد بن آدم (١) ، عن ابن أبي زائدة (٢) ، قال : حدّثني أبي (٣) وغيره عن أبي إسحاق ، عن أبي حيّة الوادعي ، قال : رأيت عليا توضّأ فغسل كفيه ثلاثا وتمضمض واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ثلاثا ، ومسح برأسه ، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ، ثمّ قال : هذا وضوء رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

المناقشة

هذا الطريق مضافا إلى ضعفه بأبي إسحاق وبجهالة أبي حية ، فهو ضعيف أيضا بزكريا بن أبي زائدة ـ والد يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ـ الذي حدّث عنه محمد بن آدم شيخ النسائي هنا ، وذلك لعدة أمور :

الأول : إنّ سماع زكريا من أبي إسحاق إنّما كان بعد تغيّره واختلاطه وحينما كبر وشاخ على ما هو صريح العجلي (٥) وغيره.

قال أحمد بن حنبل : حديثيهما [أي زكريا وإسرائيل] عن أبي إسحاق ليّن ، سمعا منه بأخرة (٦).

الثاني : إنّ زكريا كان من المدلّسين ، وهنا لم يصرح بالسماع عن أبي إسحاق.

فقد جاء عنه أنه كان يوهم السامعين أنّه سمع من الشعبي والحال أنّه لم يسمع منه ، وهذا هو التدليس القبيح الذي يرادف الكذب.

__________________

(١) هو محمد بن آدم الجهني ، المصيصيّ ، روى له أبو داود والنسائي (انظر تهذيب الكمال ٢٤ : ٣٩١ ، تهذيب التهذيب ٩ : ٣٤) وغيرهما من المصادر.

(٢) هو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، الهمداني الوادعي ، أبو سعيد الكوفي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٣١ : ٣٠٥ ، تهذيب التهذيب ١١ : ٢٠٨ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٢٩٩) وغيرها من المصادر.

(٣) هو زكريا بن أبي زائدة الهمداني ، أبو يحيى الكوفي ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٩ : ٣٥٩ تهذيب التهذيب ٣ : ٣٢٩ ، سير اعلام النبلاء ٦ : ٢٠٢) وغيرها من المصادر.

(٤) سنن النسائي ١ : ٧٩ عدد غسل الرجلين.

(٥) حكاه المزي عنه في تهذيب الكمال ٩ : ٣٦١.

(٦) حكاه عنه الرازي في الجرح والتعديل ٣ : الترجمة ٢٦٨٥ والمزي في تهذيب الكمال ٩ : ٣٦١.

٢٣٦

قال أبو حاتم : زكريّا لين الحديث ، كان يدلّس .. إلى أن يقول : يقال إنّ المسائل التي يرويها زكريّا عن الشعبي لم يسمعها منه إنّما أخذها عن أبي حريز (١).

وقال يحيى بن زكريا ـ ابنه ـ : لو شئت لسمّيت لك من بين أبي وبين الشعبي (٢).

وقال أحمد بن حنبل : .. كان يدلّس ، يأخذ عن جابر والشعبي ولا يسمّي (٣).

وعليه ، فاشتهار زكريا بالتدليس ، وروايته هنا عن أبي إسحاق دون تصريحه بالسماع ، مع تغيّر حال أبي إسحاق بأخرة ، وجهالة أبي حيّة ، كل هذه الأمور تسقط هذه الرواية عن الاعتبار والحجيّة.

ب ـ ما رواه عبد خير عنه

الإسناد الأوّل

قال أبو داود : حدثنا مسدد (٤) ، حدثنا أبو عوانة (٥) ، عن خالد بن علقمة (٦) ، عن عبد خير (٧) ، قال : أتانا علي رضي اللّٰه عنه ، وقد صلّى ، فدعا بطهور ، فقلنا : ما يصنع بالطهور وقد صلّى؟ ما يريد إلّا أن يعلّمنا ، فأتي بإناء فيه ماء وطست ، فأفرغ من الإناء على يمينه فغسل يديه ثلاثا ، ثمّ تمضمض واستنثر ثلاثا ، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه ، ثمّ غسل وجهه ثلاثا ، ثمّ غسل يده اليمنى ثلاثا ، وغسل يده

__________________

(١) تهذيب الكمال ٩ : ٣٦٢ ، الجرح والتعديل ٣ : ٢٦٨٥.

(٢) تهذيب الكمال ٩ : ٣٦٢.

(٣) هامش تهذيب الكمال ٩ : ٣٦٢.

(٤) هو مسدد بن مسرهد الأسدي ، أبو الحسن البصري ، روى عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي (انظر تهذيب الكمال ٢٧ : ٣٤٣ ، تهذيب التهذيب ١٠ : ١٠٧) وغيرهما من المصادر.

(٥) هو الوضاح بن عبد اللّٰه اليشكري ، أبو عوانة الواسطي البزاز ، روى له الجماعة (انظر تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤١ ، تهذيب التهذيب ١١ : ١١٦ ، سير أعلام النبلاء ٨ : ٢١٧) وغيرها من المصادر.

(٦) هو خالد بن علقمة الهمداني ، الوادعي ، أبو حية الكوفي ، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجة (انظر تهذيب الكمال ٨ : ١٣٤ ، تهذيب التهذيب ٣ : ١٠٨) وغيرهما من المصادر.

(٧) هو عبد خير بن يزيد ، ويقال : ابن يحمد ، أبو عمارة الكوفي ، روى له أصحاب السنن الأربعة (انظر تهذيب الكمال ١٦ : ٤٦٩ ، تهذيب التهذيب ٦ : ١٢٤ ـ ١٢٥) وغيرهما من المصادر.

٢٣٧

الشمال ثلاثا ، ثمّ جعل يده في الإناء فمسح برأسه مرة واحدة ، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثا ، ورجله الشمال ثلاثا ، ثمّ قال : من سره أن يعلم وضوء رسول اللّٰه صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو هذا (١).

المناقشة

يخدش هذا الطريق من ثلاث جهات :

الأولى : بأبي عوانة ، الأمّي الذي تغير بأخرة. مضافا إلى أنّه كان يحدّث ممّا يقرؤه من كتب الناس خطأ في أخريات حياته.

قال أحمد بن حنبل : إذا حدّث من غير كتابه ربما وهم (٢).

وقال عفّان : كان أبو عوانة حدّث بأحاديث عن أبي إسحاق ، ثمّ بلغني بعد أنّه قال : سمعتها من إسرائيل (٣).

وقال عفان أيضا : كان بأخرة يقرأ من كتب الناس فيقرأ الخطأ (٤).

وقال أبو محمد : قيل ليحيى بن معين : أبو عوانة أثبت أو شريك؟ قال : أبو عوانة أصحّ كتابا ، وكان أبو عوانة يقرأ ولا يكتب (٥).

وقال أبو حاتم : كتبه صحيحة ، وإذا حدّث من حفظه غلط كثيرا (٦).

وقال أبو زرعة : ثقة إذا حدث من كتابه (٧).

وقال ابن عبد البر : أجمعوا على أنه ثقة ثبت حجّة فيما حدث من كتابه ، وإذا حدّث من حفظه ربما غلط (٨).

وقال الدوري ، عن يحيى بن معين ، قال : كان أبو عوانة أمّيّا يستعين بمن

__________________

(١) سنن أبي داود ١ : ٢٧ ح ١١١ ، باب صفة وضوء النبي.

(٢) تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤٦ ، الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٧٣.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٣٨٣ (من مسند أبي هريرة).

(٤) هامش تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤٦.

(٥) سؤلات ابن محرز : الترجمة ٥٨٥ كما في هامش تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤٧.

(٦) الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٧٣ ، تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤٧.

(٧) الجرح والتعديل ٩ : الترجمة ١٧٣ ، تهذيب الكمال ٣٠ : ٤٤٧.

(٨) تهذيب التهذيب ١١ : ١٢٠.

٢٣٨

يكتب له (١).

والحاصل : فإن أبا عوانة ـ على ضوء هذه الأقوال مع أخرى غيرها ـ ثقة في نفسه ، لكنه سيئ الحفظ ، كثير الغلط والوهم ، وكان لا يعرف الكتابة ، على ما هو صريح ابن معين.

والذي ينبغي أن يتساءل عنه : هو أنّه إذا كان لا يقدر على الكتابة ، فمن كان يكتب له كتبه هذه الّتي يقال عنها أنّها صحيحة؟

وهل أنّ هذا الكاتب المجهول ثقة في نفسه؟! وما هي مدة ملازمته لأبي عوانة؟

وهل كان يدوّن ما سمعه على الفور أم كان يدوّنه بعد فترة متأخرة؟

وهل هو كاتب واحد أم أكثر؟

وكيف لنا أن نثبت كون هذه الرواية التي في كتابه هي ما سمعه فعلا عن شيخه بحيث لم يتلاعب بها هذا الكاتب المجهول ، حتى يمكننا القول بصحتها ولزوم الأخذ بها؟! إلى غيرها من التساؤلات المعقولة والتي يفترض أن تطرح فيما نحن فيه ، وإنّ ورود هذا الاحتمال يسقطه عن الاعتبار والحجّية لاحتمال دخول الخطأ والوهم فيما يروي.

ونحن لو أخذنا بهذه التساؤلات مع ما قيل من احتمال ورود الإيهام ، لو حدّث عن غير كتابه ، لسقطت مرويّاته عموما ، سواء حدّث بها عن كتابه أو نقلا عن كتب الآخرين أو حفظا عن خاطره.

ويحتمل أن يكون هذا هو السر في عدم إخراج الشيخين (البخاري ومسلم) له حديثا عن علي في الوضوء البياني.

ويضاف إليه أننا لم نعثر على كتب له غير مسنده المسمى باسمه ، إلّا أنّه لم يرو فيه عن علي في الوضوء شي‌ء ، فراجع لتتأكد.

وقد يحسب أبو عوانة ـ في بعض الأوقات ـ أنّه يحدث عن كتابه مع أنّ واقع

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ٨ : ٢٢٠.

٢٣٩

الحال يشهد أنّه إنّما يحدث عن غير كتابه ، وهذه ليست بالطامة : لأن الطامة كل الطامّة أن يتخيل أبو عوانة أنّه سمع بحديث من محدث كبير وأنه موجود في كتابه مع أنّ الحق أنّه لم يسمعه عن ذلك الشيخ وليس هو ضمن أحاديث كتابة ، وإليك هذا النص للدلالة على ذلك.

قال الحسين بن الحسن المروزي : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : كنت عند أبي عوانة فحدث بحديث عن الأعمش ، فقلت : ليس هذا من حديثك ، قال : بلى.

قلت : لا ، قال : يا سلامة هات الدرج. فأخرجت فنظر فيه فإذا ليس الحديث منه.

فقال : صدقت يا أبا سعيد ، فمن أين أتيت به.

قلت : ذوكرت به وأنت شاب فظننت أنك سمعته (١).

وعليه فالاعتماد على مرويات أبي عوانة مشكل جدا وبخاصة الأحاديث التي لم يخرجها له البخاري ومسلم.

الثانية : أنه معلول سندا ، كما يأتي توضيحه بعد الخلاصة السندية لمجموع ما روى عن عبد خير في الغسل والمسح.

الثالثة : أنّه معلول متنا ، كما يأتي توضيحه في المكان أعلاه.

الإسناد الثاني

قال النسائي : أخبرنا قتيبة ، قال : حدّثنا أبو عوانة ، عن خالد بن علقمة عن عبد خير ، قال : أتينا عليّ بن أبي طالب رضي اللّٰه عنه ، وقد صلّى فدعا بطهور ، فقلنا : ما يصنع به وقد صلّى ، ما يريد إلّا ليعلّمنا ، فأتي بإناء فيه ماء وطست فأفرغ من الإناء على يديه فغسلهما ثلاثا ، ثمّ تمضمض واستنشق ثلاثا من الكفّ الذي يأخذ به الماء ، ثمّ غسل وجهه ثلاثا ، وغسل يده اليمنى ثلاثا ، ويده الشمال ثلاثا ، ومسح برأسه مرّة واحدة ، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثا ، ورجله الشمال ثلاثا ، ثمّ قال : من

__________________

(١) شرح علل الترمذي : ٢٢٥.

٢٤٠