بالمعاد واليوم الآخر ، وشيء بسيط من البرامج الأخلاقية ، وحتّى ما نقل عنهم من ابيات توحيدية لا يمكن تأكيد انتسابها إليهم ، وانْ لم يمكن نفي ذلك أيضاً (١).
فهل يمكن والحال هذه أن نعتبر الثقافة الإسلامية العظيمة ، والمعارف العقلية العالية ، والقوانين والتشريعات المفصلة ، والانظمة الأَخلاقية والسياسية والإقتصادية الإسلامية ، الشاملة الكاملة ، كنتيجة لمتابعة اُولئك النفر المعدود من « الأحناف » الموحدين المنتشرين في انحاء مختلفة من بلاد الحجاز الذين كانت جلُ عقائدهم تتألف من مجرد الاعتقاد بوجود اللّه ، واليوم الآخر وقضية أو قضيتين من قضايا الأخلاق؟!
لم يكن يمض على عُمر فتى قريش اكثر من خمس وثلاثين عاماً يومَ واجه اختلافاً كبيراً بين قريش ، فأزال بحكمته ذلك التخاصم ، ولقد كشفت هذه الحادثة عن مدى الإحترام الّذي كان فتى قريش « محمَّد » يحظى به لدى قريش ، كما وتكشف عن قوة اعتقادهم بصدقه وأمانته.
واليك تفصيل هذه الحادثة :
إنحدر سيلٌ رهيب من جبال مكة المرتفعة نحو بيت اللّه المعظم « الكعبة المقدسة » فلم يسلم من هذا السيل بيت في مكة حتّى الكعبة المعظمة ، الّتي تصدَّعتْ جدرانُها تصدعاً كبيراً بفعل ذلك السيل.
فعزمت قريشٌ على تجديد تلك البِنية المعظمة ، ولكنها تهيّبت ذلك ، وترددت في هدم الكعبة ، فأقدم « الوليد بن المغيرة » وهدمَ ركنين منها على شيء من الخوف ، فانتظر أهلُ مكة أن يحل به أمرٌ ، ولكنهم لما رأوا « الوليد » لم يصبه
__________________
١ ـ ولقد نقل ابن هشام في كتابه : السيرة النبوية : ج ١ ، ص ٢٢٢ ـ ٢٣٢ طائفة من الأبيات والقصائد التوحيدية هذه ؛ والّتي جاء في مطلع إحداها ما أنشده زيدُ بن عمرو بن نفيل :
أرَبّاً واحِداً أمْ أَلفُ ربٍّ |
|
أدِينُ إذا تُقُسِمت الاُمورُ؟ |
عزلتُ اللات والعزّى جميعاً |
|
كذلِكَ يفعل الجَلْد الصبُور ( البصير ) |