بلغة الفقيّة - ج ٣

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

أجمعت الإمامية ـ على ما قيل عدا الإسكافي ـ (١) على حرمان الزوجة في الجملة ـ إرثا من تركة زوجها. وانما اختلفوا في موضعين (الأول) : فيما تحرم منه من أعيان التركة (الثاني) : فيمن تحرم منه من الزوجات مطلقا ، أو خصوص غير ذات الولد منها.

أما الموضع الأول ، فقد اختلفت كلماتهم في ذلك على أقوال :

أحدها ـ وهو المنسوب إلى الشيخ في (النهاية) وابن حمزة وابن البراج ـ وأبي الصلاح والتقى (١) : بل قيل هو المشهور ـ حرمانها

__________________

(١) نسبة إلى (إسكاف) بالكسر ، وهي النهراوانات بين بغداد وواسط. وهو نفسه ابن الجنيد محمد بن أحمد أبو علي الكائب ، وكان من أعاظم الفقهاء الإمامية ، ومن مقدميهم في العلم وكثرة التصنيف في مختلف فنون العلم والأدب ، وكان يقول بحجية القياس ، ويوافق العامة في كثير من فتاواه توفي بالري سنة ٣٨١ ه‍ (راجع عن تفصيل ترجمته : رجال السيد بحر العلوم ـ مع تعليقاته : ج ٣ ص ٢٠٥ ـ ٢٢٤ (طبع النجف).

(٢) هكذا في الأصل مع العطف. ولعل الصحيح بدون واو العطف فإن أبا الصلاح هو نفسه النقي بن نجم بن عبيد الله الحلبي المعاصر للعلمين السيد المرتضى والشيخ الطوسي ، وله مصنفات في الفقه كثيرة منها (الكافي) ولعله لا يزال من نفائس المخطوطات (ترجم له السيد بحر العلوم في رجاله ج ٢ ص ١٣١ ـ ١٣٤) طبع النجف الأشرف.

٨١

من مطلق الأرض ، سواء كانت بياضا أو مشغولة بزرع أو بناء أو نخل أو شجر أو غير ذلك (١) وبقوم البناء وما فيه من الآلات كالطلوب (٢) والبوب والخشب والقصب وغير ذلك من الآلات المستدخلة في البناء ، ويعطى حقها من قيمة ذلك ، ونسب إلى أهل هذا القول توريثها من عين النخل والشجر ، وعليه يكون حرمانها عندهم من مطلق الأرض مطلقا عينا وقيمة ، ومن البناء وما فيه من الآلات عينا لا قيمة ، وتوريثها من عين

__________________

(١) ففي (النهاية للشيخ الطوسي ص ٦٤٢) طبع دار الكتاب العربي : «والمرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل ، بل يقوم الطوب والخشب وغير ذلك من الآلات وتعطى حصتها منه ، ولا تعطى من نفس الأرض شيئا وقال بعض أصحابنا ان هذا الحكم مخصوص بالدور والمنازل دون الأرضين والبساتين والأول أكثر في الروايات ، وأظهر في المذهب»

وفي (الوسيلة إلى نيل الفضيلة لأبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي ، المطبوع مع الجوامع الفقهية طبعة حجرية في إيران) في فصل ميراث الأزواج : «.. وإن لم تكن (أي الزوجة) ذات ولد منه (أي الزوج) لم يكن لها حق في الأرضين والقرى والمنازل وللدور والرباع».

وأما القاضي ابن البراج. فلم نجد رأيه في ذلك صريحا في مظانه من كتابه جواهر الفقه ، المطبوع ضمن الجوامع الفقهية ، ولكن ينسب إليه ذلك في عامة الموسوعات الفقهية ـ كما في المتن.

وأما أبو الصلاح النقي الحلبي ، فلم يحضرني كتابه (الكافي) المخطوط ـ كما عرفت ـ ولكن المنقول عنه ذلك أيضا في عامة الموسوعات الفقهية.

(٢) الطوب ـ بالضم ـ : الآجر ـ كما عن القاموس.

٨٢

النخل والشجر.

لكن لم أجد في النهاية ذكر النخل والشجر (١) حتى يعلم توريثها من عينهما أو من قيمتهما ولعل النسبة من جهة اختصاص الحرمان في الذكر بالأرض واختصاص التقويم في الذكر بالبناء والآلات ، وليس النخل والشجر منهما فيكونان باقين في عمومات الإرث ، الموجب للإرث من عينهما كسائر الأموال ، إلا انه كما يحتمل ذلك ، مع عدم جواز النسبة بمجرد ذلك ، كذلك يحتمل إدخالهما في الآلات التي ترث من قيمتها لا من عينها ، وكيف كان

الثاني مثل الأول مع توريثها من قيمة النخل والشجر وهو للعلامة في القواعد والشهيد في الدروس (٢) وجمع كثير ، بل نسبه غير واحد ـ كالقواعد وغيره ـ إلى المشهور. بل لعله قول من تقدم من القدماء بناء على إلحاقهما بالآلات ، كما عرفت. وعليه فتحرم من مطلق الأرض عينا وقيمة ، وتعطى من قيمة ما عليها من الأعيان الثابتة مطلقا ، فتحرم

__________________

(١) ولعل في آخر عبارة (النهاية) الآنفة الذكر إشارة إلى ذلك حيث يقول «وقال بعض أصحابنا ..» فإن كلمة (البساتين) ترمز إلى النخل والشجر ، والله العالم.

(٢) قال العلامة في قواعده في أخريات الفصل الرابع من كتاب الفرائض ـ : «أما الزوجة : فان كان لها ولد .. وان لم يكن لها ولد ، فالمشهور أنها لا ترث من رقبة الأرض شيئا. وتعطى حصتها من قيمة الآلات والأبنية والنخل والشجر ..».

وقال الشهيد الأول في دروسه : كتاب الميراث بعنوان (درس وثالث عشرها» : «الثالث ـ لو خلت الزوجة عن ولد لم ترث من رقبة الأرض شيئا ، وتعطى قيمة الآلات والأبنية والشجر ..»

٨٣

من عينها لا من قيمتها ، ولو كان نخلا أو شجرا.

الثالث ـ اختصاص الحرمان بخصوص أرض الرباع وهي الدور والمساكن عينا وقيمة ، ومن عين ما فيها من البناء دون قيمته وترث من غير ذلك عينا ، وان كان أرضا ، كسائر أمواله. وهو منسوب إلى المفيد (١) وابن إدريس (٢) وكاشف الرموز (٣). ومال إليه في

__________________

(١) قال الشيخ المفيد ـ كما في المقنعة ـ باب ميراث الأزواج غير ذوي الأولاد ـ : «.. ولا ترث الزوجة شيئا مما يخلفه الزوج من الرباع وتعطى قيمة الخشب والطوب والبناء والآلات فيه ، وهذا هو منصوص عليه عن نبي الهدى عليه وآله الصلاة والسلام وعن الأئمة من عترته. والرباع : هو الدور والمساكن دون البساتين والضياع».

(٢) قال محمد بن إدريس العجلي الحلي في كتابه (السرائر : كتاب الفرائض أثناء فصل : وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين) :

«وكذا ذهب السيد المرتضى ـ فيما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه : من أن الزوجة التي لا يكون لها من الميت ولد لا ترث من الرباع والمنازل شيئا والحق بعض أصحابنا جميع الأرضين من البساتين والضياع وغيرها وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر ، والأول اختيار الشيخ المفيد ـ إلى قوله ـ : والصحيح أنها لا ترث من نفس التربة ولا من قيمتها ، بل يقوم الطوب والآلات وتعطى قيمته».

(٣) كشف الرموز أول شرح للمختصر النافع للمحقق الحلي ، تصنيف الفقيه الحسن بن أبي طالب الآبي اليوسفي معاصر المحقق الحلي وتلميذه الأقدم وهو من نفائس المخطوطات (راجع عنه وعن مؤلفه ، رجال السيد بحر العلوم ج ٢ ص ١٧٩ ـ ١٨٦ مع التعليقات) طبع النجف. ويظهر من السيد

٨٤

(المختلف) الا أن قرار فتواه على قول الشيخ (١). وقواه في الكفاية (٢)

__________________

في رجاله : أن المحقق المنقول عنه في هذا الكتاب يرى الحرمان من الرباع لمطلق الزوجة ، حتى لو كانت ذات ولد ـ فلاحظ

(١) مختلف الشيعة في أحكام الشريعة للعلامة الحلي ـ قدس سره ـ ففي كتابه الفرائض منه ، مسألة حرمان الزوجة من الأرض والرباع يقول : «مسألة ـ قال الشيخ في النهاية : المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل ..» وبعد أن يستعرض آراء الفقهاء القدماء في المسألة كالقاضي بن البراج وأبي الصلاح الحلبي وابن حمزة والشيخ المفيد وابن إدريس والسيد المرتضى وغيرهم ـ يقول : «والذي يقوى في نفسي أن هذه المسألة تجري مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالمصحف والسيف ، وأن الرباع ، وان لم يسلم في الزوجات ، فقيمتها محسوبة لها ..» وفي آخر المسألة يختم كلامه بقوله : «وبعد هذا كله فالفتوى على ما قاله الشيخ رحمه الله».

(٢) راجع ـ من كفاية السبزواري ، كتاب المواريث ، البحث الرابع في الميراث بحسب السبب ، وفيه فصول : الأول ـ في بعض الأحكام المتعلقة بميراث الأزواج ، وفيه مسائل : «الثالثة ـ المشهور بين علمائنا حرمان الزوجة عن شي‌ء من ميراث الزوج في الجملة ـ إلى قوله ـ : وللأصحاب اختلاف في هذه المسألة في موضعين : (الأول) ـ فيما يحرم منه وقد اختلف فيه الأصحاب على أقوال ـ إلى قوله ـ : الثالث ـ حرمانها من الرباع ، وهي الدور والمساكن دون البساتين والضياع ، وتعطى قيمة الآلات والابنية من المساكن ، وهو قول المفيد وابن إدريس ، وبعد ذكر الأقوال في المسألة يستعرض الروايات التي يظهر منها الخلاف

٨٥

وهو ظاهر النافع (١) والمحكي عن تلميذه في شرحه (٢).

الرابع ـ وهو للمرتضى رحمه الله تعالى : (٣) اختصاص الحرمان

__________________

في الأقوال ، ثم يأخذ في ترجيح الأقوال على ضوء ترجيح أدلتها والجمع بين متعارضاتها ، فيرجح ـ أولا ـ قول السيد المرتضى ، وهو رابع الأقوال لقوة دليله. وأخيرا : يختم المورد بقوله : «وبعد قول السيد فقول المفيد ومن تبعه لا يخلو عن قوة»

(١) وذلك لقول المحقق الحلي الصريح في (مختصر النافع ، كتاب الميراث ، المقصد الثاني في ميراث الأزواج : «ويرث الزوج من جميع ما تركته المرأة ، وكذا المرأة عدا العقار ، وترث من قيمة الآلات والأبنية ..».

(٢) لا ندري ما ذا يقصد ـ الماتن ـ ب (تلميذه وشرحه) بعد أن ذكر (كشف الرموز للمحقق الآبي) تلميذ المحقق الحلي وهو أول شروح النافع ـ بعد شرح المصنف نفسه له ـ والذي يستعرض شروح (النافع). المدرجة في (الذريعة للمرحوم الطهراني) ويواكب تلاميذ المحقق الحلي المذكورة في مصادر ترجمته لم يجد تلميذا شارحا للكتاب غير المحقق الآبي المذكور ، فإن أقدم ما أطلعنا عليه من شروح ، هو (التنقيح الرائع) للفاضل المقداد السيوري المتوفى سنة ٨٢٦ ه‍ ، و (المهذب البارع للشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلي المتوفى سنة ٨٤١ ه‍. وهذان العلمان لا يمكن لهما معاصرة أو تلمذة المحقق الحلي المولود سنة ٦٠٢ والمتوفى سنة ٦٧٦ ه‍ ـ عادة ـ بحكم البون الشاسع بين التأريخين. وأخيرا ، فلم نجد تخريجا واضحا لما يريده الماتن ـ قدس سره ـ من هذه الجملة على أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. والله العالم.

(٣) قال السيد في كتابه (الانتصار : ص ٣٠١) طبع النجف

٨٦

بالرباع أرضا وعمارة ، لكن عينا لا قيمة ، فتعطى حقها من قيمتها أرضا وعمارة ، وتوريثها من غير ذلك عينا ولو كان ضيعة وعقارا.

هذه أربعة أقوال في حرمان الزوجة. إن صحت نسبة توريثها من عين النخل والشجر الى الشيخ وأتباعه.

وقول وهو لابن الجنيد : عدم حرمانها من شي‌ء وتوريثها من عين كل شي‌ء كغيرها من الورثة (١). فالمسألة بالنسبة إلى ميراث الزوجة خماسية الأقوال أو رباعيتها.

ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام عن الأئمة الأطهار عليهم السلام. وها نتلو عليك جملة ما وقفنا عليه :

منها ـ موثقة عبيد بن زرارة والبقباق : «قلنا لأبي عبد الله عليه السلام : ما تقول في رجل تزوج امرأة ثم مات عنها وقد فرض لها الصداق؟ قال : لها نصف الصداق ، وترثه من كل شي‌ء ، وإن ماتت

__________________

سنة ١٣٩١ : «مسألة ، ومما انفردت به الإمامية القول بأن الزوجة لا ترث من رباع المتوفى شيئا ، بل تعطى بقيمة حقها من البناء والآلات دون قيمة العراص ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، ولم يفرقوا بين الرباع وغيرها في تعلق حق الزوجات : والذي يقوى في نفسي أن هذه المسألة تجري مجرى المسألة المتقدمة في تخصيص الأكبر من الذكور بالسيف والمصحف ، وأن الرباع ، وان لم تسلم الى الزوجات ، فقيمتها محسوبة لها».

(١) كما مرت الإشارة من الماتن الى قوله باستثنائه في أول المسألة. وتذكر مخالفته هذه في عامة كتب الفقه بهذا الموضوع. ولا عجب منه فإنه كثير المخالفة للإمامية في آرائه الفقهية ، بالرغم من كونه من مفاخرهم وأعاظمهم ـ كما عرفت ذلك من السيد بحر العلوم في رجاله ـ

٨٧

فهي كذلك» (١).

ومنها ـ رواية البقباق وابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (ع) : قال : «سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته أو أرضها من التربة شيئا ، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا؟ قال : يرثها وترثه من كل شي‌ء ترك وتركت» (٢).

ومنها ـ رواية محمد بن مسلم ، قال : «قال أبو عبد الله عليه السلام ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئا؟ قال : قلت : كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئا؟ فقال لي : ليس لها منهم نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ، ولا ترث من الأصل ، ولا يدخل عليهم داخل بسببها» (٣).

ومنها ـ رواية زرارة ومحمد : «لا ترث النساء من عقار الدور شيئا لكن يقوم البناء والطوب ، وتعطى منها ثمنها أو ربعها» (٤).

ومنها ـ رواية يزيد الصائغ : «ان النساء لا يرثن من رباع الأرض شيئا ، ولكن لهن قيمة الطوب والخشب» (٥).

ومنها ـ روايته أيضا : «عن النساء : هل يرثن من الأرض؟

__________________

(١) كتاب الوسائل للحر العاملي كتاب النكاح ، أبواب المهور باب ٥٨ ، حديث (٨) : عن عبيد بن زرارة وفضل أبي العباس قالا : قلنا لأبي عبد الله (ع) وفضل هو الملقب بالبقباق.

(٢) الاستبصار للشيخ الطوسي ، باب ٩٤ حديث رقم ١٢.

(٣) الاستبصار باب ٩٤ حديث (٤).

(٤) الوسائل ، كتاب الفرائض باب ٦ ، حديث رقم (٧).

(٥) في الوسائل ، كتاب الفرائض باب ٦ ، حديث (١١) قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن النساء ..

٨٨

فقال لا ، ولكن يرثن قيمة البناء ، قال : قلت فان الناس لا يرتضون ابدا فقال : إذا ولينا ولم يرض الناس ضربناهم بالسوط ، فان لم يستقيموا ضربناهم بالسيف» (١).

ومنها ـ رواية الصفار عن بصائر الدرجات عن عبد الملك : «قال دعا أبو جعفر ـ عليه السلام ـ بكتاب علي ـ عليه السلام ـ فجاء به جعفر مثل فخذ الرجل مطويا ، فاذا فيه : ان النساء ليس لهن من عقار الرجل إذا توفي عنهن شي‌ء ، فقال : أبو جعفر ـ عليه السلام : هذا والله خط علي ـ عليه السلام ـ وإملاء رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ» (٢).

ومنها ـ رواية موسى بن بكير الواسطي : «قال : قلت لزرارة : إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ ان النساء لا ترث امرأة مما ترك زوجها من تربة دار ، ولا أرض الا أن يقوم البناء والجذوع والخشب ، فتعطى نصيبها من قيمة البناء ، وأما التربة فلا تعطى شيئا من الأرض ولا تربة دار ، قال زرارة : هذا مما لا شك فيه» (٣).

ومنها ـ ما كتبه الرضا عليه السلام الى محمد بن سنان فيما كتب من جواب مسائله : «علة المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيمة الطوب والنقض ، لان العقار لا يمكن تغييره وقلبه ، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ، ويجوز تغييرها وتبديلها ، وليس الولد والوالد كذلك ، لأنه لا يمكن التفصي بينهما ، والمرأة يمكن الاستبدال بها فما يجوز

__________________

(١) الوسائل ، المصدر الآنف الحديث قبل ذلك رقم (٨) عن يزيد الصائغ عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن النساء.

(٢) الوسائل ، أبواب ميراث الأزواج ، باب ٦ حديث (١٧).

(٣) الوسائل. بنفس المصدر الآنف ، حديث رقم (١٥) والاستبصار باب ٩٤ ، حديث رقم (١١) طبع النجف

٨٩

أن يجي‌ء ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تغييره وتبديله إذا أشبهه ، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام» (١).

ومنها ـ رواية محمد وزرارة : «ان النساء لا يرثن من الدور ولا من الضياع شيئا ، الا أن يكون أحدث بناء فيرثن ذلك البناء» (٢).

ومنها ـ رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام : «قال إنما جعل المرأة قيمة الخشب والطوب لئلا يتزوجن ، فيدخل عليهم من يفسد مواريثهم» (٣).

ومنها ـ رواية ميسرة بياع الزطي عن عبد الله ـ عليه السلام ـ :

«قال : سألته عن النساء ما لهن من الميراث؟ فقال : لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، فأما الأرضون والعقار فلا ميراث لهن فيه ، قال قلت :

فالثياب؟ قال : الثياب لهن نصيبهن ، قال : قلت : كيف صار ذا ولهذه الثمن والربع مسمى؟ قال : لأن المرأة ليس لها نسب ترث به وانما هي دخيل عليهم ، وانما صار هذا هكذا لئلا تزوج المرأة فيجي‌ء زوجها أو ولد من قوم آخرين ، فيزاحم قوما في عقارهم» (٤).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٦ حديث (١٤).

(٢) الاستبصار ، باب ٩٤ ، حديث (١٠) عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر ..»

(٣) الوسائل ، كتاب الفرائض والمواريث ، باب ٦ حديث (٩).

(٤) الاستبصار باب ٩٤ ، حديث (٨). والزط ـ بالضم ـ : طائفة من أهل الهند ، معرب (جت) وإليهم ننسب الثياب الزطية ـ هكذا في كتب اللغة ـ : فيكون المقصود من (بياع الزطي) بياع الثياب المنسوبة إلى الزط. ولعل في الرواية شاهدا على ذلك لسؤال الراوي عن الثياب والله العالم

٩٠

ومنها ـ رواية مؤمن الطاق : «لا يرثن النساء من العقار شيئا ، ولهن من قيمة البناء والشجر والنخل» (١).

ومنها ـ رواية زرارة ومحمد : «لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا» (٢) ، ومنها ـ رواية عبد الملك بن أعين : «ليس للنساء من الدور والعقار شي‌ء» (٣).

ومنها ـ رواية الفضلاء الخمسة : «المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض الا أن يقوم الطوب والخشب قيمة ، فتعطى ربعها أو ثمنها ، إن كان له ولد ، من قيمة الطوب والجذوع والخشب» (٤).

ومنها ـ رواية طربال المتضمنة لما ستعرف ، ومنها موثقة زرارة.

ومنها ـ صحيحة زرارة : «ان المرأة لا ترث فيما ترك زوجها عن القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والفرش والثياب

__________________

(١) في الوسائل ، أبواب ميراث الأزواج ، باب ٦ حديث (١٦) : عن الأحوال عن أبي عبد الله ، قال : سمعته يقول .. والمقصود بالأحوال : هو مؤمن الطاق ، أبو جعفر محمد بن علي بن النعمان الكوفي الصيرفي ، تلميذ الإمامين الباقرين عليهما السلام.

(٢) في الاستبصار ، طبع النجف كتاب المواريث باب ٩٤ ، حديث رقم (٣) الحديث عن أبي جعفر عليه السلام.

(٣) في الوسائل ، كتاب الفرائض باب ٦ من أبواب ميراث الأزواج حديث (١٠) عن أحدهما عليهما السلام.

(٤) المصدر الآنف حديث (٥). ويقصد بالفضلاء الخمسة هم : زرارة وبكير وفضيل وبريد ومحمد بن مسلم ، فإنهم بجمعهم رووا الحديث عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام

٩١

ومتاع البيت مما ترك ، ويقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب ، فتعطى حقها منه» (١) وموثقة مثلها الا أن (الرقيق) فيها بدل (الفرش) وليس فيها الأبواب ورواية طربال نحو الموثقة الا انه قال فيها (ويقوم النقض والأجذاع والقصب والأبواب) (٢).

ومنها ـ رواية محمد بن مسلم : «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا» (٣).

ومنها ـ رواية الصدوق في (الفقيه) عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة : «في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع» (٤)

إذا وقفت على ما تلوناه عليك من الأخبار فاعلم إن كلا من هذه الأقوال ـ عدا المشهور ـ يركن قائله الى بعض منها ، فنقول :

حجة الإسكافي : عمومات الكتاب ، منضما إليها روايتا عبيد بن زرارة ، وابن أبي يعفور المتقدمة ، وقريب منهما خبر أبي الجارود الدالة على توريثها من كل شي‌ء.

وفيه : أنها مخصصة ـ بعد الإجماع المحصل ، فضلا عن المنقول البالغ فوق جيد الاستفاضة على حرمانها في الجملة ـ بالأخبار المتقدمة ،

__________________

(١) الوسائل كتاب الفرائض باب ٦ من ميراث الأزواج حديث (١)

(٢) في الاستبصار ، باب ٩٤ حديث (٩) ، الحديث بسنده عن خطاب ابن أبي محمد الهمداني عن طربال بن رجا عن أبي جعفر (ع) : «أن المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك ويقوم النقض والجذوع والقصب فتعطى حقها منه».

(٣) الوسائل كتاب الفرائض باب ٦ من ميراث الأزواج حديث (٤).

(٤) الوسائل ، أبواب ميراث الأزواج ، باب ٧ حديث (٢)

٩٢

فلتحمل تلك الأخبار (١) على التقية ، لأن الحرمان من منفردات الإمامية مع إشعار الثانية بها حيث أقر السائل ـ على ما هو ـ مركوز في ذهنه : من حرمان الزوجة ، وانما سأل عن حرمان الزوج وعدمه وأجاب بالمساواة بينهما تقية.

حجة المرتضى : الجمع بين عمومات الإرث ، والمتيقن مما دل على الحرمان ، وهو الرباع ، بحمل الحرمان فيها على الحرمان من العين ، والإرث فيها من القيمة.

وفيه : ـ مع منافاته لما دلت عليه نصوص الرباع : من التفصيل القاطع للشركة باختصاص التقويم فيها بالآلات والأبنية دون عراصها ـ أن ذلك ليس جمعا بين الدليلين بل هو طرح لهما ، إذ ليس كل من العين والقيمة مندرجا في العام اندراج المصاديق في مفهوم الكلي حتى يكون حمل كل منهما على بعض أفراده عملا به في الجملة ، بل هو طرح لهما بالكلية ، ولو سلم فلا شاهد لهذا الجمع الذي لا يمكن المصير اليه إلا بعد قيام شاهد عليه.

حجة المفيد : تخصيص عموم الكتاب بما تواترت عليه نصوص الباب : من أرض الرباع التي هي القدر المتيقن منها ، واختصاص التقويم ببنائها وآلاتها البنائية ، القاضي بالحرمان من عراصها عينا وقيمة ، ومن البناء عينا لا قيمة ، فيبقى غيرها من سائر الأرضين وما عليها باقيا تحت عموم المواريث ، لأصالة العموم مع عدم اليقين بالتخصيص ، ومقتضاه الإرث من أعيان ذلك مطلقا.

وفيه : ان العمومات ، كما هي مخصصة بالرباع ، كذلك مخصصة

__________________

(١) أي رواية عبيد وابن أبي يعفور وخبر أبي الجارود الدالة على عموم التوريث من كل شى‌ء.

٩٣

بما دل على حرمانها من مطلق الأرض والضيعة والعقار والقرى : من النصوص المتقدمة ، واختصاص بعضها بالرباع في الذكر لا ينافي ذكر ما يعمها في غيره ، كما أن اشتمال بعضها على ما لا تحرم من عينها كالسلاح والدواب لا يضر بالتمسك بها في غيرهما ، إذ هو كالعام المخصص في كونه حجة في الباقي ، مع احتمال تنزيلهما ـ كما قيل ـ على أعيان الحيوة بإرادة السيف من السلاح والراحلة من الدواب ، كما وردت في بعض أخبار الحبوة وان لم نقل بأنها منها ، وحينئذ فلا يبقى شك في التخصيص حتى يتمسك فيه بأصالة العموم.

حجة الشيخ وأتباعه ـ بناء على توريثها عندهم من عين النخل والشجر ـ تخصيص عمومات الإرث بما دل على حرمانها من مطلق الأرض :

من تلك النصوص القاضية بحرمانها منها عينا وقيمة ، وتخصيصها بالحرمان من عين البناء وآلاته بما دل مستفيضا على تقويمها وإعطائها من القيمة ، ويبقى غير البناء مما هو ثابت في الأرض كالنخل والشجر وغيرهما باقيا في عمومات الإرث الموجب لاستحقاقها من العين دون القيمة.

وفيه : مع أن النصوص النافية للإرث من العقار والقرى التي مقتضاها نفي الإرث من الأرض وما فيها عينا وقيمة بعد تخصيصها بما دل على تقويم البناء وإعطائها من قيمته ، هي أخص من عمومات الإرث ومقتضاها بعد الحمل عليه حرمانها في غير البناء مما هو ثابت في الأرض كالنخل والشجر من العين والقيمة معا كالعراص ، لا توريثها من عينها ودعوى الإجماع على عدم حرمانها من النخل والشجر عينا وقيمة ـ فمع أن ثاني الشهيدين في (رسالته) يظهر منه التأمل في تحققه لا يثبت الاستحقاق من عين ذلك دون القيمة ان أغلب النصوص ، وان اختص في التقويم بالبناء والآلات الخارج عنهما النخل والشجر ، الا أن مصححة

٩٤

(مؤمن الطاق) صرحت بتقويم النخل والشجر أيضا ، المنتجة ـ بعد التخصيص بها ـ حرمانها من عينهما ، دون القيمة كغيرهما من الأبنية وآلاتها.

ومن ذلك يظهر لك حجة القول المشهور المنصور ، وهو حرمانها من مطلق الأرض مطلقا عينا وقيمة ، وإرثها من قيمة مطلق ما هو ثابت عليها حتى النخل والشجر ، وانه مقتضى الجمع والعمل بالنصوص المتقدمة المؤيدة بالشهرة المحكية مطلقا ، أو بين المتأخرين ، وبموافقته المحكمة المعبر عنها بالعلة في مكاتبة (ابن سنان) (١) لعدم الفرق في الإفساد بين الرباع وغيرها من العقار المفسر بكل ملك ثابت له أصل ، فيشمل الدار والأرض والنخل والضيعة ، فهي أعم من الرباع المفسرة بخصوص المنازل والمساكن.

فظهر من ذلك كله أن الأقوى في المسألة حرمانها من مطلق الأرض مطلقا ، عينا وقيمة ، ومن مطلق أعيان ما عليها من الأبنية ، وآلاتها المثبتة والنخل والشجر ونحوهما عينا لا قيمة ، فترث من قيمة ذلك كله دون أعيانها ، إلا أنه مع ذلك لا محيص عن الصلح عند العمل حيثما يمكن ، لأن الاحتياط لا يترك في مثل المقام

(الموضع الثاني) : هل يعم الحرمان ـ مطلق الزوجة ـ أو يختص بغير ذات الولد منها؟ قولان معروفان.

الأول : منسوب ـ كما في الرياض وغيره إلى ظاهر الكليني والمفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة وصريح الحلي وجماعة من المتأخرين ، ومنهم المحقق في النافع ، وتلميذه الآبي ، بل في الرياض

__________________

(١) وهي ما كتبه الامام الرضا عليه السلام : إلى محمد بن سنان ـ فيما كتب من جواب مسائله ـ كما تقدم ـ والمقصود بالعلة هي قوله (ع) : «.. لأن العقار لا يمكن تغييره».

٩٥

بعد أن قواه ـ نسب الإجماع عليه إلى السرائر ومحكي الخلاف (١).

والثاني : منسوب إلى الشيخ في النهاية والتهذيب والصدوق في الفقيه بل في (المسالك) نسبه إلى أجلاء المتقدمين ، وجملة المتأخرين بعد أن نسبه ـ أولا ـ إلى المشهور خصوصا بين المتأخرين (٢) وفي (الكفاية) نسبته أيضا : الى المشهور بين المتأخرين (٣) ، وفي الرياض إلى أكثر المتأخرين (٤)

__________________

(١) قال ـ في أخريات المقصد الثاني في ميراث الأزواج من كتاب المواريث ـ «واعلم إن مقتضى إطلاق العبارة وغيرها من عبائر الجماعة مما أطلق فيه الزوجة ، عدم الفرق فيها بين كونها ذات ولد من زوجها أم لا ، وهو الأقوى وفاقا لكثير من أصحابنا كالكليني والمفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار والحلبي وابن زهرة ظاهرا ، والحلي وجماعة من المتأخرين صريحا وفي السرائر ، وعن الخلاف الإجماع عليه».

(٢) قال ـ في هذا الباب من كتاب الفرائض : «الثاني في بيان من تحرم من الإرث مما ذكر من الزوجات ، وقد اختلف الأصحاب فيه أيضا : فالمشهور ـ خصوصا بين المتأخرين ـ وبه صرح المصنف في الكتاب :

اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج ـ الى قوله ـ مضافا إلى ذهاب جماعة من أجلاء المتقدمين كالصدوق والشيخ في التهذيب وجملة المتأخرين إليه ..».

(٣) قال السبزواري في كفايته ، أخريات كتاب المواريث : «ولهم ههنا اختلاف آخر فيمن تحرم من الإرث من الزوجات ، فالمشهور خصوصا بين المتأخرين اختصاص الحرمان بغير ذات الولد من الزوج».

(٤) فإنه قال ـ بعد عبارته الآنفة الذكر ـ : «وأكثر المتأخرين خصوا الحكم بغير ذات الولد ..».

٩٦

وعليه المحقق في الشرائع (١) والعلامة في المختلف (٢) والتحرير والإرشاد والقواعد والتبصرة ، والشهيد في اللمعة (٣) واستحسنه الفاضل المقداد في (التنقيح) (٤) :

وبالجملة الإنصاف ، أن القولين متكافئان في المعروفية ، الا أنه لا دليل على التفصيل المذكور إلا مقطوعة ابن أذينة المتقدمة ، اما بجعلها شاهد جمع بين الروايات المطلقة بالحرمان ، والمطلقة بتوريثها من عين كل شي‌ء كموثقة

__________________

(١) قال في المسألة الخامسة من المقصد الثاني في مسائل من أحكام الأزواج : «إذا كان للزوجة من الميت ولد ، ورثت من جميع ما ترك ، ولو لم يكن لم ترث من الأرض شيئا ، وأعطيت حصتها من قيمة الآلات والأبنية».

(٢) قال ـ في أخريات كتاب الفرائض وأحكامه : «مسألة ، قال الشيخ في النهاية : المرأة لا ترث من زوجها من الأرضين والقرى والرباع من الدور والمنازل ـ إلى قوله ـ : وهذا الحكم الذي ذكرناه إنما يكون إذا لم يكن للمرأة ولد من الميت ، فان كان لها منه ولد أعطيت حقها من جميع ما ذكرناه ، ونكتفي بهذا عن مراجعة بقية كتبه المذكورة.

(٣) قال ـ ضمن عنوان القول في ميراث الأزواج ـ : «وتمنع الزوجة غير ذات الولد من الأرض مطلقا عينا وقيمة ، وتمنع من الآلات والأبنية عينا لا قيمة ..» وأيضا فإنه مختار الروضة ، فإنه ـ بعد ذلك يقول : «واعلم إن النصوص ـ مع كثرتها في هذا الباب ـ خالية عن الفرق بين الزوجتين ، بل تدل على اشتراكهما في الحرمان .. وان كان في الخالية من الولد أقوى».

(٤) هو من الشروح القديمة للمختصر النافع ، ولا زال من نفائس المخطوطات ـ كما عرفت سابقا.

٩٧

عبيد بن زرارة ، ورواية ابن أبي يعفور المتقدمتين بحملهما على ذات الولد ، وحمل تلك المطلقات النافية على غير ذات الولد بشهادة المقطوعة عليه ، أو تخصيص المطلقات النافية بالمقطوعة ، لكون التعارض بينهما من تعارض العام والخاص المطلق ـ بعد حمل المطلقات المثبتة للإرث على التقية ، لكونه مذهبا للجمهور كافة ، مع إشعار رواية ابن أبي يعفور بها ـ كما عرفت ـ لكن الشأن في ثبوت كونها رواية لا رأيا منه والذي يعطى كونها رواية رواية أجلاء الرواة عنه ، بإرسالها على نسق الرواية وتدوين مشايخ الحديث لها في أصولهم المعمولة لتدوين الروايات فيها ، مع كون ـ من عرفت ـ من أعاظم فقهائنا ـ رضوان الله عليهم ـ الذاهبين إلى القول بالتفصيل إليها ، والاعتماد فيه عليها وابن إدريس بني على كونها رواية ، وان رماها بالشذوذ ، ولم يعمل بها بناء على أصله في أخبار الآحاد (١).

ويؤيد ذلك أيضا ـ مضافا إلى كونه من أجلاء الرواة ومشايخهم من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام ـ أنه صاحب أصل وكتاب ، له كتاب في المواريث أيضا (٢) ، ومن المعلوم أن المدون في أصولهم

__________________

(١) فإنه قال في أخريات الفصل : وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين من كتاب الفرائض من السرائر آخر ص ٤٠١ طبع إيران حجري : «هذا إذا لم يكن لها من الميت ولد ، فأما إذا كان لها منه ولد أعطيت سهمها من نفس جميع ذلك ، على قول بعض أصحابنا ، وهو اختيار محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، تمسكا منه برواية شاذة وخبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ..»

(٢) ففي (رجال النجاشي حرف العين باب عمر وعمرو وعثمان) قوله : عمر بن محمد بن عبد الرحمن بن أذينة .. إلى آخر نسبه الذي

٩٨

رواياتهم التي يتلقونها من الأئمة عليهم السلام. ومن مجموع ذلك كله ربما يحصل للفقيه العلم العادي بكونها رواية ، مضافا الى لزوم القول بالتفصيل أقلية التخصيص في عموم الكتاب.

الا ان الإنصاف مع ذلك كله ، أن تقييد تلك المطلقات ـ على كثرتها وعموم بعضها الناشي من ترك الاستفصال واختلاف رواتها مع تفاوت زمانها ـ بمقطوعة واحدة عندي محل تأمل ، وان اقتضته الصناعة بعد فرض كونها حجة ، لأن الخاص ـ وان كان واحدا ـ مقدم على العمومات وان كثرت.

فالأوجه هو الحرمان مطلقا ، وان كانت ذات ولد ، كما تقتضيه الحكمة المنصوص عليها في الأخبار المتقدمة للحرمان أيضا ، وان كانت أضعف منها في غير ذات الولد ـ كما قيل.

وأقلية التخصيص انما يركن إليها عند الشك فيه ، لا مع قيام الدليل عليه.

وأما إجماع الحلي ـ بعد تسليمه فموهون بما عرفت من الخلاف في المسألة ، ولعل دعواه منه الإجماع على القاعدة المستفادة من تلك المطلقات المتواترة معنى في الدلالة عليها.

نعم ربما يتوهم في المقام ، بل قد توهمه بعض المعاصرين ، تخصيص المطلقات بغير ذات الولد مع قطع النظر عن مقطوعة ابن أذينة (١) بدعوى

__________________

ينهيه إلى عدنان ، ثم يقول : شيخ أصحابنا البصريين ووجههم ، روى عن أبي عبد الله عليه السلام بمكاتبة ، نه كتاب الفرائض ..» وفي رجال الشيخ الطوسي باب أصحاب الكاظم عليه السلام ـ قوله : «عمر بن أذينة ثقة ، له كتاب».

(١) الآنفة الذكر ـ القائلة : «في النساء إذا كان لهن ولد

٩٩

اقتضاء الترتيب في علاج الأخبار المتعارضة ، وذلك ، بتقريب أن الأخبار الآمرة بإرثها مطلقا من كل شي‌ء ، مخصصة ـ أولا ـ بالإجماع على حرمان غير ذات الولد ، الخارجة به عن عمومها ، وبعده تنقلب النسبة ، وتكون بينها وبين المطلقات النافية للإرث نسبة العام والخاص المطلق ، فتخصص تلك المطلقات بها ، المنتج للتفصيل بعد الحمل عليه ، كما لو ورد عن المولى الأمر بإكرام العلماء وورد عنه النهي عن إكرامهم ، وورد عنه :

لا تكرم النحويين ، فالتعارض بين أكرم العلماء ، ولا تكرم العلماء من تعارض المتباينين ، الا أنه بعد تخصيص عموم (أكرم العلماء) بخصوص النهي عن إكرام النحويين ، لكونه أخص منه مطلقا ، انقلبت النسبة بين عموم (أكرم العلماء) بعد إخراج من خرج منهم بالخاص ، وبين عموم (لا تكرم العلماء) الى العموم والخصوص المطلق ، فيحمل العام منهما على الخاص ، المنتج بعد الحمل عليه لوجوب إكرام غير النحويين من العلماء ، وحرمة إكرام النحويين منهم. وفيما نحن فيه كذلك.

الا أنه توهم فاسد ، وان كانت الكلية مسلمة في التخصيص بالمتصل وما يجري مجراه من كلام الأئمة ـ عليهم السلام ـ المنزل منزلة كلام واحد من متكلم واحد ، الا أنها لا تجري في المقام ، لعدم قيام الإجماع عليه

__________________

أعطين من الرباع» فإنها كالصريحة في التقييد ، منطوقا ومفهوما ، فلا مجال للتصرف فيها بخلاف غيرها من المطلقات. ووجه تسميتها بالمقطوعة لعدم اسناد القول فيها إلى إمام ، وانما هي عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة في النساء إلى آخر الحديث ، فلم يعرف أنها عن إمام معصوم. وإن كان المعروف عن ابن أبي عمير أنه لا يروي إلا عن امام معصوم ، وذلك مما يوثق الرواية ويعطيها اعتمادا ، وان كانت مقطوعة. خصوصا إذا اعتمدنا على رواية الصدوق فإنه في الفقيه رواها عن ابن أبي عمير فقط.

١٠٠