بلغة الفقيّة - ج ٣

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

على استفادته من الأدلة المتقدمة (فهي) على عهدة من استفاد منها قاعدة كلية يرجع إليها عند الشك ، ولم يتحقق عندنا من الأدلة ما يوجب ثبوتها بنحو الكلية حتى يكون مرجعا عند الشك في مورد خاص. نعم ، الظاهر من تلك الأدلة ـ حسبما ذكرنا ـ وجوب الرجوع إليهم في كل ما يكون من المصالح العامة الذي يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم ضبطا للسياسة ، واتفاقا للنظام ، كما صرح به خبر العلل وغيره.

هذا : وإذ قد عرفت ما ذكرناه مقدمة ، وتبصرت فيما عرفناك في ولاية النبي صلّى الله عليه وآله ، والامام عليه السلام ، فلنراجع إلى ما هو المهم في المقام : من ولاية غير الامام من أقسام الولايات ، فنقول :

ها هنا مباحث :

(المبحث الأول)

في ولاية الحاكم ، أعني (الفقيه) في زمن الغيبة. وهذا القسم هو الأهم في التعرض من سائر أقسامها لما يبتني عليه كثير من الأحكام المتفرقة في أبواب الفقه.

والكلام فيه : ـ تارة في ثبوتها له ، وأخرى ـ في القدر الثابت منها ، وثالثة ـ في المولى عليه وموارد الولاية.

أما ثبوتها للفقيه ولو في الجملة ، فمما لا كلام فيه ـ بعد الإجماع عليه بقسميه ، وورود النصوص المعتبرة في القضاء وما يعمه ، والحوادث الواقعة ـ وانما الكلام في القدر الثابت منها له ، فالذي يظهر من بعض ثبوت الولاية للفقيه بمعنييها (١) على وجه له الاستقلالية في التصرف ، فضلا

__________________

(١) أي الخاصة والعامة. ولعل المقصود بالبعض هو المحقق الكركي

٢٢١

عن توقف تصرف الغير على نظره ، حسبما هي ثابتة للإمام عليه السلام إلا ما خرج بالدليل ، مستدلا على العموم بهذا المعنى بالنصوص الكثيرة الواردة في مدح العلماء المتضمنة : جملة منها : على انهم ورثة الأنبياء (١) وجملة : على انهم العلماء وأمناء الرسل (٢) ،

__________________

صاحب (جامع المقاصد) ومن تبعه ، فقد استدلوا على سعة أفق الولاية للفقيه ـ في زمن الغيبة ـ بالأدلة الأربعة ، فالعقل المستقل بضرورة نصب الإمام الحق حفظا للنظام الديني والدنيوي هو نفسه يستقل بضرورة استمرارية الرعاية والنظام ـ في زمن الغيبة ـ على أيدي وكلاء الامام وفقهاء الشريعة لاضطلاعهم بها أكثر من غيرهم ، واستدلوا بالإجماع بقسميه على ذلك أيضا فعن (جامع المقاصد) في هذا الباب : «اتفق أصحابنا على أن الفقيه العادل الجامع لشرائط الفتوى ، المعبر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعية ، نائب من قبل أئمة الهدى عليهم السلام : في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل. وربما استثنى بعض الأصحاب القتل والحدود»

وهكذا استدلوا على سعة أفق الولاية للفقيه بظاهر إطلاقات الآيات الشاملة ـ بمقتضى عموم الخطاب فيها لكل زمان ـ للفقيه أيضا ، مثل قوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» وقوله تعالى! «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ».

واستدلوا ـ أخيرا ـ على ذلك بطوائف كثيرة من النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام : أشار الى جملة منها سيدنا المصنف (قده)

(١) أصول الكافي ، كتاب فضل العلم ، وباب صفة العلم حديث (٢) وباب ثواب العالم والمتعلم حديث (١).

(٢) المصدر نفسه باب صفة العلم ، حديث رقم (٥).

٢٢٢

وعلى أنهم حصون الإسلام (١) ، وعلى انهم خلفاء النبي (ص) (٢) وعلى تشبيههم بسائر الأنبياء في حديث افتخاره يوم القيامة ـ في المروي عن (جامع الأخبار) (٣) وعلى تنزيلهم منزلة أنبياء بني إسرائيل

__________________

(١) أصول الكافي ، كتاب فضل العلم ، باب فقد العلماء حديث (٣).

(٢) الوسائل ، كتاب القضاء باب ٨ من أبواب صفات (القاضي) حديث رقم (٥٠) و (٥٣).

(٣) المطبوع عدة مرات بمجلد واحد منسوبا الى الشيخ الصدوق ـ قدس سره ـ والظاهر عدم صحة النسبة ، كما حقق ذلك المحقق الثبت الشيخ آغا بزرك الطهراني رحمه الله في (الذريعة ج ٥ ص ٣٣) بحرف الجيم.

ومما قاله بعنوان (جامع الأخبار) : «المطبوع مكررا من سنة ١٢٨٧ ه‍. حتى اليوم ، المتداول المرتب على (١٤١ فصلا) المشهور انتسابه الى الشيخ الصدوق ، لكنه مما لا أصل له أصلا ، وقد اختلفت أقوال الأصحاب في تعيين مؤلفه ، نعم هو غير الصدوق جزما ، كما ذكره شيخنا في (نفس الرحمن) ثم فصله في (خاتمة المستدرك ص ٣٦٦) وأنهى أطراف الترديد في المؤلف إلى سبعة كلها محتملات» الى آخر العرض في التحقيق الذي يبعث على عدم الثقة بالنسبة ، والله العالم. وهذه الجملة ذكرت في الكتاب : الفصل العشرون في العلم ، ضمن حديث مفصل عن رسول الله (ص) من طريق أبي هريرة قال : خطبنا رسول الله (ص) فقال : أيها الناس إن في القيامة أهوالا ـ إلى قوله ـ : اجثوا على ركبكم بين يدي العلماء تنجو منها ومن أهوالها ، فاني أفتخر يوم القيامة بعلماء أمتي كسائر الأنبياء قبلي» والظاهر من هذه الجملة تشبيه نفسه (ص) بسائر الأنبياء من حيث الافتخار بعلمائهم ، لا تشبيه علماء أمته بسائر الأنبياء ، فكلمة (كسائر) متعلقة بكلمة (افتخر) لا أنها صفة للعلماء ، والله العالم.

٢٢٣

في المروي عن (الفقه الرضوي) (١) ، وعلى فضلهم على الناس كفضل

__________________

(١) وهو كتاب فقه الرضا ، المنسوب الى الامام الرضا عليه السلام وقد ظهر الكتاب على يد المجلسي صاحب البحار في أواخر القرن الحادي عشر الهجري. وقد اختلف العلماء في صحة النسبة وحجية ما في الكتاب من الروايات وعدم ذلك على أقوال شتى :

فمنهم من يرى صحة النسبة والحجية معا ، وفي طليعتهم المجلسيان الأول والثاني ـ قدس سرهما ـ ويميل إلى رأيهما بصحة النسبة والاعتماد عليه سيدنا الحجة البالغة السيد بحر العلوم ـ قدس سره ـ فقد عقد لذلك في آخر كتاب (فوائده الأصولية) فائدة خاصة ، فصلّ فيها مختلف الآراء حول صحة النسبة والاعتماد وبطلانهما ، وأخيرا يظهر منه صحة النسبة والاعتماد لما فصله من ذكر المؤيدات الناصعة في إثبات ذلك. وهذا الرأي يعني : أن الكتاب للإمام (ع) تأليفا أو إملاء.

وقول بإنكار النسبة وعدم صحة الاعتماد على ما جاء فيه من اخبار كما ذهب الى ذلك صاحب الفصول والحر العاملي وبعض آخر غيرهما وقول ثالث بالتوقف في ذلك ، كما يظهر من الفاضل الهندي في (كشف اللثام) وبعض آخر.

وقول رابع : اعتبار أخباره من الأخبار القوية المحتاجة إلى تعضيد أو سلامة من المعارض ـ مع إنكار النسبة الى الامام (ع) ـ كما هو رأي الشيخ الأنصاري وبعض معاصريه.

والظاهر ـ كما عليه المستدرك للنوري والسيد المحسن الكاظمي وبعض المحققين من المتأخرين : أنه ليس من تأليف الإمام (ع) ولا من إملائه على أصحابه ، ولكنه من إملاء بعض أصحابه وجمعه لأقوال الامام كأنه الأصل من كلامه ، فما جاء فيه من أخبار في معرض الحجية وعدمها.

٢٢٤

النبي (ص) : على أدتاهم ـ في المروي عنهم ـ في الاحتجاج (١) ، وعلى تفضيلهم على جميع خلق الله إلا النبيين والمرسلين وكفضل الشمس على الكواكب ، وفضل الآخرة على الدنيا ، وكفضل الله على كل شي‌ء ، في المروي عن (المنية) انه : (قال الله تعالى لعيسى عليه السلام : عظّم العلماء واعرف فضلهم واني فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين والمرسلين (٢) وعلى أنهم حكام على الملوك والملوك حكام على الناس ، في المروي عن كنز الكراجكي (٣) عن الصادق عليه السلام ، وعلى الرجوع إليهم في الحوادث الواقعة ، فيما صدر من التوقيع الرفيع المشهور ، وأن مجاري الأمور بيدهم ، وعلى نصبه حاكما وقاضيا ، في مقبولة ابن حنظلة ، ومشهورة أبي خديجة (٤) الى غير ذلك مما ورد في تعريفهم وتوصيفهم وأنهم كفلاء لأيتام آل محمد ، صلّى الله عليه وآله ، المعني بهم هنا الأئمة : من يتم العلم لا يتم الأبوين.

وتقريب الاستدلال بهذه الأخبار هو أن يقال :

أما الجملة الأولى : فبتقريب أن الإرث هو انتقال مال المورّث الى

__________________

(١) في أوائل كتاب منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني ـ قدس سره.

(٢) أوائل كتاب : منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني ـ قدس سره.

(٣) كنز الفوائد للقاضي أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي من أعلام القرن الخامس الهجري ومن تلامذة الشيخ المفيد ـ قده ـ ذكره وذكر كتابه باطراء سيدنا الحجة المهدي ـ قدس سره ـ في كتاب رجاله المعروف بالفوائد الرجالية (ج ٣ ص ٣٠٢ ـ ٣٠٧).

(٤) مر عليك آنفا : نص رواية التوقيع وحديثي المقبولة والمشهورة.

٢٢٥

الوارث ، والولاية من جملة ما هو للمورث ، فتنتقل الى الوارث (١).

وفيه ـ مع قوة إرادة الأئمة عليهم السلام : من العلماء لوقوع التفسير بهم كثيرا في إطلاق العلماء ، وحملا للإرث حينئذ على معناه الحقيقي وهو الوارث لا بواسطة ، ولو أريد العموم من العلماء لزم التجوز في إطلاق الورثة عليهم ، لأن العلماء ورثة الأوصياء ، والأوصياء هم ورثة الأنبياء وإطلاق ورثة الأنبياء على من كان وارثهم بالواسطة مجاز. ولو قيل بلزوم التجوز على كل تقدير : إما بتخصيص عموم العلماء أو بالتجوز في الورثة بإرادة من يكون وارثا بالواسطة.

قلنا : التخصيص أولى من المجاز حيث يدور الأمر بينهما ، ومع فرض التساوي بين الاحتمالين يسقط الاستدلال به حينئذ ـ أن ذلك انما يحمل الإرث على ما يشمل متعلقة الولاية حيث لا يكون من أفراده ما هو المتبادر منه أو المنصرف اليه المفروض وجوده في المقام ، لظهور المراد من كونهم ورثة الأنبياء ورثتهم في تبليغ الأحكام وتمييز الحلال من الحرام سيّما مع وجود قرينة لذلك في بعضها المذيل بقوله : «ان الأنبياء لا يورثون دينارا ولا درهما وانما يورثون علما» (٢) فالموروث حينئذ ، هو خصوص

__________________

(١) إذ لا إشكال في عدم إرادة الإرث الحقيقي ههنا لعدم النسب الموجب له ، فلا بد من الأخذ بأقرب المجازات ، وهو انتقال ما هو ثابت لهم عليهم السلام : من المنزلة والمقام الى العلماء ، وهي الولاية والسلطة على الرعية ، إلا ما أخرجه الدليل.

(٢) في أوائل كتاب (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد للشهيد الثاني) الحديث عن أبي الدرداء ، قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وان الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم ، وان العالم ليستغفر له من في السماوات

٢٢٦

العلم (ودعوى) ثبوت الولاية للأنبياء ، إنما هو لعلمهم ، لأنها من جملة آثاره ويدور مداره في الوجود فتثبت للعلماء أيضا ، لوجود ما هو مناط وجودها فيهم أيضا (مدفوعة) بأن الملازمة على تقدير تحققها انما تستلزم وجودها لهم في الجملة ، دون القدر الثابت منها للنبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ لقوة احتمال تبعية الولاية للعلم في المقدار.

وأما الثانية ، فبتقريب أن الأمين له الولاة فيما هو أمانة عنده من مال المؤتمن ـ بالكسر ـ وبعمومه المستفاد من حذف المتعلق يشمل الولاية التي هي من ماله أيضا ، حسبما عرفت في الإرث ، فأمناء الرسل أمناء لما لهم الذي منه الولاية. وعليه فتكون الامانة حينئذ : هي في صفات الرسل من العلم بالأحكام والولاية ونحوهما. ويمكن أن يقرر وجه آخر وهو أنهم أمناء على الرعية ، فتكون هي المقصود بأمانة ، فكما أن الأمين له ولاية حفظ الامانة بجميع معاني حفظها عن التلف والفساد بحيث يكون حافظا لوجودها ولسلامتها ، فكذلك في المقام ، لتحقق هذا المعنى فيهم : من وجوب حفظهم فيما يرجع إليهم من صلاح أمور معادهم ومعاشهم من الفساد والإفساد ، وهو معنى الولاية التامة والرئاسة الكبرى الثابتة للنبي صلّى الله عليه وآله ، والامام عليه السلام.

وفيه : ما تقدم أيضا : من أن الحمل على العموم انما هو حيث لا يكون هناك ما يتبادر منه أو ينصرف اليه المطلق المفروض وجوده هنا ، وهو كونهم أمناء في تبليغ الأحكام وإرشادهم إلى معرفة الحلال والحرام كما يعطي تصريح بعضها بالامناء على الحلال والحرام ، مضافا الى كفاية

__________________

ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، لأن العلماء ورثة الأنبياء لأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وانما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر».

٢٢٧

ثبوته ـ في الجملة ـ في مدحهم وإطلاق الأمناء عليهم ، وأما التعميم الى جهات الإتيان وقدر الامانة ، فالاطلاقات مهملة من هذه الحيثية ، غير مسوقة لبيانها.

ومثل ذلك تقريبا وردا : يجري في الثالثة المعبر فيها عنهم يحصون الإسلام بناء على أن التشبيه بالحصن من حيث كونه حافظا لما فيه من عروض الآفات عليه.

وأما الرابعة (١) : فبتقريب أنه لو قيل : فلان خليفتي ، من غير تقييد فهم عرفا منه ، بل كان معناه : أنه قائم مقامه في كل ما كان له أن يفعل الا ما خرج ، تنزيلا للخلف منزلة السلف فيما تقتضيه الوظيفة التي منها الولاية.

وفيه : ما تقدم من التبادر أو الانصراف الى التنزيل في تبليغ الأحكام الموجب للحمل عليه ، لا على العموم.

ومثل ذلك يجري فيما ورد من التشبيه بالرسل (٢) تعميما لوجوه الشبه أو اختصاصا بما يتبادر منها أو ينصرف اليه.

وكذا فيما ورد من التنزيل منزلة الأنبياء في بني إسرائيل في (الرضوي) (٣).

__________________

(١) وهي قوله (ص) : اللهم ارحم خلفائي ، قيل : ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال : الذين يأتون من بعدي ويروون حديثي وسنتي» ـ كما في مرسلة الفقيه.

(٢) أمثال قوله (ص) : «علماء أمتي كسائر أنبياء بني إسرائيل» ـ كما في كتب الاخبار.

(٣) في قوله (ص) : «منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل».

٢٢٨

وأما ما دل على الفضيلة والأفضلية (١) فالتقريب فيه بدعوى المناسبة بين منصب الولاية والفضيلة في الشرف.

وفيه انها ممنوعة عكسا ، وان سلمت طردا ، إذ لا يلزم أن يكون الفاضل وليا على المفضول نعم يلزم أن يكون الولي فاضلا بالنسبة إلى المولى عليه من حيث الجهة الموجبة للولاية عليه ، لأنه بمنزلة المكمل لنقصانه ، والا لزم الترجيح بلا مرجح.

بقي الجواب عما قد يشكل على الخبر المروي عن قوله تعالى لعيسى : عظّم العلماء واعرف فضلهم فاني فضّلتهم على جميع خلقي إلا النبيين والمرسلين (٢) فان العلماء ان أريد بهم خصوص الأئمة عليهم السلام : لزم مفضوليتهم بالنسبة إلى سائر النبيين والمرسلين وهو غير معلوم ، بل معلوم العدم (٣) ، وان أريد بها غيرهم لزم أفضلية العلماء من الأئمة لدخولهم حينئذ في الجمع المضاف.

فنجيب عنه بإرادة أفضلية علماء كل عصر بالنسبة الى أهل عصرهم إلا نبي ذلك العصر ، وأفضلية الأئمة على أنبياء السلف والمرسلين مستفادة من دليل خارج ، فلا تخصيص حينئذ ، لا في الجمع المحلى باللام ولا المعرف بالإضافة.

__________________

(١) أمثال قوله (ص) : ـ كما عن مفتاح الفلاح للبهائي ـ : «علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل» أو تفضيلهم على الناس كفضل النبي ص على أدناهم ـ كما عرفت ـ وكفضل الله على كل شي‌ء. كما عن المنية.

(٢) كما عرفت ذلك عن منية المريد للشهيد الثاني.

(٣) فإن الذي يظهر من الاخبار الواردة في مظانها : «أن الأئمة عليهم السلام أفضل الخليفة بعد النبي محمد (ص) : آدم ومن دونه».

٢٢٩

وأما كونهم حكاما على الملوك الذين هم حكام على الناس (١) فغايته ثبوت الحكم لهم ولو في نفوذ قضائهم عليهم ، وأين ذلك من ثبوت الولاية الكلية لهم؟

وأما التوقيع وما يليه من الأخبار (٢) فلا ينهض لإثبات الولاية الاستقلالية للفقيه على وجه يكون مستقلا بالتصرف كالإمام إلا فيما خرج بالدليل.

وبالجملة : لا شك في قصور الأدلة عن إثبات أولوية الفقيه بالناس من أنفسهم ، كما هي ثابتة لجميع الأئمة عليهم السلام بعدم القول بالفصل بينهم وبين من ثبت له منهم عليهم السلام بنص غدير خم ، بل الثابت للفقيه انما هو الولاية بالمعنى الثاني (٣) لكن الكلام في ثبوتها له بنحو العموم على وجه يرجع إليه حيث ما شك في مورد ثبوتها له فيه أولا ، بل يقتصر في الرجوع اليه على كل مورد قام الدليل عليه بخصوصه ، ويبقى مورد الشك تحت الأصل الذي قد عرفت مقتضاه العدم؟ وجهان بل قولان :

__________________

(١) كما عن كنز الكراجكي من قول الامام الصادق (ع).

(٢) من قوله (ع) : في التوقيع المشهور : «فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» وقول الامام الحسين (ع) كما في تحف العقول : «أن مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله ، الأمناء على الحلال والحرام» وقول الامام الصادق (ع) ـ في مقبولة ابن حنظلة ـ «فإني قد جعلته عليكم حاكما» وقوله (ع) في مشهورة أبي خديجة : «فإني قد جعلته عليكم قاضيا» كما مر آنفا ، وكقولهم (عليهم السلام) ـ كما في كتب الأخبار ـ «إن العلماء كافلون لأيتام آل محمد (ص) ونحو ذلك كثير في كتب الحديث.

(٣) وهو دخل اعتباره في تصرفات الغير لا استقلاله في التصرف.

٢٣٠

وتنقيح هذه المسألة من أصلها ـ بعد معلومية أن البحث في وجوب الرجوع إلى الفقيه في زمن الغيبة انما هو من حيث تبعيته للإمام فيما يجب الرجوع فيه اليه ونيابته عنه ، وإلا فهو كغيره من عدول المسلمين هو أن يقال : ان كل معروف علم ارادة وجوده في الخارج ولكن شك في توقفه على اذن الفقيه في زمن الغيبة وعدمه ، بل يجب إيجاده على كل من يقدر عليه كفاية : فأما أن يكون الشك فيه مسببا عن الشك في كونه مشروطا بإذن الإمام عليه السلام أولا ، أو يكون مسببا عن الشك في حصول الاذن منه للفقيه بخصوصه ولو بنحو العموم في المتعلق بعد فرض اعتبار اذنه فيه. وبعبارة أخرى : الشك في وجوب الرجوع فيه الى الفقيه : مرة ـ للشك في وجوب الرجوع فيه إلى الامام عليه السلام ، وأخرى في مأذونية الفقيه منه بالخصوص ، ولو بنحو العموم بعد إحراز كونه مما يعتبر فيه إذن الامام عليه السلام.

أما إذا كان منشأ الشك هو الأول ، فلا مانع عن التمسك فيه بالأصل الذي مقتضاه العدم ، إذ المانع عنه ـ كما تقدم ـ ليس الا انفتاح باب العلم المفروض انسداده في زمان الغيبة. وعليه فيكون من الواجب كفاية على كل من يقدر عليه ـ فقيها كان أو غيره.

وان كان هو الثاني ، فلا كلام في كون الفقيه هو المتيقن ممن كان له ولاية ذلك ، انما الكلام في اختصاصها به ، ان ثبت عموم النيابة له ، وإلا فيتولاه كل من يقدر عليه كفاية ، للعلم بإرادة وجوده شرعا وعدم تعيين الموجد له ، بناء على عدم استفادة العموم من أدلة النيابة ، الا انه حينئذ ، يدور أمره بين احتمالات ثلاثة : سقوط اعتبار الاذن في زمن الغيبة أو اختصاص الاذن للفقيه فيه ، أو تعميمه لكل من يقدر عليه ـ أما سقوط الاذن من أصله ، ففيه تقييد لما دل على اعتباره من غير دليل. وأما

٢٣١

اختصاصه به ، فلا دليل عليه بالفرض ، فلم يكن بد من القول بحصوله لكل من يقدر عليه كفاية بعد إحراز التكليف به وفرض عدم تعيين مكلف خاص.

وبالجملة : لا بد من حصول الاذن بعد فرض اعتباره : فأما ان يكون خاصا أو عاما للمكلفين. لا يقال : الأصل عدم سقوطه عن الفقيه بفعل غيره ، والسقوط عن غيره بفعله مقطوع به (لأنا نقول) : الشك فيه مسبب عن الشك في اختصاص الاذن به ، والأصل عدمه (ودعوى) معارضة أصالة عدم قصد الاختصاص بأصالة عدم قصد التعميم ، فيبقى أصل عدم السقوط سليما (موهونة) بأن التعميم لا يحتاج إلى القصد ، بل يكفي فيه عدم قصد الاختصاص ومع التنزل وفرض التساوي في مخالفتهما للأصل لرجوعه إلى الشك في كيفية الاذن ، فالمرجع حينئذ إلى أدلة اشتراك التكليف ، إذ الأصل البراءة عن التعيين لمزيد الكلفة فيه حيث يدور الأمر بينه وبين التخيير الذي منه الوجوب الكفائي أيضا.

نعم لو شك في أصل وجوبه على غير الفقيه بحيث لا يكون إيجاده في الخارج مطلوبا الا منه ، كان المرجع فيه لغير الفقيه هو البراءة لكون الشك فيه حينئذ ، راجعا إلى الشك في التكليف ، كما لو شك في كون الوجوب مشروطا بحضور الامام (ع) ، نظير شرطية الحضور لوجوب الجمعة عينا أو مطلقا فالمرجع فيه أيضا ، الى البراءة ـ مطلقا ـ للفقيه وغيره. وهاتان الصورتان خارجتان عن حريم البحث ، لأن الشك فيهما شك في أصل إرادة إيجاده في الخارج مطلقا ، أو من غير الفقيه ، إذا عرفت ذلك ، ظهر لك أن المهم في المقام هو النظر في أدلة النيابة من حيث استفادة العموم منها وعدمه ، فنقول : ان ما يتوقف على اذن الامام عليه السلام : ان لم يكن لصرف تعظيمه وجلالته ومحض المكرمة

٢٣٢

له ، بل كان من حيث رئاسته الكبرى على كافة الأنام الموجب للرجوع إليه في كل ما يرجع الى مصالحهم المتعلقة بأمور معادهم أو معاشهم ودفع المضار عنهم وتوجه الفساد إليهم مما يرجع فيه المرؤسون من كل ملة إلى رؤسائهم اتفاقا للنظام المعلوم كونه مطلوبا مدى الليالي والأيام ، فلا بد من استخلاف من يقوم مقامه في ذلك حفظا لما هو المقصود من النظام وحينئذ فأما أن يكون المنصوب من قبله هو كل من يقدر عليه من غير اختصاص ببعض دون بعض ، أو يكون صنفا خاصا منه وعلى الثاني : فأما أن يكون هم الفقهاء ، أو طائفة مخصوصة غيرهم ، والأخير باطل قطعا ، لعدم الدليل عليه ، بل ولا الإشارة منه اليه. والأول مستلزم لكفاية نظر المريد لإيجاده في الخارج والاستغناء عن نظر من يكون نظره مكملا ومعتبرا في تصرف غيره ، وهو مناف للفرض من إناطته بنظر الامام من حيث رئاسته الذي مرجعه إلى التوقف على انضمام نظر الرئيس والاحتياج إليه.

فتعين كون المنصوب هو الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة مع ظهور بعض الأدلة المتقدمة في ذلك ، كقوله عليه السلام : «وأما الحوادث الواقعة» وقوله : «مجاري الأمور بيد العلماء» وقوله : «هو حجتي عليكم ، وجعلته حاكما» فان المتبادر منها عرفا استخلاف الفقيه على الرعية وإعطاء قاعدة لهم كلية بالرجوع إليه في كل ما يحتاجون إليه في أمورهم المتوقفة على نظر الامام ، وان وقع السؤال في يعضها عن بعض الحوادث الا أن الألف واللام في الجواب ظاهرة في الجنس بقرينة المقام وسوقه مساق ما هو كالصريح في العموم بإرادة كل أمر من الجمع المحلى في قوله : «مجاري الأمور» مما يكون من شأنه الجريان عن نظر الامام عليه السلام. نعم لو شك في جهة اعتبار نظره بين كونه شرطا تعبدا الموجب للاقتصار فيه عليه ، أو من حيث رئاسته الموجب للاستخلاف فيه كان المرجع في وجوب

٢٣٣

الرجوع إلى الفقيه هو البراءة هذا مضافا الى غير ما يظهر لمن تتبع فتاوى الفقهاء في موارد عديدة ـ كما ستعرف ـ في اتفاقهم على وجوب الرجوع فيها إلى الفقيه مع انه غير منصوص عليها بالخصوص ، وليس الا لاستفادتهم عموم الولاية له بضرورة العقل (١) والنقل (٢) ، بل استدلوا به عليه ، بل حكاية الإجماع عليه فوق حد الاستفاضة ، وهو واضح بحمد الله تعالى لا شك فيه ولا شبهة تعتريه ، والله أعلم.

وأما الكلام في موارد ثبوت الولاية له التي قد تقدمت الإشارة إليها ـ مجملا ـ :

فمنها ـ الصغير والمجنون ، فإن الولاية عليهما ثابتة للحاكم ما لم يكن لهما ولي مقدم عليه في المرتبة (٣) بضرورة العقل (٤) المؤكد بالنقل (٥)

__________________

(١) فان العقل كما يحكم بضرورة نصب الولاية للنبي والأئمة (ع) لاستقامة النظام الديني والدنيوي ، كذلك يحكم بضرورة تصب من يقوم مقام الامام (ع) عند غيبته لنفس العلة وهذا المعنى من المستقلات العقلية التي لا ريب فيها.

(٢) كما عرفت آنفا من استعراض الروايات الكثيرة الظاهرة في هذا المعنى من الولاية.

(٣) وهم الأب والجد له ، والوصي المنصوب من قبلهما.

(٤) فان العقل يستقل بالحكم بضرورة نصب من يرعى شئونهما النفسية والمالية ـ بحكم قصورهما عن ذلك ـ وحيث لا يوجد لهما ولي ذاتي أو منصوب من قبله ـ فلا مناص من إناطة الأمر إلى الحاكم الشرعي لأنه ولي من لا ولي له ـ كما اشتهر في الحديث النبوي ـ :

(٥) فمن الكتاب مفهوم قوله تعالى : ـ كما في سورة النساء ـ : «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا

٢٣٤

فله التصرف في نفوسهم مما يوجب حفظها وترتيبها ، حسبما تقتضيه مصالحهم التي منها الإيجار والاستيجار ، فضلا عن أموالهم ونحوها مما يرتبط بهم من الحقوق وغيرها (١) فله أنحاء التصرف فيها مراعيا فيه المصلحة لهما ولو بجلب المنفعة ، فضلا عن دفع المضرة وفي تعيين الأصلح أو كفاية الصلاح؟ وجهان : ولعل الأخير هو الأقوى (٢).

__________________

إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» والرشد ـ على ما هو المشهور ـ العقل والتدبير. فتكون الآية شاهدا لضرورة الولاية عليهما : إما من قبل وليهما النسبي أو المنصوب من قبلهما أو من قبل الشرع والضرورة القطعية وهو الحاكم ومن السنة عموم الحديث النبوي المشهور : «السلطان ولي من لا ولي له». وهو شامل لولاية الحاكم لكل من الصغير والمجنون مع فقد وليهما الأولي. والروايات عن أهل البيت عليهم السلام في هذا المعنى كثيرة تذكر في كتاب الوصايا والنكاح والحجر ـ كما سيأتي ذكرها في المتن ـ

(١) نحو حقوقهم الاعتبارية كحق الشفعة والخيار والفسخ بالخيار ودعوى الغبن والإحلاف ورد الحلف وحق القصاص بالدم والجنايات وإقامة البينات وجرح الشهود وغير ذلك مما يرتبط بشؤونهم الاعتبارية ـ فضلا عن نفوسهم وأموالهم

(٢) والمراد بالأخير : هو كفاية محض الصلاح ، ولا ضرورة إلى توخي الأصلح لهما ـ كما عليه المشهور ـ ولعله الإطلاقات أدلة الولاية وصدق السلطنة والرعاية ، ولكن القدر المتيقن من الإجماع ودليل العقل : توخى الأصلح لهما في مورد التعارض بينه وبين محض الصلاح. وبذلك تقيد إطلاقات الأدلة النقلية غير المنبتة لذلك ، فرعاية الأصلح : ان لم تكن أقوى ، فلا أقل من الاحتياط.

٢٣٥

ومنها ـ الولاية على الغائب في أمواله في الجملة (١) ، فإن القدر الثابت أن له التصرف فيها ولاية ببيع ونحوه إذا تسارع اليه الفساد ونحوه مما يوجب بقاءه الضرر عليه ، أو استيفاء حق للغير مستحق عليه ، يتوقف استيفاؤه منه ولو ببيع ونحوه ، لما دل على ولايته على الممتنع عن أداء الحق عليه (٢) بعد اتحاد المناط بينهم من امتناع إيصال الحق إلى مستحقه ، من غير فرق في الامتناع بين كونه قهرا أو عن اختيار ، إلا في الإثم وعدمه ، مضافا إلى ما دل عليه غيره من الأدلة (٣) وتعطيل الاستيفاء الى وقت الحضور ضرر منفي لا يجب تحمله. وكذا الولاية على قبض ما يستحقه الغائب على من عليه الحق منه إن أراد دفعه اليه للتخلص عنه ما لم يكن له وكيل على قبضه ولو بنحو العموم وانما يتعين كونه له بقبضه إياه منه لا قبله ان كان دينا ونحوه من المثليات في بدل الغرامات.

__________________

(١) والغائب ـ كما يظهر من تضاعيف ما ذكره الفقهاء في الباب ـ نوعان : أحدهما ـ المفقود خبره مطلقا ، ويشمل الضائع في البلدان أو في بلاده الواسعة الأطراف ، والضال الطريق ، والمنقطع الذي تعطلت به واسطة الإيصال ولم يعلم خبره ، والمفقود في المعركة والأسير ، ومطلق الغائب المجهول الجهة. والثاني ـ الغائب المعلوم الخبر ولكن غيبته مجهولة الأمد ، مع طول المدة ، والظاهر شمول الولاية في الجملة لكلا النوعين كما يظهر من عموم مناطات الأدلة الواردة في بعض الفروع ، بالإضافة إلى الإطلاقات الشاملة.

(٢) كما سيأتي بيان ذلك من قبل المصنف ـ قريبا.

(٣) كمرسلة جميل بن دراج عن أحدهما ـ عليهما السلام ـ : قالا : «الغائب يقتضي عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ، ويقتضي دينه ، وهو غائب ..» وغيرها من الروايات بهذا المضمون ـ في باب القضاء.

٢٣٦

وأما في غير ذلك فليس له ولاية التصرف ، وان كان له فيه المصلحة والا لجاز التصرف للحاكم في أموال الغيّب والتقلب فيها للاسترباح لهم المقطوع بعدم جوازه ، للأصل ، وقاعدة المنع عن التصرف في مال الغير إلا باذنه. والتشبث للجواز بدليل الإحسان (١) من الوهن بمكان ، وإلّا لجاز في الحاضر أيضا ، لأنه إحسان عليه ، بل ومع منعه عنه ، ولم يذهب اليه وهم فضلا عن القول به.

نعم يجب عليه حفظه ، لا من باب الحكومة والسياسة ، بل للاذن المستفاد بشاهد الحال ، أو لقاعدة نفي الضرر الموجب لوجوبه كفاية على كل من يقدر عليه وان كان غير الحاكم ، سواء تعلق الحفظ بالعين أم بالمنفعة ، ولعل جواز البيع فيما يتسارع اليه الفساد من ذلك أيضا ، لرجوعه إلى حفظه ولو بحفظ ماليته ، فيجب عليه كفاية ، لا ولاية فتأمل ، من غير فرق في المنع عن التصرف فيما ذكرنا بين أقسام الغيّب حتى المجهول ماله المفقود أثره ، فلا يتصرف في أمواله ، ولو بالقسمة بين ورثته حتى بعد الفحص عنه واليأس منه ، على الأقوى ، وعليه المعظم كما في (المسالك) (٢) للأصل ولزوم تعطيل حق الوارث فرع تحقق كونه مالكا بالإرث وتنزيل الظن بالموت بعد الفحص منزلة اليقين بعد تسليمه ـ كما ستعرف ـ مخصوص بما دل على اعتباره في خصوص بينونة الزوجة :

__________________

(١) انطلاقا من قوله تعالى «وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» ـ كما في سورة البقرة آية ١٩٥ ـ

(٢) مسالك الأفهام في شرح شرائع الإسلام للشهيد الثاني ـ قده ـ كباب الفرائض ، المسألة الثامنة من مسائل ثمانية : المفقود يتربص بماله.

تعليقا على قول المحقق (وقال في الخلاف : لا يقسم حتى تمضي مدة لا يعيش مثله إليها) قال : «هذا هو الأقوى تمسكا بالأصل وعليه المعظم».

٢٣٧

أما بالطلاق أو أمرها بالاعتداد بعدة الوفاة من غير توقف على الطلاق ، فإن الولاية ثابتة له في ذلك باتفاق النص والفتوى الا من الحلي ـ رحمه الله. في زمن الغيبة.

وتفصيل القول فيه : هو أن المرأة المفقود زوجها المقطوع أثره : ان كان هناك من ينفق عليها ، أو صبرت على ما هي عليه ، فلا بحث ، وان لم يكن من ينفق عليها ولم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم فأجلها أربع سنين وفحص عن حاله في المدة المزبورة في الجهات المحتمل كونه فيها ، فان لم يعلم حاله في مدة الأجل أمرها الحاكم بالاعتداد أربعة أشهر وعشرة أيام ثم هي تحل للأزواج من غير توقف على الطلاق ـ كما هو ظاهر المحقق في الشرائع (١) وغيره ـ تنزيلا للظن بالموت بعد الفحص منزلة اليقين به بالنص أو أمر وليه بالطلاق ، فان لم يكن أو كان ، ولم يطلق ، طلقها الحاكم على الأشهر الأظهر من اعتبار الطلاق في الفرقة ، جمعا بين الأخبار بحمل مطلقها على مقيدها. نعم عن (الحلي) سقوط هذا الفرع من أصله في زمن الغيبة وأنها مبتلاة فيه وعليها الصبر إلى أن يعرف موته أو طلاقه (٢).

__________________

(١) قال ـ في كتاب الطلاق ، المقصد الخامس في العدد ، الفصل الخامس في عدة الوفاة ـ «والمفقود إن عرف خبره ـ الى قوله ـ : وان لم يعرف خبره أمرها (أي الحاكم) بالاعتداد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج».

(٢) ففي السرائر كتاب الطلاق ، باب العدد ، بعد الكلام عن عدة الوفاة يقول : «وأما ما يجري مجري الموت فشيئان : أحدهما ـ غيبة الزوج التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا ولا لها نفقة ـ وبعد عرض المسألة وحكمها كما في المتن ـ يقول : «وهذا حكم باطل في حال غيبة الإمام (ع) وقصور يده ، فإنها مبتلاة ، وعليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه على ما وردت به الاخبار عن الأئمة الأطهار».

٢٣٨

وهو ـ على أصله ـ حسن حيث لم يعمل بأخبار الآحاد ويؤيده النبوي المروي : «تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه» وخبر السكوني : «عن جعفر عن أبيه عليهما السلام : إن عليا (ع) : قال : في المفقود لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته أو طلاق أو لحوق بأهل الشرك» (١).

وهما مع ضعف سندهما محمولان على غير مورد الأخبار الواردة في هذا المصمار التي منها ـ موثقة سماعة : «سألته عن المفقود ، فقال : ان علمت أنه في أرض فهي تنتظر له ابدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه ، وان لم تعلم أين هو من الأرض كلها ولم يأتها منه كتاب ولا خبر ، فإنها تأتي الإمام فيأمرها أن تنتظر أربع سنين ، فيطلب في الأرض فان لم يجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل للأزواج ، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة ، وان قدم وهي في عدتها أربعة أشهر وعشرا ، فهو أملك برجعتها» (٢) وظاهرها الاكتفاء بالأمر بالاعتداد من غير توقف على الطلاق.

ومنها صحيحة الحلبي : «سئل أبو عبد الله عليه السلام : عن المفقود؟ قال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها ، فان لم يجد له أثرا أمر الوالي وليه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال قلت : فإنها تقول : إني أريد ما تريد النساء : قال : ليس لها ذلك ولا كرامة ، فان لم ينفق عليها وليه

__________________

(١) الوسائل ـ كتاب الطلاق باب ٢٣ حكم طلاق زوجة المفقود حديث (٣).

(٢) الكافي للكليني ، كتاب الطلاق باب المفقود حديث (٤).

٢٣٩

أو وكيله أمر بأن يطلقها ، وكان ذلك عليها طلاقا» (١)

ومنها ـ صحيح بريد : «سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟ قال : ما سكتت وصبرت يخلى عنها ، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين ، ثم يكتب الى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه ، فان خبّر عنه بحياة صبرت ، وان لم يخبر عنه بشي‌ء حتى تمضي الأربع سنين دعا ولي الزوج المفقود ، فقيل له : هل للمفقود مال؟

قال : فان كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته ، وان لم يكن له مال قيل للولي : اتفق عليها ، فان فعل فلا سبيل لها أن تتزوج ، ما أنفق عليها ، وان أبى أن ينفق عليها أجبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر ، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين ، وان انقضت العدة قبل أن يجي‌ء أو يراجع فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها» (٢).

ومنها ـ مرسلة الفقيه ، وفيه : «وفي رواية أخرى : ان لم يك للزوج ولي طلقها الوالي ، ويشهد شاهدين عدلين ، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج ، وتعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تتزوج ان شاءت» (٣).

ومنها ـ خبر أبي الصباح : «عن أبي عبد الله عليه السلام : في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين ، ولم ينفق عليها ولم تدر حي هو أم ميت؟

__________________

(١) في الوسائل ـ المصدر الآنف ـ حديث (٤). وفي آخره :

طلاقا واجبا.

(٢) الوسائل ، كتاب الطلاق باب ٢٣ حكم طلاق زوجة المفقود حديث (١)

(٣) المصدر الآنف الذكر من الوسائل حديث (٢).

٢٤٠