بلغة الفقيّة - ج ٣

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

مسألة

اتفقت كلمة فقهائنا ، بل الفقهاء كافة اتفقوا ، على سببية الرضاع لنشر الحرمة في الجملة.

ولنصدر المسألة تيمنا بما يدل عليه من الكتاب والسنة المستفيضة ـ بل المتواترة معنى.

فمن الأول قوله : عز من قائل «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ، وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ ، وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ، وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، إِلّا ما قَدْ سَلَفَ ، إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً» (١) وهذه الآية الشريفة مع قوله تعالى «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» (٢) دلت على أسباب التحريم من النسب والرضاع والمصاهرة.

ومن الثاني أخبار : منها ـ ما رواه في الكافي والتهذيب : «عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول : يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة» (٣).

__________________

(١) سورة النساء ـ ٢٣.

(٢) سورة النساء ـ ٢٢ وتكملة الآية هكذا «مِنَ النِّساءِ إِلّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً».

(٣) باب الرضاع من الكافي ، كتاب النكاح رقم الحديث (١).

١٢١

ومنها ـ ما رواه في الكافي في الصحيح : «عن إبراهيم بن نعيم الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام : انه سئل عن الرضاع؟ فقال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (١).

ومنها ـ ما رواه في الكافي : «عن عبد الله بن سنان في الصحيح أو الحسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة» (٢).

ومنها ـ ما رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبيدة الحذاء في الصحيح قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا خالتها ولا على أختها من الرضاعة ، وقال : ان عليا عليه السلام : ذكر لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ بنت حمزة. فقال رسول (ص) : أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله : وعمه حمزة قد رضعا من امرأة» (٣).

ونحوها ـ رواية أبان عمن حدثه ، وحسنة الحلبي ، المرويتان في الكافي» (٤).

__________________

(١) في نفس المصدر حديث رقم (٢) من الباب ، الحديث عن أبي الصباح الكناني ، والظاهر أنه هو المسمى (بإبراهيم بن نعيم) وبنفس النص ، حديث رقم (٣) من الباب عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٢) كتاب النكاح ، باب نوادر في الرضاع ، حديث رقم (١٠).

(٣) راجع من الكافي : باب نوادر في الرضاع من كتاب النكاح ، حديث رقم (١١).

(٤) أما رواية أبان عمن حدثه فهي هكذا : «عن أبي عبد الله (ع) قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : عرضت على رسول الله ابنة حمزة

١٢٢

ومنها ـ ما رواه في الكافي : «عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سئل وأنا حاضر عن امرأة أرضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته ، فهل لها أن تبيعه؟ قال : فقال :

لا هو ابنها من الرضاعة ، حرم عليها بيعه وأكل ثمنه ، قال ثم قال : أليس رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (١).

ومنها ـ ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي وابن سنان : «عن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة أرضعت ابن جاريتها قال : تعتقه» (٢).

ومنها ـ ما رواه عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلهم جميعا : «عن أبي عبد الله عليه السلام قال : لا يملك أمه من الرضاعة ، ولا أخته ولا عمته ، ولا خالته ، فإنهن إذا ملكن عتقن ، وقال : كلما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع» (٣).

__________________

فقال : أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاع».

وأما صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله قال : قال أمير المؤمنين (ع) في ابنة الأخ من الرضاع : لا آمر به أحدا ولا أنهى عنه ، وانما أنهى عنه نفسي ، وولدي ، وقال : عرض على رسول الله (ص) أن يتزوج ابنة حمزة ، فأبى رسول الله وقال : هي ابنة أخي من الرضاع ، وكلاهما في باب الرضاع من كتاب النكاح رقم (٤ ، ٥).

(١) باب النوادر من كتاب النكاح حديث رقم (١٦) وفي الوسائل في باب ١٧ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

(٢) الوسائل باب ١٧ من أبواب ما يحرم من الرضاع حديث (٢)

(٣) في الوسائل ، باب ٤ من أبواب بيع الحيوان حديث رقم (١) وهو طويل والمذكور هنا ـ آخره ـ

١٢٣

ومنها ـ ما رواه في الصحيح عن صفوان بن يحيى عن العبد الصالح عليه السلام : «قال : قلت له أرضعت أمي جارية بلبني؟ قال : هي أختك من الرضاعة ، قال : قلت : فتحل لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر ، قال : والفحل واحد؟ قلت :

نعم هو أخي لأبي وأمي ، قال : اللبن للفحل ، صار أبوك أباها وأمك أمها» (١).

ومنها ـ في الموثق عن سماعة : «قال : سألته عن رجل كان له امرأتان ، فولدت كل واحدة منهما غلاما. فانطلقت إحدى امرأته فأرضعت جارية من عرض الناس ، أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ قال : لا لأنها أرضعت بلبن الشيخ» (٢) ، ومنها ـ ما عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر : «قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي أرضعت فقال : اللبن للفحل» (٣).

ومنها ـ في الصحيح : «عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية ، ثم ماتت المرأة ، فتزوج أخرى فولدت منه ولدا ، ثم انها أرضعت من لبنها غلاما ، أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟

__________________

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب (٨) من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (٣) والمقصود من العبد الصالح هو الامام موسى بن جعفر (ع).

(٢) المصدر الآنف الذكر ، باب ٦ حديث رقم (٦).

(٣) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٦ من أبواب ما يحرم الرضاع حديث (٧).

١٢٤

قال : ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه» (١).

ومنها ـ في الحسن عن الحلبي : قال : «قلت لأبي عبد الله (ع) أم ولد رجل قد أرضعت صبيا ، وله ابنة من غيرها ، تحل لذلك الصبي هذه الابنة؟ فقال : ما أحب أن يتزوج ابنة رجل قد رضعت من لبن ولده» (٢).

ومنها ـ عن التهذيب في الموثق : «عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شي‌ء من ولدها ، وان كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعته بلبنه ، وإذا أرضع من لبن رجل حرم عليه كل شي‌ء من ولده وإن كان من غير المرأة التي أرضعته» (٣).

ومنها ـ ما عن الكافي : «في الصحيح أو الحسن عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعته امرأته فسد نكاحه. قال : وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده من غيرها؟ قال لا : قلت : فنزلت منزلة الأخت من الرضاعة؟ قال : نعم من قبل الأب» (٤).

وبهذا الاسناد عن الحلبي وعبد الله بن سنان : «عن أبي عبد الله عليه السلام : في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده؟

__________________

(١) المصدر الآنف الذكر حديث رقم (٥).

(٢) المصدر الآنف الذكر ، حديث رقم (٨).

(٣) المصدر الآنف الذكر ، باب ١٥ حديث (٣).

(٤) الوسائل ، باب ١٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، حديث رقم (١).

١٢٥

قال : تحرم عليه» (١).

ومنها ـ رواية عثمان عن أبي الحسن عليه السلام قال : قلت له : «ان أخي تزوج امرأة فأولدها فانطلقت ، فأرضعت جارية من عرض الناس فيحل لي أن أتزوج تلك الجارية التي أرضعتها امرأة أخي؟ قال : لا ، إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٢).

ومنها ـ رواية مسمع : «عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أمير المؤمنين عليه السلام. ثمانية لا تحل مناكحتهم ـ إلى أن قال ـ أمتك وهي عمتك من الرضاعة ، أمتك وهي خالتك من الرضاعة» (٣) الحديث.

ومنها ـ روايته الأخرى : «عنه عليه السلام قال : عشر لا يجوز نكاحهن ـ إلى أن قال ـ أمتك وهي عمتك من الرضاعة ، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة» (٤).

__________________

(١) الوسائل : كتاب النكاح أبواب ما يحرم بالرضاع باب ١٠ ، حديث (٢). والكافي ، باب نوادر في الرضاع حديث (٦).

(٢) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٨ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث رقم (٧).

(٣) في كتاب النكاح من الكافي باب في نحوه ، حديث (١) بسنده هكذا : «.. عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام :

قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ثمانية لا تحل مناكحتهم أمتك ، أمها ، أمتك أو أختها ، أمتك ، وأمتك ، وهي عمتك من الرضاعة ، وأمتك وهي خالتك من الرضاعة ، أمتك وهي أرضعتك ، أمتك ، وقد وطئت حتى تستبرأها بحيضة ، أمتك وهي حبلى من غيرك ، أمتك وهي على سوم أمتك ولها زوج». ومثله في الوسائل كتاب النكاح.

(٤) في أبواب ما يحرم بالرضاع روايات كثيرة بهذا المضمون

١٢٦

ومنها ـ رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام : «يحرم من الإماء عشر : لا تجمع بين الأم والبنت ، يعني في النكاح ، ولا بين الأختين ـ إلى أن قال ـ ولا أمتك وهي عمتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي خالتك من الرضاعة ، ولا أمتك وهي رضيعتك» (١).

ومنها ـ صحيحة محمد بن مسلم : عن ابي جعفر عليه السلام : في رجل فجر بامرأة ، أيتزوج أمها من الرضاعة أو بنتها؟ قال : لا (٢) إلى غير ذلك من الاخبار.

وتمام الكلام في هذه المسألة ينتهي في طي مقدمة ، ومباحث ، وخاتمة.

أما المقدمة ، فهي أن ربط الرضاع من سنخ ربط النسب الذي هو ربط بين النسب والمنسوب اليه ربط تكوين واشتقاق ، فان الولد متكون من والديه ، ومادته الأصلية مشتقة من مادتهما السارية في جميع الطبقات النازلة سريان المصادر في جميع مشتقاتها (٣) ، ولذا كان نماء كل بذر

__________________

توجد في عامة كتب الأخبار. وبهذا المضمون والسند في كتاب الوسائل كتاب النكاح ، باب ٨ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٨ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (٩).

(٢) المصدر الآنف ، باب ٦ من زنا بامرأة حرمت عليه بنتها وأمها ، حديث رقم (١) و (٢).

(٣) بناء على ما هو التحقيق من أن المصادر هي أصول المشتقات ، لا الأفعال ، فإن المبدأ فيها موجود في جميع مشتقاته ، ففي ضرب وضارب ومضروب ومضرب وغيرها من المشقات يوجد المبدأ كاملا غير منقوص.

١٢٧

من جنس أصله. «من يزرع الشوك لم يحصد به عنبا» (١) ، وليس الا لسريان حقيقة الأصل في فروعه ، ولعل الرضاع بشرائطه كما يعرب عنه ما قيل : «ان لحمة الرضاع كلحمة النسب» (٢) : له تأثير في ذلك الربط الأصلي ولو بنحو الاشتداد أو موجب لما يضاهيه من الربط الذي يكون من سنخه ، وان كان ضعيفا في مرتبة الربطية ، ولذا يجتمع معه في بعض الأحكام ، ويفترق عنه في بعضها الآخر. وبذلك الربط الحاصل منه إليهما ، ومنهما إليه نسبا ورضاعا تحصل الارتباطات صاعدة ونازلة المعبر عنها بالعناوين السبعة النسبية (٣) وما يضاهيها من الرضاع ، وحيث

__________________

(١) هو عجز بيت لشاعر عربي جاهلي أو مخضرم ، لا نعرف قائله : ويروى مع صدره ـ كما في مجمع الأمثال للميداني ـ هكذا :

إذا وترت امرءا فاحذر عداوته

من يزرع الشوك لم يحصد به العنبا

قال الميداني : لا يقال : حصدت العنب ، بل قطفته ، ولكن الشاعر العربي وضع الحصد مكان القطف. والمقصود منه : من أساء الى إنسان فليتوقع. وهو على غرار المثل المعروف : «أعجز من جاني العنب من الشوك» ، قال حمزة : وهذا الشاعر أخذ هذا المثل من حكيم من حكماء العرب من قوله : من يزرع خيرا يحصد غبطة ، ومن يزرع شرا يحصد ندامة ، ولن يجتنى من شوكة عنبة».

(٢) هذا الكلام من ألسنة الفقهاء بحكم اشتراك الرضاع مع النسب في تأثير المنع ، وليس حديثا ولا رواية ـ على الظاهر ـ وانما الحديث النبوي المذكور في عامة كتب الحديث للفريقين هو قوله (ص) : «الولاء لحمة كلحمة النسب» فجاء هذا الكلام على هذا الغرار بحكم وجود الملاك في الثلاثة.

(٣) في كتب الفقه : إن أسباب التحريم ستة : النسب ، الرضاع

١٢٨

انا لم تحط به علما وبكميته وبشرائط حصوله اقتصرنا فيه على ما أعرب عنه الدليل. وأوضح لنا منهج السبيل الموجب للرجوع فيما شك الى ما تقتضيه الأصول.

__________________

المصاهرة ، استيفاء العدد ، اللعان ، الكفر والارتداد ـ بشروط مفصلة هناك.

والأصناف المحرمة من النسب سبعة ـ وهي المقصودة بالعناوين السبعة في المتن ، وهي :

(١) الأم والجدة ـ وان علت ـ لأب كانت أم لام أم لهما.

(٢) والبنت الصلبية وبناتها ـ وان نزلن وبنات ابنها ـ وإن نزلن أيضا.

(٣) والأخوات ـ لأب كن أو لأم أولهما ـ وبناتهن وبنات أولادهن.

(٤) والعمات ، سواء كن أخوات أبيه لأبويه أم لأحدهما ، وكذا أخوات أجداده ـ وان علون.

(٥) والخالات ـ لأب أو لأم أو لهما ـ وكذا خالات الأب والأم ـ وان علون.

(٦) وبنات الأخ ، سواء كان الأخ لأبوين أم لأحدهما ـ وسواء كانت بنته الصلبية أم بنت بنته وان نزلت ، أو بنت ابنه ، وبناتهن ـ وإن نزلن ـ (٧) وبنات الأخت ـ وان تزلن ـ :

هذه المحرمات من النساء على الرجال ، ومقابل ذلك يحرم من الرجال على النساء أيضا ، فيحرم على المرأة أبوها ـ وان علا ـ وابنها ـ وان نزل ـ وأخوها وابن أخيها وابن الأخت ، والعم والخال ـ وان ارتفعا.

(عن كتب الفقه : كتاب النكاح)

١٢٩

وأما المباحث ، فالأول منها ـ في بيان معنى العبارة التي تضمنتها أخبار الفريقين ، واستفاض نقلها بينهم ، وهي : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) :

فنقول : ما يحرم من النسب من العناوين السبعة النسبية إذا وجد نظيره في الرضاع أوجب الحرمة بإرادة العنوان من الموصول ، والا فنفس من يحرم من النسب لا معنى لكونه يحرم من الرضاع ، كما هو ظاهر العبارة فلا بد من انتزاع عنوان يكون وجوده مناطا للحكم ، وانما وقع التعبير بذلك لبيان اعتبار اتحاد العنوان الحاصل منهما ، فيكون حاصل المعنى ، ان الرضاع يوجب ربطا على حد ربط النسب ، وعلاقة نحو علاقته ، كما يعرب عنه تشبيه لحمته بلحمته ، فالعلائق السبعة الرضاعية تحرم كما تحرم العلائق السبعة النسبية. وبعبارة أخرى : ان الرضاع يحدث ما يحدثه النسب من العناوين السبعة ، ويفعل فعله في تحققها بعد تنزيل الرضاع منزلة الولادة في ذلك ، فيجري مجراه في التحريم ، سواء كان الحكم به بسبب النسب أو بسبب المصاهرة كأم الزوجة الرضاعية ، فإنها محرمة على زوج بنتها من الرضاع ، ولكنها بالمصاهرة لا بالرضاع ـ كما ستعرف.

الثاني : هو ان الثابت من نصوص التحريم بالرضاع ، انما هو ما يحدث به أحد تلك العناوين المحرمة من النسب دون لوازمها. فلو أرضعت أجنبية أخاك فبنتها ، وان كانت أخت أخيك ، الا أن أخت الأخ في النسب انما تحرم لكونها أختا ، لا لكونها أخت أخ ، فلو تجرد عن عنوان الأخت في الرضاع لم تكن محرمة ، بل ربما تنفك أخت الأخ عن عنوان الأخت في النسب أيضا ، فيجوز له نكاحها كما لو كانت امرأة لها بنت ثم تزوجها أبوك ، فأولدها ولدا هو أخوك من أبيك ، وأخته من أمه أخت أخيك نسبا من أمه ، وليست بأختك أصلا ، فلا مانع عن تزويجك إياها

١٣٠

لما عرفت أن عنوان أخت الأخ من حيث هو ليس من العناوين المحرمة في النسب ، وكذا يجوز لك تزويج المرضعة ، وان كانت أم أخيك ، لأن أم الأخ إنما تحرم عليك في النسب ، أما لكونها أما لك أو لكونها منكوحة أبيك ، فحيث ينفك عنهما في الرضاع ، لم تنشر الحرمة بينهما.

وبالجملة : فالمدار في التحريم بالرضاع على تحقق ما به يحرم في النسب كالأمومة والأخوة والبنوة ـ مثلا ـ فأم الأخ الرضاعي من النسب ، أو الرضاع لا تحرم على أخيه لأن حرمة أم الأخ من النسب انما تحرم : إما لكونها أما له أو منكوحة أبيه ، وكل منهما موجب للحرمة. وحيث يتجرد عنوان أم الأخ عنهما لم تحرم ، سواء كانت أما نسبية للأخ الرضاعي أو أما رضاعية للأخ النسبي ، فضلا عن الأم الرضاعية للأخ الرضاعي. وكذلك أخت الأخ من الرضاع ، فإنها لا تحرم على أخيه ، لأن أخت الأخ من النسب انما تحرم لكونها أختا لا أخت أخ ، فحيث تجردت أخت الأخ عن عنوان الأخت لم تكن محرمة ، سواء كانت أختا من الرضاع لأخيه من النسب ، أو أختا من النسب لأخيه من الرضاع : وكذا أخت العمة وأخت الخالة لا تحرم ما لم تكن عمة أو خالة. وكذا في البنوة أيضا فإن أخت الابن من النسب محرمة : إما لكونها بنتا له أو ربيبة ، وكل منهما موجب للحرمة ، فلو تجرد عنوان أخت الابن عنهما كالأخت الرضاعية للابن النسبي أو الأخت النسبية للابن الرضاعي لا يقتضي الحرمة من حيث القاعدة ، وان قلنا بها لدليل خاص ـ كما ستعرف ـ ، وحيث تبين لك الضابط في مدار التحريم ظهر لك ضعف ما استثناه في (التذكرة) : من أربعة نسوة يحرمن في النسب ، وقد لا يحرمن في الرضاع ، وهن : أم الأخ ، والأخت ، وأم ولد الولد وجدة الولد وأخت الولد ـ ثم قال بعد عدهن : وهذه الصور الأربع مستثناة من

١٣١

قولنا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (١) ضرورة عدم دخولهن في عموم القاعدة حتى يصدق الاستثناء للذي معناه إخراج ما لولاه لدخل ، اللهم الا أن يكون استثناء من توهم الدخول.

وأضعف منه : ما ذهب إليه الحلي في (السرائر) قال ـ بعد حكايته قول الشيخ في المبسوط : من أنه يجوز للفحل أن يتزوج بأم هذا المرضع وبأخته وبجدته ـ ما لفظه : «أما تزويجه بأخته وبجدته فلا يجوز بحال لأنا في النسب لا تجوز أن يتزوج الإنسان بأخت ابن ولا بأم امرأة بحال ـ الى أن قال ـ : والذي يقتضيه مذهبنا أن أم أم ولده من الرضاع محرمة عليه ، كما أنها محرمة عليه من النسب ، لأنه أصل في التحريم من غير تعليل ، فعلى هذا امرأة لها لبن أرضعت بنتا لقوم الرضاع المحرم ، ولتلك البنت المرضعة أخت ، فإنه يحل لابن المرضعة الذي قد شربت هذه البنت المرضعة منه ان يتزوج بأختها وهي أخت أخيه من الرضاع ، لما مضى من الأصل ، وهو انه انما يحرم هذا المرتضع وحده ، ومن كان من نسله دون من كان في طبقته وهذه من طبقته ، لأنه لا نسب بينه وبين أخت أخيه

__________________

(١) ففي أخريات كتاب النكاح ، آخر المبحث الأول من الفصل الثاني ـ في الرضاع ـ قال : «أخت ولدك في النسب حرام عليك لأنها إما بنتك أو ربيبتك. وإذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت ولدك ، وليست بنتا ولا ربيبة. ولا تحرم أخت الأخ في النسب ولا في الرضاع إذا لم تكن أختا له بأن يكون له أخ من الأب وأخت من الأم ، فإنه يجوز للأخ من الأب نكاح الأخت من الأم. وفي الرضاع لو أرضعتك امرأة وأرضعت صغيرة أجنبية منك يجوز لأخيك نكاحها وهي أختك من الرضاع ، وهذه الصور الأربع مستثناة من قولنا : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

١٣٢

ولا رضاع» (١) انتهى.

وكأنه لما رأى عدم انفكاك جدة المرتضع ، وكذا أختها عن التحريم على الأب في النسب وانفكاكه عنه في أخت الأخ بالنسبة إلى أخيه فيه اجرى الرضاع مجراه في ذلك ، فحكم بالتحريم في الأولين وبالحل في الأخير وكأنه غفل عن كون سبب التحريم في الجدة لكونها أم زوجة لا لكونها جدة ، وفي أخت البنت لكونها بنتا أو ربيبة ، لا لكونها أخت بنت مع عدم وجودهما في الرضاع ، لأن المرضعة لا تكون بحكم الزوجة لأب المرتضع حتى تكون أمها أم زوجة لتحرم بالمصاهرة ، ولا أخت البنت بنتا.

نعم نقول : بحرمة أخت البنت ، لا للقاعدة ، بل للدليل الخاص (٢) والحلي لم يستند إليه في التحريم ، بل استند فيه الى القاعدة ، وهو كما ترى.

ثم ان مقتضى الضابط المتقدم ـ حسبما عرفت ـ وان كان جواز نكاح أخت الابن ، ما لم تكن بنتا أو ربيبة ، الا ان النصوص الخاصة نصت بتحريمها على الأب ، وهي القاعدة المعروفة : من انه لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ولا في أولاد المرضعة نسبا لا رضاعا ، خلافا للطبرسي فألحق الرضاع منهم بالنسب ، بناء منه على كفاية اتحاد المرضعة في نشر الحرمة بالرضاع ، وان تعدد الفحل كما يأتي.

والنصوص المخرجة لها عن القاعدة ، هي : صحيحة علي بن مهزيار : «قال : سأل عيسى بن جعفر أبا جعفر الثاني (ع) : عن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل لي ان أتزوج بنت زوجها؟ فقال ما أجود ما سألت ،

__________________

(١) كتاب النكاح ، باب الرضاع وما يحرم من ذلك : ص ٢٩٤ طبع إيران حجري.

(٢) ولعله لما في الوسائل ، باب ١٦ من أبواب ما يحرم من الرضاع.

١٣٣

من ههنا يؤتى أن يقول الناس : حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا هو لبن الفحل ، لا غيره ، فقلت له : ان الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت لي ، هي بنت غيرها ، فقال : لو كن عشرا متفرقات ما حل لك منهن شي‌ء ، وكن في موضع بناتك» (١) وهي صريحة في أولاد الفحل مطلقا من الرضاع أو النسب مطلقا ، وان لم تكن من المرضعة.

وما رواه الكليني في الصحيح : «عن عبد الله بن جعفر قال : كتبت الى ابي محمد (ع) : امرأة أرضعت ولد الرجل ، هل تحل لذلك الرجل ان يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع : لا يحل له» (٢). وما رواه أيوب بن نوح في الصحيح : «قال : كتب علي بن شعيب الى ابي الحسن (ع) : امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب : لا يجوز ذلك لك ، لان ولدها صارت بمنزلة ولدك» (٣) وموردها أولاد المرضعة وإطلاقه يعم ما لو كان من غير صاحب اللبن ، لكن مع الاقتصار على أولادها من النسب ، بناء على اعتبار اتحاد الفحل في اللبن المحرم ، وتنزيلا للولد والبنت فيهما على معناهما الحقيقي ، وهن صحاح ، عمل بها المشهور لا بأس باستثناء موردها عن القاعدة ، مع إمكان دعوى عدم المنافاة بينها وبين ما تقتضيه أصالة الحل في غير العناوين المحرمة في النسب ، إذ ليست النسبة بينهما إلا نسبة الأصل إلى الدليل الوارد عليه ، لعدم ما يدل على الحصر

__________________

(١) راجع : الوسائل باب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع في اشتراط اتحاد الفحل في نشر الحرمة حديث رقم (١٠).

(٢) في الوسائل : كتاب النكاح باب ١٦ من أبواب ما يحرم من الرضاع حديث رقم (٢).

(٣) الوسائل ، باب ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع في حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن حديث رقم (١).

١٣٤

في حديث : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

اللهم الا ان يقال : ان الحديث ونحوه في مقام إعطاء القاعدة التي يجب اطرادها طردا وعكسا. فتخصص الكلية السلبية ـ حينئذ ـ بالنصوص الخاصة.

وكيف كان فيتفرع على القول به تحريم الزوجة على زوجها لو أرضعت ولدها أمها التي هي جدة الولد من أمه ، لأن الزوجة ـ حينئذ ـ من أولاد المرضعة نسبا ، وقد عرفت أنه لا ينكح أب المرتضع في أولاد المرضعة نسبا ، لعدم الفرق في التحريم بالرضاع بين سبعة على النكاح أو لحوقه به.

ثم : ان مورد النصوص الخارج بها عن القاعدة : هو حرمة نكاح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن وهل يحرم نكاح الفحل ، صاحب اللبن ، في أولاد أب المرتضع كما في (الخلاف) و (النهاية) وغيرهما ، أو لا يحرم ، كما عليه المشهور ظاهرا؟ وجهان ، بل قولان : ينشئان : من الرجوع الى القاعدة في غير مورد النص المخرج له عنها ، ومن وحدة المناط بعد تنزيل إخوة الولد منزلة الولد من غير فرق بين كون الولد المنزل عليه ولد نسبيا أو رضاعيا.

وفيه : مضافا إلى خروجه عن مورد النص الموجب لاندراجه تحت القاعدة المقتضية للحل ، أنه من القياس الذي لا نقول به ، لان ربط النسب في التحريم على أبيه أقوى من ربط الرضاع ، فالمنزل منزلة القوى لا يقاس به المنزل منزلة الضعيف ، وهو الولد من الرضاع ، مع أن للتنزيل منزلة الضعيف ليس منطوق نص حتى يقال : بالتحريم ، لعدم الفائدة مع عدمه ، بل هو تنزيل مستنبط من القياس بالتنزيل المنصوص ، فهو من القياس ، مع ما عرفت من وضوح الفرق بين المقيس والمقيس عليه ، فالأقوى عدم التحريم فيه ، وان قلنا بالتحريم في الأول.

١٣٥

وهل : نسبة اخوة المرتضع من الرضاع الى أمه من النسب كنسبتهم إلى أبيه فيكونوا بمنزلة أولادها في التحريم أم لا؟ وجهان :

ذهب شيخنا المرتضى ـ قدس سره ـ في رسالته الرضاعية إلى الأول حيث ، قال : «والرواية ـ أي رواية ابن مهزيار ـ وان اختصت بتحريم ولد الفحل على أب المرتضع ، الا ان تحريمهم على أمه أيضا ثابت بالإجماع المركب ظاهرا ، مع ان كونهم بمنزلة بنات أبي المرتضع يستلزم كونهم بمنزلة بنات أمه» (١) انتهى.

قلت : تنزيلهم منزلة أولاد الأب لا يستلزم تنزيلهم منزلة أولاد الأم لتكون لهم اما ، ولو بالتنزيل حتى تحرم أمها عليهم ، لكونها لهم ـ حينئذ ـ بمنزلة الجدة. نعم غاية الأمر ثبوت تحريمها عليهم بنفسها لكونها ، ان لم تثبت أمومتها لهم ، فهي منكوحة أبيهم التنزيلي ، وزوجة الأب لا تحرم أمها على أولاد زوجها ، فتظهر الثمرة في تحريم أمها عليهم وعدمه.

مع إمكان أن يقال : يحتمل عدم تحريمها أيضا عليهم لأنها ليست بزوجة أب لا من الرضاع ولا من النسب ، وزوجة الأب من النسب محرمة ، والأب من الرضاع كالأب من النسب في ذلك ، ولا دليل على كون المنزلة منزلة الأب من جهة اخوة ولده المنزلين منزلة أولاده محكم الأب في تحريم زوجته عليهم ، إذ لا أبوه بينهم ، لا من الرضاع ولا من النسب ، بل هو بمنزلة الأب لمن هو بمنزلة الولد ، فالقدر الثابت من الرواية تنزيلهم منزلة أولاده في خصوص تحريمهم عليه ، دون غيره ، فتأمل هذا.

وأما ـ نكاح إخوة المرتضع من النسب في إخوته من الرضاع ، أي أولاد أب المرتضع في أولاد الفحل مطلقا ، وفي أولاد المرضعة نسبا ،

__________________

(١) رسالة استدلالية مفصلة طبعت في أخريات كتاب المكاسب في مجلد واحد

١٣٦

فالأشهر ، بل الأقوى جوازه ، لأنهم بالنسبة إليهم ليس إلا أخوة الأخ وانما تحرم اخوة الأخ في النسب ، لكونهم إخوة لا اخوة أخ ، فإذا انفك عنوان (إخوة الأخ) عن الأخوة ـ كما هنا ـ لا يوجب التحريم ، وإن نزّلوا في النصوص الخاصة منزلة أولاد الأب ، فإن تحريم أولاد الأب بعضهم على بعض ليس من حيث كونهم أولاد أب ، بل من حيث كونهم إخوة ، خلافا للخلاف والنهاية والسرائر ، وقواه في الكفاية ، حيث قال : «والوجه الاستدلال على التحريم بأن كونهم بمنزلة الولد يقتضي أن يثبت لهم جميع الأحكام الثابتة للولد من حيث الولدية لعدم تخصص في المنزلة ، ومن جملة أحكام الولد تحريم أولاد الأب عليه ، فاذن ، القول بالتحريم لا يخلو عن قوة» (١) انتهى.

وفيه ما تقدم : من أن تحريم أولاد الأب بعضهم على بعض ليس من حيث كونهم أولاد أب ، بل من حيث كونهم إخوة ويدل عليه عطف الأخوات على الأمهات في المحرمات النسبية والرضاعية ، وإلا لاكتفى عن ذلك بذكر (وبناتهن) ، وليس إلا لكون المعتبر عنوان الأخوة دون عنوان أولاد الأب أو الأم.

اللهم الا أن يقال ـ بل قد قيل ـ (٢) إن الاخوة التي نبطت بها الحرمة في آية المحرمات ليس مفهومها العرفي ـ بل الحقيقي ـ إلا كون الشخصين ولدا لواحد ، فكونهم أولادا لأبيه أو لأمه عين كونهم اخوة له لا أنه عنوان آخر ملازم له.

__________________

(١) المقصود منها : كفاية الأحكام للسبزواري ، راجع ذلك ضمن كتاب النكاح البحث الثاني من الفصل الثاني في أسباب التحريم.

(٢) القائل : شيخنا المرتضى في رسالته الرضاعية (منه).

١٣٧

وفيه : منع اتحاد أولاد الأب مع الاخوة في المعنى ، وان كلا منهما عين الآخر ، ضرورة أن عنوان أولاد الأب من حيث هو غير ملحوظ فيه الّا ربط كل واحد منهم إلى الأب يربط التكوين ، والتولد ، والملحوظ في عنوان الاخوة ليس الا ربط بعضهم مع بعض باشتراكهم في ذلك الربط الحاصل بالتوالد ، فالربط الملحوظ في عنوان أحدهما غير الربط الملحوظ في عنوان الآخر ، وان كانا متلازمين لا ينفك أحدهما عن الآخر بل لا ملازمة بينهما في الرضاع ، كما ينفكان في أولاد المرضعة رضاعا مع تعدد الفحل ، ضرورة أنهما أولاد أم ، ولا أخوة بينهما ، بناء على المشهور من اعتبار اتحاد الفحل في ثبوت عنوان الأخوة ـ كما ستعرف.

مضافا ـ الى إمكان أن يقال : ان أولاد الأب يعم ما كان نسبته إليه بواسطة أولا بواسطة ، وما كان بواسطة لا يوجب التحريم كأولاد حاشية الأب والجد الا ما كان من حاشية نفسه كأولاد الأخ والأخت ، وتنزيل أولاد الفحل منزلة أولاده انما هو بواسطة المرتضع ، فلا يصدق عليهم إخوة ، ولا أولاد أخ أو أخت ، فالأقوى جواز نكاح بعضهم في بعض ، وان حرم نكاح كل من الطرفين على المرتضع لكونهم إخوته ، وعلى أبيه لكونهم أولاده أو ربيبته أو بمنزلة أولاده ، ولكن الاحتياط لا يترك في جميع ذلك.

الثالث : لم يفرق في تنزيل الرضاع منزلة النسب : بين كون التحريم به أو بالمصاهرة كالعناوين الخمسة المحرمة بها (١) فإن أم الزوجة

__________________

(١) وهي زوجة الأب ، وان علا ، وزوجة الابن ـ وان نزل ـ وأم الموطوءة ـ حلالا أم حراما ـ وأم المعقود عليها ـ وان علت ـ وابنة الموطوءة فنازلا على الفاعل ، سواء تقدمت ولادتها على الوطء أم تأخرت عنه على تفصيل في هذه العناوين الخمسة ، مستوفى في محرمات النكاح من كتب الفقه.

١٣٨

الرضاعية أم للزوجة بالتنزيل ومحرمة على الزوج ، لكن بالمصاهرة لا بالرضاع فلا ينافي تحريمها بالمصاهرة كونها أما بالرضاع ، وان هو الا من فعل الرضاع فعل النسب ، لا فعل المصاهرة ، ضرورة أن علقة المصاهرة التي هي علاقة حاصلة بين كل من الزوجين وأقرباء الآخر منتزعة من وجود علقتين : علقة الزوجية ، وعلقة النسب ، فاذا وجدتا حدثت منهما علقة ثالثة هي الموجبة للحرمة ، وهي المصاهرة ، ففي المثال المتقدم : علقة الزوجية موجودة بالوجدان ، وعلقة النسب موجودة بالرضاع المنزل منزلته في تحقق عنوان الأمومة ، فحدثت من وجوديهما علقة المصاهرة ، فأوجب التحريم ، فالحرمة مسببة عن المصاهرة ، لا من الرضاع كي يتوهم أن الرضاع لا يفعل فعل المصاهرة ، وأين هو من فعل المصاهرة ، وانما فعل فعل النسب من إحداث عنوان الأمومة للزوجة الرضيعة ، فهو من تنزيل الرضاع منزلة للنسب لا منزلة المصاهرة.

وكذا تحرم حليلة الابن الرضاعي ، لتنزيله بالرضاع منزلة ابنه في النسب ، فتحرم بالمصاهرة.

وكذا تحريم بالمصاهرة منكوحة الأب الرضاعي بعد تنزيله منزلة أبيه في النسب ، وبنت الزوجة المدخولة بها من الرضاع لكونها ربيبة له بالرضاع بعد تنزيلها منزلة البنت بالنسب. والجمع بين أخت الزوجة الرضاعية بعد تنزيلها منزلة الأخت النسبية ، ففي ذلك كله تحريم بالمصاهرة بعد إيجاد الرضاع علقة القرابة ، (ودعوى) اختصاص تحريم العناوين السبعة الرضاعية في الصدق بالنسبة الى من تحرم عليه ، أو اختصاص حرمة المصاهرة بما إذا كانت علقة القرابة حاصلة من خصوص النسب دون المنزل منزلته (موهونة) لأنه تقييد للأدلة من غير دليل.

وبذلك يظهر ضعف ما احتمله قويا في (القواعد) : من عدم

١٣٩

التحريم لو أرضعت أمته الموطوءة زوجته الصغيرة حيث قال : ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا ـ الى أن قال ـ ويحتمل قويا عدم التحريم بالمصاهرة» (١).

قلت أما : حرمة الأمة ، فلكونها أما لزوجته بالرضاع المنزل منزلة أمها من النسب. وأما الزوجة ، فلكونها بنت موطوئته بالرضاع ، إن كان اللبن من غيره ، وبنته ان كان اللبن منه ، فتحريمهما في غير صدق البنتية بالمصاهرة ، لكن بعد تنزيل الرضاع منزلة النسب. ومنشأ ما احتمله قويا كونه من تنزيل الرضاع منزلة المصاهرة ، وهو توهم فاسد ـ كما عرفت.

الرابع : أركان الرضاع الموجبة لنشر الحرمة ثلاثة : الرضيع والمرتضعة وصاحب اللبن ، كأركان النسب المتحققة بالولد ووالديه ، فتنشر الحرمة بالرضاع من الرضيع إليهما ، وإلى كل من أبوي كل منهما فصاعدا مطلقا نسبا ورضاعا ، خلافا للقواعد وثاني المحققين في شرحه في بعض صور الثاني ـ كما ستعرف ـ وإلى أولادهما فنازلا ، والى حاشية كل منهما ، ومن أبويهما دون أولادها لأن بنت العم والعمة ـ وكذا بنت الخال والخالة ـ لا يحر من عليه ، ومنهما اليه فنازلا من غير فرق في جميع الطبقات ـ صعودا ونزولا ـ بين النسب والرضاع ، إذا وجد به العنوان المحرم بالنسب ، فالمرضعة أم للرضيع ، وصاحب اللبن أب له ، وآباؤهما وأمهاتهما أجداد وجدات ، وإخوتهما عم وعمة ، وخال وخالة ، وأولادهما إخوة له ، وأولادهم أولاد أخ أو أخت ، وأولاده بالنسبة إليهما أولاد ابن أو بنت لهما فتنشر الحرمة في جميع ذلك نسبا ورضاعا على الشرط المتقدم.

__________________

(١) كتاب النكاح ، الفصل الأول في الرضاع من المحرمات السببية في أخريات المطلب الثالث منه.

١٤٠