بلغة الفقيّة - ج ٣

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

وعنوان العمومة والخؤلة لكل من الأبوين ثابت له أيضا ، فعم الأم وعمتها عم له ، وعمة ، وخال الأب وخالته خال له وخالة ـ وان ترامت ـ فكل من العمومة والخؤلة لكل من الأبوين ـ وان ترامت بوسائط متعددة ـ تنزل منزلتهما بلا واسطة ، فتجري عليها أحكامها ، كغيرها من العناوين المتصاعدة والمتنازلة.

وبالجملة : يحرم على الإنسان أصوله وفصوله ، وكل فصل من أول أصل ، وأول فصل من كل أصل بعده ، فلا تحرم بنات العم والعمة ولا بنات الخال والخالة.

وبعبارة أخرى : يحرم على الإنسان ذوو قرابته مطلقا ، الا فروع حاشيتي أصوله ، من غير فرق في ذلك كله بين النسب والرضاع. وكذا تحرم بالمصاهرة على الزوج أصول الزوجة مطلقا. وفصولها مع الدخول بها والجمع بين الأختين مطلقا ، وعلى الزوجة أصول الزوج وفصوله مطلقا في كل ذلك ، تنزيلا للرضاع منزلة النسب.

الخامس : في شروط نشر الحرمة بالرضاع التي يرجع اعتبار بعضها في المرضعة وبعضها في الرضيع وبعضها في الرضاع.

أما الأول : فيشترط في المرضعة : أن تكون امرأة حية ، در لبنها عن نكاح ، أي وطئ صحيح ، غير حائل ، فلا تحرم بلبن الخنثى المشكل. لو وطئت شبهة ، لعدم إحراز الأنوثة ، سيما على القول بكونها حقيقة ثالثة ، فضلا عن لبن الذكر أو البهيمة ولا الميتة ، ولو كانت امرأته لعدم صدق الإرضاع المصرح به في آية الرضاع ، ولا غير الموطوءة ، وان كانت ذات بعل. ولا الحائل ، وان كانت موطوءة بنكاح صحيح ، ولا مع الحمل أو الولادة ان كان من الزنا ، إجماعا ـ بقسميه ـ في ذلك كله ، وان تردد في اعتبار الحياة بعض ، وهو لا يضر بالإجماع المعتضد بدعوى غير

١٤١

واحد ظهور الاتفاق عليه ، كما عن (كاشف اللثام) وغيره. مضافا إلى الأخبار الصحيحة ، أو بحكمها ، ففي رواية عبد الله بن سنان : «قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : عن لبن الفحل؟ قال : هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك : ولد امرأة أخرى ، فهو حرام» (١). وما رواه في الكافي : «عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال : لا» (٢) ورواه الصدوق بإسناده : «عن ابن أبي عمير عن يونس بن يعقوب مثله» (٣) وما رواه الشيخ : «عن يعقوب بن شعيب قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام : امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا وإناثا أيحرم من ذلك الرضاع؟ فقال لي : لا» (٤) وما رواه في الكافي أيضا : «عن بريد العجلي في حديث قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فسّر لي قال : فقال : كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام ، فذلك الذي قال رسول الله (ص)» (٥).

__________________

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث رقم (٤).

(٢) المصدر المذكور باب (٩) حديث رقم (١).

(٣) المصدر المذكور نفسه وبعد ذكر الحديث قال : ورواه الصدوق .. إلخ.

(٤) المصدر الآنف الذكر في نفس الباب حديث رقم (٢).

(٥) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (٥) وتكملة الحديث بعد ذلك : وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها

١٤٢

ويلحق : وطء الشبهة في نشر الحرمة بالصحيح على الأصح ، خلافا للحلي ، لتردده فيه (١) ولعله للأصل ، والاقتصار على المتيقن في اللحوق به على النسب.

ويدفعه ـ مضافا إلى دعوى الإجماع عليه المعتضد بالشهرة المستفيضة ومساواته له في أغلب الأحكام ـ إطلاقات أدلة الرضاع أو عمومها مع الاقتصار على المتيقن من الزنا في الخروج عنها وثبوت النسب بالشبهة واللبن عندهم يتبع النسب.

هذا : إذا كانت الشبهة لهما. وان اختصت بأحدهما اختص به حكمه ، لثبوت النسب بالنسبة إليه ، دون غيره ، واللبن يتبع النسب.

فان اختصت بها دونه حرمت هي على الرضيع لكونها أما له ، وكذا بناتها نسبا ورضاعا من هذا اللبن ، لثبوت الاخوة بينهم بالفرض من الأم ، وكذا من غيره على قول الطبرسي (٢).

__________________

واحدا بعد واحد من جارية أو غلام ، فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله (ص) يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وانما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا ، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم».

(١) بل لعله جازم بالعدم ، حيث قال في السرائر في أوائل كتاب النكاح أثناء البحث عن المحرمات : «فأما عقد الشبهة ووطء الشبهة فعندنا لا ينشر الحرمة ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال. وانما أصحابنا رووا :

أنه يلحق به الولد ولا يحد فاعله ..».

(٢) هو أبو علي الطبرسي : الفضل بن الحسن بن الفضل صاحب تفسير مجمع البيان المتوفى سنة ٥٤٨ ه‍ المدفون في المشهد الرضوي. قال : في هذه المسألة بعدم اشتراط اتحاد الفحل ، بل يكفي في نشر الحرمة

١٤٣

وبالجملة : تحرم عليه المرضعة وأصولها وفصولها وحاشيتها وحاشية أصولها ، دون فصول الحواشي ، ولا تنشر الحرمة لو كان أنثى بينها وبين الفحل بالرضاع ، وان حرمت عليه بالمصاهرة ، بناء على حصولها بالزنا السابق ، فبنتها من النسب تحرم عليه بالمصاهرة ، لكونها بنت موطوئته ولو بالفجور ، فتحرم بنتها من الرضاع عليه أيضا بها تنزيلا للرضاع منزلة النسب ، فتحرم بالمصاهرة عليه وعلى أصوله دون فصوله ، إذ لا مصاهرة بينهم ، ولا اخوة بالرضاع. وكذا يختص حكم الرضاع بالفحل لو اختصت الشبهة به دونها.

ويحتمل غير بعيد عدم نشر الحرمة مطلقا ، ولو بالنسبة إلى من اختصت به ، لكونها بحكم من در لبنه بنفسه لا تأثير له بعد بطلان النكاح بالنسبة إلى صاحبه ، فكأنه أرضعته بلبنها من غير فحل أو بلبنه من غير أمومة. وعليه فلا تحرم بنت الموطوءة رضاعا على الواطئ ، وان قلنا : بثبوت المصاهرة بالزنا لعدم تحقق الرضاع الناشر. حتى ينزل منزلة النسب ، بل ولا تحرم عناوين النسب أيضا لذلك ، فلا تحرم المرضعة على الرضيع ، وان اختصت الشبهة بها دونه هذا : وهل يكتفى بالحمل ، في نشر الحرمة باللبن أو يعتبر فيه الولادة؟ قولان : نسب ثانيهما إلى الأكثر ، بل عن الخلاف والغنية

__________________

الرضاعية اتحاد المرضعة فقط ، أخذا بعموم وإطلاق صدق الاخوة بين جميع الذين أرضعتهم من ألبانها وان كانت من فحول متعددة ، وقياسا على تحريم التناكح بمحض صدق الاخوة النسبية ، والحديث النبوي يقول :

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. ولكن رأيه هذا يصطدم بروايات صحيحة عن أهل البيت عليهم السلام تقيد ذلك الإطلاق المدعى ، يراجع في تفصيل المسألة ما ذكر في المتن من الروايات.

١٤٤

والسرائر ودعوى الإجماع عليه (١). ولعله الأقوى لذلك ، مضافا إلى الأصل بعد تقييد المطلقات ـ لو سلم كونها مسوقة لبيان ذلك ـ بما دل على التقييد بها في الأخبار المتقدمة. ودعوى ورود القيد مورد الغالب فلا يفيد تقييدا : ليست بأولى من حمل المطلقات عليه ، فيبقى الأصل سليما في غير مورد التقييد.

وعليه : فهل يعتبر أن تكون الولادة في محل يمكن أن يعيش فيه الولد ، أو يكفي انفصاله مع ولوج الروح فيه ، أو يكفي مطلقا ، ولو بالسقط قبله؟ احتمالات : والأقوى الرجوع فيه إلى صدق الولادة عرفا.

هذا : ولا فرق في النكاح الصحيح بين كونه بعقد دائم أو منقطع أو بملك اليمين ونحوه ، إجماعا ـ بقسميه ـ وتنزيلا للفظ (امرأتك) ونحوه في الأخبار على ارادة من يستحق نكاحه ، كما لا فرق بين كون المرضعة باقية في حبال الزوج أو بانت عنه بطلاق ونحوه. وان طالت المدة ، ما لم تتجاوز عن الحولين ، ان اعتبرناهما في ولد المرضعة ، كما هو قول ، والا فمطلقا وان طالت أحوالا ، مع استمرار اللبن فيها أو على عوده بعد انقطاعه ، لأصالة بقاء اللبن على ما كان يحال عليه ، بل وان تزوجت

__________________

(١) قال الشيخ في الخلاف آخر كتاب الرضاع : «مسألة ، إذا در لبن امرأة من غير ولادة فأرضعت صبيا صغيرا لم ينشر الحرمة ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم». وفي الغنية للسيد أبي المكارم بن زهرة في أخريات كتاب النكاح ، باب الرضاع قوله : «ومن شروط تحريم الرضاع : أن يكون لبن ولادة ، لادر بدليل إجماع الطائفة» وفي السرائر لابن إدريس الحلي أوائل كتاب النكاح : قوله : «ومن شروط تحريم الرضاع : أن يكون لبن ولادة من عقد أو شبهة عقد ، لا لبن در أو لبن نكاح حرام ، بدليل إجماعنا».

١٤٥

بآخر ، ما لم تحمل منه ، سواء زاد أم نقص أم انقطع ثم عاد ، لان اللبن مما قد يزيد وينقص ، ولم يحدث ما يحال عليه ، فهو منسوب إلى الأول بل وان حملت منه ، مع استمرار اللبن وعدم حدوث زيادة فيه ، فهو منسوب إلى الأول أيضا ، للأصل حيث لم يعلم تجدد ناقل عنه ، بل عن (التذكرة) : «لا نعلم فيه خلافا» (١) ، بل وان حدثت فيه زيادة يمكن استنادها إلى الحمل للأصل مع الشك في الاستناد ، خلافا للشافعي في أحد قوليه : ان زاد بعد أربعين يوما فاللبن لهما عملا بالظاهر من أن الزيادة بسبب الحمل الثاني وفي (المسالك) ـ بعد حكايته عنه ـ قال : «وهذا قول موجه على القول بالاكتفاء بالحمل ، وان كان العمل على الأول» (٢).

__________________

(١) في البحث الثالث في اللبن من فصل الرضاع (الثاني) من أقسام مسألة إذا طلق الرجل زوجته أو مات عنها ولها منه لبن هكذا : «الثاني إن تزوجت بأخرى وبقي لبن الأول بحاله لم يزد ولم ينقص ولم تلد من الثاني فهو للأول. سواء حملت من الثاني أم لم تحمل ولم نعلم فيه خلافا لأن اللبن كان للأول ولم يتجدد بما يجعله من الثاني ، فيبقى للأول».

(٢) قال ـ في شرح قول المصنف ـ بعنوان السبب الثاني من أسباب التحريم الرضاع : «ولو طلق الزوج وهي حامل منه» قال : «الرابعة أن يكون بعد الحمل من الثاني وقبل الوضع ، ولكن تجدد في اللبن زيادة يمكن استنادها الى الحمل من الثاني فاللبن للأول أيضا قطع به في (التذكرة) استصحابا لما كان .. ونقل عن الشافعي في ذلك قولين أحدهما مثل قوله والآخر أنه ان زاد بعد أربعين يوما من الحمل للثاني ، فهو لهما عملا بالظاهر من ان الزيادة لسبب الحمل الثاني فيكون اللبن للزوجين وهذا قول ..»

١٤٦

وفيه : ان الظاهر لا يلتفت إليه في مقابل الأصل حتى على القول بالاكتفاء ـ بالحمل ، لان الاكتفاء بالحمل ـ على القول به ـ حيث لا يكون هناك ما هو أقوى منه في الاستناد إليه.

أما ـ لو انقطع اللبن عن الأول انقطاعا بينا ، ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني ، فالمنسوب الى قطع الأصحاب كما في (المسالك) إنه يكون للثاني ، وعلله فيه بأنه لما انقطع ثم عاد كان سببه الحمل فأشبه ما إذا نزل بعد الولادة (١) وهو جيد لانقطاع الأصل بانقطاعه عن الأول وبالحمل من الثاني يمكن استناده إليه والا حالة عليه ، ـ وحينئذ ـ فنشر الحرمة به وعدمه مبني على الخلاف المتقدم في الاكتفاء بالحمل فيه أو اعتبار الولادة.

أما ـ إذا وضعت حملها فاللبن بعد الوضع للثاني خاصة ، وعن (التذكرة) «إجماع الكل عليه ، سواء زاد أم نقص انقطع أم اتصل» (٢) وعلله في (المسالك) بأن لبن الأول انقطع بولادة الثاني فإن حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره (٣) ، وهو حسن وقد عرفت انه لو استمر

__________________

(١) المصدر الآنف الذكر من المسالك الصورة الخامسة من تلك الصور قال : ان ينقطع اللبن عن الأول انقطاعا بينا ثم يعود في وقت يمكن أن يكون للثاني فقد قطع المصنف والأصحاب بأنه يكون للثاني.»

(٢) في المصدر الآنف الذكر من التذكرة قال ـ في الرابع من من الأقسام ـ : «أن تحمل من الثاني وتلد فاللبن بعد الولادة للثاني خاصة ـ بالإجماع ـ قاله كل من يحفظ عند العلم سواء زاد أو لم يزد أو انقطع أو اتصل ، لأن لبن الأول انقطع بولادة الثاني فإن حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره».

(٣) ذكر ذلك في المسألة السادسة من المصدر الآنف الذكر

١٤٧

اللبن الى الوضع من الثاني كان ما قبل الوضع للأول مطلقا ، الا في صورة ما إذا انقطع انقطاعا بينا ثم عاد بعد الحمل الممكن فيه استناده إليه

وأما الثاني ـ (١) فيعتبر في المرتضع : أن يكون سنه دون الحولين ويكفي فيه تمامية رضاعه بتماميتهما ، فلو ارتضع أو وقع المتمم بعدهما لم ينشر إجماعا ـ بقسميه ـ ومنقوله فوق الاستفاضة. ويدل عليه ـ مضافا إليه ـ الحديث المروي بطرق معتبرة «لإرضاع بعد فطام» (٢) وما بمعناه الظاهر بحكم التبادر ، والسياق في إرادة ذلك ، دون ولد المرضعة.

والمراد به سن الفطام لا تحققه ، فلو ارتضع قبلهما بعده أو بعدهما قبله (٣) نشرت الحرمة في الأول ، ولم تنشر في الثاني ، بلا خلاف أجده فيهما ، الا ما يحكى عن ظاهر ابن أبي عقيل في الأول (٤) ، وعن صريح

__________________

وهذا التعليل ليس للمسالك ، وانما هو للتذكرة ـ كما مر عليك ـ وانما نقله المسالك عن التذكرة حرفيا بلا إشارة إلى قائله فيتصور سيدنا الماتن ـ قدس سره ـ أنه للمسالك فنسبه إليه.

(١) أي من شروط نشر الحرمة في الرضاع ، وهي أنواع ثلاثة كما مر آنفا ، وقد سبق الحديث عن شروط النوع الأول منه (المرضعة) والثاني في شروط المرتضع.

(٢) يراجع من نكاح الوسائل باب ١٥ من أبواب الرضاع ، أنه يشترط في نشر الحرمة بالرضاع كونه في الحولين ففيه روايات كثيرة بهذا النص وبمضمونه.

(٣) أي قبل الحولين بعد الفطام ، أو بعد الحولين قبل الفطام.

(٤) هو الحسن بن علي بن أبي عقيل أبو محمد العماني الحذّاء ، من أعلام القرن الرابع الهجري ومن أساتذة الشيخ المفيد ـ قدس سرهما.

١٤٨

الإسكافي في الثاني (١) ونفى عنه البعد في (الكفاية) (١) جمودا منهما على لفظ الفطام ، الظاهر في فعليته وتحققه ، الا انه من المعلوم ارادة استحقاق الفطام المتحقق بكمال الحولين منه ، ولو بمعونة فهم الأصحاب وتفسيره في خبر حماد بن عثمان : «قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لإرضاع بعد فطام قال قلت : جعلت فداك ، وما الفطام؟ قال : الحولان اللذان قال : الله عز وجل» (٢). نعم يوافق قول الإسكافي خبر داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام «الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم يحرم» (٣) الا انه مرمي في (التهذيب) بالشذوذ ، وموهون بإعراض الأصحاب عنه ، ولذا حمله في (الاستبصار) على التقية.

وهل : يعتبر الحولان في ولد المرضعة أيضا ، بمعنى اعتبارهما من ولادتها ، أم لا؟ قولان : المشهور على الثاني ، وهو الأحوط ، بل الأقوى لإطلاقات أدلة الرضاع ، المتيقن تقييدها باعتبارهما في المرتضع ، خلافا لما عن التقي وابني زهرة ، وحمزة ، فذهبوا إلى الأول ، وعن الغنية الإجماع عليه ، مستندين في ذلك الى إطلاق أو عموم حديث «لإرضاع بعد فطام» وإلى تفسير ابن بكير فيما ورد من سؤال ابن فضال منه في المسجد : «فقال له : ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية

__________________

(١) هو محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي المتوفى في الري سنة ٣٨١ ه‍. وهو ومعاصره ابن أبي عقيل من قدماء الإمامية وأعاظم الطائفة. وكثيرا ما كانا يخالفان فقهاء الإمامية في فتواهم وآرائهم.

(٢) في كتاب النكاح ، البحث الثاني في شروط الرضاع.

(٣) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث رقم (٥).

(٤) المصدر المذكور حديث رقم (٧).

١٤٩

لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان : يفسد ذلك بينهما؟ قال : لا يفسد ذلك بينهما لأنه رضاع بعد فطام وانما قال رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله (لا رضاع بعد فطام) أي انه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية ، فقد خرج من حد اللبن ولا يفسد بينه وبين من شرب لبنه» (١).

وعليه فلا تنشر الحرمة لو بلغه أحدهما فضلا عنهما ، وانما تنشر فيما لو وقع الرضاع في الحولين من سن المرتضع وولد المرضعة معا.

وفيه : أن المورد ليس من المطلق أو العام حتى يتمسك بإطلاقه أو عمومه ، وان توهم ذلك من ورود النكرة في سياق للنفي ، بعد أن كان أمر الفطام دائرا بين اعتباره في المرتضع أو في ولد المرضعة ، بحيث لو تساوى الاحتمالان لكان مجملا لا عاما ، لأن النكرة المنفية هي لفظ الرضاع ، دون الفطام ، وعموم (لإرضاع) يتبع سعة المتعلق ، وتفسير ابن بكير ـ مع أنه اجتهاد منه لا رواية معارض بما عن (الفقيه) في تفسيره : ان معناه إذا رضع الصبي حولين كاملين ثم شرب بعد ذلك من لبن امرأة أخرى ما شرب لم يحرم ذلك الرضاع ، لأنه رضاع بعد فطام أي بعد بلوغ سن الفطام ، وان احتمل عدم المنافاة بين التفسيرين ، لاحتمال أنه ذكر بعد الإفراد في مقابلة العامة الذين يحرمون برضاع الكبير ، وإجماع (الغنية) موهون بما عرفت ، فالأقوى ما عليه الأشهر ، بل المشهور

وأما الثالث : وهو ما يعتبر في الرضاع فأمور.

منها ـ أن يكون الرضاع بلبن واحد وهو معتبر بوجهين :

(الأول) : اعتباره في القدر المحرم من الرضعات ، وهو معتبر فيه على حد سائر الشرائط المعتبرة في أصل التأثير ، بحيث لو تعدد الفحل فيه لم ينشر الحرمة مطلقا حتى بين الرضيع والمرضعة ، واعتباره

__________________

(١) المصدر المذكور ، حديث رقم (٦).

١٥٠

بهذا الوجه موضع وفاق. الا ممن يكتفي في التحريم بمسمى الرضاع أو الرضعة الواحدة ، وهو قول متروك ـ كما سيأتي ـ وتصويره كما قيل ـ إذا أرضعته امرأة بعض الرضعات بلبن فحل ثم تزوجت بآخر بعد مفارقتها الأول وأرضعته تتمة الكمية المعتبرة بلبن الثاني مع عدم تخلل المنافي برضاع أجنبي في المدة الواقعة بين الرضاعين مع فرض تغذيته بالمأكول في تلك المدة فإن الرضاع ـ حينئذ ـ لا تأثير له في التحريم أصلا ، بل يعتبر في تأثير الرضاع اتحاد الفحل والمرضعة معا في الكمية المعتبرة بلا خلاف فيه.

الثاني : هل يعتبر اتحاد الفحل أيضا ، في نشر الحرمة بين المرتضعين أم يكفي فيه اتحاد المرضعة ، وان تعدد الفحل؟ قولان :

الأقوى كما عليه المشهور شهرة عظيمة : هو الأول ، بل حكاية الإجماع عليه مستفيضة ـ كما عن المبسوط والسرائر والتذكرة وغيرها ـ فلو أرضعت واحدة تمام الرضعات المعتبرة بلبن فحل ثم أرضعت بعد ذلك آخر أو أخرى بلبن فحل آخر كذلك ، لم تنشر الحرمة بين المرتضعين وان نشرت بين كل منهما والمرضعة وصاحب لبنه.

ويدل عليه ـ مضافا الى الإجماعات المعتضدة بالشهرة المحصلة فضلا عن المستفيضة ـ صحيحة العجلي أو حسنته قال : «سألت أبا جعفر (ع) ـ إلى أن قال ـ فسر لي ذلك أي : يحرم من الرضاع. إلخ ، فقال :

كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله ، وكل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام ، فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وانما هو من نسب ناحية الصهر رضاع ولا يحرم شيئا ، وليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة

١٥١

فيحرم» (١) وصحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام فهل يحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : ان كان المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ، فلا يحل ، وان كان المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك» (٢) وموثقة عمار الساباطي : «انه سئل الصادق عليه السلام ، عن غلام رضع من امرأة أيحل له ان يتزوج أختها لأبيها من الرضاعة؟ قال فقال : لا ، فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة؟ قال قلت : يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ قال فقال : لا بأس بذلك ، ان أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس» (٣) مؤيدا ذلك بالعلة المستفادة من المعتبرة المستفيضة في نشر الحرمة مع اتحاد الفحل ، وان تعددت المرضعة ، وهي كون اللبن للفحل وان اتحاده هو المناط فيه.

خلافا للطبرسي فذهب الى الثاني (٤) وتبعه عليه (الفيض) في محكي مفاتيحه. وليس لهما دليل على ذلك إلا إطلاقات الرضاع ، وعموم حديث «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» الذي يجب الخروج عنها بتلك الأدلة المعتبرة الدالة على شرطية اتحاد الفحل في ذلك ، ورواية محمد ابن عبيدة الهمداني : «قال : قال الرضا عليه السلام : ما يقول أصحابك

__________________

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث رقم (١) والمراد بالعجلي : هو بريد العجلي.

(٢) نفس المصدر المذكور ، حديث رقم (٣).

(٣) نفس المصدر الآنف الذكر حديث رقم (٢).

(٤) اي عدم اشتراط اتحاد الفحل بل يكفي اتحاد المرضعة في التحريم.

١٥٢

في الرضاع؟ قال قلت : كانوا يقولون : اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك : انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، فرجعوا الى قولك ، قال فقال لي : وذلك لان أمير المؤمنين سألني عنها البارحة فقال لي : أشرح لي اللبن للفحل ، وأنا أكره الكلام ، فقال لي : كما أنت حتى أسألك عنها : ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا أليس كل شي‌ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرما على ذلك الغلام؟ قال قلت بلى ، قال فقال أبو الحسن عليه السلام : فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل ولا يحرم من قبل الأمهات وانما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات وان كان لبن الفحل أيضا يحرّم» (١) التي لا تقاوم تلك الأدلة لإعراض الأصحاب عنها ، وموافقتها لمذهب العامة ، فهي محمولة على التقية ، حيث كان مذهبهم الفتوى بذلك ، على ما حكاه في (السرائر) حيث قال : «ان كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع ، فهي أخته لأمه عند المخالفين من العامة لا يجوز له أن يتزوجها وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم : يحل له تزويجها لان الفحل غير الأب وبهذا فسروا قول الأئمة عليهم السلام في ظاهر النصوص وألفاظها المتواترة : أن اللبن للفحل ، يريدون : لبن فحل واحد» (٢) انتهى.

فاذا ما عليه المشهور هو الأقوى ، وان كان الاحتياط لا ينبغي تركه إذ لو لا لزوم تنزيل الأخبار على الفرض النادر ، بل الأندر ، لأمكن حملها

__________________

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث رقم (٩).

(٢) كتاب النكاح ، باب الرضاع ومقدار ما يحرم من ذلك وتتمة العبارة. واما إذا كان فحلان ولبنان فلا يحرم».

١٥٣

على اعتبار اتحاد الفحل في القدر المحرم ، كما يشم ذلك من خبر (العجلي) المشعر باعتباره في أصل النشر وللتأثير. ومن التقييد بوحدة المرضعة في الخبرين الأخيرين مع عدم اعتبار وحدتها إلا في ذلك اتفاقا.

هذا وما أبعد ـ كما قيل ـ بين قول الطبرسي المكتفي في التحريم بواحدة المرضعة مطلقا حتى بين المرتضعين ، وبين قول العلامة في القواعد من اعتبار اتحاد الفحل مطلقا ، حتى في غيرهما حيث قال : «العاشر لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع ولا أختها منه ، ولا عمتها منه. ولا خالتها ولا بنات أختها ، ولا بنات أخيها ، وان حرمن بالنسب لعدم اتحاد الفحل» (١) انتهى.

وأغرب منه موافقة الشارع له في (جامع المقاصد) (٢) ، حيث التفت إلى جهة الاشكال ، وأجاب بما يكون ردا على نفسه حيث قال في شرحه : «أطبق الأصحاب على أن حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلا إذا كان اللبن لفحل واحد ، وقد حققنا هذا فيما تقدم وأوردنا النص

__________________

(١) كتاب النكاح ، المطلب الثالث في أحكام الرضاع فروع (ي) وهو رمز العاشر.

(٢) للمحقق الكركي ـ قدس سره وهو نور الدين علي بن عبد العالي الكركي العاملي الملقب بالمحقق الثاني ، له كتب ومؤلفات فقهية وغير فقهية كثيرة ، وأهم كتبه الفقهية شرح قواعد العلامة في ست مجلدات المسمى ب (جامع المقاصد) طبع منها ثلاثة ، وبقي الآخر مخطوطا ، توفي يوم الغدير ١٨ ذي الحجة من سنة ٩٤٠ ه‍. على الأصح ـ وكانت وفاته في النجف الأشرف ودفن فيها.

والعبارة الآتية مذكورة في مسائل الرضاع ضمن كتاب النكاح منه وهي (١٢ مسألة) وهذه المسألة شرح العاشرة منها.

١٥٤

الوارد بذلك وحكينا خلاف الطبرسي ، فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الأم على الصبي لأن نسبتها اليه بالجدودة انما يتحصل من رضاعه من مرضعته ورضاع مرضعته منها ، ومعلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد ، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع والأم المذكورة لانتفاء الشرط فينتفي التحريم. ومن هذا يعلم ، أن أختها من الرضاع وعمتها منه وخالتها منه لا يحرمن ، وان حرمن بالنسب ، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل ، ولو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاعة ولا أخوها منه ولا عمها منه ، ولا خالها منه ، لمثل ما قلناه ، فان قيل : عموم قوله عليه السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» يقتضي التحريم هنا ، وأيضا فإنهم قد أطلقوا على مرضعة المرضعة أنها أم ، وعلى المرتضعة بلبن أبي المرتضع : أنها أخت ، فتكون الأولى جدة ، والثانية خالة ، فيندرجان في عموم التحريم للجدة والخالة ، وكذا البواقي ، قلنا : الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص ، فلا حجة في العام ـ حينئذ ـ وأما الإطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط ، فإنهم أطلقوا على المرتضع أنه ابن للمرضعة ، وعلى المرتضعة منها بلبن فحل آخر : انها بنت لها أيضا ، ولم يحكموا بالاخوة المثمرة للتحريم بين البنت والابن لعدم اتحاد الفحل» انتهى.

وأنت خبير بما فيه ، لأن الأخبار الخاصة المخصصة لعموم حديث «يحرم من الرضاع» ونحوه التي عمدتها صحيحة الحلبي ، وموثقة عمار (١)

__________________

(١) أما صحيحة الحلبي فهي «قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له ان يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل وان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين

١٥٥

قد صرحتا بتحريم أخت المرضعة على المرتضع إذا ارتضعتا من لبن فحل واحد ، ومن المعلوم أن لبن ارتضاع المرضعة مغاير للبن المرتضع منها بالفحولة. وبالجملة : فشرط اتحاد الفحل بهذا الوجه بناء على اعتباره لم يعتبر إلا في تحقق عنوان الاخوة بين المرتضعين دون غيره من العناوين.

ومنها ـ (١) الكمية ، وهي معتبرة عندنا ، إذ لا يكفي مسمى الرضاع في نشر الحرمة ، بل ولا الرضعة الواحدة ، وان كانت كاملة بأن يمتلى‌ء بطن الصبي ويتضلع ، خلافا لمعظم أهل الخلاف في الأول ، فاكتفوا في النشر بمسماه ، وان قل ، كأبي حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري والبلخي والليث بن سعد ـ على ما حكي عنهم ـ بل عن الأخير دعوى إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم ، راوين الفتوى بذلك عن علي عليه السلام ، وابن عباس وابن عمر ، مستندين إلى إطلاقات أدلة الرضاع من الكتاب والسنة.

وعن الشيخ في (التبيان) والحلي في (السرائر) حكاية ذلك عن

__________________

فلا بأس بذلك» وأما موثقة عمار الساباطي التي سميت بالموثقة لأجله من حيث كونه فطحيا فهي : «قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة ، أيحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟

فقال : لا ، فقد رضعا جميعا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة.

قال : فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟ قال. فقال : لا بأس بذلك إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام ، فاختلف الفحلان ، فلا بأس» كلاهما في الوسائل باب ٦ من أبواب الرضاع المحرم.

(١) أي : من شروط الرضاع المحرم ، عطفا على قوله الآنف الذكر : وأما الثالث ـ وهو ما يعتبر في الرضاع ـ فأمور : منها ـ أن يكون الرضاع بلبن فحل واحد .. إلخ.

١٥٦

بعض أصحابنا ، ولم نعثر على القول به منا إلا ما يحكى عن المصري في (دعائم الإسلام) (١) انه روى عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه قال : «يحرم من الرضاع كبيره وقليله حتى المصة الواحدة» ثم قال : وهذا قول بين صوابه لمن تدبره وقوله عليه السلام «لان الله تعالى يقول «وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» والرضاع على القليل والكثير. ويوافقه مكاتبة علي بن مهزيار لأبي الحسن عليه السلام : «يسأله عما يحرم من الرضاع؟ فكتب إليه قليله وكثيره حرام» (١).

وللإسكافي منافي الثاني ـ فيما حكى عنه ـ أنه قال : «قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعا في قدر الرضاع المحرم ، الا ان الذي أوجبه الفقه عندي واحتياط المرء لنفسه : أنه كلما وقع عليه اسم رضعة وهي ملأه بطن الصبي أما بالمص أو الوجور محرم للنكاح».

ولعله نظرا منه الى ما ورد في الضعيف ـ برجال العامة والزيدية ـ «عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام : انه قال : الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا» (٢) والقوي : «الرضاع الذي

__________________

(١) هو النعمان بن محمد بن منصور قاضي مصر ، كان في بدء حياته مالكيا ثم استبصر ، ويعرف بالقاضي النعمان أبي حنيفة الشيعي تميزا له عن أبي حنيفة المشهور. ولد ـ على الأصح ـ سنة ٢٥٩ ه‍. وتوفي في مصر سنة ٣٦٣ ه‍ ، وصلى عليه المعز لدين الله ، ودفن هناك ـ له ترجمة ضافية في تحقيقاتنا على الجزء الرابع من (رجال السيد بحر العلوم).

(١) الوسائل ، كتاب النكاح باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (١٠).

(٢) المصدر نفسه حديث (١٢).

١٥٧

ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يمتلى‌ء ويتضلع» (١) والحسن المضمر : «سألته عما يحرم من الرضاع قال إذا رضع حتى تمتلئ بطنه فان ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم» (٢).

الا ان الجميع كما ترى ، إذ المطلقات ـ على تقدير كونها مسرقة لبيان ذلك ـ يجب تقييدها بما دل على اعتبارات التقديرات الآتية في التحريم ، والروايات المتقدمة ـ مع ضعف سندها ، وعدم العمل بها ، واحتمال بعضها لبيان كمية الرضعة المحتسبة بالتقدير بالعدد ـ لا تقاوم النصوص المستفيضة. بل المتواترة معنى على اعتبار التقدير لما لا يكون ذلك منه ـ كما ستعرف ـ بل وصريح بعضها عدم الاكتفاء بالرضعة أو الرضعتين المعتضدة بالإجماعات المحكية عن (الخلاف) (ونهج الحق) ومواضع من التذكرة.

ثم ان الكمية المعتبرة عندنا لها تقديرات ثلاثة : بحسب الأثر والزمان والعدد.

أما الأول ، فهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم. ويدل عليه ـ مضافا إلى الإجماعات المستفيضة المحكية عن التذكرة والإيضاح والمسالك وتلخيص الخلاف وغيرها المعتضدة بنفي الخلاف عنه في كلام جماعة ـ ما استفاض عن الصادق عليه السلام : من التحديد بذلك في الصحيح : «ما يحرم من الرضاع ، الا ما أنبت اللحم وشد العظم» (٣) والصحيح : «قلت :

__________________

(١) المصدر نفسه باب ٤ حديث (٢) وآخره هكذا : «حتى يتضلع ويمتلى‌ء وينتهي بنفسه» وهو مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٢) المصدر نفسه باب ٤ حديث (١) عن ابن أبي يعفور.

(٣) باب ٢ من أبواب ما يحرم من الرضاع من نكاح الوسائل حديث (١٤).

١٥٨

فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال ما أنبت اللحم والدم» (١) وصحيحة علي بن رئاب قال قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال ما أنبت اللحم وشد العظم ، قلت فيحرم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنه لا ينبت اللحم ولا يشد العظم عشر رضعات» (٢) والحسن : «لا يحرم من الرضاع الا ما أنبت اللحم والدم» (٣) ومرسلة ابن أبي عمير التي هي بحكم الصحيحة : «والرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتضلع ويتملأ وينتهي من نفسه» (٤).

والخبر : «قلت له يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاث؟ فقال : لا الا ما اشتد عليه العظم وأنبت اللحم» (٥).

وخبر هارون بن مسلم : «عن أبي عبد الله عليه السلام : «لا يحرم من الرضاع الا ما شد العظم وأنبت اللحم ، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث ـ حتى بلغ عشرا ـ إذا كن متفرقات فلا بأس» (٦) وخبر عبيد ابن زرارة : «عن أبي عبد الله عليه السلام : سألته عن الرضاع ما أدنى

__________________

(١) بهذا المضمون تقريبا باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (٢).

(٢) باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع من نكاح الوسائل حديث رقم (٢) الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام.

(٣) المصدر نفسه باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (١) وهي حسنة حماد بن عثمان عنه عليه السلام.

(٤) المصدر نفسه باب ٤ حديث (٢).

(٥) المصدر نفسه باب ٢ حديث (٢٣) الحديث عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام.

(٦) المصدر نفسه باب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث (١٩).

١٥٩

ما يحرم منه؟ قال : ما أنبت اللحم والدم ، ثم قال : ترى واحدة ينبته؟ فقال : لا ، فقلت : اثنتان ـ أصلحك الله ـ؟ فقال : لا ، قال : فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات» (١) بناء على مخالفة الجواب بما بعد (حتى) لما قبلها ، وخبره الآخر عنه أيضا : «في حديث إلى أن قال ـ : فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال ما أنبت اللحم والدم فقلت : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال كان يقال عشر رضعات ، قلت : فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال : دع ذا ، ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع» (٢).

إلى غير ذلك من النصوص ، ولا يضر اشتمال بعضها على الدم يدل العظم ، سيما بناء على إرادة الغريزي منه وهو الذي ينسب إليه الإنبات لا الذي يستحيل اليه الغذاء في الكبد قبل الانتشار منه الى الأعضاء ـ كما في كشف اللثام ، (٣) ولا الاقتصار في بعضها على ما أنبت اللحم ، سيما بناء على الملازمة بينه وبين ما يشد العظم ، أو تخصيصه بما دل على شد العظم أيضا ان اعتبرنا التأثير فيهما ـ كما هو الأقوى ـ لكونه مقتضى الجمع بين النصوص

__________________

(١) المصدر نفسه ، باب ٢ حديث (٢١).

(٢) المصدر نفسه ، حديث (١٨). وهي صحيحة عبيدة ،

(٣) هذه نص عبارة (كشف اللثام في شرح قواعد الأحكام) للشيخ بهاء الدين محمد بن الحسن بن محمد الأصبهاني المشهور بالفاضل الهندي المتوفى في أصبهان سنة ١١٣٧ ه‍. والمدفون فيها. وقد وردت في بيان كمية الرضعة المحرمة التي تقدر بواحدة من ثلاث : إما العدد أو إنبات اللحم أو اشتداد العظم. وأول الجملة هكذا ـ بعد استعراض روايات الباب ـ : «والمراد بالدم فيهما ـ أي في حسنة حماد وصحيحة عبيدة ـ الغريزي ، وهو الذي ينسب إليه الإنبات ..»

١٦٠