بلغة الفقيّة - ج ٣

السيّد محمّد آل بحر العلوم

بلغة الفقيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد آل بحر العلوم


المحقق: السيّد حسين بن السيّد محمّد تقي آل بحر العلوم
الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات مكتبة الصّادق
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

وفي (المقابيس للشيخ أسد الله التستري) بعد حكاية القولين عن الأصحاب قال : «والمعتمد الأول وهو أنها من الثلث» (١).

وفي التنقيح بعد ذكر أدلة الثلث ، قال : «والفتوى على هذا» (٢).

وهو مختار الفاضل الجواد في (شرح اللمعتين) (٣) وشيخنا في (الجواهر) (٤) وجدنا في رسالة مستقلة ، وان عدل عنه الى الأصل في الرياض (٥).

هذا ما وسعنا من نقل عباراتهم ، والإنصاف أن القولين متكافئان

__________________

والكتاب من نفائس المخطوطات.

(١) راجع : ذلك في كتاب الوصية منه بعنوان (مقباس ، اختلف الأصحاب في منجزات المريض).

(٢) التنقيح الرائع من مختصر النافع ، شرح مفصل للمختصر في مجلدين ضخمين ، تأليف الفاضل المقداد السيوري من أعلام القرن التاسع الهجري ، والكتاب لا يزال من نوادر المخطوطات.

(٣) أشرنا في تعليق ص ١٢٤ من الجزء الأول من البلغة : أنه يحتمل أن يريد المصنف : شرح اللمعة المسمى بالأنوار الغروية للفاضل الشيخ محمد جواد بن الشيخ محمد تقي بن الشيخ محمد الأحمدي ، الشهير بملا كتاب وهو من نفائس المخطوطات.

(٤) قال ـ في كتاب الحجر : والسادس ـ المريض ، وهو ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث ـ كالصحيح ـ إجماعا محصلا ومحكيا مستفيضا أو متواترا .. الى آخر عبارة المتن والشرح ويقول بعد ذلك : وفي منعه من التبرعات المنجزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا ـ الى قوله ـ :

ولكن مع ذلك كله فالوجه المنع من التبرع بالزائد فلا ينفذ على الورثة إلا مع إجازتهم

(٥) قال السيد الطباطبائي في كتاب الرياض (ج ٢ كتاب الوصايا) متنا

٤١

في المعروفية بين الأصحاب ، والظاهر ـ تحقق الشهرة على الأصل بين القدماء ، وعلى الثلث بين المتأخرين. وأما عند متأخري المتأخرين ، ولا سيما بين المعاصرين فلا استبعد انقلاب الشهرة الى ما عليه أكثر القدماء.

وكيف كان يدل على النفوذ من الأصل بعد الأصل (١) وعمومات

__________________

وشرحا : «الثامنة ـ تصرفات المريض إذا كانت مشروطة بالوفاة ، ويعبر عنها بالوصية ، فهي من الثلث مع عدم اجازة الورثة .. وان كانت منجزة غير معلقة عليها .. فقولان ، أشبههما وأشهرهما بين المتأخرين أنها نخرج من الثلث .. إلى قوله : والحلي والمرتضى وابن زهرة أخرجوه من الأصل ، وهو المشهور بين القدماء ظاهرا ، بل لعله لا شبهة فيه جدا ـ الى قوله ـ والمسألة محل اشكال وريبة لاختلاف النصوص وقبول جل منها التأويل مما يؤول إلى الآخر مع غموض المرجحات وتعارض الوجوه الاعتبارية من الطرفين ، الا أن الترجيح للأخبار الأخيرة (أي أخبار الأصل) ـ إلى قوله ـ : ولقد كتبت في المسألة رسالة منفردة رجحت فيها خلاف ما هنا (أي الثلث) لغفلتي عن الشهرة القديمة ، فالمصير الى القول الثاني أقوى ثم أقوى».

وسبب تعبير سيدنا صاحب المتن ـ عن صاحب الرياض ب (جدنا) باعتبار أن السيد مير علي الطباطبائي ـ رحمه الله ـ صاحب الرياض أبو أمه ، فهو جده لأمه.

(١) المراد من الأصل هنا : الاستصحاب التنجيزي ، وهو استصحاب السلطنة على ماله التي كانت له قبل المرض الى ما بعده التي من آثارها نفوذ تصرفاته من الأصل. وأما جريان الاستصحاب التعليقي بأن يقال :

كان بحيث لو تصرف نفذ تصرفه من الأصل فيستصحب ، فمبني على كون المستصحب حكما شرعيا وهو فرع كون الملازمة الثابتة بين التصرف والنفوذ من الأصل حكما للشّارع مجعولا منه للمالك من حيث هو مالك ، لا أمرا

٤٢

سلطنة الناس على أموالهم ، وإجماعي الانتصار والغنية المعتضدين بذلك وبالشهرة المحكية ، بل المحققة بين القدماء ـ : الأخبار الخاصة التي منها.

موثقة عمار المروية في الكتب الأربعة : «عن ابن أبي عمير عن مرازم عن عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : الميت أحق بماله ما دام فيه الروح ، يبين به ، فان قال بعدي فليس له الا الثلث» غير أن في (الفقيه) وما حضرني من نسختي الكافي مكان فان قال بعدي (فإن تعدى) (١) وعليه فمعناه التعدي من زمن الحياة الى ما بعد الموت ، فيكون موافقا لما في (التهذيبين) (٢) في المعنى لا بمعنى التعدي عن الثلث

__________________

اعتباريا ينتزعه العقل من الموضوع فيحكم به فكم من فرق واضح بين قولنا : عصير العنب إذا غلا كان حكمه كذا ، وقولنا : العصير المغلي حكمه كذا ، فيجري الاستصحاب التعليقي في الأول لكون الملازمة بين الغليان والتنجس مثلا ثابتة شرعا مجعولة منه للعصير بما هو عصير ، وان كان تنجزه بالغليان ، ولا يجري في الثاني ، إذ لا حكم للعصير شرعا مطلقا قبل الغليان. وفي المقام يحتمل كون النفوذ حكما للتصرف بأن يكون موضوعه المالك للتصرف لا المالك إذا تصرف كان حكمه النفوذ ، وعليه فلا يجري الاستصحاب التعليقي أيضا ، إذ لا حكم للشارع مطلقا قبل التصرف ، وان أريد كون النفوذ من آثار السلطنة المجعولة للمالك فهو من الاستصحاب التنجيزي لا التعليقي فافهم (منه قدس سره).

(١) راجع : الكافي الكليني ، كتاب الوصايا ، باب أن صاحب المال أحق بما له ما دام حيا ، حديث رقم (٧) ولم نجد نص الحديث بسنده المذكور في كتاب الفقيه للصدوق (ج ٤ ص ١٤٩) طبع النجف باب ٩٧ في أن الإنسان أحق بماله ..

(٢) لعله يريد بالتهذيبين : كتابي الشيخ الطوسي في الأخبار (التهذيب

٤٣

الى ما يزيد عليه ، كما احتمله في (الجواهر) لعدم تقدم ذكر الثلث قبله حتى يوافق التعدي عنه الى ما زاد عليه.

ومنها في (الكافي) بالسند المتقدم مروي هكذا : «قال قلت ، الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به ، قال نعم فإن أوصى به فليس له الا الثلث» (١) والظاهر أنها رواية مستقلة ، وهي موافقة لما في (التهذيبين) ومؤيدة لما احتملناه من (التعدي) في بعض نسخ الكافي ، ودلالتهما على النفوذ من الأصل بمكان من الظهور.

ومنها موثقته الثالثة في (التهذيب ، والاستبصار) : «عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه؟ فقال :

إذا أبانه جاز» (٢) وظاهر السؤال يعطي كون المرض مرض الموت ، لأنه مظنة المنع عن التصرف فيه فيما زاد على الثلث ، والنفوذ منه إذا كان بقدره فما دون كما عليه العامة ، فناسب السؤال عنه من الامام.

__________________

والاستبصار) والتثنية باسم أحدهما للتغليب كالحسنين والقمرين لأهمية كتاب التهذيب وشهرته راجع من التهذيب : (باب ١٠ الرجوع في الوصية ، حديث رقم (٧٥٦) ج ٩ ص ١٨٨ طبع النجف ، وفيه جملة (فإن قال بعدي) كما في المتن. وهكذا يوجد في الاستبصار (ج ٤ ص ١٢٢). طبع النجف ، حديث رقم (٤٦٣).

(١) لم نجد في الكافي بهذا الباب المذكور والسند المزبور الا تلك ـ الرواية الآنفة الذكر ـ فالظاهر أن الرواية واحدة ـ في المقامين ـ لا اثنتان ، والله العالم

(٢) راجع ـ من التهذيب ـ : (ج ٩ ص ١٩٠ طبع النجف) حديث رقم (٨٦٤) باب الرجوع في الوصية ، ومن الاستبصار :

٤٤

ومنها موثقته الرابعة المروية في (الكتب الأربعة) : «عنه عليه السلام قال : الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح ان أوصى به كله فهو جائز له» (١) واشتمالها على ما لا نقول به : من نفوذ الوصية بكل ماله لا يضر في الاستدلال بصدرها على المطلوب ، فلتحمل الوصية فيها على التنجيز أو غيره من المحامل ـ كما قيل ـ وان كان يحتمل غير بعيد ـ عندي إرادة أن الرجل أحق بماله في تعيين وصيته فيما شاء من أعيان ماله كله ، إذ له تعيين ذلك ، وعليه فلا دلالة في الرواية على المنجزات بالكلية لا من الأصل ولا من الثلث.

ومنها موثقته الخامسة في (التهذيب والفقيه والكافي) : «عنه عليه السلام قال : صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي‌ء من الروح ، يضعه حيث شاء» (٢). ومنها في (الكافي والتهذيب والاستبصار) «عن أبي بصير

__________________

ج ٤ ص ١٢٠ طبع النجف باب ٧٤ أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث) حديث رقم (١١).

(١) راجع من التهذيب : (باب ١٠ الرجوع في الوصية حديث رقم (٧٥٣) ج ٩ طبع النجف بسنده عن عمار الساباطي ، ومن الاستبصار (ج ٤ ص ١٢١ طبع النجف) باب ٧٤ لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث حديث رقم (٩). ومن الكافي للكليني ج ٧ ص ٧ طبع الجديد طهران باب أن صاحب المال أحق بماله ، حديث رقم ٢ بنفس السند. ومن كتاب (من لا يحضره الفقيه للصدوق) ج ٤ ص ١٥٠ طبع النجف ، باب ٩٧ أن الإنسان أحق بماله ، بنفس السند.

(٢) راجع من التهذيب : ج ٩ ص ١٨٦ طبع النجف باب ١٠ حديث رقم (١) ، ومن الفقيه (ج ٤ ص ١٤٩ طبع النجف) باب ٩٧ حديث رقم (١) ، ومن الكافي (ج ٧ ص ٧ باب أن صاحب المال أحق بماله)

٤٥

عنه عليه السلام : «قال قلت له : الرجل له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ فقال : هو ماله يصنع به ما شاء الى أن يأتيه الموت ، أن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا ان شاء وهبه وان شاء تصدق به وإن شاء تركه الى أن يأتيه الموت ، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث ، إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته» (١)

ومنها خبر سماعة في (الكافي والتهذيب) : «قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام : الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : هو ماله يصنع به ما شاء الى أن يأتيه الموت» (٢).

ومنها حسنة أبي شعيب المحاملي في (التهذيب والكافي) : «عنه عليه السلام قال : الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه» (٣).

ومنها صحيح صفوان الذي أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه في (الكافي) : «عن مرازم عن بعض أصحابنا عنه عليه السلام في الرجل

__________________

حديث رقم (١).

(١) راجع من الكافي : (باب ان صاحب المال أحق بماله حديث رقم ١٠) ، ومن التهذيب : باب الرجوع في الوصية حديث رقم ٨ ج ٩ ص ١٨٨ طبع النجف. ومن الاستبصار : باب أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث ، حديث رقم (١٢).

(٢) راجع من الكافي : كتاب الوصايا ، باب أن صاحب المال أحق بماله ، حديث رقم (٥) ومن التهذيب ، كتاب الوصايا باب ١٠ الرجوع في الوصية ، حديث رقم (٢) تسلسل (٧٤٩).

(٣) راجع من التهذيب : كتاب الوصايا ، باب ١٠ الرجوع في الوصية ، حديث رقم (٤) تسلسل (٧٥١) ، ومن الكافي : كتاب الوصايا ، باب أن صاحب المال أحق بماله ، حديث رقم (٥) طبع طهران

٤٦

يعطي الشي‌ء من ماله في مرضه؟ فقال : إذا أبان به فهو جائز وان أوصى به فهو من الثلث» (١).

ومنها مرسلة الكليني في (الكافي) عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم : «أنه أعاب رجلا من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم فقال :

تركت صبية صغارا يتكففون الناس» (٢). والاعابة مستلزمة للنفوذ من الأصل لأنه الموجب لحرمان الصبية الصغار.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم في (الكافي والاستبصار) : «عنه عليه السلام قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكه وأوصى بوصية وكان أكثر من الثلث؟ قال : يمضي عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي» (٣) بناء على أن تقديم العتق لنفوذه من الأصل ، وإلا فينبغي تقديم ما هو مقدم في الذكر ، والنقصان فيما بقي من المسؤول عنه ، وهو الوصية لكونها أكثر من الثلث ، لا كون مجموع العتق والوصية أكثر من الثلث حتى يكون دليلا على نفوذه من الثلث.

ومنها مرسلة ابن أبي عمير في (الكافي) : «عنه عليه السلام في رجل أوصى بأكثر من الثلث وأعتق مملوكه في مرضه؟ فقال : إن كان

__________________

(١) راجع من الكافي : كتاب الوصايا ، باب أن صاحب المال أحق بماله ، حديث رقم (٦) ، طبع طهران الحديث.

(٢) راجع من الكافي : المصدر الآنف الذكر ، آخر حديث رقم ١٠ : ج ٧ ص ٩ طبع طهران الحديث.

(٣) راجع من الكافي : المصدر الآنف الذكر ، باب من أوصى بعتق أو صدقة ، حديث رقم (٤) ومن الاستبصار : ج ٤ ص ١٢٠ ، طبع النجف ، حديث تسلسل (٤٥٤).

٤٧

أكثر من الثلث ، رد إلى الثلث ، وجاز العتق» (١) بإرادة جوازه من الأصل لا من الثلث بالتقريب المتقدم.

وبالجملة فالإنصاف : أن هذه الروايات وافية الظهور في الدلالة على النفوذ من الأصل ، سيما ما كان فيها مقابلا للوصية النافذة من الثلث.

وأما ما أستدل به على النفوذ من الثلث فأخبار : بعضها لا ظهور فيه على المدعى ، بل على خلافه أظهر ، وبعضها ـ مع ضعف السند ـ متضمن لما لا يلتزم به أحد ، وبعضها ـ لو سلم ظهوره ـ فمع معارضته لما هو أقوى منه دلالة لا تكافئ ما تقدم من أدلة الأصل.

فمن الأول ـ أخبار : منها. النبوي : «ان الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم في آخر أعماركم زيادة في أعمالكم» (٢).

وفيه أنها ظاهرة في إرادة بقاء مقدار مما ينتقل عنه إلى غيره بالموت لينتفع به بالوصية بعد الموت وهو المناسب للصدقة ، دون التصدق ببعض ما كان كله له ، كيف وهو من حرمانه من أكثر ماله حين ما يملكه.

ومنها ما عن (البحار) : «وليس للميت من ماله إلا الثلث فإذا أوصى بأكثر من الثلث رد إلى الثلث» (٣).

__________________

(١) الكافي للكليني : كتاب الوصايا ، باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حج الحديث الأول.

(٢) في مستدرك الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب جواز الوصية بثلث المال الحديث هكذا : «وفي درر اللئالي عن معاذ بن جبل عن النبي (ص) أنه قال : ان الله تعالى تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم».

(٣) في الوسائل : كتاب الهدايا باب ١٠ جواز الوصية بثلث المال روايات كثيرة بهذا المضمون

٤٨

فهو كما ترى من ظهوره في الوصية. والعجب ممن استدل به على المنجز.

ومنها خبر أبي حمزة : «ان الله يقول يا بن آدم تطوّلت عليك بثلاث الى قوله وجعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خبرا» (١).

وفيه ما تقدم : من أن التطول يناسب العطية حيث ما يكون المقتضي للحرمان موجودا ، وهو هنا الموت الموجب لانتقال ماله كله الى وارثه لو لا التطول عليه ببقاء ثلثه له للوصية به فيما ينفعه بعد موته.

ومنها مصححة علي بن يقطين : «ما للرجل من ماله عند موته؟ قال : الثلث ، والثلث كثير» (٢).

ومنها مصححة يعقوب بن شعيب «عن الرجل يموت ، ماله من ماله؟ فقال : له ثلث ماله» (٣).

ومنها خبر عبد الله بن سنان : «للرجل عند موته ثلث ماله ـ قال بعد ذلك ـ : وان لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه» (٤).

__________________

(١) في الوسائل ، كتاب الوصايا باب كراهة ترك الوصية نص الحديث هكذا : «عن أبي حمزة عن بعض الأئمة عليهم السلام قال : ان الله تعالى يقول يا بن آدم تطولت عليك بثلاثة : سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك وأوسعت عليك فاستقرضت. منك فلم تقدم خيرا ، وجعلت إلخ ..».

(٢) في الوسائل ج ١٣ ص ٣٦٣ الطبعة الحديثة باب ١٠ حديث رقم ٨ هكذا : قال : سألت أبا الحسن عليه السلام ما للرجل. إلخ.

(٣) في الوسائل الجديدة (ج ١٣ ص ٣٦٢) حديث تسلسل (٢٤٥٧٠) يرويه عن شعيب بن يعقوب ويرويه عن الكليني والشيخ عن يعقوب بن شعيب ـ كما في المتن ـ ولعله الأصح ، وتكملته : وللمرأة أيضا.

(٤) راجع الوسائل ج ١٣ باب ١٠ حديث تسلسل (٧) طبع الجديد

٤٩

والتقريب هو ظهور كلمة (عند) وقوله (يموت) في الاشراف على الموت ، دون تحققه بظهور اماراته المتحققة في المرض المتضمنة لكون الذي له في هذا الحال هو الثلث وما عداه ليس له ، المحمول على ارادة نفي مطلق التصرف فيما زاد عليه الذي منه المنجز.

وفيه مع وجوب تقييدها حينئذ بالتصرفات التبرعية ظاهرة أو محمولة على إرادة الوصية المتحققة قبل الموت عند الاشراف عليه غالبا ، سيما بقرينة ذيل خبر ابن سنان ، مع أن إطلاق (يموت) (وعند الموت) وارادة وقوعه وتحققه شائع كثير فيه وفي أمثاله من نحو الرجل يبيع وينكح ويهب ويقف ونحو ذلك ، مع أن خبر البحار المعبر فيه بالميت قرينة على إرادة السؤال عنه عليه السلام من حيث تحقق الموت وتلبسه به.

وبالجملة فلا مجال لإنكار ظهورها في الوصية.

ومنها خبر السابري : «عن امرأة استودعت رجلا مالا فلما حضرها الموت قالت له : ان المال الذي دفعته إليك لفلانة الى أن قال في ذيله : وان كانت متهمة فلا يحلف ويضع الأمر على ما كان ، فإنما لها من مالها ثلثه» (١).

وفيه ـ مع كونه من مسألة الإقرار في مرض الموت دون المنجز فيه ، وستعرف القول به من الثلث مع التهمة ـ ضعيف السند ممنوع جبره.

ومن الثاني أخبار : منها خبر أبي ولاد : «عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين فتبرئه منه في مرضها؟ قال : بل تهبه له فتجوز هبتها. ويحسب

__________________

(١) الوسائل الجديدة كتاب الوصايا باب ١٦ حديث تسلسل.(٢) ونص الحديث بسنده هكذا : عن العلا بياع السابري قال : سألت أبا عبد الله عن امرأة ..

٥٠

ذلك من ثلثها ان كانت تركت شيئا» (١).

ونحوه خبر سماعة أيضا : «عن الصادق عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه صداق أو بعضه فتبرء ذمته في مرضها؟ قال : لا ، ولكن ان وهبت جاز له ما وهبته من ثلثها» (٢).

ومنها مصححة الحلبي «عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرئه منه في مرضها؟ فقال : لا» (٣).

وفيه : أنها متضمنة لبطلان الإبراء رأسا ، ولم يقل به أحد ، وصحة هبة الدين لمن هو عليه ، ولعل الأكثر لا يصححونه كبيع الدين ممن هو عليه ، وان كان من المحتمل قويا صحته ، وكون مفاده الإبراء ، لا التمليك الحقيقي ، كما احتملناه أيضا في شراء أحد العمودين : أنه بيع يكون مفاده الانعتاق لا التمليك حقيقة ، ولو آنا ما بناء على أن بدلية الثمن عن الدين في الأول مفاده السقوط ، وعن الرقية في الثاني مفاده الانعتاق.

وبالجملة فالتفصيل بين الإبراء والهبة ببطلان الأول ، وصحة الثاني لم يقل به أحد ، فكيف يمكن رفع اليد بها عن تلك الأدلة ، مع ضعف السند ، وعدم الجابر أيضا.

ومن الثالث : روايات العتق التي هي العمدة لهم في الاستدلال على مطلوبهم.

__________________

(١) الوسائل ، كتاب الوصايا ، باب إن من أوصى بأكثر من الثلث حديث رقم (١١).

(٢) الوسائل الجديدة ، كتاب الوصايا ، باب ١٧ حديث تسلسل ١٦

(٣) المصدر الآنف الذكر باب ١٧ حكم التصرفات المنجزة حديث ١٥

٥١

ومنها خبر علي بن عقبة : «في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه؟ قال :

ما يعتق منه الا ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحق بذلك ، ولهم ما بقي» (١) ونحوه خبر عقبة بن خالد (٢).

ومنها خبر أبي بصير «أن أعتق رجل عند موته جارية له ثم أوصى بوصية أخرى ألغيت الوصية وأعتقت الجارية من ثلثه ، الا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية» (٣).

ومنها خبر السكوني : «ان رجلا أعتق عبدا له عند موته لم يكن له مال غيره ، قال : سمعت رسول صلّى الله عليه وآله يقول : يستسعي في ثلثي قيمته للورثة» (٤).

ومنها النبوي العامي : «ان رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه ولا مال له غيرهم ، فاستدعاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله

__________________

(١) راجع : الوسائل للحر العاملي ، كتاب الوصايا (باب ١١ ان من أوصى بأكثر من الثلث) حديث رقم (٤).

(٢) ذكر نصه في الوسائل باب ١٧ حديث (١٣). وهذا نصه : «.. عن عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال : سألته عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره. فأبى الورثة أي يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه قال : ما يعتق منه الا ثلثه».

(٣) الوسائل باب ١١ حديث رقم (٦) الا أن فيه كلمة (خادما) في أول الحديث بدل كلمة (جارية).

(٤) في الوسائل ، كتاب العتق باب ٦٤ من أعتق بعض مملوكه حديث رقم (٥) «.. عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (ع) : قال : إن رجلا ..»

٥٢

وجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة» (١).

ومنها رواية إسماعيل بن أبي همام : «في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابة وأعتق مملوكا وكان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث كيف يصنع في وصيته؟ قال : يبدأ بالعتق فينفذه (٢).

ومنها صحيحة ابن مسلم : «عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه وأوصى بوصية وكان أكثر من الثلث؟ قال : يمضي عتق الغلام ويكون النقصان فيما بقي» (٣).

ومنها حسنته : «في رجل أوصى بأكثر من ثلثه وأعتق مملوكه في مرضه؟ فقال : إذا كان أكثر من الثلث يرد الى الثلث وجاز العتق» (٤) بدعوى ظهور لفظ (أعتق) في العتق المنجز ، لأن الوصية بالعتق عتق في المستقبل دون الماضي ، فيجب حمل اللفظ على معناه الحقيقي فإن تم في العتق تم في غيره بالأولوية ، وعدم القول بالفصل.

__________________

(١) ذكر هذا الحديث المرسل عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ عن علي عليه السلام وعن الامام الكاظم عليه السلام بمضامين متقاربة في كتاب الجواهر كتاب الوصايا ـ في شرح قول المصنف : مسائل أربع :

الأولى ـ إذا أعتق أو اوصى بعتق عبيده وليس له سواهم.

(٢) الكافي للكليني ، كتاب الوصايا ، باب من أوصى بعتق أو صدقة أو حج حديث رقم (٣).

(٣) سبق آنفا تخريج هذا الحديث عن الكافي والاستبصار.

(٤) الكافي للكليني كتاب الوصايا باب من أوصى بعتق أو صدقة. حديث رقم (١).

٥٣

وفيه ـ مضافا الى معارضتها لمرسلة الكافي المتقدمة (١) المتضمنة لا لإعابة النبي صلّى الله عليه وآله المستلزمة لنفوذ العتق من الأصل ، والى شيوع إطلاق (أعتق) على التدبير والوصية به في الأخبار وكلمات الفقهاء تبعا لها ـ يحب حملها على ذلك لوجود القرينة الصارفة عن الظهور ـ لو سلم في بعضها كخبر أبي بصير الموصف فيه ـ للوصية المعطوفة على العتق بثم كلمة أخرى الصريحة في كون الأولى وصية بالعتق لا عتق منجز ، وتقديمه للتقدم بالذكر مع كونه مدلولا عليه بثم أيضا ، مع ظهور البدأة بالعتق في بعضها والجواز مطلقا في الآخر في كون العتق منجزا ينفذ من الأصل والا يقتضي البدأة بالأقدم فالأقدم ، والجواز مع وفاء الثلث به لا مطلقا.

ومنها : الأخبار الواردة في عتق المملوك وعلى المعتق دين لا يملك غيره وهي ثلاثة.

الأولى ـ صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «قال سألني أبو عبد الله عليه الصلاة والسلام : هل يختلف ابن ابي ليلى وابن شبرمة؟ فقلت : بلغني انه مات مولى لعيسى بن موسى وترك عليه دينا كثيرا وترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك فقال ابن شبرمة : أرى ان يستسعيهم في قيمتهم فيدفعها الى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته ، وقال ابن ابي ليلى ، ارى ان أبيعهم وادفع أثمانهم إلى الغرماء فإنه ليس له ان يعتقهم عند موته وعليه دين يحيط بهم ، وهذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده وعليه دين كثير فلا يجيزون عتقه

__________________

(١) تقدمت الإشارة إليها ففي آخر باب ان صاحب المال أحق بماله من الكافي : كتاب الوصايا : «وروي ان النبي قال لرجل من الأنصار أعتق مماليك له لم يكن له غيرهم فعابه النبي (ص) وقال : ترك صبية صغارا يتكففون الناس».

٥٤

إذا كان عليه دين كثير ، فرفع ابن شبرمة يده الى السماء ، فقال : سبحان الله يا بن ابي ليلى ، متى قلت : هذا القول؟ والله ما قلته الا طلب خلا في فقال أبو عبد الله عليه السلام : وعن رأي أيهما صدر؟ قال قلت : بلغني انه أخذ برأي ابن ابي ليلى ، وكان له في ذلك هوى فباعهم وقضى دينه قال : فمع أيهما من قبلكم؟ قلت مع ابن شبرمة وقد رجع ابن ابى ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك ، فقال : اما والله ان الحق لفي الذي قال ابن ابي ليلى وإن كان قد رجع عنه ، فقلت له : هذا ينكسر عندهم في القياس ، فقال : هات قايسني ، فقلت : انا أقايسك؟ فقال : لتقولن بأشد ما يدخل فيه من القياس ، فقلت له : رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره ، وقيمة العبد ستمائة درهم ودينه خمسمائة درهم ، فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟

قال : يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم ، ويأخذ الورثة مأة درهم فقلت : أليس قد بقي من قيمة العبد مأة درهم عن دينه؟ فقال : بلى قلت : أليس للرجل ثلثه يصنع به ما يشاء؟ قال : بلى ، قلت : أليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ فقال : ان العبد لا وصية له انما أمواله لمواليه ، فقلت له : فان كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه أربعمائة؟ قال كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم ، ويأخذ الورثة مأتين ، ولا يكون للعبد شي‌ء ، قلت له : فان كان قيمة العبد ستمائة درهم ودينه ثلاثمائة درهم؟ فضحك ، وقال : من ههنا ، أتى أصحابك : فجعلوا الأشياء شيئا واحدا ، ولم يعلموا السنة ، إذا استوى مال الغرماء ومال الورثة أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء ونم يتهم الرجل على وصيته ، أجيزت وصيته على وجهها. فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء ، ويكون ثلثه للورثة ويكون له السدس» (١).

__________________

(١) الكافي للكليني ، كتاب الوصايا ، باب من أعتق وعليه دين ، الحديث الأول.

٥٥

والخبر صريح في التفصيل بين ما كان الدين نصف قيمة العبد فما دون ، وبين ما زاد عليه ، صح العتق ونفذ من الثلث في الأول وبطل في الثاني ، وكان بين الورثة والغرماء.

واليه يرجع الخبر الثاني ، وهو صحيحة زرارة : «عن أحدهما عليهما السلام في رجل أعتق مملوكه عند موته وعليه دين؟ قال : ان كان قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه والا لم يجز» (١) والخبر الثالث في الصحيح : «إذا ملك المملوك سدسه استسعى» (٢) بتقريب انه لا يملك السدس الا حيث يكون الدين نصف قيمته فما دون ، وذكر السدس لبيان أقل المرتبة.

وفيه : انها محمولة على الوصية بقرينة ذكرها مكررا في الأول ، وان تضمنت ما يخالف القاعدة فيها أيضا ، لاقتضائها في الوصية نفوذ العتق في ثلث ما زاد على الدين مطلقا ، وان ملك أقل من السدس المنبعث عن زيادة الدين على النصف ، واختصاص البطلان بما إذا كان الدين محيطا بالقيمة كما يعطيه إطلاق الصحيح : «في الرجل يقول : ان مت فعبدي حر ، وعلى الرجل دين؟ قال : ان توفي وعليه دين قد أحاط بثمن العبد بيع العبد ، وان لم يكن أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه

__________________

(١) الكافي ، كتاب الوصايا باب من أعتق وعليه دين ، حديث ٢.

(٢) الرواية عن أبي البختري عن أبي عبد الله الصادق (ع) كما استدل بها العلامة في المختلف في باب منجزات المريض ، مسألة عطايا المريض المنجزة وفي الوسائل كتاب الوصايا باب ٣٩ إن من أعتق مملوكا لا يملك غيره حديث رقم (١).

٥٦

وهو حر إذا وفّاه» (١) لكن يجب تقييده بتلك الأخبار المفصلة ، حملا للمطلق منها على المقيد.

ومنها ما ورد في عطية الوالد لولده ، المفصل فيه بين وقوعه في حالتي الصحة والمرض ، كخبر جراح المدائني : «عن عطية الوالد لولده؟ قال إذا أعطاه في صحته جاز» (٢).

وخبر سماعة : «عن عطية الوالد لولده؟ فقال : أما ما كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما يشاء ، فأما في مرضه فلا يصلح» (٣) المحمولة على الكراهة لإيجابه الشحناء والبغضاء بينهم ، بقرينة التعبير في الأخير بلا يصلح ، وبما ورد في الخبر الآخر من التفصيل بين الإعسار والإيسار (٤).

واستدلوا أيضا بعد الاخبار بأدلة لا يخفى وهنها.

منها التمسك بأصالة عدم انتقال الزائد على الثلث.

__________________

(١) الوسائل ، المصدر الآنف حديث رقم (٣) بإسقاط بعض الكلمات.

(٢) في الوسائل باب ١٧ حديث (١٤) «.. عن جراح المدائني قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن عطية الوالد لولده يبينه؟ قال : إذا أعطاه في صحته جاز».

(٣) الوسائل كتاب الوصايا باب ١٧ حكم التصرفات المنجزة حديث (١١).

(٤) يشير الى خبر أبي بصير ـ كما في الوسائل بنفس المصدر حديث (١٢) قال : «سألت أبا عبد الله (ع) عن الرجل يخص بعض ولده بالعطية؟ قال : ان كان موسرا فنعم ، وان كان معسرا فلا» وجملة (وبما ورد إلخ) عطف على جملة «لكن يجب تقييده بتلك الأخبار»

٥٧

وفيه : انها محكومة لأصالة بقاء سلطنة المالك ، لكون الشك فيه مسببا عن الشك في بقائها.

ومنها ما في (المختلف) قائلاً : «لنا ان إمضاء الوصية من الثلث مع القول بخروج العطايا المعجزة من الأصل مما لا يجتمعان ، والمقدم حق فالتالي باطل ، أما صدق المقدم فبالإجماع والاخبار المتواترة الدالة عليه. وأما بيان عدم الاجتماع ، فلأن المقتضى لحصر الوصية في الثلث انما هو النظر الى حق الورثة والإبقاء عليهم ، وفي الأحاديث دالة على التنبيه على هذه العلة وهي موجودة في المنجزات ، فتساويا في الحكم» (١) ونبه عليه ولده في الإيضاح أيضا (٢).

وفيه : ان عدم نفوذ الوصية فيما زاد على الثلث انما هو لكونه تصرفا في مال الوارث وملكه فيتوقف على أجازته ، وأين ذلك من المنجز الذي هو تصرف من المالك في ملكه ، فكيف يقاس المنجز بالوصية؟

__________________

(١) راجع أول مسألة منه في منجزات المريض في أخريات كتاب العطايا الفصل الخامس في الوصايا ويشير بذلك إلى وحدة المناط بين المسألتين فلا بد أن يتحدا في الحكم أيضا ، وهذا القياس يسمى بقياس تنقيح المناط المفروض الحجية كقياس منصوص العلة والأولوية.

(٢) قال فخر المحققين في آخر كتاب الوصايا منه الفصل الثالث في تصرفات المريض : (ج ٢ ص ٥٩٣ طبع قم) : «لو كانت من الأصل لقدم العتق المتبرع به على الدين ، والتالي باطل فالمقدم مثله. بيان الملازمة : ان المرض لا يصلح للمانعية حينئذ ، فيبقي حكم الصحة لأصالة البقاء ، وأما بطلان التالي فلما رواه زرارة في الصحيح عن الصادق (ع) : «إذا ترك الدين عليه ومثله أعتق المملوك واستسعى»

٥٨

ومنها ما قيل من : لزوم خروج المنجز من الأصل اختلال حكمة حصر الوصية في الثلث لإمكان التجاء كل من يريد الزيادة في الوصية إلى عقد منجز فيعاوض جميع ماله بدرهم ـ مثلا ـ فرارا عن رد الوصية.

وفيه : ان جريان مثل ذلك في الفقه غير عزيز بل نظائره أكثر من أن تحصى ، فإن بيع الأثمان يعتبر فيه التقابض بخلاف الصلح عليها فيجوز الالتجاء إلى الصلح ، وكذلك الربا ، بناء على اختصاصه بالبيع ، مع ما ذكر في محله من الحيل الشرعية لتحصيل ما يراد أخذه من الربا وكذا التخلص عن حق الشفعة بالصلح ، بناء على اختصاصها بالبيع ، وعن خيار المجلس بغير البيع من العقود ، الى غير ذلك ، ومنها كونه مقتضى الجمع بين النصوص بالجمع الدلالى (١) حملا لإطلاق الأحقية ونحوه القاضي بنفوذ جميع التصرفات على التقييد بما دل على المنع عن بعضها من التبرع والمحاباة.

__________________

(١) التعارض ـ بمصطلح الأصوليين ـ : هو تنافي الدليلين اللفظيين التأمين من حيث الحجية ولقد اشتهر بينهم أن الجمع بينهما أولى من الطرح إذ بحكم التكاذب بينهما لا يمكن الأخذ بهما معا فلا بد إذا إما من تذويب التكاذب واقعا بالجمع بينهما ، أو اللجوء إلى المرجحات السندية المشهورة الخمسة أو الستة ، وأخيرا فيتساقطان. ولقد بحث الأصوليون طرقا للجمع بينهما بعضها محل وفاق ، وبعضها محل خلاف في الصحة ، وأهم طريق متفق عليه في كيفية الجمع الجمع الدلالى ، وهو الجمع العرفي وقد يسمى بالجمع المقبول أي عند العرف ، وموارده كثيرة ، بعضها أظهر من بعض وربما نوقش في صحة بعضها. ومن موارده المتفق عليها ما إذا كان أحد الدليلين قرينة وشاهدا على التصرف بمدلول الآخر فيحمل ذلك الآخر عليه فحينئذ يذوب التكاذب واقعا بين الدليلين وان كان ظاهرا بينهما.

٥٩

وفيه عدم قابلية النصوص المقيدة بعد ما عرفت لتقييد تلك المطلقات الآبي ظهورها عن التقييد المؤيدة بعمومات : سلطنة الإنسان على ماله ، والإجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة بين القدماء ومتأخري المتأخرين ، ومخالفتها لمذهب العامة الموجبة لحمل ما يخالفها لو سلم ظهورها على التقية وان لم يكن فيها اشعار بها واشارة إليها ، إذ لم يعتبر ذلك في الحمل عليها في الأخبار العلاجية إذ يكفي في الحمل عليها الموافقة لفتوى بعضهم فضلا عن الموافقة لفتاويهم اجمع ، بل ربما يحتمل قويا ارادة خصوص المنجزات من تلك الأخبار سؤالا وجوابا حيث كان اتفاق الجمهور على المنع عنه فيما زاد على الثلث فأوجب ذلك السؤال عنه من الامام (ع) فأجاب عليه السلام عن ذلك بما يفيده تلويحا ، ومن البعيد ان يكون مفاد هذه الأخبار على كثرتها مفاد «الناس مسلطون على أموالهم» فافهم.

وبالجملة فلا مناص عن القول بنفوذ المنجزات من الأصل لما ذكر مؤيدا ذلك كله بما قيل : من قيام السيرة على عدم الضبط عن المريض في تصرفاته ، الكاشف ذلك عن نفوذه من الأصل. الا أنه فيه ما تقدم من كونه أعم منه ومن جواز التسليم والتنفيذ للمعطي من حين التنجيز اتكالا على مقتضى الأصول في ذلك» بناء على الثلث أيضا

__________________

ويعم هذا الباب كل موارد تقديم النص على الظاهر أو الأظهر على الظاهر وذلك لأن الجمع العرفي كذلك يخرج الدليلين عن واقعية التكاذب فلا تصل النوبة إلى دور المرجحات السندية لأنها في حال الحيرة ولا حيرة حينئذ. فمن موارد هذا الجمع ما إذا كان بين الدليلين عموم وخصوص من وجه أو مطلق فيقدم الخاص على العام عرفا ، لأقوائية ظهوره وهكذا إذا كان بينهما إطلاق وتقييد فيقدم المقيد على المطلق لنفس ملاك الأقوائية في الظهور ، وما في المتن إشارة الى ذلك الجمع.

٦٠