غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ويجب السلام ، على خلاف بين أصحابنا في ذلك (١) ويدل على ما اخترناه أنه لا خلاف في وجوب الخروج من الصلاة ، وإذا ثبت ذلك ولم يجز بلا خلاف بين أصحابنا الخروج منها بغير السلام من الأفعال المنافية لها ، كالحدث وغيره على ما يقول أبو حنيفة ، ثبت وجوب السلام.

ويعارض المخالف من غير أصحابنا بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي (٢) وقوله : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم (٣) ، لأنه يدل على أن غير التسليم لا يكون تحليلا لها.

ويسلم المفرد تسليمة واحدة إلى جهة القبلة ، ويومئ بها إلى جهة اليمين ، وكذلك الإمام ، والمأموم كذلك إلا أن يكون على يساره غيره ، فإنه حينئذ يسلم يمينا وشمالا ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ويعارض المخالف بما روته عائشة من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يسلم في صلاته تسليمة واحدة يميل بها إلى شقه الأيمن قليلا ، وبما رواه سهل بن سعد الساعدي (٤) من أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلم تسليمة واحدة لا يزيد عليها ، ذكر هذين الخبرين الدار قطني (٥).

ويجب أن لا يضع المصلي اليمين على الشمال ولا يقول : «آمين» آخر الحمد ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وطريقة الاحتياط ، واليقين ببراءة الذمة من الصلاة ، ولأن ذلك عمل كثير خارج عن الأعمال المشروعة في الصلاة ، من القراءة ، والركوع ، والسجود ، والتسبيح ، والدعاء ، وما كان كذلك لم يجز فعله.

__________________

(١) لاحظ جواهر الكلام : ١٠ ـ ٢٧٨.

(٢) تقدم مصدر الحديث آنفا.

(٣) سنن الدار قطني : ١ ـ ٣٧٩ برقم ١ ، والجامع الصغير برقم ٨١٩٣ وسنن البيهقي : ٢ ـ ٨٥ و ٣٧٩.

(٤) سهل بن سعد بن مالك الأنصاري الساعدي ، مات سنة ٨٨ أو ٩١ ه‍. أسد الغابة : ٢ ـ ٣٦٦.

(٥) الدار قطني هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي ، كان يحفظ عدة من الدواوين منها ديوان السيد الحميري ، فنسب إلى التشيع لذلك ، مات ٣٨٥ ه‍. سنن الدار قطني : ١ ـ ٣٥٨ برقم ٧ و ١٠.

٨١

وما يعول المخالف عليه في كون ذلك مشروعا ، لا يصح أن يكون دليلا في الشرع ، وقولهم : لفظة «آمين» وإن لم يكن دعاء ولا تسبيحا ولا من جملة القرآن ، فهي تأمين على دعاء تقدم عليها ، وهو قوله تعالى (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (١) لا يصح الاعتماد عليه ، لأن اللفظ إنما يكون دعاء بالقصد إلى ذلك ، والقارئ إنما يقصد التلاوة دون الدعاء ، ولو قصد الدعاء دون التلاوة ، لم يكن قارئا للقرآن ، ولم تصح صلاته ، وهو إن جاز أن يقصد التلاوة والدعاء معا ، جائز منه ألا يقصد الدعاء ، وإذا لم يقصده لم يجز أن يقول «آمين» ، والمخالف يقول : إنها مسنونة لكل مصل من غير أن يعتبر قصده للدعاء ، وإذا ثبت أن قولها لا يجوز لمن لم يقصده ، ثبت أنه لا يجوز لمن قصده ، لأن أحدا لم يفرق بين الأمرين.

ويجب عليه ألا يفعل على جهة العمل فعلا كثيرا ، ليس من أفعال الصلاة المشروعة ، وقد دخل في ذلك القهقهة ، والبكاء من غير خشية الله ، والكلام بما ليس من جنس أذكارها ، سواء كان لمصلحة تتعلق بالصلاة ، كإعلام الإمام بسهوه ، أو تتعلق بغيرها كتحذيره الضرر لغيره ، وقد دخل في ذلك التأفف بحرفين ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

ويجب الاستدامة على ما هو شرط في صحة الصلاة ، كالطهارة ، وستر العورة ، وغيرهما ، وقد دخل في ذلك ترك الالتفات إلى دبر القبلة ، ويجب عليه أن يجتنب الصلاة وأمامه أو إلى جانبه امرأة تصلي ، سواء اشتركا في الصلاة ، أو اختلفا فيها ، بدليل الإجماع المتقدم ذكره وطريقة الاحتياط.

وأما الندب فالتوجه ، وهو (٢) أن يكبر بعد الإقامة ثلاث تكبيرات ، يرفع مع كل واحدة منها يديه ويقول بعدهن :

__________________

(١) الفاتحة : ٦.

(٢) في «س» : «وأما الندب والتوجه فهو» والمراد من التوجه هو قوله «وجهت وجهي.».

٨٢

اللهم أنت الملك الحق [المبين] (١) لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي ففزعت إليك تائبا مما جنيت فصل على محمد وآله وسلم واغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا أهل التقوى وأهل المغفرة. ثم يكبر تكبيرتين ويقول :

لبيك وسعديك والخير كله لديك والشر ليس بمنسوب إليك أو من بك وأتوكل عليك وأومن برسولك وما جاء به من عندك فصل على محمد وآله وسلم وزك عملي بطولك وتقبل مني بفضلك.

ثم يكبر تكبيرة واحدة ينوي بعدها الدخول في الصلاة ، وأن يقول بعد تكبيرة الإحرام :

(وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريتهما (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ) وأنا من المسلمين.

وتكبير الركوع والسجود ، ورفع اليدين مع كل تكبيرة ، وتكبيرة القنوت.

والقنوت وموضعه (٢) بعد القراءة من الثانية في كل صلاة ، وأفضله كلمات الفرج ، وهي :

لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

وأن يزيد على التسبيحة الواحدة في الركوع والسجود إلى الثلاث وإلى الخمس وإلى السبع ، وأن يدعو في الركوع فيقول :

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «س».

(٢) في «س» : والقنوت موضعه.

٨٣

اللهم لك ركعت ولك خشعت ولك خضعت ولك أسلمت وبك آمنت خشع لك لحمي ودمي وعظمي وشعري وبشري وما الأرض مني. وأن يقول عند رفع رأسه من الركوع : سمع الله لمن حمده ، وعند استوائه قائما : الحمد لله رب العالمين أهل الكبرياء والعظمة والجود والجبروت ، وأن يدعو في السجود فيقول :

اللهم لك سجدت ولك خشعت وبك آمنت ولك أسلمت وعليك توكلت ، سجد وجهي البالي الفاني لوجهك الدائم الباقي سجد وجهي للذي خلقه وبرأه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين.

والإرغام بالأنف في السجود ، وأن يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وعافني واعف عني إني لما أنزلت إلي من خير فقير ، وأن يقول بعد السجدة الثانية حين ينهض : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، وأن يقول في التشهد الأول :

بسم الله وبالله والأسماء الحسنى كلها لله ما طاب وطهر وزكى ونمى وخلص فهو لله وما خبث فلغير الله.

وأن يقول بعد الشهادتين : أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وأن يقول في التشهد الثاني : التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الناميات المباركات الغاديات الرائحات ، لله ما طاب وطهر وزكى ونمى وخلص ، وما خبث فلغير الله.

وأن يقول بعد الشهادتين : أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة داعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا ، وبعد الصلاة على محمد وآله : اللهم صل على ملائكتك المقربين وعلى أنبيائك المرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين ،

٨٤

واخصص اللهم محمدا وآله بأفضل الصلاة والتسليم ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم صل على محمد وآله المصطفين.

وأن يكون نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده ، وفي حال الركوع إلى بين قدميه ، وفي حال سجوده إلى طرف أنفه ، وفي حال جلوسه إلى حجره ، وأن يجعل يديه في حال قيامه على فخذيه محاذية لعيني ركبتيه ، وفي حال ركوعه على عيني ركبتيه ، وفي حال السجود ، بحذاء الأذنين ، وفي جلوسه على الفخذين.

وأن يلقى الأرض عند الانحطاط إلى السجود بيديه قبل ركبتيه ، وأن يعتمد عليهما عند القيام ، وأن يسوي ظهره ، ويمد عنقه في حال الركوع ، وأن يكون متعلقا في حال السجود ، يجافي بعض أعضائه عن بعض ، وأن يرد رجله اليمنى إلى خلفه إذا جلس ، ولا يقعي بين السجدتين ، وأن يجلس في حال التشهد متوركا على وركه الأيسر ، مع ضم فخذيه ، ووضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه اليسرى.

وأن لا يصلي ويداه داخل ثيابه ، ولا يفرقع أصابعهما ، ولا يتثاءب ، ولا يتنخع ، ولا ينفخ موضع سجوده ، ولا يتأوه بحرف ، ولا يدافع الأخبثين.

وأن لا يكون في قبلته سلاح مشهور ، أو قرطاس مكتوب ، أو نجاسة ظاهرة ، وأن لا يكون معه سيف ، أو سكين ، أو شي‌ء فيه صورة ، ولا يصلي في لباس أو مكان ذكرنا أن الصلاة تكره ففيه.

وأن يعقب فيكبر بعد التسليم ثلاث مرات ، يرفع بها يديه ، ويقول : لا إله إلا الله وحده وحده وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير يولج الليل في النهار ... الآية. (١)

__________________

(١) فاطر : ١٣.

٨٥

ويسبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام ويدعو بما أراد ، وأن يعفر بعد التعقيب بأن يطرح نفسه على الأرض ، ويضع جبهته موضع سجوده ويقول :

اللهم إليك توجهت وإليك قصدت وبفنائك حللت وبمحمد وآله تقربت وبهم استشفعت وبهم توسلت فصل عليهم أجمعين وعجل فرجهم واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم.

ثم يضع خده الأيمن موضع جبهته ويقول :

اللهم ارحم ذلي بين يديك وتضرعي إليك ووحشتي من الناس وأنسي بك يا كريم يا كريم يا كريم.

ثم يضع خده الأيسر موضع الأيمن ويقول :

لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي يا كريم يا كريم يا كريم.

ثم يضع جبهته موضع سجوده ويقول :

شكرا شكرا مائة مرة أو ما تيسر له ، ثم يرفع رأسه ويمسح موضع سجوده بيده اليمنى ، ويمسح بها وجهه وصدره.

وصلاة المرأة كصلاة الرجل ، ولا تخالفه إلا بما نذكره وهي : أنها يستحب لها أن تضع يديها في حال القيام على ثدييها ، وفي حال الركوع على فخذيها. ولا تطأطئ ، وتجلس من غير أن تنحني ، وتسجد منضمة وتجلس بين السجدتين وللتشهدين منضمة ناصبة ركبتيها واضعة قدميها على الأرض.

وإذا أرادت القيام وضعت يديها على جنبيها ، ونهضت حالة واحدة كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا فما ذكرناه من دعاء ، وتسبيح وتعقيب ، وتعفير ، يدل عليه ظواهر الآيات المتضمنة للأمر بفعل الخير بالدعاء والتسبيح

٨٦

والذكر لله تعالى والثناء عليه ، ويخص القنوت قوله تعالى (وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ) (١) والمفهوم من لفظة «قنوت» في الشرع هو الدعاء ، فوجب حمل الآية عليه ، دون ما يحتمله في اللغة ، من طول القيام وغيره.

الفصل التاسع : في صلاة الجماعة

الاجتماع في فرائض اليوم والليلة عدا فريضة الجمعة سنة مؤكدة ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا فالأصل براءة الذمة ، وشغلها بإيجاب الاجتماع للصلاة ، يحتاج إلى دليل ، ويعارض المخالف في ذلك بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ (٢) بسبع وعشرين درجة (٣) والمفاضلة لا تكون إلا فيما اشترك فيه الشيئان ، وزاد أحدهما على الآخر فيه ، فلو كانت صلاة الفذ (٤) غير مجزئة ، لم يصح المفاضلة بينها وبين صلاة الجماعة.

ومن شرط انعقاد الصلاة جماعة :

الأذان والإقامة.

وأن يكون الإمام عاقلا مؤمنا بلا خلاف ، عدلا بدليل الإجماع الماضي وطريقة الاحتياط ، [واليقين بالبراءة] (٥) وقوله تعالى (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٦) لأن الاقتداء بالفاسق ركون إليه ، لا سيما وقد ورد من طرق المخالف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الإمام ضامن (٧) وأيضا فالفضل معتبر في باب الإمامة ، على ما

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨.

(٢) في «ج» و «س» : «الفرد» وكلاهما بمعنى الواحد.

(٣) صحيح البخاري : ١ ـ ١٦٦ ، كتاب الصلاة ، باب فضل صلاة الجماعة.

(٤) في «ج» و «س» : «الفرد» وكلاهما بمعنى الواحد.

(٥) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٦) هود : ١١٣.

(٧) الجامع الصغير : ١ ـ ٤٧٦ برقم ٣٠٧٦ ، ٣٠٧٧ ولاحظ الوسائل : ٥ ـ ٤٢١ ، ب ٣٠ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١ و ٣.

٨٧

دل عليه سياق قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يؤمكم أقرؤكم (١) إلى آخر الخبر ، وإذا ثبت ذلك وكان الفسق نقصا عظيما في الدين ، لم يجز تقديم الفاسق على العدل التقي.

وأن يكون طاهر الولادة بمثل ما قدمناه ، لأن ولد الزنا عندنا مقطوع على عدم عدالته في الباطن ، وإن أظهر خلاف ذلك.

ولا يصح الائتمام بالأبرص والمجذوم والمحدود والزمن والخصي والمرأة إلا بمن كان مثلهم ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

ويكره الائتمام بالأعمى والعبد ومن يلزمه التقصير ، ومن يلزمه الإتمام والمتيمم إلا بمن كان مثلهم ، وإذا حضر جماعة لهم الصفات التي ذكرناها للإمامة ، فالأولى بالتقديم رب القبيلة ، أو المسجد ، أو البيت ، فإن لم يكن فأقرؤهم ، فإن استووا فأفقههم ، فإن استووا فالهاشمي ، فإن استووا فأكبرهم سنا ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

وأقل ما ينعقد به الجماعة فيما عدا يوم الجمعة اثنان ، يقف المؤتم منهما عن يمين الإمام ، ويلزم المؤتم أن يقتدي بالإمام عزما (٢) وفعلا ، ولا يقرأ في الأوليين من كل صلاة ، ولا في الغداة ، إلا أن يكون في صلاة جهر وهو لا يسمع قراءة الإمام ، فأما الأخريان وثالثة المغرب فحكمه فيها حكم المنفرد.

ويستحب أن يقدم في الصف الأول الخواص من ذوي الأحلام والنهي ، وبعدهم العوام والأعراب ، وبعدهم العبيد ، وبعدهم الصبيان ، وبعدهم النساء ، ولا يجوز أن يكون بين الإمام والمأمومين ولا بين الصفين ما (٣) لا يتخطى مثله ،

__________________

(١) الوسائل : ٥ ـ ٤١٩ ، ب ٢٨ من أبواب صلاة الجماعة ، ح ١ وسنن البيهقي : ٣ ـ ٩٠ ، ٩١ كتاب الصلاة باب اجعلوا أئمتكم خياركم و.

(٢) في «س» : «عرفا».

(٣) في «س» : بما.

٨٨

من مسافة ، أو بناء أو نهر ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ومن دخل المسجد ولم يجد مقاما له في الصفوف ، أجزأه أن يقوم وحده ، محاذيا لمقام الإمام ، وانعقدت صلاته ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، ويعارض المخالف بما روى من طرقهم عن أبي بكر (١) : أنه دخل المسجد وهو يلهث ، فوجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راكعا ، فركع خلف الصف ، ثم دخل في الصف ، فلما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أحرم خلف الصف؟ فقال : أنا ، فقال : زادك الله حرصا ولا تعد. (٢) ولو لم يكن صلاته انعقدت ، لأمره بإعادتها.

ونهيه عن العود يحتمل أن يكون عن العود إلى تأخر عن الصلاة ، أو عن دخول المسجد وهو يلهث ، لأن المصلي مأمور بأن يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار.

ومن أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الركعة بلا خلاف ، فإن سبقه بركعته جعل ثانية الإمام له أولة ، وإذا جلس الإمام للتشهد ، جلس هو مستوفزا (٣) ولم يتشهد ، فإذا نهض الإمام إلى الثالثة ، نهض معه إليها ، وهي له ثانية ، فقرأ لنفسه الحمد وسورة ، فإذا ركع الإمام ركع بركوعه وسجد بسجوده ، فإذا نهض الإمام إلى الرابعة جلس هو فتشهد تشهدا خفيفا ، ولحق الإمام قائما ، فركع بركوعه وسجد بسجوده ، فإذا جلس الإمام للتشهد الأخير ، فليجلس هو مستوفزا ولا يتشهد ، فإذا سلم الإمام ، نهض هو فتمم الصلاة.

وإن سبق بركعتين فآخرتا الإمام له أولتان ، يقرأ فيهما لنفسه كالمنفرد ، ويتبع الإمام فيما يفعله إلى أن يسلم ، فإذا سلم ، نهض هو ، فتمم باقي الصلاة ، وكذلك حكم من سبق بثلاث ركعات. ويدل على أن ما أدركه المسبوق أول صلاته الإجماع الماضي ذكره.

__________________

(١) في المصدر : عن أبي بكرة.

(٢) سنن البيهقي : ٢ ـ ٩٠ و : ٣ ـ ١٠٦.

(٣) استوفز في قعدته : قعد منتصبا غير مطمئن. المصباح المنير.

٨٩

ويعارض من قال : إن ذلك آخر صلاته ، ويقضي ما فاته من أولها ، بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ائتوها وأنتم تمشون ، وعليكم السكينة والوقار ، فما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا (١) ، وحقيقة الإتمام في إكمال ما تلبس به ، والقول بأن ذلك قضاء لما فات ترك لظاهر الخبر.

الفصل العاشر

وأما الاجتماع في صلاة الجمعة فواجب بلا خلاف ، إلا أن وجوبه يقف على شروط ، وهي : الذكورة ، والحرية ، والبلوغ ، وكمال العقل ، وزوال السفر والمرض والعمى والعرج ، والكبر الذي يمنع من الحركة ، وتخلية السرب ، وحضور الإمام العادل أو من نصبه وجرى مجراه ، وحضور ستة نفر معه ، والتمكن من الخطبتين ، وأن يكون بين مكان الجمعة وبين المكلف بها فرسخان فما دونهما ، ويسقط فرض حضورها عمن عدا من ذكرناه ، فإن حضرها وكان مكلفا ، لزمه الدخول فيها جمعة وأجزأته عن الظهر ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ولا يجوز انعقاد الجمعة في موضعين بينهما من المسافة دون ثلاثة أميال ، ويجوز انعقادها بحضور أربعة نفر مع الإمام ، وتنعقد بحضور من لم يلزمه من المكلفين إلا النساء (٢) بدليل الإجماع المشار إليه.

ويستحب الغسل في يوم الجمعة كما قدمناه ، وقص الشارب والأظفار ، والتجمل باللباس ، ومس شي‌ء من الطيب ، ويستحب للإمام التحنك والارتداء وتقديم دخول المسجد ، ليقتدي به الناس ، فإذا زالت الشمس وأذن

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ ـ ١٦٣ ـ ١٦٤ ، كتاب الصلاة ، باب لا يسعى إلى الصلاة.

(٢) في الأصل : كالنساء. وفي كشف اللئام : ١ ـ ٢٤٨ «وفي نسخة الغنية التي عندنا ـ وقد قرأها المحقق الطوسي على الشيخ معين الدين المصري ـ : وتنعقد بحضور من لم يلزمه من المكلفين كالنساء. وكتب المصري على الحاشية : الصواب «إلا النساء» ولاحظ جواهر الكلام : ١١ ـ ٢٧٧.

٩٠

المؤذنون ، صعد المنبر ، فخطب خطبتين مقصورتين على حمد الله سبحانه والثناء عليه ، والصلاة على محمد وآله ، والوعظ والزجر ، يفصل بينهما بجلسة ، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن.

وينبغي للمأمومين الإنصات إلى الخطبة ، وترك الكلام بما لا يجوز مثله في الصلاة ، فإذا فرغ من الخطبة ، أقيمت الصلاة ، ونزل فصلى بالناس ركعتين ، يقرأ في الأولى منهما الحمد وسورة الجمعة ، وفي الثانية الحمد وسورة المنافقين ، ويستحب أن يصلي بهم العصر عقيب الجمعة بإقامة من غير أذان.

ولا يجوز السفر إذا زالت الشمس ، وتكاملت شروط وجوب الجمعة حتى يصلي ، ويكره السفر من بعد طلوع الفجر إلى الزوال ، وإذا فاتت الجمعة بأن يمضي من الزوال مقدار الأذان والخطبة وصلاة الجمعة لم يجز قضاؤها ، ووجب أن يؤدي ظهرا ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره. (١)

الفصل الحادي عشر : في كيفية صلاة المضطر

المضطر إلى ترك الشي‌ء مما بينا أنه يجب في كيفية صلاة المختار تختلف كيفية صلاته على حسب اختلاف حاله في الضرورات ، وهو مكلف بأدائها في آخر الوقت ، على أي صفة تمكن منها ، فالمريض الذي لا يقدر على القيام إلا بأن يعتمد على حائط أو عصا يلزمه القيام كذلك ، فإن لم يقدر عليه على هذه الصفة صلى جالسا ، فإن لم يتمكن من ذلك ، صلى مضطجعا على جنبه الأيمن ، فإن لم يتمكن صلى مستلقيا على ظهره ، وأقام تغميض عينيه مقام ركوعه وسجوده ، وفتحهما مقام رفع الرأس منهما.

والمضطر إلى الركوب يصلي راكبا ويومئ بالركوع ، ويسجد على ما تمكن ،

__________________

(١) في «ج» : بدليل الإجماع المذكور الماضي ذكره.

٩١

وكذلك المضطر إلى المشي ، يصلي ماشيا ويومئ بالركوع والسجود ، ويتوجهان إلى القبلة إن تمكنا ، وإلا بتكبيرة الإحرام.

والراكب في السفينة يصلي قائما إن تمكن ، وإلا جالسا ، ويتوجه إلى القبلة في جميع الصلاة ، فإن كانت السفينة دائرة توجه إلى القبلة ، ودار إليها مع دور السفينة ، فإن لم يتمكن أجزأه أن يستقبلها بتكبيرة الإحرام فإن لم يعرف القبلة توجه إلى صدر السفينة وصلى حيث توجهت ، وكذا السابح والغريق والموتحل (١) والمقيد والمربوط ، يصلون على حسب استطاعتهم ويومون بالركوع والسجود.

والعريان إن كان بحيث يراه أحد ، صلى جالسا يومئ بالركوع والسجود ، وإن كان بحيث لا يراه أحد ، صلى قائما وركع وسجد ، فإن كان العراة جماعة صلوا جلوسا ، إمامهم في وسطهم ، لا يتقدمهم إلا بركبتيه.

والخائف من العدو يصلي أيضا على حسب استطاعته ، والخوف بانفراده موجب لقصر الصلاة ، سواء كان الخائف حاضرا أو مسافرا ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وكيفية صلاة الخوف جماعة : أن يفرق الإمام أصحابه فرقتين : فرقة يجعلها بإزاء العدو ، ويصلي بالأخرى ركعة ، فإذا نهض إلى الثانية صلوا لأنفسهم الأخرى ، وهو قائم مطول للقراءة ، فإذا سلموا انصرفوا (٢) فقاموا مقام أصحابهم ، وجاءت الفرقة الأخرى فلحقوا الإمام قائما في الثانية فاستفتحوا الصلاة ، وركعوا بركوعه ، وسجدوا بسجوده ، فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا الركعة الأخرى ، وثبت جالسا حتى يلحقوه ، فإذا جلسوا معه ، سلم بهم ، وانصرفوا بتسليمة ، والدليل على صحة هذا الترتيب الإجماع المشار إليه وأيضا قوله تعالى : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ

__________________

(١) الوحل ـ بالفتح جمعه أو حال ، مثل سبب وأسباب ـ : الطين الرقيق. المصباح المنير.

(٢) في «ج» : فإذا سلموا تفرقوا.

٩٢

فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) (١) الآية ، لأن ظاهرها يقتضي أن الطائفة الثانية تصلي مع الإمام جميع صلاتها ، وعلى مذهب أبي حنيفة المخالف فيما ذكرناه يصلي معه النصف ، فقد خالف الظاهر ، ولأنه تعالى قال (فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) (٢) ، فظاهر هذا يقتضي أن يكون المراد سجود الطائفة الأولى في الركعة الثانية ، لأنه أضاف السجود إليهم.

والصلاة التي يشترك فيها الإمام والمأموم تضاف إلى الإمام أو إلى الإمام والمأموم ، ولا تضاف إلى المأموم وحده لأنه تابع ، ويشهد بصحة ما قلناه ، أن فيه تسوية بين الفرقتين من وجهين : أحدهما أن الإمام يحرم بالفرقة الأولى ويسلم بالثانية ، فيحصل للأولى فضيلة الإحرام ، وللثانية فضيلة التحليل ، وعلى قول المخالف يحرم بالأولى ولا يسلم بالثانية.

والوجه الثاني أن الفرقة الأولى حين صلت مع الإمام ، حرستها الثانية وليست في الصلاة ، وعلى قولنا : تحرس الأولى أيضا وليست في الصلاة للثانية وهي في الصلاة فتساوتا في حال الحراسة.

وعلى قول المخالف تنصرف الأولى فتقف في وجه العدو ، ولا تنقطع بذلك صلاتهم ، فتقع حراستهم وهم في الصلاة ، ويشهد بفساد قول المخالف أن الصلاة التي ذهب إليها تشتمل على أمور يبطل بمثلها الصلاة ، من المشي الكثير ، واستدبار القبلة ، والانتظار الكثير ، وقد روي من طرق المخالف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى صلاة الخوف على الترتيب الذي ذكرناه (٣) وذلك مما يحتج عليهم.

فإن كانت الصلاة المغرب صلى الإمام بالطائفة الأولى ركعة إن شاء أو ركعتين ، وبالثانية ما بقي ، فإن خافوا العدو بالانقسام ، صلوا على ظهور خيلهم

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) النساء : ١٠٢.

(٣) لاحظ سنن البيهقي : ٣ ـ ٢٦١ وسنن الدار قطني : ٢ ـ ٥٩.

٩٣

في مصافهم ، متوجهين إلى القبلة في جميع الصلاة إن أمكن ، وإلا بتكبيرة الإحرام ، ويومون بالركوع ويسجدون على قرابيس سروجهم ، وإن كانت الحال حال طراد ومسايفة عقد كل واحد منهم الصلاة بالنية وتكبيرة الإحرام ، وقال مكان كل ركعة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ويتشهد ويسلم ، كل ذلك بدليل الإجماع المقدم ذكره.

الفصل الثاني عشر

ونذكر الآن كيفية ما عدا فرائض اليوم والليلة من الصلاة المفروضة.

الفصل الثالث عشر :

في كيفية صلاة العيدين وما يتعلق بها

صلاة العيدين واجبة عندنا بشروط وهي شروط الجمعة سواء ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، لأن من صلاها برئت ذمته بيقين ، وليس كذلك من لم يصلها ، وهي ركعتان بلا خلاف باثنتي عشرة تكبيرة : سبع في الأولى وخمس في الثانية منها (١) تكبيرة الإحرام وتكبيرة القيام وتكبيرتا الركوع (٢) في رواية ، وفي رواية أخرى أنه يقوم إلى الثانية منها بغير تكبير ، ويعارض المخالف في عدد التكبيرات بما روى من طرقهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا (٣) ويقنت بين كل تكبيرتين بما نذكره ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ومن السنة أن يصحر بها ، ويخرج الإمام والمأمومون مشاة ، وأن يقف

__________________

(١) في «س» : ومنها.

(٢) في «س» : وتكبيرة الركوع.

(٣) سنن البيهقي : ٣ ـ ٢٨٥ باب التكبير في صلاة العيدين.

٩٤

الإمام كلما مشى قليلا ويكبر ، حتى يبلغ المصلى فيجلس حتى تنبسط الشمس وذلك أول وقتها ، ثم يقوم والناس معه بغير أذان ولا إقامة بلا خلاف ممن يعتد به ، بل يقول المؤذنون : الصلاة ، ثلاث مرات ، ثم يدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام ، ويقرأ الحمد والشمس وضحيها ، فإذا فرغ من القراءة كبر وقنت فقال :

اللهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل العزة والجبروت وأهل القدرة والملكوت وأهل الجود والرحمة وأهل العفو والعافية أسألك بهذا اليوم الذي عظمته وشرفته وكرمته وجعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله كرامة وذخرا ومزيدا أن تصلي على محمد وآله وتغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وتجعل لنا من كل خير قسمت فيه حظا ونصيبا برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم يكبر ويقول مثل ذلك ، حتى تكمل ست تكبيرات بعد القراءة يركع بالسادسة ، فإذا نهض إلى الركعة الثانية واستوى قائما كبر وقرأ الحمد ، (وهل أتاك حديث الغاشية) (١) ثم يكبر بعد القراءة أربعا ، يقنت بين كل تكبيرتين منها بما ذكرناه ، ويركع بالرابعة ، وعلى الرواية الأخرى (٢) يقوم بغير تكبير ويكبر بعد القراءة خمسا يركع بالخامسة ، ويحتج على المخالف بأنه لا خلاف أن من صلى على الترتيب الذي ذكرناه أجزأه ذلك إذا أداه اجتهاده إليه ، ولا دليل على إجزاء ما خالفه ، فكان الاحتياط فيما قلناه.

فإذا فرغ من الصلاة صعد المنبر فخطب بالناس ، والخطبة بعد الصلاة ، بلا خلاف ممن يعتد به ، والمكلف مخير بين سماع الخطبة والانصراف ، والسماع أفضل ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، ويستحب فعلها لمن لم يتكامل له شرائط وجوبها ، ولا يجب قضاؤها إذا فاتت ، ولا يفوت حتى تزول الشمس.

__________________

(١) الغاشية : ١.

(٢) لاحظ الوسائل : ٥ ـ ١٠٥ ، ب ١٠ من أبواب صلاة العيد.

٩٥

ولا يجوز التطوع بالصلاة للإمام ولا المأموم قبل صلاة العيد ولا بعدها ، حتى تزول الشمس ، إلا في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإن المكلف مرغب في صلاة ركعتين فيه ، ولا يجوز انعقاد صلاة العيد في موضعين بينهما دون ثلاثة أميال ، كما قلناه في الجمعة ، ولا يجوز السفر في يوم العيد قبل صلاته الواجبة ، ويكره قبل المسنونة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وإذا اجتمع عيد وجمعة وجب حضورهما على من تكاملت له شرائط تكليفهما ، وقد روي : أنه إذا حضر العيد كان مخيرا في (١) حضور الجمعة (٢) ، وظاهر القرآن وطريقة الاحتياط يقتضيان ما قدمناه.

ويستحب أن يكبر ليلة الفطر عقيب أربع صلوات أولاهن المغرب ، ويوم الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة لمن كان بمنى ، ولمن كان بغيرها من الأمصار كبر عقيب عشر صلوات ، وأول الصلوات الظهر من يوم العيد ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

الفصل الرابع عشر :

في كيفية صلاة الكسوف والآيات العظيمة وما يتعلق بها

هذه الصلاة عشر ركعات بأربع سجدات ، يركع بعد القراءة ، فإذا رفع رأسه من الركوع قرأ ، فإذا فرغ ركع ، هكذا حتى يكمل خمس ركعات ، ولا يقول : سمع الله لمن حمده إلا في رفع رأسه من الركعة الخامسة ، ثم يسجد سجدتين ، وينهض فيصنع كما صنع أولا ، ولا يقول : سمع الله لمن حمده إلا في رفع رأسه من الركعة العاشرة ، ثم يسجد سجدتين ويتشهد ويسلم. والدليل على ما ذكرناه الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا فالاحتياط يقتضي ما ذكرناه ، لمثل ما قلناه في كيفية

__________________

(١) كذا في الأصل ولكن في «ج» و «س» : كان مخيرا بين.

(٢) لاحظ الوائل : ٥ ب ١٥ من أبواب صلاة العيد.

٩٦

صلاة العيد.

ويعارض المخالف بما رواه أبي بن كعب (١) قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فصلى بنا ، وقرأ سورة من الطوال ، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، ثم قام فقرأ سورة من الطوال ، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، وجلس صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هو مستقبل القبلة ، يدعو حتى تجلى القرص. (٢)

ويستحب أن يصلي جماعة ، وأن يجهر بالقراءة فيها ، وأن يقرأ بالسور الطوال ، وأن يكبر كلما رفع رأسه من الركوع ، وأن يقنت في كل ركعتين ، وأن يجعل زمان ركوعه بمقدار زمان قيامه ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ومن تركها حتى تجلى القرص وجب عليه قضاؤها ، فإن كان متعمدا فهو مأزور (٣) ويلزمه مع القضاء التوبة والاستغفار ، وإن كان مع التعمد وقد احترق القرص كله ، استحب له مع ذلك الغسل ، كما قدمناه ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

الفصل الخامس عشر :

في كيفية صلاة الطواف وما يتعلق بها

من طاف بالبيت وجب عليه بعد فراغه ركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، ويستحب له أن يقرأ في الأولى مع الحمد سورة الإخلاص ، وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) ، فإن نسي صلاتهما عند المقام كان عليه صلاتهما عنده ، فإن لم يذكر حتى خرج ، رجع فصلاهما عنده ، فإن لم يتمكن صلاهما بحيث هو (٤) وذلك كله بدليل الإجماع المشار إليه.

__________________

(١) أبي بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي ، هو أول من كتب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مقدمه المدينة ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وروي عنه ابن عباس وأبو أيوب وعبادة ، مات سنة ١٩ وقيل ٣٢ ه‍. لاحظ تهذيب التهذيب : ١ ـ ١٨٧ وأسد الغابة ١ ـ ٤٩.

(٢) جامع الأصول : ٧ ـ ١٢٥ برقم ٤٢٧٨.

(٣) من الوزر وهو الإثم.

(٤) في «س» : حيث هو.

٩٧

الفصل السادس عشر :

في كيفية صلاة النذر وما يتعلق بها

يجب من ذلك ما يشرطه المكلف على نفسه من صفة الصلاة ، ومن فعلها في الزمان ، أو المكان المخصوص إن شرطه ، فإن فعلها على خلاف ما شرطه لزمته الإعادة.

وإن كان ما علقها به من الزمان لا مثل له ، كيوم معلوم من شهر مخصوص ، فخرج ولم يؤدها مختارا لزمه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن لم يتمكن تصدق بما قدر عليه ، فإن فوتها مضطرا فلا كفارة عليه ، والقضاء لازم له ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

الفصل السابع عشر :

في صلاة القضاء

القضاء عبارة عن فعل مثل الفائت بخروج وقته ، ولا يتبع في وجوبه وجوب الأداء ، ولهذا وجب أداء الجمعة ولم يجب قضاؤها ، ووجب قضاء الصوم على الحائض ولم يجب عليها أداؤه ، على ما قدمناه في أصول الفقه ، ويجب فعله في حال الذكر له ، إلا أن يكون ذلك آخر وقت فريضة حاضرة يخاف فوتها بفعله ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.

ويعارض المخالف بما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فذلك وقتها (١) ومن صلى الأداء قبل تضيق وقته وهو ذاكر

__________________

(١) سنن الدارمي : ١ ـ ٢٨٠ وسنن البيهقي : ٢ ـ ٢١٨ و ٢١٩ ومسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ١٠٠

٩٨

للفائت لم يجز ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا ففرض القضاء مضيق لا بدل له ، وفرض الأداء موسع ، له بدل هو العزم ، على ما بيناه في أصول الفقه ، وإذا كان كذلك لم يجز الاشتغال بالواجب الموسع وترك الواجب المضيق ، ويعارض المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا صلاة لمن عليه صلاة. (١)

ومن صلى الأداء قبل تضيق وقته ، وهو غير ذاكر للفائت ، لم يخل إما أن يذكره وهو في الصلاة ، أو بعد خروجه منها ، فإن ذكره وهو في الصلاة ، لزمه نقل النية إليه إن أمكن ذلك ، فإن لم يفعل لم يجز الأداء ، وإن لم يذكره حتى خرج من الصلاة أجزأه ، وذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ومن فاتته صلاة من الخمس غير معلومة له بعينها ، لزمه أن يصلي الخمس بأسرها ، وأن ينوي بكل صلاة منها قضاء الفائت ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ومن فاته من الصلاة ما لم يعلم كميته ، لزمه أن يقضي صلاة يوم بعد يوم ، حتى يغلب على ظنه الوفاء.

ومن أغمي عليه قبل دخول وقت الصلاة لا لسبب أدخله على نفسه بمعصية (٢) إذا لم يفق حتى خرج وقت الصلاة ، لم يجب قضاؤها ، بدليل الإجماع المشار إليه.

والمرتد يجب عليه إذا عاد إلى الإسلام قضاء ما فاته في حال ردته ، وقبل أن يرتد ، من الصلاة وغيرها من العبادات ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فقد دللنا فيما مضى على أن الكفار مخاطبون بالشرائع ، ومن جملتها قضاء ما يفوت من

__________________

و ٢٤٣ و ٢٦٩ باختلاف يسير.

(١) لم نجد النص في صحاح القوم ومسانيدهم نعم نقله الشيخ ـ قدس‌سره ـ في المبسوط : ١ ـ ١٢٧ والخلاف كتاب الصلاة ، المسألة ١٣٩. ونسبه المحقق الثاني إلى الأئمة عليهم‌السلام ، لاحظ جامع المقاصد ٢ ـ ٢٥ من الطبعة الحديثة.

(٢) في «ج» و «س» : بمعصيته.

٩٩

العبادات ، ولا يلزم على ذلك الكافر الأصلي ، لأنا أخرجناه بدليل ، وهو إجماع الأمة على أنه ليس عليه قضاؤه.

ومن مات وعليه صلاة ، وجب على وليه قضاؤها ، وإن تصدق عن كل ركعتين بمد أجزأه ، فإن لم يستطع فعن كل أربع بمد ، فإن لم يجد فمد لصلاة النهار ومد لصلاة الليل ، وذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، وكذلك نقول في وجوب قضاء الصوم والحج على الولي.

وقوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلّا ما سَعى) (١) ، وما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث (٢) ، لا ينافي ما ذكرناه ، لأنا لا نقول : ان الميت يثاب بفعل الولي ، ولا أن عمله لم ينقطع ، وإنما نقول : إن الله تعالى تعبد (٣) الولي بذلك والثواب له دون الميت ، ويسمى قضاء عنه من حيث حصل عند تفريطه.

ويعارض المخالف في قضاء العبادة عن الميت بما رووه عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من مات وعليه صيام صام عنه وليه (٤) ، ورووا أن امرأة جاءت إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالت : إنه كان على أمي صوم شهر ، فأقضيه عنها؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أرأيت لو كان على أمك دين أكنت تقضينه؟ قالت : نعم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فدين الله أحق أن يقضى (٥) ، ومثل ذلك رووا في الحج في خبر الخثعمية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين سألته عن قضائه عن أبيها (٦) ، وروى ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله في صوم النذر : أنه أمر ولي الميت

__________________

(١) النجم : ٣٩.

(٢) بحار الأنوار : ٢ ـ ٢٢ و ٢٣ ، عوالي اللئالي : ١ ـ ٩٧ ، الجامع الصغير : ١ ـ ١٣٠ برقم ٨٥٠ ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٣٧٢. وفي بعض المصادر (إذا مات الإنسان.).

(٣) في «س» : «يقيد» والصحيح ما في المتن.

(٤) صحيح مسلم : ٣ ـ ١٥٥ كتاب الصيام ، باب قضاء الصيام عن الميت.

(٥) صحيح مسلم : ٣ ـ ١٥٥ كتاب الصيام ، باب قضاء الصيام عن الميت.

(٦) لاحظ صحيح البخاري : ٢ ـ ١٦٣ كتاب الحج باب وجوب الحج ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١١٠ ، كتاب الحج.

١٠٠