غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

أن يصوم عنه. (١)

الفصل الثامن عشر :

في كيفية الصلاة على الأموات وما يتعلق بذلك

لما كانت الصلاة عليهم تترتب على أمور يتقدمها ، من تغسيل وتكفين ، اقتضى ذلك تقديم ذكرهما ، ونحن نفعل ذلك ، ثم نتبعه بذكر كيفية الصلاة عليه ، ونتبع ذلك بكيفية دفنه ، إن شاء الله تعالى ، فنقول :

غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية ، إذا قام به بعض المكلفين سقط عن الباقين بلا خلاف ، وإذا أريد غسله استحب أن يوضع على سرير أو غيره ، مما يرفعه عن الأرض ، وأن يكون ذلك تحت سقف ، وأن يوجه إلى القبلة بأن يكون باطن قدميه إليها ، وأن يحفر لماء الغسل حفيرة تخصه ، وأن يقف الغاسل على جانبه الأيمن ، وأن لا يتخطاه ، وأن يغسل يديه ـ أعني الميت ـ إلا أن يكون عليهما نجاسة ، فيجب الغسل ، وكذا حكم فرجه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

ويستحب أن يوضئه بعد ذلك على قول الأكثر من أصحابنا ، ولا خلاف بينهم أنه لا يمضمض ولا يستنشق (٢) ، ووجب بعد ذلك أن يغسل على هيئة غسل الجنابة ثلاث غسلات : الأولى بماء السدر ، والثانية بماء جلال الكافور (٣) والثالثة بماء القراح ، ولا يجوز أن يقعد بل يستحب أن يمسح بطنه مسحا رقيقا في الغسلتين الأوليين بدليل الإجماع المشار إليه. ويكره إسخان الماء إلا أن يخاف

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ ـ ١٥٦ كتاب الصيام.

(٢) كذا في «ج» : ولكن في الأصل و «س» : ولا ينشق.

(٣) قال الحلي : معنى الجلال : الجليل وهو الجيد فهو من أوزان المبالغة في أوصاف الجودة. لاحظ السرائر : ١ ـ ١٦٠.

١٠١

الغاسل الضرر لشدة البرد ، ولا يجوز قص أظفاره ، ولا إزالة شي‌ء من شعره ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ويغسل القتيل بحق (١) وغير حق ، إلا قتيل المعركة في جهاد لازم فإنه لا يغسل وإن كان جنبا ، ويدفن في ثيابه إلا القلنسوة والفروة والسراويل ، فإن أصاب شيئا من ذلك دم لم ينزع ، وينزع الخف على كل حال ، فإن نقل عن المعركة وفيه حياة ثم مات غسل ، ولا يغسل ما وجد من أبعاض الإنسان إلا أن يكون موضع صدره ، أو يكون فيه عظم ، ولا يغسل السقط إذا كان له أقل من أربعة أشهر ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وإذا لم يوجد للرجل من يغسله من الرجال المسلمين غسلته زوجته أو ذوات أرحامه من النساء ، فإن لم يوجد من هذه صفته ، غسلته الأجانب في قميصه وهن مغمضات ، وكذلك الحكم في المرأة إذا ماتت بين الرجال ، ومن أصحابنا من قال : إذا لم يوجد للرجل إلا الأجانب من النساء وللمرأة إلا الأجانب من الرجال ، دفن كل واحد منهما بثيابه من غير غسل (٢) ، والأول أحوط.

وأما الكفن فالواجب منه ثلاثة : مئزر وقميص وإزار ، والمستحب أن يزاد على ذلك لفافتان أحدهما الحبرة وعمامة وخرقة يشد بها فخذاه ، ولا يجوز أن يكون مما لا تجوز الصلاة فيه من اللباس ، وأفضله الثياب البياض من القطن أو الكتان ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

والحنوط هو الكافور يوضع على مساجد الميت ، ولا يجوز أن يطيب بغيره ولا به إذا كان محرما ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، والسائغ منه ثلاثة عشر درهما وثلث ، ويجزي مثقال واحد ، بدليل الإجماع أيضا.

__________________

(١) في «ج» : ويغسل القتيل بجور.

(٢) الشيخ الطوسي : المبسوط : ١ ـ ١٧٥.

١٠٢

ويستحب أن يوضع في الكفن جريدتان خضراوان ، من جرائد النخل ، طول كل واحدة منهما كعظم الذراع ، ويستحب أن يكتب عليهما وعلى القميص والإزار ما يستحب أن يلقنه الميت من الإقرار بالشهادتين وبالأئمة والبعث والثواب والعقاب ، ثم يلف عليهما شي‌ء من القطن ، ويجعل إحداهما مع جانب الميت الأيمن قائمة من ترقوته ملصقة بجلده ، والأخرى من الجانب الأيسر كذلك ، إلا أنها بين الذراع والإزار ، وذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وقد روي من طرق المخالفين في الصحاح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اجتاز بقبرين فقال : إنهما ليعذبان بكثير (١) إن أحدهما كان نماما والآخر لا يستبرئ من البول ، ثم استدعى بجريدة فشقها نصفين ، وغرس في كل قبر واحدة وقال : إنهما لتدفعان عنهما العذاب ما دامتا رطبتين. (٢)

وأما كيفية الصلاة عليه فالواجب منها أن يكبر المصلي خمس تكبيرات يشهد بعد الأولى الشهادتين ويصلي بعد الثانية على محمد وآله ويدعو بعد الثالثة للمؤمنين والمؤمنات فيقول :

اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم أدخل على أمواتهم رأفتك ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضيك إنك على كل شي‌ء قدير.

ويدعو بعد الرابعة للميت إذا كان ظاهره الإيمان والصلاح فيقول :

اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللهم

__________________

(١) في «س» : ليعذبان وما يعذبان بكثير.

(٢) جامع الأصول : ١١ ـ ٤٤٨ والفتاوى الكبرى : ٥ ـ ٤٤٧ والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٨٦ وسنن البيهقي : ١ ـ ١٠٤ : ولفظ الحديث : «وما يعذبان بكبير» أي في شي‌ء كبير عند الناس ، لسهولة التحفظ من البول والنميمة (لاحظ التاج الجامع).

١٠٣

لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا ، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له وارحمه ، اللهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على أهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين.

وإن كان الميت امرأة قال : اللهم أمتك بنت عبدك وأمتك ، وكنى عن المؤنث إلى آخر الدعاء.

وإن كان طفلا قال : اللهم هذا الطفل كما خلقته قادرا قبضته طاهرا فاجعله لأبويه فرطا ونورا وارزقنا أجرة ولا تفتنا بعده. (١)

وإن كان مستضعفا قال : ربنا اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم.

وإن كان غريبا لا يعرفه قال : اللهم هذه النفس أنت أحييتها وأنت أمتها وأنت تعلم سرها وعلانيتها فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت.

وإن كان مخالفا للحق دعا عليه بما هو أهله ، ويخرج بالتكبيرة الخامسة من الصلاة من غير تسليم ، والدليل على ذلك الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر خمسا (٢) ولا يعارض ذلك ما رووه من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كبر أربعا (٣) لأنه يحتمل أن يكون كبر أربعا سمعن ولم تسمع الخامسة ، ولأن من روى أنه كبر أربعا لم ينف الزيادة عليها ، ومن كبر خمسا فقد كبر أربعا ، ويعارض المخالف في إسقاط التسليم بإسقاط ما هو أوكد منه من الركوع والسجود ، وإذا سقط ذلك بلا خلاف فما المنكر من إسقاط التسليم؟

__________________

(١) في «ج» : ولا تفتتنا بعده.

(٢) صحيح مسلم : ٣ ـ ٥٦ ، كتاب الجنائز ، باب الصلاة على القبر ، وسنن البيهقي : ٤ ـ ٣٦ ، وجامع الأصول : ٧ ـ ١٤٣ برقم ٤٣٠٠.

(٣) صحيح مسلم : ٣ ـ ٥٤ ، كتاب الجنائز ، باب في التكبير على الجنازة ، وسنن البيهقي : ٤ ـ ٣٥.

١٠٤

والمستحب أن يقدم للصلاة أولى الناس بالميت أو من يقدمه ، وأن يقف الإمام حيال وسط الميت إن كان رجلا ، وصدره إن كان امرأة ، ولا ترفع اليدان إلا في التكبيرة الأولى ، وأن يتحفى الإمام ، ولا يبرح بعد فراغه حتى ترفع الجنازة ، وأن يقول من يصليها بعد الخامسة : «عفوك» ثلاث مرات ، وأن يكون على طهارة ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وصبي ، استحب أن يجعل الرجل مما يلي الإمام ، وبعده المرأة ، وبعدها الصبي ، بدليل الإجماع أيضا ، ولا يصلى على من لم يبلغ ست سنين فصاعدا ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن الصلاة على الميت حكم شرعي يفتقر إلى دليل ، ولا دليل من جهة الشرع على وجوب الصلاة على من نقصت سنه عما ذكرناه.

ولا يجوز أن يصلى على الميت بعد أن يمضي عليه يوم وليلة مدفونا لمثل ما قدمناه في المسألة الأولى ، ويجب إعادة الصلاة على الميت إذا كانت الجنازة مقلوبة ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ويصلى على قتلي المسلمين إذا لم يتميزوا من قتلي الكفار بالقصد إليهم ، ويصلى على المصلوب ولا يستقبل المصلي وجهه ، والصلاة على الميت تكره أن تعاد ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وأما كيفية دفن الميت وما يتعلق بها : فالواجب منها أن يوضع على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة ، والمستحب من ذلك تشييع الجنازة بالمشي خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ، وأن يوضع إذا انتهى بها إلى القبر من قبل رجله ، إن كان الميت رجلا ، وأن ينقل (١) إليه في ثلاث مرات ، ولا يفجأ بها ، وأن ينزل من قبل رجلي القبر أيضا إليه يسل سلا ، ويسبق إلى القبر رأسه قبل رجليه ، وإن كانت امرأة وضعت أمام القبر من جهة القبلة ، وأنزلت فيه بالعرض.

__________________

(١) في «س» : وإن انتقل.

١٠٥

وأن يكون عمق القبر قدر قامة ، وأن يجعل فيه لحد أو شق ، واللحد أفضل.

وأن تحل حين وضعه فيه عقد أكفانه ، ويوضع خده على التراب ، ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام ، ويصنع ذلك به وليه أو من يأمره الولي ، ولا يصنع ذلك بالمرأة إلا من كان يجوز له النظر إليها في حياتها.

وأن يشرج عليه اللبن (١) أو ما يقوم مقامه ، وأن يرفع القبر من الأرض بعد طمه ، مقدار شبر أو أربع أصابع مفرجات ، وأن يربع ولا يسنم ، وأن يرش عليه الماء ، يبدأ من عند رأسه ، ويدار عليه حتى يرجع إلى الرأس ، وأن يلقن أيضا بعد انصراف الناس عنه ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وفيه الحجة.

الفصل التاسع عشر :

في كيفية الصلوات المسنونات

أما نوافل اليوم والليلة فأربع وثلاثون ركعة ، في حق الحاضر ومن هو في حكمه ، ثمان منها بعد الزوال وقبل الظهر ، وثمان بعد الظهر وقبل العصر ، وأربع بعد المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة ، وثمان ركعات صلاة الليل ، وركعتا الشفع وركعة الوتر ، وركعتا الفجر. وفي حق المسافر ومن هو في حكمه سبع عشرة ركعة ، تسقط عنه نوافل الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، ويبقى ما عداها.

ويسلم في كل ركعتين من جميع النوافل ، ويفتتح بالتوجه منها نوافل الظهر والمغرب وعشاء الآخرة ونوافل الليل وركعة الوتر ، ويقرأ فيهما بعد الحمد ما شاء

__________________

(١) اللبن ـ بكسر الباء ـ : ما يعمل من الطين ، شرج اللبن : نضده ، أي ضم بعضه إلى بعض. المصباح المنير.

١٠٦

من السور أو من أبعاضها ، ويجوز الاقتصار في النوافل كلها مع الاختيار على الحمد وحدها.

ويستحب أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الليل بعد الحمد ، سورة الإخلاص ثلاثين مرة ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ثلاثين مرة ، وأن يطول في القراءة في باقي الركعات ، إذا لم يخف طلوع الفجر ، وأن يطول قنوت الوتر ، ودعاؤه موجود في كتب العمل ، لا نطول بذكره ها هنا.

والأفضل الإخفات في نوافل النهار والجهر في نوافل الليل ، وكيفية النوافل فيما عدا ما ذكرناه كالفرائض ، ويستحب قضاؤها إذا فاتت ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ونوافل الجمعة عشرون ركعة : ست في صدر النهار ، وست إذا ارتفع ، وست قبل الزوال ، وركعتان في أول الزوال ، فإن لم يتمكن من ترتيبها كذلك ، صليت جملة واحدة قبل الزوال ، فإن أدرك الزوال وقد بقي منها شي‌ء قضى بعد العصر ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وأما نوافل شهر رمضان فألف ركعة زائدة على ما قدمناه من نوافل اليوم والليلة ، يصلى من ذلك في كل ليلة عشرون ركعة : ثمان منها بعد نوافل المغرب ، واثنتا عشرة ركعة بعد العشاء الآخرة وقبل نافلتها ، من أول الشهر إلى تمام عشرين ليلة منه ، وفي كل ليلة من العشر الأخيرة ثلاثون ركعة : اثنتا عشرة ركعة بعد نوافل المغرب ، وثمان عشرة ركعة بعد عشاء الآخرة ، ويصلى ليلة تسع عشرة مائة ركعة ، وليلة إحدى وعشرين مائة ركعة ، وليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة ، مضافة إلى ما تقدم.

وإن اقتصر في الليالي الثلاث على المائة فقط ، وصلى في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات صلاة أمير المؤمنين والزهراء وجعفر عليهم‌السلام ، وفي ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وفي ليلة السبت بعدها

١٠٧

عشرين ركعة من صلاة الزهراء عليها‌السلام كان حسنا.

وقد روي أنه يستحب أن يصلى ليلة النصف منه مائة ركعة ، يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة الإخلاص عشر مرات ، وليلة الفطر ركعتين ، يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد سورة الإخلاص ألف مرة ، وفي الثانية مرة واحدة.

وأما صلاة الغدير وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فركعتان يصلى قبل الزوال بنصف ساعة ، يقرأ في الأولى والثانية بعد الحمد (١) سورة الإخلاص عشر مرات ، وسورة القدر كذلك ، وآية الكرسي كذلك ، ويستحب أن يصلى جماعة ، وأن يجهر فيها بالقراءة ، وأن يخطب قبل الصلاة خطبة مقصورة على حمد الله والثناء عليه والصلاة على محمد وآله ، وذكر فضل هذا اليوم وما أمر الله به فيه من النص بالإمامة على أمير المؤمنين عليه‌السلام.

وأما صلاة يوم المبعث وهو اليوم السابع والعشرون من رجب فاثنتا عشرة ركعة ، يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد سورة يس.

وأما صلاة ليلة النصف من شعبان فأربع ركعات يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة الإخلاص مائة مرة.

وأما صلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام فأربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة بعد الحمد سورة الإخلاص خمسين مرة.

وأما صلاة جعفر عليه‌السلام وتسمى صلاة الحبوة (٢) وصلاة التسبيح ، فأربع ركعات يقرأ في الأولى منها بعد الحمد إذا زلزلت وفي الثانية والعاديات

__________________

(١) كذا في «س» ولكن في الأصل و «ج» : «يقرأ في الأولى بعد الحمد» وفي حاشية الأصل : يقرأ في كل واحد منهما.

(٢) وإنما سميت بذلك لأنها حباء من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنحة منه ، وعطية من الله تفضل بها على جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام لاحظ مجمع البحرين ، مادة «حبا».

١٠٨

وفي الثالثة (إذا جاء نصر الله والفتح) وفي الرابعة سورة الإخلاص ، ويقول في كل ركعة بعد القراءة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، خمس عشرة مرة ، وفي الركوع عشر مرات ، وكذا بعد رفع الرأس منه ، وكذا في كل سجدة وبعد رفع الرأس منها ، ويسلم في كل ركعتين ، وذلك هو المشروع في النوافل كما ذكرناه أولا.

وأما صلاة الزهراء عليها‌السلام فركعتان يقرأ في الأولى بعد الحمد سورة القدر مائة مرة ، وفي الثانية سورة الإخلاص مائة مرة.

وأما صلاة الإحرام فست ركعات ويجزي ركعتان ، يفتتحهما بالتوجه ، ويقرأ في الأولى بعد الحمد سورة الإخلاص ، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ، ووقتها حين يريد الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ، وأفضل أوقاتها بعد صلاة الظهر.

وأما صلاة الزيارة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لأحد الأئمة عليهم‌السلام فركعتان عند الرأس ، بعد الفراغ من الزيارة ، فإن أراد الإنسان الزيارة لأحدهم وهو مقيم في بلده ، قدم الصلاة ثم زار عقيبها.

ويصلي الزائر لأمير المؤمنين عليه‌السلام ست ركعات : ركعتان له ، وأربع لآدم ونوح عليهما‌السلام ، لأنه مدفون عندهما.

وأما صلاة الاستخارة فركعتان يقول الإنسان بعدهما وهو ساجد : أستخير الله ، مائة مرة ، اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستهديك بقدرتك إنك تعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب فصل على محمد وآله وخر لي في كذا وكذا ، ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة لأجلها.

وأما صلاة الحاجة فيستحب أن يصام لها الأربعاء والخميس والجمعة ، ويغتسل من يريد صلاتها ، ويلبس أجمل ما له من الثياب ، ويصعد إلى سطح داره أو غيره من الأماكن المنكشفة ، فيصلي ركعتين يبتهل بعدهما إلى الله تعالى في نجاح

١٠٩

حاجته فإذا قضيت صلى ركعتين صلاة الشكر ، ويقول في ركوعه وسجوده فيهما : الحمد لله شكرا شكرا لله ، ويقول بعد التسليم : الحمد لله الذي قضى حاجتي وأعطاني مسألتي ، ويسجد ويقول وهو ساجد : شكرا شكرا ، مائة مرة.

وأما صلاة الاستسقاء فركعتان كصلاة العيد يقنت بين التكبيرين (١) بما يفتتح من الدعاء ، فإذا فرغ الإمام من الصلاة صعد المنبر ، فخطب خطبة يحث الناس فيها ، بعد حمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على محمد وآله ، على التوبة وفعل الخير ، ويحذر الإقامة على المعاصي ، ويعلم أن ذلك سبب القحط.

فإذا فرغ من الخطبة حول ما على منكبه الأيمن من الرداء إلى الأيسر ، وما على الأيسر إلى الأيمن ، ثم استقبل القبلة فكبر مائة مرة ، رافعا بها صوته والناس معه ، ثم حول وجهه إلى يمينه فسبح مائة مرة والناس معه ، ثم حول وجهه إلى يساره فحمد الله مائة مرة والناس معه ، ثم حول وجهه إلى الناس فاستغفر الله مائة مرة والناس معه ، ثم يحول وجهه إلى القبلة ويسأل الله تعالى تعجيل الغيث ويؤمن الناس على دعائه. ويستحب لهذه الصلاة صيام ثلاثة أيام وخروج إمام الصلاة ومؤذنيه وكافة أهل البلد معه إلى ظاهره على هيئة الخروج إلى صلاة العيد ، ولا تصلى في مسجد إلا أن يكون بمكة.

وأما صلاة تحية المسجد فركعتان يقدمهما داخله تحية له قبل شروعه فيما يريده من عبادة أو غيرها ، ودليل ذلك كله الإجماع الماضي ذكره ، ويعارض المخالف في صلاة الاستسقاء بما روى من طرقهم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج يوما يستسقي فصلى ركعتين (٢) وعن عبد الله بن زيد الأنصاري (٣) : أن

__________________

(١) في الأصل و «س» : بين التكبير.

(٢) سنن البيهقي : ٣ ـ ٣٤٧.

(٣) عبد الله بن زيد بن عاصم بن كعب الأنصاري ، شارك وحشي بن حرب في قتل مسيلمة الذي قتل أخاه حبيب بن زيد ، روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مات يوم الحرة سنة ٦٣ ه‍. أسد الغابة : ٣ ـ ١٦٧ وتهذيب التهذيب : ٥ ـ ٢٢٣.

١١٠

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج يستسقي فصلى ركعتين وجهر بالقراءة وحول رداءه. (١)

الفصل العشرون :

فيما يقطع الصلاة ويوجب إعادتها

تجب إعادة الصلاة على من تعمد ترك شي‌ء مما يجب فعله فيها ، أو فعل شي‌ء مما يجب تركه ، وقد قدمنا ذكره ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ويجب إعادتها على من سها فصلى بغير طهارة ، أو قبل دخول الوقت ، أو مستدبر القبلة ، أو فيما لا يجوز الصلاة فيه ولا عليه ، من النجس أو المغصوب ، بدليل ما قدمناه ، فإن لم يتقدم له علم بالنجاسة والغصب ، فصلى ثم علم بذلك والوقت باق لزمته الإعادة ، ولم تلزمه بعد خروجه ، وهكذا حكم من سها فصلى إلى يمين القبلة أو شمالها ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

وتلزم الإعادة لمن سها عن النية ، أو تكبيرة الإحرام ، أو عن الركوع حتى يسجد ، أو عن سجدتين من ركعة ولم يذكر حتى رفع رأسه من الركعة الأخرى (٢) ، أو سها فزاد ركعة أو سجدة (٣) ، أو سها ، فنقص ركعة أو أكثر منها (٤) ولم يذكر حتى استدبر القبلة ، أو تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

وتجب الإعادة على من شك في الركعتين الأوليين من كل رباعية ، وفي صلاة المغرب والغداة وصلاة السفر ، فلم يدرأ واحدة صلى أم اثنتين أم ثلاثا ، ولا غلب في ظنه شي‌ء من ذلك ، بدليل ما تقدم.

__________________

(١) سنن البيهقي : ٣ ـ ٣٥٠ كتاب صلاة الاستسقاء باب كيفية تحويل الرداء.

(٢) وعند المشهور : حتى دخل في الركوع.

(٣) ترك السجدة الواحدة ليس موجبا للبطلان عند المشهور.

(٤) في الأصل : وأكثر منها.

١١١

الفصل الحادي والعشرون :

فيما يتعلق بالصلاة من الأحكام

اعلم أن أكثر ذلك ومعظمه قد ذكرناه فيما تقدم من الفصول ، ولم يبق إلا أحكام السهو فيها ، ونحن نبين ذلك فنقول : هو فيها على ضروب خمسة :

أولها يوجب الإعادة.

وثانيها يوجب الاحتياط.

وثالثها يوجب التلافي.

ورابعها يوجب الجبران بسجدتي السهو.

وخامسها لا حكم له.

فأما ما يوجب الإعادة فقد بيناه في الفصل الذي قبل هذا الفصل.

وأما ما يوجب الاحتياط فهو أن يشك في الركعتين الأخريين من كل رباعية فإنه يبني على الأكثر ، ويجبر النقصان بعد التسليم ، مثال ذلك : أن يشك بين اثنتين وثلاث ، أو بين ثلاث وأربع ، أو بين اثنتين وثلاث وأربع ، فإنه يبني في الصورة الأولى على الثلاث ، ويتمم الصلاة ، فإذا سلم صلى ركعة من قيام ، أو ركعتين من جلوس يقومان مقام ركعة ، فإن كان ما صلاه ثلاثا ، كان ما جبر به (١) نافلة ، وإن كان اثنتين كان ذلك جبرانا لصلاته.

وكذلك يصنع في الصورة الثانية ، ويصلي في الصورة الثالثة بعد التسليم ركعتين من قيام وركعتين من جلوس ، ويدل على ذلك الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، لأنه إذا بنى (٢) على الأقل على قول المخالف لم يأمن أن يكون قد

__________________

(١) في «ج» : يجبر به.

(٢) في «س» : يبني.

١١٢

صلى الأكثر فتفسد صلاته بالزيادة فيها.

فإن قيل : وكذا إذا بنى على الأكثر لا يأمن أن يكون قد فعل الأقل وما يفعله من الجبران غير نافع ، لأنه منفصل من الصلاة وبعد الخروج منها؟

قلنا : تقديم السلام في غير موضعه لا يجري في إفساد الصلاة مجرى زيادة ركعة أو ركعتين ، لأن العلم بأن الزيادة تفسد الصلاة على كل حال ، وليس كذلك العلم بتقديم السلام ، فكان الاحتياط فيما ذهبنا إليه على ما قلناه.

وأما ما يوجب التلافي فأن يسهو عن قراءة الحمد ويقرأ سورة غيرها ، فيلزمه قبل الركوع أن يتلافي بترتيب القراءة ، وكذا إن سها عن قراءة السورة ، وكذا إن سها عن تسبيح الركوع والسجود قبل رفع رأسه منهما ، وكذا إن شك في الركوع وهو قائم تلافاه ، فإن ذكر وهو راكع أنه قد كان ركع أرسل نفسه إلى السجود ولم يرفع رأسه ، وكذا الحكم إن شك في سجدة أو سجدتين فذكر ذلك قبل أن يركع أو ينصرف أو يتكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ، وكذا إن شك في التشهد ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.

وأما ما يوجب الجبران فأن يسهو عن سجدة واحدة ويذكرها وقد ركع فإنه يلزمه مع قضائها بعد التسليم سجدتا السهو ، وكذا الحكم في السهو عن التشهد ، ويلزم الجبران بسجدتي السهو لمن قام في موضع جلوس ، أو جلس في موضع قيام ، ولمن شك بين الأربع والخمس ، ولمن سلم في غير موضعه ، ولمن تكلم بما لا يجوز مثله في الصلاة ناسيا ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

ويعارض من قال من المخالفين بأن كلام الساهي يبطل الصلاة بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (١) ، لأن المراد رفع الحكم لا رفع الفعل نفسه ، وذلك عام في جميع الأحكام إلا ما خصه

__________________

(١) الجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ ، برقم ٤٤٦١ ، وسنن ابن ماجة : ١ ـ ٦٥٩ برقم ٢٠٤٣ و ٢٠٤٥.

١١٣

الدليل ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا (١) ، ولم يذكر الكلام ، ولو كان حدثا يقطع الصلاة لذكره.

وسجدتا السهو بعد التسليم ليس فيهما قراءة ولا ركوع ، بل يقول في كل واحدة منهما : بسم الله وبالله اللهم صل على محمد وآل محمد ، ويتشهد تشهدا خفيفا ويسلم.

ويعارض من قال إنهما قبل التسليم بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين (٢) وفي خبر آخر : من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم. (٣)

وأما ما لا حكم له فهو أن يشك في فعل وقد انتقل إلى غيره ، مثل أن يشك في تكبيرة الإحرام وهو في القراءة ، أو في القراءة وهو في الركوع ، أو في الركوع وهو في السجود ، أو في السجود وهو في حال القراءة ، أو في التشهد وهو كذلك ، أو في تسبيح الركوع أو في السجود بعد رفع رأسه منهما ، ولا حكم للسهو الكثير المتواتر ، ولا حكم له في النافلة ، ولا في جبران السهو ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٩٦ والجامع الصغير : ١ برقم ٢٠٢٧ وكنز العمال : ١ ـ ٢٥١ برقم ١٢٦٩ و ١٢٧٠ وعوالي اللئالي : ١ ـ ٣٨٠ مع اختلاف يسير في بعض المصادر ونقله الشيخ في الخلاف كتاب الصلاة ، المسألة ١٥٧ كما في المتن.

(٢) مسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٣٧٩ وسنن الدار قطني : ١ ـ ٣٧٦ برقم ٢.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٠٥ و ٢٠٦ وسنن الدار قطني : ١ ـ ٣٧٥ برقم ١.

١١٤

كتاب الزكاة

يحتاج في الزكاة إلى العلم بسبعة أشياء : أقسامها وما تجب فيه ، وشرائط وجوبها ، وصحة أدائها ، ومقدار الواجب منها ، ومن المستحق لها ، ومقدار ما يعطى منها ، وما يتعلق بذلك من الأحكام.

أما أقسامها فعلى ضربين : مفروض ومسنون :

فالمفروض على ضربين : زكاة الأموال ، وزكاة الرؤوس.

فزكاة الأموال تجب في تسعة أشياء : الذهب والفضة والخارج من الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وفي الإبل والبقر والغنم بلا خلاف.

ولا تجب فيما عدا ما ذكرناه ، بدليل الإجماع الماضي ذكره في كل المسائل ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بإيجاب الزكاة من غير ما عددناه يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل على ذلك ، وأيضا فظاهر قوله تعالى (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) (١) ، يدل على ما قلناه ، لأن المراد أنه تعالى لا يوجب فيها حقوقا ، ولا يخرج من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع.

ويعارض المخالف في وجوب الزكاة في عروض التجارة خاصة بما روى من

__________________

(١) محمد : ٣٦.

١١٥

طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة (١) ، ولم يفصل بين ما كان معرضا للتجارة وبين ما ليس كذلك ، وإذا ثبت ذلك في العبد والفرس ثبت في غيرهما ، لأن أحدا لم يفصل بين الأمرين.

وتعلق المخالف بقوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٢) ، لا يصح لأنا نقول له : لم قلت : إن المراد بذلك الحق المأخوذ على سبيل الزكاة ، وما أنكرت أن يكون المراد به الشي‌ء اليسير الذي يعطاه الفقير المجتاز ، من الزرع وقت الحصاد على جهة التبرع؟ وليس له أن ينكر وقوع لفظة «حق» على المندوب ، لأنه قد روى من طريقه أن رجلا قال : يا رسول الله هل علي حق في إبلي سوى الزكاة؟ فقال عليه‌السلام : نعم تحمل عليها وتسقى من لبنها. (٣)

ويشهد بصحة ما قلناه في الآية أمور أربعة :

أحدها : ورود الرواية (٤) بذلك عندنا.

وثانيها : قوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا) (٥) ، لأن الزكاة الواجبة مقدرة ، والسرف لا ينهى عنه في المقدر.

وثالثها : أن إعطاء الزكاة الواجبة في وقت الحصاد لا يصح ، وإنما يصح بعد الدياس والتصفية ، من حيث كانت مقدارا مخصوصا من الكيل ، وذلك

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ ـ ٦٧ كتاب الزكاة ، وجامع الأصول : ٥ ـ ٣٣٩ والتاج الجامع للأصول : ٣ ـ ١٠ والجامع الصغير : ٢ ـ ٤٥٧ برقم ٧٦١٤ وسنن البيهقي : ٤ ـ ١١٧ كتاب الزكاة ، باب لا صدقة في الخيل ، وسن ابن ماجة : ١ ـ ٥٧٩ برقم ١٨١٢ وصحيح الترمذي ٣ ـ ٢٤ برقم ٦٢٨ ، كتاب الزكاة.

(٢) الأنعام : ١٤١.

(٣) لم نعثر عليه في صحاح القوم ومسانيدهم نعم نقله السيد المرتضى ـ قدس‌سره ـ في الانتصار : ٧٧ والراوندي في فقه القرآن : ١ ـ ٢١٧.

(٤) في «ج» و «س» : «ورد الرواية» ولاحظ الوسائل : ٦ ـ ١٣٤ ب ١٣ من أبواب زكاة الغلاة.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١١٦

لا يؤخذ إلا من مكيل.

ورابعها : ما روي من نهيه عليه‌السلام عن الحصاد والجذاذ (١) وهو صرم النخل بالليل ، وليس ذلك إلا لما فيه من حرمان الفقراء والمساكين ، كما قلناه.

وقوله تعالى (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) (٢) ، لا يصح أيضا التعلق به ، لأنا لا نسلم أن اسم الإنفاق يقع بإطلاقه على الزكاة الواجبة ، بل لا يقع بالإطلاق إلا على غير الواجب ، ولو سلمنا ذلك لخصصنا الآية بالدليل.

وتعلق المخالف بقوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٣) ، وأن ذلك يدخل فيه عروض التجارة وغيرها ، متروك الظاهر عندهم ، لأنهم يضمرون أن تبلغ قيمة العروض مقدار النصاب ، وإذا عدلوا عن الظاهر ، لم يكونوا بذلك أولى من مخالفهم إذا عدل عنه ، وخص الآية بالأصناف التي أجمع على وجوب الزكاة فيها.

وبهذا نجيب عن تعلقهم بقوله تعالى (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (٤) ، وأيضا فسياق هذه الآية يدل على أنها خارجة مخرج المدح للمذكورين فيها بما فعلوا ، وعلى هذا يكون معناها : ويعطون من أموالهم حقا للسائل والمحروم ، وإعطاءهم قد يكون ندبا ، كما يكون واجبا ، لأن المدح جائز على كل واحد منهما.

وقوله تعالى : (وَآتُوا الزَّكاةَ) (٥) ، لا يصح لهم أيضا التعلق به ، لأن اسم

__________________

(١) لاحظ مستدرك الوسائل : ٧ ـ ٩٣ من الطبع الحديث.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) التوبة : ١٠٣.

(٤) الذاريات : ١٩.

(٥) البقرة : ٤٣.

١١٧

الزكاة شرعي ، فعليهم أن يدلوا على أن في عروض التجارة وغيرها مما ننفي (١) وجوب الزكاة فيه زكاة حتى يتناولها الاسم ، فإن ذلك غير مسلم لهم ، وقوله عليه‌السلام : حصنوا أموالكم بالصدقة (٢) لا دليل لهم أيضا فيه ، لأنه خبر واحد ، ثم هو مخصوص بما قدمناه ، على أن ظاهره لا يفيد تحصين كل مال بصدقة منه ، ويجوز تحصين أموال التجارة وما لا زكاة تجب فيه ، بالصدقة مما تجب فيه الزكاة.

الفصل الأول

وأما شرائط وجوبها في الذهب والفضة : فالبلوغ ، وكمال العقل ، وبلوغ النصاب ، والملك له ، والتصرف فيه بالقبض أو الإذن ، وحؤول الحول عليه ، وهو كامل في الملك ولم يتبدل أعيانه ، ولا دخله نقصان ، وأن يكونا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين ، أو سبائك فر بسبكها من الزكاة.

والدليل على وجوب اعتبار هذه الشروط الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا فالأصل براءة الذمة من الحقوق ، وقد ثبت وجوب الزكاة إذا تكاملت هذه الشروط ، وليس على وجوبها مع اختلاف بعضها دليل.

ويعارض المخالف في الصبي والمجنون بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ ، وعن النائم حتى ينتبه ، وعن المجنون حتى يفيق. (٣) ولا يلزمنا مثل ذلك في المواشي والغلات ، لأنا قلنا ذلك بدليل.

واشتراط النصاب والملك له لا خلاف فيه ، وقد خرج العبد باشتراط

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولكن في «ج» : «مما ينبغي» وفي «س» : مما ينفى.

(٢) الجامع الصغير : ١ ـ ٥٧٦ برقم ٣٧٢٨ و ٣٧٢٩ وكنز العمال : ٦ ـ ٢٩٣ برقم ١٥٧٥٩ و ١٥٧٦٠.

(٣) التاج الجامع للأصول : ٣ ـ ٣٥ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ١٣٩ برقم ١٧٣ والجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ برقم ٤٤٦٢ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٨٤ و ٢٠٦ و ٨ ـ ٤١ و ٤ ـ ٢٦٩ و ٣ ـ ٨٣.

١١٨

الملك ، لأن العبد لا يملك شيئا وإن ملكه سيده ، لما يؤدي ذلك إليه من الفساد.

واشتراط الملك للمتصرف فيه بما ذكرناه ، احتراز من مال الدين الذي لا يقدر على ذلك فيه ، ويعارض المخالف في اعتبار كمال الحول في السخال والفصلان والعجاجيل بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. (١)

وشرائط وجوبها في الأصناف الأربعة من الغلات شيئان : الملك لها وبلوغ النصاب ، وفي الأصناف الثلاثة من المواشي أربعة : الملك والحول والسوم وبلوغ النصاب ، بدليل ما قدمناه.

وأما شرائط صحة أدائها : فالإسلام ، والبلوغ ، وكمال العقل ، والنية ، ودخول الوقت في أدائها على جهة الوجوب ، ولا أعلم في ذلك خلافا.

الفصل الثاني

وأما مقدار الواجب من الزكاة فنقول :

أما الذهب فلا شي‌ء فيه حتى يبلغ عشرين مثقالا ، وذلك المقدار النصاب الأول ، فإذا بلغها وتكاملت الشروط ، وجب فيه نصف مثقال ، بلا خلاف ، ثم لا شي‌ء فيما زاد على العشرين ، حتى تبلغ الزيادة أربعة مثاقيل ، وذلك نصابه الثاني ، فيجب فيها عشر مثقال ، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ ، في كل عشرين مثقالا نصف مثقال ، وفي كل أربعة بعد العشرين عشر مثقال.

وأما الفضة فلا شي‌ء فيها حتى تبلغ مائتي درهم ، وذلك مقدار نصابها الأول ، فإذا بلغتها وتكاملت الشروط ، وجب فيها خمسة دراهم ، بلا خلاف ، ثم لا

__________________

(١) سنن أبي داود : ٢ ـ ١٠١ وسنن البيهقي : ٤ ـ ٩٥ و ١٠٣ ، وسنن ابن ماجة : ١ ـ ٥٧١ برقم ١٧٩٢ وعوالي اللئالي : ١ ـ ٢١٠ و ٢ ـ ٢٣١.

١١٩

شي‌ء فيما زاد على المائتين ، حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما ، فيجب فيها درهم واحد ، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت.

والدليل على مقدار النصاب الثاني فيهما ، الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا فالأصل براءة الذمة ، وشغلها بإيجاب الزكاة في قليل الزيادة وكثيرها ، يفتقر إلى دليل ، وليس في الشرع ما يدل عليه.

ويعارض المخالف في ذلك بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاذ (١) حين أنفذه إلى اليمن : لا شي‌ء في الورق حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغتها فخذ خمسة دراهم ، ولا تأخذ من زيادتها شيئا ، حتى تبلغ أربعين درهما ، فإذا بلغتها فخذ درهما (٢) ، وهذا نص. وقوله : هاتوا زكاة الرقة من كل أربعين درهما درهما. (٣)

وأما الغلات فالواجب في كل صنف منها إن كان سقيه سيحا أو بعلا أو بماء السماء العشر ، وإن كان بالغرب والدوالي والنواضح (٤) فنصف العشر ، وإن كان السقي بالأمرين معا كان الاعتبار بالأغلب من المدتين ، فإن تساويا زكى النصف بالعشر ، والنصف بنصف العشر ، هذا إذا بلغ بعد إخراج المؤن وحق

__________________

(١) أبو عبد الرحمن : معاذ بن جبل بن عمر الأنصاري ، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها ، وآخى رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود ، روى عنه عمر وابنه عبد الله وأبو قتادة وغيرهم ، مات في طاعون عمواس سنة ١٨ ه‍. لاحظ أسد الغابة : ٤ ـ ٣٧٦.

(٢) التاج الجامع للأصول : ٣ ـ ١٨ ، وفي هامشه : الرقة ـ بكسر الراء ـ : الدرهم المضروبة وأصلها «ورق» حذفت واوه وعوض عنها الهاء كعدة وزنة ، والمراد الفضة ولو غير مضروبة.

(٣) التاج الجامع للأصول : ٣ ـ ١٩.

(٤) المراد بالسيح : الجريان على وجه الأرض. وبالبعل : ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء. والغرب بالغين المعجمة وسكون الراء : الدلو العظيم الذي يتخذ من جلد الثور. والدوالي جمع دالية وهي الناعورة التي تديرها البقر أو غيرها. والنواضح جمع ناضح وهو البعير يستقى عليه. لاحظ جواهر الكلام ، ج ١٥ ، ص ٢٣٧.

١٢٠