غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ووجب تأديبه ، فإن جاءت بولد ألحق به ، ولزمه لشريكه سهمه من قيمته ، فإن وطأها جميعا إثما وأدبا ، فإن جاءت بولد ألحق بمن خرج له اسمه بالقرعة ، ودفع إلى شريكه مقدار نصيبه من قيمته.

ويجوز شراء الجارية ووطؤها ، وإن سباها الظالمون ، إذا كانت مستحقة للسبي وإن لم يخرج منها الخمس ، لتحليل مستحقيه شيعتهم (١) إياهم خاصة من ذلك لتطيب مواليدهم ، ويجوز وطؤها وإن لم تسلم إذا كانت كتابية.

ومتى ملك المرء من يحرم عليه مناكحته بالنسب ، عتق عليه عقيب ملكه بلا فصل ، ويجري على أم الولد جميع أحكام الرق إلا بيعها وولدها حي (٢) في غير ثمنها ، فإنه لا يجوز [بيعها] (٣) على ما بيناه في كتاب البيع ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه.

ويجوز الجمع في الوطء بملك اليمين بين قليل العدد وكثيره ، ويجوز الجمع بين المحرمات بالنسب والسبب في الملك ، دون الوطء ، على ما دللنا عليه فيما مضى.

ووطء الحلائل من النساء في الدبر غير محظور ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ) (٤) ، ومعنى (أَنّى شِئْتُمْ) من أين شئتم ، وكيف شئتم ، في قول العلماء بالتفسير واللغة ، وحمل ذلك على الوقت ، وأن يكون المعنى «متى شئتم» على ما حكى عن الضحاك (٥) خطأ عند جميعهم.

وقول المخالف : إذا سمى الله تعالى النساء حرثا ، وجب أن يكون الوطء

__________________

(١) في «ج» : لشيعتهم.

(٢) في «ج» : وولدها حر.

(٣) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٤) البقرة : ٢٢٣.

(٥) حكاه الطبرسي عنه في المجمع : ١ ـ ٣٢١ والضحاك أحمد بن عمرو بن أبي عاصم الشيباني ، كان ظاهري المذهب ، وله تصانيف كثيرة ، مات سنة ٢٨٧ ، لاحظ الأعلام للزركلي : ١ ـ ١٨٩.

٣٦١

حيث يكون النسل ، لا يعول على مثله ، لأنه لا يمتنع تسميتهن بذلك ، مع إباحة وطئهن فيما لا يكون منه الولد ، لأنه (١) لا خلاف في جواز وطئهن فيما عدا القبل والدبر ، لأنه لو صرح بأن قال : فأتوا حرثكم أنى شئتم ، من قبل ودبر لحسن ولما (٢) كان متنافيا ، ولو كان ذكر الحرث يمنع من الوطء في الدبر ، لتنافى ذلك ولم يحسن التصريح به.

ومن يقول : إن المراد بالآية إباحة وطء المرأة في قبلها من جهة دبرها ، خلافا لما يكرهه اليهود ، مخصص للظاهر (٣) من غير دليل ، ولو صح نزول الآية على هذا السبب ، لم يجز (٤) أكثر من مطابقتها له ، فأما منع تعديها إلى غيره مما يقتضيه ظاهرها فلا يجب.

وقد حكى الطحاوي (٥) عن الشافعي أنه قال : ما صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تحريم ذلك ولا تحليله شي‌ء ، والقياس أنه مباح (٦) ، وحكى عن مالك أنه قال : ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أن وطء المرأة في دبرها حلال ، وتلا الآية ، وروى مالك (٧) ذلك عن نافع عن ابن عمر. (٨)

__________________

(١) في «ج» و «س» : بدليل انه.

(٢) في «س» : لحسن منه ولما.

(٣) في الأصل : «مخصص لظاهر» وراجع في توضيح مقالة اليهود إلى المجمع : ١ ـ ٣٢٠ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٩٥.

(٤) في «ج» : لم يجب.

(٥) أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي ـ النسبة إلى «طحا» ، وهي قرية بأسفل أرض مصر من الصعيد يعمل فيها كيزان ، يقال لها : الطحوية ـ مات ٣٢١ ه‍. لاحظ الأنساب ، للسمعاني : ٤ ـ ٥٢ وكشف الظنون : ١ ـ ٣٢.

(٦) الدر المنثور : ١ ـ ٦٣٨ في ذيل الآية ٢٢٣ من سورة البقرة ، ونيل الأوطار : ٦ ـ ٢٠١.

(٧) هو مالك بن انس بن مالك بن ابي عامر ، الأصبحي الحميري ، أبو عبد الله المدني ، روى عن عامر بن عبد الله بن الزبير وزيد بن أسلم ، ونافع مولى ابن عمر وحميد الطويل وغيرهم ، وروى عنه الزهري ويحيى بن سعيد ويزيد بن عبد الله وغيرهم ، مات ٧٩ تهذيب التهذيب : ١٠ ـ ٥.

(٨) الدر المنثور : ١ ـ ٦٣٨ في ذيل الآية ٢٢٣ من سورة البقرة وروح المعاني : ٢ ـ ١٢٤ في تفسير الآية.

٣٦٢

الفصل الثامن

وأما ما يقتضي تحريم الحلائل من النساء فعلى ضربين :

أحدهما : يصاحب ما يقتضي تحليلهن.

والثاني : يوجب فسخه.

فالأول : الدخول في الإحرام ، والصوم الواجب ، وحدوث دم الحيض والنفاس ، والإيلاء والظهار.

والثاني : الطلاق واللعان والارتداد ، على ما نبينه.

الفصل التاسع : في الإيلاء

يفتقر الإيلاء الشرعي ـ الذي يتعلق به إلزام الزوج بالفيئة أو الطلاق ، بعد مطالبة الزوجة بذلك ـ إلى شروط :

منها : أن يكون الحالف بالغا كامل العقل.

ومنها : أن يكون المولى منها زوجة دوام.

ومنها : أن يكون الحلف بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة.

ومنها : أن يكون ذلك مطلقا من الشروط.

ومنها : أن يكون مع النية والاختيار ، من غير غضب ملجى‌ء ولا إكراه.

٣٦٣

ومنها : أن تكون المدة التي حلف أن لا يطأ الزوجة فيها ، أكثر من أربعة أشهر.

ومنها : أن تكون الزوجة مدخولا بها.

ومنها : أن لا يكون الإيلاء في صلاحه لمرض يضر به الجماع ، أو في صلاح الزوجة ، لمرض ، أو حمل ، أو رضاع. (١)

يدل على ذلك كله إجماع الطائفة ، وأيضا فإن وقوع الإيلاء وتعلق الأحكام به ، طريقه الشرع ، ولا خلاف في ثبوت ذلك مع تكامل ما ذكرناه ، وليس على ثبوته مع اختلال بعضه دليل ، فوجب نفيه ، ويخص ما اشترطناه من كونها زوجة دوام ما قدمناه في فصل المتعة.

ويحتج على المخالف فيما اعتبرناه من كون اليمين بأسماء الله تعالى خاصة بما رووه من قوله عليه‌السلام : من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (٢) ، ويحتج عليه في النية بقوله عليه‌السلام : إنما الأعمال بالنيات (٣) ، والمراد أن أحكام الأعمال إنما تثبت بالنية ، لما علمناه من حصول الأعمال في أنفسها من غير نية ، ويحتج عليه في الإكراه بما رووه من قوله عليه‌السلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه (٤) ، ويدخل في ذلك رفع الحكم والمآثم ، لأنه لا تنافي بينهما.

ويخص كون المدة أكثر من أربعة أشهر قوله تعالى (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) (٥) ، فأخبر سبحانه أن له التربص هذه المدة ، فثبت

__________________

(١) في «س» : أو إرضاع.

(٢) سنن الدارمي : ٢ ـ ١٨٥ وسنن البيهقي : ١٠ ـ ٢٨.

(٣) سنن البيهقي : ٧ ـ ٣٤١ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٥ وسنن الدار قطني : ١ ـ ٥١ برقم ١.

(٤) سنن البيهقي : ٧ ـ ٣٥٦ و ٣٥٧ والجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ برقم ٤٤٦١ وسنن ابن ماجة : ١ ـ ٦٥٩ برقم ٢٠٤٥ والفقيه : ١ ـ ٥٩ برقم ١٣٢.

(٥) البقرة : ٢٢٦.

٣٦٤

أن ما يلزمه من الفيئة أو الطلاق يكون بعدها.

ويخص كونها مدخولا بها قوله تعالى (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ، لأن المراد بالفيئة العود إلى الجماع بلا خلاف ، ولا يقال : عاد إلى الجماع ، إلا لمن تقدم منه فعله ، وهذا لا يكون إلا في المدخول بها.

ولا يصح اعتماد المخالف فيما ذكرناه من الشروط على ظاهر قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) ، لأنا نخص ذلك بالدليل ، على أنا نمنع من تسمية من أخل ببعض ما اشترطناه موليا ، فعليهم أن يدلوا على ذلك حتى تتناوله الآية ، ولا دليل لهم عليه.

وإذا تكاملت هذه الشروط في الإيلاء ، فمتى جامع حنث ، ولزمته كفارة يمين ، وإن استمر اعتزاله لها ، فهي بالخيار بين الصبر عليه وبين مرافعته إلى الحاكم ، فإن رافعته إليه أمره بالجماع والتكفير ، فإن أبى أنظره أربعة أشهر من حين المرافعة ، لا من حين اليمين ، ليراجع نفسه ، فإن مضت هذه المدة ، ولم يجب إلى ما أمره ، فعليه أن يلزمه بالفيئة أو الطلاق ، فإن أبى ضيق عليه في التصرف ، والمطعم ، والمشرب ، حتى يفعل أيهما اختاره.

ولا تقع الفرقة بين الزوجين بانقضاء المدة ، وإنما يقع بالطلاق ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) (٢) فأضاف الطلاق إلى الزوج ، كما أضاف الفيئة إليه ، فكما أن الفيئة لا تقع إلا بفعله ، فكذلك الطلاق ، وقوله تعالى (فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣) ، لأنه يفيد أن هناك ما يسمع ، ولا يوصف بذلك إلا الطلاق دون انقضاء المدة ، وأيضا فإن الأصل بقاء العقد فمن ادعى أن انقضاء المدة طلقة بائنة ، أو رجعية ، فعليه الدليل.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٦.

(٢ و ٣) البقرة : ٢٢٧.

٣٦٥

ومن آلى أن لا يقرب زوجته المعقود عليها عقد متعة ، أو أمته ، لزمه الوفاء ، ومتى لم يف حنث وعليه الكفارة ، ولا حكم لها عليه إذا استمر على مقتضى الإيلاء.

الفصل العاشر :

في الظهار

يفتقر صحة الظهار الشرعي إلى شروط :

منها : أن يكون المظاهر بالغا ، كامل العقل ، ولا يصح من صبي ، ولا مجنون ، ولا سكران.

ومنها : أن يكون مؤثرا له ، فلا يصح من مكره ، ولا غضبان لا يملك مع غضبه الاختيار.

ومنها : أن يكون قاصدا به التحريم ، فلا يقع بيمين ، ولا مع سهو ، ولا لغو.

ومنها : أن يكون متلفظا بقوله : أنت علي كظهر أمي ، أو إحدى المحرمات عليه ، فلو علق ذلك بغير الظهر ، من رأس أو يد ، أو غيرهما ، لم يصح.

ومنها : أن يكون ذلك مطلقا من الاشتراط ، فلو قال : أنت كظهر أمي إن كان كذا ، لم يصح ، وإن حصل الشرط.

ومنها : أن يكون موجها ذلك إلى معقود عليها ، سواء كانت حرة ، أو أمة ، دائما نكاحها ، أو مؤجلا ، فلو قال : إذا تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي ، لم يقع بها ظهار وإن تزوجها.

ومنها : أن يكون معينا لها ، فلو قال ـ وله عدة أزواج ـ : زوجتي أو إحدى زوجاتي علي كظهر أمي ، من غير تمييز لها بنية ، أو إشارة ، أو تسمية ، لم يصح.

ومنها : أن تكون طاهرا من الحيض ، أو النفاس ، طهرا لم يقربها فيه بجماع ،

٣٦٦

إلا أن تكون حاملا ، أو ليست ممن تحيض ، ولا في سنها من تحيض ، أو غير مدخول بها ، أو مدخولا بها وهي غائبة عن زوجها ، فإنه لا اعتبار بهذا الشرط فيها.

ومنها : أن يكون الظهار منها بمحضر من شاهدي عدل.

ويدل على ذلك كله ما قدمناه في اعتبار شروط الإيلاء من إجماع الطائفة ، ونفي الدليل الشرعي على وقوعه مع اختلال بعضها ، ولا يقدح فيما اعتمدناه من الإجماع خلاف من قال من أصحابنا (١) بوقوع الظهار مع الشرط ، وبحصول التحريم ، وثبوت حكم الظهار مع تعليق اللفظ بغير الظهر ، وبنفي وقوعه بغير المدخول بها ، لتميزه من جملة المجتمعين باسمه ونسبه ، على أن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ) (٢) ، ينافي تعليقه بغير الظهر ، وعدم وقوعه بغير المدخول بها ، لأن الظهار مشتق من لفظ الظهر ، وغير المدخول بها توصف بأنها من نساء الزوج.

وإذا تكاملت شروط الظهار ، حرمت الزوجة عليه ، فإن عاد لما قال ، بأن يريد استباحة الوطء ، لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا.

ويدل على أن العود شرط في وجوب الكفارة ظاهر القرآن ، ولأنه لا خلاف أن المظاهر لو طلق قبل الوطء لا تلزمه الكفارة ، وهذا يدل على أن الكفارة لا تجب بنفس الظهار ، ويدل على أن العود ما ذكرناه ، أن الظهار إذا اقتضى التحريم ، وأراد المظاهر الاستباحة ، وآثر رفعه ، كان عائدا لما قال ، ومعنى قوله (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) (٣) أي المقول فيه (٤) كقوله سبحانه (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٥) ،

__________________

(١) الشيخ : الخلاف كتاب الظهار المسألة ٣ و ٩ و ٢٠.

(٢ و ٣) المجادلة : ٣.

(٤) في الأصل : أي لمقول فيه.

(٥) الحجر : ٩٩.

٣٦٧

أي الموقن به ، وكقوله عليه‌السلام : الراجع في هبته (١) ، أي في الموهوب ، وكما يقال : اللهم أنت رجاؤنا ، أي مرجونا.

ولا يجوز أن يكون المراد بالعود الوطء ، على ما ذهب إليه قوم ، لأن قوله تعالى (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا) (٢) أوجب (٣) الكفارة بعد العود وقبل الوطء ، فدل على أنه غيره.

ولا يجوز أن يكون العود إمساكها بعد الظهار زوجة ، مع القدرة على الطلاق ، على ما قال الشافعي ، لأن العود يجب أن يكون رجوعا إلى ما يخالف مقتضى الظهار ، وإذا لم يقتض فسخ النكاح ، لم يكن العود الإمساك عليه ، ولأنه تعالى قال (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) ، وذلك يقتضي التراخي ، والقول بأن العود هو البقاء على النكاح ، قول بحصوله عقيب الظهار من غير فصل ، فهو بخلاف الظاهر. (٤)

وإذا جامع المظاهر قبل التكفير فعليه كفارتان : إحداهما كفارة العود ، والأخرى عقوبة الوطء قبل التكفير ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأن بذلك يحصل اليقين ببراءة الذمة. (٥)

وإن استمر المظاهر على التحريم فزوجة الدوام ـ وإن كانت أمة ـ بالخيار بين الصبر على ذلك وبين المرافعة إلى الحاكم ، وعلى الحاكم أن يخيره بين التكفير واستباحة الجماع ، وبين الطلاق ، فإن لم يجب إلى شي‌ء من ذلك ، أنظره ، فإن فاء إلى أمر الله تعالى في ذلك ، وإلا ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفي‌ء ، ولا يلزمه

__________________

(١) تقدم مصدر الحديث ص ٣٠٠.

(٢) المجادلة : ٣. وفي «س» : لأنه تعالى قال (فَتَحْرِيرُ ...).

(٣) في «س» : لأنه تعالى قال :. فأوجب.

(٤) في الأصل : بخلاف الظهار.

(٥) كذا في «س» ولكن في الأصل و «ج» : لبراءة الذمة.

٣٦٨

الحاكم بالطلاق إلا إذا كانت قادرا على الكفارة وأقام على التحريم مضارة ، بدليل إجماع الطائفة.

وإذا طلق قبل التكفير سقطت عنه الكفارة ، فإن راجع في العدة لم يجز له الوطء حتى يكفر ، فإن خرجت من العدة ، واستأنف العقد عليها ، جاز له الوطء من غير تكفير ، ومن أصحابنا من قال : لا يجوز له الوطء إلا أن يكفر على كل حال (١) ، وظاهر القرآن معه ، لأنه يوجب الكفارة بالعودة من غير فصل.

وإذا ظاهر من زوجتين له فصاعدا ، ألزمه مع العود لكل واحدة منهن كفارة ، سواء ظاهر من كل واحدة على الانفراد ، أو جمع بينهن في ذلك كله بكلمة واحدة ، وإذا كرر كلمة الظهار ، لزمه بكل دفعة كفارة ، فإن وطئ التي كرر القول عليها قبل أن يكفر ، يلزمه كفارة واحدة عن الوطء وكفارات التكرار ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وفرض العبد في الكفارة ، الصوم ، وفرضه فيه كفرض الحر ، لظاهر القرآن ، ومن أصحابنا من قال : الذي يلزمه شهر واحد (٢) ، ومن أصحابنا من قال : لا يصح الظهار من المنكوحة بملك اليمين (٣) ، ومنهم من قال : يصح (٤) ، وفي ذلك نظر.

__________________

(١) ذهب إليه أبو الصلاح وسلار ، لاحظ المختلف : ٦٠١ من الطبع القديم.

(٢) قال العلامة في المختلف ص ٦٠١ من الطبع القديم : ذهب الشيخان إلى ان كفارة العبد في الظهار صوم شهر واحد ، وتبعهما ابن البراج ، وقال أبو الصلاح : فرضه في الصوم كالحر ، وبه قال ابن زهرة وابن إدريس.

(٣) القاضي : المهذب : ٢ ـ ٢٩٨ والمفيد : المقنعة : ٥٣٤ واختاره أبو الصلاح وسلار لاحظ المختلف ص ٥٩٩ من الطبع القديم.

(٤) الشيخ : النهاية ـ ٥٢٧ والخلاف كتاب الظهار المسألة ٨ وذهب إليه ابن أبي عقيل وابن حمزة لاحظ المختلف ص ٥٩٩ من الطبع القديم.

٣٦٩

الفصل الحادي عشر :

في الطلاق

تفتقر صحة الطلاق الشرعي إلى مثل ما افتقر إليه الظهار من الشروط ، ولا يصح إلا من عاقل مختار قاصد إلى التحريم به غير حالف ولا ساه ولا حاك عن غيره ولا لاعب ، متلفظ بصريحه ـ وهو لفظ الطلاق دون كناياته نحو : أنت حرام أو بائنة أو خلية أو برية أو الحقي بأهلك أو حبلك على غاربك وما أشبه ذلك ، وإن قارنته النية ـ مطلق له من الاشتراط ، موجه به إلى معقود عليها عقد دوام ، معين لها ، معلق له بجملتها دون أبعاضها ، بمحضر من شاهدي عدل ، في طهر لا جماع فيه ، إلا في حق من استثنيناه.

ويدل على ذلك ما قدمناه من الدليل في شروط الإيلاء.

ويخص اعتبار لفظ الطلاق ، أنه الذي ورد به القرآن وتعلقت به الأحكام ، فيجب أن لا يتعلق بغيره ، ولا يقال لمن فعل ما فيه معنى الطلاق «مطلق» كما لا يقال لمن فعل ما فيه معنى الضرب «ضارب».

ويخص تعليق الطلاق بالشرط ، أن ذلك غير مشروع ، لأن الله سبحانه لم يشرع لمريد الطلاق أن يعلقه بأمر يجوز حصوله وارتفاعه ، لأن ذلك لا يطابق مراده ، وإذا لم يكن مشروعا ، لم يتعلق به شي‌ء من الأحكام الشرعية ، وبمثل ذلك يبطل تعليق الطلاق بالأبعاض ، لأنه ليس من الألفاظ المشروعة في الطلاق فيجب أن لا يقع ، وأيضا قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) (١) ، يدل على ذلك ، لأنه علق الطلاق بما يتناوله اسم النساء ، واليد أو الرجل لا يتناولهما

__________________

(١) الطلاق : ١.

٣٧٠

ذلك.

ويخص اعتبار الشهادة قوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، إلى قوله : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) ، لأن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ، وهذا يوجب عود ذلك إلى الطلاق وإن بعد عنه ، لأنه لا يليق إلا به دون الرجعة التي عبر عنها بالإمساك ، لأنه لا خلاف في أن الإشهاد عليها غير واجب ، كما وجب عود التسبيح إليه تعالى مع بعد ما بينهما في اللفظ في قوله سبحانه (إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) (٢) ، من حيث لم يلق إلا به.

وحمل الأمر بالإشهاد على الاستحباب ، ليعود إلى الرجعة ، عدول عن الظاهر في عرف الشرع بغير دليل ، ولا يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد متعلقا بقوله تعالى (أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٣) لأن المراد بذلك ها هنا ترك المراجعة ، والاستمرار على موجب الطلاق المقتضي للفرقة ، وليس بشي‌ء يتجدد فعله فيفتقر إلى إشهاد.

ويخص اعتبار الطهر أنه لا خلاف في أن الطلاق في الحيض بدعة ومعصية ، وقد فسر العلماء قوله تعالى (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) ، بالطهر الذي لا جماع فيه ، وإذا ثبت أنه مخالف لما قد أمر الله تعالى لم يقع ولم يتعلق به حكم شرعي.

ويحتج على المخالف بما رووه من أن ابن عمر طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد ، وهي حائض ، فسأل عمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فردها عليه ولم يره شيئا (٤) ، وظاهر ذلك نفي التأثيرات كلها ، والتخصيص ببعضها يفتقر إلى دليل ، وبما رووه من

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) الفتح : ٨ ـ ٩.

(٣) الطلاق : ٢.

(٤) سنن الدار قطني : ٤ ـ ٧ برقم ١٤ وصحيح مسلم : ٤ ـ ١٨١ باب تحريم طلاق الحائض وسنن البيهقي : ٧ ـ ٣٣٤.

٣٧١

طريق آخر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعمر : مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء (١) ، وظاهر الأمر على الوجوب.

وإذا أوجب المراجعة دل ذلك على أن الطلاق لم يقع ، والمراد بالمراجعة على هذا ردها إليه وترك اعتزالها ، لأنه كان فارقها ظنا منه لوقوع الطلاق ، وذلك يقال على سبيل الحقيقة لمن طلق زوجته طلاقا فاسدا ، ولمن ظن وقوعه ، فأخرجها من منزله واعتزلها.

وإذا تقرر ما ذكرناه من شروط الطلاق ، فاعلم أنه على ضروب أربعة :

واجب ، ومحظور ، ومستحب ، ومكروه.

فالواجب طلاق المولى بعد التربص ، لأن عليه أن يفي‌ء أو يطلق على ما قدمناه ، وطلاق الخلع على ما نبينه.

والمحظور طلاق المدخول بها في الحيض ، أو الطهر الذي جامعها فيه ، قبل أن يظهر بها حمل ، ولا خلاف في حظره ، وإنما الخلاف في وقوعه على ما بيناه.

والمستحب طلاق من كانت الحال بينه وبين زوجته فاسدة بالشقاق ، وتعذر الإنفاق ، وعجز كل واحد منهما عن القيام بما يجب عليه لصاحبه.

والمكروه طلاقه إذا كانت الحال بينهما عامرة ، وكل واحد قيم بحق صاحبه.

والنساء في الطلاق على ضربين : منهن من ليس في طلاقها سنة ولا بدعة ، ومنهن من في طلاقها ذلك.

فالضرب الأول : الآئسة من الحيض ، لصغر أو كبر ، والحامل ، وغير المدخول بها ، والغائب عنها زوجها.

__________________

(١) صحيح مسلم : ٤ ـ ١٨١ باب تحريم طلاق الحائض وسنن الدار قطني : ٤ ـ ٧ برقم ١٥ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٣٢٣ و ٣٢٤.

٣٧٢

والضرب الثاني : المدخول بها لا غير ، إذا كانت حائلا ، من ذوات الأقراء ، وطلاقها للسنة في طهر لا جماع فيه ، وللبدعة في حيض أو طهر فيه جماع.

ثم اعلم أن الطلاق على ضربين : رجعي وبائن.

والبائن على ضروب أربعة : طلاق غير المدخول بها ، وطلاق العدة ، والخلع ، والمبارأة [والتطليقة الثالثة بعد كل تطليقتين من أي طلاق كان] (١).

أما الرجعي فهو أن يطلق المدخول بها واحدة ، ويدعها تعتد في سكناه ونفقته ، ويحل له النظر إليها ، ومراجعتها بالعقد الأول ما دامت في العدة ، وليس لها عليه في ذلك خيار ، وتجوز المراجعة من غير إشهاد ، والإشهاد أولى ، وإن قال : قد راجعتك ، كان حسنا ، وإن لم يقل ذلك ، ووطأها أو قبلها بشهوة كان ذلك رجعة ، بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ) (٢) فسمى المطلق طلاقا رجعيا بعلا ، ولا يكون كذلك إلا والمرأة بعلة ، وهذا يقتضي ثبوت الإباحة ، لأنها تابعة للزوجية ، ولم يشترط الشهادة ولا لفظ المراجعة.

فإن خرجت من العدة ملكت نفسها ، فإن آثر مراجعتها فبعقد جديد ومهر جديد ، وتبقى معه على طلقتين أخراوين ، فإن كمل طلاقها ثلاث مرات في ثلاثة أطهار ، مع تخلل مراجعته لها ـ على ما سندل عليه ـ ولم تكن تزوجت فيما بينهما سواه ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، نكاح دوام ، ويكون بالغا ، ويدخل بها ، ويفارقها ، وتنقضي عدتها منه.

ويهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث وإن تكررت من الأول أبدا ، ويبيح المرأة بالعقد المستأنف ، وكذا إن تزوجت فيما بين الأولى والثانية ، أو الثانية والثالثة ، هدم ذلك ما تقدم من الطلاق ، على الأظهر الأكثر من روايات أصحابنا ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في حاشية الأصل و «ج».

(٢) البقرة : ٢٢٨.

٣٧٣

ومنهم من قال : لا يهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث ، ومتى رجعت إلى الأول ، كانت معه على ما بقي من تمام الثلاث (١) ، وظاهر قوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢) معه ، لأنه يدل على تحريمها عليه بالثالثة ، حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل.

وأما غير المدخول بها فإنه إذا طلقها واحدة ، بانت منه ، وملكت نفسها في الحال ، فإن اختار مراجعتها ورضيت ، فبعقد جديد ومهر جديد ، فإن راجعها وطلقها قبل الدخول تمام ثلاث مرات ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وهذا مختص بحرائر النساء ، فأما الأمة فأقصى طلاقها ـ حرا كان الزوج أو عبدا ـ طلقتان.

وأما طلاق العدة فيختص بالمدخول بها المستقيمة الطهر والحيض ، وصفته أن يطلقها في طهر لا جماع فيه ، بشاهدي عدل ، ثم يراجعها قبل أن تخرج من عدتها ، ويطأها ، فإذا حاضت وطهرت ، طلقها ثانية بشاهدي عدل ، ثم راجعها قبل الخروج من العدة ، ووطئها ، فإذا حاضت وطهرت طلقها ثالثة بشاهدي عدل ، فإذا فعل ذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يهدم الزوج الثاني هذه التطليقات الثلاث أبدا ، بل متى طلقها على هذا الوجه تسع تطليقات ، ينكحها بينها رجلان ، حرمت عليه أبدا ، على ما قلناه فيما مضى.

وأما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة الرجل (٣) ، وهو مخير في فراقها إذا دعته إليه حتى تقول له : لئن لم تفعل (٤) لأعصين الله بترك طاعتك ، ولأوطئن

__________________

(١) في «ج» و «س» : «بقي من الأول تمام الثلاث» ولاحظ المبسوط : ٥ ـ ٨١ والخلاف كتاب الطلاق ، المسألة ٥٩.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

(٣) في «ج» : دون الرجل.

(٤) في «ج» : إن لم تفعل.

٣٧٤

فراشك غيرك ، أو يعلم منها العصيان في شي‌ء من ذلك (١) فيجب عليه ـ والحال هذه ـ طلاقها.

ويحل له أخذ العوض على ذلك ـ سواء بذلته له ابتداء ، أو بعد طلبه منها ، وسواء كان مثل المهر الذي دفعه إليها أو أكثر ـ بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّا أَنْ يَخافا أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٢).

ولا يقع الخلع بمجرده ، بل لا بد من التلفظ معه بالطلاق ، فيقول مريده : قد خلعتك على كذا وكذا فأنت طالق ، والدليل على ذلك إجماع الطائفة ، لأن من قال من أصحابنا : لفظ الخلع كاف في الفرقة (٣) ، لا يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ، وأيضا فلا خلاف بين الأمة في حصول الفرقة بما ذكرناه ، وليس على حصولها بمجرد لفظ الخلع دليل.

وأما طلاق المبارأة فيكون مع كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه ، ويجوز للزوج أخذ البذل عليه إذا لم يزد على ما أعطاها من المهر ، ولا يحل له أخذ الزيادة عليه ، ويقول من يريد ذلك : قد بارئتك على كذا وكذا فأنت طالق ، وذلك لفظه بدليل الإجماع (٤) المشار إليه.

فإذا تلفظ بالطلاق في الخلع والمبارأة ، بانت الزوجة منه بواحدة ، ولم يملك رجعتها في العدة بالعقد الأول ، إلا أن تعود فيما بذلت له أو في بعضه فيها ، ولا خيار لها في العود بشي‌ء من ذلك بعد العدة في التطليقتين.

وإذا كمل هذا الطلاق ثلاث مرات ، على الوجه الذي بيناه فيما مضى ،

__________________

(١) في «ج» : أو يعلم منها الموجب في شي‌ء من ذلك.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) ذهب إليه السيد المرتضى وابن الجنيد ، لاحظ المختلف : ٥٩٤ من الطبع القديم.

(٤) في الأصل : وذلك بدليل الإجماع.

٣٧٥

حرمت المطلقة على الأول ، حتى تنكح زوجا غيره ، على ما قدمناه ، وذلك بدليل إجماع الطائفة ، وتسقط السكنى والنفقة في الطلاق البائن ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بإيجاب شي‌ء من ذلك ، يفتقر إلى دليل.

ومن طلق ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا في قوله «ثلاثا» ، ووقعت واحدة إذا تكاملت الشروط ، على الصحيح من المذهب ، لأنه إذا تلفظ بالطلاق مع تكامل شروطه المسنونة وجب وقوعه ، وما أبدع من قوله «ثلاثا» لا حكم له في الشرع ، لأنه مخالف للسنة ، ولا تأثير له في إفساد ما قد تكاملت شروطه الشرعية من الطلاق ، ولا فرق بين أن يتبع الطلاق بقوله : «ثلاثا» وبين أن يتبعه بشتم المرأة ، وكما أن ذلك ـ وإن كان بخلاف السنة ـ غير مانع من وقوع الطلاق ، فكذلك ما نحن فيه.

ويدل على أن قوله «ثلاثا» بدعة بعد إجماع الطائفة قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) (١) ، والمراد بذلك الأمر ، لأنه لو كان خبرا لكان كذبا ، فكأنه قال : طلقوا مرتين ، كما قال الله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٢) ، أي فأمنوه ، ولا يكون الطلاق مرتين إلا بحصول واحدة بعد أخرى ، وكما أن من أعطى درهمين دفعة واحدة لم يوصف بأنه معط مرتين ، ولا يكون كذلك حتى يفرق الإعطاء لهما في وقتين ، فكذلك المطلق.

وليس لهم أن يقولوا : العدد في الآية مذكور عقيب اسم ، وإذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق ، كما إذا قال : له علي عشرة ، مرتين ، وإنما يقتضيه إذا ذكره عقيب فعل ، كما إذا قال : أعطه مرتين ، أو أدخل الدار مرتين ، لأنا قد بينا أن معنى قوله تعالى (الطَّلاقُ مَرَّتانِ) ، الأمر ، والعدد ـ والحال هذه ـ في الآية مذكور عقيب فعل.

__________________

(١) ـ البقرة : ٢٢٩.

(٢) ـ آل عمران : ٩٧.

٣٧٦

فإن قيل : ليس فيما ذكرتموه أكثر من وجوب التفريق ، فلم قلتم : إنه لا بد أن يكون في طهرين مع تحلل المراجعة؟ قلنا : لإجماع الطائفة على ذلك ، ولأنه إذا ثبت وجوب التفريق فكل من أوجبه قال بما ذكرناه ، والقول بأحد الأمرين دون الآخر ، خروج عن إجماع الأمة.

ويحتج على المخالف في ذلك أيضا بما رووه عن ابن عمر من قوله : طلقت زوجتي وهي حائض ، فقال لي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هكذا أمرك ربك ، إنما السنة أن تستقبل بها الطهر ، فتطلقها في كل قرء مرة. (١)

ويحتج عليهم في أن التلفظ بالثلاث بدعة ، وغير واقع ثلاثا ، بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في حديث ابن عمر : إذن عصيت ربك ، حين قال له : أرأيت لو طلقتها ثلاثا (٢). وبما رووه من أن رجلا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله النبي عليه‌السلام : كيف طلقتها؟ قال : طلقتها ثلاثا في مجلس واحد ، فقال عليه‌السلام : إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت ، فراجعها (٣) ، والأخبار في ذلك كثيرة.

فإن احتج من ذهب إلى وقوع الثلاث بلفظ واحد ، وإن كان بدعة ، بما روى في حديث ابن عمر ، من قوله عليه‌السلام : إذن عصيت ربك وبانت منك امرأتك (٤) ، فغير معول على مثله ، لأن أول ما فيه ، أنه خبر واحد ، ثم هو معارض بغيره ، ثم يحتمل أن يكون عليه‌السلام أراد بقوله : بانت منك امرأتك ، إذا خرجت من العدة ، لأنا قد بينا أنه يقع بذلك واحدة ، على أن قول ابن عمر : أرأيت لو طلقتها ثلاثا ، يحتمل أن يكون أراد في ثلاثة أطهار تتخللها المراجعة.

__________________

(١ و ٢) سنن الدار قطني : ٤ ـ ٣١ برقم ٨٤ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٣٣٠ و ٣٣٤.

(٣) سنن البيهقي : ٧ ـ ٣٣٩ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٦٥.

(٤) سنن الدار قطني : ٤ ـ ٣١ برقم ٨٤ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٣٣٤.

٣٧٧

ويحتمل ذكر المعصية على هذا لأمرين : أحدهما أن إخراج الزوج نفسه من التمكن من مراجعة المرأة حتى تنكح زوجا غيره مكروه ، لأنه لا يدري كيف يتقلب (١) قلبه ، وربما هم بالمعصية ، والثاني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يمتنع أن يكون عالما من زوجة ابن عمر صلاحا وخيرا يوجبان المعصية بفراقها ، ومع ما ذكرناه في الخبر من الاحتمال يسقط به الاستدلال.

الفصل الثاني عشر :

في اللعان

تقف (٢) صحة اللعان بين الزوجين على أمور :

منها أن يكونا مكلفين ، سواء كانا أو أحدهما من أهل الشهادة أم لا. (٣)

ومنها : أن يكون النكاح دواما.

ومنها : أن تكون الزوجة مدخولا بها ، وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك.

ومنها : أن لا تكون صماء ولا خرساء.

ومنها : أن يقذفها الزوج بزنا يضيفه إلى مشاهدته ، بأن يقول : رأيتك تزنين ، ولو قال : يا زانية ، لم يثبت بينهما لعان ، أو ينكر حملها ، أو يجحد ولدها ، ولا يقيم أربعة من الشهود بما قذفها به.

وأن تكون منكرة لذلك ، ويدل على هذا كله إجماع الطائفة ، وأيضا فلا

__________________

(١) في (ج) : كيف ينقلب.

(٢) في (ج) : تفتقر.

(٣) في (ج) : سواء كان كل منهما أو أحدهما من أهل الشهادة أو الخبرية أم لا؟

٣٧٨

خلاف في صحة اللعان مع تكامل ما ذكرناه ، وليس على صحته مع اختلال بعضه دليل.

وصفة اللعان أن يجلس الحاكم بينهما مستدبر القبلة ، ويوقفهما بين يديه ، المرأة عن يمين الرجل ، موجهين إلى القبلة ، ويقول للرجل : قل : أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من الفجور لمن الصادقين ، فإذا قال ذلك أمره أن يعيده تمام أربع مرات.

فإذا شهد الرابعة قال له الحاكم : اتق الله عزوجل واعلم أن لعنته شديدة ، وعذابه أليم ، فإن كان حملك على ما قلت غيرة أو غيرها فراجع التوبة ، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة.

فإن رجع عن قوله ، جلده حد المفتري ، وإن أصر على ما ادعاه قال له : قل : إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين ، فإذا قالها ، أقبل على المرأة وقال لها : ما تقولين فيما رماك به؟

فإن اعترفت رجمها ، وإن أقامت على الإنكار ، قال لها : قولي : أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين ، فإذا قالت ، طالبها بإتمام أربع شهادات كذلك ، فإذا شهدت الرابعة ، وعظها كما وعظ الرجل ، فإن اعترفت رجمها ، وإن أصرت على الإنكار ، قال لها : قولي : إن غضب الله علي إن كان من الصادقين ، فإذا قالت ذلك ، فرق الحاكم بينهما ، ولم تحل له أبدا ، على ما قدمناه فيما مضى من الكتاب.

ولفظ الشهادة وعدد الشهادات والترتيب واجب في اللعان ، فلو قال : أحلف بالله ، أو أقسم بالله ، أو نقص شيئا من العدد ، أو بدأ الحاكم بالمرأة أولا ، لم يعتد باللعان ، ولم تحصل الفرقة ، وإن حكم الحاكم بذلك ، لأن ما قلناه مجمع على صحته وليس على صحة ما خالفه دليل.

ولأن ما عدا ما ذكرناه مخالف لظاهر القرآن ، لأنه تعالى ذكر لفظ الشهادة

٣٧٩

والعدد والترتيب ، من حيث أخبر أنها تدرأ عن نفسها العذاب بلعانها ، والمراد بالعذاب عندنا الحد ، وعند أبي حنيفة الحبس ولا يثبت واحد منهما إلا بعد لعان الزوج ، فصح ما قلناه.

الفصل الثالث عشر : في الردة

متى أظهر المرء الكفر بالله تعالى ، أو برسوله عليه‌السلام ، أو الجحد بما يعم فرضه والعلم به من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كوجوب الصلاة ، أو الزكاة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، بعد إظهاره التصديق به ، كان مرتدا.

وهو على ضربين : أحدهما أن يكون مولودا على فطرة الإسلام ، والثاني أن يكون إسلامه بعد كفر. (١)

فالأول تبين زوجته منه في الحال ، ويقسم ماله بين ورثته ، ويجب قتله من غير أن يستتاب ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : من بدل دينه فاقتلوه (٢) ، وقوله : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنا بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس (٣) ، ولم يشترط الاستتابة ، فمن اشترطها في هذا الموضع ، فعليه الدليل.

والثاني هو المرتد عن إسلام حصل بعد كفر يستتاب ، فإن رجع إلى الإسلام ، كان العقد ثابتا بينه وبين زوجته ، فإن أسلم ثم ارتد ثانية ، قتل من غير أن

__________________

(١) في (ج) : بعد كفره.

(٢) سنن الدار قطني : ٣ ـ ١٠٨ برقم ٩٠ وص ١١٣ برقم ١٠٨ وسنن البيهقي : ٨ ـ ١٩٥ و ٢٠٥ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٨٢ و ٢٨٣ وكنز العمال : ١ ـ ٩٠ برقم ٣٨٧.

(٣) سنن البيهقي : ٨ ـ ١٩ و ٢٥ و ١٩٤ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٦١ و ٦٣ و ٧٠.

٣٨٠