غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ثلاثا ـ ، وغسل الوجه واليدين مرة ثانية ، وأن يبدأ الرجل في الغسلة الأولى بظاهر ذراعيه ، والمرأة بباطنهما (١) ، وفي الغسلة الثانية بالعكس ، والدعاء عند المضمضة ، والاستنشاق ، وعند غسل الوجه واليدين ، وعند مسح الرأس والرجلين ، كل ذلك بالإجماع المذكور.

ولا يجوز الصلاة إلا بطهارة متيقنة ، فإن شك وهو جالس في شي‌ء من واجبات الوضوء ، استأنف ما شك فيه ، فإن نهض متيقنا لتكامله ، لم يلتفت إلى شك يحدث له ، لأن اليقين لا يترك للشك. (٢)

الفصل الخامس

وأما الغسل من الجنابة فالمفروض على من أراده : الاستبراء بالبول أو الاجتهاد فيه ، ليخرج ما في مجرى المني منه ، ثم الاستبراء من البول ، على ما قدمناه ، وغسل ما على بدنه من نجاسة ، ثم النية ، ومقارنتها ، واستدامة حكمها ، على ما بيناه في الوضوء ، ثم غسل جميع الرأس إلى أصل العنق ، على وجه يصل الماء إلى أصول الشعر ، ثم الجانب الأيمن من أصل العنق إلى تحت القدم كذلك ، ثم الجانب الأيسر كذلك. فإن ظن بقاء شي‌ء من صدره أو ظهره لم يصل الماء إليه ، غسله ، كل ذلك بالإجماع المذكور.

ومسنونة : غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات ، والتسمية ،

__________________

(١) في «ج» وحاشية الأصل : بباطنها.

(٢) في «ج» بالشك.

أقول : يظهر من الفحص في كتب الحديث ان سيرة المسلمين في الوضوء حتى في زمن الشيخين كانت على المسح وإنما حدث الاختلاف في مسح الرجلين أو غسلهما في زمن عثمان ، نقل المتقي الهندي عن أبي مالك الدمشقي انه قال : حدثت أن عثمان بن عفان اختلف في خلافته في الوضوء. كنز العمال : ٩ ـ ٤٤٣ برقم ٢٦٨٩٠.

٦١

والمضمضة ، والاستنشاق ، والموالاة ، والدعاء ، ويستباح بهذا الغسل الصلاة من غير وضوء بالإجماع السابق وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (١) ، ولم يشرط الوضوء.

وغسل المرأة من الجنابة كغسل الرجل سواء ، ولا يسقط عنها إلا وجوب الاستبراء بالبول ، وما عدا غسل الجنابة من باقي الأغسال الواجبة والمسنونة ، تقديم الوضوء فيها واجب لاستباحة الصلاة ، لأنه ليس في الشرع ما يدل على استباحتها بها من دونه ، ثم يؤتى بها على كيفية غسل الجنابة سواء.

والأغسال المسنونة : غسل يوم الجمعة ، وليلة الفطر ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، ويوم الغدير ، ويوم المبعث ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وليلة سبع عشرة منه ، وليلة تسع عشرة منه ، وليلة إحدى وعشرين منه ، وليلة ثلاثة وعشرين منه ، وغسل إحرام الحج ، وغسل إحرام العمرة ، وغسل دخول الحرم ، وغسل يوم عرفة ، وغسل دخول المسجد الحرام ، وغسل دخول الكعبة ، وغسل دخول المدينة ، وغسل دخول مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغسل زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وغسل زيارة قبور الأئمة عليهم‌السلام ، وغسل زيارة البيت من منى ، وغسل صلاة الاستسقاء ، وغسل صلاة الحاجة ، وغسل صلاة الاستخارة ، وغسل صلاة الشكر (٢) ، وغسل التوبة من الكبائر ، وغسل المباهلة ، وغسل المولود وغسل قاضي صلاة الكسوف ـ إذا تعمد تركها مع احتراق القرص كله ـ وغسل القاصد لرؤية المصلوب من المسلمين بعد ثلاثة أيام. كل ذلك بالإجماع المذكور.

__________________

(١) النساء : ٤٣.

(٢) في «ج» و «س» : «الشك» وهو تصحيف.

٦٢

الفصل السادس : في التيمم

وأما التيمم فكيفيته : أن يضرب المحدث بما يوجب الوضوء أو الغسل ، بيديه على ما يتيمم به ضربة واحدة ، وينفضهما ، ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه ، ثم يمسح بباطن كفه اليسرى ظاهر كفه اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثم يمسح بباطن كفه اليمنى ظاهر كفه اليسرى كذلك.

يدل على أنه ضربة واحدة قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (١) ـ ومن مسح بضربة واحدة فقد امتثل المأمور به ، ويعارض المخالف بما رووه عن عمار ـ رضي‌الله‌عنه ـ (٢) من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «التيمم ضربة للوجه والكفين) (٣) ، وقد روى أصحابنا أن الجنب يضرب ضربتين إحداهما للوجه والأخرى لليدين ، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك.

ويدل على أن مقدار الممسوح من الوجه واليدين ما ذكرناه ، بعد إجماع الإمامية عليه قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ، وفائدة الباء هاهنا التبعيض على ما سبق.

والنية تجب في التيمم لمثل ما قلناه في الوضوء ، غير أنه لا ينوي به رفع

__________________

(١) المائدة : ٦.

(٢) أبو اليقظان ، عمار بن ياسر بن عامر من السابقين الأولين ، وأمه سمية وهي أول من استشهد في سبيل الله وهو أول من بنى مسجدا في الإسلام (مسجد قبا) ، قتل شهيدا في صفين سنة ٣٧ ه‍. لاحظ أسد الغابة : ٤ ـ ٤٣ وأعيان الشيعة : ٨ ـ ٣٧٢.

(٣) سنن الدار قطني : ١ ـ ١٨٣ برقم ٢٨ و ٣٠ وسنن الدارمي : ١ ـ ١٩٠ ولاحظ سنن البيهقي : ١ ـ ٢١٠.

٦٣

الحدث ، لأنه لا يرفعه على ما قدمناه ، والترتيب واجب فيه لمثل ما قلناه في الوضوء أيضا ، وكذلك الموالاة.

ولا يجوز التيمم إلا عند عدم الماء ، أو عدم ما يتوصل به إليه من آلة أو ثمن غير مجحف ، أو عدم ملك للماء أو إذن في استعماله ، أو حصول خوف في استعماله ، لمرض أو شدة برد ، أو عطش ، أو عدو ، أو حصول علم أو ظن بفوت الصلاة قبل الوصول إليه ، أو كون الماء نجسا ، بالإجماع المذكور ، ولا يجوز إلا في آخر وقت الصلاة ، بدليل الإجماع ، ولأنه أبيح للضرورة فلا يجوز فعله قبل تأكد الضرورة.

ولا يجوز فعله إلا بعد الطلب للماء رمية سهم في الأرض الحزنة ، وفي الأرض السهلة رمية سهمين يمينا وشمالا وأماما ووراء ، بإجماعنا ، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك ، لأنه لا خلاف في صحة تيممه ، وبراءة ذمته من الصلاة إذا تيمم على الوجه الذي شرحناه ، وليس كذلك إذا تيمم على خلافه.

ومن دخل بالتيمم في الصلاة ثم وجد الماء ، وجب عليه المضي فيها ، لأنه إنما يدخل فيها عندنا ، إذا بقي من الوقت قدر ما يفعل فيه الصلاة ، فقطعها والحال هذه ، والاشتغال بالوضوء أو الغسل ، يؤدي إلى فواتها ، وذلك لا يجوز ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الشيطان ليأتي أحدكم وهو في الصلاة ، فينفخ بين أليتيه يقول : أحدثت أحدثت ، فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. (١)

وأما ما يتعلق بفصول الطهارة من الأحكام ، فقد دخل في خلالها ، فلا وجه لإعادتها.

__________________

(١) كنز العمال : ١ ـ ٢٥١ برقم ١٢٦٩ باختلاف قليل ومسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٩٦ والجامع الصغير : ١ ـ ٣١٠ برقم ٢٠٢٧ باختلاف يسير وعوالي اللئالي : ١ ـ ٣٨٠ ونقله الشيخ في الخلاف ، كتاب الصلاة ، المسألة ١٥٧.

٦٤

الصّلاة

الفصل الأوّل : في ستر العورة

يحتاج هذا الفصل إلى العلم بأمرين :

أحدهما : العورة.

والثاني : ما به تستر.

والعورة الواجب سترها من الرجال القبل والدبر ، ومن النساء جميع أبدانهن إلا رؤوس المماليك منهن ، والعورة المستحب سترها من الرجال ما عدا القبل والدبر مما بين السرة إلى الركبة ، ومن النساء رؤوس المماليك.

وأما ما به تستر فيحتاج في صحة الصلاة فيه إلى شروط ثلاثة :

أولها : أن يكون مملوكا ، أو جاريا مجرى المملوك.

وثانيها : أن يكون طاهرا.

وثالثها : أن يكون مما تنبته الأرض ، كالقطن والكتان وغيرهما من النبات إذا صح الاستتار به ، أو يكون من شعر ما يؤكل لحمه من الحيوان ، أو صوفه أو وبره ، وكذا جلدة إذا كان مذكى.

٦٥

ويجوز الصلاة في الخز الخالص (١) ولا يجوز في الإبريسم المحض وجلود الميتة ـ وإن دبغت ـ وجلود ما لا يؤكل لحمه ـ وإن كان فيها ما يقع عليه الزكاة ـ وما عمل من وبر الأرانب والثعالب أو غش به ، واللباس النجس والمغصوب ، يدل على جميع ذلك الإجماع المذكور وطريقة الاحتياط ، وقد رويت رخصة في جواز الصلاة للنساء في الإبريسم المحض.

وقد عفى عن النجاسة تكون فيما لا تتم الصلاة فيه منفردا ، كالقلنسوة والتكة ، والجورب ، والخف ، والتنزه عن ذلك أفضل.

وتكره الصلاة في الثوب المصبوغ ، وأشد كراهة الأسود ، ويكره في المذهب والملحم بالحرير أو الذهب ، بالإجماع المذكور ، وطريقة الاحتياط ، ومتى وجد بعد الصلاة على ثوبه نجاسة ، وكان علمه بها قد تقدم لحال الصلاة ، أعادها على كل حال ، وإن لم يكن تقدم ، أعادها إن كان الوقت باقيا ، ولم يعدها بعد خروجه ، للإجماع المذكور.

الفصل الثاني : في مكان الصلاة

لا تصح الصلاة إلا في مكان مملوك ، أو في حكم المملوك ، ولا يصح السجود بالجبهة إلا على ما يطلق عليه اسم الأرض ، أو على ما أنبتته مما لا يؤكل ولا يلبس إذا كان طاهرا ، بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط ، وما قدمناه من الدلالة على أن الوضوء بالماء المغصوب لا يصح ، يدل أيضا على أن الصلاة في المكان المغصوب لا يصح.

__________________

(١) في «س» : «ولا يجوز الصلاة في الخز الخالص» والصحيح ما في المتن ، وادعى في الجواهر الإجماع بقسميه على الجواز. لاحظ جواهر الكلام : ٨ ـ ٨٦.

٦٦

وقول المخالف : إن الصلاة تنقسم إلى فعل وذكر ، والذكر لا يتناول المكان [المقصود] (١) فلا يمتنع أن تكون مجزئة من حيث وقع ذكرها طاعة ، غير صحيح ، لأن الصلاة عبارة عن الفعل والذكر معا ، وإذا كان كذلك وجب انصراف النية إلى الأمرين وكون الفعل معصية يمنع من نية القربة فيه.

وقولهم (٢) : كون الصلاة في الدار المغصوبة معصية لحق صاحب الدار لا يمنع من إجزائها من حيث استيفاء شروطها الشرعية ، ونية المصلي تنصرف إلى الوجه الذي معه تتكامل الشروط الشرعية ، دون الوجه الذي يرجع إلى حق صاحب الدار ، غير صحيح أيضا ، لأنه مبني على استيفاء هذه الصلاة بشروطها الشرعية ، وذلك غير مسلم لأن من شروطها كونها طاعة وقربة ، وذلك لا يصح فعلها في الدار المغصوبة.

وتكره الصلاة في معاطن الإبل ، ومرابط الخيل والبغال والحمير والبقر ، ومرابض الغنم والمزابل ومذابح الأنعام ، والحمامات ، وبيوت النيران ، وغيرها من معابد أهل الضلال ، وبين القبور ، وتكره على البسط المصورة والأرض السبخة ، وعلى جواد الطرق وقرى النمل ، وفي البيداء وذات الصلاصل ووادي ضجنان والشقرة (٣) ، كل ذلك بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «س».

(٢) هو مبتدأ وخبره قوله : «غير صحيح».

(٣) في الجواهر : قيل : إن ذات الصلاصل اسم الموضع الذي أهلك الله فيه نمرود ، وضجنان واد أهلك الله فيه قوم لوط.

و «البيداء» هي التي يأتي إليها جيش السفياني قاصدا مدينة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخسف الله به تلك الأرض.

وفي خبر ابن المغيرة المروي عن كتاب الخرائج والجرائح : «نزل أبو جعفر عليه‌السلام في ضجنان فسمعناه يقول ثلاث مرات : لا غفر الله لك ، فقال له أبي : لمن تقول جعلت فداك؟ قال : مر بي الشامي لعنه الله يجر سلسلته التي في عنقه وقد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له ، فقلت له : لا غفر الله لك».

٦٧

الفصل الثالث : في النية

أما نية الصلاة فواجبة بلا خلاف ، وكيفيتها : أن يريد فعل الصلاة المعينة لوجوبها ، أو لكونها ندبا على الجملة ، أو للوجه الذي له كانت كذلك على التفصيل إن عرفه ، طاعة لله وقربة إليه ، ويجب مقارنة آخر جزء منها لأول جزء من تكبيرة الإحرام ، واستمرار حكمها إلى آخر الصلاة ، كما قلناه في نية الوضوء سواء. (١)

الفصل الرابع : في القبلة

القبلة هي الكعبة ، فمن كان مشاهدا لها وجب عليه التوجه إليها ، ومن شاهد المسجد الحرام ولم يشاهد الكعبة ، وجب عليه التوجه إليه ، ومن لم يشاهده توجه نحوه ، بلا خلاف ، قال الله تعالى : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ

__________________

وعن عبد الملك القمي : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : بينا أنا وأبي متوجهان إلى مكة من المدينة فتقدم أبي في موضع يقال له «ضجنان» إذ جاءني رجل في عنقه سلسلة يجرها فأقبل علي فقال : اسقني ، فسمعه أبي فصاح بي وقال : لا تسقه لا سقاه الله تعالى ، فإذا رجل يتبعه حتى جذب سلسلته وطرحه على وجهه في أسفل درك الجحيم ، فقال أبي : هذا الشامي لعنه الله تعالى.

والمراد به على الظاهر معاوية صاحب السلسلة التي ذكرها الله تعالى في سورة الحاقة.

أنظر جواهر الكلام ٨ ـ ٣٤٩. والوسائل ٣ ـ ٤٥٠ ، الباب ٣٣ و ٣٤ من أبواب مكان المصلي.

وقال في مجمع البحرين : في الحديث نهي عن الصلاة في وادي شقرة ـ وهو بضم الشين وسكون القاف. وقيل بفتح الشين وكسر القاف ـ : موضع معروف في طريق مكة. قيل : إنه والبيداء وضجنان وذات الصلاصل مواضع خسف وأنها من المواضع المغضوب عليها.

(١) في «ج» وحاشية الأصل : إلى آخر الصلاة وذلك لمثل ما قلناه في نية الوضوء فلا وجه لإعادتها كما قلناه.

٦٨

شَطْرَهُ) (١). وفرض التوجه (٢) العلم بجهة القبلة ، فإن تعذر العلم قام الظن مقامه ، ولا يجوز الاقتصار على الظن مع إمكان العلم ، ولا على الحدس مع إمكان الظن ، فمن فعل ذلك فصلاته باطلة ، وإن أصاب بتوجهه جهة القبلة ، لأنه ما فعل التوجه على الوجه المأمور به ، فيجب أن يكون غير مجزئ.

ومن توجه مع الظن ، ثم تبين له أن توجهه كان إلى غير القبلة ، أعاد الصلاة إن كان وقتها باقيا ، ولم يعد إن كان قد خرج ، إلا أن يكون استدبر القبلة ، فإنه يعيد على كل حال.

ومن لم يعلم جهة القبلة ، ولا ظنها ، توجه بالصلاة إلى أربع جهات ، بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط.

الفصل الخامس : في أوقات الصلاة

أما أوقات فرائض اليوم والليلة ، فلكل واحد منها أول وآخر ، فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس ، فإذا مضى من زوالها مقدار أداء الظهر ، دخل وقت العصر ، واشترك وقتاهما إلى أن يبقى من غروب الشمس مقدار أداء العصر ، فيخرج وقت الظهر ، ويختص (٣) هذا المقدار للعصر.

فإذا غربت الشمس ، خرج وقت العصر ودخل وقت المغرب ، فإذا مضى مقدار أداء ثلاث ركعات ، دخل وقت عشاء الآخرة ، واشتركت الصلاتان في

__________________

(١) البقرة : ١٤٤.

(٢) في «س» : وفرض المتوجه.

(٣) في الأصل و «ج» : يخلص.

٦٩

الوقت إلى أن يبقى من انتصاف الليل مقدار أداء صلاة العشاء الآخرة ، فيخرج وقت المغرب ، ويختص (١) ذلك المقدار للعشاء الآخرة ، ويخرج وقتها بمضيه.

وأول وقت صلاة الفجر طلوع الفجر الثاني ، وآخره ابتداء طلوع قرن الشمس ، يدل على ذلك ما ذكرناه من الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (٢) لأن الظاهر يقتضي أن وقت الظهر والعصر ، يمتد من دلوك الشمس إلى غسق الليل ، ولا يخرج من هذا الظاهر إلا ما أخرجه دليل قاطع.

ودلوك الشمس هو ميلها بالزوال إلى أن تغيب ، بلا خلاف بين أهل اللغة والتفسير في ذلك ، يقال : دلكت الشمس إذا مالت ، ويدل على ما اخترناه أيضا قوله (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) (٣) ، والمراد بذلك الفجر والعصر ، وهذا يدل على أن وقت العصر ممتد إلى أن يقرب الغروب ، لأن طرف الشي‌ء ما يقرب من نهايته ، وجعل المخالف آخر وقت العصر مصير ظل كل شي‌ء مثليه ، يقرب (٤) من وسط النهار ولا يقرب من نهايته ، وأيضا فإن الصلاة قبل وقتها لا تكون مجزئة لأنها غير شرعية.

وجواز صلاة العصر بعرفة عقيب الظهر بالاتفاق ، دليل على أن ذلك هو أول وقتها ، ويحتج على المخالف بما رواه ابن عباس أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الصلاتين في الحضر لا لعذر (٥) ، لأنه يدل على اشتراك الوقت.

__________________

(١) في الأصل و «ج» : يخلص.

(٢) الإسراء : ٧٨.

(٣) هود : ١١٤.

(٤) في «س» : ويقرب.

(٥) مسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٨٣ وصحيح مسلم : ٢ ـ ١٥١ باب الجمع بين الصلاتين في الحضر وسنن البيهقي : ٣ ـ ١٦٦ وموطإ مالك : ١ ـ ١٤٤.

٧٠

وحملهم ذلك على أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها غير صحيح ، لأن ذلك ليس بجمع بين الصلاتين ، وإنما هو فعل لكل صلاة في وقتها المختص بها ، وفي الخبر ما يبطل هذا التأويل وهو قوله : «لا لعذر» لأن فعل الصلاة في وقتها المختص بها ، لا يفتقر إلى عذر ، وبما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من فاتته صلاة العصر حتى غربت الشمس فكأنما وتر أهله وماله». (١) فعلق الفوات بالغروب ، وهذا يدل على أن ما قبله وقت الأداء ، وبما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت صلاة أخرى (٢) ، لأنه يدل على أن وقت العصر لا يخرج حتى يدخل وقت المغرب.

فإن قيل : أليس قد ذهب بعض أصحابكم إلى أن آخر وقت الظهر أن يصير ظل كل شي‌ء مثله؟ وآخر وقت العصر أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه؟ وآخر وقت المغرب غيبوبة الشفق ، وهو الحمرة؟ ووردت الرواية بذلك عن أئمتكم ، وهذا يقتضي خلاف ما ذكرتموه ، فكيف تدعون إجماع الإمامية عليه؟

قلنا : هذا التحديد لا ينافي ما ذكرناه ، لأنه إنما جعل لتفعل فيه النوافل والتسبيح والدعاء ، وذلك هو الأفضل ، فكان ذلك المقدار حدا للفضل لا للجواز.

وأما أوقات النوافل في اليوم والليلة فبيانها : أن وقت نوافل الظهر من زوال الشمس إلى أن يبقى من تمام أن يصير ظل كل شي‌ء مثله مقدار ما تصلى فيه أربع ركعات ، ووقت نوافل الجمعة قبل الزوال ، ووقت نوافل العصر من حين الفراغ من صلاة الظهر إلى أن يبقى من تمام أن يصير ظل كل شي‌ء مثليه مقدار ما تصلى فيه أربع ركعات ، إلا في يوم الجمعة ، فإنها تقدم قبل الزوال ، كما قلناه في نوافل الظهر.

__________________

(١) الشافعي : الأم : ١ ـ ٧٣ كتاب الصلاة وقت العصر.

(٢) المبسوط للسرخسي : ١ ـ ١٤٥.

٧١

ووقت نوافل المغرب من حين الفراغ منها إلى أن يزول الشفق من ناحية المغرب ، ووقت الوتيرة حين الفراغ من فريضة العشاء الآخرة ، ووقت صلاة الليل من حين انتصافه إلى قبيل طلوع الفجر ، ووقت ركعتي الفجر من حين الفراغ من صلاة الليل ، إلى ابتداء طلوع الحمرة من ناحية المشرق.

وأما أوقات ما عدا فرائض اليوم والليلة ونوافلهما من الفرائض والنوافل ، فيأتي ذكرها مندرجا في ضمن فصولها إن شاء الله تعالى.

ويكره الابتداء بالنافلة من غير سبب ، حين طلوع الشمس ، وحين قيامها نصف النهار في وسط السماء (١) إلا في يوم الجمعة خاصة ، وبعد فريضة العصر ، وقبل غروب الشمس ، وبعد فريضة الغداة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

الفصل السادس

اعلم أن مما تقدم من المفروض من الصلوات الخمس وإن لم يكن من شروط صحتها الأذان والإقامة وهما (٢) واجبان على الرجال في صلاة الجماعة ، ومسنونان فيما عدا ما ذكرناه ، ويتأكد استحبابهما في ذلك فيما يجهر فيه بالقراءة ، والإقامة أشد تأكيدا من الأذان ، ويجوز للنساء أن يؤذن ويقمن من غير أن يسمعن أصواتهن الرجال.

والأذان ثمانية عشر فصلا : يبتدأ بالتكبير في أوله أربع مرات ، ثم بالشهادة لله بالوحدانية مرتين ، ثم بالشهادة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة مرتين ، ثم يقول : حي على الصلاة مرتين ، ثم يقول : حي على الفلاح مرتين ، ثم يقول : حي على خير العمل

__________________

(١) في «ج» ووسط السماء.

(٢) في «س» : فهما.

٧٢

مرتين ، ثم بالتكبير مرتين ، ثم بالتهليل مرتين.

والإقامة سبعة عشر فصلا : وهي تخالف الأذان بأن التكبير في أولها مرتان ، والتهليل في آخرها مرة واحدة ، وبأن يزاد فيها بعد حي على خير العمل «قد قامت الصلاة» مرتين ، والترتيب واجب فيهما ، ويستحب في الأذان ترتيل كلمه والوقوف على أواخر فصوله ـ ويجوز فعله على غير طهارة ، ومن غير استقبال القبلة [وفي حال الجلوس والمشي ، والتكلم في خلاله ، وفعله على خلاف ذلك ، كله أفضل ، والسنة في الإقامة حدر كلماتها (١) وفعلها على طهارة في حال القيام واستقبال القبلة] (٢) ـ وألا يتكلم فيها بما لا يجوز مثله في الصلاة ، كل ذلك بدليل الإجماع المقدم ذكره.

الفصل السابع :

في أقسام الصلاة

الصلاة على ضربين : مفروض ومسنون :

فالمفروض في اليوم والليلة خمس صلوات : الظهر أربع ركعات ، إلا في يوم الجمعة ، فإن الفرض ينتقل إلى ركعتين ، متى تكاملت الشروط التي نذكرها فيما بعد ، والعصر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء الآخرة أربع ، والغداة ركعتان.

هذا في حق الحاضر أهله بلا خلاف ، وفي حق من كان حكمه حكم الحاضرين من المسافرين وهو من كان سفره أكثر من حضره كالجمال والمكاري والبادي أو في معصية لله أو للعب والنزهة ، أو كان سفره أقل من بريدين وهما

__________________

(١) حدر الرجل الإقامة : أسرع فيها. المصباح المنير.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٧٣

ثمانية فراسخ.

والفرسخ ثلاثة أميال والميل ثلاثة آلاف ذراع (١) ومن عزم على الإقامة في البلد الذي يدخله عشرة أيام ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

ويدل أيضا على صحة ما ذكرناه من حد السفر الذي يجب فيه القصر قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٢) فعلق سقوط فرض الصيام بما يتناوله اسم السفر ، ولا خلاف أن كل سفر أسقط فرض الصيام ، فإنه موجب لقصر الصلاة ، وإذا كان كذلك ، وكان اسم السفر يتناول المسافة التي ذكرناها ، وجب القصر على من قصدها ، ولا يلزم على ذلك ما دونها لأنا إنما عدلنا عن ظاهر الآية فيه ، للدليل وهو الإجماع ، وليس ذلك فيما ذهبوا إليه.

فأما من عدا من ذكرناه من المسافرين ، فإن فرضه في كل رباعية من الصلوات الخمس ركعتان ، فإن تمم عن علم بذلك وقصد إليه ، لزمته الإعادة على كل حال ، وإن كان إتمامه عن جهل أو سهو ، أعاد إن كان الوقت باقيا بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فإن فرض السفر إذا كان ركعتين ، فمن صلى أربعا لم يمتثل المأمور به ، على الوجه الذي تعبد به ، فلزمته الإعادة.

وليس لأحد أن يقول هذا مخالف لظاهر قوله تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) (٣) لأن رفع الجناح يقتضي الإباحة لا الوجوب ، لأن هذه الآية لا تتناول قصر الصلاة في عدد الركعات ، وإنما تفيد التقصير في الأفعال من الإيماء وغيره ، لأنه تعالى علق القصر فيها بالخوف ،

__________________

(١) في حاشية الأصل : «أربعة آلاف ذراع» ونقل صاحب الجواهر عن الفيومي أن الميل عند القدماء من أهل الهيئة ثلاثة آلاف ذراع ، وعند المحدثين أربعة آلاف ذراع. لاحظ جواهر الكلام : ١٤ ـ ١٩٩.

(٢) البقرة : ١٨٤.

(٣) النساء : ١٠١.

٧٤

ولا خلاف أنه ليس بشرط في القصر من عدد الركعات ، وإنما هو شرط فيما ذكرناه من التقصير في الأفعال.

وينضاف إلى فرائض اليوم والليلة من مفروض الصلاة ست صلوات : صلاة العيدين إذا تكاملت شرائط وجوبها ، وصلاة الكسوف والآيات العظيمة كالزلزلة والرياح السود ، وركعتا الطواف الواجب وصلاة النذر ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة ، وصلاة القضاء للفائت ، وصلاة الجنائز بلا خلاف.

ويعارض المخالف في صلاة الكسوف بما يرويه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الشمس والقمر لا تنكسفان لموت أحد ، ولا لحياة أحد ، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة» (١) وظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ، ويدل أيضا على وجوب صلاة الطواف قوله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٢) وأمره تعالى على الوجوب ، ولا أحد قال بوجوب صلاة في المقام سوى ما ذكرناه.

ويدل أيضا على وجوب صلاة النذر قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ونذر الصلاة عقد فيه طاعة لله ، فوجب الوفاء به ، ويعارض المخالف بما روى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من نذر أن يطيع الله فليطعه». (٤)

وتعلق المخالف في نفي وجوب هذه الصلوات بما روى من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ ـ ٣٥ ، كتاب الكسوف باب ذكر النداء بصلاة الكسوف وسنن الدار قطني : ٢ ـ ٦٥ برقم ١١ والتاج الجامع : ١ ـ ٢٠٦ وسنن البيهقي : ٣ ـ ٣٢٠ و ٣٢١ و ٣٣٧ كتاب صلاة الخسوف باب الأمر بالفزع إلى ذكر الله وإلى الصلاة متى كسفت الشمس. وكنز العمال : ٧ ـ ٨٢١ ، برقم ٢١٥٥١ و ٢١٥٥٤ و ٢١٥٦٣ و ٢١٥٦٩ و ٢١٥٧٤ و.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) المائدة : ١.

(٤) سنن البيهقي : ٩ ـ ٢٣١ ، كتاب الجزية باب لا يوفى من العهود. و : ٩ ـ ٦٨ باب من نذر نذرا ... وص ٧٥ كتاب النذور وكنز العمال : ١٦ ـ ٧١٠ برقم ٤٦٤٦٢.

٧٥

للأعرابي : «لا إلا أن تتطوع» (١) ، حين سأله ، وقد أخبره أن عليه في اليوم والليلة خمس صلوات ، فقال : هل علي غيرهن؟

الجواب عنه أنه خبر واحد ، وقد بينا أنه لم يرد التعبد بالعمل به في الشرعيات ، ثم هو معارض بما قدمناه ، ثم إنا نقول بموجبه ، لأنا ننفي وجوب صلاة في اليوم والليلة زائدة على الخمس ، لأن ذلك عبارة في الشريعة عن كل صلاة تفعل على جهة التكرار في كل يوم وليلة ، على أن الظاهر لو تناول ذلك لأخرجنا هذه الصلوات بالدليل ، كما أخرجنا كلنا صلاة الجنائز.

وأما المسنون من الصلاة : فنوافل اليوم والليلة ، ونوافل الجمعة ، ونوافل شهر رمضان ، وصلاة الغدير ، وصلاة المبعث ، وصلاة النصف من شعبان ، وصلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [وصلاة الأعرابي] (٢) وصلاة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصلاة أخيه جعفر رضي‌الله‌عنه (٣) ، وصلاة الزهراء عليها‌السلام ، وصلاة الإحرام ، وصلوات الزيارات ، وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، وصلاة الاستسقاء ، وصلاة تحية المسجد.

الفصل الثامن : في كيفية فعل الصلاة

كيفيتها على ضربين : أحدهما : كيفية صلاة الخمس ، والثاني كيفية ما عداها من باقي الصلوات ، وكيفية صلوات الخمس على ضربين : أحدهما كيفية صلاة المختار ، والثاني كيفية صلاة المضطر ، وكل واحد منهما على ضربين : مفرد و

__________________

(١) صحيح مسلم : ١ ـ ٣١ باب الإسلام ما هو. وسنن البيهقي : ٢ ـ ٤٦٧.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج» وحاشية الأصل.

(٣) جعفر الطيار ، أخو علي عليه‌السلام لأبويه ، كان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلقا وخلقا ، وكان أسن من علي عليه‌السلام بعشر سنين وأخوه عقيل أسن منه بعشر سنين وأخوهم طالب أسن من عقيل بعشر سنين ، قتل شهيدا سنة ٨ ه‍. لاحظ أسد الغابة : ١ ـ ٢٨٦ وأعيان الشيعة : ٤ ـ ١١٨.

٧٦

جامع.

فأما كيفية صلاة المفرد المختار فعلى ضربين : واجب وندب ، فالواجب منها عليه : القيام ، واستقبال القبلة ، والنية ، بلا خلاف ، وتكبيرة الإحرام ، وهي أن يقول المصلي : «الله أكبر» دون ما عدا ذلك من الألفاظ ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فإن الصلاة في ذمته بيقين ، ولا يقين في سقوطها عن الذمة إلا بما ذكرناه.

ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ، ثم يستقبل القبلة ويقول : الله أكبر (١) ويجب عليه إذا كبر قراءة الحمد وسورة معها كاملة على جهة التضييق (٢) في الركعتين الأوليين من كل رباعية ومن المغرب وفي صلاة الغداة والسفر ، فإن كان هناك عذر أجزأت الحمد وحدها.

وهو مخير في الركعتين الأخريين وثالثة المغرب بين الحمد وحدها وبين عشر تسبيحات ، وهي : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ، يقول ذلك ثلاث مرات ، ويقول في الثالثة : والله أكبر ، يدل على وجوب القراءة في الجملة قوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (٣) لأن الظاهر يقتضي عموم الأحوال التي من جملتها أحوال الصلاة ، ويدل على وجوبها على الوجه الذي ذكرناه الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة.

ويعارض المخالف في وجوب قراءة فاتحة الكتاب ، بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للذي علمه كيف يصلي : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ فاتحة الكتاب ، ثم اركع وارفع رأسك حتى تطمئن قائما ، وهكذا فاصنع في كل

__________________

(١) المبسوط للسرخسي : ١ ـ ٣٦ ونقله السيد المرتضى في الناصريات ، المسألة ٨٣ ، وفيه «حتى يضع الوضوء» لاحظ سلسلة الينابيع الفقهية : ٣ ـ ٢٣٣.

(٢) كذا في الأصل ولكن في «ج» و «س» : على جهة التضيق.

(٣) المزمل : ٢٠.

٧٧

ركعة (١) ، وقوله : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها فاتحة الكتاب (٢).

ولا يجوز القراءة بغير العربية ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا قوله تعالى (إِنّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (٣) ، وقوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٤) ومن عبر عن معنى القرآن بغير العربية فليس بقارئ على الحقيقة كما أن من عبر عن معنى شعر امرئ القيس (٥) مثلا بغير العربية لم يكن منشدا لشعرة على الحقيقة ، وأيضا فلا خلاف في أن القرآن معجز ، والقول بأن العبارة عن معنى القرآن بغير العربية قرآن يبطل كونه معجزا ، وذلك خلاف الإجماع.

ويجب الجهر بجميع القراءة في أوليي المغرب ، والعشاء الآخرة ، وصلاة الغداة ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وببسم الله الرحمن الرحيم فقط في أوليي الظهر والعصر من الحمد والسورة التي تليها عند بعض أصحابنا (٦) وعند بعضهم هو مسنون. والأول أحوط ، لأن من جهر ببسم الله الرحمن الرحيم برئت ذمته بيقين ، وليس كذلك من لم يجهر بها ، ويجب الإخفات فيما عدا ما ذكرناه ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ولا يجوز أن يقرأ في فريضة سورة فيها سجود واجب ، وهن أربع : تنزيل السجدة ، وحم السجدة ، والنجم ، واقرأ باسم ربك ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا فإن في هذه السور سجودا واجبا ،

__________________

(١) صحيح مسلم : ٢ ـ ٩ ، وسنن البيهقي : ٢ ـ ٣٨ باب تعيين القراءة بفاتحة الكتاب.

(٢) سنن ابن ماجة : ١ ـ ٢٧٣ برقم ٨٣٧ وعوالي اللئالي : ١ ـ ١٩٦.

(٣) يوسف : ٢.

(٤) الشعراء : ١٩٥.

(٥) إمرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي ، من أشهر شعراء الجاهلية ، يعرف بالملك الضليل ، يماني الأصل مولده نجد ، تولد سنة ١٣٠ قبل الهجرة ، ومات ٨٠ قبل الهجرة ، لاحظ الاعلام للزركلي : ٢ ـ ١١ ، والأغاني : ٩ ـ ٧٦ ، والكنى والألقاب : ٢ ـ ٥٦.

(٦) الحلبي : الكافي : ١١٧.

٧٨

فإن فعله بطلت الصلاة للزيادة فيها ، وإن لم يفعله أخل بالواجب ، وإن اقتصر على قراءة ما عدا موضع السجود من السورة ، كان قد بعض ، وذلك عندنا لا يجوز على ما قدمناه.

ويجب الركوع والسجود الأول والثاني في كل ركعة ، ويجب الطمأنينة في ذلك كله ، ورفع الرأس منه ، والطمأنينة بعد رفع الرأس قائما وجالسا ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط. واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا فلا خلاف أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يفعل ذلك وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي. (١)

ويعارض المخالف بما رووه من أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسي‌ء [في] صلاته بالطمأنينة في الركوع والسجود وفي رفع الرأس منهما (٢) وظاهر الأمر في الشريعة يقتضي الوجوب.

ويجب التسبيح في الركوع والسجود ، وأقل ما يجزي في كل واحد منهما من ذلك ، تسبيحة واحدة ، ولفظه الأفضل : «سبحان ربي العظيم وبحمده» في الركوع ، وفي السجود : «سبحان ربي الأعلى وبحمده» ، ويجوز فيهما «سبحان الله» ويدل على وجوبه في الجملة الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، وأيضا فكل آية في القرآن تقتضي بظاهرها الأمر بالتسبيح تدل على ذلك ، لأن عموم الظاهر يقتضي دخول أحوال (٣) الركوع والسجود فيه ، ومن أخرج ذلك منه احتاج إلى دليل ، ويدل على استحباب اللفظ الذي ذكرناه ، الإجماع المشار إليه.

ويعارض المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما نزل : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ

__________________

(١) صحيح البخاري : ١ ـ ١٦٢ ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر وسنن الدارمي : ١ ـ ٢٨٦ وسنن الدار قطني : ١ ـ ٢٧٣.

(٢) لاحظ صحيح مسلم : ٢ ـ ١١ كتاب الصلاة ، ح ٤٥ وصحيح البخاري : ١ ـ ١٩٣ و ٢٠١ وما بين المعقوفتين منا أثبتناه لتتميم العبارة.

(٣) في «س» : يقتضي دخول احدى.

٧٩

الْعَظِيمِ) (١) اجعلوها في ركوعكم ، وقوله لما نزل (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٢) ، اجعلوها في سجودكم ، والأمر يحمل على الاستحباب بدليل.

ويجب أن يكون السجود على سبعة أعضاء : الجبهة والكفين والركبتين وأطراف أصابع الرجلين ، للإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، ويعارض المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء ، اليدين والركبتين وأطراف القدمين والجبهة (٣) ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي (٤) ، ويجب الجلوس للتشهدين ـ والشهادتان فيهما والصلاة على محمد وآله وسلم ـ بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.

ويعارض المخالف بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي (٥) ولا خلاف أنه كان يفعل ذلك في الصلاة ، ويختص الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٦) ، والأمر الشرعي يقتضي الوجوب ، إلا ما أخرجه دليل قاطع ، وقد بين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفية الصلاة عليه حين سئل عن ذلك ، فقال : قولوا : اللهم صل على محمد وآل محمد (٧) ، فثبت ما قلناه.

__________________

(١) الواقعة : ٩٦.

(٢) الأعلى : ١.

(٣) سنن البيهقي : ٢ ـ ١٠٣ باب ما جاء في السجود. والجامع الصغير : ١ ـ ٢٥٠ برقم ١٦٣٧ وكنز العمال : ٧ ـ ٤٥٨ برقم ١٩٧٧٠ و ١٩٧٩٩ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٩٢ و ٣٠٥ ولفظ الحديث : أمرت أن أسجد على سبعة أعظم.

(٤) صحيح البخاري : ١ ـ ١٦٢ ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر وسنن الدار قطني : ١ ـ ٢٧٣ ، وسنن الدارمي : ١ ـ ٢٨٦ وسنن البيهقي : ٢ ـ ٣٤٥.

(٥) صحيح البخاري : ١ ـ ١٦٢ ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر وسنن الدار قطني : ١ ـ ٢٧٣ ، وسنن الدارمي : ١ ـ ٢٨٦ وسنن البيهقي : ٢ ـ ٣٤٥.

(٦) الأحزاب : ٥٦.

(٧) سنن البيهقي : ٢ ـ ١٤٦ ، ١٤٧ ، ١٤٨ باب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والجامع الصغير : ٢ ـ ٢٦١ برقم ٦١٦٢ وكنز العمال : ١ ـ ٤٩٠ برقم ٢١٥٠ و ٢١٨٣ و ٢١٨٤ و ٢١٨٥ و ٢١٨٦ و ٢١٨٧.

٨٠