غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

تحريم عليه ، بل يكون المراد الاستقذار والاستهجان ، وقد روى من طريق آخر : الراجع في هبته كالكلب يعود في قيئه (١) ، وذلك يصحح ما قلناه ، على أنه لو دل على التحريم ، خصصناه (٢) بالموضع الذي يذهب إليه بالدليل.

والهبة في المرض المتصل بالموت ، محسوبة من أصل المال لا من الثلث ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولا تجري الهبة مجرى الوصية ، لأن حكم الهبة منجز في حال الحياة ، وحق الورثة لا يتعلق بالمال في تلك الحال ، وحكم الوصية موقوف إلى بعد الوفاة ، وحق الورثة يتعلق بالمال في ذلك الوقف ، فكانت محسوبة من الثلث.

وهبة المشاع جائزة ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن الأصل الجواز ، والمنع يفتقر إلى دليل ، ويحتج على المخالف بالأخبار الواردة في جواز الهبة ، لأنه لا فصل فيها بين المشاع وغيره.

ولو قبض الهبة من غير إذن الواهب ، لم يصح ، ولزمه الرد ، لأنه لا خلاف في صحة ذلك مع الإذن ، وليس على صحته من دونه دليل.

وإذا وهب ما يستحقه في الذمة ، كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، ويعتبر قبول من عليه الحق ، لأن (٣) في إبرائه منه منة عليه ، ولا يجبر على قبول المنة.

ومن منح غيره ناقة ، أو بقرة ، أو شاة ، لينتفع بلبنها مدة [معلومة] (٤) ، لزمه الوفاء بذلك إذا قصد به وجه الله تعالى ، وكان ذلك الغير ممن يصح التقرب إلى الله تعالى ببره ، ويضمن هلاك المنيحة ونقصانها بالتعدي.

__________________

(١) سنن البيهقي : ٦ ـ ١٨٠ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٢٩١ وكنز العمال : ١٦ ـ ٦٤٠ برقم ٤٦١٧٢ و ٤٦١٧٣ و ٤٦١٧٤ و ٤٦١٧٦ باختلاف قليل.

(٢) في «ج» لخصصناه.

(٣) في «ج» و «س» : لأنه.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣٠١

وكذا لا يجوز الرجوع في السكنى والرقبى والعمرى إذا كانت مدتها محدودة ، وقصد بها وجه الله تعالى ، والرقبى والعمرى سواء ، وإنما يختلفان بالتسمية ، فالرقبى أن يقول : أرقبتك هذه الدار مدة حياتك ، أو حياتي.

والعمرى أن يقول : أعمرتك كذلك. (١)

وإذا علق المالك ذلك بموته ، رجع إلى ورثته إذا مات ، فإن مات الساكن قبله ، فلورثته السكنى إلى أن يموت المالك ، فإن علقة بموت الساكن ، يرجع إليه إذا مات ، فإن مات المالك قبله ، فله السكنى إلى أن يموت ، ومتى لم يعلق ذلك بمدة ، كان له إخراجه متى شاء. ولا يجوز أن يسكن من جعل ذلك له من عدا ولده (٢) وأهله إلا بإذن المالك ، ومن شرط صحة ذلك كله الإيجاب والقبول على ما قدمناه.

ومن السنة الإهداء ، وقبول الهدية إذا عريت من وجوه القبح ، ومتى قصد بها وجه الله تعالى وقبلت ، لم يجز له الرجوع فيها ، ولا التعويض عنها ، وكذا إن قصد بها التكرم والمودة الدنيوية ، وتصرف فيها من أهديت إليه ، وكذا إن قصد بها العوض عنها ، فدفع ، وقبله المهدى ، وهو مخير في قبول هذه الهدية وردها ، ويلزم العوض عنها إذا قبلت بمثلها ، والزيادة أفضل.

ولا يجوز التصرف فيها إلا بعد التعويض ، أو العزم عليه ، ومن أراد عطية أولاده ، فالأولى أن يسوي بينهم ولو كانوا ذكورا وإناثا ، وإن فضل بعضهم على بعض ، جاز ذلك (٣) بدليل إجماع الطائفة وفيه الحجة.

__________________

(١) كذا في الأصل و «س» ولكن في «ج» : أعمرتك كذا مدة عمرك أو مدة عمري.

(٢) في «ج» من عدا والده.

(٣) في «ج» : جاز كل ذلك.

٣٠٢

فصل في اللقطة

من وجد ضالة من الإبل لم يجز له أخذها بإجماع الطائفة (١) ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ـ وقد سئل عن ذلك ـ : ما لك ولها خفها حذاؤها وكرشها سقاؤها (٢).

ومن وجد ما عدا ذلك كره له أخذه ، فإن أخذه وكانت قيمته دون الدرهم ، لم يضمنه ، ويحل له التصرف فيه ، وفيما بلغ أيضا الدرهم وزاد عليه مما يخاف فساده بالتعريف ، كالأطعمة ، من غير تعريف.

وأما ما سوى ذلك فعليه تعريفه حولا كاملا في أوقات بروز الناس ، وأماكن اجتماعهم ، كالأسواق وأبواب المساجد ، وهو بعد الحول إن لم يأت صاحبه بالخيار بين حفظه انتظارا للتمكن منه ، وبين أن يتصدق به عنه ، ويضمنه إن حضر ولم يرض ، وبين أن يتملكه ويتصرف فيه ، وعليه أيضا الضمان إلا لقطة الحرم ، فإنه لا يجوز تملكها ، ولا يلزم ضمانها إن تصدق بها.

ويدل على ذلك كله الإجماع المشار إليه ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال ، وقد سئل عن اللقطة : اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ،

__________________

(١) في «ج» : بدليل إجماع الطائفة.

(٢) سنن البيهقي : ٦ ـ ١٨٩ كتاب اللقطة باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز. ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ١٨٦ و ٤ ـ ١١٦ و ١١٧ وصحيح مسلم : ٥ ـ ١٣٤ كتاب اللقطة.

٣٠٣

وإلا فاستمتع بها وفي خبر آخر : وإلا فشأنك (١) ، والعفاص : هو الذي يكون فوق رأس القارورة وشبهها ، من جلد أو غيره [يكون] (٢) فوق الصمامة ، وهي : ما يحشى في الرأس ، والوكاء : هو ما يشد به العفاص من سير (٣) أو خيط.

وحكم لقطة المحجور عليه يتعلق بوليه ، ولقطة العبد يتعلق حكمها بمولاة ، واللقيط حر لا يجوز تملكه ، وإذا تبرع ملتقطة بالإنفاق عليه ، لم يرجع عليه بشي‌ء إذا بلغ وأيسر ، وإذا لم يرد التبرع ، ولم يجد من يعينه على الإنفاق [عليه] (٤) من سلطان أو غيره ، فأنفق للضرورة ، جاز له الرجوع ، وليس له عليه بالإنفاق ولاء.

وإذا ادعى اثنان في لقيط أنه ولد لهما ، ألحق بمن أقام البينة ، فإن أقاماها جميعا وتكافأت ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه ألحق به ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وقد بينا فيما مضى حكم الموجود من الكنوز وقدر أجر رد العبد أو البعير. (٥)

__________________

(١) صحيح مسلم : ٥ ـ ١٣٤ كتاب اللقطة وسنن البيهقي : ٦ ـ ١٨٩ كتاب اللقطة باب ما يجوز له أخذه وما لا يجوز مما يجده.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٣) السير الذي يقدر من الجلد ، جمعه سيور. المصباح المنير.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٥) كذا في «ج» وحاشية الأصل ، ولكن في متنه و «س» : وقدر أجرة العبد أو البعير.

٣٠٤

فصل في الوصية

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الوصية حق على كل مسلم (١). وقال : ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلا ووصيته تحت رأسه (٢) وقال : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية. (٣)

والواجب منها البداية بالإقرار على جهة الجملة بما أوجب الله سبحانه علمه والعمل به ، ثم الوصية بالاستمساك بذلك ، وبتقوى الله ، ولزوم طاعته ، ومجانبة (٤) معاصيه ، ويعين من ذلك ما يجب من غسله وتكفينه ومواراته ، ثم الوصية بقضاء ما عليه من حق واجب ديني أو دنيوي ، ويخرج ذلك من أصل التركة ، إن أطلق ولم يقيد بالثلث.

فإن لم يكن عليه حق ، استحب له أن يوصي بجزء من ثلثه ، ويصرف في النذور والكفارات ، وجزء في الحج والزيارات ، وجزء يصرف إلى مستحقي الخمس ، وجزء إلى مستحقي الزكاة (٥) وجزء إلى من لا يرثه من ذوي أرحامه.

وتصح الوصية من المحجور عليه للسفه ، ومن بلغ (٦) عشر سنين فصاعدا

__________________

(١) الوسائل : ١٣ ـ ٣٥١ ب ١ من أبواب أحكام الوصايا ح ٣ و ٤ و ٦.

(٢) نفس المصدر ح ٥ و ٧.

(٣) نفس المصدر ح ٨.

(٤) في «ج» : «ومحاسبة معصيته» والصحيح ما في المتن.

(٥) في «ج» : إلى مستحق الخمس وجزء إلى مستحق الزكاة.

(٦) في «ج» : وممن بلغ.

٣٠٥

من الصبيان ، فيما يتعلق بأبواب البر خاصة.

ومن شرط صحتها حصول الإيجاب من الموصي والقبول من المسند إليه ، ومن شرطه أن يكون حرا مسلما بالغا عاقلا عدلا بصيرا بالقيام بما أسند إليه ، رجلا كان أو امرأة ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

ويجوز للمسند إليه القبول في الحال ، ويجوز له تأخير ذلك ، لأن الوصية بمنزلة الوكالة ، وهي عقد منجز في الحال ، فجاز القبول فيها ، بخلاف قبول الموصى له ، فإنه لا يعتد به إلا بعد الوفاة ، لأن الوصية تقتضي تمليكا له في تلك الحال ، فتأخر القبول إليها.

وللموصي الرجوع في الوصية وتغييرها بالزيادة والنقصان ، والاستبدال بالأوصياء ما دام حيا ، ولا يجوز للمسند إليه ترك القبول إذا بلغه ذلك بعد موت الموصي ، ولا ترك القيام بما فوض إليه من ذلك ، إذا لم يقبل ورد فلم يبلغ الموصى ذلك حتى مات ، بدليل إجماع الطائفة ، ولا يجوز للوصي أن يوصي إلى غيره إلا أن يجعل له ذلك الموصي.

وإذا ضعف الوصي عما أسند إليه ، فعلى الناظر في مصالح المسلمين أن يعضده بقوي أمين ولا يعزله ، فإن مات أقام مقامه من يراه لذلك أهلا.

والوصية المستحبة والمتبرع بها محسوبة من الثلث ، سواء كانت في حال الصحة أو في حال المرض ، وتبطل فيما زاد عليه إلا أن يجيز ذلك الورثة بلا خلاف.

وتصح الوصية للوالدين والأقربين في المرض (١) المتصل بالموت بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٢) ، وهذا نص في موضع الخلاف ، ولا يمكن

__________________

(١) كذا في «ج» ولكن في الأصل و «س» : «وتصح للوارث في المرض».

(٢) البقرة : ١٨٠.

٣٠٦

أن يدعى نسخ هذه الآية بآية المواريث ، لأنه لا تنافي بينهما ، وإذا أمكن العمل بمقتضاهما ، لم تصح دعوى النسخ.

وقولهم : «نخص الآية بالوالدين والأقربين إذا كانوا كفارا» يفتقر إلى دليل ، ولا دليل لهم على ذلك.

وما يروونه من قوله : لا وصية لوارث (١) ، قد نص أصحاب الحديث على تضعيف رواته (٢) ، ثم هو مخالف لظاهر القرآن المعلوم ، ولا يجوز ترك المعلوم للمظنون ، ولو سلم من ذلك كله لكان خبر واحد ، وقد بينا أنه لا يجوز العمل بذلك في الشرعيات.

ولا تصح الوصية للكافر إلا أن يكون ذا رحم للموصي ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فلا خلاف في جوازها له إذا كان ذا رحم ، وليس على جوازها إذا لم يكن كذلك دليل. وتجوز الوصية للحمل ، فإن ولد ميتا ، فهو لورثة الموصي.

وإذا وصى بثلث ماله في أبواب البر ، فلم يذكر تفصيلا ، كان لكل باب منها مثل الآخر ، وكذا إن أوصى لجماعة ولم يرتبهم ولا سمى لكل واحد منهم شيئا معينا ، وإن رتبهم وعين ما لكل واحد منهم ، بدأ بالأول ، ثم الثاني ، إلى تكميل الثلث ، ثم لا شي‌ء لمن بقي منهم.

ومن أوصى بوصايا من ثلثه ، وعين منها الحج ، وكانت عليه حجة الإسلام ، وجب تقديم الحج على الوصايا الأخر وإن لم يبق لها شي‌ء من الثلث ، لأن الحج واجب وما هو متبرع به ، ويستأجر للنيابة عنه من ميقات الإحرام ،

__________________

(١) التاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٢٦٦ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٦٤ ومسند أحمد بن حنبل : ٤ ـ ١٨٦ ، ١٨٧ ، ٢٣٨ و ٥ ـ ٢٦٧ وكنز العمال : ١٦ ـ ٦١٥ برقم ٤٦٠٦٢ و ٤٦٠٧١ ، ٤٦٠٧٢ و ٤٦١١٩.

(٢) لاحظ سنن البيهقي : ٦ ـ ٢٦٤ و ٢٦٥ والاعتصام بالكتاب والسنة تأليف الأستاذ العلامة آية الله الشيخ جعفر السبحاني ، ص ٢٣٧ ـ ٢٦٠ فقد ناقش رجال الحديث وأثبت ان السند مشتمل على أناس لا يحتج بهم.

٣٠٧

بدليل إجماع الطائفة.

ومن أوصى بسهم من ماله ، أو شي‌ء من ماله ، كان ذلك السدس ، فإن أوصى بجزء منه كان ذلك السبع (١) بدليل إجماع الطائفة على ذلك كله ، وقد روي عن إياس بن معاوية (٢) في السهم أنه قال : هو في اللغة السدس (٣) وروي عن ابن مسعود (٤) أن رجلا أوصى بسهم من ماله فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم السدس. (٥)

ومن أوصى لقرابته دخل في ذلك كل من تقرب إليه (٦) إلى آخر (٧) أب وأم في الإسلام ، ومن أوصى بثلثه في سبيل الله ، صرف ذلك في جميع مصالح المسلمين ، مثل بناء المساجد ، والقناطر ، والحج ، والزيارة ، وما أشبه ذلك ، بدليل الإجماع (٨) المشار إليه ، ولأن ما ذكرناه طرق إلى الله تعالى ، وإذا كان كذلك ، فالأولى حمل لفظة «سبيل» على عمومها.

__________________

(١) في «ج» : «التسع» بدل «السبع».

(٢) أبو واثلة : إياس بن معاوية بن قرة بن إياس بن هلال المزني البصري ، روى عن أنس وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وغيرهم ، وعنه أيوب وحميد الطويل وسفيان وجماعة ، مات سنة ١٢٢ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ١ ـ ٣٤١.

(٣) المبسوط للسرخسي : ٢٧ ـ ١٤٥ ، والمغني لابن قدامة : ٦ ـ ٥٨١.

(٤) تقدمت ترجمته ص ١٩٨.

(٥) المغني لابن قدامة : ٦ ـ ٥٨١.

(٦) في الأصل : دخل في ذلك من يتقرب إليه.

(٧) في «ج» : من آخر.

(٨) في «ج» بدليل إجماع الطائفة.

٣٠٨

كتاب الفرائض

جملة ما يحتاج إلى العلم به في ذلك ستة أشياء :

ما به يستحق الميراث.

وما به يمنع.

ومقادير سهام الوارث. (١)

وترتبهم في الاستحقاق.

وتفصيل أحكامهم مع الانفراد والاجتماع.

وكيفية القسمة عليهم.

فأما ما به يستحق الميراث فشيئان : نسب وسبب ، والسبب ضربان : زوجية وولاء ، والولاء على ضروب ثلاثة : ولاء العتق ، وولاء تضمن الجريرة ، وولاء الإمامة.

وأما ما به يمنع فثلاثة أشياء : الكفر ، والرق ، وقتل الموروث عمدا على وجه الظلم.

الفصل الأول

وأما مقادير السهام فستة : النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس.

__________________

(١) في «ج» و «س» : سهام الوارث.

٣٠٩

فالنصف سهم أربعة : سهم الزوج مع عدم الولد ، وولد الولد وإن نزلوا ، وسهم البنت إذا لم يكن غيرها من الأولاد ، والأخت من الأب والأم ، والأخت من الأب ، إذا لم تكن أخت من أب وأم.

والربع سهم اثنين : سهم الزوج مع وجود الولد ، أو ولد الولد ، وإن نزلوا ، وسهم الزوجة مع عدمهم.

والثمن سهم الزوجة فقط ، مع وجود الولد وولد الولد ، وإن نزلوا.

والثلثان سهم ثلاثة : سهم البنتين فصاعدا ، والأختين فما زاد من الأب والأم ، والأختين فصاعدا من الأب ، إذا لم يكن أخوات من أب وأم.

والثلث سهم اثنين : سهم الأم مع عدم الولد وولد الولد ، وعدم من يحجبها من الإخوة ، وسهم الاثنين فصاعدا من كلالة الأم.

والسدس سهم خمسة : سهم كل واحد من الأبوين مع وجود الولد ، وولد الولد (١) ، وإن نزلوا ، وسهم الأم مع عدم الولد ، ووجود من يحجبها من الإخوة ، وسهم الواحد من الإخوة أو الأجداد من قبل الأم.

الفصل الثاني

وأما ترتيب الوراث ، فاعلم أن الواجب تقديم الأبوين والولد ، فلا يجوز أن يرث مع جميعهم ولا مع واحدهم أحد ممن عداهم ، إلا الزوج والزوجة ، فإنهما يرثان مع جميع الوراث ، وحكم ولد الولد وإن نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق ، ومشاركة الأبوين ، وحجبهما عن أعلى السهمين [إلى أدناهما] (٢) ،

__________________

(١) في «ج» : أو ولد الولد.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣١٠

وحجب من عداهما من الإرث جملة إلا من استثنيناه.

والأقرب من الأولاد أولى من الأبعد ، وإن كان الأقرب بنتا والأبعد ابن ابن ، فإن عدم الأبوان والولد ، فالواجب تقديم الإخوة والأخوات والأجداد والجدات ، فلا يرث مع جميعهم ولا واحدهم أحد ممن عداهم إلا الزوج والزوجة.

وحكم أولاد الإخوة والأخوات وإن نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم في الاستحقاق ومشاركة الأجداد وحجب من سواهم واعتبار الأقرب منهم فالأقرب ، فإن لم يكن أحد من هؤلاء ، وجب تقديم الأعمام والعمات والأخوال والخالات أو واحدهم على غيرهم من الوراث إلا من استثنيناه.

وحكم الأولاد منهم وإن نزلوا ، حكم آبائهم وأمهاتهم على ما قدمناه إلا في مشاركة الأخوال والأعمام وفيما رواه أصحابنا ـ رضي‌الله‌عنهم ـ من أن ابن العم للأب والأم ، أحق بالميراث من العم للأب ، فإن عدم هؤلاء الوراث ، فالمستحق من له الولاء بالعتق أو تضمن الجريرة دون الإمام عليه‌السلام ، ويقوم ولد المعتق الذكور [منهم] (١) دون الإناث مقامه ، فإن لم يكن له ولد قام عصبته مقامهم.

الفصل الثالث :

في تفصيل أحكام الوراث مع الانفراد والاجتماع

وقد بينا أن أول المستحقين الأبوان والولد ، فالأبوان إذا انفرد من الولد ، كان المال كله لهما ، للأم الثلث ، والباقي للأب ، والمال كله لأحدهما إذا انفرد ، فإن كان معهما زوج أو زوجة ، فللأم الثلث من أصل التركة ، والباقي للأب بعد سهم

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣١١

الزوج أو الزوجة.

يدل على ذلك بعد إجماع الطائفة ، قوله تعالى (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ) (١) الآية ، وهذا نص في موضع الخلاف ، لأنه لا يفهم من إيجاب الثلث لها إلا الثلث من الأصل ، كما لا يفهم (٢) من إيجاب النصف للبنت أو للزوج مع عدم الولد إلا ذلك.

وأيضا فإنه تعالى لم يسم للأب مع الأم شيئا ، وإنما يأخذ الثلثين ، لأن ذلك هو الباقي بعد المسمى للأم ، لا لأنه الذي لا بد أن يستحقه ، بل الذي اتفق له.

فإذا دخل عليهما زوج أو زوجة ، وجب أن يكون النقص داخلا على من له ما يبقى ، وهو الأب ، كما أن له الزيادة ، دون صاحب السهم المسمى وهو الأم ، ولو جاز نقصها عما سمي لها في هذا الموضع ، لجاز ذلك في الزوج أو الزوجة ، وقد علمنا خلاف ذلك.

وحمل المخالف الآية على أن المراد للأم الثلث مع الأب إذا لم يكن وارث غيرهما ، ترك للظاهر من غير دليل.

وقولهم : لما ورث الأبوان بمعنى واحد وهو الولادة وكانا في درجة واحدة أشبها الابن والبنت ، فلم يجز أن تفضل الأنثى على الذكر ، قياس لا يجوز أن تثبت به الأحكام الشرعية ، ثم لو منع ذلك من التفضيل منع من التساوي ، كما منع في الابن والبنت منه ، وقد علمنا تساوي الأبوين.

وقولهم : «إذا دخل على الأبوين من يستحق بعض المال ، كان الباقي بعد أخذ المستحق (٣) بينهما على ما كان في الأصل ، كالشريكين في مال لأحدهما ثلثه و

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) في الأصل : «كما يفهم» والصحيح ما في المتن.

(٣) في «س» : «بعد هذا المستحق» وفي «ج» : «كان الباقي أخذ المستحق» والصحيح ما في المتن.

٣١٢

للآخر ثلثاه ، استحق عليهما بعضه» ليس بشي‌ء ، لأن الشريكين قد استحق كل واحد منهما سهما معينا ، فإذا استحق من المال شيئا (١) كان ما يبقى بينهما على قدر سهامهما المسماة المعينة ، وليس كذلك ما نحن فيه ، لأنا قد بينا أن الأب لا يأخذ الثلثين بالتسمية ، ولا هما سهمه الذي لا بد أن يستحقه ، وإنما له الفاضل بعد ما سمي للأم ، فاتفق أنه الثلثان له.

وبهذا نجيب عن قولهم : إذا دخل النقص على الابن والبنت معا ، لمزاحمة الزوج أو الزوجة ، فكذلك يجب في الأبوين ، لأن الله سبحانه قد صرح في الابن والبنت بأن (لِلذَّكَرِ) مثل (حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، فوجب أن تكون القسمة بينهما على ذلك في كل حال ، ولم يصرح بأن للأب في حال الانفراد من الولد الثلثين ، وإنما أخذهما اتفاقا ، فافترق الأمران.

فإن كان مع الأبوين أخوان ، أو أربع أخوات ، أو أخ وأختان لأب ، أو لأب وأم ، أحرار مسلمون ، فالأم محجوبة عن الثلث إلى السدس ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فلا خلاف في صحة الحجب بمن ذكرناه ، وليس كذلك الحجب بمن عداهم ، وقوله تعالى (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) (٢) ، وإن تناول ظاهره الإخوة من الأم ، فإنا نعدل عن الظاهر للدليل.

وللأبوين مع الولد السدسان بينهما بالسوية ، ولأحدهما السدس ، واحدا كان الولد أو أكثر ، ذكرا كان أو أنثى [ولد صلب كان أو غيره] (٣) إلا أنه إن كان ذكرا فله جميع الباقي بعد سهم الأبوين ، وإن كان ذكرا وأنثى ، (فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وهذا كله بلا خلاف ، وإن كان أنثى فلها النصف والباقي رد عليها وعلى الأبوين ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ

__________________

(١) في «ج» و «س» : استحق من المال شي‌ء.

(٢) النساء : ١١.

(٣) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣١٣

أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (١) ، وإذا كانت البنت والأبوان أقرب إلى الميت ، وأولى برحمة من عصبته ومن المسلمين (٢) وبيت المال ، كانوا أحق بميراثه.

ونحتج (٣) على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : المرأة تحوز ميراث ثلاثة : عتيقها ولقيطها وولدها (٤) ، وهي لا تحوز جميعه إلا بالرد ، وبما رووه من أنه عليه‌السلام جعل ميراث ولد الملاعنة لأمه ولذريتها من بعدها (٥) وظاهر ذلك أن جميعه لها ، ولا يكون لها ذلك إلا بالرد ، وبما رووه عن سعد (٦) أنه قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثني إلا بنتي ، أفأوصي بمالي كله؟ قال : لا ، قال : فبالنصف؟ قال : لا ، قال : فبالثلث؟ قال : الثلث والثلث كثير (٧) ، فأقره عليه‌السلام على قوله «ليس يرثني إلا بنتي» ولم ينكر عليه ، وروي الخبر بلفظ آخر وهو أنه قال : أفأوصي بثلثي مالي والثلث لبنتي؟ قال : لا ، قال : أفأوصي بنصف مالي والنصف لبنتي؟ قال : لا ، قال : أفأوصي بثلث مالي والثلثان لبنتي؟ قال : الثلث والثلث كثير (٨) وهذا يدل على أن البنت قد ترث الثلثين.

وقول المخالف : إن الله تعالى جعل للبنت الواحدة النصف ، فكيف تزاد عليه؟ لا حجة فيه ، لأنها تأخذ النصف بالتسمية ، وما زاد عليه بسبب آخر ،

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) في «ج» : وامام المسلمين.

(٣) كذا في الأصل ولكن في «ج» و «س» : ويحتج.

(٤) التاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٢٦٠ ومسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٤٩٠ و ٤ ـ ١٠٧ وكنز العمال : ١١ ـ ٧ برقم ٣٠٣٨٨ ولفظ الحديث : ان المرأة تجوز ثلاثة مواريث والبحر الزخار : ٥ ـ ٣٦٠.

(٥) سنن البيهقي : ٦ ـ ٢٥٩ باب ميراث ولد اللاعنة ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٢٥٤.

(٦) أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص روى عن خولة بنت حكيم ، وروى عنه ابن عباس وأولاده وغيرهم مات سنة ٥١ وقيل ٥٥ أو ٥٦ لاحظ تهذيب التهذيب : ٣ ـ ٤٨٣ والتاريخ الكبير : ٤ ـ ٤٣ وفيه «توفي سعد بن أبي وقاص في أيام بعد ما مضى من أمارة معاوية عشر سنين».

(٧ و ٨) سنن الترمذي : ٤ ـ ٤٣٠ كتاب الوصايا باب ما جاء في الوصية بالثلث وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٦٩ والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٢٦٥ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ١٦٨ و ١٧١ و ١٧٢ و ١٧٣ و ١٧٤ و ١٧٦ والبحر الزخار : ٥ ـ ٣٠٣ كتاب الوصايا.

٣١٤

وهو الرد بالرحم ، ولا يمتنع أن ينضاف سبب إلى آخر ، كالزوج إذا كان ابن عم ولا وارث معه ، فإنه يرث النصف بالزوجية ، والنصف الآخر عندنا بالقرابة ، وعند المخالف بالعصبة.

الفصل الرابع

فإن كان مع الأبوين ابنتان فما زاد ، كان لهما الثلثان ، وللأبوين السدسان ، ولأحد الأبوين معهما السدس ، والباقي رد عليهم بحساب سهامهم ، فإن كان هناك إخوة يحجبون الأم ، لم يرد عليها شي‌ء [ورد ذلك على الأب والبنت فحسب] (١).

فإن كان مع الأبوين والولد زوج أو زوجة ، كان للولد ما يبقى بعد سهم الأبوين والزوج أو الزوجة ، واحدا كان الولد أو جماعة ، ذكرا كان أو أنثى ، وإن لم يف الباقي بالمسمى للبنت أو الابنتين ، ويكون النقص داخلا على البنت أو ما زاد عليها ، دون الأبوين ، ودون الزوج أو الزوجة.

وهذه من مسائل العول التي يذهب المخالفون فيها إلى إدخال النقص على جميع ذوي السهام ، ويشبهون ذلك بمن مات وعليه ديون لا تتسع تركته لوفائها.

والعول في اللغة عبارة عن الزيادة والنقصان معا ، فإن (٢) أضيف ها هنا إلى المال ، كان نقصانا ، وإن أضيف إلى السهام ، كان زيادة.

يدل على صحة ما نذهب إليه إجماع الطائفة عليه ، وأيضا فلا خلاف أن النقص ها هنا داخل على البنات ، ولا دليل على دخوله هنا على ما عداهن ، من إجماع ولا غيره ، فوجب البقاء فيهم على الأصل الذي اقتضاه ظاهر القرآن.

وأيضا فدخول النقص على جميع ذوي السهام ، تخصيص لظواهر كثيرة من

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٢) في «ج» و «س» : فإذا.

٣١٥

القرآن ، وعدول عن الحقيقة فيها إلى المجاز ، ودخوله على البعض رجوع عن ظاهر واحد ، فكان أولى ، وإذا ثبت أن نقص البعض أولى ، ثبت أنه الذي عيناه ، لأن كل من قال بأحد الأمرين ، قال بالآخر ، والقول بأن المنقوص غيره مع القول بأن نقص البعض أولى ، خروج عن الإجماع.

والفرق بين ما نحن فيه وبين الديون على التركة ، أن الغرماء مستوون في وجوب استيفاء حقوقهم منها ، ولا مزية لبعضهم على بعض في ذلك ، وليس كذلك مسائل العول ، لأنا قد بينا أن في الورثة من لا يجوز أن ينقص عن سهمه ، وفيهم من هو أولى بالنقص من غيره ، فخالفت حالهم الغرماء.

ودعواهم على أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه كان يقول بالعول وروايتهم عنه أنه قال ـ بغير روية ، وقد سئل وهو على المنبر عن ابنتين وأبوين وزوجة ـ : صار ثمنها تسعا (١) ، غير صحيحة ، لأن ابنيه عليهما‌السلام وشيعته أعلم بمذهبه من غيرهم ، وقد نقلوا عنه خلاف ذلك ، وابن عباس ما أخذ مذهبه في إبطال العول إلا عنه ، وقد روى المخالف عنه أنه قال : من شاء باهلته أن الذي أحصى رمل عالج ما جعل

__________________

(١) سنن الدار قطني : ٤ ـ ٦٩ كتاب الفرائض برقم ٥ ووسائل الشيعة : ١٧ ـ ٤٢٩ ب ٧ من أبواب موجبات الإرث ح ١٣ و ١٤ ونقله المجلسي ـ قدس‌سره ـ في بحار الأنوار : ٤٠ ـ ١٥٩ ، والشيخ في الخلاف ، كتاب الفرائض المسألة ٤٥ و ٨١ وقال في ذيل الرقم الأخير ما هذا نصه : والجواب عن ذلك من وجهين :

أحدهما : أن يكون خرج مخرج التقية ، لأنه كان يعلم من مذهب المتقدم عليه القول بالعول ، وتقرر ذلك في نفوس الناس ، فلم يمكنه إظهار خلافه ، كما لم يمكنه المظاهرة بكثير من مذاهبه ، ولأجل ذلك ، قال لقضاته وقد سألوه بم نحكم يا أمير المؤمنين؟ فقال : اقضوا بما كنتم تقضون حتى يكون الناس جماعة ، أو أموات كما مات أصحابي وقد روينا شرح هذا في كتابنا الكبير ، وما روى من تصريح أمير المؤمنين عليه‌السلام بمذهبه لعمر ، وانه لم يقبل ذلك ، وعمل ما أراده.

والوجه الآخر : أن يكون ذلك خرج مخرج النكير لا الإخبار والحكم ، كما يقول الواحد منا إذا أحسن إلى غيره ، وقابله بالذم والإساءة فيقول : قد صار حسني قبيحا ، وليس يريد بذلك الخبر ، يريد الإنكار.

٣١٦

في مال نصفا وثلثا وربعا. (١)

ثم إن اعتمادهم في الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام لما ادعوه من قوله بالعول في الفرائض ، على أخبار آحاد ، لا يعول على مثلها في الشرع ، ثم هي موقوفة على الشعبي (٢) والنخعي (٣) والحسن بن عمارة ، والشعبي ولد في سنة ست وثلاثين ، والنخعي ولد في سنة سبع وثلاثين ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام قتل في سنة أربعين ، فلا يصح روايتهما عنه ، والحسن بن عمارة مضعف عند أصحاب الحديث (٤) ، ولما ولي المظالم قال سليمان بن مهران الأعمش (٥) : ظالم ولي المظالم.

وأما ما ادعوه من قوله عليه‌السلام : صار ثمنها تسعا ، فرواه سفيان (٦) عن رجل لم يسمه ، والمجهول لا يعتمد (٧) بروايته ، على أنه يتضمن ما لا يليق به عليه‌السلام ، لأنه سئل عن ميراث المذكورين ، فأجاب عن ميراث الزوجة فقط ، وإغفال من عداها ـ وقد سئل عنه ـ غير جائز عليه عليه‌السلام.

وقد قيل : إن الخبر لو صح لاحتمل أن يكون المراد به ، صار ثمنها تسعا عند من يرى العول ، على سبيل التهجين له والذم ، كما قال تعالى (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٨) ، أي عند قومك وأهلك ، واحتمل أيضا أن يكون أراد الاستفهام ، وأسقط حرفه ، كما روي عن ابن عباس في قوله تعالى (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (٩) ، وكما قال عمر بن أبي ربيعة :

__________________

(١) التعليق المغني على الدار قطني : ٤ ـ ٦٩ والمحلى : ٨ ـ ٢٧٩ والمبسوط للسرخسي : ٢٩ ـ ١٦٢ والمغني لابن قدامة : ٧ ـ ٢٧ والتهذيب : ٩ ـ ٢٤٨ ح ٩٦٢ و ٩٦٣ باختلاف يسير.

(٢) أبو عمر عامر بن شراحيل الشعبي ، كوفي من شعب همدان ، روى عن علي عليه‌السلام وزيد بن ثابت وسعيد بن زيد ، وروى عنه أبو إسحاق والأعمش ، مات سنة ١٠٤ وقيل ١٠٧ ه‍ ـ ، لاحظ طبقات الفقهاء : ٨٢ وتهذيب التهذيب : ٥ ـ ٦٥.

(٣) تأتي ترجمته ص ٣٢١

(٤) قال العسقلاني في ذيل ترجمة الحسن بن عمارة نقلا عن السهيلي : إنه ضعيف بإجماع منهم ، تهذيب التهذيب : ٢ ـ ٣٠٤.

(٥) تأتي ترجمته ص ٣٢١

(٦) والظاهر أنه سفيان بن عيينة المتوفى سنة ١٩٨ ه‍ ـ ، لاحظ تهذيب التهذيب : ٤ ـ ١١٧.

(٧) في «ج» و «س» : لا يعتد.

(٨) الدخان : ٤٩.

(٩) البلد : ١١.

٣١٧

ثم قالوا تحبها؟ قلت بهرا

عدد القطر والحصى والتراب (١)

الفصل الخامس

وإذا انفرد الولد من الأبوين وأحد الزوجين ، فله المال كله ، سواء كان واحدا أو جماعة ، ذكرا كان أو أنثى.

فلا يرث مع البنت أحد سوى من قدمناه ، عصبة كان أم لا ، بل النصف لها بالتسمية [الصريحة] (٢) والنصف الآخر بالرد بالرحم ، على ما بيناه ، ومخالفونا يذهبون إلى أنه لو كان مع البنت عم أو ابن عم ، لكان له النصف بالتعصيب ، وكذا لو كان معها أخت ، ويجعلون الأخوات عصبة مع البنات ، ويسقطون من هو في درجة العم أو ابن العم من النساء ، كالعمات وبنات العم إذا اجتمعوا ، ويخصون بالميراث الرجال دونهن ، لأجل التعصيب ، ونحن نورثهن.

ويدل على صحة ما نذهب إليه بعد إجماع الطائفة عليه ما قدمناه (٣) من آية ذوي الأرحام ، لأن الله سبحانه نص فيها على أن سبب استحقاق الميراث (٤) القربى وتداني الأرحام ، وإذا ثبت ذلك ، وكانت البنت أقرب من العصبة ، وجب أن تكون أولى بالميراث.

ويدل أيضا على أنه لا يجوز إعطاء الأخت النصف مع البنت ، قوله تعالى :

__________________

(١) عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي الشاعر ، أرق شعراء عصره من طبقة جرير والفرزدق ، والبيت في ديوانه المطبوع حديثا : ١ ـ ٣٧ ، وفيه «عدد النجم» ومات سنة ٩٣ ه‍ ـ في البحر غرقا لاحظ الأعلام للزركلي : ٥ ـ ٢١١ ، والأغاني ١ ـ ٦١.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٣) كذا في الأصل ولكن في «ج» و «س» يدل على صحة ما نذهب إجماع الطائفة عليه وما قدمناه.

(٤) في الأصل : نص فيها على سبب استحقاق الميراث.

٣١٨

(إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) (١) ، فشرط في استحقاقها للنصف فقد الولد ، فيجب أن لا تستحقه (٢) مع البنت ، لأنها ولد.

ويدل على بطلان تخصيص الرجال بالإرث دون النساء ، قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) (٣) فأوجب سبحانه للنساء نصيبا ، كما أوجب للرجال ، من غير تخصيص ، فمن خص الرجال بالميراث في بعض المواضع ، فقد ترك الظاهر ، فعليه الدليل ، ولا دليل يقطع به على ذلك.

ولا يلزمنا مثل ذلك إذا خصصنا البنت بالميراث دون العصبة ، لأن الاستواء في الدرجة مراعى مع القرابة (٤) ، بدليل أن ولد الولد لا يرث مع الولد ، وإن شمله اسم الرجال ، إذا كان من الذكور ، واسم النساء إذا كان من الإناث ، وإذا ثبت ذلك وكان هو المراد بالآية ، وورث المخالف العم دون العمة ، مع استوائهما في الدرجة ، كان ظاهر الآية حجة عليهم دوننا ، على أن التخصيص بالأدلة غير منكر ، وإنما المنكر أن يكون ذلك بغير دليل.

فإن قالوا : نحن نخص الآية التي استدللتم بها بما رواه ابن طاوس (٥) عن أبيه عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله : يقسم المال على أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت فلأولى ذكر قرب (٦) ، وتورث الأخت البنت بما رواه الهذيل عن

__________________

(١) النساء : ١٧٦.

(٢) في «ج» : أن لا تستحقها.

(٣) النساء : ٧.

(٤) في «ج» : مع القربة.

(٥) هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني روى عن أبيه وعطاء وعمرو بن شعيب وغيرهم وروى عنه ابناه طاوس ومحمد ، وإبراهيم بن نافع مات سنة ١٣٢ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ٥ ـ ٢٦٧.

(٦) سنن أبي داود : ٣ ـ ١٢٢ برقم ٢٨٩٨ وفيه : «اقسم المال» وسنن الترمذي : ٤ ـ ٤١٨ باب ميراث العصبة برقم ٢٠٩٨ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٥٨ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٣١٣.

٣١٩

ابن شرحبيل (١) من أن أبا موسى الأشعري (٢) سئل عمن ترك بنتا وبنت ابن وأختا لأب وأم فقال : للبنت النصف وما بقي فللأخت (٣).

وبما رواه الأسود بن يزيد (٤) قال : قضى فينا معاذ بن جبل (٥) على عهد رسول الله عليه‌السلام فأعطى البنت النصف والأخت النصف ولم يورث العصبة شيئا. (٦)

فالجواب : إن ترك ظاهر القرآن لا يجوز بمثل هذه الأخبار ، لأن أول ما فيها أن الخبر المروي عن ابن عباس لم يروه أحد من أهل الحديث (٧) إلا من طريق ابن طاوس.

ومع هذا فهو مختلف اللفظ ، فروي على ما تقدم ، وروى : فلأولى عصبة قرب ، وروى : فلأولى عصبة ذكر ، وروى : فلأولى رجل ذكر عصبة ، واختلاف

__________________

(١) هكذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر أن الصحيح : «هزيل بن شرحبيل» لأن الراوي عن أبي موسى الأشعري هو هزيل بن شرحبيل كما نص عليه العسقلاني في تهذيب التهذيب : ٥ ـ ٣٦٢ ويؤيد ذلك ، ما نقله السيد المرتضى في الانتصار ، ص ٢٨٠ حيث قال : وخبرهم الذين يعولون عليه في توريث الأخت مع البنت ، رواه الهزيل بن شرحبيل ان أبا موسى الأشعري سئل عن رجل ترك بنتا وأختا من أبيه وأمه.

(٢) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار أبو موسى الأشعري روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وعمر وابن عباس وغيرهم ، وعنه أولاده إبراهيم وأبو بردة وموسى وأبو سعيد الخدري وهزيل بن رحبيل مات سنة ٤٢ ه‍ ـ أو ٤٤ وغير ذلك لاحظ تهذيب التهذيب : ٥ ـ ٣٦٢ ، وأسد الغابة : ٣ ـ ٢٤٥.

(٣) سنن أبي داود : ٣ ـ ١٢٠ برقم ٢٨٩٠ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٣٣.

(٤) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي أبو عمرو ويقال أبو عبد الرحمن ، روى عن علي عليه‌السلام وأبي بكر وعمر وابن مسعود وأبي موسى وحذيفة وغيرهم ، وعنه ابنه عبد الرحمن وأخوه عبد الرحمن وجماعة مات سنة ٧٥ ه‍ ـ بالكوفة وقيل : مات سنة ٧٤ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ١ ـ ٣٤٢.

(٥) تقدمت ترجمته ص ١٢٠.

(٦) سنن أبي داود : ٣ ـ ١٢١ برقم ٢٨٩٣ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٣٣.

(٧) في «ج» : من أصحاب الحديث.

٣٢٠