غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

أصحاب الحديث. (١)

ولحوم الحمر الأهلية والبغال غير محرمة بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل ، ولا دليل يقطع به على ذلك ، لأن ما يتعلق به المخالف في تحريم لحم الحمر ، أخبار آحاد لا يجوز العمل بها في الشرعيات ، ثم هي معارضة بغيرها ، ومحمولة على أن سبب النهي عن ذلك قلة الظهر في ذلك الوقت لا تحريم اللحم ، كما كان نهيه عليه‌السلام عن لحوم الخيل كذلك.

وقوله تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) (٢) ، لا دلالة للمخالف فيه ، لأن جعلها للركوب والزينة لا يمنع من كونها لغيرهما ، بدليل جواز الحمل عليها ـ وإن لم يذكره ـ وأكل لحوم الخيل عند الأكثر (٣) ولأن الظاهر أن المقصود بذلك الركوب والزينة دون أكل اللحم ، وكذا نقول ، وليس ذلك بمانع من كون لحمها حلالا إذا أريد أكله ، ألا ترى أن من قال لغيره : قد وهبتك هذه الفرس لتركبها ، لا يمنع من جواز انتفاعه به بغير الركوب.

ويجوز أن ينتفع من ميتة ما يقع الذكاة عليه بالصوف والشعر والوبر والقرن والظلف والخف والمخلب والسن واللبن والإنفحة (٤) والريش.

ومتى وجد لحم ولم يعلم أذكي هو أو ميت (٥) طرح على النار ، فإن تقلص فهو ذكي ، وإن انبسط فهو ميتة. ويعتبر السمك (٦) بطرحه في الماء ، فإن رسب (٧) فهو ذكي ، وإن طفا فهو ميت ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

__________________

الأحول وغيرهم وروى عنه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وغيرهم ، مات سنة ٢٠٦ ه‍ ـ ، تهذيب التهذيب : ١١ ـ ٣٦٨.

(١) لاحظ الخلاف كتاب الأشربة ، المسألة ٦ ، والانتصار : ١٩٩.

(٢) النحل : ٨.

(٣) في (ج) : وأكل لحوم الخيل عند الأكثر جائز.

(٤) الإنفحة هي الكرش. المصباح المنير.

(٥) في (ج) : أو ميتة.

(٦) في (ج) : ويعتبر في السمك.

(٧) رسب الشي‌ء رسوبا ـ من باب قعد ـ : ثقل وصار إلى أسفل. المصباح المنير.

٤٠١

كتاب الجنايات

وما توجبه الجنايات على ضربين : قتل وغير قتل ، فالقتل على ضروب ثلاثة : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.

فالعمد المحض هو ما وقع من كامل العقل عن قصد إليه بلا خلاف ، سواء كان بمحدد ، أو مثقل ، أو سم ، أو خنق ، أو تغريق ، أو تحريق ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (١) ، لأنه لم يفصل (٢) بين أن يكون القتل بمحدد أو غيره.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وأنا والله عاقلته ، فمن قتل بعده قتيلا ، فأهله بين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية (٣) ، لأنه لم يفرق أيضا.

والخطأ المحض ، هو ما وقع من غير قصد إليه ، ولا إيقاع سببه بالمقتول ، نحو أن يقصد المرء رمي طائر مثلا فيصيب إنسانا فيقتله ، بلا خلاف.

والخطأ شبيه العمد ، هو ما وقع من غير قصد إليه ، بل إلى إيقاع ما يحصل القتل عنده مما لم تجر العادة بانتفاء الحياة بمثله بالمقتول ، نحو أن يقصد المرء تأديب من له تأديبه ، أو معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده ، من مشروب ، أو فصد أو غيرهما ، بدليل إجماع الطائفة.

__________________

(١) الإسراء : ٣٣.

(٢) في (ج) : لأنه لم يفرق.

(٣) سنن البيهقي : ٨ ـ ٥٢ كتاب الجنايات ، باب الخيار في القصاص ، وسنن الترمذي : ٤ ـ ٢١ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ٩٥ برقم ٥٤ و ٥٥ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٣٥٨.

٤٠٢

ونحتج على مالك في قوله بقوله عليه‌السلام (١) : ألا إن في قتيل عمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل (٢) ، ومن طريق آخر : ألا إن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل (٣) ، وهذا نص أن ذلك (٤) غير مختص بما رووه من قوله.

والضرب الأول من القتل موجبه القود بشروط :

منها : أن يكون غير مستحق بلا خلاف.

ومنها : أن يكون القاتل بالغا كامل العقل ، فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله ، حكم الخطأ ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : رفع القلم عن ثلاثة. (٥)

ومنها : أن لا يكون المقتول مجنونا ، بلا خلاف بين أصحابنا.

ومنها : أن لا يكون صغيرا ، على خلاف بينهم فيه ، وظاهر القرآن يقتضي الاستفادة به. (٦)

ومنها : أن لا يكون القاتل والد المقتول ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا يقتل الوالد بولده. (٧)

ومنها : أن لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا ، سواء كان عبد نفسه ، أو عبد

__________________

(١) وفي (ج) : ويحتج على المالك بقوله عليه‌السلام.

(٢ و ٣) سنن البيهقي : ٨ ـ ٤٤ كتاب الجنايات باب شبه العمد. ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ١٠٣.

(٤) كذا في الأصل و (ج) : ولكن في (س) : لأن ذلك.

(٥) سنن الدار قطني : ٣ ـ ١٣٩ برقم ١٧٣ والجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ برقم ٤٤٦٢ وسنن البيهقي :

٧ ـ ٣٥٩ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ١٤٠ ، ١٥٥.

(٦) في (س) : (الاستفادة به) وهو تصحيف والصحيح ما في المتن.

(٧) سنن الدار قطني : ٣ ـ ١٤١ برقم ١٨٠ والجامع الصغير : ٢ ـ ٧٤٢ برقم ٩٨٣٩ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٤٩.

٤٠٣

غيره ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ) (١) ، يدل على ما قلناه ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا يقتل حر بعبد. (٢)

ومنها : أن لا يكون القاتل مسلما والمقتول كافرا ، سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٣) ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده (٤) ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدي أوليائها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته ، وهو النصف ، بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) [يدل على أن الذكر لا يقتل بالأنثى] (٥) ، وإنما أخرجنا من ذلك قتله بها مع الشرط الذي ذكرناه ، بدليل الإجماع.

وتقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدي ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل عن دية صاحبه ، فإن اختار ولي الدم قتل واحد منهم ، كان له ذلك ، ويؤدي المستبقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثة المقاد منه ، ويدل على ذلك إجماع الطائفة ، وأيضا فما اشترطناه أشبه بالعدل وأليق به. (٦)

ويدل على جواز قتل الجماعة بالواحد بعد الإجماع المشار إليه قوله تعالى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (٧) ، لأنه لم يفرق بين الواحد والجماعة وأيضا قوله تعالى (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (٨) ، لأن المعنى

__________________

(١) البقرة : ١٧٨.

(٢) سنن البيهقي : ٨ ـ ٣٤ و ٣٥ كتاب الجنايات باب لا يقتل حر بعبد.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) سنن البيهقي : ٨ ـ ٢٩ و ٣٠ و ٣١ ، ولاحظ صحيح البخاري : ٩ ـ ١٦.

(٥) البقرة : ١٧٨ وما بين المعقوفتين موجود في (ج).

(٦) وفي (س) : (بالعدل والتوبة) والصحيح ما في المتن.

(٧) الإسراء : ٣٣.

(٨) البقرة : ١٧٩.

٤٠٤

أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل قتل (١) كف عن القتل ، وكان في ذلك حياته وحياة من هم بقتله ، وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالآية.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين. الخبر (٢) ، لأنه لم يفرق ، وقوله تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٣) و (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) (٤) المراد به الجنس لا العدد ، فكأنه قال : إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس ، وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.

ولا تجب الدية في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود ، فإن بذلها القاتل ورضى بها ولي الدم جاز ذلك ، وسقط حقه من القصاص ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) (٥) ، وقوله (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ) (٦) ، ومن أوجب زيادة على ذلك فقد ترك الظاهر.

ومتى هرب قاتل العمد ، ولم يقدر عليه حتى مات ، أخذت الدية من ماله ، فإن لم يكن له مال ، أخذت الدية من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته ، بدليل الإجماع المتكرر.

ويقتل الواحد بالجماعة إن اختار أولياء الدم قتله ، ولا شي‌ء لهم غيره ، فإن تراضوا بالدية ، فعليه إذا قبل [من الديات الكاملة بعدة من قتل] (٧) وإن أراد بعض الأولياء القود وبعضهم الدية ، كان لهم ذلك ، وإن عفا بعضهم ، سقط حقه ، وبقي حق من لم يعف على مراده.

__________________

(١) في (ج) : إذا علم القاتل انه إذا قتل به يقتل.

(٢) سنن البيهقي : ٨ ـ ٥٢ كتاب الجنايات.

(٣ و ٥) المائدة : ٤٥.

(٤ و ٦) البقرة : ١٧٨.

(٧) ما بين المعقوفتين موجود في (ج) وهو الصحيح.

٤٠٥

ولو كان المقتول واحدا ، وأولياؤه جماعة ، فاختار بعضهم القود ، والبعض الآخر الدية والعفو ، جاز قتله بشرط أن يؤدي من أراده إلى مريدي الدية أقساطهم منها ، أو إلى ورثة المقاد منه أقساط من عفا ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (١) ومن أسقط القود مع عفو بعض الأولياء ، أو أراد به الدية ، فقد ترك الظاهر.

ويجوز لأحد الأولياء استيفاء القصاص من غير استئذان لشركائه فيه ، بشرط أن يضمن نصيبهم من الدية ، بدليل إجماع الطائفة وظاهر الآية ، لأنه ولي فيجب أن يكون له سلطان.

ويقتل الذمي بمن قتله من المسلمين ، ويرجع على تركته أو أهله (٢) بديات الأحرار وقيمة الرقيق ، أو بما يلحقه من قسط ذلك إن كان مشاركا في القتل.

وإذا قتل العبد الحر ، وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من مال وولد ، إن شاء قتله وتملك ماله وولده ، وإن شاء استرقه أيضا ، بدليل إجماع الطائفة.

فإن كان العبد شريكا للحر في هذا القتل ، واختار الأولياء قتل الحر ، فعلى سيد العبد لورثته نصف ديته ، أو تسليم العبد إليهم يكون رقا لهم ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وإن اختاروا قتل العبد ، كان ذلك لهم ، بلا خلاف بين أصحابنا.

وليس لسيد العبد على الحر سبيل عند الأكثر منهم ، وهو الظاهر في الروايات ، ومنهم من قال : يؤدي الحر إلى سيد العبد نصف قيمته (٣) ، وإن اختاروا قتلهما جميعا ، كان لهم ذلك بلا خلاف بين أصحابنا ، ومنهم من قال : بشرط أن يؤدوا قيمة العبد إلى سيده خاصة ، ومنهم من قال : وإلى ورثة الحر

__________________

(١) الإسراء : ٣٣.

(٢) في (ج) : ويرجع على أهله وتركته.

(٣) الحلبي : الكافي : ٣٨٦.

٤٠٦

أيضا. (١).

وإذا قامت البينة بالقتل على إنسان ، وأقر آخر بذلك القتل ، وبرأ المشهود عليه منه ، فأوليائه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين ، وبين قتلهما ، ورد نصف ديته على ورثة المشهود عليه ، دون المقر ، ولا شي‌ء لورثته على المشهود عليه ، وإذا لم يبرء المقر المشهود عليه ، كانا شريكين في القتل ، متساويين فيما يقتضيه.

وإذا أقر إنسان بقتل يوجب القود ، وأقر آخر بذلك القتل خطأ ، كان ولي الدم بالخيار بين قتل المقر بالعمد ، ولا شي‌ء لهم على الآخر ، وبين أخذ الدية منهما نصفين ، والقود على المباشر للقتل ، دون الآمر به أو المكره عليه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه ، وقد روي : أن الآمر إن كان سيد العبد ، وكان معتادا لذلك ، قتل السيد وخلد العبد [في] (٢) الحبس ، وإن كان نادرا ، قتل العبد ، وخلد السيد [في] (٣) الحبس. (٤)

وإذا اجتمع ثلاثة في قتل ، فأمسك أحدهم ، وضرب الآخر ، وكان الثالث عينا لهم ، قتل القاتل ، وخلد الممسك [في] (٥) الحبس ، وسملت عين الرقيب ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف لما رووه من قوله عليه‌السلام : يقتل القاتل ويصبر الصابر (٦) ، قال أبو عبيدة (٧) : معناه يحبس الحابس.

وإذا قتل السيد عبده ، بالغ السلطان في تأديبه ، وأغرمه قيمته ، وتصدق بها ، فإن كان معتادا لقتل الرقيق ، مقرا عليه ، قتل لفساده في الأرض ـ لا على وجه القصاص ـ وكذا لو كان معتادا لقتل أهل الذمة.

ولا يستقيد إلا سلطان الإسلام ، أو من يأذن له في ذلك ، وهو ولي من ليس

__________________

(١) لاحظ في الوقوف على الأقوال المختلف : ٧٩١ من الطبع القديم.

(٢ و ٣ و ٥) ما بين المعقوفات موجود في (ج).

(٤) لاحظ الكافي للحلبي : ٣٨٧.

(٦) سنن الدار قطني : ٣ ـ ١٤٠ برقم ١٧٥.

(٧) كذا في النسخ التي بأيدينا ، والظاهر أن الصحيح (أبو عبيد) ، تقدمت ترجمته ص ٣٣٩.

٤٠٧

له ولي من أهله ، يقتل بالعمد أو يأخذ الدية ويأخذ دية الخطأ ، ولا يجوز له العفو كغيره من الأولياء.

ولا يستقاد إلا بضرب العنق ، ولا يجوز قتل القاتل بغير الحديد (١) وإن كان هو فعل ذلك ، بلا خلاف بين أصحابنا في هذا كله ، ومن أصحابنا من قال (٢) : إن قصاص الطرف يدخل في قصاص النفس ، وكذلك ديته تدخل في دية النفس ، ومنهم من قال (٣) : إن قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر ، فعل به مثل ذلك ثم قتل ، وظاهر قوله تعالى (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (٤) ، وقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٥) ، معه.

وأما الضربان الآخران من القتل ففيهما الدية ، على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وتجب الكفارة في ضروب القتل كلها إلا أنها في العمد عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا على الجمع ، ولا تجب إلا مع التراضي بالدية ، وفي الخطأ على التخير ، بدليل إجماع الطائفة على ذلك ، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك.

ويحتج على المخالف في كفارة قتل العمد بما رووه من أن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية ، فقال : أعتق عن كل موؤدة رقبة (٦) ،

__________________

(١) في الأصل : ولا يجوز القتل بغير الحديد.

(٢) لاحظ المختلف : ٨٠٩ الطبع القديم كتاب القصاص والديات الفصل الخامس.

(٣) الشيخ : النهاية : ٧٧١ والخلاف كتاب الجنايات المسألة ٨٩.

(٤) المائدة : ٤٥.

(٥) البقرة : ١٩٤.

(٦) المجموع للنووي في شرح المهذب للشيرازي ـ الطبعة الوحيدة الكاملة ، الناشر مكتبة الإرشاد ، جدة ، المملكة العربية السعودية ج ٢١ ـ ٢١ باب كفارة القتل ، وفيه (بكل موؤدة) ، قال النووي

٤٠٨

وبما رواه واثلة (١) قال : أتينا رسول الله في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل ، فقال : أعتقوا رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. (٢)

وأما ما عدا القتل من الجناية (٣) على الآدمي في بدنه بالجروح وغيرها ، وفي القصاص مع حصول الشروط التي اعتبرناها في القصاص بالقتل ، وينضاف إلى ذلك (٤) شرطان آخران : أحدهما أن يكون ما فعله الجاني مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد مثلا ، أو عطبها وقلع العين أو ذهاب ضوئها ، وما أشبه ذلك ، والثاني أن لا يخاف بالاقتصاص به تلف نفس المقتص منه ، كالجائفة والمأمومة وما جرى مجراهما ، فإنها يخاف منها تلف النفس (٥) ولا يصح فيها ولا في مثلها القصاص.

ومتى اقتص بجرح أو كسر أو قلع (٦) قبل اليأس من صلاحه ، فبرأ أحدهما ،

__________________

بعد نقل الحديث ما هذا نصه : الموؤودة البنت المقتولة عند ما تولد ، كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك مخافة العار والفقر.

وقال في مورد آخر في مقام الاستدلال على وجوب الكفارة على القاتل وإن كان كافرا ، مستدلا عليه بالنص المذكور قال : ما هذا نصه : وهذا نص على وجوب الكفارة على القاتل الكافر) لاحظ المجموع : ٢١ ـ ٢٣. ونقله الشيخ في الخلاف كتاب كفارة القتل المسألة ٦.

(١) واثلة بن الأسقع بن كعب بن عامر ويقال : ابن الأسقع بن عبد العزى بن عبديا ليل بن ناشب ، أبو شداد ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أبي مرثد الغنوي وأبي هريرة وأم سلمة ، وروى عنه أبو إدريس الحولاني ومكحول وغيرهما مات سنة ٨٣ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ١١ ـ ١٠١ وأسد الغابة : ٥ ـ ٧٧.

(٢) المغني لابن قدامة : ١٠ ـ ٣٨ وسنن البيهقي : ٨ ـ ١٣٣ باب الكفارة في قتل العمد ، والفقه على المذاهب الأربعة : ٥ ـ ٢٥٥ والمجموع للنووي : ١٧ ـ ٥٥٠ باب كفارة القتل. ونقله أحمد بن إدريس القرافي في الذخيرة : ١٢ ـ ٤١٩.

(٣) في (ج) : من الجنايات.

(٤) كذا في جميع النسخ والظاهر (فينضاف) جوابا لأما.

(٥) في (ج) : وما جرى مجراهما مما يخاف فيه.

(٦) كذا في (ج) ولكن في الأصل و (س) : أو خلع.

٤٠٩

ولم يبرأ الآخر ، أعيد القصاص عليه إن كان بإذنه ، وإن كان بغير إذنه ، رجع المقتص منه على المعتدي دون المجني عليه.

وإذا لم يتعد المقتص المشروع له ومات المقتص منه ، لم يكن عليه شي‌ء ، فإن تعدى بما لا يقصد معه تلف النفس ، كان ضامنا لما يفضل عن أرش الجناية عليه من ديته ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

ومن قطع أصابع غيره ، أو واحدة منها ، وقطع آخر يده من الزند ، أو المرفق ، أو الإبط ، فعلى الأول دية ما جناه ، وعلى الثاني دية ما بقي بعده ، وإن شاء اقتص منهما ، ورد على الثاني دية ما جناه الأول ، أو أخذ من الأول دية ما جناه ، فدفعها إلى الثاني ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) (١) يدل على جواز القصاص.

ومن قطع يمين غيره ، ولا يمين له ، قطعت يساره ، فإن لم يكن له يسار ، قطعت رجله اليمنى ، فإن لم يكن له ، قطعت اليسرى ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وما لم يتكامل فيه الشروط التي معها يجب القصاص ، ففيه الدية ، ويضمن الحر قيمة ما أفسده وأرش ما جناه عن عمد ، أو خطأ ، أو قصد ، أو سهو ، وما يحصل من ذلك عند فعله ، أو فعل من يلي عليه على الوجه الذي نذكره.

فمن قتل حيوان غيره ، أو جرحه ، أو كسر آلته ، أو مزق ثوبه ، أو هدم بناءه ، ضمن ، وكذا لو حصل شي‌ء من ذلك بإحداثه في طريق المسلمين ، أو في غيره من الملك المشترك ، أو ملك الغير الخاص ما لم يبح له.

ويضمن ما يحصل بمداواته من فساد إذا (٢) لم يبرأ إلى المداوي أو وليه منه ، أو بإرساله جمله الهائج ، وكلبه العقور ، أو بإرسال غنمه ليلا على كل حال ، ولا

__________________

(١) المائدة : ٤٥.

(٢) في (ج) : بمداوائه وغيره إذا.

٤١٠

يضمن ما تجنيه نهارا إلا أن يكون أرسلها في ملك غيره.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ناقة البراء بن عازب (١) دخلت حائطا فأفسدته فقضى عليه : أن على أهل الأموال حفظها نهارا ، وعلى أهل المواشي حفظها ليلا ، وأن على أهلها الضمان في الليل. (٢)

ويضمن ما تجنيه دابته بيدها إذا كان راكبا لها أو قائدا ، ولا يضمن ما تجنيه برجلها إلا أن يؤلمها بسوط أو مهماز أو لجام ، ويضمن كل ذلك إذا كان سائقا ، ولم يحذر ، أو حاملا عليها من لا يعقل على كل حال ، ويضمن ما تفسده إذا نفرها إلا أن يكون قصد بذلك دفع أذاها عنه ، أو عمن يجري مجراه ، ويضمن جناية الخطإ عن رقيقه وعمن هو في حجره ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه.

__________________

(١) البراء بن عازب بن الحارث بن عدي ، المدني الصحابي ، نزل الكوفة ومات بها في زمن مصعب بن الزبير ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وأبي أيوب وبلال وغيرهم ، وروى عنه عبد الله بن زيد وأبو جحيفة وابن أبي ليلى وجماعة مات سنة ٧٢ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ١ ـ ٤٢٥ وأسد الغابة : ١ ـ ١٧١.

(٢) سنن الدار قطني : ٣ ـ ١٥٤ برقم ٢١٦ ـ ٢٢٢.

٤١١

فصل : في الديات

دية الحر المسلم في قتل العمد مائة من مسان الإبل (١) أو مائتا بقرة ، أو مائتا حلة ، أو ألف شاة ، أو ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا ، على حسب ما يملكه من يؤخذ منه في الموضع الذي ذكرناه ، يدل على ذلك إجماع الطائفة ، وأيضا فالأصل براءة الذمة.

ومن قال : إنها من الغنم ألفان ، ومن الدراهم اثنا عشر ألفا (٢) ، فعليه الدليل. وتجب هذه الدية في مال القاتل بلا خلاف ، وتستأدى في سنة ، بدليل إجماع الطائفة.

ودية قتل الخطأ شبيه العمد على أهل الإبل ثلاثة وثلاثون حقة ، وثلاث وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون ثنية ، كلها طروقة الفحل ، وقد روى : ثلاث وثلاثون بنت لبون (٣) وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة (٤) ، وروي : أنها ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة (٥) ، وما ذكرناه أولا

__________________

(١) لاحظ في الوقوف على معنى (المسان) عند الفقهاء واللغويين جواهر الكلام : ٤٣ ـ ٥.

(٢) ذهب إليه بعض العامة ، لاحظ الخلاف كتاب الديات ، المسألة ١٠.

(٣) الحقة من الإبل : هي التي استحقت الفحل ، والحمل وهي التي استكملت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. والجذع : الصغير السن ، وهو من الإبل إذا استكمل أربعة أعوام ودخل في الخامسة. والثنية من الإبل ما استكملت الخامسة من عمرها ودخلت في السادسة. وبنت لبون من الإبل هي التي استكملت سنتين وطعنت في الثالثة. لسان العرب.

(٤) لاحظ الوسائل : ١٩ ب ١ من أبواب ديات النفس ح ١٣. وفي (ج) : أربع وأربعون خلفة.

(٥) مستدرك الوسائل : ١٨ ب ٢ من أبواب ديات النفس ح ٦.

٤١٢

تقتضيه طريقة الاحتياط ، لأن الأسنان فيه الأعلى ، وتجب هذه الدية في مال القاتل.

فإن لم يكن له مال استسعى فيها ، وأنظر إلى حين اليسر ، فإن مات أو هرب أخذت من أوليائه الذين يرثون ديته الأقرب فالأقرب ، فإن لم يكن له أولياء ، أخذت من بيت المال ، يدل على ذلك إجماع الطائفة ، وأيضا فذمة العاقلة في الأصل بريئة وشغلها بإيجاب الدية مع قدرة القاتل عليها ، يفتقر إلى دليل ، وتستأدى هذه الدية في سنتين ، بلا خلاف من أصحابنا.

ودية قتل الخطأ المحض على أهل الإبل ثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكرا ، وروى : أنها خمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقة ، وخمس وعشرون جذعة (١). والأول أظهر في الروايات.

وتجب هذه الدية على العاقلة ، بلا خلاف إلا من (الأصم) (٢) وتستأدى في ثلاث سنين ، بلا خلاف إلا من (ربيعة) (٣) فإنه قال : في خمس ، وإذا لم يكن للعاقلة مال ، أو لم يكن له عاقلة ، وجبت الدية في ماله ، فإن لم يكن له مال ، وجبت في بيت المال ، بدليل إجماع الطائفة.

وعاقلة الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته ، وعاقلة الرقيق مالكه ، وعاقلة الذمي الفقير الإمام ، ولا تعقل العاقلة (٤) صلحا ولا إقرارا ولا ما وقع عن تعد ،

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١٩ ، ب ٢ من أبواب ديات النفس ، ح ١٠.

(٢) أبو بكر عقبة بن عبد الله الأصم المتوفى (٢٠٠ ه‍ ـ) وله تصانيف عديدة ، روى عن عطاء وحميد بن هلال وسالم ، وروى عنه ابن المبارك وأبو قبيصة ومعقل ، لاحظ الفهرست لابن النديم : ٢١٤ وتهذيب التهذيب : ٧ ـ ٢٤٤ وميزان الاعتدال : ٣ ـ ٨٦.

(٣) أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني المعروف بربيعة الرأي وعنه أخذ مالك مات سنة (١٣٦ ه‍ ـ) لاحظ تهذيب التهذيب : ٣ ـ ٢٢٣.

(٤) في (ج) : (ولا يقبل العاقلة) والصحيح ما في المتن.

٤١٣

كحدث الطريق وما دون الموضحة.

ودية رقيق المسلمين قيمته ، ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر المسلم ، وقيمة الأمة دية الحرة ، فإن تجاوزت ذلك ردت إليه.

ودية اليهودي والنصراني والمجوسي ثمانمائة درهم ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا فالأصل براءة الذمة ، وشغلها بما زاد على ذلك يفتقر إلى دليل ، ودية رقيقهم قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر الذمي ، وقيمة الأمة دية الحرة الذمية ، فإن تجاوزت ذلك فترد إليها ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ودية المرأة نصف دية الرجل ، بلا خلاف إلا من (ابن علية) (١) و (الأصم) فإنهما قالا : هما سواء (٢) ، ويحتج عليهما بما روي من طرقهم من قوله عليه‌السلام : دية المرأة على النصف من دية الرجل. (٣)

ويجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية وثلث.

ومن أخرج غيره من منزله ليلا ، ضمن ديته في ماله حتى يرده ، أو يقيم البينة بسلامته أو براءته من هلاكه ، وكذا حكم الظئر مع الصبي الذي تحضنه.

وإذا وجد صبي في بئر لقوم وكانوا متهمين على أهله ، فعليهم الدية ، وإن كانوا مأمونين فلا شي‌ء عليهم ، والقتيل إذا وجد في قرية ، ولم يعرف من قتله ، فديته على أهلها ، فإن وجد بين القريتين ، فالدية على أهل الأقرب إليه منهما ، فإن كان وسطا فالدية نصفان ، وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم القرية.

ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن إضافته إلى أحد ، على بيت المال ،

__________________

(١) هو إسماعيل بن إبراهيم الأسدي ، وعليه أمه ، مات سنة ١٩٣ ه‍ ـ ، تهذيب التهذيب : ١ ـ ٢٤١.

(٢) لاحظ المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ٩ ـ ٥٣٢ كتاب الديات والبحر الزخار : ٥ ـ ٢٧٥.

(٣) سنن البيهقي : ٨ ـ ٩٥ كتاب الديات والتاج الجامع للأصول : ٣ ـ ١١ وكنز العمال : ١٥ ـ ٥٧ برقم ٤٠٠٧١ والبحر الزخار : ٥ ـ ٢٧٥.

٤١٤

كقتيل الزحام ، والموجود بالأرض التي لا مالك لها ، كالبراري والجبال ، كل ذلك بطريق إجماع الطائفة.

ومن عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها ، لزمه لها دية النطفة عشرة دنانير ، وإن كان ذلك بإفزاع غيره ، فالدية لهما عليه.

ومن جنى على امرأة فألقت نطفة ، فعليه في ماله ديتها عشرون دينارا ، وإن ألقت علقة ، وهي قطعة دم كالمحجمة ، فأربعون دينارا ، وإن ألقت مضغة ، وهي بضعة من لحم ، فستون دينارا ، وإن ألقت عظما ، وهو أن يصير في المضغة سبع عقد ، فثمانون دينارا ، وإن ألقت جنينا كامل الصورة فمائة دينار (١) وإن ألقته حيا ثم مات ، لزم فيه دية كاملة ، وإن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية ، وتجب الدية للأم خاصة إن كان الزوج هو الجاني ، وتجب للزوج خاصة إن كانت الجانية هي.

وإذا كان للحمل حكم الرقيق أو أهل الذمة ففيه بحساب دياتهم.

وفي قطع رأس الميت عشر ديته ، وفي قطع أعضائه بحساب ذلك ، ولا يورث ذلك ، بل يتصدق به عنه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وقضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في ستة غلمان كانوا يسبحون ، فغرق أحدهم فشهد منهم ثلاثة على اثنين بتغريقه ، وشهد الاثنان على الثلاثة بذلك : أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية ، وعلى الثلاث خمسا الدية. (٢)

وقضى عليه‌السلام في أربعة تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان : أن على الباقين دية المقتولين يقاصان منهما بأرش جراحهما. (٣)

__________________

(١) كذا في الأصل و (س) ولكن في (ج) : فإن وضعته كامل الخلقة ولم تلجه الروح فمائة دينار.

(٢) لاحظ الوسائل : ١٩ ، ب ٢ من أبواب موجبات الضمان ح ١.

(٣) الوسائل : ١٩ ، ب ١ من أبواب موجبات الضمان ح ١.

٤١٥

وقضى عليه‌السلام في امرأة ركبت عنق أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة فاندق عنقها : أن على القارصة ثلث الدية ، وعلى المركوبة الثلث وأسقط الثلث ، لأن الراكبة كانت لاعبة ولم تكن مستأجرة ، ولو كانت كذلك لوجبت الدية عليهما كاملة. (١)

واعلم أن في ذهاب العقل الدية كاملة بلا خلاف.

وفي شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت الدية كاملة ، فإن نبت كان في شعر رأس الرجل أو لحيته عشر الدية ، وفي شعر المرأة مهر مثلها ، بدليل إجماع الطائفة.

وفي قلع العينين أو ذهاب ضوئهما الدية كاملة ، وفي إحداهما نصف الدية بلا خلاف ، ويعتبر بالفتح في عين الشمس ، فإن أطرق حكم بالسلامة ، وإن لم يطرق حكم بذهاب النور.

وفي قلع عين الأعور ـ إذا كان عورة خلقة أو بآفة من قبل الله تعالى ـ الدية كاملة ، بدليل إجماع الطائفة ، فإن كان عورة بغير ما ذكرناه فنصف الدية.

وفي بعض البصر بحساب ما ذكرناه ، وتقاس إحدى العينين بالأخرى بلا خلاف ، والعينان بعيني من هو من أبناء سنه عندنا ، ويعتبر مدى ما يبصر بها من أربع جهات ، فإن استوى ذلك صدق ، وإن اختلف كذب بلا خلاف.

وفي شفر العين الأعلى ثلث ديتها ، وفي الأسفل نصف ديتها ، والعين العمياء إذا كانت واقفه (٢) ففي خسفها ثلث ديتها ، وفي طبقها إذا كانت مفتوحة أو ذهاب سوادها ، ربع ديتها.

__________________

(١) الوسائل : ١٩ ، ب ٧ من أبواب موجبات الضمان ح ٢ ومستدرك الوسائل : ١٨ ، ب ٧ من أبواب موجبات الضمان أحاديث الباب باختلاف قليل. وفي هامش الوسائل : القرص ـ بالصاد المهملة ـ : أخذ الجلد بين الإصبعين ويقال بالفارسية : (نيشكون).

(٢) في (س) : واقعة.

٤١٦

وفي ذهاب شعر الحاجبين إذا لم ينبت ، الدية كاملة ، وفي أحدهما نصف الدية ، فإن نبت ففيه الأرش.

وفي قطع الأذنين أو ذهاب السمع جملة ، الدية كاملة ، وفي إحديهما نصف الدية ، وفي نقصان السمع بحساب ذلك ، يقاس بالصوت في الجهات ، كالقياس في العين بالبصر ، وفي قطع شحمة الأذنين ثلث ديتها ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

وفي ذهاب الشم ، الدية كاملة بلا خلاف ، ويعتبر بتقريب الحراق ، فإن دمعت العين ، فحاسة الشم سليمة وإلا فلا.

وفي استئصال الأنف بالقطع الدية كاملة ، وفي قطع الأرنبة نصف الدية ، وفي إحدى المنخرين الربع منها ، وفي النافذة في المنخرين ثلث الدية ، وإن كانت في إحداهما فالسدس ، فإن صلحت الأولى والتأمت كان فيها خمس الدية ، وإن التأمت الثانية كان فيها العشر ، وفي كسره وجبره من غير عيب ولا عثم عشر الدية أيضا ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وفي استئصال اللسان بالقطع ، أو ذهاب النطق به جملة ، الدية كاملة ، ويعتبر بالإبرة ، فإن لم يخرج دم أو خرج وكان أسود فهو أخرس ، وإن خرج أحمر فهو صحيح ، وفي قطع بعضه بحساب الواجب في جميعه ، ويقاس بالميل ، وكذا الحكم في ذهاب بعض اللسان ، ويعتبر بحروف المعجم ، فما ذهب من المنطق به منها فعلى الجاني من الدية بعدده ، وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية الصحيح ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وفي الشفتين الدية كاملة بلا خلاف ، وفي العليا الثلث منها ، وفي السفلى الثلثان ، وفي البعض منها بحساب ذلك ، وفي شق إحديهما ثلث ديتها ، فإن التأمت فالخمس ، بدليل إجماع الطائفة.

٤١٧

وفي الأسنان الدية كاملة بلا خلاف ، وفي كل واحدة مما في مقاديم الفم ، وهي اثنتا عشرة ، نصف عشر الدية ، وفي كل واحدة مما في مآخيره ، وهي ست عشرة ، ربع عشر الدية ، وفي السن الزائدة على هذا العدد الأرش.

وفي سن الصبي قبل أن يثغر (١) فيها عشر عشر الدية ، وفي بعض السن بحساب ديتها ، وفي اسودادها ثلثا دية سقوطها ، وفي قلعها بعد الاسوداد ثلث ديتها صحيحة.

وفي الثديين الدية كاملة ، وفي أحدهما نصف الدية.

وفي اليدين الدية كاملة ، وفي إحداهما النصف منها ، وفي كل واحد من الساعدين أو العضدين نصف الدية ، وفي كل إصبع عشر الدية إلا الإبهام ، فإن فيها ثلث دية اليد ، وفي أنملة كل إصبع ثلث ديتها إلا الإبهام ، فإن في الأنملة منها نصف ديتها ، وحكم الفخذين والساقين والقدمين وأصابعهما حكم اليدين ، وفي كل إصبع زائدة ثلث دية الأصابع الأصلية.

وفي الصلب إذا كسر الدية الكاملة ، فإن جبر وصلح من غير عيب ، فعشر الدية.

وفي قطع الحشفة فما زاد من الذكر ، الدية الكاملة ، وفي الأنثيين الدية كاملة ، وفي إحديهما نصف الدية ، وروي : أن في اليسرى منهما الثلثين ، وفي اليمنى الثلث (٢).

وفي إفضاء الحرة ديتها.

__________________

(١) الثغر : المبسم ، ثم أطلق على الثنايا ، وإذا كسر ثغر الصبي قيل : ثغر ثغورا بالبناء للمفعول وثغرته أثغره من باب نفع : كسرته وإذا نبتت بعد السقوط قيل : أثغر إثغارا ، وإذا ألقى أسنانه قيل : اثغر على افتعل. المصباح المنير.

(٢) الوسائل : ١٩ ، ب ١ من أبواب ديات الأعضاء ح ١ وب ١٨ من أبواب ديات الأعضاء ح ٢.

٤١٨

وفي كسر عظام العضو (١) خمس دية ذلك العضو ، فإن جبر وصلح من غير عيب ، فأربعة أخماس ديته ، وفي موضحة كل عضو من اليدين ربع دية كسره ، وفي رضه ثلث ديته ، فإن جبر فصلح من غير عيب ، فأربعة أخماس رضه ، وكل عضو فيه مقدر إذا جني عليه ، فصار أشل ، وجب فيه ثلثا ديته ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

وحكم الشجاج (٢) في الوجه حكمها في الرأس وهي ثمانية.

فأولها الحارصة : وهي الدامية ، وهي التي تقشر (٣) الجلد وتسيل الدم ، ففيها عشر عشر دية المشجوج.

ثم الباضعة : وهي التي تبضع اللحم ، وفيها خمس عشر ديته.

ثم النافذة وتسمى المتلاحمة : وهي التي تنفذ في اللحم ، وفيها خمس عشر وعشر عشر.

ثم السمحاق : وهي التي تبلغ القشرة التي بين اللحم والعظم ، وفيها خمسا عشر ديته.

ويثبت في هذه الأربع أيضا القصاص ، بدليل إجماع الطائفة ، وقال جميع الفقهاء : فيها حكومة وليس فيها شي‌ء مقدر ولا قصاص.

ثم الموضحة : وهي التي توضح عن العظم ، وفيها نصف عشر الدية بلا خلاف ، وفيها القصاص أيضا بلا خلاف.

ثم الهاشمة : وهي التي تهشم العظم ، وفيها عشر الدية.

__________________

(١) في (ج) : وفي كسر عظم العضو.

(٢) قال في الجواهر : ٤٣ ـ ٣١٧ : الشجاج ـ بكسر الشين ـ جمع شجة بفتحها ، وهي الجرح المختص بالرأس والوجه ، ويسمى في غيرها جرحا.

(٣) في (س) : تشق.

٤١٩

ثم المنقلة : وهي التي تحوج مع كسر العظم إلى نقله من موضع إلى آخر ، وفيها عشر ونصف عشر.

ثم المأمومة : وهي التي تصل إلى أم الدماغ ، وفيها ثلث الدية ، وفي هذه الثلاث ما ذكرناه من المقدر بلا خلاف ، وليس فيها قصاص بلا خلاف.

وأما الجائفة فليست من الشجاج ، لأنها في البدن وهي التي تبلغ الجوف ، ولا قصاص فيها ، وفيها ثلث الدية أيضا بلا خلاف.

وفي لطمة وجه الحر إذا احمر موضعها دينار ونصف ، فإن أخضر أو أسود فثلاثة دنانير ، وفي لطمة الجسد ، النصف من لطمة الوجه.

والمرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث الدية ، فإذا بلغت ذلك ، رجعت إلى النصف من ديات الرجال ، وديات ذلك في العبيد بحساب قيمتهم ما لم تزد على دية الحر فإن زادت ترد إلى ذلك (١) على ما قدمناه ، وديات ذلك في أهل الذمة بحساب ديات أنفسهم.

ولا دية للمستأجر بما يحدث عليه (٢) في إجارته بفعله أو عند فعله.

ولا دية لمقتول الحدود والآداب المشروعة ، ولا للمدافعة عن النفس أو المال ، وما تسقط الدية فيه تسقط قيمة المتلف (٣) وأرش الجناية ، ودليل ذلك كله إجماع الطائفة عليه ، وفيه الحجة على ما بيناه.

__________________

(١) كذا في (ج) ولكن في الأصل و (س) : ما لم تزد على دية الحر فيرد إلى ذلك.

(٢) في (س) : مما يحدث عليه.

(٣) في (ج) : قيمة التلف.

٤٢٠