غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

لفظه مع اتحاد طريقه دليل ضعفه.

على أن مذهب ابن عباس في نفي التوريث بالعصبة مشهور ، وراوي الحديث إذا خالف كان قدحا في الحديث ، والهزيل ابن شرحبيل مجهول ضعيف.

ثم إن أبا موسى لم يسند ذلك إلى النبي عليه‌السلام ، وفتواه لا حجة فيها ، ولا حجة أيضا في قضاء معاذ بذلك ، ولا في كونه على عهد رسول الله ما لم يثبت علمه عليه‌السلام به وإقراره عليه ، وفي الخبر ما يبطل أن تكون الأخت أخذت بالتعصيب ، وهو قوله : ولم يورث العصبة شيئا ، لأنها لو كانت ها هنا عصبة ، لقال : ولم يورث باقي العصبة شيئا.

على أن هذه الأخبار لو سلمت من كل قدح ، لكانت معارضة بأخبار مثلها ، واردة من طرق المخالف ، مثل قوله عليه‌السلام : من ترك مالا فلأهله (١) ، وقول ابن عباس وجابر بن عبد الله : إن المال كله للبنت دون الأخت ، وروى الأعمش (٢) مثل ذلك عن إبراهيم النخعي (٣) ، وبه قضى عبد الله بن الزبير (٤) على ما حكاه

__________________

(١) صحيح الترمذي : ٤ ـ ٤١٣ برقم ٢٠٩٠ وسنن أبي داود : ٣ ـ ١٢٣ ، وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٠١ و ٣٥١ ، ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٢٨٧ و ٤٥٠ و ٣ ـ ٢١٥ و ٣٣٨.

(٢) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي ، مولاهم أبو محمد الكوفي الأعمش ، يقال أصله من طبرستان وولد بالكوفة ، وروى عن عبد الله بن أوفى وزيد بن وهب وأبي وائل وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي ، وروى عنه الحكم بن عتيبة وأبو إسحاق السبيعي وسليمان التيمي وغيرهم ، قيل ولد يوم قتل الحسين عليه‌السلام وذلك يوم عاشوراء سنة ٦١ ه‍ ـ وقيل : ٥٨ ومات ١٤٨ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ٤ ـ ٢٢٢ والكنى والألقاب : ٢ ـ ٣٩.

(٣) إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي ، الفقيه الكوفي روى عن خالية : الأسود وعبد الرحمن ابني يزيد ومسروق وغيرهم ، وروى عنه الأعمش ومنصور وحماد بن سليمان مات سنة ٩٦ ه‍ ـ لاحظ تهذيب التهذيب : ١ ـ ١٧٧.

(٤) عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وعن جده أبي بكر (لأن أمه أسماء كانت بنت أبي بكر) وخالته عائشة ، وروى عنه جماعة مات سنة ٧٣ لاحظ أسد الغابة : ٣ ـ ١٦١ وتهذيب التهذيب : ٥ ـ ٢١٣.

٣٢١

الساجي (١) والطبري (٢) ، وما نختص نحن بروايته في إبطال التوريث بالعصبة كثير.

وإذا تعارضت الأخبار سقطت ، ووجب الرجوع إلى ظاهر القرآن ، على أن أخبارهم لو سلمت من المعارضة ، لكانت أخبار آحاد ، وقد دللنا على فساد العمل بها في الشرعيات.

على أنهم قد خالفوا لفظ الحديث عن ابن عباس ، فورثوا الأخت مع البنت وليس برجل ولا ذكر ، وورثوها أيضا مع الأخ إذا كان (٣) مع البنت ولم يخصوا الأخ ، وكذا لو كان مكان الأخ عم ، وإذا جاز لهم تخصيصه بموضع دون موضع ، جاز لنا حمله على من ترك أختين لأم وأخا لأب مع أولاد إخوة لأب وأم ، أو ترك زوجة وأخا مع عمومة وعمات ، فإن ما يبقى بعد الفرض المسمى ، للأختين أو للزوجة لأولى ذكر قرب ، وهو الأخ بلا خلاف.

على أنهم إذا جعلوا الأخت عند فقد الإخوة عصبة ، لزمهم أن يجعلوا البنت مع عدم البنتين عصبة وبل هي أولى ، لأن الابن أحق بالتعصيب من الأب ، والأب أحق بالتعصيب من الأخ ، وأخت الابن يجب أن تكون أحق بالتعصيب من أخت الأخ بلا شبهة ، وليس لهم أن يفرقوا بأن البنت لا تعقل عن أبيها ، لأن الأخت أيضا لا تعقل.

__________________

(١) أبو يحيى ، زكريا بن يحيى الساجي البصري ، أخذ الفقه عن الربيع والمزني ، وروى عن العنبري ومحمد بن بشار وله كتاب اختلاف الفقهاء مات سنة ٣٠٧ ه‍ ـ لاحظ الأنساب ٧ ـ ١٠ ولسان الميزان : ٢ ـ ٤٨٨ وطبقات الشافعية : ١ ـ ٩٥ برقم ٤٠.

(٢) لاحظ سنن البيهقي : ٦ ـ ٢٣٣ والمغني لابن قدامة : ٧ ـ ٧ و ٢٨ والمحلى : ٨ ـ ٢٦٨ و ٢٦٩ وبداية المجتهد : ٢ ـ ٣٤١.

(٣) في «ج» : إذا كانا.

٣٢٢

الفصل السادس

وقد بينا فيما تقدم أن ولد الولد وإن نزلوا ، يقومون مقام آبائهم وأمهاتهم في مشاركة من يشاركونه ، وحجب من يحجبونه ، ويأخذ كل منهم ميراث من يتقرب به ، كابن بنت وبنت ابن ، فإن لابن البنت الثلث ، ولبنت الابن الثلثان.

والدليل على ذلك ـ بعد إجماع الطائفة ـ أن اسم الولد يقع على ولد الولد وإن نزلوا ، سواء كان الولد ذكرا أو أنثى ، لما قدمناه من إطلاق المسلمين في عيسى عليه‌السلام (١) أنه من ولد آدم عليه‌السلام ، ومن قول النبي عليه‌السلام في الحسن والحسين عليهما‌السلام : ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا (٢) ، ولأن جميع ما علقه سبحانه من الأحكام بالولد ، قد عم به ولد البنين والبنات في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ـ إلى قوله تعالى : ـ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ) (٣) ، وقوله (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) (٤) ، وفي قوله (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ـ إلى قوله : ـ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ). (٥)

وإذا وقع اسم الولد على ولد الولد [حقيقة] (٦) تعلق بهم من أحكام الميراث إذا لم يوجد ولد للصلب ، مثل ما تعلق به ، بظاهر القرآن ، وليس لأحد أن يقول : إن اسم الولد يقع على ولد الولد مجازا ، فلا يدخل في الظاهر إلا بدليل ، لأن الأصل في الاستعمال الحقيقة ، على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه ، ومن ادعى المجاز

__________________

(١) في «ج» : في حق عيسى عليه‌السلام.

(٢) علل الشرائع : ١ ـ ٢١١ ب ٥٩ ، عوالي اللئالي : ٣ ـ ١٢٩ وبحار الأنوار : ٣٦ ـ ٢٨٩ و ٣٢٥ و ٤٣ ـ ٢٧٨.

(٣ و ٤) النساء : ٢٣.

(٥) النور : ٣١.

(٦) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣٢٣

فعليه الدليل.

ولا يلزم على ذلك مشاركة ولد الولد لولد الصلب في الميراث ، ولا مشاركة الأجداد للآباء الأدنين لظاهر قوله تعالى (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) (١) ، لأنا عدلنا عن الظاهر في ذلك ، للدليل القاطع ، ولا دليل يوجب الرجوع عنه فيما اختلفنا فيه ، فبقينا على ما يقتضيه [الظاهر]. (٢)

الفصل السابع

ويستحب أن يخص الأكبر من الولد الذكور (٣) بسيف أبيه ومصحفه وخاتمة (٤) إذا كان هناك تركة سوى ذلك ، بدليل إجماع الطائفة ، ومن أصحابنا من قال (٥) يحتسب بقيمة ذلك عليه من سهمه ، ليجمع بين ظاهر القرآن وما أجمعت عليه الطائفة ، وكذا قال فيما رواه أصحابنا : من أن الزوجة لا ترث من الرباع والأرضين شيئا ، فحمله على أنها لا ترث من نفس ذلك بل من قيمته. (٦)

الفصل الثامن

ولواحد الإخوة والأخوات (٧) أو الأجداد والجدات إذا انفرد جميع المال من أي الجهات كان ، وإذا اجتمع كلأه الأم مع كلالة الأب والأم كان للواحد من

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٣) في الأصل و «س» : الذكورة.

(٤) كذا في الأصل و «س» ولكن في «ج» : ومصحفه وخاتمه وثياب جلده.

(٥ ـ ٦) القائل هو السيد المرتضى : الانتصار ص ٢٩٩ و ٣٠١.

(٧) في «س» : أو الأخوات وفي «ج» : أو الأخوات أو الأجداد أو الجدات.

٣٢٤

قبل الأم ـ أخا كان أم أختا جدا أم جدة ـ السدس ، وللاثنين فصاعدا الثلث والذكر والأنثى فيه سواء ، وروى أن لواحد الأجداد من قبل الأم الثلث نصيب الأم ، والباقي لكلالة الأب والأم ، أخا كان أم أختا جدا أم جدة ، فإن كانوا جماعة ذكورا وإناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين.

ولا يرث أحد من الإخوة والأخوات من قبل الأب خاصة ، مع وجود واحد منهم من الأب والأم ، أخا كان أم أختا ، ومتى اجتمع واحد من كلالة الأم مع أخت أو أختين فصاعدا من الأب والأم ، كان الفاضل من سهامهم مردودا على كلالة الأب والأم خاصة ، ويشترك كلالة الأم مع كلالة الأب في الفاضل على قدر سهامهم ، ومن أصحابنا من قال : يختص بالرد كلالة الأب ، لأن النقص يدخل عليها خاصة إذا نقصت التركة عن سهامهم لمزاحمة الزوج أو الزوجة ، ولا يدخل على كلالة الأم ولا على الزوج والزوجة على حال. (١)

وولد الإخوة والأخوات وإن نزلوا يقومون عند فقدهم مقامهم في مقاسمة الأجداد وفي الحجب لغيرهم ، وكذا حكم الأجداد والجدات وإن علوا ، والأدنى من جميعهم ـ وإن كان أنثى ـ أحق من الأبعد وإن كان ذكرا ، كل ذلك بدليل الإجماع من الطائفة عليه.

ويستحب إطعام الجد أو الجدة من قبل الأب السدس من نصيب الأب إذا كان حيا وسهمه الأوفر ، فإن وجدا معا فالسدس بينهما نصفان ، ومن أصحابنا من قال : إن هذا حكم الجد والجدة أيضا من قبل الأم معها. (٢)

الفصل التاسع

ويرث الأعمام والعمات والأخوال والخالات مع فقد من قدمنا ذكره من

__________________

(١) لاحظ النهاية : ٦٣٧ و ٦٣٨.

(٢) القاضي : المهذب : ٢ ـ ١٣٠.

٣٢٥

الوراث ، ويجري الأعمام والعمات من الأب والأم مجرى الإخوة والأخوات من قبلهما في كيفية الميراث ، وفي إسقاط الأعمام والعمات من قبل الأب فقط ، ويجري الأخوال والخالات مجرى الإخوة والأخوات من قبل الأم ، لواحدهم إذا اجتمع مع الأعمام والعمات السدس ولمن زاد عليه الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء ، والباقي للأعمام والعمات من قبل الأب والأم أو [من الأم] (١) إذا لم يكن واحد منهم من قبل أب وأم ، للذكر من هؤلاء مثل حظ الأنثيين ، بدليل إجماع الطائفة ، وظاهر القرآن الذي قدمنا ذكره في توريث ذوي الأرحام والقرابات.

فإن اجتمع الأعمام والعمات المتفرقون مع الأخوال والخالات المتفرقين ، كان للأعمام والعمات الثلثان ، لمن هو للأم من ذلك السدس ، والباقي لمن هو للأب والأم دون من هو للأب ، وللأخوال والخالات الثلث ، ولمن هو للأم منه السدس ، والباقي لمن هو للأب والأم دون من هو للأب.

ولا يقوم ولد الأعمام والعمات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأخوال والخالات ، ولا يقوم أيضا ولد الخؤولة والخالات مقام آبائهم وأمهاتهم في مقاسمة الأعمام والعمات ، فلو ترك عمة أو خالة مثلا مع ابن عم وابن خال ، لكانت كل واحدة من العمة والخالة أحق بالميراث منهما ، ولا يرث الأبعد من هؤلاء مع من هو أدنى منه إلا من استثنيناه فيما مضى من ابن العم للأب والأم ، فإنه أحق عندنا من العم للأب ، وكل هذا دليله الإجماع من الطائفة عليه.

الفصل العاشر

فإن لم يكن أحد ممن قدمنا ذكره من الوراث ، كان ميراثه لمن أعتقه تبرعا ، لا فيما يجب عليه من الكفارات ، سواء كان المعتق رجلا أو امرأة ، والدليل على أن

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «ج» و «س». والظاهر أن الصحيح : «من الأب».

٣٢٦

الولاء لا يثبت إلا في العتق المتبرع به ، بعد الإجماع المشار إليه ، أن الولاء حكم شرعي يفتقر ثبوته إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل على ثبوته في الموضع الذي اختلفنا فيه ، فوجب نفيه.

فإن لم يكن المعتق باقيا فالميراث لولده الذكور منهم دون الإناث ، ومن أصحابنا من قال : إن ولد المعتقة لا يقومون مقامها في الميراث ذكورا كانوا أو إناثا. (١)

فإن لم يكن للمعتق أولاد فالميراث لعصبته ، وأولاهم الإخوة ، ثم الأعمام ، ثم بنو العم.

ومن زوج عبده بمعتقة غيره ، فولاء أولادها لمن أعتقها ، فإن أعتق أبوهم انجر ولاء الأولاد إلى من أعتقه ممن أعتق أمهم ، وإن أعتق جدهم من أبيهم مع كون أبيهم عبدا انجر ولاء الأولاد إلى من أعتق جدهم (٢) فإن أعتق بعد ذلك أبوهم أنجز الولاء ممن أعتق جدهم إلى من أعتق أباهم.

وحكم المدبر حكم المعتق سواء ، ولا يثبت الولاء على المكاتب إلا بالشرط ، فإن لم يشرط (٣) ذلك كان سائبة [وهي من ليس له ولاء] (٤).

الفصل الحادي عشر

فإن لم يكن أحد ممن ذكرناه وكان الميت سائبة ـ بأن يكون معتقا في كفارة

__________________

(١) الشيخ : النهاية : ٦٧٠ باب ميراث الموالي مع وجود ذوي الأرحام.

(٢) في نسخة الأصل و «ج» هنا زيادة مع تقدم وتأخر وما في المتن مطابق لنسخة «ج» وهو الصحيح.

(٣) في «ج» و «س» : فإن لم يشترط.

(٤) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

٣٢٧

واجب (١) أو معتقا تطوعا ، وقد تبرأ تطوعا ، وقد تبرأ معتقه من جريرته ـ أو مكاتبا غير مشروط عليه الولاء وقد توالى إلى من ضمن جريرته ، كان ميراثه له ، فإن مات لم ينتقل إلى ورثته.

فإن عدم جميع هؤلاء الوراث فالميراث للإمام ، فإن مات انتقل إلى من يقوم مقامه في الإمامة ، دون من يرث تركته ، وسهم الزوج أو الزوجة ثابت مع جميع من ذكرناه ، على ما مضى بيانه ، وكل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

الفصل الثاني عشر

وقد بينا فيما سبق أن الكافر لا يرث المسلم ، فأما المسلم فإنه يرث الكافر عندنا وإن بعد نسبه ، ويدل على ذلك الإجماع الماضي ذكره ، وظاهر آيات الميراث ، لأنه إنما يخرج من ظاهرها ما أخرجه دليل قاطع.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٢) ، وقوله : الإسلام يزيد ولا ينقص (٣) ، فأما ما رووه من قوله عليه‌السلام : لا توارث بين أهل ملتين (٤) ، ومن قول بعض الصحابة في ذلك ، فأكثره مضعف مقدوح في رواته (٥) ، ثم هو مخالف لظاهر القرآن ، ومعارض بما قدمناه ، ولو سلم من ذلك

__________________

(١) في «ج» : في كفارة واجبة.

(٢) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٥٢ والجامع الصغير : ١ ـ ٤٧٤ برقم ٣٠٦٣ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٢٠٥ وجامع الأصول : ١٠ ـ ٣٦٨ برقم ٧٣٦٢ كتاب الفرائض والمواريث وكنز العمال : ١ ـ ٦٦ برقم ٢٤٦ ووسائل الشيعة : ١٧ ب ١ من أبواب موانع الإرث ح ١١ وقد تقدم الحديث مع تعليقته في كتاب البيع ص ٢١٠ فلاحظ.

(٣) سنن البيهقي : ٦ ـ ٢٠٥ و ٢٥٤ و ٢٥٥ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ ـ ٢٣٦ وكنز العمال : ١ ـ ٦٦ برقم ٢٤٥ والجامع الصغير : ١ ـ ٤٧٤ برقم ٣٠٦٢.

(٤) سنن الدار قطني : ٤ ـ ٧٢ برقم ١٦ و ١٧ ولفظ الحديث : لا يتوارث أهل ملتين ، ونحوه في كنز العمال : ٦ ـ ١٠٦ برقم ١٥٠٥٢.

(٥) في «ج» : في روايتهم.

٣٢٨

كله لكان من أخبار الآحاد التي لا يجوز العمل بها في الشرعيات.

على أنا نقول بموجب قوله عليه‌السلام : لا توارث بين أهل ملتين ، لو سلمناه (١) لأن التوارث تفاعل ، وذلك لا يكون إلا بأن يرث كل واحد منهما الآخر ، ونحن لا نقول : بأن الكافر يرث المسلم ، فلا توارث بينهما والحال هذه.

وقول بعض المخالفين : إن التوارث إنما هو للنصرة والموالاة ، ولذلك يرث الذكور من العصبة دون الإناث ، ولا يرث القاتل ، ولا العبد ، لنفي النصرة ، مما لا يعول على مثله ، لأنه غير مسلم أن التوارث لما ذكروه ، وقد ورث النساء والأطفال مع فقد ذلك فيهم.

ثم إن النصرة مبذولة من المسلم للكافر في الحق (٢) والواجب ، كما أنها مبذولة للمسلم بهذا الشرط.

وإذا كان للكافر أولاد أصاغر ، وقرابة مسلم ، أنفق عليهم من التركة حتى يبلغوا ، فإن أسلموا فالميراث لهم ، وإن لم يسلموا كان لقرابته المسلم ، وإذا أسلم الكافر أو عتق المملوك بعد القسمة لم يرث شيئا.

ومتى لم يكن للميت إلا وارث مملوك ، ابتيع من التركة وعتق وورث الباقي ، ويجبر المالك على بيعه ، هذا إذا كانت التركة تبلغ قيمته فما زاد ، فأما إذا نقصت عن ذلك فلا يجب شراؤه ، ومن أصحابنا من قال : إذا كانت التركة أقل من ثمن المملوك أستسعي في الباقي (٣) ، والأول أظهر.

__________________

(١) في «ج» : لو سلمنا تسليم الجدل.

(٢) في «ج» : من الحق.

(٣) قال الشيخ في النهاية ص ٦٦٨ : فإن كان التركة أقل من قيمة المملوك لم يجب شراء الوارث. وقال بعض أصحابنا : «إنه إذا كانت التركة أقل من ثمن المملوك استسعى في باقيه» ولست أعرف بذلك أثرا. وقال العلامة ـ قدس‌سره ـ بعد نقل كلام الشيخ : على ان القول الآخر ليس بعيدا عن الصواب ، لأن عتق الجزء يشارك عتق الجميع في الأمور المطلوبة شرعا فيساويه في الحكم. المختلف ، الطبع القديم ، ص ٧٤٤.

٣٢٩

وأم الولد إذا مات سيدها ، وولدها حي جعلت في نصيبه وعتقت عليه ، فإن لم يخلف غيرها عتق منها نصيب الولد واستسعيت في الباقي لغيره من الورثة ، فإن كان ثمنها دينا على سيدها ، قومت على ولدها ، وتركت حتى يبلغ الولد ، فإذا بلغ أجبر على قضاء ثمنها ، فإن مات قبل البلوغ بيعت لقضائه.

ولا يرث القاتل عمدا مقتوله على وجه الظلم ، على ما بيناه بلا خلاف ، ويرثه إن كان قتله خطأ ما عدا الدية المستحقة عليه ، بدليل الإجماع من الطائفة على ذلك وظاهر آيات المواريث ، وقاتل العمد إنما أخرجناه من الظاهر ، بدليل قاطع ، وليس ذلك في قاتل الخطأ.

وقول المخالف : لو كان قاتل الخطأ وارثا لما وجب تسليم الدية عليه ، ليس بشي‌ء لأنه لا تنافي بين وجوب تسليم الدية وبين الميراث مما عداها ، ولا يورث من الدية أحد من كلالة الأم [ولا من يتقرب بها] (١) ويرثها من عداهم من ذوي الأنساب والأسباب.

ويرث (٢) ولد الملاعنة لأمه ولمن يتقرب بها ، وترثه هي ومن يتقرب بها ، ولا يرثه أبوه ولا من يتقرب به على حال ، ولا يرثه الولد إلا أن يقر به بعد اللعان ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فالاحتياط فيما ذكرناه ، لأن الإقرار بالولد بعد نفيه قد يكون للطمع في ميراثه ، فإذا لم يورث ، كان ذلك صارفا له عن الإقرار به لهذا الغرض ، واقتضى أن لا يكون بعد الجحود إلا لتحري الصدق فقط.

وولد الزنا لا يرث أبويه ولا من يتقرب بهما ، ولا يرثونه على حال ، لأنه ليس بولد شرعا ، لأن الولد للفراش على ما جاء به الأثر (٣) ، ومن أصحابنا من

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

(٢) في «ج» و «س» : «وميراث».

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ٥ ـ ٣٢٦ و ٢٦٧ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٥٧ و ٤٠٢ و ٤١٢ باب الولد للفراش ووسائل الشيعة : ١٤ ب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ح ٢ ، ٣ ، ٤ ، ٧ وج ١٧ ب ٨ من أبواب ميراث ولد الملاعنة ح ١ و ٤.

٣٣٠

قال : حكمه وحكم ولد الملاعنة سواء (١). وهو مذهب من خالفنا من الفقهاء.

ويعزل من التركة مقدار نصيب الحمل ، والاستظهار يقتضي عزل نصيب ذكرين ، فإن ولد ميتا فلا ميراث له (٢) ، وإن ولد حيا ورث ، وتعلم حياته بالاستهلال والحركة الكثيرة التي لا تكون إلا من حي ، وإن ولد وله ما للرجال وما للنساء ، اعتبرت حاله بالبول فمن أي الفرجين خرج ورث عليه ، فإن خرج منهما اعتبر بالسبق ، فمن أيهما سبق ورث عليه ، فإن تساوى خروجه منهما ، فمن أيهما انقطع أخيرا ورث عليه ، فإن تساوى انقطاعه منهما ورث نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء ، وقد روى : أنه تعد أضلاعه ، فإن نقص أحد الجانبين ورث ميراث الرجال ، وإن تساويا ورث ميراث النساء (٣) ، فإن لم يكن للمولود فرج أصلا استخرج بالقرعة ، فما خرج ورث عليه.

وإذا عقد على الصغيرين عقد النكاح أبواهما توارثا ، وإن كان العاقد غيرهما ، فلا توارث بينهما حتى يبلغا ويمضيا العقد ، وإن بلغ أحدهما فأمضاه ثم مات انتظر بلوغ الآخر ، فإن بلغ وأمضاه حلف أنه لم يرض به للميراث ، فإن حلف ورث ، وإلا فلا ميراث له.

ويتوارث الزوجان بعد الطلاق الرجعي ، سواء كان في الصحة أو المرض ، ما دامت المرأة في العدة ، وإن كان في حال مرض الزوج ، ورثته المرأة وإن كان بائنا ، إذا مات من مرضه ذلك ما لم تتزوج أو يمض لطلاقها سنة ، وإذا تزوج المريض ومات قبل الدخول بطل العقد ولم ترثه المرأة.

وإذا انفرد الزوج بالميراث ، فله النصف بالتسمية ، والنصف الآخر بالرد ،

__________________

(١) الحلبي : الكافي : ٣٧٧ والصدوق : المقنع : ١٧٧ و ١٧٨.

(٢) في «ج» : فلا شي‌ء له.

(٣) الوسائل : ١٧ ب ٢ من أبواب ميراث الخنثى ، ح ٣ ، ٥.

٣٣١

بدليل إجماع الطائفة ، ولا يلزم أن يرد على الزوجة ، لأن الشرع لا يؤخذ بالقياس.

وإذا تعارف المجلوبون من بلاد الشرك بنسب يوجب الموارثة بينهم قبل قولهم بلا بينة ، وورثوا عليه ، ويوقف نصيب الأسير في بلاد الكفر إلى أن يجي‌ء أو يصح موته ، فإن لم يعلم مكانه ، فهو مفقود ، وحكمه أن يطلب في الأرض أربع سنين ، فإن لم يعلم له خبر في هذه المدة ، قسم ماله بين ورثته.

وإذا مات اثنان أو ما زاد عليهما في وقت واحد ، بهدم (١) ، أو غرق ، ولم يعلم أيهما مات قبل صاحبه ، ورث أحدهما من الآخر من نفس تركته ، لا مما يرثه من صاحبه ، وأيهما قدم في التوريث جاز ، وروي أن الأولى تقديم الأضعف في الاستحقاق وتأخير الأقوى (٢) ثم ينقل ميراث كل واحد منهما من صاحبه إلى وارثه ، فإن كان أحدهما يرث صاحبه ، والآخر لا يرثه ، بطل هذا الحكم ، وانتقل كل واحد منهما إلى وارثه من غير واسطة.

ومن أصحابنا من قال (٣) : يورث المجوس وغيرهم من أهل الملل المختلفة في الكفر إذا تحاكموا إلينا على ما قرره شرع الإسلام ، من الأنساب والأسباب الصحيحة والسهام ، ومنهم من قال (٤) : يورثون على ما يرونه في ملتهم ، والدليل على ذلك كله ـ سوى ما لم يتعين المخالف من الطائفة فيه ـ إجماعها عليه ، وفيه الحجة على ما بيناه.

الفصل الثالث عشر

في كيفية القسمة على الوراث يحتاج إلى تصحيح السهام في قسمة الأرضين

__________________

(١) في «ج» : لهدم.

(٢) الوسائل : ١٧ ب ٦ من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ح ١ و ٢.

(٣) الحلبي : الكافي : ٣٧٦.

(٤) الشيخ : النهاية : ٦٨٣.

٣٣٢

والرباع ، والوجه في ذلك أن يضرب سهام المنكسر عليهم في أصل الفريضة ، فما بلغت إليه خرجت منه السهام صحاحا.

وأصل الفريضة هو أقل عدد يخرج منه السهام المسماة فيها صحاحا ، مثل أن يجتمع مع النصف ثلث أو سدس ، فيكون أصلها (١) من ستة ، فإن كان معه ربع فأصلها من أربعة ، فإن كان مع النصف ثمن فأصلها من ثمانية ، فإن كان مع الربع ثلث أو سدس ، فأصلها من اثني عشر ، وإن كان مع الثمن ثلثان أو سدس ، فأصلها من أربعة وعشرين.

مثال ما قدمناه في تصحيح السهام ، أن نفرض أبوين وابنا وبنتا ، فأصل فريضتهم من ستة ، للأبوين سهمان وتبقى أربعة تنكسر على الابن والبنت ، وفتضرب سهامهما وهي ثلاثة ـ للابن سهمان وللبنت سهم ـ في أصل الفريضة وهي ستة ، فتكون ثمانية عشر ، لكل واحد من الأبوين ثلاثة ، ويبقى اثنا عشر ، للابن منها ثمانية وللبنت أربعة ، وكذا لو كان مكان الابن والبنت ثلاث بنات ، فإنا نضرب سهامهن ، وهي ثلاثة ، في أصل الفريضة ، فيكون للأبوين ستة ، ولكل واحدة من البنات أربعة.

وإن كان في الفريضة رد ينكسر ، فالوجه أن يجمع مخرج فرائض من يجب الرد عليه ثم يضرب في أصل الفريضة ويقسم الجميع ، كفريضة الأبوين والبنت مثلا فإن أصلها من ستة ، للأبوين الثلث ، وللبنت النصف ، ويبقى سهم ينكسر في الرد عليهم ، فمخرج الثلث من ثلاثة ، ومخرج النصف من اثنين ، وذلك خمسة ، فتضرب في أصل الفريضة وهي ستة ، فيكون ثلاثين ، للأبوين عشرة ، وللبنت خمسة عشر بالفرض ، وللأبوين من الباقي ، وهو خمسة ، سهمان وللبنت ثلاثة بالرد ، وعلى هذا يجري الحساب في جميع الفرائض فليتأمل.

__________________

(١) في «ج» : فيكون أصلهما.

٣٣٣

والوجه في تصحيح المناسخات (١) ، أن تصحح مسألة الميت الأول ، ثم تصحح مسألة الميت الثاني ، وتقسم ما يختص بالميت الثاني من المسألة الأولى على سهام مسألته.

فإن انقسمت ، فقد صحت المسألتان مما صحت منه مسألة الميت الأول ، كمن مات وخلف أبوين وابنين ، فأصلها من ستة ، للأبوين سهمان ، ولكل واحد من الابنين سهمان ، فإن مات أحد الابنين ، وخلف ابنين ، كان لكل واحد منهما سهم من هذين السهمين ، فقد صحت المسألتان من المسألة الأولى.

وإن لم تنقسم الثانية من الأولى ، جمعنا سهام المسألة الثانية ، وضربناها في سهام المسألة الأولى ، مثل أن يخلف أحد الابنين في المسألة التي قدمناها ابنا وبنتا ، فإن سهمه وهو اثنان من ستة ينكسر عليهما ، فيضرب سهم الابن وهو اثنان وسهم البنت وهو واحد في أصل الفريضة من المسألة الأولى وهي ستة ، فتكون ثمانية عشر ، للأبوين السدسان ستة ، ولكل واحد من الابنين ستة ، فيكون لابنه وبنته اللذين خلفهما للذكر مثل حظ الأنثيين من غير انكسار.

وكذا الحكم لو مات ثالث ورابع فما زاد ، فإنا نصحح مسألة كل ميت ، ويقسم ماله من مسائل من مات قبله من السهام على سهام مسألته ، فإن انقسمت فقد صحت لنا المسائل كلها ، وإن لم تصح ، ضربنا جميع مسألته فيما صحت من مسائل من مات قبله ، فما اجتمع صحت منه المسائل (٢) كلها إن شاء الله.

__________________

(١) التناسخ في الميراث : أن يموت ورثة بعد ورثة ، وأصل الميراث قائم لم يقسم ، فلا يقسم على حكم الميت الأول ، بل على حكم الثاني وكذا ما بعده. مجمع البحرين.

(٢) في «ج» : صحت منه بقية المسائل.

٣٣٤

كتاب النكاح

نحتاج أولا أن نبين من يحرم نكاحه ، ثم نبين أقسام النكاح المباح وشروطه ، والأسباب الموجبة لتحريم الوطء بعد صحة العقد ، وما يتعلق بذلك كله من الأحكام ، فنقول :

من يحرم العقد عليهن على ضربين : أحدهما يحرم على كل حال ، والثاني يحرم في حال دون حال.

فالضرب الأول : المحرمات بالنسب

وهن ست (١) : الأم وإن علت ، والبنت وإن نزلت ، والأخت ، وبنت الأخ والأخت وإن نزلتا ، والعمة والخالة وإن علتا ، بلا خلاف.

والمحرمات بالرضاع ، وهن ست (٢) كالمحرمات بالنسب ، إلا أن الراضع من لبن المرأة يحرم عليه كل من ينتسب إلى بعلها بالولادة والرضاع ، ولا يحرم عليه من ينتسب إلى المرأة إلا بالولادة دون الرضاع.

ولا يقتضي التحريم الرضاع إلا بشروط :

منها : أن يكون سن الراضع والمرتضع من لبنه له دون الحولين ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ

__________________

(١) في «ج» : وهي ستة.

(٢) في «ج» : وهي ستة.

٣٣٥

لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (١) ، لأن المراد إثبات الرضاع الشرعي ، الذي يتعلق به الحرمة ، بدليل أنه تعالى لا يجوز أن يريد الرضاع اللغوي ، لأنه ينطلق (٢) على ما يحصل بعد الحولين وقبل تمامهما ، ولا يريد نفي جوازه دونهما ، أو بعدهما ، لأن ذلك جائز بلا خلاف ، ولا نفي الكفاية بدونهما ، لأن الكفاية قبل تمامهما قد تحصل بلا شبهة ، فلم يبق إلا ما قلناه.

ومن شروط تحريم الرضاع : أن يكون لبن ولادة لا در ، بدليل إجماع الطائفة.

ومنها : أن يكون مما ينبت اللحم ويشد العظم ، بأن يكون يوما وليلة ، أو عشر رضعات متواليات ، عند بعض أصحابنا (٣) ، وعند بعضهم خمس عشرة رضعة (٤) ، والأول أحوط ، كل رضعة منها تروي الصبي لا يفصل بينها (٥) برضاع امرأة أخرى ، بلا خلاف بين أصحابنا ، ولا يثبت الرضاع بقول المرضعة ، بل يفتقر ثبوته إلى بينة عادلة.

ومن هذا الضرب من المحرمات أم المعقود عليها ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله عزوجل (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) (٦) ولم يشترط الدخول ، وأيضا فقد روى المخالفون أنه عليه‌السلام قال : من نكح امرأة ثم ماتت قبل الدخول بها لم تحل له أمها (٧) ، وهذا نص.

ومن هذا الضرب أيضا ابنة المدخول بها ، سواء كانت في حجر الزوج أو

__________________

(١) البقرة : ٢٣٣.

(٢) في «ج» : لانه يطلق.

(٣) القاضي : المهذب : ٢ ـ ١٩٠.

(٤) الشيخ : المبسوط : ٥ ـ ٣٠٥ ، كتاب الرضاع.

(٥) في «ج» و «س» : بينهما.

(٦) النساء : ٢٣.

(٧) سنن البيهقي : ٧ ـ ١٦٠ ولفظ الحديث : أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها.

٣٣٦

لم تكن ، بلا خلاف إلا من داود فإنه قال : إن كانت في حجره حرمت وإلا فلا (١) ، ظنا منه أن قوله تعالى (اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (٢) ، شرط في التحريم. وليس ذلك شرطا ، وإنما هو وصف لهن ، لأن الغالب أن الربيبة تكون في حجره.

ومن هذا الضرب أم المزني بها وابنتها ، فهو الظاهر من مذهب أصحابنا والأكثر من رواياتهم ، وطريقة الاحتياط تقتضيه.

وتحرم على الابن زوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة ، بلا خلاف بين أصحابنا ، وعلى الأب زوجة الابن أيضا وأمته المنظور إليها بشهوة ، ومن أصحابنا من قال : الموطوءة (٣) ، والأول أحوط.

ويحرم على كل واحد منهما العقد على من زنى بها الآخر ، بدليل إجماع الطائفة ويخص التحريم على الابن قوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٤) لأن لفظ النكاح يقع على العقد والوطء معا.

وتعلق المخالف بما يروونه من قوله عليه‌السلام : الحرام لا يحرم الحلال (٥) ، غير معتمد لأنه خبر واحد ، ثم هو مخصوص بالإجماع ، ويحمل على مواضع :

منها : أن وطء المرأة في الحيض حرام ولا يحرم ما عداه من الحلال منها.

ومنها : أن الزنا بالمرأة لا يحرم التزويج بها إذا تابت.

ومنها : أن وطء الأب لزوجة ابنه والابن لزوجة أبيه حرام ولا يحرم من الزوجة ما كان حلالا منها.

__________________

(١) لاحظ بداية المجتهد : ٢ ـ ٣٣ والمغني لابن قدامة : ٧ ـ ٤٧٣.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الشيخ المفيد لاحظ المختلف ـ ٥٢٤ من الطبع القديم.

(٤) النساء : ٢٢.

(٥) سنن البيهقي : ٧ ـ ١٦٩ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٦٨ برقم ٨٨ و ٨٩ و ٩٠ ولفظ الحديث : لا يحرم الحرام الحلال ونقله الشيخ في الخلاف كتاب النكاح المسألة ٧١ كما في المتن.

٣٣٧

ويحرم العقد على الزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ممن زنى بها ، وعلى أم الغلام الموقب وأخته وابنته ممن لاط به ، ويحرم أيضا على التأبيد المعقود عليها في عدة معلومة أو إحرام معلوم ، والمدخول بها فيهما على كل حال ، والمطلقة للعدة تسعا ينكحها بينها رجلان ، والملاعنة والمقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء ، يدل على ذلك كله إجماع الطائفة ، وأيضا فلا يجوز أن يستباح التمتع بالمرأة إلا بيقين ولا يقين فيما ذكرناه.

ويعارض المخالف في الملاعنة (١) بما يروونه من قوله عليه‌السلام : المتلاعنان لا يجتمعان أبدا (٢) ، وقوله لعويمر (٣) حين فرق بينه وبين زوجته باللعان : لا سبيل لك عليها (٤) ، وقول المخالف : أراد بذلك في هذه الحال ، تخصيص بغير دليل.

واستدلال المخالف بأن الأصل الإباحة وبظاهر القرآن كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٥) ، وقوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٦) ، غير لازم ، لأنا نعدل عن ذلك بالدليل ، كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها.

وحكم الأم والبنت والأخت بالرضاع في التحريم بهذه الأسباب ، حكم

__________________

(١) في «س» : بالملاعنة.

(٢) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٧٦ برقم ١١٦ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٤٠٩ وكنز العمال : ١٥ ـ ٢٠٤ برقم ٤٠٥٨٢.

(٣) قال ابن الأثير في أسد الغابة : ٤ ـ ١٦٨ : عويمر بن أبيض العجلاني الأنصاري صاحب اللعان ... ثم نقل عن الطبري أنه عويمر بن الحارث بن زيد بن حارثة بن الجد العجلاني ، وهو الذي رمى زوجته بشريك بن سمحاء ، فلاعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينهما ، وذلك في شعبان سنة تسع لما قدم من تبوك.

(٤) بداية المجتهد : ٢ ـ ١١٥ و ١٢١ والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٣٤٩ والفقه على المذاهب الأربعة : ٥ ـ ١٠٧ و ١١٣.

(٥) النساء : ٣.

(٦) النساء : ٢٤.

٣٣٨

ذوات النسب ، وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب ، حكم الحرائر.

وأما من يحرم العقد عليهن في حال دون حال

فأخت المعقود عليها بلا خلاف ، أو الموطوءة بالملك بلا خلاف إلا من داود ، ويدل على ذلك قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (١) لأنه لم يفصل ، والخامسة حتى تنقبض الأربع بما يوجب البينونة ، والمطلقة للعدة ثلاثا ، أو للسنة ، على ما نبينه ، حتى تنكح زوجا آخر وتبين منه ، وكذا حكم كل مزوجة ، والمعتدة من الطلاق الرجعي حتى تخرج من عدتها ، كل هذا بلا خلاف ، وبنت الأخ على عمتها ، وبنت الأخت على خالتها حتى تأذنا ، والأمة على الحرة حتى تأذن ، والزانية حتى تتوب ، بدليل إجماع الطائفة.

وظواهر القرآن المبيحة للعقد على النساء بالإطلاق تبيح تزويج المرأة على عمتها وخالتها إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك إذا لم يكن منهما إذن ، وما يرويه المخالف من قوله عليه‌السلام : لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها (٢) ، خبر واحد مخالف لظاهر القرآن ، ومعارض بأخبار تقتضي الإباحة مع الاستئذان ، ومحمول لو سلم من ذلك كله على ما إذا لم يكن منهما إذن ، فلا يمكن الاعتماد عليه.

ويحرم العقد على الكافرة وإن اختلفت جهات كفرها حتى تسلم ـ إلا على وجه نذكره ـ بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٣) ، وقوله (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ) (٤) ، وقوله (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٥) ، لأنه نفي ما لظاهر التساوي في

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) سنن البيهقي : ٧ ـ ١٦٥ ، ١٦٦ باب ما جاء في الجمع بين المرأة وعمتها. ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٧٨ و : ٢ ـ ١٨٩ و ٢٠٧ وكنز العمال : ١٦ ـ ٣٢٦ برقم ٤٤٧٤٤.

(٣) الممتحنة : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٢١.

(٥) الحشر : ٢٠.

٣٣٩

جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة.

وقوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (١) ، نخصه بنكاح المتعة ، فإنه جائز عندنا على الكتابيات ، أو نحمله على ما إذا كن مسلمات ، بدليل ما قدمناه ، ولا يمتنع أن يكون من جهة (٢) الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر ، وبين من لم تكفر أصلا ، فيكون في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة ، وليس لأحد مع جواز هذا أن يقول : قد أغنى عما اشترطتموه من إسلام الكتابيات قوله تعالى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ).

فإن قالوا : لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه ، لتسلم لكم ظواهر آياتكم بأولى منا إذا خصصنا ظواهركم بالمرتدات والحربيات ، ليسلم لنا ظاهر الآية التي نستدل بها؟! قلنا : غير مسلم لكم التساوي في ذلك ، بل نحن أولى بالتخصيص منكم ، لأنكم تعدلون عن ظواهر كثيرة ، ونحن نعدل عن ظاهر واحد ، وإذا كان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما يفعل للضرورة ، فقليله أولى من كثيره بغير شبهة.

وأما أقسام النكاح المباح فثلاثة : نكاح غبطة ، ونكاح متعة ، ونكاح بملك اليمين.

ونكاح المستدام مستحب بلا خلاف إلا من داود ، فإنه قال : واجب ، ويدل على ما قلناه بعد إجماع الطائفة قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، إلى قوله (فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (٣) ، لأنه تعالى علق ذلك باستطابتنا ، وما كان كذلك فليس بواجب ، ولأنه خير بينه وبين ملك اليمين ، والتخيير لا يكون بين واجب ومباح ، ولأن ذلك يقتضي جواز الاقتصار على ملك اليمين ،

__________________

(١) المائدة : ٥

(٢) في «س» : من جملة.

(٣) النساء : ٣.

٣٤٠