غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

والمخالف لا يجيزه ، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) إلى قوله (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) ، ولو كان نكاح الأمة عند عدم طول الحرة واجبا ، لم يكن الصبر خيرا منه ، وعند المخالف أن الصبر لا يجوز ، فضلا عن أن يكون خيرا من النكاح.

ومن شرط صحة عقد النكاح :

أن يكون المعقود عليه معلوما متميزا ، فلو قال : زوجتك من عندي ، أو امرأة ، أو حمل هذه الجارية ، لم يصح للجهالة.

وأن يكون ممن يحل نكاحه ، فلا يصح العقد بين الكافر والمسلم بلا خلاف. ولا بين المسلم وبين إحدى المحرمات عليه اللاتي قدمنا ذكرهن.

وأن يحصل الإيجاب والقبول ، وأيهما سبق جاز ، فلو قال : زوجنيها ، قال الولي : زوجتكها ، صح ، ويحتج على المخالف بما رووه من حديث سهل بن سعد (٢) فإنه قال : زوجنيها يا رسول الله ، فقال : زوجتكها بما معك من القرآن (٣) ، ولم يأمره بعد ذلك بالقبول.

ولو قال : أتزوجنيها؟ فقال : زوجتكها ، لم يصح حتى يقبل الإيجاب ، لأن السابق له استفهام ، ولو اقتصر القائل على قوله : قبلت ، صح العقد ، لأن ذلك جواب الإيجاب وهو منضم إليه ، فكأن معناه قبلت هذا التزويج بلا شبهة.

ومن شرط ذلك أن يكون بلفظ النكاح ، أو التزويج ، أو الاستمتاع في النكاح المؤجل عندنا ، مع القدرة على الكلام ، ولا يصح العقد بلفظ الإباحة ، ولا

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) تقدمت ترجمته ص ٨١.

(٣) سنن ابن ماجة : ١ ـ ٦٠٨ برقم ١٨٨٩ وسنن الترمذي : ٣ ـ ٤٢١ برقم ١١١٤ وسنن الدارمي : ٢ ـ ١٤٢ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٤٤ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ ـ ٣٣٦.

٣٤١

التحليل ، ولا التمليك ، ولا البيع ، ولا الإجارة ، ولا الهبة ، ولا العارية ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأن ما اعتبرناه في نكاح الدوام ، مجمع على انعقاده ، وليس على انعقاده بما عداه دليل.

ومن شرطه أن يكون صادرا ممن له ولاية ، والولاية (١) التي يجوز معها تزويج الصغيرة غير البالغ (٢) ـ سواء كانت بكرا أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ، ولا يكون لها بعد البلوغ خيار ، بلا خلاف بين أصحابنا ـ وتزويج البكر البالغ من غير إذنها ـ على خلاف بينهم في ذلك ـ مختصة بأبيها وجدها له في حياته ، فإن لم يكن الأب حيا فلا ولاية للجد ، ومن يختاره الجد أولى ممن يختاره الأب ، وليس لأحدهما فسخ العقد الذي سبق الآخر إليه ، وإن كان بغير إذنه ، والأولى بالأب استئذان الجد ، بدليل إجماع الطائفة.

ويحتج على المخالف في أن لا ولاية على الصغيرة إلا للأب والجد بما رووه من قوله عليه‌السلام لقدامة بن مظعون (٣) وقد زوج ابنة أخيه : إنها يتيمة وإنها لا تنكح إلا بإذنها (٤) ، ولا يجوز أن يقال : سماها يتيمة وإن كانت بالغا ، لقرب عهدها باليتم ، لأن ذلك رجوع عن الظاهر في الشرع بغير دليل ، لأنه لا يتم بعد الحلم ، على ما ورد به الخبر. (٥)

وعلى الأب أو الجد استئذان البكر البالغ ، وإذنها صماتها على ما ورد به

__________________

(١) «والولاية» مبتدأ وخبره قوله : «مختصة بأبيها».

(٢) بلغ الصبي بلوغا فهو بالغ ، والجارية بالغ أيضا بغير هاء ، فاستغنوا بذكر الموصوف وبتأنيثه عن تأنيث صفته كما يقال : امرأة حائض. المصباح المنير.

(٣) أبو عمرو ، قدامة بن مظعون بن حبيب بن وهب القرشي الجمحي ، هو أخو عثمان بن مظعون ، شهد بدرا وسائر المشاهد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مات سنة ٣٦ ه‍ ـ ، لاحظ أسد الغابة : ٤ ـ ١٩٨.

(٤) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٣٠ برقم ٣٧ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١١٣ و ١٢٠.

(٥) مستدرك الوسائل : ١٣ ـ ٤٢٨ ب ٢ من أبواب كتاب الحجر ح ٣ و ٤.

٣٤٢

الخبر (١) ، فإن عقد بغير إذنها ، فأبت العقد ، لم ينفسخ العقد عند من قال من أصحابنا : لهما إجبارها على النكاح ، وعند من قال منهم : ليس لهما ذلك ، ينفسخ (٢) ، وطريقة الاحتياط تقتضي اعتبار رضاها في صحة العقد ، لأنه لا خلاف في صحته إذا رضيت ، وليس كذلك إذا لم ترض ، وعلى هذا ، النكاح يقف على الإجازة ، سواء كانت من الزوج أو الولي أو المنكوحة.

ويحتج على المخالف في ذلك بما روي من أن امرأة بكرا أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : إن أبي زوجني وأنا كارهة ، فخيرها النبي عليه‌السلام (٣) ، وهذا يدل على أن النكاح يقف على الفسخ والإجازة.

ولا تعقد البكر على نفسها بغير إذنهما ، فإن عقدت وأبيا العقد انفسخ ، إلا أن يكونا قد عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء ، فإنه لا ينفسخ بدليل إجماع الطائفة.

ولا ولاية لغير الأب والجد على البكر ، ولا ولاية لهما ولا لغيرهما على البنت البالغ الرشيدة إلا أن تضع نفسها مع غير كف‌ء ، فيكون لأبيها أو جدها فسخ العقد.

والكفاءة تثبت عندنا بأمرين : الإيمان ، وإمكان القيام بالنفقة ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن ما اعتبرناه مجمع على اعتباره ، وليس على اعتبار ما عداه دليل.

وللثيب إذا كانت رشيدة أن تعقد على نفسها بغير ولي ، وكذا البكر إذا لم يكن لها أب ، وإن كان الأولى لهما رد أمرهما إلى بعض الصلحاء من الأقارب أو

__________________

(١) سنن البيهقي : ٧ ـ ١٢٢ باب إذن البكر الصمت وسنن الدارمي : ٢ ـ ١٣٨.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٤ ـ ١٦٢ : وأما الأبكار فلا تخلو أن تكون صغيرة أو كبيرة. وإن كانت كبيرة فالظاهر في الروايات أن للأب والجد أن يجبر على النكاح. وفي أصحابنا من قال : ليس له إجبارها على النكاح ، ولست أعرف له نصا.

(٣) سنن البيهقي : ٧ ـ ١١٧.

٣٤٣

الأجانب ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (١) ، فأضاف عقد النكاح إليها ، وهذا يقتضي بظاهره أنها المتولية لعقدها ، ومثل ذلك قوله سبحانه (فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ). (٢)

وما يتعلق به المخالف من قوله عليه‌السلام : أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل (٣) ، غير معتمد ، لأنه مقدوح في روايته ، مع أنه خبر واحد ، ومعارض بما ورد من طرقهم من قوله عليه‌السلام : الأيم أحق بنفسها من وليها (٤) ، والأيم التي لا زوج لها ، وهذا عام ، وقوله عليه‌السلام : ليس للولي مع الثيب أمر (٥) ، ولو سلم من ذلك كله لجاز حمله على الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها ، لأن الولي في اللغة والمولى بمعنى واحد.

ويشهد بهذا التأويل ، أنه قد روي من طريق آخر : أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها (٦) ، وقول المخالف : في الخبر ما يمنع من ذلك ، وهو قوله عليه‌السلام : «فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها» لأنه أضاف المهر إليها والأمة لا تملكه ، ليس بشي‌ء يعول على مثله ، لأن ذلك إنما جاز للعلقة التي بينهما وإن لم تملكه ، كما قال عليه‌السلام : من باع عبدا وله مال كان المال لمولاه. (٧)

__________________

(١ و ٢) البقرة : ٢٣٠ و ٢٣٢.

(٣) سنن الدار قطني : ١ ـ ٨٤ برقم ٢ و ٣ ـ ٢٢١ برقم ١٠ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١١١ و ٢١٩ و ١٢٥ وسنن الدارمي : ٢ ـ ١٣٧.

(٤) سنن الدارمي : ٢ ـ ١٣٨ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١١٥ و ١١٨ و ١٢٢ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٣٩ برقم ٦٥.

(٥) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٣٩ برقم ٦٦ و ٦٧ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١١٨ باب ما جاء في إنكاح الثيب.

(٦) سنن البيهقي : ٧ ـ ١٠٥ و ١٣٨.

(٧) سنن البيهقي : ٦ ـ ٢١٩ باب لا يرث المملوك و ٥ ـ ٣٢٤ باب ما جاء في مال العبد وفيه : فماله للبائع ونحوه في مسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٩ و ٨٢ و ١٥٠.

٣٤٤

وتعلقهم بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا نكاح إلا بولي (١) ، يسقط بمثل ما قدمناه من القدح ، والمعارضة ، وبأنه خبر واحد ، وبأنا نقول بموجبه ، لأن الولي هو الذي يملك العقد ، والمرأة عندنا هذه حالها ، فإذا عقدت النكاح كان ذلك نكاحا بولي ، ولفظة «ولي» تقع على الذكر والأنثى بغير شبهة على من يعرف اللغة ، كما تقع عليها لفظة «وصي» وبأنا نحمله على نفي الفضيلة ، كما قال عليه‌السلام : لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (٢) ، ولا صدقة وذو رحم محتاج. (٣)

الفصل الأول

وليس من شرط صحة العقد الشهادة ، بل من مستحباته ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (٤) فقد أمر تعالى (٥) بالنكاح ، ولم يشترط الشهادة ، ولو كانت شرطا لذكرها.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله (٦) ، ولا كلام يستباح به فرج المرأة إلا الإيجاب والقبول ، فيجب بظاهر الخبر حصول الاستباحة بذلك ، من غير أمر آخر سواه ، ولا يجوز حمل الخبر على أن المراد بكلمة الله قوله

__________________

(١) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٢٥ برقم ٢١ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٤ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٠٥ و ١٢٤ باب لا نكاح إلا بولي مرشد.

(٢) سنن الدار قطني : ١ ـ ٤٢٠ برقم ١ ، وسنن البيهقي : ٣ ـ ١١١ و ١٧٤.

(٣) الوسائل : ٦ ـ ٢٨٦ ب ٢٠ من أبواب الصدقة ح ٤.

(٤) النور : ٣٢.

(٥) في الأصل و «س» : بدليل الإجماع وأيضا فقد أمر تعالى.

(٦) المبسوط للسرخسي : ٥ ـ ٥٩ و ١٨١ والمغني : ٨ ـ ١٢٦ و ٩ ـ ٢٢٩ ، وكنز العمال : ١٦ ـ ٣٧٨.

قال ابن الأثير في جامع الأصول : ٦ ـ ٥٠٤ : «عوان» جمع عانية ، اي أسيرة ، شبه المرأة في دخولها تحت حكم الزوج بالأسير ، ولاحظ المجازات النبوية للشريف الرضي : ٢٢٦ برقم ٢٠٦.

٣٤٥

تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (١) ، وما أشبه ذلك ، لأن المستفاد به الإذن فيما يقع به تحليل الفرج ، وهو ما قلناه ، من الإيجاب والقبول ، ولهذا لا يستغنى بذلك عنها.

وتعلقهم بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل (٢) ، قد بينا الجواب عنه ، على أن أبا حنيفة لا يصح على مذهبه أن يزيد الشهادة بأخبار الآحاد ، لأن عنده أن كل زيادة في القرآن توجب النسخ ، ونسخ القرآن لا يجوز بأخبار الآحاد.

الفصل الثاني

وليس من شرط صحة عقد الدوام ذكر المهر بلا خلاف ، بل من مستحباته ، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) (٣) ، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح.

والمهر ما تراضي عليه الزوجان ، دائما كان العقد أو مؤجلا ، مما له قيمة ، ويحل تملكه (٤) ، قليلا كان أو كثيرا ، ويجوز أن يكون تعليم شي‌ء من القرآن ولو كان آية واحدة ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (٥) ، وفي موضع آخر (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٦) ، والاسم يتناول القليل والكثير ، وأيضا قوله تعالى (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) (٧) ، ولم يفرق بين القليل والكثير ، وعند المخالف

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٢٥ برقم ٢١ و ٢٢ و ٢٣ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٢٤ و ١٢٥.

(٣) البقرة : ٢٣٦.

(٤) في «س» : تمليكه.

(٥ و ٦) النساء : ٤ و ٢٤

(٧) البقرة : ٢٣٧.

٣٤٦

إذا فرض لها خمسة دراهم وجبت كلها.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : أدوا العلائق ، فقيل له : ما العلائق؟ فقال : ما تراضى عليه الأهلون (١) ، وقوله عليه‌السلام : من استحل بدرهمين فقد استحل (٢) ، وقوله عليه‌السلام : لا جناح على امرئ أصدق امرأة صداقا قليلا أو كثيرا (٣) ، وقوله عليه‌السلام للرجل الذي طلب منه تزويج المرأة : زوجتكها بما معك من القرآن (٤) ، بعد أن طلب منه أن يصدقها بشي‌ء ، وقال له : التمس ولو خاتما من حديد (٥).

والظاهر أنه عليه‌السلام جعل ما معه من القرآن صداقا ، لأنه لم يطلب الفضل والشرف ، وإنما طلب المهر ، ولأنه قال : «بما معك» والباء تدل على البدل والعوض ، ولو أراد الشرف لقال : لما معك من القرآن ، ولا يصح جعل القرآن صداقا إلا على وجه التعليم له ، وفي خبر آخر عن أبي هريرة أنه قال عليه‌السلام للرجل : قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك (٦) ، وهذا نص.

ولا يجوز (٧) أن يقول الإنسان لغيره : زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ،

__________________

(١) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٤٤ برقم ١٠ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٢٣٩ والأم : ٥ ـ ٥٩ والمغني لابن قدامة : ٨ ـ ٤ وفيه ان للصداق تسعة أسماء : الصداق والصدقة والمهر والنحلة والفريضة والأجر والعلائق والعقر والحباء. ثم نقل الحديث ونقله الشيخ في المبسوط : ٤ ـ ٢٧١ ، والخلاف كتاب الصداق المسألة ٢ ، ١٧ ، ٣٧.

(٢) الأم : ٥ ـ ٩٥ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٢٣٨ وفيه : «بدرهم» ونقله الشيخ في الخلاف ، كتاب الصداق ، المسألة ٢.

(٣) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٤٤ برقم ٧ و ٨ باختلاف يسير ، ونقله الشيخ في الخلاف كتاب الصداق المسألة ٢ كما في المتن.

(٤) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٤٧ برقم ٢١ وسنن البيهقي : ٧ ـ ١٤٤ وسنن الدارمي : ٢ ـ ١٤٢ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ ـ ٣٣٦.

(٥) تقدم مصدر الحديث آنفا.

(٦) سنن أبي داود : ٢ ـ ٢٣٦ برقم ٢١١٢ وبداية المجتهد : ٢ ـ ١٩.

(٧) في «ج» : ولا يصح.

٣٤٧

على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى ، لأن ذلك هو نكاح الشغار ، الذي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه ، ولا خلاف من أصحابنا في تحريمه. (١)

ويجوز جعل العتق مهرا ، بأن يقول لأمته : قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك ، ولو قال : قد أعتقتك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك ، ثبت العتق ، وكانت مخيرة في التزويج به.

وإذا عين المهر حالة العقد ، كان للزوجة أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض جميعه ، فإذا قبضته فله نقلها إلى منزله ، وليس لها الامتناع ، ولو دخل بها ، وهو أو بعضه باق في ذمته ، لم يكن لها منع نفسها منه حتى تقبض ذلك ، وإنما لها المطالبة به فقط.

وإذا لم يسم لها مهرا حالة العقد ، ودخل بها ، فإن كان أعطاها قبل الدخول شيئا ، وقبضته منه ، لم يكن لها غيره ، لأنها لو لم ترض به لما مكنته من نفسها ، وإن لم يكن أعطاها شيئا ، لزمه مهر مثلها ، ويعتبر في ذلك السن ، والنسب ، والجمال ، والتخصيص ، وكلما يختلف المهر لأجله ، فإن نقص عن مهر السنة ، وهو خمسمائة درهم فضة أو قيمتها خمسون دينارا ، لم يكن لها غيره ، وإن زاد على ذلك رد إليه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وإذا وقع العقد على عبد مجهول ، أو دار مجهولة ، صح ، وكان لها من أوسط العبيد أو الدور ، وإذا وقع على عين محرمة ، كالخمر ، وعين الغصب ، صح العقد وبطل المسمى بلا خلاف ، إلا من مالك (٢) وبعض أصحابنا (٣) ، ونبين صحة ما

__________________

(١) في «ج» : ولا خلاف في تحريمه.

(٢) لاحظ بداية المجتهد : ٢ ـ ٢٧ والمغني لابن قدامة : ٨ ـ ٢٣.

(٣) الشيخ : النهاية ـ ٤٦٩ والحلبي : الكافي ـ ٢٩٣ ونسب العلامة ـ قدس‌سره ـ في المختلف من الطبع القديم ص ٥٤١ هذا القول إلى الشيخ المفيد وابن البراج وما في النسخة المطبوعة من المقنعة والمهذب خلاف ذلك ، فلاحظ.

٣٤٨

اخترناه ، أن أكثر ما يلزم في هذه الصورة سقوط المسمى ، وذلك لا يؤثر في صحة العقد ، لأنا قد بينا أنه لا خلاف في صحته مع عدم ذكر المهر.

والزوجة تملك الصداق المسمى لها كله بنفس العقد ، وهو من ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ، ومن ضمانها إن تلف بعده ، خلافا لمالك ، فإن دخل بها أو مات عنه استقر كله بلا خلاف ، وإن طلقها قبل الدخول بها رجع بنصف العين التي قدمها ، دون الزيادة المنفصلة الحادثة في يد الزوجة ، كحمل الحيوان ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ) (١) ، والظاهر أن الكل لهن من غير فصل بين ما قبل الدخول وبعده.

ومن لم يسم لها مهر إذا طلقت قبل الدخول ، فلا مهر لها ، ولها المتعة ، ويعتبر بحال الزوج ، فعلى الموسر خادم أو دابة أو ما أشبه ذلك ، وعلى المتوسط ثوب أو ما أشبهه ، وعلى الفقير خاتم أو نحوه ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ). (٢)

وإذا أصدقها على أن لأبيها ألفا ، صح العقد بلا خلاف ، ويجب عليه الوفاء بما سمى لها ، وهو بالخيار فيما شرط لأبيها ، بدليل إجماع الطائفة ، ولو أصدقها وشرط أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، لصح النكاح والصداق ، وبطل الشرط ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فذلك شرط يخالف الكتاب والسنة ، فكان باطلا.

ولو شرط في النكاح أن لا يسافر بها ، لكان الأولى الوفاء بذلك ، لقوله عليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم (٣) ، وإذا شرط في النكاح أو فيه وفي الصداق معا خيار

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) البقرة : ٢٣٦.

(٣) بداية المجتهد : ٢ ـ ٢٩٦ والبحر الزخار : ٥ ـ ٧٦ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٧٩ و ٧ ـ ٢٤٩

٣٤٩

المدة ، بطل النكاح والصداق ، لأن ثبوت عقد النكاح حكم شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية ، وليس في الشرع ما يدل على ثبوت ذلك ها هنا.

ولو شرط الخيار في الصداق وحده ، لم يبطل النكاح ، وصح الشرط والصداق ، لقوله عليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم (١) ، وهذا شرط لا يخالف الكتاب والسنة ، فكان صحيحا. (٢)

ومن السنة في عقد الدوام الخطبة قبله ـ بلا خلاف إلا من داود فإنه قال : واجبة ـ والإعلان به ، والوليمة له ، واجتماع الناس ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بإيجاب شي‌ء من ذلك ، يفتقر إلى دليل.

الفصل الثالث

ولا يجوز للحر أن يجمع في عقد الدوام بين أكثر من أربع حرائر ، أو أمتين ، ولا للعبد أن يجمع بين أكثر من أربع إماء ، أو حرتين ، وإذا اجتمع عنده أربع حرائر ، لزم العدل بينهن في المبيت ، ولا يفضل واحدة إلا برضى الأخرى ، بلا خلاف ، فإن كان عنده زوجتان جاز أن يفضل إحداهما بليلتين ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فإن له حقا ، بدلالة أن له أن يتزوج اثنتين أخراوين ، فجاز أن يجعل نصيبهما (٣) لإحدى زوجتيه.

وإن كان له زوجتان حرة وأمة ، كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة ، بدليل

__________________

وكنز العمال : ٤ ـ ٣٦٣ برقم ١٠٩١٨ و ١٠٩١٩ ولفظ الحديث في بعضها : المسلمون. والتهذيب : ٧ ـ ٣٧١ برقم ١٥٠٣ كما في المتن.

(١) تقدم مصدره آنفا.

(٢) في «س» : فكان صحيحا هنا.

(٣) في الأصل و «س» : «أن يجعل نصيبه» والصحيح ما في المتن.

٣٥٠

الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف بما روى من قوله عليه‌السلام : من نكح أمة على حرة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة (١) ، وهذا نص ، وروي مثل ذلك عن علي عليه‌السلام (٢) ولا مخالف له في الصحابة.

وإن كان عنده زوجة أو أكثر ، فتزوج بأخرى ، فإن كانت بكرا ، فلها حق التقديم وحق التخصيص بسبعة أيام ، وإن كانت ثيبا ، فلها حق التقديم والتخصيص بثلاثة أيام ، من غير قضاء ، أو سبعة يقضيها في حق الباقيات ، ولها الخيار في ذلك ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ويحتج على المخالف في التخصيص ـ فإن التقديم لا خلاف فيه ـ بما رووه من قوله عليه‌السلام : للبكر سبع وللثيب ثلاث (٣) ، فأضاف إليهما ذلك بلام الملك ، وقوله لأم سلمة (٤) لما دخلت عليه : إن شئت سبعت عندك ، وسبعت عندهن ، وإن شئت ثلثت عندك ودرت. (٥)

الفصل الرابع

ويكره للحر أن يتزوج بأمة (٦) وهو يجد طولا للحرة ، ولا يخاف على نفسه

__________________

(١ و ٢) لاحظ سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٨٥ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٢٩٩ ونقله الشيخ في الخلاف كتاب القسم بين الزوجات المسألة ٣ كما في المتن.

(٣) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٨٣ برقم ١٤٠ والجامع الصغير : ٢ ـ ٤١٦ ونقله الشيخ في الخلاف كتاب القسم بين الزوجات المسألة ٦ ولاحظ سنن البيهقي : ٧ ـ ٣٠١ و ٣٠٢.

(٤) اسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كانت من المهاجرات إلى الحبشة وإلى المدينة ، لاحظ أسد الغابة : ٥ ـ ٥٨٨.

(٥) سنن البيهقي : ٧ ـ ٣٠٠ باب الحال التي يختلف فيها حال النساء ونقله الشيخ في الخلاف كتاب القسم بين الزوجات المسألة ٦ ولاحظ سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٨٣ و ٢٨٤.

(٦) في «ج» : أن يتزوج أمة.

٣٥١

العنت ، بدليل إجماع الطائفة ، ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ، ولا للحرة أن تتزوج عبدا إلا بإذن السيد ، فإن فعلا ذلك بغير إذنه ، كان العقد موقوفا على إجازته ، والولد حر مع الإذن ، إلا أن يشترط الرق ، ورق مع عدمه.

وإذا مات السيد أو باع العبد ، فالوارث والمبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، وكذا لو أعتق الأمة ، كان الخيار لها في ذلك ، سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، وإذا حصل الرضا من هؤلاء ، لم يكن لهم بعد الرضا خيار ، ولا توارث بين الزوجين إذا كان أحدهما رقا.

وإذا زوج عبده بأمة غيره فالطلاق بيد الزوج ، والولد ـ إن لم يكن هناك شرط أنه رق لأحد السيدين ـ بينهما في الملك على السواء ، ومن زوج عبده بأمته ، استحب له أن يعطيها شيئا من ماله مهرا ، والفراق بينهما بيده ، يأمر كل واحد منهما باعتزال صاحبه متى شاء ، وليس للزوج طلاق على حال ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

الفصل الخامس

وإذا كانت الزوجة ممن يصح الدخول بها ، لبلوغها تسع سنين فصاعدا ، وتسلمها الزوج ، لزمه إسكانها ، والإنفاق في كسوتها وإطعامها بالمعروف ، ولزمها طاعته في نفسها ، وملازمة منزله ، فإن عصته وهي مقيمة فيه ، وعظها وخوفها الله تعالى ، فإن لم يؤثر ذلك هجرها بالإعراض عنها ، واعتزال الفراش ، أو تحويل وجهه عنها فيه ، فإن لم يؤثر ذلك ضربها ضربا رفيقا (١) غير مؤثر في جسدها ، ولا يترك ما تضطر إليه من غذاء ولباس.

فإن خرجت من منزله بغير إذنه ، أو بإذنه وامتنعت من العود إليه ، سقط

__________________

(١) في «ج» : دقيقا.

٣٥٢

عنه فرض نفقتها ، وكان له ردها إليه وإن كرهت ، وتأديبها بما قدمناه ، قال الله تعالى (وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) (١) ، وقال كثير من أهل التفسير : معنى (تَخافُونَ) تعلمون ، ومن لم يقل ذلك ، وحمل الخوف على ظاهره ، لا بد أن يضمر : «وعلمتم ذلك منهن» لأن بمجرد الخوف من النشوز وقبل حصوله ، لا يفعل شي‌ء مما ذكرناه.

وأما الزوج إذا نشز على المرأة ، وكره المقام معها وهي راغبة فيه ، فلا بأس أن تبذل له على استدامة المقام معه شيئا من مالها ، وتسقط عنه فرض نفقتها والليلة التي لها منه ، ويصطلحا على ذلك ، قال الله تعالى (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ). (٢)

والشقاق بين الزوجين يكون بأن يكره كل واحد منهما صاحبه ، ويقع بينهما الخصام ، ولا يستقر بينهما صلح ، لا على طلاق (٣) ، ولا على مقام من غير شقاق ، وأيهما رفع الخبر إلى الحاكم ، فعليه أن يبعث رجلين مأمونين ، أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل المرأة ينظران بينهما ، فإن أمكنهما الإصلاح نجزاه (٤) ، فإن رأيا أن الفرقة أصلح ، أعلما الحاكم بذلك ، ليرى رأيه.

وليس له إجبار الزوج على الطلاق إلا أن يمنع من حقوق الزوجة واجبا عليه (٥) ، قال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما). (٦)

__________________

(١) النساء : ٣٤.

(٢) النساء : ١٢٨.

(٣) في «ج» : إلا على طلاق.

(٤) في «ج» : تحراه.

(٥) في «ج» : إلا أن يمنع من حقوق الزوجية ما وجب عليه.

(٦) النساء : ٣٥.

٣٥٣

ومن تزوج امرأة على أنها حرة فخرجت أمة ، أو بنت حرة فخرجت بنت أمة ، أو سليمة فخرجت مجذومة ، أو برصاء ، أو عمياء ، أو رتقاء ، أو مفضاة ، أو مجنونة ، أو عرجاء ـ ومن أصحابنا من ألحق بذلك كونها محدودة في الزنا (١) ـ كان له ردها ، وفسخ العقد بغير طلاق ، بإجماع الطائفة ، ويأخذ ما دفع إليها من المهر إلا أن يكون قد وطئها قبل العلم بالعيب ، فإنه يكون المهر لها بما استحل من فرجها ، ويرجع به على من تولى أمرها ، إن كان علم بالعيب ، ودلسها عليه.

وإن كانت أمة فرزق منها ولدا ، فإن كان عقد على أنها حرة بشهادة شاهدين لها بالحرية ، فالولد حر ، ويرجع السيد بقيمة الولد والمهر على من تولى أمرها ، وإن كان عقد من غير بينة بذلك ، فولدها رق ، ويلزم سيدها دفعه إلى الأب بالقيمة ، وعلى الأب دفعها إليه ، فإن لم يكن له مال استسعى فيها ، فإن أبى ذلك ، فعلى الإمام القيام بها من سهم الرقاب ، وعلى الأب لمولى الجارية ، عشر قيمتها إن كانت بكرا ، ونصف عشرها إن لم تكن كذلك.

وإن علم الزوج بأحد هذه العيوب ، فوطئها ، أو رضي به ، لم يكن له بعد ذلك رد ، ولا أخذ شي‌ء من المهر ، ويكون الولد من الأمة رقا لسيدها إن كان العقد بغير إذنه ، ولا يلزم دفعه بالقيمة بلا خلاف.

والحرة إذا تزوجت برجل على أنه حر ، فظهر عبدا ، أو سليم ، فظهر أنه مجنون ، أو عنين ، أو مجبوب ، فلها الرد ، ولا يرد الرجل بغير هذه العيوب ـ وحكم الولد من العبد ما قدمناه من حكم ولد الأمة ـ غير أن العنين يجب الصبر عليه سنة ، فإن تعالج ووصل إليها فيها ولو مرة واحدة ، فلا خيار لها في رده ، وإن لم يصل إليها في هذه المدة ، فلها الخيار ، وهذا حكم العنة الحادثة بعد الدخول والصحة ، بدليل إجماع الطائفة.

والجنون الحادث بعد الدخول ، إن كان يعقل معه أوقات الصلاة ، فلا خيار

__________________

(١) القاضي : المهذب : ٢ ـ ٢٣١.

٣٥٤

لها في فراقه ، وإن كان لا يعقل ذلك ، كان لها الخيار ، ولزم وليه أن يطلقها منه ، إن طلبت الفراق بلا خلاف بين أصحابنا.

وإذا حدث بالزوجة بعد الدخول أحد ما قدمناه من العيوب ، لم يكن للزوج به فسخ العقد ، وإنما يفارقها إذا شاء بالطلاق ، على خلاف بينهم في ذلك.

ويجوز لمن أراد نكاح امرأة أن ينظر إلى وجهها وكفيها ، بدليل إجماع الطائفة ، وقد روى جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها (١) ، وروى أبو الدرداء (٢) أنه قال : إذا طرح الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن يتأمل محاسن وجهها. (٣)

الفصل السادس

وأما نكاح المتعة تفتقر صحته إلى شرطين زائدين على ما تقدم من الشروط : أحدهما تعيين الأجر (٤) والثاني تعيين الأجل ، فإن ذكر الأجر دون الأجل كان دواما ، وإن ذكر الأجل فقط ، فسد العقد ، ويستحب ذكر ما عدا هذين الشرطين ، نحو أن يقول : على أن لا ترثيني ولا أرثك ، وأن أضع الماء حيث شئت ، وأنه لا

__________________

(١) رواه النووي في المجموع في شرح مهذب الشيرازي : ١٧ ـ ٢١٥ من الطبعة الوحيدة ، الناشر مكتبة الإرشاد ، جدة المملكة العربية السعودية ، كتاب النكاح.

(٢) عويمر بن مالك بن زيد بن قيس المعروف بأبي الدرداء الأنصاري الخزرجي ، وقيل : اسمه عامر بن مالك وعويمر لقبه ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعائشة وزيد بن ثابت ، وعنه ابنه بلال وزوجته أم الدرداء وسويد بن غفلة وغيرهم ، وآخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه وبين سلمان الفارسي ، مات في زمن عثمان قبل سنتين من موته وقيل : سنة ٣٢ ه‍ ـ لاحظ أسد الغابة : ٤ ـ ١٥٩ وتهذيب التهذيب : ٨ ـ ١٧٥.

(٣) رواه النووي في المجموع : ١٧ ـ ١٢٣ ـ ٢١٤ وأحمد بن حنبل في مسنده : ٤ ـ ٢٢٦ عن محمد بن سلمة باختلاف يسير.

(٤) في «ج» : تعيين المهر.

٣٥٥

سكنى لك ولا نفقة ، وعليك العدة إذا انقضت المدة.

والمتمتع بها لا يتعلق بها حكم الإيلاء ، ولا يقع بها طلاق ، ولا يصح بينها وبين الزوج لعان ، ويصح الظهار ، وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق ، ويدل على ذلك كله إجماع الطائفة ، ولا سكنى لها ، ولا نفقة ، ولا توارث بينهما ، بلا خلاف بينهم أيضا ، ولو شرط ذلك كله ، لم يجب أيضا عند بعض أصحابنا (١) ، لأنه شرط يخالف السنة ، وعند بعضهم يثبت بالشرط. (٢)

ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع ، ولا يلزم العدل بينهن في المبيت ، ويلحق الولد بالزوج ، ويلزم الاعتراف به إذا وطئ في الفرج وإن كان يعزل الماء ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ويدل أيضا على إباحة نكاح المتعة أن ذلك هو الأصل في العقل ، وإنما ينقل (٣) عن الأصل العقلي بدليل ، ولا دليل يقطع به في ذلك ، فوجب البقاء على حكم الأصل ، وأيضا فهذا النكاح كان مباحا في عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا خلاف ، وإنما ادعى النسخ ، وعلى من ادعاه الدليل.

وأيضا قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (٤) الآية ، والاستمتاع بالنساء بعرف الشرع مختص بهذا العقد ، فوجب حمل الآية عليه به.

فإن قيل : ما أنكرتم أن يكون المراد بالاستمتاع ها هنا الالتذاذ والانتفاع دون العقد المخصوص ، بدليل أن قوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) ، يتناول عقد الدوام بلا خلاف؟

قلنا : لا يجوز حمل لفظ الاستمتاع على ما ذكر لأمرين : أحدهما : أنه يجب

__________________

(١) الحلبي : الكافي ـ ٢٩٨.

(٢) الشيخ : النهاية ـ ٤٩٢.

(٣) كذا في الأصل : ولكن في «ج» و «س» : ينتقل.

(٤) النساء : ٢٤.

٣٥٦

حمل الألفاظ الواردة في القرآن على ما يقتضيه العرف الشرعي ، دون الوضع اللغوي ، على ما بيناه في أصول الفقه ، والثاني : أن الالتذاذ لا اعتبار به في وجوب المهر ، لأنا لو قدرنا ارتفاعه عمن وطئ زوجته ولم يلتذ ، لأن نفسه كرهتها ، أو لغير ذلك ، لوجب المهر بالاتفاق ، فيثبت أن المراد ما قلناه.

وأما إباحته تعالى بالآية نكاح الدوام ، فغير مناف لما ذكرناه ، من إباحة نكاح المتعة ، لأنه سبحانه عم الأمرين معا بقوله (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) ، ثم نص سبحانه نكاح المتعة بقوله (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً).

ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله بن عباس وابن مسعود ومجاهد (١) وعطاء (٢) من أنهم كانوا يقرأون : «(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) إلى أجل مسمى» (٣) وقوله تعالى (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) (٤) ، والمراد بذلك على ما اتفق عليه أصحابنا. ورووه عن آل الرسول عليه وعليهم‌السلام الزيادة من الزوج في الأجر ، ومن الزوجة في الأجل.

وتعلق المخالف (٥) بقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (٦) ، وادعاؤهم أن المتمتع بها ليست زوجة ، لأنها لا ترث ولا تورث ولا تبين بالطلاق ، ولا يلحقها حكم الإيلاء والظهار ، ولا يصح بينها وبين زوجها

__________________

(١) أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي المخزومي ، روى عن علي عليه‌السلام وسعد بن أبي وقاص وروى عنه عطاء و. ، مات سنة ١٠٠ وقيل ١٠٤ ه‍ ـ ، طبقات الفقهاء : ٥٨ وتهذيب التهذيب : ١٠ ـ ٤٢.

(٢) عطاء بن أبي رياح القرشي مولاهم أبو محمد المكي ، روى عن ابن عباس وأسامة ، وروى عنه ابنه يعقوب وأبو إسحاق ، مات سنة ١١٤ ه‍. طبقات الفقهاء : ٥٧ وتهذيب التهذيب : ٧ ـ ١٩٩.

(٣) سنن البيهقي : ٧ ـ ٢٠٥ ولاحظ مجمع البيان : ٣ ـ ٣٢.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) هو مبتدأ ، خبره قوله : «ليس بشي‌ء يعول».

(٦) المؤمنون : ٥ ـ ٧.

٣٥٧

لعان ، ولا يلحق الولد بزوجها ، ولا تعتد لانقضاء الأجل وللوفاة إذا كانت حرة ، كعدة الحرائر من الأزواج ، ولا تحلل للمطلق ثلاثا ، العود إلى الزوجة ، ولا يجب لها سكنى ولا نفقة (١) ، ليس بشي‌ء يعول على مثله ، لأن الأحكام الشرعية إنما تثبت بالأدلة الشرعية ، ولا مدخل فيها للقياس على ما بيناه في أصول الفقه. (٢)

وإذا ثبت ذلك ، وكان الدليل الشرعي قد قدر (٣) هذه الأحكام في المتمتع بها ، وجب القول بها ، ولم يجز قياسها على غيرها من الزوجات.

على أن ما ذكروه من الميراث ينتقض بالقاتلة لزوجها ، فإنها لا ترثه ، وبالزوجة إذا كانت ذمة أو أمة ، فإنه لا توارث بينها وبين زوجها.

وأما الطلاق فقد قام مقامه في الفرقة غيره في كثير من الزوجات ، كالملاعنة ، والمرتدة ، والأمة المبيعة ، والمالكة لزوجها ، فما أنكروا أن يكون انقضاء الأجل يقوم في الفرقة مقام الطلاق ، ولا يحتاج إليه؟! وليس لأحد أن يقول : فإلا وقع الطلاق قبل انقضائه؟! لأن كل من أجاز النكاح إلى أجل ، منع من وقوع الطلاق قبله ، فالقول بأحد الأمرين دون الآخر ، يبطله الإجماع.

وأما الإيلاء فإن الله تعالى علق حكم من لم يراجع ويكفر بالطلاق (٤) ، ولا يقع بالمتمتع بها طلاق ، فلا يلحقها حكم الإيلاء ، مع أنه قد يكون أجل المتعة أقل من الأجل المضروب في الإيلاء ، وهو أربعة أشهر ، فكيف يصح في هذا النكاح الإيلاء؟

وأما اللعان فعند أبي حنيفة أن الشرط في وقوعه بين الزوجين أن يكونا حرين مسلمين ، وعنده أن الأخرس لا يصح قذفه ولا لعانه ، فلا يصح له التعلق في نفي

__________________

(١) هذه الوجوه الثمانية التي استدل بها المخالف على أن المتعة ليست بزوجة ، قد أجاب عنها السيد المرتضى ـ قدس‌سره ـ بتفصيل ، لاحظ الانتصار ، ص ١١٤.

(٢) في «ج» : على ما بيناه فيما مضى في أصول الفقه.

(٣) في «ج» : قد قرر.

(٤) في «ج» : حكم من يراجع ولم يكفر بالطلاق.

٣٥٨

زوجية المتمتع بها بانتفاء اللعان.

وأما الظهار فيقع بالتمتع بها عندنا ، ويلحق الولد بأبيه في هذا النكاح ، بخلاف ما ظنوه.

وأما العدة إذا انقضى أجلها فقرءان ، وقد ثبت بلا خلاف أن عدة الأمة كذلك ، وإن كانت زوجة ، وإذا توفي زوجها قبل انقضاء الأجل ، فعدتها عندنا أربعة أشهر وعشرة أيام ، كعدة المعقود عليها عقد الدوام.

وما يتعلق به المخالف في تحريم المتعة من الأخبار ، أخبار آحاد لو سلمت من القدح في رواتها والمعارضة لها ، لم يجز العمل في الشرع بها ، فكيف وقد طعن أصحاب الحديث في رواتها ، وضعفوهم بما هو مسطور؟! وعارضها أخبار كثيرة في إباحة المتعة ، واستمرار العمل بها ، حتى ظهر من نهي عمر عنها ما نقله الرواة؟!

وقوله : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلالا أنا أحرمهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج (١) يبطل دعوى المخالف : أن النبي عليه‌السلام هو الذي حرمها ، لأنه اعترف بأنها كانت حلالا في عهده ، وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه.

فإن قيل : كيف يصرح بتحريم ما أحله النبي عليه‌السلام ، ولا ينكر ذلك عليه؟

قلنا : ارتفاع النكير يحتمل أن يكون للتقية ، ويحتمل أن يكون لشبهة ، وهي اعتقاد التغليظ والتشديد في إضافة النهي إليه ، وإن كان النبي عليه‌السلام هو الذي حرمها ، أو اعتقاد جواز نهي بعض الأئمة عما أباحه الله إذا أشفق في استمرار عليه من ضرر في الدين (٢).

__________________

(١) سنن البيهقي : ٧ ـ ٢٠٦ باب نكاح المتعة وكنز العمال : ١٦ ـ ٥١٩ برقم ٤٥٧١٥ ، ٤٥٧٢٢ والمغني لابن قدامة : ٧ ـ ٥٧٢ ، والغدير : ٦ ـ ٢١١.

(٢) وللسيد المرتضى قدس‌سره كلام في المقام جدير بالمطالعة ، لاحظ الانتصار : ١١٢

٣٥٩

وهذا الوجه هو الذي حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج عليه ، على أن المتمتع لا يستحق حدا من رجم ولا غيره باتفاق ، وقد قال عمر : لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا رجمته بالحجارة (١) ، وما أنكر أحد ذلك عليه ، ومهما اعتذروا به عن ذلك ، كان عذرا في ترك النكير لتحريم المتعة.

الفصل السابع

وأما ملك اليمين فيكون بأحد أسباب التمليك ، وإذا انتقلت إلى الملك بأحد أسبابه ، لم يجز وطؤها حتى تستبرئ بحيضة أو خمسة وأربعين يوما إن كانت ممن لا تحيض ، إلا أن يكون البائع لها قد استبرأها قبل البيع ، وهو ممن يوثق بأمانته ، فإنه لا يجب على المشتري ـ والحال هذه ـ استبراؤها ، وإنما يستحب له ذلك ، فإن كانت حاملا لم يجز له وطؤها في الفرج ـ حتى يمضى لها أربعة أشهر ـ إلا بشرط عزل الماء ، فإن لم يعزل لم يجز له بيع الولد ، ولا أن يعترف به ولدا ، بل يجعل له قسطا من ماله ، لأنه غذاه بنطفته ، بدليل إجماع الطائفة.

ولا يحل وطء الأمة إذا كان بعضها حرا وبعضها رقا ، بل يكون لمالك البعض من خدمتها في الزمان بمقدار ما يملكه منها ، ولها من نفسها بمقدار ما هو حر منها ، وقد روى أنه يجوز أن يعقد عليها في يومها عقد المتعة خاصة. (٢)

وإن كانت مشتركة بين شريكين لم يجز لأحدهما وطؤها ، إلا أن يحلله شريكه من ذلك ، على ما رواه أصحابنا (٣) ، ولا بد من اعتبار لفظ التحليل ، بأن يقول : حللتك من وطئها ، أو : جعلتك منه في حل ، وكذا لو كانت خاصة في الملك ، فإنه يجوز وطؤها لغير المالك بتحليله لها ، فإن وطئها أحد الشريكين من غير تحليل ، أثم

__________________

(١) كنز العمال : ١٦ ـ ٥٢٠ برقم ٤٥٧١٦ و ٤٥٧٢٥ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٢٠٦ باب نكاح المتعة باختلاف يسير ونقله السيد المرتضى في الانتصار ص ١١٢.

(٢) لاحظ النهاية : ٤٩٤ كتاب النكاح باب السراري وملك الأيمان.

(٣) لاحظ النهاية : ٤٩٤ كتاب النكاح باب السراري وملك الأيمان.

٣٦٠