غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

يستتاب ، ومتى لحق بدار الحرب وعاد إلى الإسلام ، والمرأة لم تخرج عن عدتها (١) كان أملك بها من غيره.

ولا تقتل المرتدة ، بل تحبس حتى تسلم أو تموت في الحبس ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من نهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قتل المرتدة ، ونهيه عن قتل النساء والولدان (٢) ولم يفصل ، وروى أصحابنا أن الزنديق ـ وهو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام ـ يقتل ولا تقبل توبته.

الفصل الرابع عشر :

في العدة

العدة على ضربين : عدة من طلاق وما يقوم مقامه ، وعدة من موت أو ما يجري مجراه.

والمطلقة على ضربين : مدخول بها وغير مدخول بها ، وغير المدخول بها لا عدة عليها بلا خلاف.

والمدخول بها لا تخلو إما أن تكون حاملا أو حائلا.

فإن كانت حاملا ، فعدتها أن تضع الحمل ، حرة كانت أو أمة ، بلا خلاف يعتد به ، وقوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٣) ، يدل على ذلك ، ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ

__________________

(١) في الأصل : من عدتها.

(٢) الجامع الصغير : ٢ ـ ٧٠٢ برقم ٩٤٩٦ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ١١٧ برقم ١١٨ وصحيح مسلم :

٥ ـ ١٤٤ كتاب الجهاد والسير باب تحريم قتل النساء والصبيان.

(٣) الطلاق : ٤.

٣٨١

ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١) ، لأن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها وناسخة لما تقدمها بلا خلاف ، ويبين ذلك أن قوله سبحانه (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) في غير الحوامل ، لأنه تعالى قال (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ) (٢) ، ومن كانت مستبينة الحمل لا يقال فيها ذلك ، وإذا كانت خاصة في غير الحوامل لم يعارض آية الحمل ، لأنها عامة في المطلقة وغيرها.

وإن كانت حائلا فلا يخلو إما أن تكون ممن تحيض أم لا ، فإن كانت ممن تحيض ، فعدتها إن كانت حرة ثلاثة قروء بلا خلاف ، وإن كانت أمة فعدتها قرءان بلا خلاف إلا من داود ، فإن عتقت في العدة تممتها عدة الحرة.

والقرء المعتبر ، الطهر بين الحيضتين ، بدليل إجماع الطائفة ، وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض ، فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر بلا خلاف ، وإن كانت أمة فخمسة وأربعون يوما.

وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر وليس في سنها من تحيض ، فقد اختلف أصحابنا في وجوب العدة عليها ، فمنهم من قال : لا تجب (٣) ، ومنهم من قال : يجب أن تعتد بالشهور ، وهو اختيار المرتضى رضي‌الله‌عنه (٤) وبه قال جميع المخالفين (٥) ، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك ، وأيضا قوله تعالى (وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ) (٦) ، وهذا نص ، وقوله تعالى (إِنِ ارْتَبْتُمْ) معناه على ما ذكره جمهور المفسرين : إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء ، وغير عالمين بمقدارها ، فقد روى

__________________

(١ و ٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الشيخ النهاية : ٥٣٢ والقاضي : المهذب : ٢ ـ ٣١٥ و ٣١٦.

(٤) الانتصار : ١٤٦.

(٥) في (ج) : وهو اختيار المرتضى وهي ثلاثة أشهر وبه قال جميع المخالفين.

(٦) الطلاق : ٤.

٣٨٢

أن أبي بن كعب قال : يا رسول الله أن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب ، الصغار والكبار وأولات الأحمال ، فأنزل الله تعالى (وَاللّائِي يَئِسْنَ) إلى قوله : (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (١).

ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها يائسة من الحيض أو غير يائسة ، لأنه تعالى قد قطع فيمن تضمنته الآية باليأس من المحيض بقوله (وَاللّائِي يَئِسْنَ) والمرتاب في أمرها لا تكون يائسة ، وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة وارتفاعه إلى قولها ، وكانت مصدقة فيما تخبر به من ذلك ، وأخبرت بأحد الأمرين ، لم يبق للارتياب في ذلك معنى ، وكان يجب لو كان الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول : (إذا ارتبن) لأن الحكم في ذلك يرجع إلى النساء ويتعلق بهن.

ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها ، لأنه لا ريب في ذلك. من حيث كان المرجع فيه إلى العادة ، على أنه لا بد فيما علقنا به الشرط وجعلنا الريبة واقعة فيه من مقدار عدة من تضمنته الآية ، من أن يكون مرادا ، من حيث لم يكن معلوما لنا قبل الآية ، وإذا كانت الريبة حاصلة فيه بلا خلاف تعلق الشرط به ، واستقل بذلك الكلام ، ومع استقلاله يتعلق الشرط بما ذكرناه ، ولا يجوز أن يعلق بشي‌ء آخر ، كما لا يجوز فيه لو كان مستقلا اشتراطه.

وأما ما يقوم مقام الطلاق :

فانقضاء أجل المتمتع بها ، وعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض ، وخمسة وأربعون يوما ، إن كانت ممن لا تحيض ، بدليل إجماع الطائفة.

والمتوفى عنها زوجها إن كانت حرة حائلا ، فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، سواء كانت صغيرة أو كبيرة ، مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، بلا خلاف ،

__________________

(١) الدر المنثور : ٨ ـ ٢١٠ ذيل الآية والقرطبي : ١٨ ـ ١٩٣ ذيل الآية.

٣٨٣

وقد دخل في هذا الحكم ، المطلقة طلاقا رجعيا ، إذا توفي زوجها وهي في العدة ، لأنها زوجته على ما بيناه فيما مضى ، وهذه عدة المتمتع بها ، إذا توفي عنها زوجها قبل انقضاء أيامها ، وعدة أم الولد لوفاة سيدها ، وعدتها لو زوجها سيدها وتوفي زوجها.

وإن كانت الوفاة بعد ما انقضت أيام المتمتع بها ، فعدتها شهران وخمسة أيام ، سواء كانت في العدة أم لا ، وهذه عدة الزوجة إذا كانت أمة ، فإن عتقت وهي في العدة فعليها أن تكمل عدة الحرة ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

وإن كان المتوفى عنها زوجها حاملا ، فعليها أن تعتد عندنا خاصة بأبعد الأجلين ، فإن وضعت قبل انقضاء الأيام المعينة لها لم تنقض عدتها حتى تكمل تلك المدة ، وإن كملت قبل وضع الحمل لم تنقض عدتها حتى تضع الحمل ، بدليل الإجماع المشار إليه (١) ، وطريقة الاحتياط ، ولأن العدة عبادة تستحق عليها الثواب ، وإذا كان الثواب فيما ذهبنا إليه أوفر ، لأن المشقة فيه أكثر ، كان أولى من غيره.

وقوله تعالى (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٢) ، معارض بقوله تعالى (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً). (٣)

وأما ما يجري مجرى الموت فشيئان :

أحدهما : غيبة الزوج ، التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا ، فإنها إذا لم تختر الصبر على ذلك ، ورفعت أمرها إلى الإمام ، ولم يكن له ولي يمكنه الإنفاق عليها ،

__________________

(١) في (ج) : بدليل إجماع الطائفة المشار إليه.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) البقرة : ٢٣٤.

٣٨٤

فيلزمه الإمام ذلك ، حتى يجب عليها الصبر ، ويبعث الإمام من يتعرف خبره في الآفاق ، فإن لم يعرف له خبر حتى انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام ، فعدتها عدة المتوفى عنها زوجها.

والثاني : الارتداد عن الإسلام على الوجه الذي لا يقبل التوبة منه ، بدليل الإجماع المشار إليه ، فأما ما تصح التوبة منه ، فقد روى أن عدتها ثلاثة أشهر.

وحكم العدة في الطلاق الرجعي أن لا تخرج المرأة من بيت مطلقها إلا بإذنه ، ولا يجوز له إخراجها منه إلا أن تؤذيه ، أو تأتي فيه بما يوجب الحد ، فيخرجها لإقامته ويردها ، ولا تبيت إلا فيه ، ولا يردها إذا أخرجها للأذى ، وروى أن أقل ما يحصل به الأذى أن تخاصم أهل الرجل. (١)

وتجب النفقة في عدة الطلاق الرجعي بلا خلاف ، ولا تجب في عدة البائن بدليل إجماع الطائفة ، ولأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها يحتاج إلى دليل ، إلا أن تكون حاملا ، فإن النفقة تجب لها بلا خلاف ، لقوله تعالى (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٢) ، ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا بلا خلاف ، وإن كانت حاملا أنفق عليها عندنا خاصة من مال ولدها ، حتى تضع الحمل.

وتبيت المتوفى عنها زوجها حيث شاءت ، ويلزمها الحداد بلا خلاف ، وهو اجتناب الزينة في الهيئة ومس الطيب واللباس ، ولا يلزم المطلقة وإن كانت بائنة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه ، ودلالة الأصل وقوله تعالى (٣) (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ). (٤)

__________________

(١) الوسائل : ١٥ ب ٢٣ من أبواب العدد برقم ١ ، ٢ ، ٥ و ٦.

(٢) الطلاق : ٦.

(٣) في الأصل : ودلالة قوله تعالى :

(٤) الأعراف : ٣٢.

٣٨٥

وتلزم عدة الوفاة للغائب عنها زوجها من يوم يبلغها الخبر ، بلا خلاف بين أصحابنا ، ولأن العدة من عبادات المرأة ، فلا تصح إلا بنية في ابتدائها ، وهذا حكم العدة من الطلاق على خلاف بين أصحابنا في ذلك.

الفصل الخامس عشر :

في أحكام الأولاد

السنة في المولود أن يحنك عند وضعه بماء الفرات إن وجد أو بماء عذب ، فإن لم يوجد إلا ملحا ، جعل فيه عسل أو تمر ، وأن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى ، وأن يحلق رأسه في اليوم السابع ، ويتصدق بزنة شعره (١) ذهبا أو فضة ، وأن يختن ويسمى بأحسن الأسماء وأفضلها اسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام.

وأن يعق في هذا اليوم عن الذكر بذكر من الضأن ، وعن الأنثى بأنثى ، ويعطي القابلة ربع العقيقة ، ويكون ذلك الورك بالرجل ، إلا أن تكون ذمية ، فإنها لا تعطى من اللحم شيئا ، بل تعطى قيمته.

ويطبخ الباقي من اللحم ، ويدعى إلى تناوله جماعة من فقراء المؤمنين ، وإن فرق اللحم عليهم جاز ، والأول أفضل ، ولا يأكل الأبوان من العقيقة شيئا ، ولا خلاف بين أصحابنا في ذلك كله إلا في العقيقة ، فإن منهم من يقول : إنها واجبة (٢) ومنهم من يقول : سنة مؤكدة (٣).

__________________

(١) في (ج) : بوزن شعره.

(٢) قال العلامة ـ قدس‌سره ـ : المشهور أن العقيقة مستحبة وليست واجبة وقال السيد المرتضى وابن الجنيد : انها واجبة. المختلف ص ٥٧٦ ط القديم.

(٣) الشيخ : النهاية ص ٥٠١. والحلبي : الكافي ص ٣١٤.

٣٨٦

ولا تجبر الحرة على رضاع ولدها ، وتستحق أجرة على أبيه ، فإن كان قد مات استحقته من مال الولد ، وهي أحق برضاعه ، إلا أن تطلب من الأجر برضاعه (١) ، أكثر مما قد رضى به غيرها.

والمطلقة أحق بالذكر من الأب مدة الرضاع ، وبعدها الأب أحق به ، فإن كان أنثى ، فالأم أحق بها إلى سبع سنين ، إلا أن تتزوج ، فيكون الأب أحق على كل حال ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

واعلم أن أقل الحمل ستة أشهر ، لقوله تعالى (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) (٢) وقوله (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (٣) ، وأكثره في غالب العادة تسعة أشهر ، بلا خلاف ، وينضاف إلى ذلك أشهر الريب ، وهي ثلاثة أشهر ، وهي أكثر أيام الطهر بين الحيضتين ، فتصير أكثر مدة الحمل سنة ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأن ما ذهبنا إليه من أكثر مدة الحمل مجمع عليه ، وليس على قول من ذهب إلى أن أكثره سنتان ، أو أربع ، أو سبع ، دليل. (٤)

وعلى ما ذكرناه إذا طلق الرجل زوجته ، أو مات عنها ، فتزوجت ، وجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا ، من يوم دخل الثاني بها ، فهو لاحق به ، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر ، لحق بالأول إن كان مدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها ، وإن كان مدة ذلك أكثر من سنة لم يلحق به ، ولا يحل للرجل الاعتراف بالولد في الموضع الذي قلنا إنه لا يلحق به فيه.

__________________

(١) في (س) وحاشية الأصل : برضاعته.

(٢) الأحقاف : ١٥.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) قال السيد المرتضى ـ قدس‌سره ـ في الانتصار ص ١٥٤ : ومما انفردت به الإمامية القول : بأن أكثر مدة الحمل سنة واحدة ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ، فقال الشافعي : أكثر الحمل أربع سنين ، وقال الزهري والليث وربيعة : أكثره سبع سنين ، وقال أبو حنيفة : أكثره سنتان. وعن مالك فيه ثلاث روايات : إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين ، والثانية خمس سنين ، والثالثة سبع سنين.

٣٨٧

فصل

في العتق والتدبير والمكاتبة

لا يصح العتق إلا من كامل العقل غير مولى على مثله ، مختار له قاصد إليه ، متلفظ بصريحه ، مطلق له من الشروط ـ إلا بالنذر ـ موجه به إلى مسلم أو من هو في حكمه ، متقرب به إلى الله تعالى.

فلا يقع العتق من طفل ، ولا مجنون ، ولا سكران ، ولا محجور عليه ، ولا مكره ، ولا ساه ، ولا حالف ، ولا بالكتابة أو الإشارة ، مع القدرة على النطق باللسان ، ولا بكنايات العتق كقوله : أنت سائبة ، أو : لا سبيل لي عليك ، ولا بقوله : إن فعلت كذا فعبدي حر ، ولا بكافر (١) ولا للأغراض الدنيوية من نفع أو دفع ضرر أو إضرار بالغير ، ويدل على وجوب اعتبار هذه الشروط إجماع الطائفة ، وأيضا فلا خلاف في صحة العتق مع تكاملها ، ولم يقم بصحته مع اختلال (٢) بعضها دليل.

وإذا أعتق مالك العبد ، نصفه ، أو ربعه ، أو ما زاد على ذلك ، أو نقص منه ، عتق الجميع ، وإن كان العبد مشتركا ، فأعتق أحد الشريكين نصيبه ، انعتق ملكه خاصة ، إلا أنه إن كان موسرا ، طولب بابتياع الباقي ، فإذا ابتاعه انعتق الجميع ، وإن كان معسرا استسعى العبد في قيمة باقية ، فإذا أداها عتق جميعه ، فإن عجز عن ذلك كان بعضه عتيقا ، وبعضه رقيقا ، بدليل الإجماع المشار إليه.

__________________

(١) في الأصل و (ج) : ولا بكاف.

(٢) في (ج) : وليس على صحته مع اختلال.

٣٨٨

والعتق في مرض الموت من أصل التركة إن كان واجبا ، وإن كان متبرعا به ، فهو من الثلث ، فإن كان المتبرع به لجماعة عبيده ، ولا مال له غيرهم ، استخرج ثلثهم بالقرعة ، وإن كان لواحد ولا مال له غيره ، عتق ثلثه واستسعى في باقيه ، وإن كان على الميت دين ، فإن كان ثمن العبد مثل الدين مرتين ، صح العتق واستسعى العبد في قضائه ، وإن كان أقل من ذلك لم يصح العتق.

ولا يجوز أن يعتق في الكفارة الأعمى ولا الأعرج ولا الأشل ولا المجذوم.

وإذا أعتق مملوكه (١) وله مال يعلم به فهو للمعتق ، وإن لم يعلم به ، أو علم فاشترطه لنفسه فهو له ، وينبغي أن يقول : مالك لي وأنت حر ، فإن قال : أنت حر ومالك لي ، لم يكن له على المال سبيل ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

والتدبير عتق بعد الوفاة ، ويفتقر صحته إلى شروط العتق المنجز في الحياة ، وقد بينا في باب البيع ، الموضع الذي يجوز بيعه فيه ، فلا نطول بإعادته.

وأما المكاتبة فهي أن يشترط المالك على عبده أو أمته تأدية شي‌ء معلوم يعتق بالخروج منه إليه ، وهي بيع العبد من نفسه ، وقد بينا في باب البيع أيضا أنها على ضربين : مشروطة وغير مشروطة ، [وبينا جواز بيعه على وجه] (٢) ويدل على ذلك إجماع الطائفة ، ولأن الكتابة عقد يتعلق بالشرط الذي يتراضيانه (٣) فيجب أن يكون بحسب ذلك الشرط ، وقوله عليه‌السلام : المؤمنون عند شروطهم (٤) يدل على ذلك.

وإذا أدى المكاتب من غير شرط شيئا من مال الكتابة ، عتق منه بحسابه ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن الرقبة قد جعلت بإزاء المال ، فيجب أن يتحرر من

__________________

(١) كذا في الأصل : ولكن في (ج) و (س) : مملوكا.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في (ج).

(٣) في (ج) : يتراضيان به.

(٤) بداية المجتهد : ٢ ـ ٢٩٦ والتهذيب : ٧ ـ ٣٧١ برقم ١٥٠٣ والاستبصار : ٣ ـ ٢٣٢ برقم ٨٣٥ والوسائل : ١٥ ـ ٣٠ ح ٤ ب ٢٠ من أبواب المهور.

٣٨٩

الرقبة بمقدار ما يؤدي من المال.

ولا يجوز للرجل وطء أمته المكاتبة ، سواء كانت الكتابة (١) مطلقة أو مشروطة بلا خلاف ، فإن وطئها وكانت مشروطا عليها لم يحد ، لأن هناك شبهة يسقط بها الحد ، وإن كانت غير مشروط عليها ، وقد أدت من مال الكتابة شيئا ، كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها ، بدليل إجماع الطائفة.

ولا يجوز مكاتبة الكافر (٢) للإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (٣) ، وحمل ذلك على الإيمان والدين ، أولى من حمله على المال والتكسب ، لأنه لا يقال للكافر ـ وإن كان موسرا أو مكتسبا ـ أن فيه خيرا ، ولا أنه خير ، ويقال ذلك لمن كان فيه إيمان ودين ، وإن لم يكن مكتسبا ولا ذا مال ، ولو تساوى ذلك في الاحتمال ، لوجب الحمل على الجميع.

__________________

(١) في (ج) : كانت المكاتبة.

(٢) في (ج) : مكاتبة العبد الكافر.

(٣) النور : ٣٣.

٣٩٠

فصل

في اليمين والعهد والنذر

لا يمين شرعية إلا بالله تعالى ، أو اسم من أسمائه الحسنى ، دون غيرها من كل مقسوم به ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فالحالف بغير الله تعالى عاص بمخالفة المشروع (١) من كيفية اليمين ، وإذا كان انعقاد اليمين ولزوم الكفارة بالحنث حكما شرعيا لم يثبت بالمعصية ، وأيضا الأصل براءة الذمة ، وشغلها يفتقر إلى دليل.

واليمين المنعقدة الموجبة للكفارة بالحنث ، هي أن يحلف العاقل المالك لاختياره أن لا يفعل في المستقبل قبيحا أو مباحا لا ضرر عليه في تركه ، أو أن يفعل طاعة أو مباحا لا ضرر عليه في فعله مع عقد اليمين بالنية ، وإطلاقها من الاستثناء بالمشيئة (٢) فيخالف ما عقد اليمين عليه ، مع العمد والاختيار ، بدليل الإجماع المشار إليه ، لأنه لا خلاف في انعقاد اليمين في المواضع التي ذكرناها (٣) ، وليس على انعقادها فيما سواها دليل.

ويخص النية قوله تعالى (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (٤) ، وعقد اليمين لا يكون إلا بالنية ، ويحتج على

__________________

(١) في (س) : بمخالفة الشرع وفي (ج) : لمخالفة الشرع.

(٢) في حاشية الأصل : من الاشتراط بالمشيئة.

(٣) في (ج) : في الموضع الذي ذكرناه.

(٤) المائدة : ٨٩.

٣٩١

المخالف في سقوط الكفارة بالسهو والإكراه بقوله عليه‌السلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (١)

واليمين التي لا تنعقد ، ولا كفارة فيها ، ما عدا ما ذكرناه ، مثل أن يحلف الإنسان على يمين (٢) هو كاذب فيه ، أو يقول : لا والله ، وبلى والله ، من غير أن يعقد ذلك بنية ، وهذه يمين اللغو ، أو يحلف أن يفعل ، أو يترك ما يكون خلافه طاعة لله تعالى ، واجبة أو مندوبا إليها ، أو يكون أصلح له في دنياه.

ويحتج على المخالف في هذا بقوله عليه‌السلام : من حلف على شي‌ء فرأى ما هو خير منه فليأت الذي هو خير منه وتركه كفارته (٣) ، ويخص اليمين على المعصية ، أن معنى انعقاد اليمين ، أن يجب على الحالف ، أن يفعل أو يترك ما علق اليمين به ، وهذا لا يصح في المعصية ، لأن الواجب تركها ، وليس لأحد أن يقول : معنى انعقاد اليمين لزوم الكفارة بالمخالفة ، لأن ذلك تابع لانعقاد اليمين وموجب عنه ، فكيف يفسر الانعقاد به؟

وكفارة اليمين عتق رقبة ، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فمن لم يجد صام (٤) ثلاثة أيام ، والكسوة على الموسر ثوبان ، وعلى المعسر ثوب ، والإطعام شبع المسكين في يومه.

ولا كفارة قبل الحنث ، ولا يمين للولد مع والده ، ولا للعبد مع سيده ، ولا للمرأة مع زوجها ، فيما يكرهونه من المباح.

__________________

(١) الجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ برقم ٤٤٦١ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٢٥٦ و ١٠ ـ ٦١ ، وفيه : (تجاوز الله عن أمتي) والوسائل : ٣ ـ ٢٧٠ ح ٦ و ٧ و ٨ ب ١٢ من أبواب لباس المصلي.

(٢) كذا في (ج) ولكن في الأصل : (على ماض) وفي (س) : على ما مضى.

(٣) الجامع الصغير : ٢ ـ ٥٩٦ برقم ٨٦٤١ وكنز العمال : ١٦ ـ ٧٢٢ برقم ٤٦٥٢٤ و ٤٦٥٢٧ وسنن البيهقي : ١٠ ـ ٥٣ ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٢٠٤ و ٣٦٠ و ٣ ـ ٧٦ و ٤ ـ ٢٥٦ باختلاف يسير.

(٤) في (ج) : فصيام.

٣٩٢

ولا يجوز اليمين بالبراءة من الله ، أو من رسوله ، أو أحد الأئمة عليهم‌السلام ، فإن فعل أثم ، ولزمه ـ إن خالف ما علق البراءة به ـ كفارة ظهار ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

ومن قال : علي عهد الله أن أفعل كذا من الطاعات ، أو أترك كذا من المقبحات ، كان عليه الوفاء ، ومتى خالف لزمه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا ، مخير في ذلك ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

وأما النذر فهو أن يقول : لله علي كذا إن كان كذا ، ويلزم الوفاء متى حصل ما نذر فيه ، ـ وقد دللنا على وجوب ذلك فيما تقدم من الكتاب في باب الصلاة ـ فإن لم يفعل لزمه كفارة نقض العهد ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ومتى قال : علي كذا إن كان كذا ، ولم يقل : لله ، أو قال : لله علي كذا ، ولم يقل : إن كان كذا ، لم يكن ناذرا ، ولم يلزمه بالمخالفة كفارة ، لأن ما اعتبرناه (١) مجمع على انعقاد النذر به ، ولا دليل على انعقاده من دونه ، وقد روي عن ثعلب أنه قال : النذر عند العرب وعد بشرط ، ومن أصحابنا من أجرى قول القائل : لله علي كذا ، من غير شرط مجرى العهد. (٢)

ولا ينعقد نذر المعصية ، ولا النذر فيها ، بدليل ما قدمناه من الإجماع ونفي الدليل الشرعي على انعقاده ، وأيضا فمعنى انعقاد النذر أن يجب على الناذر فعل ما أوجبه على نفسه ، وإذا انتفى بالإجماع أن تجب المعصية على حال ، ثبت أن النذر لا ينعقد فيها ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا نذر في معصية. (٣)

__________________

(١) في (ج) : لأن ما ذكرناه.

(٢) الشيخ : النهاية ، ص ٥٦٤ والخلاف كتاب النذور ، المسألة ١.

(٣) سنن البيهقي : ١٠ ـ ٦٩ و ٧٠ وكنز العمال : ١٦ ـ ٧١٣ و ٧١٤ برقم ٤٦٤٧٩ و ٤٦٤٨٢ و ٤٦٤٨٥.

٣٩٣

فصل

في الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة

لا يجوز الصيد عندنا إلا بالكلب المعلم ، دون غيره من سباع الوحش والطير ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١) لأنه سبحانه لما أتى بلفظة (مكلبين) وهي تختص الكلاب ، علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع ما استحق هذا الاسم ، وإنما أراد الكلاب خاصة ، ويجري ذلك مجرى أن يقال : ركب القوم مبقرين أو مجمزين ، في أنه يختص ركوب البقر والجمازات (٢) وإن كان اللفظ الأول عام الظاهر.

ولا يجوز حمل لفظة (مكلبين) في الآية على أن المراد بها التضرية للجوارح ، والتمرين لها ، حتى يدخل في ذلك غير الكلاب ، لأن (مكلبا) عند أهل اللغة ، هو صاحب الكلاب بلا خلاف بينهم ، وقد نص على ذلك صاحب كتاب الجمهرة (٣) وأنشد قول الشاعر :

تباري مراخيها الزجاج كأنها

ضراء أحست نبأة من مكلب

__________________

(١) المائدة : ٤.

(٢) في (س) : و (الجميزاء) والجمازة : مركب سريع يتخذه الناس في المدن لاحظ المعجم الوسيط.

(٣) تأليف أبي بكر محمد بن الحسن بن دريد ، والشاعر هو طفيل الغنوي لاحظ جمهرة اللغة :

١ ـ ٣٧٦ وانظر ترجمة الشاعر في الأغاني : ١٥ ـ ٣٤٩. وقال الحلي في السرائر : ٣ ـ ٨٣ بعد نقل قول الشاعر : يصف خيلا ، والمراخي جمع مرخاء ، وهي السريعة العدو ، والزجاج جمع زج والضراء جمع ضرورة وهي الكلبة.

٣٩٤

ولم يقل أحد من أهل اللغة أن المكلب هو المضري والمعلم ، على أن حمل مكلبين على ما ذكروه يقتضي التكرار ، لأنا قد استفدنا هذا المعنى من قوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ) وحملها على ما قلناه يفيد زيادة على ذلك ، وهو أن هذا الحكم يختص بالكلاب دون غيرها.

والكلب يعتبر في كونه معلما ، أن يرسله صاحبه فيسترسل ، ويزجره فينزجر ، ولا يأكل مما يمسكه ، ويتكرر هذا منه ، حتى يقال في العادة : إنه معلم ، وما هذا حاله ، يحل أكل ما قتله ، بلا خلاف إذا سمى صاحبه المسلم عند إرساله ، وفي ذلك خلاف. (١)

والتسمية شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح ، بدليل إجماع الطائفة ، وطريق الاحتياط وقوله تعالى (وَلا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) (٢) ، وإنما أخرجنا من هذا الظاهر ما تركت التسمية عليه سهوا أو نسيانا ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل (٣) ، فأباح ذلك بشرط الإرسال والتسمية ، وفي خبر آخر : فكل وإلا فلا.

ولا يحل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب ، وكان أكله معتادا ، لأن ذلك يخرجه عن كونه معلما ، على ما قلناه ، ولقوله تعالى (فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) (٤) ، وما هذه حاله ممسك على نفسه دون صاحبه ، فإن كان أكله نادرا لم يخرجه عن كونه معلما ، لأن العاقل إذا لم يخرجه السهو والغلط فيما كان عالما به ، عن كونه عالما بذلك بالإطلاق ، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أولى.

__________________

(١) الخلاف في التسمية واقع عند العامة. لاحظ الخلاف كتاب الصيد والذباحة المسألة ٦.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) سنن البيهقي : ٩ ـ ٢٣٥ و ٢٣٧ وكنز العمال : ٩ ـ ٢٣٦ برقم ٢٥٨١٢.

(٤) المائدة : ٤.

٣٩٥

وكل صيد أخذ حيا ولم تدرك ذكاته ، لا يحل أكله ، ولا يحل أكل ما قتله غير كلب المسلم المعلم من الجوارح ، ولا ما قتله الكلب إذا انفلت من صاحبه ولم يرسله ، أو كان المسمي عند إرساله غير صاحبه الذي أرسله ، أو شاركه في القتل غير واحد من الكلاب المعلمة ، ولم يسم أحد أصحابها ، وكذا حكم كل صيد وجد مقتولا ، بعد ما غاب عن العين ، أو سقط في ماء ، أو من موضع عال ، أو ضرب بسيف فانقطع نصفين ولم يتحرك واحد منهما ، ولا سال منه دم ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه ، وطريقة الاحتياط.

ولا يحل أكل ما قتل من مصيد الطير بغير النشاب ، ولا به إذا لم يكن فيه حديد ، بدليل ما قدمناه ، وما عدا الطير من صيد البر يحل أكل ما قتل منه بسائر السلاح ـ وإن كان قتله بالعقر في غير الحلق واللبة (١) من بدنه ـ بلا خلاف ، بشرط كون المتصيد مسلما ، بدليل إجماع الطائفة.

وحكم ما استعصى من الأنعام أو وقع في زبية (٢) وتعذر نحره أو ذبحه ، حكم الوحش في صحة ذكاته بسائر السلاح ، على أي وجه كان ، وفي ذلك خلاف ، ويدل عليه إجماع الطائفة.

والنحر في الإبل ، والذبح فيما عداها ، هو السنة بلا خلاف ، ولا يجوز في الإبل الذبح وفيما عداها النحر ، فإن ذبح الإبل مع القدرة والتمكين من نحرها ، أو نحر ما عداها فكذلك لم يحل الأكل (٣) بدليل إجماع الطائفة.

وإذا أراد نحر شي‌ء من الإبل ، عقل يديه ، وطعنه في لبته وهو بارك ، ويذبح ويضجع ما عدا الإبل ، فإن كان من الغنم ، عقل يديه وأحد رجليه ، وإن كان من البقر ، عقل يديه ورجليه.

__________________

(١) اللبة : موضع الذبح ، والتاء زائدة ، لسان العرب.

(٢) الزبية : حفره في موضع عال يصاد فيها الأسد ونحوه والجمع (زبى). المصباح المنير.

(٣) كذا في (ج) ولكن في الأصل و (س) : فإن فعل ذلك لم يحل الأكل.

٣٩٦

ولا تكون الذكاة صحيحة مبيحة للأكل إلا بقطع الحلقوم والودجين والمري على الوجه الذي قدمناه ، مع التمكن من ذلك بالحديد ، أو ما يقوم مقامه في القطع عند فقده ، من زجاج ، أو حجر أو قصب ، مع كون المذكي مسلما ، ومع التسمية ، واستقبال القبلة ، بدليل ما قدمناه.

ولا تحل التذكية بالسن والظفر المتصلين بلا خلاف ولا بالمنفصلين ، وفي ذلك خلاف ، وطريقة الاحتياط تمنع من ذلك بعد إجماع الطائفة.

ولا تحل ذبائح الكفار ، لأنهم لا يرون التسمية فرضا ولا سنة ، ولأنهم لو سموا لما كانوا مسمين لله تعالى ، لأنهم غير عارفين به سبحانه ، ولا في حكم العارفين ، ولا يلزم على ذلك تحريم ما يذبحه الصبي الذي يحسن الذبح ، لأنه غير كافر ، وفي حكم العارف ، ولأنا نخرجه من ظاهر الآية بدليل.

ولا يحل أكل كل ذبيحة تعمد فيها (١) قلب السكين والذبح من أسفل إلى فوق ، أو فصل الرأس منها ، أو سلخ جلدها قبل أن تبرد بالموت ، أو لم تتحرك ، أو تحركت ولم يسل منها دم ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.

وذكاة ما أشعر أو أوبر من الأجنة ذكاة أمه ، إن خرج ميتا حل أكله ، وإن خرج حيا فأدركت ذكاته أكل وإلا فلا ، وإن لم يكن أشعر أو أوبر لم يحل أكله إذا خرج ميتا ، بدليل إجماع الطائفة.

وذكاة السمك والجراد صيد المسلم له فقط ، ومن أصحابنا من قال : يجوز صيد الكافر لهما ، لأنه ليس من شرط ذلك التسمية ، وإن كانت أولى ، إلا أنه لا يحل أكل شي‌ء من ذلك إذا لم يشاهد المسلم أخذ الكافر له حيا (٢) والقول الأول أحوط.

ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلس ، ولا يحل الدبا من الجراد ، ولا يحل

__________________

(١) في (ج) : تعمل فيها.

(٢) الشيخ : المبسوط : ٦ ـ ٢٧٦.

٣٩٧

من السمك ما مات في الماء ، ولا من الجراد ما مات في الصحراء ، وكذا حكم ما مات من السمك لذهاب الماء عنه ، وما مات من الجراد لوقوعه في ماء أو نار ، بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط.

ويحرم أكل الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والضبع والضب واليربوع والسلحف (١) والقنفذ والفأر والسنور والقرد والدب (٢) والفيل وكل ذي ناب ومخلب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وما لا حوصلة له منه ولا قانصة ، ودواب البحر ما عدا ما قدمناه من السمك ، وحشرات الأرض ، والميتة ، والدم المسفوح ، والطحال ، والقضيب ، والأنثيين ، والغدد ، والمشيمة ، والمثانة ، والطين ، إلا اليسير من تربة الحسين عليه‌السلام ، وبيض ما لا يؤكل لحمه ولبنه ، وما اتفق طرفاه من مجهول البيض ، والسموم القواتل ، وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها ، قبل أن يبرد بالموت ، وما كان في بطن ما شرب خمرا من ذلك وإن غسل ، والذي في بطن ما شرب بولا حتى يغسل ، وما وطئه الإنسان من الأنعام ، وما شرب من لبن خنزيرة واشتد به ، وما كان من ولد ذلك ونسله ، وما أدمن شرب النجاسات حتى يمتنع (٣) منه عشرا ، وجلالة الغائط إذا كان غذاؤه كله من ذلك ، حتى تحبس الإبل أربعين يوما ، والبقر عشرين يوما ، والشاة عشرة أيام ، وروي سبعة (٤) ، والبط والدجاج خمسة أيام ، وروي في الدجاج ثلاثة أيام (٥) ، والسمك يوما وليلة ، والطعام النجس ، والمغصوب ، والطعام في آنية الذهب والفضة.

__________________

(١) في (ج) : والسلحفاة.

(٢) الدب : حيوان خبيث يعد من السباع. مجمع البحرين.

(٣) في (ج) : حتى يمنع.

(٤) مستدرك الوسائل : ١٦ ـ ١٨٧ ب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ح ١ و ٣.

(٥) الوسائل : ١٦ ب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة ح ٢ و ٨ ومستدرك الوسائل : ١٦ ـ ١٨٧ ب ١٩ من أبواب الأطعمة المحرمة ح ١ و ٢ و ٣.

٣٩٨

ويحرم شرب قليل المسكر وكثيره ـ من عنب كان أو من غيره ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ ـ والفقاع وكل ما ليس بطاهر من المياه وغيرها من المائعات.

وثمن كل ما يحرم أكله وشربه من المسوخ والأنجاس ـ إلا ما استثنيناه في كتاب البيع ـ وأجر عمل المحرمات من الملاهي وآلات القمار وغير ذلك من كل محرم حرام ، وكذا الأجر على العبادات التي أمر بها المكلف لا بسبب الاستئجار ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة وطريق الاحتياط.

ويحتج على الشافعي في قوله بإباحة أكل الثعلب والضبع بما رواه أبو هريرة من قوله عليه‌السلام : كل ذي ناب من السباع حرام (١) ، ومن طريق آخر أنه عليه‌السلام نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير (٢) ، ويحتج عليه في تحليل أكل الضب بما رووه من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتى أصحابه وقد نزلوا بأرض كثيرة الضباب وهم يطبخون فقال : ما هذا؟ فقالوا : ضباب أصبناها ، فقال عليه‌السلام : إن أمة من بني إسرائيل مسخت دوابا في هذه الأرض وإني أخشى أن تكون هذه ، فاكفؤا القدور. (٣)

ويحتج على أبي حنيفة في تحليل ما عدا الخمر من النبيذ بما رووه من قوله عليه‌السلام : ما أسكر كثيره فقليله حرام (٤) ، وقوله : حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب. (٥)

ويحتج على المخالف في تحريم الفقاع بما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام (٦)

__________________

(١ و ٢) سنن البيهقي : ٩ ـ ٣١٥ ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٢٣٦ و ١ ـ ٢٨٩ و ٣٢٧ و ٣٧٣.

(٣) سنن البيهقي : ٩ ـ ٣٢٥ باب ما جاء في الضب وكنز العمال : ١٥ ـ ٤٥٢ برقم ٤١٧٩٣.

(٤) سنن البيهقي : ٨ ـ ٢٩٦ ومسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ١٦٧ و ٣ ـ ١١٢ و ٣٤٣.

(٥) سنن البيهقي : ٨ ـ ٢٩٧ و ١٠ ـ ٢١٣.

(٦) أبو عبيد القاسم بن سلام ـ بتشديد اللام ـ البغدادي ، فقيه ، نحوي ولد بهراة ومات بمكة سنة (٢٢٤ ه‍ ـ). لاحظ طبقات الفقهاء ص ١٠٢ وتهذيب التهذيب : ٨ ـ ٢٨٣.

٣٩٩

والساجي في كتاب اختلاف الفقهاء عن أم حبيبة (١) زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أن قوما من أهل اليمن قدموا عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتعلم الصلاة والفرائض والسنن ، فقالوا : يا رسول الله إن لنا شرابا نتخذه من القمح والشعير ، فقال عليه‌السلام : الغبيراء؟ ـ فقالوا : نعم ، فقال : لا تطعموه ، قال الساجي في حديثه : إنه عليه‌السلام قال ذلك ثلاثا ، وقال أبو عبيد في حديثه : لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها له عليه‌السلام ، فقال : الغبيراء؟ ـ فقالوا : نعم ، قال عليه‌السلام : لا تطعموها ، قالوا : فإنهم لا يدعونها ، فقال عليه‌السلام : من لم يتركها فاضربوا عنقه. (٢)

وروى أبو عبيد أيضا عن زيد بن أسلم (٣) أن النبي عليه‌السلام سئل عن الغبيراء فنهى عنها وقال : لا خير فيها ، قال وقال زيد بن أسلم : والأسكركة هي (٤) ، وقد علمنا أن الأسكركة اسم يختص في لغة العرب بالفقاع ، وقد روى ابن حنبل عن ضمرة أنه قال : الغبيراء التي نهى عليه‌السلام عنها الفقاع ، وقال ابن حنبل : إن مالك بن أنس كان يكره الفقاع ويكره بيعه في الأسواق ، وإن ابن المبارك (٥) كان يكرهه ، وكان يزيد بن هارون (٦) يكرهه أيضا ، وهؤلاء عند المخالف من كبار شيوخ

__________________

(١) اسمها رملة ، بنت أبي سفيان ، انظر ترجمتها في أسد الغابة : ٥ ـ ٥٧٣.

(٢) سنن البيهقي : ٨ ـ ٢٩٢ ومسند أحمد بن حنبل : ٦ ـ ٤٢٧.

(٣) أبو أسامة ، زيد بن أسلم العدوي المدني الفقيه ، روى عن أبيه وابن عمر وعائشة وجابر وغيرهم ، روى عنه أولاده الثلاثة : أسامة وعبد الله وعبد الرحمن وغيرهم ، مات سنة ١٣٦ ه‍ ـ تهذيب التهذيب : ٣ ـ ٣٩٥.

(٤) الموطأ ـ ٧٣٢ كتاب الأشربة برقم ١٠ وسنن أبي داود : ٣ ـ ٣٢٨ وجامع الأصول : ٥ ـ ٩٧ كتاب الشراب الباب الثاني في الخمور والأنبذة وفيه : الغبيراء : شراب تتخذه الحبشة من الذرة يسكر ، والسكركة : نوع من الخمور تتخذ من الذرة.

(٥) أبو عبد الرحمن ، عبد الله بن مبارك بن الواضح الحنظلي التميمي ، روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وخلق كثير ، وعنه الثوري وخلق كثير أيضا ، مات سنة ١٨١ لاحظ تهذيب التهذيب : ٥ ـ ٣٨٢.

(٦) أبو خالد ، يزيد بن هارون الواسطي ، روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل وعاصم

٤٠٠