غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

للمضطر إلى طلوع الفجر يوم النحر ، بلا خلاف ، فمن فوته مختارا بطل حجه بلا خلاف ، وإن كان مضطرا ، فأدرك المشعر الحرام في وقت المضطر ، فحجة ماض بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فقد ثبت وجوب الوقوف بالمشعر على ما سندل عليه ، وكل من قال بذلك قال بما ذكرناه ، وتفرقة (١) بين الأمرين يبطلها الإجماع.

ويستحب لمن أتى عرفات أن يضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرنة ، وأن يغتسل إذا زالت الشمس ، ويجمع بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وأن يكون وقوفه في ميسرة الجبل ، وأن يدعو في حال الوقوف ، بدليل الإجماع المشار إليه.

والواجب في الوقوف ، النية ، ومقارنتها ، واستدامة حكمها ، وأن لا يكون في الجبل إلا لضرورة ، ولا في نمرة ولا ثوية ولا ذي المجاز ولا تحت الأراك ، وأن يكون إلى غروب الشمس ، فإن أفاض قبل الغروب متعمدا عالما بأن ذلك لا يجوز فعليه بدنة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وكيفية الوقوف أن يتوجه إلى القبلة ، فيسبح الله تعالى مائة مرة ، ويحمده مائة مرة ، ويهلله مائة مرة ، ويكبره مائة مرة ، ويصلي على محمد وآله مائة مرة ، ويقول :

ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله. مائة مرة ويقول :

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير. مائة مرة.

ويقرأ من أول سورة البقرة عشر آيات ، وآية الكرسي ، وآخر البقرة من قوله (لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) (٢) إلى آخرها ، وآيات السخرة وهي في الأعراف من قوله (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ) إلى قوله (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٣) ، وثلاث آيات من آخر الحشر

__________________

(١) في حاشية الأصل : التفرقة.

(٢) البقرة : ٢٨٤.

(٣) الأعراف : ٥٤ ـ ٥٦.

١٨١

وسورتي القدر والإخلاص والمعوذتين ، ثم يقول :

اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك وارحم مسيري إليك ، اللهم رب المشاعر الحرام كلها ، فك رقبتي من النار ، وأدخلني الجنة برحمتك ، وأوسع علي من رزقك ، وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس ، اللهم إني أسألك بحولك وطولك ومجدك وكرمك وفضلك يا أسمع السامعين ، ويا أبصر الناظرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، أن تصلي على محمد وآله ، وأن تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا.

ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ، ويقر بما يعرفه من ذنوبه ، ويعترف به ذنبا ذنبا ، ويستغفر الله منه ، وما لم يذكره يستغفر منه على الجملة ، ويرفع رأسه إلى السماء ويقول :

اللهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني ، وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني فكاك رقبتي من النار ، اللهم إني عبدك ، ناصيتي بيدك ، وأجلي بعلمك ، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني ، وأن تسلم لي مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم عليه‌السلام ، ودللت عليها نبيك محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

اللهم اجعلني ممن رضيت عمله وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة ، الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد ولا تكافئ بعمل ، الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا مذكورا ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد (١) لله الذي رزقني ولم أك أملك شيئا ، الحمد لله على حلمه بعد علمه ، والحمد لله على عفوه بعد قدرته ، الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه.

ثم يدعو بدعاء الموقف ، ويجتهد في المسألة والاستغفار.

__________________

(١) في «ج» و «س» : والحمد.

١٨٢

الفصل الثاني عشر

فإذا غربت الشمس وأفاض إلى المشعر قال :

اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني ، واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك برحمتك يا أرحم الراحمين.

فإذا وصل إلى الكثيب الأحمر وهو عن يمين الطريق قال :

اللهم صل على محمد وآله ، وزك عملي ، وارحم ذلي في موقفي [فوقني] (١) وسلم لي ديني وتقبل مناسكي.

فإذا وصل إلى المشعر ـ وحده ما بين المأزمين (٢) إلى الحياض وإلى وادي محسر (٣) ـ نزل به.

الفصل الثالث عشر :

في الوقوف بالمشعر

الوقوف بالمشعر ركن من أركان الحج ، ووقته للمختار من طلوع الفجر إلى ابتداء طلوع الشمس ، ويمتد للمضطر الليل كله ، فمن فاته حتى طلعت الشمس فلا حج له ، يدل على ذلك الإجماع المتكرر ذكره وطريقة الاحتياط ، لأنه لا خلاف

__________________

(١) ما بين المعقوفتين موجود في «ج» و «س».

(٢) المأزم ـ وزان مسجد ـ : الطريق الضيق بين الجبلين ويقال للموضع الذي بين عرفة والمشعر «مأزمان». مجمع البحرين.

(٣) وهو بين منى ومزدلفة ، سمي بذلك لأن فيل أبرهة كل فيه وأعيى فحسر أصحابه بفعله وأوقعهم في الحسرات. المصباح المنير.

١٨٣

في صحة حج من وقف به ، وليس كذلك من لم يقف ، وأيضا قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١). وظاهر الأمر يقتضي الوجوب ، ولا يصح الذكر فيه إلا بعد الكون به ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأيضا فعل (٢) النبي عليه‌السلام يدل على ذلك ، لأنه لا خلاف أنه وقف به ، وقد قال عليه‌السلام : خذوا عني مناسككم (٣) ، وقد روي من طرق المخالف أنه عليه‌السلام قال : من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج له (٤) ، ويعارض المخالف بما قدمناه من روايتهم عنه عليه‌السلام من قوله ، وهو بالمزدلفة :

من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه (٥) لأنه يدل على أن تمام الحج يتعلق بالوقوف بالموقفين ، وقد قدمنا الجواب عن روايتهم عنه عليه‌السلام : من وقف بعرفة فقد تم حجه (٦) ، وقوله : الحج عرفة. (٧)

والواجب في الوقوف النية ومقارنتها واستدامة حكمها ، وأن لا يرتفع الواقف إلى الجبل إلا لضرورة من ضيق أو غيره ، بدليل الإجماع المشار إليه ، والدعاء بأقل ما يسمى به المرء داعيا عند بعض أصحابنا (٨) والاحتياط يقتضي

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) في «س» : ففعل.

(٣) سنن البيهقي : ٥ ـ ١٢٥ والبحر الزخار : ٢ ـ ٣٣٨ و ٣٤٦ ، مسند أحمد بن حنبل ٣ ـ ٣١٨ وعوالي اللئالي : ١ ـ ٢١٥ و : ٤ ـ ٣٦.

(٤) سنن الدار قطني : ٢ ـ ٢٤١ برقم ٢١ و ٢٢ ولفظ الحديث «من فاته عرفات فقد فاته الحج» وعوالي اللئالي ١ ـ ٢١٥ ونقله في الخلاف كتاب الحج المسألة ١٦١ كما في المتن.

(٥) جامع الأصول لابن الأثير : ٤ ـ ٦٨.

(٦) جامع الأصول : ٣ ـ ٦٩ وسنن البيهقي : ٥ ـ ١١٦.

(٧) جامع الأصول : ٤ ـ ٦٨ وسنن البيهقي : ٥ ـ ١٧٣ ، والمستدرك على الصحيحين ٢ ـ ٢٧٨.

(٨) الحلبي : إشارة السبق : ١٣٥.

١٨٤

ذلك ، وظاهر قوله تعالى (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١).

والمستحب أن يطأ المشعر ، وأن يكبر الله تعالى ويسبحه ويحمده ويهلله مائة مرة ، ويصلي على محمد وآله ما تيسر ويقول :

اللهم اهدني من الضلالة ، وأنقذني من الجهالة ، واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، وخذ بناصيتي إلى هداك ، وانقلني إلى رضاك ، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته ، وذل لك فأكرمته ، وجعلته علما للناس ، فبلغني فيه مناي ونيل رجائي ، اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري وبشري على النار. وأن ترزقني حياة طيبة في طاعتك ، وبصيرة في دينك ، وعملا بفرائضك ، واتباعا لأوامرك ، وخير الدارين جامعا ، وأن تحفظني في نفسي وأهلي ومالي وإخواني برحمتك.

وأن يجتهد في الدعاء والمسألة إلى ابتداء طلوع الشمس ، فإذا طلعت أفاض من المشعر ، ولا يجوز لأحد مع الاختيار أن يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر ، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس ، ولا يخرج الإمام من المشعر حتى تطلع الشمس ، ويجوز للنساء إذا خفن مجي‌ء الدم الإفاضة ليلا ، وإتيان منى والرمي والذبح والتقصير ودخول مكة للطواف والسعي.

ولا يجوز أن تصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتها بخروج وقت المضطر ، ويستحب الجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين ، ويستحب إذا أفاض من المشعر إلى منى أن يسير بسكينة ووقار ، ذاكرا لله سبحانه مستغفرا له ، وأن يقطع وادي محسر بالهرولة ويجزئه أن يهرول فيه مائة خطوة ، وإن كان راكبا حرك فيه راحلته ، كل ذلك بدليل الإجماع المتكرر ذكره.

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

١٨٥

الفصل الرابع عشر :

في نزول منى

وحد منى من طرف وادي محسر إلى العقبة ، وقد ذكرنا أن من السنة المبيت بها ليلة عرفة ، وكذلك نزولها يوم النحر لقضاء المناسك بها ، من رمي جمرة العقبة ، والذبح ، والحلق ، والتقصير ، وكذلك نزولها أيام التشريق للرمي ، والمبيت بها ليالي هذه الأيام إلى حين الإفاضة ، بلا خلاف ، فإن ترك المبيت بها مختارا من غير عذر ليلة فعليه دم ، فإن ترك ليلتين فعليه دمان ، بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.

فإن ترك الثالثة فلا شي‌ء عليه ، لأن له أن ينفر في النفر الأول ، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق ، فإن لم ينفر فيه حتى غربت الشمس ، فعليه المبيت الليلة الثالثة ، فإن نفر ولم يبت فعليه دم ثالث ، بدليل ما قدمناه ، وأيضا قوله تعالى : (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (١). فعلق الرخصة باليوم الثاني ، وهذا قد فاته اليوم الثاني (٢) ، فلا يجوز له أن ينفر.

ومن أصاب النساء ، أو شيئا من الصيد ، أو كان صرورة (٣) فليس له أن ينفر في النفر الأول ، بل يقيم إلى النفر الأخير ، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق ، ويجوز لمن عدا من ذكرناه (٤) أن ينفر في الأول ، وتأخير النفر الأخير أفضل له.

ومن أراد النفر في الأول ، فلا ينفر حتى تزول الشمس إلا لضرورة ، فإنه

__________________

(١) البقرة : ٢٠٣.

(٢) في «س» : في اليوم الثاني.

(٣) الصرورة ـ بالفتح ـ : الذي لم يحج. المصباح المنير.

(٤) في «ج» و «س» : ما ذكرناه.

١٨٦

يجوز معها قبل الزوال ، ومن أراد النفر في الأخير جاز له ذلك بعد طلوع الشمس أي وقت شاء ، ومن أراد المقام بها جاز له ذلك ، إلا الإمام وحده ، فإن عليه أن يصلي الظهر بمكة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

الفصل الخامس عشر :

في الرمي

لا يجوز الرمي إلا بالحصى ، بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين هبط وادي محسر : أيها الناس عليكم بحصى الخذف (١) ، وهذا نص ، ولا يجوز بالحصى المأخوذ من غير الحرم ، ولا بالمأخوذ من المسجد الحرام ، أو من مسجد الخيف ، ولا بالحصى الذي قد رمي به مرة أخرى ، سواء كان هو الرامي به أو غيره. بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، وفعل النبي عليه‌السلام يدل على ذلك ، لأنه لا خلاف أنه لم يرم بما ذكرناه ، وقد قال : خذوا عني مناسككم. (٢)

ومقدار الحصاة كرأس الأنملة ، وأفضله الملتقط من المشعر الحرام البرش (٣) منه ثم البيض والحمر ، وتكره السود ، ويكره أن يكسره ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وهو سبعون حصاة ، يرمي يوم النحر جمرة العقبة ، وهي القصوى ، بسبع ، ويرمي في كل يوم بعده الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة.

ووقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر بلا خلاف ، ووقت الإجزاء من طلوع الفجر مع الاختيار ، فمن رمى قبل ذلك لم يجز

__________________

(١) جامع الأصول : ٤ ـ ١٠٠ باختلاف قليل ، وسنن البيهقي : ٥ ـ ١٢٦.

(٢) سنن البيهقي : ٥ ـ ١٢٥ وجامع الأصول : ٤ ـ ٩٩.

(٣) وهي المشتملة على ألوان مختلفة.

١٨٧

إلا أن يكون هناك ضرورة على ما قدمناه.

ووقت الرمي في أيام التشريق كلها بعد الزوال ، ومن فاته رمي يوم حتى غربت الشمس ، قضاه في اليوم الثاني في صدر النهار ، ومن فاته الرمي بخروج أيام التشريق ، قضاه من قابل ، أو استناب من يرمي عنه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

ويجب أن يبدأ بالجمرة الأولى ، وهي العظمى ، وهي التي إلى منى أقرب (١) ، ثم الوسطى ، ثم جمرة العقبة ، وهي التي إلى مكة أقرب ، فإن خالف الترتيب استدركه ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فلا خلاف في صحته مع الترتيب ، وليس كذلك مع عدمه ، وأيضا فقد اتفق على أنه عليه‌السلام رتب الرمي ، وفعله يقع موقع البيان ، فيجب الاقتداء به.

ويستحب أن يقف عند الأولى والثانية ويكبر مع كل حصاة (٢) ولا يقف عند الثالثة ، كل ذلك بلا خلاف ، ويستحب أن يكون الرامي على طهارة ، وأن يقف من قبل وجه الجمرة ، ولا يقف من أعلاها ، وأن يكون بينه وبينها قدر عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا ، وأن يقول والحصاة في يده :

اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي وارفعهن في عملي.

وأن يرمي خذفا وهو أن يضع الحصاة على باطن إبهامه ويدفعها بظاهر مسبحته ويقول :

بسم الله اللهم صل على محمد وآله ، وادحر عني الشيطان وجنوده ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا ، وذنبا مغفورا.

__________________

(١) في حاشية الأصل : التي تلي جانب منى.

(٢) في «س» : مع عدد كل حصاة وفي «ج» ويكبر مع عند كل حصاة.

١٨٨

وإذا نسي فرمى الأولى بثلاث حصيات ، ورمى الجمرتين الأخرين على التمام ، ثم ذكر ، استأنف ورمى الجمرات الثلاث من أوله ، فإن كان رمى الأولى بأربع ، تمم رميها بثلاث حصيات ، ولم يعد الرمي على الجمرتين الأخريين ، وهذا حكمه إذا نسي فرمى الوسطى بثلاث أو أربع ، ورمى الثالثة على التمام ، وإذا علم أنه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمرات هي. رمى كل جمرة بحصاة ، وإذا رمى حصاة فوقعت في محمل ، أو على ظهر بعير ، ثم سقطت على الأرض ، أجزأت ، وإلا فعليه أن يرمي عوضا عنها ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

الفصل السادس عشر :

في الذبح

الذبح على ضربين : مفروض ومسنون :

فالمفروض في هدي النذر ، وهدي الكفارة ، وهدي التمتع ، وهدي القران بعد التقليد أو الإشعار ، والمسنون في هدي القران قبل التقليد والإشعار والأضحية ، وهدي النذر يلزم من صفته ، وسياقه ، وتعيين موضع ذبحه أو نحره ، ما يشترط الناذر بلا خلاف ، وإن نذر هديا بعينه لم يجزه غيره ، بدليل الإجماع من الطائفة وطريقة الاحتياط ، وإن نذر مطلقا ولم يعين شيئا مما ذكرناه ، فعليه أن يهدي إما من الإبل ، أو البقر ، أو الغنم ، وأن ينحره ، أو يذبحه بمكة قبالة الكعبة ، بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط.

ولا يجوز أن يكون الهدي إلا ما ذكرناه ، بدليل ما قدمناه وأيضا قوله (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١). لأنه لا خلاف أنه يتناول الإبل والبقر والغنم دون غيرها ، وهدي النذر مضمون على الناذر ، يلزمه عوض ما انكسر منه ، أو مات ، أو

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

١٨٩

ضل (١) ، ولا يحل له الأكل منه ، بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط.

وأما هدي الكفارة فيختلف على حسب اختلاف الجنايات على ما قدمناه ، ويلزم سياق ما وجب عن قتل الصيد من حيث حصل القتل إن أمكن ذلك ، ولا يلزم سياق ما وجب عما عدا ذلك من الجنايات ، ويذبح أو ينحر إن كان لتعد في إحرام المتعة ، أو العمرة المبتولة المفردة ، بمكة قبالة الكعبة ، وفي إحرام الحج بمنى ، وحكمه في الضمان وتحريم الأكل ، حكم هدي النذر.

وأما هدي التمتع فأعلاه بدنة ، وأدناه شاة ، ويذبح أو ينحر بمنى ، وكذا هدي القران ، ويلزم سياقه بعد التقليد أو الإشعار ، على ما قدمناه وإن كان ابتداؤه تطوعا ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

والتقليد : هو أن يعلق عليه نعل أو قلادة (٢) ، والإشعار : أن يشق السنام من الجانب الأيمن بحديدة حتى يسيل الدم ، ومن السنة ذلك لكل من ساق هديا ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم من أنه عليه‌السلام صلى الظهر بذي الحليفة ، ثم دعى ببدنة فأشعرها من صفحة سنامها من الجانب الأيمن. (٣)

ويجوز الأكل من هدي التمتع والقران ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (٤) ، والهدي الذي يترتب عليه قضاء التفث هو هدي التمتع والقران ، ويجوز الأكل من الأضحية بلا خلاف ، وأفضل الهدي والأضاحي من الإبل والبقر والمعز الإناث ومن الغنم الفحولة.

__________________

(١) في «ج» : «أو فصل» والظاهر انه تصحيف.

(٢) في الأصل : «مزادة» بدل «قلادة».

(٣) سنن البيهقي : ٥ ـ ٢٣٢.

(٤) الحج : ٢٨ ـ ٢٩.

١٩٠

ولا يجوز من الإبل والبقر والمعز إلا الثني وهو من الإبل الذي قد تمت له خمس سنين ودخل في السادسة ، ومن البقر والمعز الذي قد تمت له سنة ودخل في الثانية ، ويجزي من الضأن الجذع ، وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.

ولا يجوز مع الاختيار أن يكون ناقص الخلقة ، ولا أعور بين العور ، ولا أعرج بين العرج ، ولا مهزولا ولا أخرم (١) ولا أجدع وهو المقطوع الأذن ، ولا خصيا ، ولا أعضب وهو المكسور القرن ، إلا أن يكون الداخل صحيحا ، والخارج مقطوعا فإنه جائز.

ولا يجوز التضحية بمنى إلا بما قد أحضر عرفات سواء هو أو غيره ، ولا يجزي الهدي الواحد في الواجب إلا عن واحد مع الاختيار ، ومع الضرورة تجزي البدنة أو البقرة عن خمسة وعن سبعة ، فأما المتطوع به فيجوز اشتراك الجماعة فيه مع الاختيار إذا كانوا أهل خوان واحد ، وإن لم يكونوا كذلك فاشتراكهم جائز مع الاضطرار.

ومن السنة أن يتولى المهدي الذبح أو النحر بنفسه أو يشارك الفاعل لذلك ، وأن ينحر لما ينحر وهو قائم معقول اليد اليسرى من الجانب الأيمن من اللبة ، ولا يجوز أن يعطي الجزار شيئا من الهدي ولا من جلاله (٢) على جهة الأجرة ، ويجوز على وجه الصدقة.

وأيام الذبح بمنى أربعة : يوم النحر وثلاثة بعده ، وفي سائر الأمصار ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده ، ويجوز ذبح هدي التمتع طول ذي الحجة ، ومن لم يجده ووجد ثمنه ، تركه عند من يثق به ، ليشتريه في العام المقبل ويذبحه عنه ، فإن لم يقدر على الثمن صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، على ما بيناه فيما مضى ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.

__________________

(١) الخرم ـ بالضم ـ : موضع الثقب ، وخرمته : قطعته. المصباح المنير.

(١) جل الدابة كثوب الإنسان يلبسه يقيه البرد ، والجمع جلال وإجلال. المصباح المنير.

١٩١

الفصل السابع عشر :

في الحلق

إذا ذبح الحاج هديه أو نحره فليحلق رأسه ، يجلس مستقبل القبلة ، ويأمر الحلاق أن يبدأ بالناصية من الجانب الأيمن ، ويقول :

اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفات ، وكفر عني السيئات إنك على كل شي‌ء قدير.

والحلق نسك وليس إباحة محضة كاللبس والطيب ، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ). (١) وقد جاء في التفسير أنه الحلق وباقي المناسك ، من الرمي وغيره ، وإذا أمر تعالى به فهو نسك ، ويعارض المخالف بما رووه من أنه عليه‌السلام قال لأصحابه :

انحروا واحلقوا ، وأنه دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة (٢) ، ولو لا أنه نسك لما أمر به ، ولا استحق لأجله الدعاء ، ويجوز التقصير بدلا من الحلق ، وقد روي أن الصرورة لا يجزئه إلا الحلق (٣) ، وينبغي أن يكون الحلق بمنى ، فمن نسيه حتى خرج منها عاد إليها فحلق ، فإن لم يتمكن ، حلق بحيث هو ، وبعث بشعره ليدفن بها ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

الفصل الثامن عشر

ثم يدخل مكة من يومه أو من الغد لطواف الزيارة ـ وهو طواف الحج ـ ،

__________________

(١) الحج : ٢٩.

(٢) جامع الأصول : ٤ ـ ١٠٨ وفي «ج» وحاشية الأصل : «اذبحوا» بدل «انحروا».

(٣) لاحظ الوسائل : ١٠ ب ٧ من أبواب الحلق ، ح ١٠.

١٩٢

وللسعي بين الصفا والمروة ، ولطواف النساء ، ويصنع قبل دخوله مكة والمسجد وفي الطواف والسعي ، مثل ما فعله أولا ، ثم يخرج من يومه إلى منى ، للمبيت بها ورمي الجمار ، على ما قدمناه ، ويستحب له إذا نفر من منى أن يأتي مسجد الخيف ، فيصلي فيه ست ركعات عند المنارة التي في وسطه ، ويسبح تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، ويدعو بما أحب ، وأن يحول وجهه إلى منى إذا جاوز جمرة العقبة ، ويقول :

اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا المقام وارزقنيه أبدا ما أبقيتني.

وأن يدخل مسجد الحصباء إذا بلغ إليه ، ويصلي فيه ، ويستريح بالاستلقاء على ظهره ، وإذا أراد المسير من مكة ، استحب له أن يطوف بالبيت طواف الوداع ، وأن يدخله ويصلي في زواياه ، وعلى الرخامة الحمراء ويكثر من التضرع والدعاء ، وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها ، ويصلي عند المقام ركعتين ، ويدعو بدعاء الوداع ، كل ذلك بدليل الإجماع المتكرر.

الفصل التاسع عشر

وحكم النساء حكم الرجال إلا في النحر والإحرام والحلق ، وعليهن كشف الوجوه والتقصير ، ولا يستحب لهن رفع الصوت بالتلبية ولا الهرولة بين الميلين ، وتؤدي الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف ، فإنها تقضيه إذا طهرت ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وليس وجود المحرم شرطا في وجوب الحج على المرأة في صحة الأداء ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وقوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (١). وفسر النبي عليه‌السلام السبيل بالزاد والراحلة ، ولم يشترط المحرم.

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

١٩٣

الفصل العشرون

وأما ما يفسد الحج فقد تقدم فيما مضى ، فلا وجه لإعادته ، وأما ما يتعلق به من الأحكام ، قد مضى أيضا معظمه في المواضع التي يختص بذكره ، وبقي ما نحن ذاكرون المهم منه.

اعلم أن من مات وعليه حجة الإسلام وجب إخراجها من أصل التركة ، سواء أوصى بها أو لم يوص ، بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وأيضا فقد اتفقنا على وجوب الحج عليه ، فمن أسقطه بالموت فعليه الدليل ، ويعارض المخالف بخبر الخثعمية (١) لأنه عليه‌السلام سمى الحج دينا ، وأكده على دين الآدمي بقوله : فدين الله أحق أن يقضى (٢) ، والدين يخرج من أصل التركة ويقدم على الميراث.

ومن نذر الحج وعليه حجة الإسلام لزمه أداء الحجتين ، لأنهما فرضان اختلف سببهما ، فلا يسقط أحدهما بفعل الآخر ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمة يقتضي ما اخترناه ، ولا يجري ذلك مجرى ما يتداخل من الحدود والكفارات لأنها عقوبات ، فجاز سقوط بعضها بفعل بعض ، وما نحن فيه مصالح وعبادات يفتقر صحة أدائها إلى النية ، وإنما لامرئ ما نوى ، ومن كان فقيرا وبذلت له الاستطاعة لزمه الحج ، لإجماع الطائفة ، وظاهر قوله تعالى (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (٣).

__________________

(١) في «س» : ويعارض المخالف به بخبر الخثعمية.

(٢) صحيح البخاري : ٣ ـ ٤٦ كتاب الصوم باب من مات وعليه صوم وص ٢٣ كتاب الحج باب الحج والنذور عن الميت ، وصحيح مسلم : ٢ ـ ١٥٦ كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت ، وسنن البيهقي : ٤ ـ ٢٥٥ و ٢٥٦ وجامع الأصول : ٤ ـ ١٩٧.

(٣) آل عمران : ٩٧.

١٩٤

ومن صد بعدو أو أحصر بمرض فلم يستطع النفوذ لأداء المناسك ، فإن كان قارنا أنفذ هديه (١) ، وإن كان متمتعا أو مفردا أنفذ ما يبتاع به الهدي ، فإذا بلغ محله ، وهو يوم النحر ، فليحلق رأسه ، ويحل إن كان مصدودا بعدو من كل شي‌ء أحرم منه ، وإن كان محصورا بمرض تحلل من كل شي‌ء إلا النساء حتى يطوف طوافهن من قابل أو يطاف عنه ، والدليل على ذلك الإجماع الماضي ذكره وأيضا قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٢) وذلك عام في المرض والعدو معا.

وليس لأحد أن يقول : الآية خاصة في الإحصار بالعدو ، لأنها نزلت بسبب صد المشركين عام الحديبية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللمسلمين عن البيت ، لأن الكلام إذا خرج على سبب لم يجز قصره عليه ، بل يجب حمله على عمومه ، وإدخال السبب فيه ، على ما بيناه فيما مضى من أصول الفقه ، ويؤيد ذلك في هذا الموضع ، أنه تعالى لو أراد الإحصار بالعدو خاصة ، لقال : «فإن حصرتم» لأنه اللفظ المختص بالعدو دون المرض ، ولم يقل (أُحْصِرْتُمْ) من الإحصار المشترك بينهما.

قال الكسائي والفراء وأبو عبيدة وثعلب وأكثر أهل اللغة : يقال : أحصره المرض لا غير ، وحصره العدو وأحصره أيضا ، وليس لأحد أن يقول : قوله تعالى في سياق الآية (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ) (٣) دليل على أنه أراد الإحصار بالعدو ، ولأن الأمن قد يكون من المرض ، وهو أن يأمن زيادته ، على أن لفظ الإحصار إذا كان حقيقة في المرض والعدو ، كان قوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ) راجعا إلى بعض ما يتناوله العموم ، وهذا لا يمتنع من دخول غير ما تعلق التخصيص في الخطاب.

ولا يجوز ذبح هدي الإحصار إلا بمحله من البيت أو منى مع الاختيار ، ومع الضرورة يجوز ذبحه بحيث هو ، بعد أن ينتظر به بلوغ محله ، وهو يوم النحر ،

__________________

(١) في «ج» والأصل : نفذ.

(٢ و ٣) البقرة : ١٩٦.

١٩٥

بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١) ، ولا شبهة في أنه تعالى كلف ذلك مع التمكن منه ، فإذا فقد التمكن يسقط تكليفه ، ويحتج على من قال : بأن ذبحه لا يجوز إلا بالحرم ، بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذبح هديه بالحديبية حين صده المشركون عن مكة وهذا مما قد اتفقوا على روايته.

وإذا لم يكن لمن ذكرنا حاله هدي ولا قدر على شرائه ، لم يجز له التحلل ، ويبقى الهدي في ذمته ، ويبقى محرما إلى أن يذبحه من قابل ، أو يذبح عنه ، ولم ينتقل إلى الإطعام ولا إلى الصوم ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وأيضا قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). (٢) الآية ، والتقدير فإن أحصرتم وأردتم التحلل فما استيسر من الهدي ، ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله ، فإذا بلغ فاحلقوا ، ولم يذكر لذلك بدلا ، ولو كان له بدل ، لذكره ، كما ذكر بدل نسك حلق الرأس من الأذى ، وبهذا نستدل على أن قوله : «فحلى حيث حبستني» لا يغني عن الهدي في التحلل ، وإنما ندب المكلف إلى هذا القول تعبدا.

ويجب على ما ذكرنا حاله القضاء إن كان حجا واجبا ، ولا قضاء عليه إن كان تطوعا ، والاستئجار على الحج عن الميت والمعضوب (٣) جائز بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فالأصل جواز الإجارة في جميع الأشياء فمن منع من ذلك في بعضها فعليه الدليل ، ويعارض المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للذي سمعه يلبي عن شبرمة (٤) : حج عن نفسك ثم عن شبرمة (٥) وبخبر الخثعمية (٦) لأنه دل على

__________________

(١ و ٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) رجل معضوب : زمن لا حراك به كأن الزمانة عضبته ومنعته عن الحركة. المصباح المنير.

(٤) قال ابن الأثير في أسد الغابة : ٢ ـ ٣٨٤ : شبرمة غير منسوب ، له صحبة توفي في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٥) جامع الأصول : ٤ ـ ١٩٧ و ١٩٩ أسد الغابة : ٢ ـ ٣٨٤ ، وسنن ابن ماجة : ٢ ـ ٩٦٩ برقم ٢٩٠٣.

(٦) لاحظ سنن البيهقي : ٤ ـ ٢٥٦ كتاب الصوم وص ٣٢٨ كتاب الحج ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١١٠ و ١١١ وتقدمت مصادر الخبر آنفا.

١٩٦

جواز النيابة.

ويستحق الأجير جميع الأجرة بأداء الحج ، بلا خلاف ممن أجاز الاستئجار ، وكذا حكمه عندنا إن مات بعد الإحرام ودخول الحرم بلا خلاف بين أصحابنا ، ويسقط الحج عن المحجوج عنه بدليل الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف بخبر الخثعمية لأن ظاهره يقتضي أنه يسقط بالنيابة ، كما يسقط أيضا الدين.

ومتى صد النائب عن النفوذ قبل دخول الحرم وجب عليه أن يرد ما بقي عنده من نفقة الطريق ، ويجب عليه أيضا قضاء الحج إذا أفسده ، وكفارة ما يجنبه فيه من ماله ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، ويجوز أن يكون النائب صرورة إذا كان غير مخاطب بالحج لعدم الاستطاعة ، فإذا كان مخاطبا بذلك لم تجز له النيابة حتى يؤدي ما عليه ، ويلزم النائب أن ينوي بكل منسك أداه نيابة عن فلان بن فلان طاعة لله وقربة إليه ، كل ذلك بدليل الإجماع المتكرر.

ومن فاته الحج بقي على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق ، ثم دخل مكة فطاف وسعى وجعل حجته عمرة ، ومن وكيد السنة قصد المدينة لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الفصل الحادي والعشرون

والعمرة المبتولة واجبة على أهل مكة وحاضريها مرة في العمر ، ومن سواهم يغنيه عن نيل العمرة (١) تمتعه بها إلى الحج ، وقد ندب إلى التطوع بها في كل شهر مرة أو في كل سنة ، وأفضل الشهور للاعتمار «رجب» ويصنع مريدها في الإحرام لها ، والطواف والسعي ، مثل ما قدمناه أولا ، ويطوف بعد السعي طوافا آخر ، وهو طواف النساء ، لأنه لازم في العمرة المفردة كالحج ، ثم يحلق رأسه ويذبح إن كان

__________________

(١) في الأصل و «ج» : عن تيل العمرة.

١٩٧

قد ساق هديا قبالة الكعبة ، أو يتبرع بذلك إن شاء ، وقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه ، وحكمه إن صد بعدو أو أحصر بمرض ما قدمناه ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

ويدل على وجوب العمرة أيضا قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١) ، والإتمام لا يحصل إلا بالدخول فوجب ، وقد روى المخالف عن ابن عباس وابن مسعود (٢) أنهما قرأ : «وأقيموا الحج والعمرة لله» (٣) ، ويحتج على المخالف بما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للذي سأله عن الإسلام : هو أن يشهد أن لا إله إلا الله إلى قوله : ويحج ويعتمر (٤) ، وهذا نص لأنه عد العمرة من فرائض الإسلام.

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي ، حليف بني زهرة ، شهد بدرا والمشاهد بعدها ، وهو الذي أجهز على أبي جهل ، وشهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنة ، روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وروى عنه ابن عباس وجابر وأنس وغيرهم ، مات سنة ٣٢ وقيل سنة ٣٣ ه‍ ـ ، لاحظ أسد الغابة : ٣ ـ ٢٥٦ ، والإصابة : ٢ ـ ٣٦٨.

(٣) سنن البيهقي : ٤ ـ ٣٤١ والدر المنثور : ١ ـ ٥٠٢ في ذيل الآية وفيه : (وأقيموا الحج والعمرة للبيت). والتفسير الكبير : ٥ ـ ١٤٠ في ذيل الآية.

(٤) سنن البيهقي : ٤ ـ ٣٥٠.

١٩٨

كتاب الجهاد

الجهاد فرض من فرائض الإسلام بلا خلاف ، وجملة ما يحتاج إلى علمه فيه خمسة أشياء :

شرائط وجوبه.

وكيف يجب.

ومن يجب جهاده.

وكيفية فعله.

وما يتعلق بذلك من أحكامه ، وأحكام الغنائم.

أما شرائط وجوبه : فالحرية ، والذكورة ، والبلوغ (١) ، وكمال العقل ، والاستطاعة له بالصحة والقدرة عليه وعلى ما يفتقر إليه فيه ، من ظهر ونفقة وأمر الإمام العادل به أو من ينصبه الإمام ، أو ما يقوم مقام ذلك ، من حصول خوف على الإسلام ، أو على الأنفس والأموال.

ومتى اختل شرط من هذه الشروط ، سقط فرض الجهاد بلا خلاف أعلمه ، ومع تكاملها هو فرض على الكفاية ، إذا قام به من فيه كفاية سقط عن غيره

__________________

(١) في الأصل و «س» : البلوغة.

١٩٩

بلا خلاف إلا من ابن المسيب (١) ويدل على ذلك بعد الإجماع قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) (٢) الآية. لأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين ، ووعد كلا منهم الحسنى ، وهذا يدل على أن القعود جائز وإن كان الجهاد أفضل منه.

وأما من يجب جهاده : فكل من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفار ، ومن أظهره وبغى على الإمام العادل ، وخرج عن طاعته ، أو قصد إلى أخذ مال المسلم وما هو في حكمه ، من مال الذمي ، وأشهر السلاح في بر أو بحر أو سفر أو حضر ، بلا خلاف.

فأما كيفية الجهاد وما يتعلق به وبالغنائم من الأحكام : فاعلم أنه ينبغي تأخير لقاء العدو إلى أن تزول الشمس ، وتصلى الصلاتان ، وأن يقدم قبل الحرب الإعذار والإنذار والاجتهاد في الدعاء إلى الحق ، وأن يمسك عن الحرب بعد ذلك كله حتى يبدأ بها العدو ، لتحق الحجة عليه ، ويتقلد بذلك البغي.

فإذا عزم أمير الجيش عليها ، استخار الله تعالى في ذلك ، ورغب إليه في النصر ، وعبأ (٣) أصحابه صفوفا ، وجعل كل فريق منهم تحت راية أشجعهم وأبصرهم بالحرب ، وجعل لهم شعارا يتعارفون به ، وقدم الدارع أمام الحاسر (٤) ، ووقف هو في القلب.

__________________

(١) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ القرشي المخزومي المتوفى سنة ١٠٠ قال قتادة : ما رأيت أحدا قط أعلم بالحلال والحرام منه ، لاحظ تهذيب التهذيب : ٤ ـ ٤٨. وذهب سعيد بن المسيب إلى ان الجهاد فرض عين لقوله تعالى (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) الآية ، لاحظ المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ١٠ ـ ٢٦٥ كتاب الجهاد.

(٢) النساء : ٩٥.

(٣) عبأ الجيش : رتبهم في مواضعهم وهيأهم للحرب. مجمع البحرين.

(٤) رجل دارع : ذو درع على النسب ـ كما قالوا : لابن وتامر ـ والحاسر ـ خلاف الدارع ـ : الذي لا بيضة على رأسه. لسان العرب.

٢٠٠