غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

يعتق فيلزمه الوفاء.

ومن مات حل ما عليه من دين مؤجل ، بلا خلاف إلا من الحسن البصري (١) ، ولا يحل له ما له من دين مؤجل بلا خلاف إلا ما رواه بعض أصحابنا من طريق الآحاد أنه يصير حالا. (٢)

ولا يثبت الدين في التركة إلا بإقرار جميع الورثة ، أو شهادة عدلين منهم أو من غيرهم به مع يمين المدعي ، فإن أقر بعضهم ولم يكن على ما ذكرناه ، لزمه من الدين بمقدار حقه من التركة ، ولم يلزم غيره ، ومتى لم يترك المقتول عمدا ما يقضي دينه لم يجز لأوليائه القود إلا أن يضمنوا قضاءه ، بدليل الإجماع المتكرر ذكره.

__________________

(١) أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري ، مولى الأنصار ، روى عن أبي بن كعب وسعد بن عبادة وعمر بن الخطاب ، ولم يدركهم ، وروى عنه حميد الطويل وعطاء وقتادة وغيرهم ، مات سنة ١١٠ ه‍ ـ ، لاحظ طبقات الفقهاء : ٩١ وتهذيب التهذيب : ٢ ـ ٢٦٣ وشذرات الذهب : ١ ـ ١٣٦.

(٢) الشيخ : النهاية : ٣١٠ ، ولاحظ الوسائل : ١٣ ، ب ١٢ ، من أبواب الدين والقرض ، ح ١ و ٤.

٢٤١

فصل في الرهن

الرهن في الشريعة عبارة عن جعل العين وثيقة في دين ، إذا تعذر استيفاؤه ممن هو عليه ، استوفي من ثمن العين.

وشروط صحته ستة :

حصول الإيجاب والقبول من جائزي التصرف.

وأن يكون المرهون عينا لا دينا ، لأنا قد بينا أنه وثيقة عين في دين.

وأن يكون مما يجوز بيعه ، لأن كونه بخلاف ذلك ينافي المقصود به.

وأن يكون المرهون به دينا لا عينا مضمونة ، كالمغصوب مثلا ، لأن الرهن إن كان على قيمة العين إذا تلفت لم يصح ، لأن ذلك حق لم يثبت بعد ، وإن كان على نفس العين فكذلك ، لأن استيفاء نفس العين من الرهن لا يصح.

وأن يكون الدين ثابتا ، فلو قال : رهنت كذا بعشرة تقرضنيها غدا لم يصح.

وأن يكون لازما كعوض القرض (١) والثمن والأجرة وقيمة المتلف وأرش الجناية. (٢)

ولا يجوز أخذ الرهن على مال الكتابة المشروطة ، لأن عندنا أن ذلك غير لازم على ما قدمناه.

__________________

(١) في «ج» و «س» : لعوض القرض.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٢ ـ ١٩٦ : والدين الذي يجوز أخذ الرهن به فهو كل دين ثابت في الذمة مثل الثمن والأجرة والمهر والقرض والعوض في الخلع وأرش الجناية وقيمة المتلف ، كل ذلك يجوز أخذ الرهن به.

٢٤٢

وإذا تكامل ما ذكرناه من هذه الشروط (١) صح الرهن بلا خلاف ، وليس على صحته مع اختلال بعضها دليل ، فأما القبض فهو شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن ، ومن أصحابنا من قال : يلزم بالإيجاب والقبول لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) قال : وهذا عقد يجب الوفاء به (٣) والقول الأول هو الظاهر من المذهب والذي عليه الإجماع.

وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ، لأنه إنما كان حجة لدخول قول المعصوم فيه لا لأجل الإجماع (٤) ، ولما ذكرناه يستدل في المسألة بالإجماع ، وإن كان فيها خلاف من بعض أصحابنا فليعرف ذلك ، وأما قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، فلا يمتنع ترك ظاهره للدليل.

واستدامة القبض في الرهن ليست بشرط ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٥) ، فشرط القبض ولم يشترط الاستدامة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : الرهن محلوب ومركوب (٦) وذلك لا يجوز بالإطلاق إلا للراهن بلا خلاف.

ولا يجوز للراهن أن يتصرف في الرهن بما يبطل حق المرتهن ، كالبيع والهبة والرهن عند آخر ، والعتق ، فإن تصرف كان تصرفه باطلا ، ولم ينفسخ الرهن ، لأن الأصل صحته ، والقول بفسخه يحتاج إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل عليه ، وإنما ينفسخ الرهن إذا فعل ما يبطل به حق المرتهن منه بإذنه.

ويجوز له الانتفاع بما عدا ذلك ، من سكنى الدار ، وزراعة الأرض ، وخدمة العبد ، وركوب الدابة ، وما يحصل من صوف ونتاج ولبن ، إذا اتفق هو

__________________

(١) في «ج» : وإذا تكاملت هذه الشروط.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الشيخ : الخلاف ، كتاب الرهن المسألة ٥.

(٤) في «ج» : لا لأجل الاجتماع.

(٥) البقرة : ٢٨٣.

(٦) سنن البيهقي : ٦ ـ ٣٨ وكنز العمال : ٦ ـ ٢٨٨ برقم ١٥٧٣٨.

٢٤٣

والمرتهن على ذلك وتراضيا به ، وكذا يجوز للمرتهن الانتفاع بالسكنى والزراعة والخدمة والركوب والصوف واللبن إذا أذن له الراهن ، وتكفل بمؤنة الرهن ، والأولى أن يصرف قيمة منافعه من صوف ولبن في مؤنته ، وما فضل من ذلك كان رهنا مع الأصل ، يدل على ذلك إجماع الطائفة ، فإن سكن المرتهن الدار ، أو زرع الأرض بغير إذن الراهن أثم ولزمه أجرة الأرض والدار ، وكان الزرع له ، لأنه عين ماله ، والزيادة حادثة فيه ، وهي غير متميزة منه.

ولا يحل للراهن ولا المرتهن وطء الجارية المرهونة ، فإن وطأها الراهن بغير إذن المرتهن أثم ، وعليه التعزير ، فإن حملت وأتت بولد ، فإن كان موسرا وجب عليه قيمتها ، تكون رهنا مكانها ، لحرمة الولد ، وإن كان معسرا بقيت رهنا بحالها ، وجاز بيعها في الدين ، بدليل الإجماع المشار إليه ، فإن وطأها بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن ، حملت أو لم تحمل ، لأن ملكه لها ثابت ، على ما بيناه فيما مضى ، وإذا كان ثابتا ، كان الرهن على حاله.

فإن وطأها المرتهن بغير إذن الراهن ، فهو زان ، وولدها منه (١) رق لسيدها ، ورهن معها ، فإن كان الوطء بإذن الراهن ، وهو عالم بتحريم ذلك ، لم يلزمه مهر ، لأن الأصل براءة الذمة ، وإلزامه المهر يفتقر إلى دليل شرعي ، فإن أتت بولد كان حرا لاحقا بالمرتهن بلا خلاف ، ولا يجب قيمته ، لأن الأصل براءة الذمة ، وشغلها بذلك يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما يدل عليه.

ورهن المشاع جائز كالمقسوم ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى : (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (٢) ولم يفصل ، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فالأصل جواز ذلك ، والمنع منه يفتقر إلى دليل ، ويحتج على المخالف بعموم الأخبار الواردة في جواز التوكيل.

__________________

(١) في «ج» : وولده منها.

(٢) البقرة : ٢٨٣.

٢٤٤

وإذا كان الرهن مما يسرع إليه الفساد ، ولم يشرط (١) بيعه إذا خيف فساده ، كان الرهن باطلا ، لأن المرتهن لا ينتفع به ، والحال هذه ، وإذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمنه رهنا مكانه ، كان ذلك جائزا ، ولم يبطل البيع ، بدليل قوله تعالى (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) ، ويحتج على المخالف بقوله : المؤمنون عند شروطهم (٣) ، وإن قال له : بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من ديني قبل محله ، صح البيع ، وكان الثمن رهنا إلى وقت المحل ، ولم يلزم الوفاء بتقديم الحق قبل محله ، لأنه لا دليل على لزوم ذلك.

والرهن أمانة في يد المرتهن ، إن هلك من غير تفريط ، فهو من مال الراهن ، ولا يسقط بهلاكه شي‌ء من الدين ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا يغلق الرهن الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه (٤) ، لأن المراد بالغنم الزيادة ، وبالغرم النقصان والتلف ، وقولهم : المراد بالغرم النفقة والمئونة ، لا ينافي ما قلناه ، فيحمل اللفظ على الأمرين ، وأيضا فقوله «الرهن من صاحبه» المراد به من ضمان صاحبه ، ومعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يغلق» أي لا يملكه المرتهن ، ويحتج عليهم بقوله : الخراج بالضمان (٥) ، وخراجه إذا كان للراهن بلا خلاف ، وجب أن يكون من ضمانه.

__________________

(١) في «س» : ولم يشترط.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) بداية المجتهد : ٢ ـ ٢٩٦ والتهذيب : ٧ ـ ٣٧١ وسنن البيهقي : ٦ ـ ٧٩ و ٧ ـ ٢٤٩ وكنز العمال : ٤ ـ ٣٦٣ ولفظ الحديث في بعض المصادر : المسلمون.

(٤) سنن البيهقي : ٦ ـ ٣٩ ، باب الرهن غير مضمون ، وكنز العمال : ٦ ـ ٢٨٩.

(٥) سنن البيهقي : ٥ ـ ٣٢١ والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ٢٠٤ وكنز العمال : ٤ ـ ٩٣ وجامع الأصول : ١ ـ ٥٩٧ و ٥٩٨ وقال ابن الأثير في النهاية (مادة خرج) بعد نقل الحديث ما هذا نصه : يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة ، عبدا كان أو أمة أو ملكا ، وذلك أن يشتريه فيستغله زمانا ثم يعثر منه على عيب قديم لم يطلعه البائع عليه ، أو لم يعرفه ، فله رد العين المبيعة وأخذ الثمن

٢٤٥

ولا يعارض من ذلك ما رووه من أن رجلا رهن فرسه عند إنسان فنفق ، فسأل المرتهن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، فقال : ذهب حقك (١) لأن المراد بذلك ذهب حقك من الوثيقة لا من الدين ، وقلنا ذلك لوجهين (٢) : أحدهما : أنه وحد الحق ، ولو أراد ذهاب الدين والوثيقة معا لقال : ذهب حقاك ، والثاني : أن الدين إنما يسقط عند المخالف إذا كان مثل قيمة الرهن أو أقل ، ولا يسقط الزيادة منه إذا كان أكثر ، فلو أراد ذهاب حقه من الدين ، لاستفهم عن مبلغه ، أو فصل في الجواب.

وقولهم : سقوط الحق من الوثيقة معلوم بالمشاهدة ، فلا فائدة في بيانه ، غير صحيح ، لأن تلف الرهن لا يسقط حق المرتهن من الوثيقة على كل حال ، بل إذا أتلفه الراهن ، أو أتلفه أجنبي ، فإن القيمة تؤخذ وتجعل رهنا مكانه ، فأراد عليه‌السلام أن يبين أن الرهن إذا تلف من غير جناية (٣) سقط حق الوثيقة.

وإذا ادعى المرتهن هلاك الرهن ، كان القول قوله مع يمينه ، سواء ادعى ذلك بأمر ظاهر أو خفي ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا فقد بينا أنه أمانة في يده ، وإذا كان كذلك ، فالقول قوله في هلاكه.

وإذا اختلف الراهن والمرتهن في الاحتياط والتفريط ، وفقدت البينة ، فالقول قول المرتهن أيضا مع يمينه ، وإذا اختلفا في مبلغ الرهن ، أو مقدار قيمته ، فالقول قول الراهن مع يمينه ، وإذا اختلفا في مبلغ الدين ، أخذ ما أقر به الراهن (٤) وحلف على ما أنكره ، ويدل على ذلك كله ، الإجماع المتكرر ذكره.

__________________

ويكون للمشتري ما استغله ، لأن المبيع لو كان تلف في يده لكان من ضمانه ، ولم يكن له على البائع شي‌ء. والباء في بالضمان متعلقة بمحذوف ، تقديره الخراج مستحق بالضمان أي بسببه.

انتهى وتقدم الحديث مع التعليقة عليه في كتاب المتاجر في ذيل خيار العيب فلاحظ.

(١) سنن البيهقي : ٦ ـ ٤١.

(٢) في «ج» : بوجهين.

(٣) في «ج» : من غير خيانة.

(٤) في «س» : للراهن.

٢٤٦

فصل في التفليس

المفلس في الشرع من ركبته الديون ، وماله لا يفي بقضائها.

ويجب على الحاكم الحجر عليه بشروط أربعة :

أحدها : ثبوت إفلاسه ، لأنه سبب الحجر عليه ، فلا يجوز قبل ثبوته.

والثاني : ثبوت الديون عليه لمثل ذلك.

والثالث : كونها حالة ، لأن المؤجل لا يستحق المطالبة به قبل حلول أجله.

والرابع : مسألة الغرماء الحجر عليه ، لأن الحق لهم ، فلا يجوز للحاكم الحجر به إلا بعد مسألتهم.

فإذا حجر عليه تعلق بحجره أحكام ثلاثة :

أولها : تعلق ديونهم بالمال الذي في يده.

وثانيها : منعه من التصرف في ماله بما يبطل حق الغرماء ، كالبيع ، والهبة ، والإعتاق ، والمكاتبة ، والوقف ، ولو تصرف لم ينفذ تصرفه ، لأن نفوذه يبطل فائدة الحجر عليه ، ويصح تصرفه فيما سوى ذلك ، من خلع ، وطلاق ، وعفو عن قصاص ، ومطالبة به ، وشراء بثمن في الذمة ، ولو جنى جناية توجب الأرش ، شارك المجني عليه الغرماء بمقداره ، لأن ذلك حق ثبت على المفلس بغير اختيار صاحبه ، ولو أقر بدين ، وذكر أنه كان عليه قبل الحجر ، قبل إقراره ، وشارك المقر له سائر الغرماء ، لأن إقراره صحيح ، وإذا كان كذلك ، فظاهر الخبر في قسمة ماله بين غرمائه يقتضي ما ذكرناه ، فمن خصصه فعليه الدليل.

٢٤٧

وثالثها : أن كل من وجد عين ماله من غرمائه (١) كان أحق بها من غيره ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : أيما رجل مات ، أو أفلس ، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه (٢) ، هذا إذا وجد العين بحالها لم تتغير ولا تعلق بها حق لغيره برهن أو كتابة.

فإن تغيرت ، لم يخل تغيرها إما أن يكون بزيادة أو نقصان.

فإن كان بنقصان كان بالخيار بين أن يترك ويضرب بالثمن مع باقي الغرماء ، وبين أن يأخذ ، فإن أخذ وكان نقصان جزء ، وينقسم الثمن عليه ، كعبدين تلف أحدهما ، أخذ الموجود ، وضارب الغرماء بثمن المفقود ، وإن كان نقصان جزء لا ينقسم الثمن عليه ، كذهاب عضو من أعضائه ، فإن كان لا أرش له ، لكونه بفعل المشتري ، أو بآفة سماوية ، أخذ العين الناقصة ، من غير أن يضرب مع الغرماء بمقدار النقص ، وإن كان له أرش ، لكونه من فعل أجنبي ، أخذه وضرب بقسط ما نقص بالجنابة مع الغرماء.

وإن كان تغيير العين بزيادة لم يخل إما أن تكون متصلة أو منفصلة ، فإن كانت متصلة لم يخل إما أن تكون بفعل المشتري أو بفعل غيره ، فإن كان بفعله ، كصبغ الثوب وقصارته ، كان شريكا للبائع بمقدار الزيادة ، وإلا أدى إلى إبطال حقه ، وذلك لا يجوز ، وإن كانت بغير فعله ، كالسمن ، والكبر ، وتعليم الصنعة ، أخذ العين بالزيادة ، لأنها تبع ، وإن كانت منفصلة كالثمرة والنتاج ، أخذ العين دون الزيادة ، لأنها حصلت في ملك المشتري.

ولو كانت العين زيتا ، فخلطه بأجود منه سقط حق بائعه من عينه ، لأنها في

__________________

(١) في «ج» : عن غرمائه.

(٢) المستدرك على الصحيحين : ٢ ـ ٥١ كتاب البيوع ولاحظ كنز العمال : ٤ ـ ٢٧٥ برقم ١٠٤٦٥ كتاب التفليس ، وسنن البيهقي : ٦ ـ ٤٥ و ٤٦ باختلاف قليل.

٢٤٨

حكم التالفة ، بدلالة أنها ليست موجودة (١) مشاهدة ولا من طريق الحكم ، لأنه ليس له أن يطالب بقسمته.

ولا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها ، ولا عبده الذي يخدمه ، ولا دابته التي يجاهد عليها ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأنه لا دليل على وجوب بيع ما ذكرناه ، ويلزمه بيع ما عدا ذلك ، فإن امتنع باع الحاكم عليه ، وقسم الثمن بين الغرماء ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ونحتج على المخالف بما رووه من أنه عليه‌السلام : حجر على معاذ وباع ماله في دينه (٢) وظاهر ذلك أنه باعه بغير اختياره.

وإذا ظهر غريم آخر بعد القسمة ، نقضها الحاكم وقسم عليه ، لأن حقه ثابت فيما كان في يد المفلس ، ولا دليل على سقوطه منه بقسمته على غيره.

ولا تصير الديون المؤجلة على المفلس حالة بحجر الحاكم عليه للحالة ، لأن الأصل كونها مؤجلة ، وعلى من ادعى أنها تصير حالة الدليل.

ويسمع البينة على الإعسار ، بدليل إجماع الطائفة ، ولأنها ليست على مجرد النفي ، وإنما تتضمن إثبات صفة له ، ويجب سماعها في الحال ، ولا يقف ذلك على حبس المعسر ، بدليل الإجماع المشار إليه.

وإذا ثبت إعساره بالبينة ، أو صدقه في دعوى ذلك الغرماء ، لم يجز (٣) للحاكم حبسه ، ووجب عليه المنع من مطالبته وملازمته إلى أن يستفيد مالا ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وأيضا قوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٤) ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام لغرماء الرجل الذي أصيب

__________________

(١) في «ج» : بموجودة.

(٢) سنن البيهقي : ٦ ـ ٤٨ باب الحجر على المفلس ، والبحر الزخار : ٥ ـ ٨٩ كتاب الحجر.

(٣) في «ج» : لم يجب.

(٤) البقرة : ٢٨٠.

٢٤٩

بما ابتاعه من الثمار : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك (١) ، ولم يذكر الملازمة.

وليس للغرماء مطالبة المعسر بأن يؤجر نفسه ، ويكتسب لإيفائهم ، بدليل ما قدمناه في المسألة الأولى سواء ، بل هو إذا علم من نفسه القدرة على ذلك وارتفاع الموانع منه ، فعله ليبرئ ذمته.

وعلى الحاكم إشهار المفلس ، بدليل الإجماع ، ليعرف ، فلا يعامله إلا من رضي بإسقاط دعواه عليه.

__________________

(١) مسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٣٦ و ٥٨ وكنز العمال : ٤ ـ ٢٧٨ برقم ١٠٤٨٠.

٢٥٠

فصل في الحجر

المحجور عليه هو الممنوع من التصرف في ماله ، وهو على ضربين : محجور عليه لحق غيره ، ومحجور عليه لحق نفسه.

والأول ثلاثة : المفلس ، وقد قدمنا حكمه ، والمريض محجور عليه في الوصية بما زاد على الثلث من التركة ، لحق ورثته ، بلا خلاف ، والمكاتب محجور عليه فيما في يده ، لحق سيده.

والضرب الثاني أيضا ثلاثة : الصبي والمجنون والسفيه ، ولا يرتفع الحجر عن الصبي إلا بأمرين : البلوغ والرشد ، والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء : السن ، وظهور المني والحيض والحلم والإنبات ، بدليل إجماع الطائفة.

وحد السن في الغلام خمس عشرة سنة ، وفي الجارية تسع سنين ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف في الغلام بما رووه من قوله عليه‌السلام : إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة ، كتب ما له وعليه ، وأخذت منه الحدود (١) وبما رووه عن ابن عمر من قوله : عرضت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام بدر ، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة ، فردني ولم يرني بلغت ، وعرضت عليه عام الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة ، فأجازني في المقاتلة (٢) ، فنقل الحكم ، وهو الرد والإجازة ، وسببه هو السن.

__________________

(١) المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ٤ ـ ٥١٥ كتاب الحجر الفصل الثالث في البلوغ ، ونقله الشيخ في الخلاف كتاب الحجر المسألة ٢.

(٢) سنن البيهقي : ٦ ـ ٥٥ كتاب الحجر باب البلوغ بالسن ، والمغني لابن قدامة والشرح الكبير : ٤ ـ ٥١٣ كتاب الحجر.

٢٥١

والرشد يكون بشيئين : أحدهما : أن يكون مصلحا لماله بلا خلاف ، والثاني : أن يكون عدلا في دينه ، فإن اختل أحدهما استمر الحجر أبدا إلى أن يحصل الأمران ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) (١).

والفاسق سفيه ، وأيضا قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) (٢) فاشترط الرشد ، ومن كان فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي ، ومن وصف بذلك لم يوصف بالرشد ، لتنافي الصفتين ، وأيضا فلا خلاف في جواز دفع المال إليه مع اجتماع العدالة وإصلاح المال ، وليس على جواز دفعه إذا انفرد أحد الأمرين دليل.

وإذا اجتمع الأمران معا جاز (٣) على كل حال ، فإن ارتفع الحجر ثم صار مبذرا مضيعا ، أعيد الحجر عليه ، بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فالمبذر سفيه وغير رشيد بلا خلاف ، فوجب إعادة الحجر عليه ، لظاهر ما قدمناه من القرآن ، وأيضا قوله تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) (٤) وذمه تعالى للتبذير يوجب المنع منه ، ولا يصح ذلك إلا بالحجر.

ويحتج على المخالف بما رووه من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقبضوا على أيدي سفهائكم (٥) ولا يصح القبض إلا بالحجر ، وقوله عليه‌السلام : إن الله يكره لكم ثلاثا : قيل وقال ،

__________________

(١) النساء : ٥.

(٢) النساء : ٦.

(٣) في «ج» : «بناء» بدل «جاز».

(٤) الإسراء : ٢٧.

(٥) الجامع الصغير : ١ ـ ٦٠٠ برقم ٣٨٩٤ وكنز العمال : ٣ ـ ٦٩ برقم ٥٥٢٥ و ٥٥٨٦ ولفظ الحديث : خذوا على أيدي سفهائكم قبل أن يعمهم الله بعقابه ، وكنوز الحقائق للمناوي المطبوع في هامش الجامع الصغير : ١ ـ ١٢٣ وفيه : «خذوا على أيدي سفهائكم من قبل أن يهلكوا أو يهلكوا ، وفي الخلاف ، كتاب الحجر ، المسألة ٧ ، كما في المتن.

٢٥٢

وكثرة السؤال وإضاعة المال (١) ، وما يكره الله تعالى يجب المنع منه ، لأنه لا يكون إلا محرما.

وإن عاد الفسق دون تبذير المال ، فالاحتياط يقتضي إعادة الحجر أيضا ، لأنا قد بينا أن الفاسق سفيه ، وإذا كان كذلك فهو ممنوع من دفع المال إليه ، لما قدمناه من الاستدلال.

ويصح طلاق المحجور عليه للسفه ، وخلعه ، ولا تدفع المرأة بذل الخلع إليه ، ويصح مطالبته بالقصاص ، وإقراره بما يوجبه ، ولا يصح تصرفه في أعيان أمواله ، ولا شراؤه بثمن في الذمة.

__________________

(١) سنن البيهقي : ٦ ـ ٦٣ وفيه : ان الله كره لكم ثلاثا. ونحوه في مسند أحمد بن حنبل : ٢ ـ ٣٢٧ ، و ٤ ـ ٢٤٦ و ٢٤٩ ومثله في كنز العمال : ١٦ ـ ٤٦ برقم ٤٣٨٧١ و ٤٤٠٢٨.

٢٥٣

فصل في الصلح

الصلح جائز بين المسلمين ما لم يؤد إلى تحليل حرام أو تحريم حلال ، فلا يحل أن يؤخذ بالصلح ما لا يستحق ولا يمنع به المستحق ، وهو جائز مع الإنكار ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١) ولم يفرق ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا. (٢)

والشوارع على الإباحة يجوز لكل أحد التصرف فيها بما لا يتضرر به المارة ، فإن أشرع جناحا وكان عاليا لا يضر بالمجتازين ، ترك ما لم يعارض فيه أحد من المسلمين ، فإن عارض وجب قلعه ، لأن الطريق حق لجميعهم ، فإذا أنكر أحد لم يجز أن يغصب على حقه ، وأيضا فلا خلاف أنه لا ينفرد بملك شي‌ء من القرار والهواء ، والبناء تابع له ، وأيضا فلو سقط ما أشرعه على إنسان فقتله ، أو مال فأتلفه ، للزمه الضمان بلا خلاف ، ولو كان يملك ذلك لما لزمه.

والسكة إذا كانت غير نافذة فهي ملك لأرباب الدور الذين فيها طرقهم ، فلا يجوز لبعضهم فتح باب فيها ، ولا إشراع جناح إلا برضا الباقين ، ضر ذلك أو لم يضر ، ومتى أذنوا في ذلك ، كان لهم الرجوع فيه ، لأنه إعادة (٣) ، ولو صالحوه على

__________________

(١) النساء : ١٢٨.

(٢) سنن البيهقي : ٦ ـ ٦٥ كتاب الصلح ، وكنز العمال : ٤ ـ ٣٦٥ برقم ١٠٩٣٣ والوسائل : ١٨ ـ ١٧٠ ب ٣ من أبواب كيفية الحكم ح ٥.

(٣) كذا في «ج» ولكن في الأصل و «س» : لانه اعارة.

٢٥٤

ترك الجناح بعوض لم يصح ، لأن إفراد الهواء بالبيع باطل ، ولا يجوز منعه من فتح كوة في حائطه ، لأن ذلك تصرف في ملكه خاصة ، ولا أعلم في ذلك كله خلافا.

فإن تساوت الأيدي في التصرف في شي‌ء وفقدت البينة ، حكم بالشركة ـ أرضا كان ذلك ، أو دارا ، أو سقفا ، أو حائطا أو غير ذلك ـ لأن التصرف دلالة الملك وقد وجد.

فإن كان للحائط عقد إلى أحد الجانبين ، أو فيه تصرف خاص لأحد المتنازعين ، كوضع الخشب ، فالظاهر أنه لمن العقد إليه ، والتصرف له ، فتقدم دعواه ، ويكون القول قوله مع يمينه ، وإنما كلفناه اليمين ، لجواز أن يكون هذا التصرف مأذونا فيه ، أو مصالحا عليه ، والحائط ملك لهما.

ويحكم بالخص (١) لمن إليه معاقد القمط (٢) ، وهي : مشاد الخيوط في القصب ، بدليل إجماع الطائفة ، ويحتج على المخالف بما رووه من طرقهم من أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث عبد الله بن اليمان (٣) ليحكم بين قوم اختصموا في خص ، فحكم به لمن إليه القمط ، فلما رجع إليه عليه‌السلام أخبره بذلك فقال : أصبت وأحسنت. (٤)

وإذا انهدم الحائط المشترك لم يجبر أحد الشريكين على عمارته والإنفاق عليه ، وكذا القول في كل ملك مشترك ، وكذا لا يجبر صاحب السفل على إعادته لأجل العلو ، لأن الأصل براءة الذمة ومن أوجب إجباره على النفقة في ذلك ، فعليه الدليل ، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرئ

__________________

(١) الخص ـ بالضم والتشديد ـ : البيت من القصب.

(٢) والقمط ، جمع قماط وهو حبل يشد به الأخصاص. مجمع البحرين.

(٣) في المصدر : حذيفة بن اليمان.

(٤) سنن ابن ماجة : ٢ ـ ٧٨٥ برقم ٢٣٤٣ ، وسنن البيهقي : ٦ ـ ٦٧ وأسد الغابة : ١ ـ ٢٦٢.

٢٥٥

مسلم إلا بطيب نفس منه. (١)

وإذا أراد أحدهما الانفراد بالعمارة لم يكن للآخر منعه ، فإن عمر متبرعا بالآلات القديمة ، لم يكن له المطالبة لشريكه بنصف النفقة ، ولا منعه من الانتفاع ، وإن عمر بآلات مجددة ، فالبناء له ، وله نقضه إذا شاء ، والمنع لشريكه من الانتفاع ، وليس له سكنى السفل ولا منع شريكه من سكناه ، لأن ذلك انتفاع بالأرض لا بالبناء.

ولا يجوز لأحد الشريكين في الحائط أن يدخل فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن الآخر ، لأن ذلك هو الأصل من حيث كان تصرفا فيما لا يملكه على الانفراد ، ومن ادعى جواز ذلك لزمه الدليل ، ومتى أذن لشريكه في الحائط في وضع خشب عليه ، فوضعه ثم انهدم أو قلع ، لم يكن له أن يعيده إلا بإذن مجدد ، لأن جواز إعادته يفتقر إلى دليل ، والأصل أن لا يجوز ذلك إلا بإذن ، وليس الإذن في الأول إذنا في الثاني.

وإذا تنازع اثنان دابة ، أحدهما راكبها والآخر آخذ بلجامها ، وفقدت البينة ، فهي بينهما نصفين ، لأنه لا دليل على وجوب الحكم بها للراكب ، وتقديمه على الآخذ ، فمن ادعى ذلك فعليه الدليل.

ومن ادعى على غيره مالا مجهولا ، فأقر له به ، وصالحه فيه على مال معلوم ، صح الصلح ، لقوله تعالى (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (٢) لأنه لم يفرق ، وقوله عليه‌السلام : الصلح جائز بين المسلمين ، الخبر. (٣)

__________________

(١) سنن البيهقي : ٦ ـ ١٠٠ وكنز العمال : ١ ـ ٩٢ ومسند أحمد : ٥ ـ ٧٢ والبحر الزخار : ٥ ـ ٨٩.

(٢) النساء : ١٢٨.

(٣) سنن البيهقي : ٦ ـ ٦٥ كتاب الصلح ، وكنز العمال : ٤ ـ ٣٦٥ برقم ١٠٣٣.

٢٥٦

فصل في الحوالة(١)

الحوالة تفتقر في صحتها إلى شروط :

منها : رضا المحيل إجماعا ، لأن من عليه الدين مخير في جهات قضائه.

ومنها : رضا المحال ـ بلا خلاف إلا من داود ـ لأن نقل الحق من ذمة إلى أخرى مع اختلاف الذمم ، تابع لرضا صاحبه ، ولأنه إذا رضي عليه صحت الحوالة بلا خلاف ، وليس على صحتها مع عدم رضاه دليل ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا أحيل أحدكم على ملي‌ء فليحتل (٢) ، محمول على الاستحباب ، لما فيه من قضاء حاجة أخيه وإجابته إلى ما ينبغي.

ومنها : رضا المحال عليه ، لأن إثبات الحق في ذمته لغيره ـ مع اختلاف الغرماء في شدة الاقتضاء وسهولته ـ تابع لرضاه ، ولأنه لا خلاف في صحتها إذا رضي ، وليس كذلك إذا لم يرض.

ومنها : أن يكون المحال عليه مليا في حال الحوالة ، بلا خلاف بين أصحابنا ، فإن رضي المحال بعدم ملاءته جاز ، لأنه صاحب الحق.

وتصح الحوالة على من ليس عليه دين ، لأن الأصل جواز ذلك ، والمنع منه يفتقر إلى دليل.

__________________

(١) حقيقة الحوالة تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره ، وهي متقومة بأشخاص ثلاثة : «المحيل» وهو المديون ، و «المحتال» وهو الدائن و «المحال عليه» ، وأما «المحال به» فهو المال الذي أحاله المحيل إلى ذمة المحال عليه.

(٢) سنن البيهقي : ٦ ـ ٧٠ كتاب الحوالة ، وكنز العمال : ٥ ـ ٥٧٥ برقم ١٤٠١٥.

٢٥٧

وإذا كان عليه دين اعتبر شرطان آخران :

أحدهما : اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة ، لأن المحال عليه لا يلزمه أن يؤدي خلاف ما هو عليه.

والثاني : أن يكون الحق مما يصح أخذ البدل فيه قبل قبضه ، لأن ذلك في الحوالة وهذه حالها في معنى المعاوضة.

وإذا صحت الحوالة ، انتقل الحق إلى ذمة المحال عليه ، بلا خلاف إلا من زفر (١) لأنها مشتقة من التحويل ، وذلك لا يكون مع بقاء الحق في الذمة الأولى.

ولا يعود الحق إلى ذمة المحيل إذا جحد المحال عليه الحق وحلف عليه ، أو مات مفلسا ، أو أفلس وحجر الحاكم عليه ، لأنه لا دليل على عود الحق إليه بعد انتقاله عنه ، ولأن عوده إليه عند إعسار المحال عليه ، يبطل فائدة اشتراط ملاءته ، وقد بينا أن ذلك يشترط.

وإذا أحال المشتري البائع بالثمن ، ثم رد المبيع بالعيب ، بطلت الحوالة ، لأنها بحق البائع وهو الثمن ، وإذا بطل البيع سقط الثمن فبطلت ، فإن أحال البائع على المشتري بالثمن ثم رد المبيع بالعيب ، لم تبطل الحوالة ، لأنه تعلق به حق لغير المتعاقدين.

وإذا اختلفا فقال المحيل : وكلتك بلفظ الوكالة ، وقال المحال : بل أحلتني بلفظ الحوالة ، فالقول قول المحيل بلا خلاف ، لأنهما اختلفا في لفظه ، وهو أعرف به من غيره ، ولو كان النزاع بالعكس من ذلك ، كان القول قول المحال ، لأن الأصل بقاء حقه في ذمة المحيل.

__________________

(١) وهو زفر بن الهذيل بن قيس بن مسلم من بني العنبر أحد الفقهاء والزهاد ، تفقه وغلب عليه الرأي ، وهو أول من قدم البصرة برأي أبي حنيفة مات بالبصرة سنة ١٥٨ ه‍ ـ لاحظ الفهرست لابن النديم : ٢٥٦ ولسان الميزان : ٢ ـ ٤٧٦.

٢٥٨

وإذا اتفقا في لفظ الحوالة ، وان القدر الذي جرى بينهما منه أنه قال : أحلتك بما لي عليه من الحق ، ثم اختلفا فقال المحيل : أنت وكيلي في ذلك ، وقال المحال : بل أحلتني لآخذ ذلك لنفسي ، فالقول قول المحيل ، لأن الأصل بقاء حق المحال في ذمته ، وبقاء حقه على المحال عليه ، المحال يدعي زوال ذلك ، والمحيل ينكره ، كان القول قوله مع يمينه.

٢٥٩

فصل في الضمان(١)

من شرط (٢) صحته :

أن يكون الضامن مختارا ، غير مولى عليه ، مليا في حال الضمان ـ إلا أن يرضى المضمون له بعدم ملاءته ، فيسقط هنا هذا الشرط.

وأن يكون إلى أجل معلوم.

وأن يقبل المضمون له ذلك.

وأن يكون المضمون حقا لازما في الذمة ـ كمال القرض والأجرة وما أشبه ذلك ـ بدليل الإجماع المشار إليه ، ومصيره إلى اللزوم ، كالثمن في مدة الخيار ، لقوله عليه‌السلام : الزعيم غارم (٣) ، ولم يفصل.

ويصح ضمان مال الجعالة بشرط أن يفعل ما يستحق به ، للخبر المتقدم ، وقوله تعالى (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ). (٤)

وليس من شرط صحته أن يكون المضمون معلوما ، بل لو قال : كل حق يثبت على فلان فأنا ضامنه ، صح ولزمه ما يثبت بالبينة أو الإقرار ، بدليل الإجماع

__________________

(١) قال الشيخ في المبسوط ج ٢ ص ٣٢٣ : فمن شرطه وجود ثلاثة أشخاص : ضامن ، ومضمون له ، ومضمون عنه ، فالضامن هو الكفيل بالدين والمحتمل له ، والمضمون له هو صاحب الدين ، والمضمون عنه فهو من عليه الدين.

(٢) في الأصل : من شروط.

(٣) سنن البيهقي : ٦ ـ ٧٢ كتاب الضمان ومسند أحمد بن حنبل : ٥ ـ ٢٦٧ وكنز العمال : ١٥ ـ ١٧٨ برقم ٤٠٤٩٠.

(٤) يوسف : ٧٢.

٢٦٠