غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ويكره للصائم الاكتحال بما فيه صبر (١) أو ما أشبهه ، وتقطير الدهن في الأذن ، وشم المسك والزعفران والرياحين ، وآكدها النرجس ، والسواك الرطب ، والحقنة بالجامد مع الإمكان ، ولبس الثوب المبلول للتبرد ، والمضمضة والاستنشاق كذلك ، وإخراج الدم ، ودخول الحمام على وجه يضعف ، وملاعبة الحلال من النساء ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

الفصل الثاني

وأما الضرب الثاني من واجب الصيام ، فصوم القضاء للفائت ، وصوم كفارة من أفطر يوما من رمضان ، وصوم النذر والعهد بلا خلاف ، وصوم كفارة الفطر فيهما ، بدليل الإجماع المذكور وطريقة الاحتياط ، وصوم جزاء الصيد ، وصوم دم المتعة ، وصوم كفارة حلق الرأس ، وصوم كفارة الظهار ، وصوم كفارة قتل الخطأ ، وصوم كفارة اليمين ، بلا خلاف ، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان ، وصوم كفارة البراءة ، وصوم كفارة جز المرأة شعرها في مصاب ، وصوم المفوت لعشاء الآخرة ، وصوم الاعتكاف ، وصوم كفارة فسخ الاعتكاف ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط ، واليقين ببراءة الذمة.

الفصل الثالث

وأما القضاء فهو مثل المقضي ، ويلزم على الفور ، ويفتقر إلى نية التعيين ، ويجوز تفريقه ، وموالاته أفضل ، ومن دخل عليه رمضان ثان ، وعليه من الأول شي‌ء لم يتمكن من قضائه ، قدم صيام الحاضر ، وقضى الفائت بعده ، وإن كان

__________________

(١) الصبر : الدواء المر ، بكسر الباء في الأشهر. المصباح المنير.

١٤١

تمكن من القضاء ففرط ، لزمه مع القضاء أن يكفر عن كل يوم بإطعام مسكين ، ومن أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان قبل الزوال أثم ، وإن كان بعد الزوال تضاعف إثمه ووجب عليه صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام عشرة مساكين ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، ومن أصحابنا من قال : إن كان الإفطار في قضاء وجب لإفطار يجب به الكفارة لزم فيه مثلها. (١)

وقد قدمنا أن صوم كفارة المفطر في شهر رمضان شهران ويجب التتابع فيهما وتكميلهما ، فلا يصام شعبان لأجل رمضان ، ولا شوال لأجل يوم العيد ، ولا ذو القعدة لأجل يوم النحر وأيام التشريق في ذي الحجة ، ومن أفطر في شي‌ء من الشهرين مضطرا ، بنى على ما صامه ولو كان يوما واحدا ، وإن كان مختارا في الشهر الأول استأنف الصوم ، وإن كان في الشهر الثاني أثم ، وجاز له البناء ولو كان بعد صيام يوم واحد منه ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وقوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) ، يدل على سقوط الاستئناف في الموضع الذي أجزنا فيه البناء ، والولي يقضي الصوم عن الميت ، على ما بيناه في قضاء الصلاة.

الفصل الرابع

وأما صوم النذر والعهد فعلى حسبهما ، وقد أوجبهما الله تعالى بقوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) وقوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٤) ، فإن كان ما نذره أو عاهد عليه معينا بزمان مخصوص لا مثل له ، ككل [يوم] (٥) جمعة ، أو أول جمعة من الشهر الفلاني ، لزمه ذلك بعينه ، وكذا إن كان له مثل كيوم جمعة ما أو شهر محرم

__________________

(١) الحلبي : الكافي : ١٨٤.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) المائدة : ١.

(٤) النحل : ٩١.

(٥) ما بين المعقوفتين موجود في «ج».

١٤٢

ما ، وإن كان غير معين بزمان مخصوص ، كيوم ما أو شهر ما ، كان مخيرا في الأيام والشهور.

فإن أفطر فيما تعين ولا مثل له مختارا ، فعليه ما على المفطر في يوم من رمضان من القضاء والكفارة ، وإن كان له مثل أثم وعليه القضاء ، فإن شرط في صوم الشهر الموالاة ، ففرق مضطرا بنى على ما مضى ، وإن كان مختارا لزمه الاستئناف على كل حال ، وإن لم يشرط الموالاة فأفطر مضطرا ، بنى ، وإن كان مختارا في النصف الأول استأنف ، وإن كان في النصف الثاني أثم وجاز له البناء ، وإن شرط أداء ذلك في مكان مخصوص ، لزم فعله (١) فيه مع التمكن ، كل ذلك بدليل الإجماع المتكرر ذكره وطريقة الاحتياط ، ورفع الحرج في الدين يسقط الاستئناف في الموضع الذي أجزنا فيه البناء.

وإن اتفق النذر المعين أو العهد في شهر رمضان سقط فرضه ، وكذا إن اتفق في يوم يحرم صومه ، ولم يلزم كفارة ولا قضاء لشي‌ء من ذلك ، لأن النذر أو العهد لا يدخلان على ما ذكرناه من حيث كان صوم رمضان واجبا قبلهما وصوم المحرم معصية ، وقد ذكر أن من أفطر فيما تعين صومه من ذلك ولا مثل له لضرورة يطيق معها الصوم بمشقة فعليه مع القضاء أن يكفر بإطعام عشرة مساكين أو صيام ثلاثة أيام. (٢)

الفصل الخامس

في صوم كفارة جزاء الصيد.

الأصل في وجوب ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ

__________________

(١) في «ج» : لزمه فعله.

(٢) لاحظ الكافي للحلبي : ١٨٥.

١٤٣

وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً). (١)

فمن قتل صيدا وكان محرما في الحل ، وعجز عن الفداء بالمثل والإطعام ، وجب عليه الصوم ، وهو يختلف على حسب اختلاف الصيد ، ففي النعامة ستون يوما ، فمن لم يستطع فثمانية عشر يوما ، وفي حمار الوحش أو بقرة الوحش ثلاثون يوما ، فمن لم يتمكن فتسعة أيام ، وفي الغزال وما أشبهه ثلاثة أيام ، وفيما لا مثل له من النعم صيام يوم لكل نصف صاع بر من قيمته.

وإن كان محرما في الحرم ، فعليه مثلا ما ذكرناه من الصوم ، والمتابعة فيه أفضل من التفريق ، والدليل على هذا التفصيل الإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط ، فإن قيل : ظاهر الآية التي تلوتموها يدل على أن هذه الكفارة مخير فيها وأنتم قد قلتم إنها على الترتيب! قلنا : نعدل عن ظاهر لفظة أو للدليل ، كما عدلنا كلنا عن ظاهر الواو في قوله تعالى (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ). (٢)

الفصل السادس :

في صوم دم المتعة

الأصل في وجوبه قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) (٣) والثلاثة في الحج يوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجة ، ومن فرق صومها عن اختيار استأنف ، وإن كان عن اضطرار وكان قد صام يومين قبل

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) النساء : ٣.

(٣) البقرة : ١٩٦.

١٤٤

النحر صام الثالث بعد أيام التشريق ، وإن صام قبله يوما واحدا صام الثلاثة بعد أيام التشريق ، ومن لم يتمكن من صومها بعد أيام التشريق جاز له صومها في طريقه ، فإن لم يقدر صامها مع السبعة الباقية إذا رجع إلى أهله.

والتتابع واجب أيضا في السبعة ، ولا يجوز أن يصام في السفر من الصوم الواجب إلا هذه الثلاثة الأيام ، والنذر المشروط صيامه في السفر والحضر ، فإن جاور (١) بمكة أو صد عن بلده صام السبعة إذا مضى من المدة ما يصل في مثله إليه ، وكل هذا التفصيل بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

الفصل السابع

وأما صوم كفارة حلق الرأس فثلاثة أيام ، وكذا صوم كفارة اليمين ، والأصل في وجوبهما قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ) (٢) ، وقوله سبحانه (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ـ إلى قوله : ـ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ) (٣) ، ويجب التتابع في كل ذلك ، فمن فرق مختارا استأنف ، ومن فرق مضطرا بنى ، بدليل ما قدمناه.

الفصل الثامن :

في الاعتكاف وما يتعلق به من صوم وغيره

من شروط انعقاده الصوم ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، لأن

__________________

(١) في «ج» و «س» : «فإن جاوز» والصحيح ما في المتن.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) المائدة : ٨٩.

١٤٥

من أوجب على نفسه الاعتكاف بنذر أو عهد ، لا بد أن يتيقن براءة ذمته منه ، ولا خلاف في براءة ذمته إذا صام ، وليس كذلك إذا لم يصم ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١) ، ولفظ الاعتكاف شرعي وله شروط شرعية على حسب الخلاف في ذلك ، وعلى كل حال يفتقر فيه إلى بيان ، وإذا لم يبينه سبحانه في الكتاب احتجنا في بيانه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا وجدناه عليه‌السلام لم يعتكف إلا بصوم ، كان فعله بيانا ، وفعله إذا وقع على وجه البيان كان كالموجود في لفظ الآية ، ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا اعتكاف إلا بصوم (٢) وقوله لعمر : اعتكف وصم. (٣)

ومن شرط انعقاده أن يكون في مسجد صلى فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إمام عدل بعده الجمعة ، وذلك أربعة : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة ، بدليل الإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط ، لأنه لا خلاف في انعقاده فيما ذكرناه من الأمكنة وليس على انعقاده في غيرها دليل.

قوله تعالى (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ، لا ينافي ما ذكرناه ، لأن اللفظ مجمل ، ولفظ المساجد ها هنا ينبئ عن الجنس لا عن الاستغراق.

ومن شرط انعقاده أن يكون ثلاثة أيام فما زاد ، لمثل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط ، وتعلق المخالف في ذلك بظاهر قوله تعالى (وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) ، وأنه يتناول ما نقص عن ثلاثة أيام ، لا يصح لأنا قد بينا أن الاعتكاف إما أن يكون لفظه شرعيا أو لغويا له شروط شرعية ، فلا بد من الرجوع إلى الشرع ، إما في الاسم أو في الشروط ، فعليهم أن يدلوا على أن ما نقص عن الثلاثة يتناوله في الشرع هذا الاسم ، ويكمل له الشروط الشرعية حتى

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) سنن أبي داود : ٢ ـ ٣٣٣ برقم ٢٤٧٣ وسنن البيهقي : ٤ ـ ٣١٧.

(٣) سنن الدار قطني : ٢ ـ ٢٠٠ برقم ٩ وسنن أبي داود : ٢ ـ ٣٣٤ برقم ٢٤٧٤.

١٤٦

يصح تناول الآية له.

وملازمة المسجد شرط في صحة الاعتكاف بلا خلاف إلا لعذر ضروري ، من إرادة بول ، أو غائط ، أو إزالة حدث الاحتلام ، أو أداء فرض تعين من شهادة أو غيرها ، وعندنا يجوز أن يخرج لعيادة المريض ، وتشييع الجنازة ، بدليل الإجماع المتكرر.

ويعارض المخالف بما ورد من الحث على ذلك لأنه على عمومه ، ولا يجوز لمن خرج لعذر أن يجلس تحت سقف مختارا حتى يعود إلى المسجد ، ولا التجارة بالبيع والشراء على كل حال ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

وإذا أفطر المعتكف نهارا ، أو جامع ليلا ، انفسخ اعتكافه ، ووجب عليه استئنافه وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، بدليل ما قدمناه في المسألة الأولى ، وأيضا قوله تعالى (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) (١) ، لأنه لم يفصل بين الليل والنهار ، وإن جامع نهارا كان عليه كفارتان : إحداهما لإفساد الصوم والأخرى لإفساد الاعتكاف ، وإن أكره زوجته على الجماع وهي معتكفة انتقلت كفارتها إليه.

والاعتكاف المتطوع به يجب بالدخول فيه المضي فيه (٢) ثلاثة أيام ، وهو في الزيادة عليها بالاختيار إلا أن يمضي له يومان ، فيلزم تكميل ثلاثة أخرى ، للإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط ، ومن أصحابنا من قال : إذا اضطر المعتكف إلى الخروج من المسجد لمرض خرج وقضى إذا صح الاعتكاف (٣)

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) في «ج» : والمضي فيه.

(٣) الشيخ : النهاية : ١٧٢.

١٤٧

ومنهم من قال : يبني على ما مضى (١) ، والأول أحوط.

الفصل التاسع

وصوم مفوت العشاء الآخرة هو اليوم الذي يلي ليلة الفوات ، وليس على من أفطر إلا التوبة والاستغفار ، وما عدا ما ذكرناه من الكفارات شهران متتابعان ، وحكم المفطر فيهما في الاستئناف والبناء ، حكم المفطر في الكفارة عن شهر رمضان ، وقد بيناه.

الفصل العاشر

وأما الصوم المندوب فعلى ضربين : معين وغير معين ، فالأول صوم رجب كله ، وصوم أول يوم منه ، وصوم الثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والسابع والعشرين منه مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشعبان كله ، ويوم النصف منه ، ويوم السابع عشر من ربيع الأول مولد النبي عليه‌السلام ، وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم عليه‌السلام ، ويوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء ، ويوم الغدير ، ويوم دحو الأرض (٢) وهو الخامس والعشرون من ذي القعدة ، وثلاثة أيام في كل شهر : أول خميس منه ، وأول أربعاء في العشر الأوسط منه ، وآخر خميس منه ، وأيام البيض منه وهي : الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وصوم عاشوراء على وجه الحزن ، وثلاثة أيام لاستسقاء ولغيره من الحوائج والشكر.

ويستحب للكافر إذا أسلم في يوم من شهر رمضان ، وللمريض إذا بري‌ء ، وللمسافر إذا قدم ، وللغلام إذا بلغ ، وللمرأة إذا طهرت من الحيض

__________________

(١) الحلبي : الكافي : ١٨٧.

(٢) في «ج» و «س» : دحوة الأرض.

١٤٨

والنفاس ، أن يمسكوا بقية ذلك اليوم ، وهذا هو صوم التأديب.

وأما غير المعين فما عدا ما ذكرناه من الأيام إلا المحرمة.

ويستحب للمرأة أن لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، وكذا العبد مع مولاه والضيف مع مضيفه ، وهذا هو صوم الإذن ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه ، وطريقة الاحتياط وقوله تعالى (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (١) وقوله : (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ). (٢)

وأما الصوم المحرم : فصوم العيدين ، وأيام التشريق بمنى ، ويوم الشك على أنه من رمضان ، وصوم الوصال ، وهو أن يجعل عشاءه سحوره ، وصوم الصمت ، وصوم الدهر ، وصوم نذر المعصية ، بدليل الإجماع الماضي ذكره. وأما ما يتعلق بالصوم من الأحكام فقد بيناه في ضمن فصوله.

__________________

(١) البقرة : ١٨٤.

(٢) الحج : ٧٧.

١٤٩
١٥٠

كتاب الحج

يحتاج في الحج إلى العلم بأقسامه ، وشروطه ، وكيفية فعله ، وما يفسده ، وما يتعلق بذلك من الأحكام.

الفصل الأول

أما أقسامه فثلاثة : تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد.

فالتمتع : أن يقدم على أفعال الحج عمرة يتحلل منها ويستأنف الإحرام للحج.

والقران : أن يقرن بإحرام الحج سياق الهدي.

والإفراد : أن يفرد الحج من الأمرين معا ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

فالتمتع فرض الله على من لم يكن من أهل مكة وحاضريها ، وهم من كان بينه وبينها اثنا عشر ميلا فما دونها ، لا يجزئهم مع التمكن في حجة الإسلام سواه ، بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة.

ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لما نزل فرض التمتع

١٥١

وكان قد ساق الهدي ـ : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي (١) ، وأمر من لم يسق هديا أن يحل ويجعلها عمرة ، لأنه لو كان جائزا في حج الإسلام لمن ذكرناه ، أو أفضل في حج التطوع على ما يقوله المخالف ، لم يكن لأمره (٢) بذلك معنى.

فأما أهل مكة وحاضروها ففرضهم القران والإفراد ولا يجزئهم في حجة الإسلام غيرهما ، بدليل الإجماع المذكور وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) إلى قوله : (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣) وهذا نص ، وليس لأحد أن يقول : إن قوله تعالى (ذلِكَ) إشارة إلى الهدي لا إلى التمتع ، لأن ذلك تخصيص بغير دليل.

والحج على ضربين : مفروض ومسنون ، فالمفروض : حج الإسلام ، وحج النذر أو العهد ، وحج الكفارة ، وأما المسنون : فما عدا ما ذكرناه ، ويفارق الواجب في أنه لا يجب الابتداء به ، ويساويه بعد الدخول فيه في وجوب المضي فيه في سائر أحكامه إلا وجوب القضاء له إذا فات ، بدليل الإجماع الماضي ذكره.

الفصل الثاني

وأما شروطه فعلى ضربين : شرائط الوجوب وشرائط صحة الأداء.

فشرائط وجوب حج الإسلام : الحرية والبلوغ وكمال العقل والاستطاعة بلا خلاف ، والاستطاعة يكون بالصحة ، والتخلية ، وأمن الطريق ، ووجود الزاد

__________________

(١) جامع الأصول لابن الأثير : ٣ ـ ٤٨٩.

(٢) في «ج» : لم يكن بأمره.

(٣) البقرة : ١٩٦.

١٥٢

والراحلة ، والكفاية له ولمن يعول ، والعود إلى كفاية ، من صناعة أو غيرها ، بدليل الإجماع المتردد ، وأيضا فقد ثبت أن من شرط حسن الأمر بالعبادة القدرة عليها ، على ما دللنا عليه فيما تقدم من الأصول.

فلما شرط سبحانه في الأمر بالحج الاستطاعة ، اقتضى ذلك زيادة على القدرة من التمكن من النفقة وغيرها ، ومن لا يجد لعياله نفقة إلى حين عوده لا يكون كذلك ، لتعلق فرض نفقتهم به ، وإذا ثبت ذلك ثبت اعتبار العود إلى كفاية ، لأن أحدا من الأمة لم يفرق بين الأمرين.

ويحتج على مالك بما روي من طرقهم أن رجلا سأله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزلت (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ). الآية (١) فقال : يا رسول الله ما السبيل؟ فقال : زاد وراحلة (٢). وتعلقه بقوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ) (٣) لأن معنى قوله (رِجالاً) رجالة ، ، لا حجة له فيه لأنا نحمله على أهل مكة وحاضريها ، بدليل ما قدمناه ، ولأنه ليس في الآية أكثر من الإخبار عن حالة من يأتيه ، ونحن لا نمنع أن يأتي الحاج المتطوع ماشيا.

وأما شرائط صحة الأداء ، فالإسلام ، وكمال العقل ، والوقت ، والنية ، بلا خلاف ، والختنة بإجماع آل محمد عليهم‌السلام.

الفصل الثالث :

في كيفية فعله

اعلم أن أفعال الحج : الإحرام ، والطواف ، والسعي ، والوقوف بعرفة ، والوقوف بالمشعر الحرام ، ونزول منى ، والرمي ، والذبح ، والحلق. ونحن نذكر كيفية

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) سنن البيهقي : ٤ ـ ٣٢٧ و ٣٣٠.

(٣) الحج : ٢٧.

١٥٣

كل قسم من ذلك ، وما يتعلق به في فصل مفرد إن شاء الله.

الفصل الرابع : في الإحرام

الإحرام ركن من أركان الحج من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف ، ولا يجوز إلا في زمان مخصوص ، وهو شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة ، فمن أحرم قبل ذلك لم ينعقد إحرامه ، بدليل الإجماع المتردد وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١) ، والتقدير وقت الحج ، لأن الحج لا يصح وصفه بأنه أشهر ، وتوقيت العبادة في الشرع بزمان ، يدل على أنها لا تجزي في غيره.

ولا تعلق للمخالف بقوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ) (٢) ، لأنا نخص الإحرام بما ذكرناه من الشهور ، بدليل ما قدمناه ، كما خصصنا كلنا ما عداه من أفعال الحج بأيام مخصوصة من ذي الحجة ، ولأن أبا حنيفة عنده : أن الإحرام ليس من الحج فلا يمكنه التعلق بالآية ، ولأن توقيت الفعل بوقت يقتضي جواز فعله فيه من غير كراهة ، وعند أبي حنيفة : أن تقديم الإحرام مكروه. (٣)

ولا يجوز عقد الإحرام إلا في موضع مخصوص ، وهو لمن حج على طريق المدينة ذو الحليفة ، وهو مسجد الشجرة ، ولمن حج على طريق الشام الجحفة ، ولمن حج على طريق العراق بطن العقيق ، وأوله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق ،

__________________

(١) البقرة : ١٩٧.

(٢) البقرة : ١٨٩.

(٣) لاحظ المغني لابن قدامة : ٣ ـ ٢٢٤ كتاب الحج باب ذكر الإحرام.

١٥٤

ولمن حج على طريق اليمن يلملم ، ولمن حج على طريق الطائف قرن المنازل.

وقلنا ذلك للإجماع المكرر وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقت هذه المواقيت ، وإذا كان معنى الميقات في الشرع ما يتعين للفعل ، ولا يجوز تقديمه عليه ، كمواقيت الصلاة ، كان من جوز تقديم الإحرام على الميقات مبطلا لهذا الاسم.

ومن تجاوز الميقات من غير إحرام متعمدا ، ولم يتمكن من الرجوع إليه ، كان عليه إعادة الحج من قابل ، وإن كان ناسيا أحرم من موضعه ، ويجوز لمن منزله دون الميقات الإحرام منه ، وإحرامه من الميقات أفضل.

وميقات المجاور ميقات أهل بلده ، فإن لم يتمكن فمن خارج الحرم ، فإن لم يقدر فمن المسجد الحرام ، وذلك بدليل الإجماع الماضي.

ويستحب لمريد الإحرام قص أظفاره وإزالة الشعر عن إبطيه وعانته ، وأن يغتسل ، بلا خلاف ، ويجب عليه لبس ثوبي إحرامه ، يأتزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ، ولا يجوز أن يكونا مما لا يجوز الصلاة فيه ، ويكره أن يكونا مما تكره الصلاة فيه ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم ، بدليل الإجماع المتردد ، ويجزي مع الضرورة ثوب واحد بلا خلاف.

ويستحب أن يصلي صلاة الإحرام ، وأن يقول بعدها إن كان متمتعا :

اللهم إني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، فيسر لي أمري ، وبلغني قصدي ، وأعني على أداء مناسكي ، فإن عرض لي عارض يحبسني فحلي حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي. اللهم إن لم يكن حجة فعمرة. اللهم إن لم يكن عمرة فحجة. أحرم لك لحمي ودمي وشعري وبشري من النساء والطيب والصيد ، وكل محرم على المحرمين أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة.

١٥٥

وإن كان قارنا قال :

اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هدي وأعني على أداء مناسكي ، إلى آخر الدعاء.

وإن كان مفردا قال :

اللهم إني أريد الحج مفردا فسلم لي مناسكي وأعني على أدائها إلى آخر الدعاء ، ثم يجب عليه أن ينوي نية الإحرام على الوجه الذي قدمناه ، ويعقده بالتلبية الواجبة ، وهي :

لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك.

ولا ينعقد الإحرام إلا بها أو بما يقوم مقامها من الإيماء لمن لا يقدر على الكلام ، ومن التقليد أو الإشعار للقارن ، بدليل الإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا ففرض الحج مجمل في القرآن ، ولا خلاف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل التلبية ، وفعله عليه‌السلام إذا ورد مورد البيان كان على الوجوب.

ويعارض المخالف بما روى من طرقهم أن جبرئيل عليه‌السلام أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج (١) وهذا نص ، وبقوله لعائشة : انقضي رأسك وامتشطي واغتسلي ودعي العمرة ، وأهلي بالحج (٢) ، والإهلال هو التلبية ، وأمره على الوجوب ، وليس لهم أن يقولوا : المراد بالإهلال : الإحرام لأن الإهلال في لغة العرب رفع الصوت ، ومنه قولهم : استهل الصبي : إذا صاح ، ومنه سمي الهلال هلالا ، لارتفاع الأصوات عند رؤيته ، ويبطل ذلك ما رووه عن ابن عباس من قوله : إنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل في مصلاه ، وحين مرت به راحلته ،

__________________

(١) التاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١٢١.

(٢) صحيح البخاري : ٢ ـ ١٧٢ كتاب الحج ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١٢٦.

١٥٦

وحين بلغ البيداء (١) لأن الإحرام متقدم على بلوغ البيداء.

ومن الألفاظ المستحبة في التلبية :

لبيك ذا المعارج لبيك ، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك ، لبيك مبدئ الخلق ومعيده لبيك ، لبيك غافر الذنب لبيك ، لبيك قابل التوب لبيك ، لبيك كاشف الكرب العظام لبيك ، لبيك فاطر السماوات لبيك ، لبيك أهل التقوى وأهل المغفرة لبيك ، لبيك متمتعا بالعمرة إلى الحج لبيك ، إن كان متمتعا ولا يقول : لبيك بعمرة وحجة تمامها عليك ، لأن ذلك يفيد بظاهره تعليق نية الإحرام بالحج والعمرة معا ، وذلك لا يجوز.

وإن كان قارنا أو مفردا قال : لبيك بحجة تمامها وبلاغها عليك ، وإن كان نائبا عن غيره قال : لبيك عن فلان بن فلان لبيك.

وأوقات التلبية أدبار الصلوات ، وحين الانتباه من النوم ، وبالأسحار ، وكلما علا نجدا ، أو هبط غورا ، أو رأى راكبا ، ويستحب رفع الصوت بها للرجال ، وأن لا يفعل إلا على طهر ، وآخر وقتها للمتمتع إذا شاهد بيوت مكة ، وحدها من عقبة مدنيين إلى عقبة ذي طوى ، وللقارن (٢) والمفرد إذا زالت الشمس من يوم عرفة ، وللمعتمر عمرة مبتولة إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم ، فإن كان المعتمر (٣) خارجا من مكة فإذا شاهد الكعبة.

والمتمتع إذا لبى بالحج متعمدا بعد طواف العمرة وسعيها وقبل التقصير بطلت متعته ، وصار ما هو فيه حجة مفردة ، وإن لبى ناسيا لم تبطل ، كل ذلك بدليل الإجماع الماضي ذكره.

__________________

(١) جامع الأصول لابن الأثير : ٣ ـ ٤٣٥ برقم ١٣٦٤.

(٢) هذا ما أثبتناه وفي النسخ التي بأيدينا : والقارن.

(٣) في «ج» : فإن كان المتمتع.

١٥٧

وإذا انعقد إحرامه حرم عليه أن يجامع ، أو يستمني ، أو يقبل ، أو يلامس بشهوة بلا خلاف ، وأن يعقد نكاحا لنفسه أو لغيره ، أو يشهد عقدا ، فإن عقد فالعقد فاسد ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.

ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب (١) ، وفي رواية : ولا يشهد ، وهذا نص. وقولهم : لفظة نكاح حقيقة في الوطء خاصة ، غير مسلم ، بل وفي العقد ، بدليل ظاهر الاستعمال ، قال الله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (٢) (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (٣) (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٤) ولا خلاف أن المراد بذلك العقد.

وإذا كان لفظ النكاح مشتركا وجب حمله على الأمرين ، وما رووه من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تزوج ميمونة (٥) وهو محرم (٦) معارض بما روي عن ميمونة من قولها : خطبني رسول الله وهو حلال وتزوجني وهو حلال (٧) وفي خبر آخر : وتزوجني بعد رجوعه من مكة ، وخبر المنكوحة أولى لأنها أعرف بحقيقة الحال ، وأيضا فالعرب تسمي من كان في الشهر الحرام محرما قال الشاعر (٨) :

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما

 ...

ولم يكن عاقدا للإحرام بلا خلاف ، فيحمل خبرهم على أن الراوي أراد به تزويجها وهو في الشهر الحرام.

__________________

(١) التاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١١٧ كتاب الحج ، وجامع الأصول لابن الأثير : ٣ ـ ٤١٢.

(٢) النور : ٣٢.

(٣) النساء : ٢٥.

(٤) النساء : ٣.

(٥) ميمونة بنت الحارث ، تزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنة ٧ ه‍ ـ روت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنها ابن أختها عبد الله بن عباس وغيره ، ماتت سنة ٥١ ه‍ ـ ، لاحظ اعلام النساء : ٥ ـ ١٣٨ وتهذيب التهذيب : ١٢ ـ ٤٥٣.

(٦) صحيح البخاري : ٣ ـ ١٩ ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١١٧ ، ونيل الأوطار : ٥ ـ ١٤.

(٧) سنن الترمذي : ٣ ـ ٢٠١ ، وجامع الأصول : ٣ ـ ٤١١ ، والتاج الجامع للأصول : ٢ ـ ١١٧.

(٨) الشاعر هو الراعي النميري ، ومصرعه الأخير : «ودعا فلم أر مثله قتيلا» ، لاحظ الأغاني : ٢٣ ـ ٣٤٨ ، وجمهرة العرب : ١ ـ ٥٢٣.

١٥٨

ويحرم عليه أن يلبس مخيطا بلا خلاف ، إلا السراويل عند الضرورة عند بعض أصحابنا (١) وبعض المخالفين (٢) ، وعند قوم من أصحابنا أنه لا يلبس حتى يفتق ويصير كالمئزر وهو أحوط ، وأن يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف ، وأن تلبس المرأة القفازين (٣) بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.

ويعارض المخالف بما روى من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تنتقب المرأة في الإحرام ولا تلبس القفازين (٤) وهو نص.

ويحرم على الرجل تغطية رأسه ، وعلى المرأة تغطية وجهها بلا خلاف ، ويحرم عليه أن يستظل وهو سائر ، بحيث يكون الظلال فوق رأسه كالقبة ، فأما إذا نزل فلا بأس بجلوسه تحت الظلال ، من خيمة أو غيرها ، ويحرم عليه الارتماس في الماء ، وذلك بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.

ويحرم عليه أن يصطاد ، أو يذبح صيدا ، أو يدل على صيد ، أو يكسر بيضة بلا خلاف ، وأن يأكل لحمه وإن صاده المحل ولم تكن منه دلالة عليه ، بلا خلاف من الأكثر ، ودليلنا على ذلك إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٥) ، لأنه يتناول كل فعل لنا في الصيد (٦) من غير تخصيص.

ويحرم عليه أن يدهن بما فيه طيب ، أو يأكل ما فيه ذلك ، وأن يتطيب

__________________

(١) القاضي ابن البراج : المهذب : ١ ـ ٢١٢.

(٢) لاحظ صحيح البخاري : ٣ ـ ٢١ كتاب الحج.

(٣) القفاز ـ مثل تفاح ـ : شي‌ء تتخذه نساء الأعراب ، ويحشى بقطن يغطي كفي المرأة وأصابعها. المصباح المنير.

(٤) صحيح البخاري : ٣ ـ ١٩ كتاب الحج.

(٥) المائدة : ٩٦.

(٦) في «س» : «ينافي الصيد» وهو تصحيف.

١٥٩

بالمسك أو العنبر (١) أو العود أو الكافور أو الزعفران بلا خلاف ، ويحرم عليه الفسوق وهو عندنا الكذب على الله تعالى ، أو على رسوله ، أو على أحد الأئمة من آل محمد عليهم‌السلام ، والجدال وهو عندنا قول : «لا والله» و «بلى والله» بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط.

وقول المخالف : ليس في لغة العرب أن الجدال هو اليمين ، ليس بشي‌ء ، لأنه غير ممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي ، كما يقوله في لفظة «غائط» ثم الجدال إذا كان في اللغة المنازعة والمخاصمة ، وكان ذلك يستعمل للمنع والدفع ، وكانت اليمين تفعل لذلك كان كافيا فيها معنى المنازعة.

ويحرم عليه أن يقطع شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه في ملكه ، وليس من شجر الفواكه ، والإذخر (٢) ، وأن يجز حشيشه بلا خلاف ، فأما شجر الفواكه والإذخر وما غرسه الإنسان في ملكه فيجوز قطعه ، وكذا رعي الحشيش بدليل إجماع الطائفة.

وأيضا فتحريم ذلك يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل عليه ، ويخص الرعي عمل المسلمين من لدن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك وإلى الآن من غير إنكار من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الصحابة أو أحد العلماء.

ويحرم عليه أن يزيل شيئا من شعره ، أو يقص شيئا من أظفاره ، وأن يتختم للزينة ، أو يدمي جسده بحك أو غيره ، وأن يزيل القمل عن نفسه ، أو يسد أنفه من الرائحة الكريهة ، بلا خلاف أعلمه.

ويحرم عليه أن يلبس سلاحا ، أو يشهره إلا لضرورة ، وأن يقتل شيئا من

__________________

(١) في «ج» و «س» : والعنبر.

(٢) الإذخر ـ بكسر الهمزة والخاء ـ : نبات معروف زكي الريح. المصباح المنير.

١٦٠