غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع

المؤلف:

السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي [ ابن زهرة ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

الجراد والزنابير مع الاختيار ، فأما البق والبراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم ، ولا بأس بقتل ما يخافه من الحياة والعقارب والسباع في الحرم وغيره بدليل الإجماع الماضي ذكره.

ويحرم عليه أن يمسك ما كان معه من صيد قبل الإحرام ، وأن يخرج شيئا من حمام الحرم منه ، وأن لا يرده بعد إخراجه ، وأن يمسك ما يدخل به إلى الحرم من الطير بدليل إجماع الطائفة وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (١) ، والمراد تحريم أفعالنا فيه ، واستدامة الإمساك بعد الإحرام ، ودخول الحرم ، والإخراج واستدامة فعلنا فيه ، فيجب أن يكون محرما.

الفصل الخامس

وما يفعله المحرم مما بينا أنه محرم عليه على ضروب ثلاثة :

أحدها يوجب الكفارة ، سواء فعله عامدا أو ساهيا.

والثاني يوجبها مع العمد دون النسيان.

والثالث فيه الإثم دون الكفارة.

فالأول : هو الصيد بلا خلاف بين الجمهور ، فمن قتل صيدا له مثل ، أو ذبحه ، وكان حرا كامل العقل ، محلا في الحرم ، أو محرما في الحل ، فعليه فداؤه بمثله من النعم ، بدليل الإجماع من الطائفة وطريقة الاحتياط وأيضا قوله تعالى : (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ). (٢) الآية ، فأوجب مثلا من النعم ، وذلك يبطل قول من قال : الواجب قيمة الصيد.

__________________

(١) المائدة : ٩٦.

(٢) المائدة : ٩٥.

١٦١

وإن كان محرما في الحرم فعليه الفداء والقيمة ، أو الفداء مضاعفا ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط واليقين لبراءة الذمة ، وأيضا فالجزاء إذا لزم المحل في الحرم ، والمحرم في الحل ، وجب اجتماع الجزاءين باجتماع الأمرين : الإحرام والحرم.

وإن كان مملوكا فكفارته على مالكه إن كان إحرامه بإذنه ، وعليه إن كان بغير إذنه بالصوم ، لأن العبد لا يملك شيئا فيلزمه مثل أو قيمة.

وإن كان غير كامل العقل فكفارته على وليه ، لأنه الذي أدخله في الإحرام ، وليس بواجب عليه ، والدليل على ذلك إجماع الطائفة.

وتكرار القتل يوجب تكرار الكفارة بغير خلاف بين أصحابنا إذا كان القاتل ناسيا ، ومنهم من قال : هذا حكمه إن كان متعمدا ، ومنهم من قال : إن تعمد القتل مرة ثانية لم يلزمه كفارة ، بل يكون ممن ينتقم الله منه كما ذكره تعالى (١) والأول أحوط ، وكونه ممن ينتقم الله منه إذا عاد ، لا ينافي وجوب الكفارة عليه.

والمثل في النعامة بدنة بلا خلاف ، فإن لم يجد فقيمتها ، فإن لم يجد فض قيمة البدنة على البر وصام عن كل نصف صاع يوما ، بدليل الإجماع من الطائفة وطريقة الاحتياط.

والمثل في حمار الوحش أو بقرة الوحش ، بقرة ، وفي الظبي شاة بلا خلاف ، وفي الأرنب والثعلب عندنا شاة ، وحكم من لم يجد ذلك حكم ما قدمناه ، ويجوز لمن لم يجد الفداء والقيمة ، أن يصوم للنعامة ستين يوما ، وللبقرة ثلاثين يوما ، وللظبي وما أشبهه ثلاثة أيام.

ومن صام بالقيمة أقل مما ذكرناه من المدة أجزأه ، وإن اقتضى ذلك زيادة عليها لم يلزمه أن يصوم الزيادة ، ومن عجز عن صوم الستين أو الثلاثين ، صام

__________________

(١) لاحظ المختلف : ٤ ـ ١٢٢ من الطبع الحديث.

١٦٢

مكان كل عشرة أيام ثلاثة ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وفي كل حمامة من حمام الحرم ، أو إخراج شي‌ء من حمامه منه ، أو تنفيره فلا يرجع ، شاة ، وفي فرخها حمل (١) ، وفي كل بيضة لها درهم ، وفي حمامة الحل درهم ، وفي فرخها نصف درهم ، وفي كل بيضة لها ربع درهم ، وفي كل بيضة من بيض النعام إذا كان قد تحرك فيها الفرخ فصيل ، فإن لم يتحرك فإرسال فحولة الإبل على إناثها بعدد ما كسر ، فما نتج منها كان ذلك هديا ، فإن لم يكن لمن فعل ذلك إبل ، فعليه لكل بيضة شاة ، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، وفي بيض الدراج والحجل (٢) إرسال فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج فهو هدي ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

ومن رمى صيدا فغاب عنه ولم يعلم حاله ، فعليه فداؤه ، بدليل الإجماع المتكرر وطريقة الاحتياط ، فإن رآه بعد ذلك كسيرا فعليه ما بين قيمته صحيحا وكسيرا ، وقد روى (٣) أن في كسر أحد قرني الغزال ربع قيمته ، وفيهما جميعا النصف ، وفي إحدى عينيه إذا فقئت نصف قيمته ، وفيهما معا الكل ، وفي يديه من الحكم ما في عينيه ، وكذا في رجليه.

وفي الجرادة أو الزنبور كف من طعام ، وفي الكثير من ذلك دم شاة ، وفي القنفذ والضب واليربوع حمل قد فطم ورعى ، كل ذلك بدليل الإجماع المشار إليه.

وفي قتل الأسد ابتداء لا على وجه المدافعة (٤) كبش بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (٥) الآية ، واسم الصيد يقع على السبع المتوحش ، قال الشاعر :

__________________

(١) الحمل ـ بفتحتين ـ : ولد الضائنة في السنة الأولى. المصباح المنير.

(٢) الحجل : طائر في حجم الحمام أحمر المنقار والرجلين. المنجد. وفي «ج» : «القبج» وكلاهما بمعنى.

(٣) لاحظ الوسائل : ٩ ب ٢٨ من أبواب كفارة الصيد ، ح ٣.

(٤) في «ج» : لا عن وجه المدافعة.

(٥) المائدة : ٩٥.

١٦٣

ليث تردى زبية فاصطيدا

 ...

ولا شبهة في أن العرب كانت تصطاد السباع وتأكلها ، وتسميها صيدا ، وتقول : سيد الصيد الأسد ، وورد الحظر لا يوجب سلب الاسم.

ومن قتل ما لا مثل له من الصيد كالعصفور أو ما أشبهه ، فعليه قيمته ، أو عدلها صياما ، وحكم المشارك في قتل الصيد حكم المنفرد ، بدليل الإجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط ، وأيضا قوله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) (١) ، إذ المشارك قاتل ، ويجري ذلك مجرى قوله سبحانه (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (٢) ، ولا خلاف أن الجماعة إذا اشتركت في القتل ، كان على كل واحد منهم كفارة.

وحكم من دل على صيد فقتل حكم القاتل ، لمثل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط ، لأنه لا خلاف أنه منهي عن الدلالة ، ولا يقين ببراءة ذمته إذا دل على صيد فقتل إلا بالكفارة.

ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم عن علي عليه‌السلام وابن عباس أنهما جعلا على محرم ـ أشار إلى حلال ببيض نعام ـ الجزاء (٣) وعن عمر وعبد الرحمن بن عوف (٤) أنهما جعلا على محرم ـ أشار إلى ظبي فقتله صاحبه ـ دم شاة ، ولا مخالف لهم ، وهذا دليل الإجماع على أصل المخالف.

وأما الضرب الثاني الذي لا يلزم الكفارة فيه إلا مع العمد ، فما عدا الصيد مما نذكره الآن ، وقلنا بسقوطها مع النسيان ، للإجماع الماضي ذكره ، ويحتج على المخالف بما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا

__________________

(١) المائدة : ٩٥.

(٢) النساء : ٩٢.

(٣) لاحظ المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ٣ ـ ٢٨٦.

(٤) أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف ، روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنه أولاده وابن عباس ، مات سنة ٣٢ ، أو ٣١ ه‍ ـ ، لاحظ أسد الغابة : ٣ ـ ٣١٣ وتهذيب التهذيب : ٦ ـ ٢٢٠.

١٦٤

عليه (١) ، والمراد رفع أحكام الأفعال ، ومن أحكامها لزوم الكفارة ، وقولهم يخص ذلك برفع الإثم يحتاج إلى دليل.

ثم إن رفع الإثم عن الخاطئ مستفاد من قوله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (٢) ، وحمل كلامه عليه‌السلام على فائدة زائدة على ما هو معلوم لنا أولى.

فمن قبل زوجته من غير شهوة فعليه شاة ، فإن قبلها أو لاعبها بشهوة فأمنى فعليه بدنة ، ومن نظر إلى غير أهله فأمنى ، فعليه إن كان موسرا بدنة ، فإن لم يقدر فبقرة ، فإن لم يقدر فشاة ، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام ، وفي الوطء في الفرج في إحرام المتعة قبل طوافها أو سعيها مع فسادها ، بدنة ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، بلا خلاف.

والوطء في الفرج في إحرام الحج قبل الوقوف بعرفة ، فساده (٣) بلا خلاف ، ويلزم المضي فيه ، بلا خلاف إلا من داود (٤) ، وقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ) (٥) ، يبطل قوله ، لأنه لم يفرق في الأمر بالإتمام بين ما فسد وبين ما لم يفسد ، ويجب عليه مع ذلك بدنة ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، ويحتج على أبي حنيفة في قوله : شاة ، بما روي من طرقهم عن عمر وابن عباس من قولهما : من وطئ قبل التحليل أفسد حجه وعليه ناقة (٦) ، ولا مخالف لهما.

وحكم الوطء في الفرج بعد عرفة وقبل الوقوف بالمشعر عندنا حكم الوطء قبل عرفة ، بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط ، وأيضا فقد ثبت وجوب

__________________

(١) الجامع الصغير : ٢ ـ ١٦ ، وسنن الدار قطني : ٤ ـ ١٧١ وسنن البيهقي : ٧ ـ ٣٥٦ ، وكنز العمال : ١٢ ـ ١٥٥.

(٢) الأحزاب : ٥.

(٣) في «ج» : «قبل الموقف بعرفة فشاة» والصحيح ما في المتن.

(٤) أبو سليمان داود بن علي بن داود بن خلف الأصفهاني ، هو أول من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنة والغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس ، مات سنة ٢٧٠ ه‍ ـ ، الفهرست لابن النديم : ٢٧١.

(٥) البقرة : ١٩٦.

(٦) لاحظ المغني لابن قدامة : ٣ ـ ٥١٣ و ٥١٤.

١٦٥

الوقوف بالمشعر على ما سندل عليه ، وأنه ينوب في تمام الحج عن الوقوف بعرفة لمن لم يدركه ، وكل من قال بذلك ، قال بفساد الحج بالجماع قبله ، فالتفرقة بين الأمرين يبطلهما الإجماع ، ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بالمزدلفة :

من وقف معنا هذا الموقف وصلى معنا هذه الصلاة وقد كان قبل ذلك وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه (١) ، فعلق تمام الحج بالوقوف بالموقفين ، وما رووه من قوله عليه‌السلام : من وقف بعرفة فقد تم حجه (٢) وقوله : الحج عرفة (٣) ، خبر واحد لا يحتج علينا به ، ويعارضه ما قدمناه ، ويجوز حمل قوله : الحج عرفة ، على أن المراد به معظم الحج عرفة ، وقوله : «فقد تم حجه» على أن المراد أنه قارب التمام ، كما حملنا كلنا على ذلك قوله عليه‌السلام : إذا رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته. (٤)

وفي الوطء بعد الوقوف بالمشعر وقبل التحليل بدنة ، ولا يفسد الحج بدليل الإجماع المشار إليه ، وأيضا فإفساد الحج يفتقر إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه ، فأما وطء المرأة في دبرها ، وإتيان الغلام والبهيمة ، فلا خلاف بين أصحابنا أن فيه بدنة ، واختلفوا في هل يفسد الحج إذا وقع قبل عرفة أو قبل المشعر أم لا؟ فمن قال : يفسده ، دليله طريقة الاحتياط ، ومن قال : لا يفسده ، دليله أن الأصل الصحة وبراءة الذمة من القضاء.

وتكرار الوطء يوجب تكرار الكفارة وهي بدنة ، سواء كان في مجلس واحد

__________________

(١) جامع الأصول لابن الأثير : ٣ ـ ٦٨.

(٢ و ٣) جامع الأصول : ٣ ـ ٦٩ و ٧٠ وسنن البيهقي : ٥ ـ ١١٦.

(٤) لم نجد النص في المجامع الحديثية نعم نقله السيد المرتضى في الانتصار ص ٩٧ وصاحب الجواهر في كتاب الحج وهذا نصه : «إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة فقد تمت صلاته» جواهر الكلام : ٢٠ ـ ٣٥٣.

١٦٦

أم لا ، وسواء كفر عن الأول أم لا ، بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط ، وليس للمخالف أن يقول : إن الحج قد فسد بالوطء الأول ، والثاني لم يفسده ، فلا يجب به كفارة ، لأنه (١) وإن فسد بالأول فحرمته باقية بدليل وجوب المضي فيه ، فتعلقت الكفارة بالمستأنف منه.

ومن وطأ زوجة له أو أمة وطئا يفسد الحج فرق بينهما ، ولم يجتمعا حتى يعودا إلى الموضع الذي وطأها فيه من الطريق ، وإذا جاءا من قابل فبلغا ذلك المكان ، فرق بينهما ولم يجتمعا حتى يبلغ الهدي محله ، بدليل الإجماع المشار إليه.

ويعارض المخالف بما روي عن عمر وابن عباس من قولهما : إذا وطأ الرجل زوجته فقضيا من قابل ، وبلغا الموضع الذي وطأها فيه فرق بينهما (٢) ، ولم يعرف راد لقولهما.

وفي أكل شي‌ء من الصيد ، أو بيضة ، أو شم أحد ما ذكرناه من أجناس الطيب ، أو أكل طعام فيه شي‌ء من ذلك ، دم شاة ، وكذا في تظليل المحمل ، وتغطية رأس الرجل ، ووجه المرأة مع الاختيار ، عن كل يوم دم شاة ، ومع الاضطرار لجملة الأيام دم شاة ، بدليل ما قدمناه من الإجماع ، وطريقة الاحتياط.

وفي قص كل ظفر من أظفار يديه مد من طعام ما لم يكملهما ، فإن كملهما فدم شاة ، بدليل الإجماع المتكرر ، وأيضا فما قلناه لا خلاف في لزوم الدم به ، وليس على لزومه فيما دونه دليل ، فوجب نفيه ، وهذا حكم أظفار رجليه إن قصهما في مجلس آخر ، فإن قص الجميع في مجلس واحد لم يلزمه إلا دم واحد.

وإن جادل ثلاث مرات فما زاد صادقا ، أو مرة كاذبا ، فعليه دم شاة ، وفي مرتين كاذبا دم بقرة ، وفي ثلاث مرات فما زاد بدنة ، وفي لبس المخيط إن كان ثوبا

__________________

(١) في «ج» : فلأنه.

(٢) المغني لابن قدامة والشرح الكبير : ٣ ـ ٣١٥.

١٦٧

واحدا أو ثيابا جماعة في مجلس واحد ، دم شاة ، فإن لبس في كل مجلس ثوبا ، فعليه من الشياه بعدد الثياب ، وينزع الثوب من قبل رجليه ، كل ذلك بدليل الإجماع المتردد وطريقة الاحتياط.

وفي حلق الرأس دم شاة ، أو إطعام ستة مساكين ، أو صيام ثلاثة أيام بلا خلاف ، وفي قص الشارب ، أو حلق العانة أو الإبطين ، دم شاة ، وفي حلق أحد إبطيه إطعام ثلاثة مساكين ، وفي إسقاط شي‌ء من شعر رأسه أو لحيته ، إذا مسهما في غير طهارة ، كف من طعام ، وكذلك في إزالة القمل عنه أو قتله ، وفي حك الجسم حتى يدمي مد من طعام.

وفي قلع الشجرة الكبيرة من أصلها من الشجر الذي عيناه في الحرم دم بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، وفي قطع البعض من ذلك ، أو قطع حشيشه ، ما تيسر من الصدقة ، ومن عقد وهو محرم على امرأة نكاحا لمحرم فدخل بها ، كان على العاقد بدنة وذلك بدليل ما قدمناه من الإجماع وطريقة الاحتياط.

وأما الضرب الثالث الذي فيه الإثم دون الكفارة ، فما عدا ما ذكرنا لزوم الكفارة فيه ، وقلنا ذلك للإجماع (١) المتكرر ذكره ، ولأن لزوم الكفارة يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل على ذلك ، ويكره للمحرم من الطيب ما خالف الأجناس التي قدمنا ذكرها ، وليس ذلك بمحظور ، لأن حظره يفتقر إلى دليل شرعي ، وليس في الشرع ما يدل عليه.

ويكره الاكتحال والخضاب للزينة والنظر في المرآة ، بدليل الإجماع المشار إليه ، ويحتج على المخالف بقوله عليه‌السلام : الحاج أشعث أغبر (٢) ، وذلك ينافي هذه

__________________

(١) في «س» : بدليل الإجماع.

(٢) الجامع الصغير : ١ ـ ٥٨٣ برقم ٣٧٧٣ وكنز العمال : ٥ ـ ٢٥ برقم ١١٨٩٢ ولفظ الحديث : (الحاج الشعث التفل) ونقله الشيخ في الخلاف ، كتاب الحج ، المسألة ١٠٦ كما في المتن.

١٦٨

الأشياء ، فأما الاكتحال بما فيه طيب فمن أصحابنا من قال : إنه مكروه (١) ، والظاهر أنه محظور ، لإجماع الأمة على أن المحرم لا يجوز له الطيب ، ولم يفصلوا بين أن يكون في كحل أو غيره ، وما ورد من النهي عن الطيب عام في كل ذلك ، وطريقة الاحتياط تقتضيه.

الفصل السادس

ويمضي المحرم على حاله حتى يشاهد بيوت مكة ، فيقطع التلبية إن كان متمتعا ، كما قدمناه ، ويستحب له أن يكثر من حمد الله تعالى على بلوغها ، فإذا انتهى إلى الحرم ، استحب له الغسل ، وأن يدخله ماشيا وعليه السكينة والوقار ، وأن يدخل مكة من أعلاها ، وأن يغتسل قبل دخولها ، وأن يدعو إذا عاين البيت بما نذكره ، وأن يغتسل قبل دخول المسجد ، وأن يدخله من باب بني شيبة ، وأن يقول قبل دخوله :

بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله وولاية أهل بيته صلى الله عليه وعليهم. الحمد لله على ما من به من بلوغ بيته الحرام ، السلام على رسول الله وعلى أولي العزم من الرسل وعلى أوصيائهم المرضيين.

وأن يقول إذا دخل المسجد وعاين البيت :

اللهم إني أشهد أن هذا بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس وأمنا مباركا وهدى للعالمين ، اللهم فأمنى سخطك وأجرني من عذابك يا جار من لا جار له! أجرني من عذابك وأعذني من نقمتك برحمتك يا أرحم الراحمين.

ويستحب أن يدعو إذا أتى الحجر الأسود فيقول :

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله سبحان الله و

__________________

(١) لاحظ المختلف : ٤ ـ ٧٦ من الطبع الحديث.

١٦٩

الحمد لله ولا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأن يقبله بيده عليه وأن يقبلها إن لم يتمكن من تقبيله أو يشير بيده إليه ويقبلها إن لم يتمكن من مسحه بها ويقول :

أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة عند الله تعالى اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأن الأئمة من ذريته (وتسميهم (١)) حججه في أرضه وشهداؤه على عباده صلى الله عليه وعليهم آمنت بالله وبكتبه ورسله وكفرت بالجبت والطاغوت وبكل ند يدعى من دون الله سبحانه اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل اللهم إجابتي واغفر لي وارحمني برحمتك يا أرحم الراحمين.

ثم يستلمه ، ثم يجب عليه أن يفعل نية الطواف ويطوف ، ودليل ذلك كله إجماع الطائفة.

الفصل السابع :

في الطواف

الطواف على ضربين : مفروض ومسنون ، فالمفروض ثلاثة : طواف المتعة ، وطواف الزيارة ، وهو طواف الحج ، وطواف النساء.

والمسنون : ما عدا ما ذكرناه مما يتطوع به المكلف ، وقد روي أنه يستحب أن يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمائة وستين أسبوعا ، أو ثلاثمائة وأربعة وستين شوطا (٢) ، وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) كان يطوف في كل يوم وليلة عشرة أسابيع.

__________________

(١) كذا في النسخ التي بأيدينا ولعل الصحيح «ويسميهم».

(٢ و ٣) الوسائل : ٩ ، ب ٦ و ٧ من أبواب الطواف.

١٧٠

أما طواف المتعة فوقته للمختار من حين يدخل المتمتع مكة إلى أن تغيب الشمس من يوم التروية ، وللمضطر إلى أن يبقى من غروب الشمس ما يدرك في مثله عرفة في آخر وقتها ، فمن فاته مختارا بطل حجه متمتعا ، وكان عليه قضاؤه من قابل إن كان فرضا ، وصار ما هو فيه حجة مفردة ، ولم يجز عنه طواف الحج ، بدليل إجماع الطائفة ، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه ، لأنه لا خلاف في براءة ذمة من طاف طواف المتعة ، وليس على قول من يقول : يجزي عن ذلك طواف الحج دليل ، وأيضا قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١) فأمر تعالى بإتمامهما جميعا ، ولكل واحد منهما أفعال مخصوصة ، فوجب بالظاهر تكميلها.

ويعارض المخالف بما روي من طرقهم من قوله عليه‌السلام : من جمع الحج إلى العمرة ، فعليه طوافان (٢) ، وبما روي عن علي عليه‌السلام أنه طاف طوافين ، وسعى سعيين ، لحجته وعمرته ، وقال : حججت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته (٣) ومن فاته طواف المتعة مضطرا قضاه بعد فراغه من مناسك الحج ، ولا شي‌ء عليه ، بدليل نفي الحرج في الدين.

وأما طواف الزيارة فركن من أركان الحج ، من تركه متعمدا فلا حج له بلا خلاف ، ومن تركه ناسيا قضاه وقت ذكره ، فإن لم يذكره حتى عاد إلى بلده ، لزمه قضاؤه من قابل بنفسه ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، فإن لم يستطع استناب من يطوفه ، بدليل الإجماع المشار إليه وقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٤).

__________________

(١) البقرة : ١٩٦.

(٢) لم نجد النص في المجامع الحديثية ومسانيد القوم نعم قريب منه ما نقله البيهقي في سننه : ٥ ـ ١٠٨ ونقله الشيخ في الخلاف كتاب الحج ، المسألة ١٤٨ كما في المتن.

(٣) لاحظ سنن الدار قطني ٢ ـ ٢٦٣ برقم ١٣٠ ـ ١٣٢ ، والبحر الزخار : ٢ ـ ٣٧٨.

(٤) الحج : ٧٨.

١٧١

ووقته للمتمتع من حيث يحلق رأسه من يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، إلا أن يكون هناك ضرورة ، من كبر أو مرض أو خوف حيض أو عذر ، فيجوز تقديمه على ذلك ، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة ، وأول وقته للقارن والمفرد من حين دخولهما مكة ، وإن كان ذلك قبل الموقفين ، بدليل ما قدمناه.

وأما طواف النساء فوقته من حين الفراغ من سعي الحج إلى آخر أيام التشريق ، فمن تركه متعمدا أو ناسيا حتى عاد إلى أهله لم يفسد حجه ، لكنه لا يحل له النساء حتى يطوف ، أو يطاف عنه ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، وأيضا فلا خلاف أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل هذا الطواف ، والمخالف يسميه طواف الصدر ، وقد قال عليه‌السلام : خذوا عني مناسككم (١) ، وقد روي من طرقهم أيضا عليه‌السلام قال : من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف (٢) ، وظاهر الأمر الوجوب.

والواجب في الطواف النية ، ومقارنتها ، واستمرار حكمها ، والطهارة من الحدث والنجس ، وستر العورة ، والبداءة بالحجر الأسود ، والختام به ، وأن يكون سبعة أشواط ، وأن يكون البيت عن يسار الطائف ، وأن يكون خارج الحجر ، وأن يكون بين البيت والمقام ، فمن ترك شيئا من ذلك لم يجزه الطواف ، بدليل الإجماع الماضي ذكره ، وطريقة الاحتياط ، واليقين لبراءة الذمة ، لأنه لا خلاف في براءة الذمة منه إذا فعل على الوجه الذي ذكرناه ، وليس على براءتها منه إذا فعل على خلافه دليل.

والمستحب استلام الحجر الأسود ، والدعاء إذا أراد الطواف ، كما قدمناه ،

__________________

(١) سنن البيهقي : ٥ ـ ١٢٥ كتاب الحج باب الإيضاع في وادي محسر ، والبحر الزخار : ٢ ـ ٣٣٨ و ٣٤٦ ومسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٣١٨ وفيه : «خذوا مناسككم.» وعوالي اللئالي : ١ ـ ٢١٥ و ٤ ـ ٣٦. ونقله الشيخ في الخلاف ، كتاب الحج ، المسألة ١٣٤.

(٢) جامع الأصول : ٤ ـ ٤٢ طواف الوداع ، ومسند أحمد بن حنبل : ٣ ـ ٤١٧.

١٧٢

وأن يقول إذا وصل في الطواف إلى باب الكعبة :

سائلك فقيرك مسكينك ببابك فتصدق عليه بالجنة ، اللهم صل على محمد وآله وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع علي من الرزق الحلال وادرأ عني شر فسقة الجن والإنس وشر فسقة العرب والعجم.

وأن يقول إذا حاذى المقام مشيرا إليه :

السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك المطهرين من الأنام ، السلام على إبراهيم الخليل ، الداعي إلى البيت الحرام ، مسمع من في الأصلاب والأرحام ، السلام على أنبياء الله وملائكته الكرام.

وأن يستلم الركن الشامي إذا وصل إليه ويقول ـ وهو مستقبل له ـ :

السلام عليك يا رسول الله السلام عليك غير مقلو (١) ولا مهجور ، اللهم صل على محمد وآله وافتح علي أبواب رحمتك.

وأن يقول إذا استقبل الميزاب :

اللهم أعتقني من النار وأوسع علي من رزقك الحلال الطيب وادرأ عني شر فسقة العرب والعجم والجن والإنس وأدخلني الجنة برحمتك.

وأن يستلم الركن الغربي مستقبلا له ويقول :

اللهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين أمرتهما أن يرفعا أركان بيتك ويطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود وهما يسألانك أن تتقبل منهما فتقبل مني إنك أنت السميع العليم وتب علي إنك أنت التواب الرحيم.

وأن يقول بين الركن الغربي واليماني :

اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني واعف عني وارزقني

__________________

(١) في الأصل : غير مقلي.

١٧٣

واحفظني ووفقني.

وأن يقول إذا وصل إلى المستجار ، وهو دون الركن اليماني بقليل :

اللهم هذا مقام من أساء واقترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم ، مقام المستغيث المستجير بك من النار ، مقام من لا يدفع عن نفسه ضرا ولا يجر إليها نفعا ، مقام من لاذ ببيتك الحرام راغبا راهبا واستعاذ بك من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين إلا من أذنت له يا رب العالمين.

وأن يستلم الركن اليماني ويعانقه ويقول :

يا سيدي إلى من يطلب العبد إلا إلى مولاه ، ولمن يرجو العبد إلا سيده أسألك أن تصلي على محمد وآله الطاهرين ، وأن تقبل مناسكي وتنجح حوائجي ، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، آمنت بما جاء به ، واتبعت النور الذي أنزل معه ، اللهم تب علي حتى أتوب ، واعصمني حتى لا أعود ، أتوب إلى الله ـ ثلاثا ـ اللهم إني تائب إليك مما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت وسهوت عنه وأحصيته علما ، نادم على ما مضى عازم على أن لا أعود إلى مثله أبدا ، فاقبل توبتي واعف عني واغفر لي ما بيني وبينك وتحمل عني جرائر خلقك بجودك وكرمك وسعة رحمتك يا أرحم الراحمين.

وأن يستلم الحجر الأسود ، ويقبله إذا عاد إليه ويقول :

اللهم صل على محمد وآله الطاهرين وعجل فرجهم يا رب العالمين! وأهلك أعدائهم أجمعين ، اللهم تب علي توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمري ، وارزقني من رزقك الحلال الطيب ، وأدخلني برحمتك الجنة ، وأعذني من النار بعفوك.

١٧٤

ويصنع مثل ذلك في كل شوط حتى يكمل سبعة ، ويستحب أن يقف على المستجار في الشوط السابع ، ويلصق بطنه وخده به ، ويبسط يديه على البيت ويقول :

اللهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآله المنتجبين ، والطف لي في الدين والدنيا يا رب العالمين! اللهم هذا مقام العائذ بكرمك ، اللائذ ببيتك وحرمك ، رب إن البيت بيتك ، والعبد عبدك ، فاجعل قراي مغفرتك ، وهب لي ما بيني وبينك ، وارض عني خلقك.

ويتعلق بأستار الكعبة ويقول :

اللهم بك استجرت فأجرني ، وبك استغثت فأغثني! يا رسول الله يا أمير المؤمنين يا فاطمة بنت رسول الله يا حسن يا حسين ـ ويسمي الأئمة إلى آخرهم ـ بالله ربي أستغيث ، وبكم إليه تشفعت ، أنتم عمدتي ، وإياكم أقدم بين يدي حوائجي ، فكونوا شفعائي إلى الله في إجابة دعائي وتبليغي في الدين والدنيا مناي (١) اللهم ارحم بهم عبرتي ، واغفر بشفاعتهم خطيئتي ، واقبل مناسكي ، واغفر لي ولوالدي ، واحفظني في نفسي وأهلي وجميع إخواني ، وأشركهم في صالح دعائي ، إنك على كل شي‌ء قدير.

ويستحب أن يقول في الطواف :

اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء ، كما يمشى به على جدد الأرض ، وأسألك بكل اسم عظمته ، وكتاب أنزلته ، ورسول ارتضيته ، وإمام اجتبيته (٢) ومؤمن ارتضيته ، وعمل قبلته ، أن تقبل توبتي ،

__________________

(١) في «ج» : «مهماتي» بدل «مناي».

(٢) في «ج» : «أحببته» بدل «اجتبيته».

١٧٥

وتغفر خطيئتي ، وتجاوز عن زلتي ، وتشكر سعيي في مرضاتك ، وتضاعف ثوابي على طاعتك ، وتوسع علي من رزقك الحلال ، إنك على كل شي‌ء قدير.

وأن يقرأ (إنا أنزلناه) ، ولا يجوز قطع الطواف إلا لصلاة فريضة ، أو لضرورة ، وإن قطعه (١) للصلاة ، بنى على ما طاف ولو كان شوطا واحدا ، وإن قطعه لضرورة أو سهو بنى على ما طاف إن كان أكثر من النصف ، وإن كان أقل منه استأنفه ، ويستأنفه إن قطعه مختارا على كل حال ، ويستأنفه إن شك وهو طائف فلم يدر كم طاف ، ولا يحصل له شي‌ء جملة ، أو شك بين ستة وسبعة ، بالإجماع المذكور وطريقة الاحتياط.

فإن شك بين سبعة وثمانية ، قطعه ولا شي‌ء عليه ، وهذا حكمه لو ذكر وهو في بعض الثامن أنه طاف سبعة ، فإن ذكر بعد أن تممه أضاف إليه ستة أخرى ، وصار له طوافان ، ولزمه لكل طواف ركعتان ، وقد دللنا على وجوب هاتين الركعتين في كتاب الصلاة ، ولا يجوز له الطواف راكبا إلا لضرورة ، بدليل الإجماع وطريقة الاحتياط.

الفصل الثامن

فإذا أراد السعي استحب له أن يأتي الحجر الأسود فيستلمه ، وأن يأتي زمزم فيشرب من مائها ، ويغتسل منه إن تمكن ، أو يصب منه على بعض جسده ، وينبغي أن يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر الأسود ، وأن يكون الخروج إلى السعي من الباب المقابل للحجر أيضا ، بدليل الإجماع المشار إليه.

__________________

(١) في «ج» : وإن كان قطعه.

١٧٦

الفصل التاسع :

في السعي

السعي ركن من أركان الحج ، وهو على ضربين : سعي المتعة وسعي الحج ، وأول وقت سعي المتعة من حيث يفرغ من طوافها ، وأول وقت سعي الحج من حين الفراغ أيضا من طوافه ، وحكمه في جواز التقديم للضرورة حكم الطواف ، ويمتد كل واحد منهما بامتداد وقت الطواف ، وحكم كل واحد منهما في الإخلال به عن اختيار أو اضطرار ما ذكرناه من حكم المخل بالطواف ، بدليل الإجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط ، لأنه لا خلاف في براءة ذمة المكلف إذا سعى ، وليس على براءة ذمة من لم يسع سعي المتعة إذا اقتصر على سعي الحج ، ومن سعي الحج إذا جبر (١) بدم ، دليل (٢).

والمفروض من السعي النية ، ومقارنتها ، واستدامة حكمها ، والبداءة بالصفا ، والختام بالمروة ، وأن يكون سبعة أشواط ، بدليل ما قدمناه.

والمسنون فيه أن يكون على طهارة ، وأن يصعد الصفا ، ويستقبل الكعبة ، ويكبر الله ، ويحمده ، ويهلله ، سبعا سبعا ويقول :

لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير ، ثلاث مرات.

ويصلي على محمد وآله كذلك ، ويقرأ (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ، ويقول :

اللهم إني أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ، اللهم

__________________

(١) في «ج» و «س» : إذا أجبر.

(٢) قوله : «دليل» اسم «ليس».

١٧٧

اغفر لي كل ذنب أذنبته ، وإن عدت فعد علي بالمغفرة إنك أنت الغفور الرحيم ، اللهم أظلني بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ، اللهم استعملني بطاعتك وطاعة رسولك ، وتوفني على ملته ، واحشرني في زمرته ، اللهم آتنا من فضلك ، وأوسع علينا من رزقك ، وبارك لنا في الأهل والمال ، اللهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق ، وآتنا من لدنك رحمة ، نستغني بها عن رحمة من سواك ، اللهم صل على محمد وآله ، واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين.

وأن يقول إذا نزل من الصفا ، ونوى السعي وابتدأ فيه :

يا رب العفو يا من أمر بالعفو وهو أولى بالعفو العفو العفو.

وأن يكرر ذلك وهو يمشي حتى يبلغ المنارة ، فإذا بلغها استحب له إن كان رجلا أن يهرول ، وإن كانت امرأة مشت على حالها ، وأن يقول :

اللهم اهدني للتي هي أقوم ، واغفر لي وارحمني وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم.

ويقول ذلك حتى يبلغ المنارة الأخرى ، ويجاوز سوق العطارين ، فيقطع الهرولة ، ويمشي إلى المروة وهو يقول :

يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآله واغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم.

ويكرر ذلك حتى يصل إلى المروة ، وأن يصعد المروة ويقول من التكبير والتحميد والتهليل والصلاة على محمد وآله مثل ما قال على الصفا ثم يقول :

اللهم إني أسألك حسن الظن بك ، وصدق النية في التوكل عليك ، اللهم افعل بي ما أنت أهله ، ولا تفعل بي ما أنا أهله ، فإنك إن تفعل بي ما أنت

١٧٨

أهله ، تغفر لي وترحمني ، وإن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني. (١)

وإذا انحدر عائذا إلى الصفا فعل في كل موضع مثل ما فعل فيه أولا من دعاء وغيره ، ولا يزال كذلك حتى يكمل سبعة أشواط ، وحكم قطع السعي والسهو فيه والشك حكم ذلك في الطواف ، ولا يجوز الجلوس بين الصفا والمروة ، ويجوز الوقوف عند الإعياء والجلوس على الصفا والمروة ، ويجوز السعي راكبا ، والمشي أفضل ، ودليل ذلك كله ، إجماع الطائفة عليه.

الفصل العاشر

فإذا فرغ المتمتع من سعي المتعة وجب عليه التقصير ، وهو أن يقص شيئا من أظفاره وأطراف شعر رأسه ولحيته ، أو من أحد ذلك ، فإذا فعل ذلك أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلا الصيد ، لكونه في الحرم ، والأفضل له أن يتشبه بالمحرمين إلى أن يحرم له بالحج ، فإن نسي التقصير حتى أحرم بالحج فعليه دم شاة.

والإحرام بالحج ينبغي أن يكون عند زوال الشمس من يوم التروية في المسجد الحرام ، وأفضل ذلك تحت الميزاب أو عند المقام ويصنع فيه كما صنع في الإحرام الأول ، من الغسل ، ولبس ثوبيه ، والصلاة ، والدعاء ، والنية ، وعقده بالتلبية الواجبة ، إلا أنه لا يذكر في الدعاء إلا الحج فقط ، ولا يرفع صوته بالتلبية ، ثم يخرج متوجها إلى منى (٢) ، وهو يقرأ (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) فإذا بلغ إلى الرقطاء دون الردم (٣) وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبية الواجبة والمندوبة ، و

__________________

(١) في الأصل : وأن تظلمني.

(٢) في «ج» : متوجها منه إلى منى.

(٣) الرقطاء : موضع دون الردم ، يسمى مدعى ومدعى الأقوام مجتمع قبائلهم ، و «الردم» أي السد ، ومنه الردم بمكة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت الحرام ، ويعبر عنه الآن بالمدعى. مجمع البحرين.

١٧٩

يقول :

لبيك بحجة تمامها عليك ، ويدعو فيقول :

اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي ، وأصلح لي عملي ، وتقبل مني ، وأعطني سؤلي من رضوانك ، وأجرني من عذابك.

فإذا أتى منى قال :

الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا ، وبلغنيها في عافية ، اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا ، فأسألك أن تمن علي فيها بما مننت به على أوليائك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ، حيث أطلب رحمتك وأؤم رضوانك ، فاجعل حظي منها أوفر حظ برحمتك.

ويستحب أن يبيت بمنى ، ويصلي بها المغرب وعشاء الآخرة والفجر ، ليكون الإفاضة منها إلى عرفات ، ولا يفيض منها الإمام حتى تطلع الشمس ويقول المتوجه إلى عرفات :

اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت ، أسألك أن تصلي على محمد وآله وتبارك لي في رحلتي هذه وتجعلها خير غدوة غدوتها قط أقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك.

ويلبي بالواجبة والمندوبة رافعا بهما صوته ، ويقرأ (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) حتى يأتي عرفات ، ودليل هذا كله اتفاق الطائفة عليه.

الفصل الحادي عشر :

في الوقوف بعرفة

الوقوف بها ركن من أركان الحج بلا خلاف ، وأول وقته من حين تزول الشمس من اليوم التاسع بلا خلاف إلا من أحمد ، وآخره للمختار إلى غروبها ، و

١٨٠