معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

لم يدخل أولاد الأولاد بل يكون انقراضهم شرطا في استحقاق الفقراء ، والنماء قبله لورثة الواقف.

السادسة : إذا كان له موال من أعلى وأسفل ، فوقف على مواليه صرف إليهما ، ولو وقف على مولاه انصرف إلى أحدهما بالقرينة وإلّا بطل.

ولو وقف على زيد والفقراء فله النصف.

السابعة : إذا عطف بعض الموقوف عليهم على بعض « بالفاء » أو « ثمّ » فهو وقف ترتيب ، (١) وكذا لو قال : الأعلى فالأعلى ، فلا يستحقّ البطن الثاني حتّى يعدم الأولى ، وإن عطف بالواو فهو وقف تشريك ، فلو قال : على أولادي وأولاد أولادي أعطي الجميع.

ولو قال : على أولادي ثمّ على أولاد أولادي من مات منهم فنصيبه لولده ، فهو ترتيب بين الولد ووالده وتشريك بين الولد وعمّه.

ولا تجوز قسمة الوقف سواء اتّحد الواقف أو تعدّد.

الثامنة : إذا آجر أهل الوقف مدّة ثمّ انقرضوا قبل انقضائها بطلت الإجارة ، وإن قلنا لا تبطل بالموت لعدم انحصار الملك فيهم ، فيتخيّر من بعدهم بين الإجازة والفسخ ، ويرجع المستأجر على تركة الأوّلين بما قابل المتخلف.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : فهو ترتيب.

٥٦١

المقصد الثاني

في السكنى والحبس

أمّا السكنى ففائدتها التسلّط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على مالكه ، وتختلف أسماؤها بحسب اختلاف الإضافة ، فإذا قال : « اسكنتك » فهي سكنى ، فإن قدّرها بمدّة تعيّنت ، وإلّا كفى مسمّاها ، فيخرجه متى شاء ، وتختصّ بالبيت والدار.

وإن قال : أعمرتك مدّة عمري أو عمرك ، فهي عمرى ، وهي مشتقّة من العمر ، ولا تختصّ بعين ، ولو اقتصر على « أعمرتك » بطلت.

ولو قال : أرقبتك هذه الدار أو العبد مدّة كذا ، فهي رقبى ، إمّا من الارتقاب أو من رقبة الملك.

وتفتقر إلى إيجاب كما تقدّم وإلى قبول ، وهو الرضا بالإيجاب ، وإلى قبض فلا يلزم بدونه ، وفي اشتراط نيّة القربة توقّف.

وإنّما يصحّ إعمار ما يصحّ وقفه ، وإذا تمّت (١) لم يكن له الرجوع حتّى تخرج المدّة المشترطة ، ولو قرنت بعمر المالك أو بمدّة فمات الساكن فلورثته السكنى حتّى يموت المالك أو تنقضي المدّة.

ولو قرنت بعمر الساكن أو بمدّة فمات المالك لم يكن لورثته إخراجه قبل موته أو مضيّ المدّة.

__________________

(١) في « أ » : ثبت.

٥٦٢

ولا تبطل ببيع رقبة الملك ، ويتخيّر المشتري مع جهله ، ولو أسكنه مطلقا كان بيعه رجوعا.

وإذا أطلق سكن بنفسه وأهله وولده ، ولا يسكن غيرهم إلّا مع الشرط.

وله إدخال الضّيف والدوابّ إن جرت عادة المسكن بذلك ، والزرع (١) في أرض شأنها ذلك ، وليس له إيجاره إلّا بإذن المالك.

وأمّا الحبس فهو أن يحبس فرسه أو بعيره في سبيل الله ، أو معونة الزائر والحاج ، أو غلامه في خدمة بيوت العبادة والمشاهد.

وتشترط القربة ، ويخرج عن الملك بالعقد ، ولو حبس ملكه على إنسان فإن أطلق رجع متى شاء ، وإن عين مدّة عاد الملك إليه أو إلى وارثه بعد انقضائها.

* * *

__________________

(١) في « أ » : ومع الزّرع.

٥٦٣

المطلب الثالث والرابع (١) : في الوصيّة بعين أو منفعة

وفيه أبواب

[ الباب ] الأوّل : في الوصيّة بالمال

وفيه مقصدان

[ المقصد ] الأوّل : في الأركان

وهي أربعة :

الأوّل : في الماهيّة :

الوصيّة تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة ، ولا بدّ من إيجاب مثل : اعطوه كذا ، أو أوصيت لفلان بكذا ، أو هذا له بعد وفاتي ، أو اعتقوا فلانا ، أو حجّوا عنّي ، ونحو ذلك.

وتصحّ بغير العربيّة ، وتكفي الإشارة مع العذر دون الكتابة ، وإن

__________________

(١) وهو المطلب الرابع من المطالب الأربعة من كتاب العطايا ، فالوصيّة مطلقا من فروع العطايا لدى المصنّف.

٥٦٤

شوهدت ، أو عمل ببعضها الورثة ، أو اعترف بها ، أو عرفت.

ولو أخرج خطّا وقال للشاهد : اشهد عليّ بمضمونه لم يصحّ إلّا أن يقرّ بما فيه ، ولو قرأ عليه فأقرّ به ، أو قرأه الشاهد مع نفسه ثمّ اعترف الموصي بما فيه ، صحّ وكذا الكلام في الإقرار.

ثمّ إن كانت الوصيّة في جهة عامّة أو بالعتق وشبهه لم تفتقر إلى قبول ، وإلّا افتقرت فيقبل الموصى له أو وليّه مع الغبطة.

ولا يشترط مقارنته للإيجاب ، فيجوز التراخي ووقوعه قبل الموت وبعده وإن تأخّر عنه.

ولو مات قبل القبول قام وارثه مقامه ، سواء مات قبل الموصي أو بعده إلّا أن يتعلّق غرضه بالموروث ، ولا يدخل في ملك الميّت بل في ملك الوارث ، فلو أوصى لزوج الأمة بها أو بالحمل وهو منه فمات قبل القبول ، وقبل الوارث لم يعتق الحمل على الميّت بل على الوارث إن كان ينعتق عليه ، كما لو كان الوارث ابنا والحمل بنتا ، ولو كان الوارث ابنا وبنتا انعتق ثلثاه ، وإذا عتق كلّه ورث مع الجماعة لا مع الواحد ، وإلّا فبنسبة ما انعتق منه.

ولو قبل أحد الوارثين صحّ في نصيبه ولم يشاركه الآخر ، ولا يكفي الموت عن القبول ولا العكس بل لا بدّ منهما.

والوصية عقد جائز من الطرفين ، فللموصي الرجوع وللموصى له الردّ ، ولا أثر له قبل الموت ، فلو ردّ قبله جاز القبول بعده ، ولو ردّ بعده قبل القبول بطلت وإن كان بعد القبض ، ولو ردّ بعد القبول لم تبطل وإن كان قبل القبض على الأقوى.

٥٦٥

ولو ردّ بعد الموت والقبول والقبض لم تبطل إجماعا ، ولو ردّ البعض بطل فيه.

ويصحّ القبول بالفعل ، فلو أوصى له بزوجته ، فأولدها بعد الموت ملكها وصارت أمّ ولد.

والوصيّة تكون مطلقة مثل : إن متّ فلزيد كذا فمتى مات صحّت ، ومقيّدة مثل : إن متّ في هذا السّفر ، أو في هذا المرض ، أو في هذا الشهر ، أو في هذه البلدة ، فلزيد كذا ، فإن قدم أو برئ أو بقي بعد الشهر أو مات في غير البلد بطلت.

الثاني : في الموصي

ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل وجواز التصرّف والحريّة والاختيار ، فلا تصحّ من الصّبيّ وإن بلغ عشرا ، ولا من المجنون إلّا أن يعتوره ويوصي حال إفاقته ، ولا من السكران والسفيه.

ولو جرح نفسه بالمهلك ثمّ أوصى لم تصحّ وصيّته ، ولو أوصى ثمّ جرح نفسه صحّت ، ولا من المكره ، ولا من العبد القنّ وإن قلنا يملك ، للحجر عليه ، ولو اعتق وملك نفذت إن علّقها على الحرّية وإلّا فلا ، ولا من المدبّر والمكاتب المشروط ، والّذي لم يؤدّ ، ولو أدّى شيئا نفذ من وصيّته بقدره.

وتصحّ وصيّة الكافر للمسلم بما يملكه المسلم ، وللكافر مطلقا ، وبعمارة كنيسة أو قبور الأنبياء.

وتصحّ وصيّة الأخرس إذا فهمت إشارته ، وكذا من اعتقل لسانه ، ووصيّة الفقير إذا استغنى.

٥٦٦

وتجب الوصيّة على كل من عليه حقّ لله أو لآدميّ ، وتتضيّق إذا ظنّ الموت.

الثالث : في الموصى له

وفيه بحثان :

[ البحث ] الأوّل : في شروطه

وهي خمسة :

الأوّل : وجوده ، فلا يصحّ لمعدوم وإن علّقه بوجوده ، ولا لما تحمله المرأة ، ولا لمن سيوجد من أولاد فلان ، ولا لميّت ، فلو ظنّ حياته فبان ميّتا بطلت.

وتصحّ للحمل إن جاء لدون ستّة أشهر أو لأكثر من مدّة الحمل إن خلت من زوج أو مولى (١) وإلّا بطلت ، وتستقرّ بانفصاله حيّا ، فلو وضعته ميّتا بطلت ،

__________________

(١) قال في جامع المقاصد : ١٠ / ٤١ ـ ٤٢ : يشترط لصحة الوصيّة للحمل أمران :

أحدهما : أن يكون موجودا حالة الوصية ، لأنّ الوصية للمعدوم لا تصحّ إجماعا.

الثاني : انفصاله حيّا فتبطل بدون ذلك ومع الشرطين تصحّ الوصية له إجماعا ، كما يثبت إرثه.

ويتحقّق وجوده بأن تأتي به أمّه لأقلّ من ستّة أشهر من حين الوصيّة للقطع بوجوده حينئذ ، فلو كان لستة فصاعدا ولها زوج أو مولى فليس وجوده حين الوصية بمعلوم ، لإمكان تجدّده ، والأصل عدمه ، نعم لو خلت عن زوج ومولى وأتت به لما دون أكثر مدّة الحمل من حين الوصية ، فإنّ الوصيّة تصحّ أيضا ، للحكم بوجوده شرعا حين الوصية ، لوجوب إلحاقه بصاحب الفراش.

٥٦٧

ولو وضعت حيّا وميّتا فللحيّ الجميع ، ولو انفصل حيّا ثمّ مات فهي لوارثه.

ولو تعدّد الحمل قسمت عليهم بالسويّة وإن اختلفوا في الذكورة والأنوثة.

ولو قال : إن كان في بطنها ذكر فله ديناران وإن كان أنثى فله دينار ، فولدت أحدهما فله وصيّته ، وإن ولدتهما فلكلّ واحد وصيّته.

ولو كانا ذكرين أو انثيين احتمل الإيقاف حتّى يصطلحان بعد البلوغ ، ويتخيّر الوارث.

ولو قال : إن كان حملها أو الّذي في بطنها أو ما في بطنها ذكرا فله ديناران ، وإن كان أنثى فدينار فولدت أحدهما فله وصيّته ، وإن ولدت ذكرين أو انثيين أو هما بطلت.

الثاني : صحّة تملّكه ، فلو أوصى للملك أو الدابّة بطلت ، إلّا أن يقصد علفها ، فيدفعه إلى المالك ، ولا يجوز له صرفه في غيره ، ولا يصحّ لمملوك الأجنبيّ ، ولا لمدبّره ، ولا لأمّ ولده ، ولا لمكاتبه المشروط ، والّذي لم يؤدّ ، ولو تحرّر بعضه صحّ بالنسبة ، ولا تصحّ لجزئه الحرّ ، وتصحّ لعبده ومدبّره ومكاتبه وأمّ ولده ، ويعتق من الوصيّة ، والفاضل له ، وإن قصرت عن قيمته سعى فيما يبقى وإن بلغت ضعف الوصيّة.

ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين ، قدّم الدين وعتق ثلث الفاضل ، ولو نجّز عتقه فإن كان قيمته ضعف الدّين أعتق وسعى في خمسة أسداس قيمته وإن كانت أقلّ بطلت.

__________________

أقول : بناء على ما ذكره المحقّق الثاني رحمه‌الله فالأولى أن يقول المصنّف « لدون أكثر من مدة الحمل » بدل « لأكثر من مدّة الحمل ».

٥٦٨

الثالث : تعيينه على الأقوى ، فلو أوصى لأحدهما بطلت ، ويحتمل الصحّة فيتخيّر الوارث ، ويحتمل القرعة.

الرابع : ألّا يكون حربيّا وإن كان رحما ، ولا مرتدّا مطلقا ، ويجوز للذمّي ، ولو أوصى المسلم لقرابته لم يدخل الكافر ، وكذا لا يدخل المسلم لو كان الموصي كافرا.

الخامس : إسلامه إذا أوصي له بمصحف أو بعبد مسلم ، ولو أوصى كافر لمثله فأسلم قبل الموصى له بطلت ، وكذا بعده قبل القبول ، ولو كان بعدهما صحّت وبيع عليه من مسلم.

البحث الثاني : في أحكامه

إطلاق اللفظ يقتضي دخول ما يتناوله لغة أو عرفا بالحقيقة ، فإن تعدّدت حمل على المجاز ، فلو أوصى لأولاده فهو لمن ولدهم دون الحفدة ، فإن عدم أولاد الصلب استحقّوا.

ولو أوصى لمولاه صرف إلى معتقه دون معتق أبيه إلّا مع عدمه ، والمشترك كالمولى يصرف إلى الموجود من المعتق والمعتق ، ولو اجتمعا بطلت إلّا مع القرينة ، ولو أتى بلفظ الجمع دخلا.

والعلماء : الفقهاء والمفسّرون والمحدّثون إن عرفوا الطّريق ، دون الأدباء والأطبّاء والمنجّمين.

والقرّاء : حافظو القرآن بالاستقلال دون القارئ بالمصحف.

والعصبة : العاقلة ، وختنه : زوج ابنته وصهره أب زوجته.

٥٦٩

وقرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بنو عبد المطلب.

ولو أوصى للمساكين دخل الفقراء دون العكس.

ومستحقّ الزكاة : الأصناف الثمانية.

واليتيم : من مات أبوه ولم يبلغ.

والأرملة : من مات زوجها أو بانت عنه بسبب ، والأيّم : الخالية من البعل.

والأعزب : من لا زوجة له.

وأعقل الناس : الزهاد والعلماء ، والأزهد والأتقى والأعلم : من ظنّ اتّصافه بذلك ، وباقي الألفاظ تقدّمت في الوقف.

وتصحّ الوصيّة للوارث كالأجنبيّ ، ويتساوى الذكر والأنثى ، إلّا أن يقول : على كتاب الله.

وتتساوى الأعمام والأخوال في الوصية.

ولو أوصى لله ولزيد فله النّصف ، ويصرف سهم الله إلى الفقراء.

ولو قال : لجبرئيل وزيد ، أو لزيد والرّيح ، فلزيد النصف ويبطل الباقي.

ولو أوصى لزيد والمساكين فله النصف ، ولا يعطى منهم أقلّ من ثلاثة.

ولو أوصى لقبيل منتشر أعطي من حضر البلد من الذكور والإناث ، ولا يجب الاستيعاب ، ولا يتبع من غاب ، ولا يجوز التفضيل ولا النقص عن ثلاثة ، ولو كان منحصرا وجب الاستيعاب والتسوية والتتبّع.

ولو أوصى لبني فلان ، فإن انتشروا دخل الإناث وإلّا فلا.

٥٧٠

ولو أوصى لعصبة فلان فمات الموصي قبله أعطوا ، ولو قال : لورثته بطلت.

ولو أوصى للمسجد صرف في مصالحه ، ولو قصد التملّك بطلت.

ولو مات الموصى له قبل الموصي بطلت.

ولو قال : اعطوا فلانا كذا ، ولم يبيّن الوجه صرف إليه يصنع به ما يشاء.

وتستحبّ الوصيّة للقريب وإن كان وارثا.

الرابع : في الموصى به

وفيه فصلان

[ الفصل ] الأوّل : في شروطه

وهي ستّة :

الأوّل : الملك ، فلا تصحّ الوصيّة بملك الغير وإن أجاز على توقّف ، وتصحّ بالمشترك وينصرف إلى نصيبه.

الثاني : قبول الملك ، فلا تصحّ الوصيّة بالحرّ ، ولا بالخمر والخنزير إلّا أن يكونا ذمّيّين ، ولا بجلد الميتة وإن كان لمستحلّه ، وتصحّ بالسّباع والكلاب المملوكة.

الثالث : كونه منتفعا به ، فلا تصحّ الوصيّة بالخنافس ، والديدان ، والفضلات ، وتصحّ بالزبل.

٥٧١

الرابع : كون الانتفاع سائغا ، فلو أوصى بمعونة الظالمين ، أو بآلة اللهو أو القمار ، لم تصحّ ، ولو تناول اللفظ المحلّل والمحرّم صرف إلى المحلّل ، فلو أوصى له بطبل من طبوله أو عود من عيدانه ، نزّل على طبل الحرب وعود يملك ، فإن لم يكن له إلّا المحرّم فإن انتفع به بعد إزالة الصفة المحرّمة صحّت ، وإلّا فلا.

ولو أوصى له بطبل لهو بطلت إلّا أن يقصد الرضاض (١) ، ولو أوصى له بما يصلح لهما كالدفّ صحّ لجواز اتّخاذه للعرس.

الخامس : عدم منافاته الشرع ، فلو أوصى المسلم بكتابة التوراة أو كتب الضلال ، أو بناء كنيسة أو عمارتها لم يصحّ.

السادس : عدم زيادته على الثلث إلّا أن يجيز الوارث ، ولا يشترط كونه عينا ، ولا معلوما ، ولا معيّنا ، ولا موجودا بالفعل ، ولا مقدورا على تسليمه ، فتصحّ بالمنافع كسكنى الدار ، وبالقسط ، وبأحد العبدين ، وبما تحمل الدابّة والشجرة ، والمملوك ، والآبق ، والطير في الهواء ، والسمك في الماء ، وبالمجهول ، والمبهم فيتخيّر الوارث ويعتبر ما يتخيّره من الثلث ، فإن زاد وقف على إجازته ، وليس اختياره ما يزيد على الثلث إجازة إلّا مع العلم والقصد.

__________________

(١) قال في جامع المقاصد : ١٠ / ١٠٨ : رضاض الشي‌ء ـ بضم الراء ـ : هو فتاته.

٥٧٢

الفصل الثاني : في أقسامه

الموصى به إمّا عين أو منفعة ، والأوّل إمّا معلوم أو مبهم ، فالأقسام ثلاثة :

[ القسم ] الأوّل : المعلوم

ويرجع فيه إلى دلالة اللفظ لغة أو عرفا ، فالشاة اسم للضأن ، والمعز ، والصغير ، والكبير ، والذكر ، والأنثى ، والصحيح ، والمعيب ، دون الظبي ، والكبش للذكر الكبير من الضأن ، والتيس للذكر الكبير من المعز ، والبعير للذكر والأنثى من الإبل ، والجمل للذكر ، والناقة للأنثى وكذا البدنة.

ولو قال : اعطوه واحدة من الإبل ، أعطي أنثى ، وإن نزع التاء أعطي ذكرا ، ولو قال : ثلاثة من الإبل أعطي ذكورا ولو نزع التاء أعطي إناثا.

والبقر اسم جنس للذكر والأنثى دون الجاموس ، وبقر الوحش والثور للذكر ، والبقرة للأنثى.

والدابّة لذات الحافر إلّا يخصّ العرف أحدها (١) والحمار للذكر ، والأتان للأنثى ، والفرس للذكر والأنثى ، والحصان للذكر ، والحجرة للأنثى.

ولو أوصى بالحمل لم يدخل الحامل ، وبالعكس ، ويشترط تحقّقه ، وضابطه في الأمة بعادة الشرع وفي غيرها بعوائدها.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : أحدهما.

٥٧٣

ويدخل في الدار ما يدخل في المبيع (١) ، ولو انهدمت لم تبطل ، وله النقض ، وليس زيادة العمارة رجوعا.

ويحمل اللفظ على حقيقته ، فلو أوصى بمملوك (٢) انصرف إلى الرقّ دون البهيمة (٣) ولو تعدّدت بأن كان مشتركا كالدابّة تخيّر الوارث في أحدها (٤) إلّا مع القرينة كقوله : دابّة يسهم لها ، فينصرف إلى الخيل ، ولو قال : ينتفع بنسلها (٥) خرج الذكور والبغال.

ولو كان اللفظ مشكّكا حمل على الأظهر من معانيه ، فلو أوصى له بقوس أعطي قوس النشّاب أو النبل أو الحسبان ، دون قوس البندق والندف ، إلّا مع القرينة كقوله : قوس يتعيّش به ، فينصرف إلى قوس النّدف ، ولو كان له قوس بندق وقوس ندف أعطي قوس البندق ، لأنّه أسرع إلى الفهم ، ويعطى الوتر الموجود.

ولو قال : اعطوه قوسا ، ولا قوس له اشتري له أحد الثلاثة.

ولو كان متواطيا كقوله : أعطوه رأسا من رقيقي ، تخيّر الوارث في الذكر والأنثى والخنثى ، والصغير والكبير ، والمسلم والكافر ، والصّحيح والمعيب ، وكذا لو قال : اشتروا له رأسا.

ولو قال : عبدا أعطي ذكرا ، ولو قال : أمة أعطي أنثى.

__________________

(١) كذا في القواعد : ٢ / ٤٦٢ ، ولكن في النسخ الّتي بأيدينا « في البيع ».

(٢) في « ب » و « ج » : « لمملوك » والصحيح ما في المتن.

(٣) في « أ » : « دون القيمة » ولعلّه مصحّف.

(٤) في « ب » و « ج » : في أخذها.

(٥) في « ب » و « ج » : ينتفع بها بنسلها.

٥٧٤

ولو قال : أعطوه عبدا من عبيدي ، لم يجز ما يشتريه ، ولو قال : عبدا من مالي ، تخيّر الوارث بين أحدهم والشراء.

ولو قال : أعطوه عبدا ، ولا عبد له ثمّ ملك عبدا صحّت ، ولو قال : من عبيدي بطلت ، وكذا لو كان له عبد واحد لا غير.

ولو قال : ثلث عبيدي ثمّ ملك آخرين أعطي ثلث الجميع.

ولو أوصى له بعبده ثمّ أعتقه بطلت ، وصحّ العتق.

ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ، فلو لم تجد أعتق من لم يعرف بنصب ، ولو ظنّ الإيمان فأعتق فبان الخلاف أجزأ.

ولو عيّن ثمن الرقبة فلم يوجد به توقّعه ، فإن لم يتّفق اشترى بأقلّ وأعتق ودفع إليه الباقي.

ولو قال : أعطوه أحد عبيدي ثمّ ماتوا بطلت ، ولو بقي واحد تعيّن ، ولو قتلوا لم تبطل ، ويعيّن الوارث ، وتؤخذ القيمة منه إن دفعت إليه ، وإلّا فمن الجاني ، وإن قتل بعضهم عيّن الوارث أحد الباقين أو أحد المقتولين.

ولا يدخل في العبد الثوب ولا في الدابّة السرج.

وجمع الكثرة يحمل على ثلاثة مع الإطلاق ، مثل أعتقوا عنّي عبيدا ، ولو قيّده بقدر ، مثل أعتقوا عنّي عبيدا بثلث مالي ، وجب الشراء به وإن زاد على الثلاثة ، تحصيلا للكثرة ، ويجزئ في جمع القلّة الثلاثة وإن قيّده تحصيلا للقلّة.

ولو أوصى بكفّارة مرتّبة أخرج أقلّ رقبة تجزئ ، وكذا لو أوصى بعتق رقبة.

٥٧٥

ولو أوصى بالمخيّرة أخرج أقلّ الخصال قيمة.

ولو أوصى بالأزيد أخرج المجزئ من الأصل والزيادة من الثلث ، ولو لم يف المجموع أخرجت الدنيا وبطل الزائد.

وتصحّ الوصية بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أنّ الربح بينه وبين الوارث.

القسم الثاني : المبهم

إذا فسّر الشارع لفظا رجع إليه ، وإلّا فإلى الوارث ، فلو أوصى بجزء من ماله فهو العشر ، فجزء الجزء عشر العشر ، والسّهم الثمن ، والشي‌ء السّدس ، والكثير ثمانون ، وقيل : يختصّ بالنذر (١).

ولو أوصى بوجوه فنسي الوصيّ وجها صرف في وجوه البرّ ، وكذا لو عيّن وجها فتعذّر.

ولو قال : أعطوه حظّا من مالي ، أو قسطا ، أو نصيبا ، أو جليلا ، أو عظيما ، أو خطيرا ، أو جزيلا ، أو قليلا ، أو يسيرا ، رجع إلى الوارث في تفسيره.

ولو ادّعى الموصى له تعيين الموصي قدّم قول الوارث بغير يمين إلّا أن يدّعي علمه (٢).

ولو أوصى بسيف دخل الجفن والحلبة ، ولو أوصى له بصندوق أو جراب دخل ما فيهما مع القرينة.

__________________

(١) القائل هو الحلّي في السرائر : ٣ / ١٨٨.

(٢) إلّا أن يدّعي الموصى له علم الوارث بصدق مقال الموصى له فيحلف الوارث عندئذ.

٥٧٦

ولو أوصى بإخراج أحد أولاده بطلت.

القسم الثالث : الوصيّة بالمنفعة

تصحّ الوصيّة بسكنى الدار ، وغلّة البستان وثمرته ، ومنافع المملوك والحيوان ، مؤبّدة ومؤقّتة ومطلقة ، فيتخيّر الوارث.

وهي تمليك منفعة بعد الموت لا مجرّد إباحة ، فلو مات الموصى له ورثت عنه.

وتصحّ إجارته وإعارته ، ولا يضمن العين إلّا أن يفرّط ، ولا يجبر الوارث ولا الموصى له على عمارة الدار وسقي البستان ، وتحسب [ المنافع ] من الثلث فإذا كانت مؤبّدة ، وطريقه تقويم العين بمنافعها على التأبيد ، ثمّ تقوّم مسلوبة المنافع ، فالتفاوت هو الموصى به ، ولو لم يكن لمسلوبة المنفعة قيمة كان المخرج من الثلث قيمة العين بمنافعها ، وكذا لو أوصى لواحد بإحدى المنفعتين وللآخر بالأخرى كالغزل والنسج.

ولو أوصى لشخص بإحداهما صحّ ، وقوّمت كالأوّل ، ويرجع في استيفائها إلى العادة ، ولو انتفت وجب الصّلح.

ولو أوصى لواحد بالرّقبة ولآخر بالمنفعة ، قوّمت الرقبة على الأوّل إن كانت لها قيمة ، والمنفعة على الثاني ، وإذا كانت مؤقّتة قوّمت مع المنفعة ثمّ مسلوبة تلك المدّة ، فالنقص قيمة المنفعة.

وتجب نفقة العبد وفطرته ونفقة الحيوان على الوارث وإن كانت الوصيّة مؤبّدة ، ويملك جميع اكتساب العبد الموصى بمنافعه من الاصطياد والاحتطاب والأجرة ، ولا يملك الوطء والعقر والولد على توقّف ، ويمنع الوارث من

٥٧٧

الوطء ، فلو وطئ أحدهما لم يحدّ للشبهة ، ولا تصير أمّ ولد بالحمل من الموصى له بل من الوارث.

ولو وطئت سفاحا فالولد للوارث ، ولو كان للشبهة فالولد حرّ ، وعلى الواطئ العقر وقيمة الولد للوارث على التوقّف.

ولا يتزوّج [ العبد ] إلّا برضاهما ، ويملك الوارث إعتاقه ، ولا تبطل الوصيّة به ، ولا يجزئ عن الكفّارة ، ونفقته على الموصى له على توقّف ، ويملك كتابته ، ويؤدّى من الصدقات ، ولا يملك بيعه إن كانت مؤبّدة إلّا من الموصى له ، وإن كانت مؤقّتة جاز ، كبيع المستأجر ، وكذا بيع الموصى ببعض منافعه.

وإذا قتل بطلت الوصيّة ، فإن أوجب القصاص تولّاه الوارث ، وإن أوجب الدية صرفت إليه ، وله أرش طرفه.

ولو جنى قدّم حقّ الجناية ، وإن قتل بطلت الوصية ، وكذا إن بيع ، وإن فداه الوارث استمرّت ، وكذا إن فداه الموصى له.

ويجبر المجنيّ عليه على القبول على توقّف.

ولو أوصى لواحد بحبّ الزرع ولآخر بتبنه فالنفقة عليهما بالنسبة.

المقصد الثاني : في الأحكام

وفيه بحثان :

[ البحث ] الأوّل : في كيفيّة تنفيذ الوصايا

يستحبّ تقليل الوصيّة بخلاف باقي الصدقات ، فالربع أفضل من الثلث ، والخمس أفضل من الرّبع ، ويمنع من الزيادة على الثلث ، صحيحا كان أو

٥٧٨

مريضا ، ويقف على إجازة الوارث ، فلو أجاز الوصيّة بالنصف ثمّ ادّعى ظنّ القلّة صدّق مع اليمين.

ولو كانت الوصيّة بمعيّن ثمّ ادّعى ظنّ أنّها بقدر الثلث ، أو أكثر بقليل ، أو كثرة المال ، أو عدم الدين ، صدّق على توقّف.

ولو أجاز البعض مضى في نصيبه ، ولو أجاز في البعض صحّ فيه خاصّة.

ويشترط في المجيز البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرّف.

والإجازة تنفيذ لا ابتداء عطيّة ، فلا تحتاج إلى قبول وقبض ، فلو أجاز الورثة عتق العبد أو الوصيّة بعتقه فلا ولاء لهم ، ولو كانوا إناثا فالولاء لعصبته لا لعصبتهنّ.

ولو كان المجيز مريضا لم يعتبر من ثلث ماله.

ويعتبر الثلث حين الوفاة لا حين الوصيّة ، ولا ما بينهما.

وتنفذ بعد الوفاة إجماعا وقبلها على الأصحّ (١) ، ولفظها : أجزت ،

__________________

(١) قال المحقّق الكركي :

أطبق الأصحاب على أنّ الإجازة من الوارث إذا وقعت بعد الموت كانت معتبرة ، واختلفوا في اعتبارها لو وقعت قبل الموت :

فاعتبرها الأكثر : كالشيخ ، وابن الجنيد ، وابن بابويه ، وابن حمزة والمحقّق ابن سعيد ، والمصنّف في المختلف ، والتذكرة.

وذهب المفيد ، وسلّار ، وابن إدريس إلى عدم اعتبارها.

والأصحّ الأوّل ، لنا عموم قوله تعالى : ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) [ البقرة : ١٨١ ] وقوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ ) [ النساء : ١١ ـ ١٢ ] خرج ما أخرجه الدليل فيبقى الباقي على الأصل. وأيضا

٥٧٩

وأنفذت وشبهه.

ولو أوصى لاثنين بما يزيد على الثلث ولم تجز الورثة ، فإن جمع تساويا قدر الثلث ، وإن رتّب فالنقص على الثاني.

ولو أوصى بثلثه لزيد فله ثلث كلّ شي‌ء ، ولو كانت بمعيّن ملكه الموصى

__________________

فإن الرّدّ حقّ الورثة ، فرضاهم مسقط له ، بدليل أنّ الحقّ ثابت وإلّا لم يمنع الموصي من الزائد.

فإن قيل : لم يملكوا شيئا بعد.

قلنا : لا يلزم من عدم الملك عدم الحقّ أصلا.

وأيضا فإنّه لو لم يكن لهم حقّ لانحصر الحقّ كلّه في الموصي ، وهو باطل ، ومع ثبوته فهم مسلّطون على إسقاطه كسائر الحقوق ، وقد روى منصور بن حازم في الصحيح ، ومحمد بن مسلم في الحسن كلاهما عن الصادق عليه‌السلام في رجل أوصى بوصيّة وورثته شهود ، فأجازوا ذلك ، فلمّا مات الرجل نقضوا الوصيّة ، هل لهم أن يردّوا ما أقرّوا به في حياته؟ قال : « ليس لهم ذلك ، الوصيّة جائزة عليهم إذا أقرّوا بها في حياته » [ الوسائل : ١٣ / ٣٧١ ، الباب ١٣ من أبواب كتاب الوصايا ، الحديث ١ ].

وادّعى الشيخ على ذلك إجماعنا.

احتجّ الآخرون بأنّها إجازة فيما لا يستحقّونه بعد ، فجرى مجرى ردّهم حينئذ.

أجاب المصنّف [ أي العلّامة الحلّي قدس‌سره ] بأنّه لو لا تعلّق حقّ الوارث لم يمنع المريض. والفرق بين الإجازة والردّ ظاهر ، فإن الردّ إنّما لم يعتبر حال حياة الموصي ؛ لأنّ استمرار الوصيّة يجري مجرى تجدّدها حالا فحالا ، بخلاف الإجازة فإن الدوام يؤكّدها.

والحاصل : ان الردّ لمّا لم يكن مانعا من إنشاء الوصيّة لم يكن معتبرا ، بخلاف الإجازة فإنّها إسقاط لحقّ قد ثبت ، ودليل الثبوت ما سبق ، ولا يتوقّف الثبوت على حصول الملك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ المفهوم من عبارة الأكثر ومن استدلالهم ، أن هذا الحكم إنّما هو فيما إذا أجاز الوارث وصيّة المريض وما في حكمها.

أمّا وصيّة الصحيح فمقتضى قولهم : أنّ الوارث بالإجازة أسقط حقّه ان إجازته حينئذ لا تؤثّر ، إذ لا حقّ له. والمصنّف في التحرير عمّم الحكم في الإجازة للوصيّة حال المرض والصحة [ لاحظ التحرير : ٣ / ٣٤١ ] ، وعموم الرواية الحاصل من ترك الاستفصال يتناوله ، وكلّ منهما محتمل وإن كان التعميم لا يخلو من إشكال. جامع المقاصد : ١٠ / ١١٣.

٥٨٠