معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

ولو مات المودع سلّمها إلى وارثه ، فإن تعدّد فإلى الجميع أو إلى القائم مقامهم ، فإن دفعها إلى البعض ضمن حصص الباقين.

والقول قول المستودع في عدم الإيداع ، وفي الردّ ، والتلف ، وعدم التفريط ، وقدر القيمة معه مع اليمين.

ولو دفعها إلى غير المالك وادّعى إذنه فأنكر ، قدّم قول المالك مع يمينه ، وإن صدّقه في الإذن وأنكر الدفع ، قدّم قول المستودع مع يمينه وإن ترك الإشهاد.

ولو ادّعى الوديعة اثنان فصدّق أحدهما قبل مع اليمين ، فإن نكل غرم للآخر ، ويكفي اليمين الواحد لهما.

* * *

٥٢١

المطلب الثاني : في العارية

وفيه مباحث :

الأوّل : في العقد

والإيجاب كلّ لفظ دلّ على تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها ، ولا يختصّ بلفظ ، والقبول ما دلّ على الرضا قولا أو فعلا ، وليس بلازم من الطرفين.

وتشترط إباحة المنفعة ، فلا يجوز إعارة العبد المسلم أو المصحف من الكافر ، ولا الجواري للاستمتاع ، ويجوز للخدمة لأجنبيّ وغيره.

وتكره استعارة الأبوين لها.

وليس للمحرم استعارة الصّيد من المحلّ والمحرم ، ويضمنه للمحلّ بالإمساك وإن لم يشترط ، ويجوز أن يستعاره للمحلّ من المحرم ، لزوال ملكه بالإحرام ، ولا يضمنه ، ولا يجب ردّه ، ثمّ إن نوى الملك ملكه ، وإلّا كان مباحا.

ويجوز إطلاقها وتقديرها بالمدّة والعمل ، ولو تعدّدت المنفعة فإن عيّن تعيّنت ، فلو أعاره الأرض للغرس لم يجز البناء ، وبالعكس ، وله الزرع ،

٥٢٢

ولو أعارها للزرع لم يجز الغرس ، ويزرع ما شاء.

ولو عيّن المزروع كالحنطة زرع المساوي والأدون لا الأضر.

ولو نهاه عن التخطّي حرم ، فلو فعل لزمته الأجرة والضمان ، ولو أطلق تخيّر ، فلو أعاره الدابّة فله الحمل والركوب.

ولو أعاره الأرض فله الغرس ، أو البناء ، أو الزرع.

ويرجع في الانتفاع إلى ما جرت العادة به ، فلو أعاره الدابّة للحمل وأطلق ، فله الحمل عليها ما جرت عادة مثلها ، ولو عيّن قدرا جاز النقصان دون الزيادة ، فيضمن الدابّة وأجرة الزيادة.

الثاني : في المعير

وشرطه أن يكون مكلّفا جائز التصرّف ، مالكا للمنفعة ولو بالإجارة ، فلا تصحّ إعارة الصّبيّ ، والمجنون ، والمحجور عليه ، والمستعير ، والغاصب ، فلو استعار منه عالما بالغصب رجع المالك على من شاء بالأجرة وأرش النقص والقيمة مع التلف ، ويستقرّ الضمان على المستعير مع العلم ، وإلّا فعلى الغاصب.

الثالث : [ في ] المستعير

وشرطه التعيين ، والكماليّة ، فلو أعار أحد هذين أو صبيّا أو مجنونا لم يصح.

ويجوز له استيفاء المنفعة بنفسه ووكيله.

٥٢٣

الرابع : [ في ] المستعار

وهو كلّ عين يصحّ الانتفاع بها مع بقائها : كالعبد للخدمة ، والثوب للّبس ، دون الأطعمة لاستهلاكها بالانتفاع.

وتجوز إعارة الكلب والفهد للصّيد ، والفحل للضراب ، والشاة للحلب ، وهي المنحة ، وله الرّجوع في اللبن الموجود.

الخامس : [ في ] الضمان

العارية أمانة لا تضمن إلّا بالشرط ، أو التعدّي ، أو التفريط ، أو كانت ذهبا أو فضّة إلّا أن يشترط السقوط ، وباستعارة المحرم صيدا ، وبإهمال الردّ مع الطلب والتمكّن منه ، وبتعدّي ما عيّن له فيضمن العين والأجرة ، وبجحود العارية.

ولا يضمن لو تلفت العين بالاستعمال أو نقصت به ، فلو استعملها ثمّ تلفت بتفريط ضمن قيمتها يوم التلف ، وكذا لو شرط الضمان فنقصت بالاستعمال ثمّ تلفت.

ويضمن المثل بمثله والقيمي بالقيمة يوم التلف.

ولا يبرأ بالردّ إلى الحرز ، ولا بردّ الدابّة إلى المسافة المشترطة لو تجاوزها ، بل بإبراء المالك ، أو الردّ إليه أو إلى وكيله.

السادس : في الرجوع

وهو جائز إلّا في إعارة القبر بعد الدفن ، ويجوز الرجوع قبل الطمّ وبعد الاندراس.

٥٢٤

ويضمن المالك ما يتلف على المستعير بالرجوع ، فلو أعاره للبناء (١) أو الغرس أو الزرع ثمّ رجع قبله ، منع منه ، فإن خالف أزاله المالك مجّانا ، وطالبه بالأجرة وطمّ الحفر ، وإن رجع بعده فله إزالته ولو قبل إدراك الزرع مع دفع الأرش ، وليس له الإزالة بدونه ، ولو دفع المالك القيمة أو المستعير الأجرة افتقر إلى التراضي.

ولو خرب البناء ، أو مات الشجر لم يجز له الإعادة بغير إذنه.

ولا يجب على المستعير طمّ الحفر إلّا أن يقلع الغرس باختياره ، ولو عين للغرس وقتا جاز الرجوع قبل الانقضاء مع الأرش ، وبعده مجّانا.

ولو حمل السّيل حبّا إلى أرض إنسان فنبت ، فلصاحب الأرض إزالته مجّانا ، أو إجبار المالك على القلع وتسوية الحفر.

ولو رجع في إعارة الحائط للتسقيف جاز وإن أدّى إلى خراب ملك المستعير ، ويجب دفع الأرش.

السابع : في الحكم

للمستعير الدّخول إلى الأرض المعارة ، والاستظلال بالبناء (٢) والشجر ، وبيع غروسه وأبنيته للمعير وغيره ، وليس له الإعارة والإجارة إلّا بإذن المالك ، فإن بادر تخيّر المالك في الرّجوع بالأجرة على من شاء ، ويرجع الثاني على الأوّل مع الجهل لا مع العلم ، ومئونة الردّ عليه.

__________________

(١) في « أ » : « فلو أعاره البناء » والصحيح ما في المتن.

(٢) في « أ » : « والبناء » والصحيح ما في المتن.

٥٢٥

ولو ادّعى المالك الإجارة قبل الانتفاع قدّم قول المستعير مع اليمين ، وبعده يقدّم قول المالك مع يمينه ، ويثبت له الأقل من المدّعى وأجرة المثل.

ولو ادّعى الغصب قدّم قول المستعير مع يمينه ، ويثبت له أجرة المثل.

والقول قول المالك في الردّ وقول المستعير في التلف ، وفي عدم التفريط ، وفي القيمة معه ، وفي عدم التضمين.

٥٢٦

المطلب الثالث : في الشركة

وفيه مباحث :

الأوّل : في حقيقتها

وهو اجتماع حقوق الملّاك في الشي‌ء الواحد على سبيل الشياع ، وقد يكون في عين إمّا بالإرث ، أو بعقد البيع ، أو الهبة ، أو الصدقة ، والوصيّة ، والصلح ، والاغتنام ، والمزج ، والحيازة بأن يقلعا شجرة دفعة أو يغترفا ماء كذلك ، أو في منفعة إمّا بعقد الإجارة ، أو الوقف ، أو في حقّ إمّا باستحقاق القصاص ، أو حدّ القذف ، أو الخيار ، والرّهن ، والشفعة ، ومرافق الطرق.

وإنّما تصحّ شركة العنان (١) : وهي امتزاج الأموال بحيث لا تتميّز ،

__________________

(١) قال في جامع المقاصد : ٨ / ١٠ : العنان ككتاب : سير اللجام الّذي تمسك به الدابة قال المصنّف في « التذكرة » : فأمّا شركة العنان فإن يخرج كل مالا ويمزجاه ، ويشترطا العمل فيه بأبدانهما.

وقد اختلف فيما اخذت منه هذه اللفظة : فقيل من عنان الدابة ، إمّا لاستواء الشريكين في ولاية الفسخ والتصرف ، واستحقاق الربح على قدر رأس المال كاستواء طرفي العنان ، أو كاستواء الفارسين إذا سويّا بين فرسيهما في السير ، أو لأن كلّ واحد منهما يمنع الآخر من التصرّف كما

٥٢٧

اختيارا كان المزج أو اتّفاقا.

وصيغتها كلّ لفظ دلّ على الرضا بالمزج مثل شاركتك ، أو اشتركنا ، وشبهه.

ويشترط في المتعاقدين أهليّة التصرّف ، وفي المال التماثل في الجنس (١) والصفة ، وكونه معيّنا معلوم القدر ، سواء كان من الأثمان ، أو العروض ، فلا يصحّ في جنسين ، ولا في الدين والمجهول.

وغير المثلي : كالثّياب والعبيد لا تتحقّق فيه الشركة بالمزج ، فإن أريدت باع أحدهما حصة ممّا في يده بحصّة ممّا في يد الآخر ، أو بيعا معا بثمن واحد فيشتركان في الثّمن بالنسبة.

ولا تصحّ شركة الأبدان : وهي الاشتراك فيما يحصل بالصّنعة أو الحرفة ، تساوت أو اختلفت ، بل يختصّ كلّ واحد بأجرة عمله ، ومع الاشتباه يجب الصلح.

ولا [ تصحّ ] شركة الوجوه (٢) : وهي أن يبيع الوجيه مال الخامل وله حصّة

__________________

يشتهي كمنع العنان الدابة.

وإما لأن الأخذ بعنان الدابة حبس إحدى يديه على العنان ، ويده الأخرى مطلقة يستعملها كيف شاء. كذلك الشريك منع بالشركة نفسه من التصرف في المشترك كما يريد ، وهو مطلق اليد بالنظر إلى سائر أمواله.

وقيل : من عنّ إذا ظهر ، إمّا لأنّه ظهر لكل منهما مال صاحبه ، أو لأنّها أظهر أنواع الشركة ، ولذلك أجمع على صحّتها.

(١) كذا في « أ » ولكن في « ب » و « ج » : « التماثل والجنس » والصحيح ما في المتن.

(٢) قال العلّامة في « التذكرة » : شركة الوجوه فسرت بمعان أشهرها : أن يشترك اثنان وجيهان عند الناس لا مال لهما ليبتاعا في الذمة إلى أجل ، على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما

٥٢٨

من الربح ، أو يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى غير وجيه والربح بينهما ، بل الرّبح في الأولى كلّه للخامل ، وعليه أجرة المثل للوجيه ، وفي الثانية بالعكس ، ومنه أن يشتري كلّ واحد بجاهه شيئا في الذمّة ويشتركان في الربح ، بل لكلّ واحد ربح ما اشتراه.

ولا [ تصحّ ] شركة المفاوضة : وهي الاشتراك في كلّ ما يملكانه ويغرمانه ، بل لكلّ واحد غنمه وعليه غرمه.

ومن الشركة الباطلة أن يؤاجرا دابّتيهما أو يحملاهما مباحا ويكون الحاصل بينهما ، بل لكلّ واحد حاصل دابّته ، فإن اشتبه وجب الصلح.

ومنها : أن يدفع إنسان إلى آخر دابّته ليشتركا في الحاصل ، بل الأجرة لصاحبها ، وعليه مثل أجرة العامل.

ولو تقبّل حملا فالأجرة له ، وعليه مثل أجرة الدابّة (١) ولو احتطب عليها كان له ، وعليه مثل أجرة الدابة.

ومنها : أن يدفع واحد دابّة وآخر راوية (٢) إلى سقّاء ليشتركوا في الحاصل ،

__________________

فيبيعاه ويؤدّيا الأثمان ، فما فضل فهو بينهما.

وقيل : أن يبتاع وجيه في الذمّة ويفوّض بيعه إلى خامل ، ويشترطا أن يكون الربح بينهما.

وقيل : أن يشترك وجيه لا مال له وخامل ذو مال ، ليكون العمل من الوجيه والمال من الخامل ويكون المال في يده لا يسلّمه إلى الوجيه والربح بينهما.

وقيل : أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له. تذكرة الفقهاء : ٢ / ٢٢٠ ـ الطبعة الحجرية ـ.

(١) وفي القواعد : ٢ / ٣٢٩ مكان العبارة « وإن تقبّل حمل شي‌ء فحمله عليها أو حمل عليها شيئا مباحا فباعه فالأجرة والثمن له ، وعليه أجرة مثل الدابّة لمالكها ».

(٢) الرواية : المزادة فيها الماء. لاحظ القاموس.

٥٢٩

بل للسّقّاء جميع الحاصل ، وعليه أجرة مثل الراوية والدابّة.

ومنها : أن يجوز مباحا ، أو يصيد بنيّة أنّه له ولغيره ، بل جميع ذلك له خاصّة ، ولا أثر للنيّة.

البحث الثاني : في الأحكام

الشركة عقد جائز من الطرفين ينفسخ بالجنون والموت ، وبفسخ أحد الشركاء ، ولا يلزم فيه التأجيل ، فيرجع كلّ واحد منهم متى شاء ، ولا يتصرّف أحدهم إلّا بإذن الباقين ، فإن أطلق تصرّف كيف شاء مع اعتبار المصلحة ، وإن عيّن للمأذون جهة السفر أو نوع التجارة ضمن لو خالف.

ولو أذن كلّ واحد لصاحبه وأطلقا جاز الانفراد ، ولو شرط الاجتماع لم يجز الانفراد.

ويجوز الرّجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة ، لا المطالبة بإقامة رأس المال ، بل يقتسمان العين إلّا أن يتّفقا على البيع.

ويتبع الربح والخسارة رأس المال ، ولو شرطا التفاوت مع تساوي المالين أو بالعكس لزم إن شرطت الزيادة للعامل أو لذي الخبرة.

ولو تساويا في المال ، وأذن في العمل لصاحبه على أن يتساويا (١) في الربح فهو بضاعة ، ولو تفاوتا فيه فهو قراض.

ولو باعا سلعة بينهما صفقة شاركه الآخر فيما يستوفيه وإن تعدّد

__________________

(١) في « ج » : أن تساويا.

٥٣٠

المشتري ، ولو باع كلّ منهما حصّته فلا شركة وإن اتّحد المشتري.

ولو ظهر فساد الشركة فالربح على قدر رأس المال ، ويرجع كلّ واحد على الآخر بأجرة عمله.

ولو اشتريا شيئا بمال الشركة ، فوجدا فيه عيبا ، تخيّرا في الردّ والأرش ، ولو أراد الافتراق فإن علم البائع بالشركة جاز وإلّا فلا.

ولو كان لكلّ واحد قفيز حنطة فباعاهما صفقة جاز ، ويقسّم الثمن بالسويّة ، وفي المختلف كالعبدين يقسّم الثمن بالنّسبة.

البحث الثالث : في النزاع

الشريك أمين لا يضمن ما يقبضه بإذن شريكه إلّا بتعدّ أو تفريط ، ويقبل قوله في التلف مع يمينه ، سواء كان بسبب ظاهر كالغرق ، أو خفيّ كالسّرق ، وكذا في عدم التفريط والخيانة ، وفي شرائه لنفسه أو للشركة.

ولو باع أحد الشريكين بإذن الآخر ، وكان وكيلا في القبض ، فادّعى المشتري قبضه وصدّقه (١) الشريك ، وأنكر البائع ، فالقول قوله مع يمينه ، ويبرأ المشتري من نصيب الشريك ، ويستوفي البائع حقّه من المشتري ، ولا يشاركه الشريك ، وتقبل شهادة الشريك على البائع في حقّه ، ولا تقبل شهادة المشتري للشريك لأنّها على فعله.

وإن لم يكن وكيلا وصدّقه الشريك ، وأنكر البائع ، فالقول قوله مع يمينه أيضا ، ولم يبرأ المشتري منه ، لإنكاره ولا من الشريك ، لعدم الدفع إليه أو إلى

__________________

(١) في « ب » و « ج » : فصدّقه.

٥٣١

وكيله ، ويستوفي كلّ منهما حقّه منه ، ولا تقبل شهادة الشريك على البائع لأنّها تدفع الشركة فيما يقبضه.

ولو ادّعى قبض الشريك وكان وكيلا في القبض ، وصدّقه البائع ، وأنكر الشريك ، فحكمه كالأوّل معكوسا.

وإن لم يكن وكيلا وصدّقه البائع وأنكر الشريك ، فالقول قوله مع يمينه ، ولم يبرأ المشتري من حقّ البائع ، لأنّه لم يدفعه إليه ، ولا إلى وكيله ولا من حقّ الشريك لإنكاره ، وطالبه البائع ، ولا يمين عليه ، ويشاركه الشريك ، وإن شاء طالب المشتري بحقّه ، ولا تقبل شهادة البائع لأنّه يدفع بها مشاركته.

٥٣٢

المطلب الرابع : في الوكالة

وهي الاستنابة في التصرّف.

وفيه مباحث :

الأوّل : في العقد

فالإيجاب كلّ لفظ دلّ على قصد الاستنابة عموما مثل : وكّلتك ، أو استنبتك ، أو فوّضت إليك ، وشبهه ، أو خصوصا مثل : بع هذا ، أو أعتقه ، وتكفي الإشارة مع العجز.

والقبول قد يكون لفظا مثل : قبلت ، أو رضيت ، وشبهه ، أو فعلا كأن يفعل ما أمر به ، ولا تجب فوريّته ، فيجوز تأخيره عن الإيجاب.

ولا يجوز تعليق الوكالة بشرط أو صفة ، فيفسد العقد ، ولا يسوغ التصرّف على الأقوى.

ويجوز تعليق التصرّف إذا نجزها فيمنع من التصرّف قبله.

وهي جائزة من الطرفين لكلّ فسخها.

وتبطل بعزل الوكيل نفسه فيفتقر في تصرّفه إلى تجديد العقد ، حاضرا

٥٣٣

كان الموكّل أو غائبا ، ويستأمن عليه الحاكم مع غيبته ، وكذا لو ردّ الوكالة وإن لم يعلم الموكّل على رأي.

وإذا عزله الموكّل بطلت إن علم الوكيل بالعزل ، فلو تصرّف قبله صحّ وإن كان قصاصا ، ولا يجوز لشاهد العزل الشراء منه.

وعبارة العزل : عزلتك ، أو فسخت وكالتك ، أو أبطلتها ، أو أزلت نيابتك.

وإنكار الوكالة ليس عزلا فيما مضى ، بل في المستقبل إلّا مع غرض الإخفاء.

وتبطل أيضا بالموت ، والجنون ، والإغماء من أيّهما كان ، وبالحجر على الموكّل فيما يمنع من التصرف فيه ، وبفعل متعلّق الوكالة (١) وبتلفه : كموت العبد الموكّل في بيعه أو عتقه ، وموت المرأة الموكّل في طلاقها ، وبتلف الثمن ، والتصرّف فيه.

ولا تبطل بالنوم وإن تطاول ، ولا بفسق الوكيل إلّا في موضع الأمانة : كوليّ اليتيم ، وتبطل أيضا بفسق موكّله ، ولا بالسكر ، ولا بالتعدّي كأن يلبس الثوب بل يضمن ، ويبرأ بالتسليم إلى المشتري ، ولا يضمن الثمن ، ولا يعود الضمان لو ردّ المبيع بالعيب على توقّف.

__________________

(١) في القواعد : ٢ / ٣٦٤ مكان العبارة : وتبطل الوكالة بفعل الموكل متعلّق الوكالة وما ينافيها مثل أن يوكّله في طلاق زوجته ، ثمّ يطأها ، فانّه يدلّ عرفا على الرغبة واختيار الإمساك.

٥٣٤

البحث الثاني : في الموكّل

ويعتبر فيه البلوغ ، والعقل ، وجواز التصرّف فيما وكّل فيه ، فلا يصحّ توكيل الصّبيّ وإن أذن الوليّ أو بلغ عشرا ، ولا المجنون ، والمغمى عليه ، والسكران ، ولا العبد بغير إذن مولاه ، إلّا فيما لا يتوقّف على إذنه : كالطلاق والخلع ، وليس السكوت إذنا ، ولا المحجور عليه إلّا فيما لا يمنع منه الحجر كالطلاق ، والخلع ، واستيفاء القصاص ، ولا الوكيل إلّا بإذن الموكّل صريحا أو فحوى : كافعل ما شئت ، أو بشاهد الحال : كارتفاع الوكيل عن المباشرة ، أو عجزه عنها ، ولو عجز عن البعض وكّل فيه خاصّة ، ولا يوكّل إلّا عدلا ، ولو خاف وجب عزله.

والوكيل الثاني وكيل الموكّل ، فلا يملك الأوّل عزله ، ولا ينعزل بموته ، ولو وكّل بإذنه لنفسه ملك عزله ، وانعزل بموته ، وللموكّل عزله ، وينعزل بموته.

وللأب والجدّ له أن يوكّلا عن الصغير ، والمجنون.

وللحاكم أن يوكّل عن السفهاء وللحاضر في الطلاق ، وللمرأة في النكاح ، وللفاسق في تزويج ولده ، وللمكاتب مطلقا ، وللمأذون في التجارة فيما جرت العادة بالتوكيل فيه.

البحث الثالث : في الوكيل

وشرطه : البلوغ ، وكمال العقل ، وجواز تولّي ما وكّل فيه ، فلا تصحّ وكالة الصّبيّ والمجنون مطلقا ، والمحرم في عقد النكاح وبيع الصّيد وشرائه ، والمعتكف ، ومن وجب عليه السعي للجمعة في عقد البيع.

٥٣٥

وتصحّ وكالة الفاسق وإن كان في النكاح ، والمحجور عليه لسفه أو فلس ، والمرأة في النكاح والطلاق وإن كان لنفسها والعبد بإذن مولاه وإن كان في شراء نفسه أو في إعتاقه ، والمكاتب بإذن مولاه ، ولو كان بجعل صحّ مطلقا ، والمرتدّ ، ولا يبطل بتجدّده ، والكافر وإن كان في تزويج المسلمة.

ويتوكّل الذّمي للذّمّي على مثله ، والذّمّي على الذّمّي لمسلم ، ولا يتوكّل على مسلم وإن كان لمسلم.

ويكره أن يتوكّل المسلم للذمّي على المسلم.

ولا تبطل وكالة زوجته وعبد غيره بطلاقها وعتقه وابتياعه ، وفي بطلان وكالة عبده بعتقه توقّف.

ويجوز أن يوكّل في استيفاء الحدّ ، والقصاص ، والدّين حتّى من نفسه ، وأن يتوكّل الواحد عن المتعاقدين دون المتخاصمين ، ويجوز تعدّد الوكلاء.

ولو وكّل اثنين وسوّغ لهما الانفراد ، جاز لكلّ واحد الاستقلال بالتصرّف في الجميع ، ولو سوّغ لأحدهما اختصّ به ، ولو أطلق أو شرط الاجتماع ، لم يجز الانفراد وإن كان في الخصومة ، ولو غاب أحدهما أو مات منع الآخر من التصرّف ، ولم يكن للحاكم أن يضمّ إليه أمينا.

ولو وكّلا في حفظ شي‌ء وجب حفظه في حرز لهما.

الرابع : في متعلّق الوكالة

ويعتبر فيه أمور :

الأوّل : أن يكون مملوكا للموكّل ، فلو وكّله في عتق عبد يريد شراءه ،

٥٣٦

أو طلاق امرأة يريد نكاحها ، أو في بيع خمر ، لم يصحّ.

الثاني : أن يكون قابلا لملكه ، فلو وكّل المسلم ذمّيا في شراء خمر أو خنزير ، والكافر مسلما في شراء مسلم أو مصحف ، أو المحرم محلّا في شراء صيد أو عقد نكاح لم يصحّ ، ولا يشترط استقرار الملك فلو وكّله في ابتياع من ينعتق عليه صحّ.

الثالث : أن يكون معلوما ، ولا يجب الاستقصاء ، فلو وكّله في شراء عبد تركيّ جاز ، ولو نصّ على عموم التصرّف مثل : وكّلتك في كلّ قليل وكثير قيل (١) : يجوز ويراعى مصلحة الموكّل ، وكذا لو قال : [ وكّلتك ] بما إليّ من قليل أو كثير ، أمّا لو قال : بما إليّ من ( كلّ ) (٢) تطليق زوجاتي وعتق عبيدي وبيع أملاكي جاز ، وكذا لو قال : بع مالي كلّه واقض ديوني كلّها ، أو بع ما شئت من مالي أو اقض ما شئت من ديوني (٣).

ويشترط علم الموكّل بالحقّ المبرأ منه ، لا علم الوكيل والمديون.

ولو قال : أبرئه من كلّ قليل وكثير جاز.

الرابع : أن يكون قابلا للنيابة ، وهو ما لا يقع غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة : كالعقود ، وقبض الثمن ، والأخذ بالشفعة ، والفسخ ، والعتق ، والتدبير ، والكتابة ، وإخراج الصدقات ، والجهاد مع عدم التعيين ، والحجّ مع العذر

__________________

(١) القائل هو ابن إدريس في السرائر : ٢ / ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) ما بين القوسين يوجد في « أ ».

(٣) كذا وفي النسخ : « واقض » والظاهر « واقبض .... » وفاقا لما في القواعد : ٢ / ٣٥٦.

٥٣٧

على قول ، واستيفاء الديون والقصاص ، والحدود ، وقبض الديات ، وقرض الصداق ، وإثبات حدود الآدميّين ، والاصطياد ، والاحتطاب ، والاحتشاش ، والالتقاط ، وإحياء الموات ، والقسمة ، وعقد الجزية وقبضها ، وتسليمها ، وغسل البدن والثياب والأواني من النجاسات.

أمّا ما يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة فإنّه لا تصحّ فيه النيابة : كالطهارة مع القدرة ، والصلاة عن الحيّ ، إلّا ركعتي الطواف مع العذر ، والصّوم ، والاعتكاف ، والحجّ الواجب مع القدرة ، والنذور ، (١) والأيمان ، والعهود ، والسرقة ، والغصب ، والقتل ، وجميع المحرّمات ، ويلزم المباشر أحكامها ، والقسم بين الزوجات ، والاستيلاد ، والظهار ، والإيلاء ، واللعان ، وقضاء العدّة ، والإقرار وفي كونه إقرارا توقّف ، وإقامة الشهادة إلّا على وجه الشهادة على الشهادة.

الخامس : فيما تثبت به

الوكالة لا تثبت إلّا بشاهدين عدلين ، أو بحكم الحاكم بعلمه ، أو بتصديق الموكّل ، لا بشهادة النساء ، ولا بشاهد وامرأتين ، ولا بشاهد ويمين ، ولا بخبر الواحد ، ولا بتصديق الغريم.

ويشترط عدم انتفاعهما بها ، فلو شهد مالكا الأمة بوكالة الزّوج في طلاقها ، أو بالعزل لم يصحّ.

و [ يشترط ] توافقهما في لفظ العقد ووقته ، فلو شهد أحدهما أنّه وكّله

__________________

(١) في « أ » : والنذر.

٥٣٨

بالعربيّة والآخر بالعجميّة ، أو أنّه قال : « وكّلتك » والآخر « استنبتك » أو وكّله يوم الجمعة ، والآخر يوم السّبت ، لم تقبل.

ولو تعدّد العقد أو كانت على الإقرار قبلت ، ولو عدلا عن حكاية لفظ الموكّل ، فقال أحدهما : « وكّله » والآخر « أذن له » قبل مطلقا.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله في بيع العبد والآخر في بيعه مع الجارية تثبت في بيع العبد إلّا مع اتّحاد العقد.

ولو شهد أحدهما أنّه وكّله في البيع وحده ، والآخر مع زيد ، أو في بيع سالم والآخر في بيع غانم ، أو في بيعه على زيد ، والآخر على عمرو لم تثبت ، سواء كان على لفظ العقد أو الإقرار.

ولو شهدا بالوكالة ، ثمّ شهد أحدهما بالعزل لم تثبت إلّا أن يحكم بها حاكم ، وفي الضمان توقّف.

ولا تقبل شهادة الوكيل في الخصومة لموكّله فيها إلّا أن يعزل قبلها ، وتقبل عليه وله فيما لا ولاية له فيه.

وتسمع بيّنة الوكالة على الغائب ، ولو ادّعاها عن غائب في قبض ماله ، فأنكر الغريم ، صدّق بغير يمين ، وإن صدّقه فإن كان الحقّ عينا لم يؤمر بالتسليم ، فإن سلّم فللمالك استعادتها ، ومع التلف يلزم أيّهما شاء مع إنكاره الوكالة ، ولا يرجع أحدهما على الآخر ، وكذا لو كان الحقّ دينا ، إلّا أنّه مع دفعه ليس للمالك مطالبة الوكيل ، وللغريم العود عليه مع بقاء العين أو تلفت بغير تفريط منه وإلّا فلا.

٥٣٩

السادس : في الأحكام

وفيه مباحث :

الأوّل : إطلاق التوكيل يقتضي الإذن في مقتضياته عرفا ، فلو وكّله في البيع ملك تسليم المبيع إلى المشتري مع إحضار الثمن ، فإن سلّم قبله ضمن ، ولا يملك الإبراء منه ولا قبضه إلّا مع القرينة : كالبيع في مكان غائب عنه.

ولا يبيع إلّا بثمن المثل بنقد البلد حالا ، فإن تعدّد فالأغلب ، ومع التساوي يتخيّر ، ولا يبيع بأقلّ منه ممّا يتغابن الناس بمثله ، ولا به مع بذل الأزيد.

وله أن يبيع على ولده مطلقا ، وعلى نفسه مع الإذن.

ولو وكّله في الشراء ملك تسليم الثمن لا قبض المبيع ، واقتضى شراء الصحيح بثمن المثل بنقد البلد حالّا لا أزيد ، وله الردّ بالعيب إلّا أن يرضى الموكّل به ، ولا يجب إجابة البائع في استيمار الموكّل.

ويجوز أن يشتري من ولده مطلقا ، ومن نفسه مع الإذن.

وغير المقتضى (١) يفتقر إلى النصّ عليه صريحا أو فحوى ، فلو عيّن البائع ، أو المشتري ، أو الوقت ، أو المكان مع القرض ، أو السّلعة ، أو الشراء بالعين أو في الذمّة تعيّن ، وكذا النقد والنسيئة إن عيّن الأجل ، ولو أطلق بطل ، ويحتمل التخيير مع مراعاة المصلحة.

__________________

(١) ناظر إلى قوله المتقدّم « إطلاق التوكيل يقتضي الإذن في مقتضياته » فالخارج عن حدود المقتضى ، يحتاج إلى نصّ الموكّل.

٥٤٠