معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

وفي أظفار يديه ورجليه دم ، وفي مجلسين دمان ، والإصبع واليد الزائدتان كالأصلية.

ولو أفتاه مفت بالقلم ، فأدمى إصبعه ، فعلى المفتي شاة وإن تعدّد ، وفي قلع الضرس شاة ، وفي الجدال كذبا مرّة شاة ، ومرّتين بقرة ، وثلاثا بدنة ، وفي الصّدق ثلاثا شاة ، ولا شي‌ء فيما دونها.

وفي الشجرة الكبيرة من الحرم بقرة ، والصغيرة شاة وإن كان محلّا.

ولا كفّارة في قطع الحشيش وإن أثم ، ولا يجب منع السائمة من الرعي.

ولو قلع شجرة من الحرم وغرسها في غيره أعادها ولو جفّت ضمن قيمتها.

خاتمة

كلّ محرم أكل أو لبس (١) ما لا يحلّ له فعليه شاة ، ولا تجب الكفّارة على الجاهل ، والناسي ، والمجنون ، إلّا في الصّيد ، وإذا اختلفت الأسباب تعدّدت الكفّارة ، سواء كفّر عن السابق أو لا ، اتّحد الوقت أولا.

وتتكرّر الكفّارة بتكرّر الوطء مطلقا ، وبتكرّر الحلق إن اختلف الوقت وإلّا فلا ، وبتكرّر الطيب واللبس إن تغاير المجلس ، وإلّا فلا.

ويجب على الحاجّ زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن امتنعوا أجبروا ، وتستحبّ صلاة ركعتين بالمعرّس (٢) ، والغسل لدخول المدينة ، وزيارة فاطمة عليها‌السلام من الروضة ،

__________________

(١) في « ب » و « ج » : أكل ولبس.

(٢) قال في الدروس : ٢ / ١٩ : « المعرّس » ـ بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة ، ويقال :

٢٨١

والأئمّة بالبقيع ، والصلاة في الروضة ، والصوم ثلاثة أيّام للحاجة ، والصلاة ليلة الأربعاء عند اسطوانة أبي لبابة ، وليلة الخميس عند الاسطوانة الّتي تلي مقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإتيان المساجد وقبور الشهداء خصوصا قبر حمزة (١) ، والمجاورة بالمدينة (٢) وتكره بمكّة.

وحرم المدينة من عائر إلى وعير.

ويكره عضد شجره دون صيده إلّا ما كان بين الحرّتين. (٣)

* * * *

__________________

بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الرّاء ـ وهو بذي الحليفة بإزاء مسجد الشجرة إلى ما يلي القبلة.

(١) في « أ » : وقبور الشهداء وقبر حمزة.

(٢) في « أ » : والمجاورة للمدينة.

(٣) قال في الدروس : ٢ / ٢١ في شرح « الحرّتين » : « حرّة ليلى وحرّة واقم ».

٢٨٢

كتاب الجهاد

٢٨٣
٢٨٤

والنظر في أمور :

الأوّل : الجهاد فرض كفاية ، وقد يصير فرض عين بالخوف على بيضة الإسلام ، أو بتعيين الإمام ، أو نائبه ، أو بقصور القائمين ، أو بالنذر وشبهه ، ويجب في كلّ عام مرّة أو مرّتين ، ويجوز تركه للمصلحة.

وإنّما يجب بدعاء الإمام أو نائبه ، إلّا أن يدهم المسلمين عدوّ فيجب مطلقا ، ويجب إمّا للكفّ عن الدّين ، أو للدّعاء إليه ، أو لقراره (١) كحرب البغاة.

ويحرم في أشهر الحرم إلّا أن يبدأ العدو ، أو أنّه لا يرى لها حرمة ، ويجوز في الحرم ، وقد يجب القتال للدفع عن نفسه أو ماله إذا غلب السلامة ، أو كان بين أهل الحرب وغشيهم عدوّ ، ويخاف منه على نفسه ، فيقاتل معهم بقصد الدفع مطلقا لا الإعانة ، وليس ذلك جهادا ، فلا تلحقه أحكامه.

والهجرة باقية ببقاء الكفر ، وتجب عن بلاد الشرك مع العجز عن إظهار شعار الإسلام.

والمرابطة مستحبّة ، وهي إرصاد لحفظ الثغر ، ولا يشترط إذن الإمام ، فتجوز في الغيبة ، وأقلّها ثلاثة أيّام وأكثرها أربعون يوما ، فلو زاد فله ثواب الجهاد ، وأفضلها أخطر الثغور.

ويكره نقل الأهل والذريّة معه ، ولو نذرها ، أو نذر شيئا للمرابطين ، أو آجر نفسه ، وجب الوفاء مطلقا.

ومنها أن يربط فرسه أو غلامه.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : أو لفراره.

٢٨٥

النظر الثاني : فيمن يجب عليه

وهو كلّ مكلّف ، ذكر حرّ ، غير همّ (١) ولا أعمى ، ولا مريض ، ولا مقعد ، ولا معسر ، فلا يجب على الصبيّ ، والمجنون ، والمرأة ، والخنثى المشكل ، والعبد وإن أمره مولاه أو تحرّر بعضه ، ولا على الشيخ العاجز ، والأعمى ، والمريض إذا عجز عن الركوب والعدوّ ، والمقعد وإن قدر على الركوب ، والعاجز عن نفقة طريقه وعياله ، وثمن سلاحه ، ومئونته ، ويختلف ذلك بحسب الأحوال.

ولو بذل للمعسر ما يفتقر إليه وجب ، بخلاف الاستئجار.

ويجب على العاجز الموسر أن يجهز غيره ، ويجوز ذلك مع القدرة إلّا أن يعيّنه الإمام.

ولو تجدّدت الأعذار بعد التحام الحرب ، لم يسقط فرضه إلّا مع العجز.

وللأبوين منع الولد إلّا أن يعيّنه الإمام ، بخلاف الجدّين.

ولصاحب الدّين منع المديون مع الحلول واليسر.

ولا يجوز إخراج المخذّل والمرجف والمتجسّس ، (٢) ولو أخرجوا لم يسهم لهم.

__________________

(١) في مجمع البحرين : الهمّ ـ بالكسر والتشديد ـ : الشيخ الكبير.

(٢) في « ب » و « ج » : « والمتجسّسين ». قال العلّامة في التحرير : ٢ / ١٣٨ : ولا ينبغي للإمام أن يخرج معه من يخذّل النّاس ويزهّدهم في الجهاد كمن يقول : الحرّ شديد ، أو لا يؤمن هزيمة هذا الجيش. ولا المرجف ، وهو الّذي يقول : هلكت سريّة المسلمين ، ولا مدد لهم ، ولا طاقة لهم بالكفّار ... ولا من يعين على المسلمين بالتجسّس للكفّار ومكاتبتهم بأخبار المسلمين ...

٢٨٦

النظر الثالث : فيمن يجب جهاده

وهم ثلاثة :

الأوّل : غير أهل الذمّة وإن انتسبوا إلى أحد الأنبياء ، سواء عبدوا غير الله أو لا ، وهؤلاء لا يقبل منهم غير الإسلام وإن بذلوا الجزية ، فإن أصرّوا قوتلوا حتّى يسلموا أو يقتلوا.

الثاني : أهل الذمّة وهم اليهود والنّصارى والمجوس إذا أخلّوا بشرائط الذمّة ، فيقاتلون حتّى يلتزموا بها أو يقتلوا.

الثالث : البغاة وهم من خرج على إمام عادل ، فيقاتلون حتّى يفيئوا أو يقتلوا فها هنا مقاصد :

٢٨٧

[ المقصد ] الأوّل : في أحكام الكفّار

وفيه مباحث :

الأوّل :

في كيفيّة القتال

يبدأ بقتال الأقرب إلّا مع خطر الأبعد ، ولا يجوز القتال إلّا بعد الدّعاء إلى محاسن الإسلام ، ولا يتولّاه إلّا الإمام أو نائبه ، ويسقط فيمن عرفها.

ولا يجوز الفرار إذا بلغ العدوّ الضّعف أو أقلّ ، ولو غلب الهلاك إلّا متحرّفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ، كثيرة كانت أو قليلة ، بعيدة أو قريبة ، وإن زاد على الضّعف جاز الفرار.

ويستحبّ الثّبات إذا ظنّ السّلامة ، ولو ظنّ العطب وجب الانصراف.

والمعتبر العدد ، فيجوز فرار مائة بطل من مائتي ضعيف وواحد ، ولا يجوز فرار مائة ضعيف من مائة بطل. (١)

ولو انفرد اثنان من المشركين بواحد جاز الفرار ، ويجوز القتال بكلّ ما

__________________

(١) في « أ » : « من مأتي بطل » والصحيح ما في المتن.

٢٨٨

يرجى به الفتح ، كهدم الحصون والبيوت ، ورمي المناجيق ، والحصار ، وقطع السابلة.

ويحرم بإلقاء السمّ إلّا أن يتوقّف الفتح عليه ، ويكره بإلقاء النار ، وتسليط المياه ، وقطع الشجر إلّا مع الضرورة.

ولو تترّسوا بالنّساء والصبيان والمجانين والمسلمين ، جاز رميهم حال الحرب ، ولم يجز قتلهم وإن حاربوا إلّا مع الحاجة ، ولا قود ولا دية في قتل المسلم ، وفي الكفّارة قولان.

ويحرم قتل الشيخ الفاني ، والخنثى المشكل ، والتمثيل بهم ، والغدر ، والغلول منهم ، ويقتل الراهب.

ويستحبّ القتال بعد صلاة الظهرين ، والمبارزة إذا ندب إليها الإمام ، وتجب إذا ألزم بها ، وتكره بغير إذنه ، وتحرم لو منع منها.

وإذا طلبها المشرك استحبّ للظهير الخروج ، ويحرم على الضعيف ، فإن شرط الانفراد لم يجز معونة قرنه إلّا أن يغرّ (١) فيتبعه المشرك ، فيجوز دفعه ، ولو لم يتبعه لم تجز محاربته ، ولو استنجد أصحابه انتقض أمانه ، فلو تبرّعوا فإن منعهم ، فهو على عهده ، وإلّا جاز قتاله معهم.

ولو لم يشترط الانفراد جازت المعونة.

وتجوز الخدعة في الحرب ، ويكره القتل صبرا ، وحمل الرأس من المعركة ، والتّبييت ، وتعرقب الدابّة ، والقتال قبل الزّوال إلّا مع الحاجة ، وأن يتولّى المسلم قتل أبيه.

__________________

(١) في « أ » : أن يضرّ.

٢٨٩

وتجب مواراة الشهيد دون الحربي ، فإن اشتبه وارى من كان كميش الذّكر.

خاتمة

ويجوز للإمام الاستعانة بالمشركين إذا أمن غائلتهم ، وبذل ما يستعين به المقاتل من بيت المال ، وجعل الجعائل للمصلحة من الغنيمة ، معيّنا أو مجهولا كجارية.

فإن عيّنه وفتح البلد صلحا ، فإن اتّفق (١) أربابه والمجعول له على بذله أو بذل عوضه صحّ ، وإلّا فسخ الصّلح وردّوا إلى مأمنهم.

ولو تلف الجعل قبل التسليم مع إمكانه ، ضمن المثل في المثلي وإلّا القيمة.

ولو عجزنا عن الفتح فلا شي‌ء ، إلّا أن يفتح بعد [ ذلك ] بدلالته ، ولو فتح غيرنا بها فلا شي‌ء عليه. (٢)

ولو أخّرناه لمصلحة فلا شي‌ء إلّا أن يفتح بدلالته.

ولو لم يحصل سوى الجعل اختصّ به ، ولو لم يجده فلا شي‌ء.

ولو كان الجعل جارية فأسلمت قبل الفتح مطلقا أو بعده والمجعول له كافر ، فله قيمتها.

ويجوز التّنفيل لبعض المجاهدين مع الحاجة ، كأن ينفذ الإمام سريّة ،

__________________

(١) في « أ » و « ب » : اتّفقوا.

(٢) قال العلّامة في القواعد : ١ / ٥٠٠ : ولو فتحها طائفة أخرى لمّا سمعوا الدلالة فلا شي‌ء عليهم ، إذ لم يجر الشرط معهم.

٢٩٠

ويجعل لها الربع بعد الخمس ، فإذا غنمت شيئا أخرج خمسه وأعطاها ربع الباقي ، ثمّ يقسّم الفاضل بينها وبين الجيش ، ولا يستحقّ النفل إلّا بالشرط وإن حسن بلاؤه ، ولا تقدير له ، بل بحسب نظر الإمام.

وأنفل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في البدأة الرّبع وفي الرّجعة الثلث ، (١) وليس ذلك توظيفا.

ولا يحسب النفل من سهمه.

المبحث الثاني

في الأسراء

الإناث يملكن بالسبي إن كانت الحرب قائمة ، وكذا الطّفل ، ولو اشتبه بالبالغ فإن أنبت قتل إلّا أن يدّعى خروجه بالدواء ، وإلّا ألحق بالذّراري إن جهل سنّه ، والذكور البالغون إن أخذوا حال الحرب وجب قتلهم ، إلّا أن يسلموا.

ويتخيّر الإمام بين ضرب الرّقاب ، وقطع الأيدي والأرجل ، وتركهم حتّى ينزفوا ويموتوا.

وإن أخذوا بعد انقضائها ، حرم قتلهم ، ويتخيّر الإمام بين المنّ ، والفداء ، والاسترقاق وإن أسلموا.

ولا يجوز قتل الأسير إذا عجز عن المشي ولو قتله مسلم فهدر ،

__________________

(١) قال في القواعد : ١ / ٤٩٩ : « البدأة : هي السريّة الّتي تنفّذ أوّلا ، والرّجعة هي المنفّذة الثانية بعد رجوع الأولى ».

٢٩١

ويجب إطعامه وسقيه وإن أريد قتله ، ويكره قتله صبرا.

وينفسخ النكاح بأسر الزوج الصغير مطلقا ، وباسترقاق الكبير لا بأسره ، وبأسر الزوجة مطلقا ، وبأسر الزوجين كذلك ، ولو كانا مملوكين تخيّر الغانم إن وقعا في سهمه.

والطفل المسبي يتبع أبويه ، فمن أسلم منهما تبعه ، ولو سبي منفردا تبع السّابي في الطهارة خاصّة.

ولو أسلم الحربي في دار الحرب قبل الظّفر به ، حقن دمه ، وعصم ماله المنقول ، وغيره للمسلمين ، ويلحق به ولده الصغار ، ويدخل الحمل دون أمّه ، فيجوز استرقاقها ، وكذا لو وطئ المسلم حربيّة شبهة.

ولو أسلم عبد الحربي قبل مولاه ، فإن خرج قبله تحرّر ، وإلّا فلا.

ولو أسر المسلم ثمّ أطلق على مال ، أو شرط عليه الإقامة عندهم ، [ أ ] والأمن منه ، وجب الوفاء بالأخير. (١)

ولو صالحا (٢) أهل المسبيّة على إطلاقها بإطلاق المسلم فأطلق ، لم يجب إعادتها ، ولو كان بعوض جاز إلّا إذا استولدها مسلم.

__________________

(١) إذا استعدّ المشركون على إطلاق الأسير المسلم بشرط مال يحمله إليهم من دار الإسلام ، أو مقامه في دار الحرب ، أو يكون المشركون في أمان من جانبه ، لا يجب عليه القبول إلّا في الأخير. لاحظ المبسوط : ٢ / ٢٥.

(٢) كذا في النسخ الّتي بأيدينا ولعلّ الصواب « صولح ». قال في القواعد : ١ / ٤٨٩ : ولو صولح أهل المسبيّة على إطلاقها بإطلاق أسير مسلم في أيديهم فأطلقوه لم يجب إعادة المرأة.

٢٩٢

المبحث الثالث

في الاغتنام

وفيه فصلان :

[ الفصل ] الأوّل : الغنيمة هنا المال المكتسب بالجهاد ، فليس منها ما انجلى عنه الكفّار بغير قتال ، ولا المسروق ، والمختلس ، واللقطة ، والمباحات الأصلية إلّا أن يكون عليها أثر الملك ، كالطير المقصوص ، فالأوّل للإمام والباقي لآخذه.

وأقسامها ثلاثة :

الأوّل : ما ينقل ، ولا يصحّ تملّكه للمسلم ، وليس غنيمة ، بل منه ما ينبغي إتلافه كالخنزير ، وكتب الكفر والزندقة ، ومنه ما يجوز إتلافه وإبقاؤه ، كالخمر للتخليل ، وما يصحّ تملّكه كالذّهب والفضّة والأمتعة ، فهو غنيمة ، ويختصّ بها الغانمون بعد الخمس والجعائل.

ولا يجوز للغانم التصرّف فيها بغير ما لا بدّ منه ، كالأكل والعليق وإن كان هناك سوق ، ولو أكل اللحم ردّ الجلد فإن تصرّف فيه فعليه أجرته وأرشه ، ولو تلف ضمنه ، ولو زادت قيمته بصنعته فلا شي‌ء له.

وإذا أدخل (١) دار الإسلام ردّ ما يفضل ، ولا يجوز غير ذلك كلبس الثوب ، وركوب الدابّة ، ووطء الجارية.

ويجوز أن يقرض الغانم مثله من الغنيمة ، ويفيد أولويّة لا ملكا ، وليس

__________________

(١) في « أ » و « ب » : وإذا دخل.

٢٩٣

للأوّل مطالبته به ، ويجوز ردّه عليه ، فيصير أولى إلّا أن يخرجا أو أحدهما من دار الحرب ، فيردّه على المغنم.

ولو أقرض غير الغانم لم يصحّ ، واستعيدت ، ولو باع مثله بشي‌ء منها لم يكن بيعا ، وكلّ أحقّ بما في يده.

ولو باع غيره لم تتمّ فائدته ، وردّ المبيع على المغنم ، ولو كان الثمن من غيرها فكذلك.

ويجوز للإمام أن يبيع من الغنيمة قبل القسمة للغانم وغيره مع المصلحة ، وتتمّ فائدته.

الثاني : ما لا ينقل ، كالعقار والأرض ، فإن فتحت عنوة فالمحياة حال الفتح (١) للمسلمين قاطبة بعد إخراج الخمس ، وللإمام إفرازه من العين أو من الحاصل.

ولا يصحّ التصرّف فيها ببيع أو هبة أو وقف ، ولا يملكها المتصرّف على الخصوص ، ولو ماتت لم يجز إحياؤها.

والنظر فيها إلى الإمام ، ويصرف حاصلها إلى المصالح العامّة كسدّ الثغور ، وأرزاق الولاة.

والموات للإمام خاصّة ، ولا يجوز إحياؤها إلّا بإذنه ، ولا يملكها بدونه ، ولو تصرّف قبله كان عليه طسقها (٢) ، ويجوز إحياؤها في الغيبة ويملكها المحيي.

__________________

(١) كذا في « ج » ولكن في « أ » : « وإن فتحت عنوة فالمحياة حال الفتح » وفي « ب » : « وإن فتحت عنوة والمحياة حال الفتح ».

(٢) « الطّسق » هو الخراج ، فارسي معرّب. جامع المقاصد : ٣ / ٤٠٤.

٢٩٤

وإن فتحت صلحا على أنّها للمسلمين ، ولهم السكنى ، وعليهم الجزية ، فهي كالمفتوحة عنوة ، عامرها (١) للمسلمين ومواتها للإمام ، وإن صولحوا على أنّها لهم وعليها الجزية لزم ، ويملكونها على الخصوص ، ولهم التصرّف فيها بجميع أنواعه.

فلو بيعت من مسلم انتقل ما عليها إلى ذمة البائع.

ولو أسلم صاحبها سقط عنه مال الصلح ، واختصّ بملكها.

وكلّ أرض أسلم عليها أهلها فهي لهم ، وعليهم الزكاة في حاصلها مع الشرائط.

الثالث : السبايا والذّراري ، ويختصّ بهم الغانمون بعد إخراج الخمس.

فروع

الأوّل : لو وجد في دار الحرب ما يصلح للمسلمين والكفّار ، فهو لقطة.

الثاني : الغانم يملك حصّته من الغنيمة بالاستيلاء ، ويحتمل انّه يملك ، ويحصل الملك بالقسمة ، فعلى الأوّل لا يسقط حقّه بالإعراض ، ولو كان في الغنيمة من ينعتق (٢) عليه عتقت حصّته ، وفي التقويم عليه خلاف.

ولو وطئ جارية من الغنيمة عالما ، سقط عنه من الحدّ بقدر نصيبه ، وينعقد الولد حرّا ، ويقوّم عليه يوم سقوطه حيّا ، ويلزمه حصص

__________________

(١) في « ج » : وعامرها.

(٢) في « أ » : يعتق.

٢٩٥

الباقين منه ومن العشر أو نصف العشر ، (١) وعلى الثاني ينعكس الحكم.

الثالث : يملك النفل والجعل المعيّن بالاستيلاء ، وغير المعيّن والرضخ بالقبض ، فلو أعرض عنهما سقطا.

الرابع : لا يملك العسكر المرصد للجهاد رزقه من بيت المال إلّا بقبضه ، ولو مات بعد حلوله طالب به الوارث لا قبله.

الفصل الثاني : في قسمة الغنيمة

تجب البدأة بالجعائل والمؤن والرضخ ، ثمّ الخمس ، ثمّ يقسّم الباقي بين المقاتلين ومن حضر القتال ، حتّى المولود بعد الحيازة قبل القسمة ، وحتّى المدد المتّصل بهم ، دون النساء والعبيد والأعراب وإن قاتلوا ، ودون من حضر للتجارة والضيعة إلّا أن يقاتلوا.

وللرّاجل سهم ، وللفارس سهمان ، ولذي الأفراس وإن كثرت ثلاثة وإن قاتلوا في السّفن.

ولو اشتركا في فرس اقتسما سهمه ، ولا يفضل أحد لعظمه ، ولا لشدّة بلائه.

ويعتبر كونه فارسا عند الحيازة ، فلو خرج فارسا ، ثمّ صار راجلا عندها ، فسهم ، وبالعكس سهمان.

وإنّما يسهم للخيل العراب وغيرها ، ولا يسهم للإبل ، والبغال ، والحمير ،

__________________

(١) قال العلّامة في القواعد : ١ / ٤٩٥ : والأقرب وجوب العشر مع البكارة ونصفه مع عدمها.

٢٩٦

ولا من الخيل للقحم ، والرازح ، والضّرع ، والحطمة ، والأعجف. (١)

ولا يشترط الملك ، فيسهم للمستأجر والمستعار ، والسهم للمقاتل ، ولا يسهم للمغصوب مع غيبة مالكه (٢) وله أجرته ، ولو حضر فالسهم له ، وللمقاتل سهم الراجل ، وتحسب الأجرة من السّهم ، فإن قصر أكمله الغاصب.

فإن تعدّدت أفراس الغاصب فالأقرب أنّ السهام له ، وعليه الأجرة.

ولو تعدّدت أفراس المالك فله الأجرة ، وللغاصب سهم راجل.

ولو تعدّدت أفراسهما فلكلّ واحد سهامه ، وعلى الغاصب الأجرة.

والجيش يشارك السريّة وبالعكس إن صدرت عنه لا عن جيش البلد ، ولا يتشارك الجيشان إلى الجهتين.

ولو غنم المشركون المسلمين وأموالهم ثمّ ارتجعت منهم ، فلا سبيل على الأحرار ، وتردّ الأموال على أربابها إن عرفت قبل القسمة ، وإلّا نقضت وردّت ، ومع التفرّق يرجع الغانم بقيمتها على الإمام.

ويكره تأخير القسمة عن دار الحرب ، وإقامة الحدود فيها.

ويرضخ للنساء والعبيد والكفّار والأعراب ـ وهم من أظهر الإسلام ولم يصفه ـ (٣) ولا قدر له بل بحسب ما يراه الإمام ، ولا يبلغ السّهم ، ويجوز التّفضيل فيه.

__________________

(١) « القحم » : هو الكبير الهرم. و « الرازح » : هو الّذي لا حراك به. و « الضّرع » : وهو الصغير.

و « الحطمة » : وهو الّذي ينكس الحطم ككتف ، هو الّذي بقوائمه داء يكاد يقع على رأسه منه وهو معنى النكس. و « الأعجف » : وهو المهزول. جامع المقاصد : ٣ / ٤١٦.

(٢) في « أ » : مع غيبة المالك.

(٣) قال في جامع المقاصد : ٣ / ٤١٥ : والمراد بـ « من أظهر الإسلام ولم يصفه » : من لم يعرف معناه ، بحيث يعبر عنه بنعوته وإنّما أظهر الشهادتين خاصّة ، وليس له علم بمقاصد الإسلام.

٢٩٧

خاتمة

السّلب ما اتّصل بالمقتول ، وكان محتاجا إليه ، فالثياب والعمامة والسلاح والفرس وما عليها سلب ، ورحله وجنائبه وعبيده وباقي سلاحه غنيمة.

وما اتّصل به ولم يحتج إليه ، كالخاتم والمنطقة والهميان ، فيه توقّف.

والسلب للقاتل بشروط :

الأوّل : أن يشرطه الإمام. (١)

الثاني : كون القاتل ذا نصيب من الغنيمة وإن كان رضخا ، فلا سلب للمخذّل وشبهه.

الثالث : أن يغرر القاتل بنفسه ، (٢) فلو رمى سهما من صفّ المسلمين فقتل مقابله ، لم يستحقّ سلبه.

الرابع : أن تكون الحرب قائمة ، فلا سلب إذا ولّوا الدبر.

الخامس : أن يقتله أو يعطّله ، فلو أسره لم يستحقّ سلبه وإن قتله الإمام.

السادس : كون المقتول مقاتلا ممتنعا ، فلو قتل الأسير أو المثخن بالجراح ، لم يستحقّ سلبه.

السابع : كون المقتول مقاتلا وإن لم يستحقّ القتل ، كالصبي والمرأة والمجنون.

__________________

(١) في « أ » : أن يشترطه الإمام.

(٢) قال في جامع المقاصد : ٣ / ٤٢٤ : والمراد منه : أن يخاطر بها مخاطرة زائدة على أصل الجهاد المشترك بين الكلّ.

٢٩٨

ومع الشّروط يستحقّه القاتل وإن كان صبيّا أو مجنونا أو امرأة ، ولا ينقص سهمه بسببه.

ولو تعدّد [ القاتل ] قسّم بينهم إلّا أن يصيّره الأوّل غير ممتنع ، فيختصّ به.

المبحث الرابع

[ في ] الذمام

والنظر في شرائطه وأركانه وأحكامه

أمّا الأوّل : فيشترط اشتماله على المصلحة كاطّلاعنا على عوراتهم (١) وترفيه الجند وانتفاء المفسدة ، فلو آمن جاسوسا لم يصحّ.

وأمّا الثاني :

فخمسة :

الأوّل : العقد ، وهو كلّ لفظ دلّ على معناه صريحا ، مثل « أجرتك » أو « آمنتك » أو « أنت في ذمّة الإسلام » ويصحّ بالكتابة والإشارة الدالّة عليه ، ولو قال : « لا تخف » أو « لا بأس عليك » احتاج إلى قرينة تدلّ عليه.

ولا بدّ من قبول باللفظ أو الإشارة ، ويكفي السكوت. نعم لو ردّ بطل.

ولو سمع كلاما فتوهّمه أمانا لم ينعقد ، وردّ إلى مأمنه.

الثاني : العاقد ، ويشترط بلوغه وعقله واختياره ، ويصحّ من العبد والمرأة ،

__________________

(١) في « ب » و « ج » : على عواراتهم.

٢٩٩

وللإمام أن يذمّ عامّا كالبلد ، وكذا نائبه في ولايته ، وللمسلم أن يذمّ الآحاد وإن كثروا.

الثالث : المعقود له ، وهو من يجب جهاده.

الرابع : وقته ، وهو قبل الأسر وإن كان بعد الظهور (١) ، فلا يذمّ الأسير.

ويقبل قول المسلم في تقديمه ، ولو ادّعاه المشرك فأنكر المسلم قدّم قوله بغير يمين ، ولو تعذّر جوابه بطلت دعواه ، وفي الحالين يردّ إلى مأمنه.

الخامس : مقدار زمانه ، وهو سنة فما دون ، فلا ينعقد الأكثر إلّا مع الحاجة.

وأمّا الثالث : فإذا انعقد الأمان وجب الوفاء به ، ولا يلزم من جهة الكافر ، فلو نبذه صار حربيا ، ويعصم به نفسه وماله إلّا أن يظهر منه خيانة ، فلو قتله مسلم أثم ولا ضمان ، ولو أتلف ماله ضمنه.

ولو فسد العقد لم يجب الوفاء به ، ووجب ردّه إلى مأمنه ، وكذا لو دخل لتجارة أو صحب رفقة أو طلبه ، فلم يقبل منه.

وإذا عقد الحربي الأمان لنفسه ليسكن دار الإسلام ، تبعه ماله ، ولو التحق بدار الحرب للاستيطان ، انتقض أمانه لنفسه دون ماله ، فلو مات وله وارث مسلم انتقل إليه ، وإلّا انتقض الأمان فيه أيضا ، وصار فيئا يختصّ به الإمام ، وكذا لو مات في دار الإسلام ولم يكن له وارث.

ولو أسره المسلمون فاسترقّ ملك ماله تبعا لرقبته ، ويختصّ به الإمام لا من وقع في سهمه ، ولو أعتقه لم يرجع إليه.

__________________

(١) في القواعد : ١ / ٥٠٣ مكان العبارة : « ويصحّ قبل الأسر وإن أشرف جيش الإسلام على الظّفر ».

٣٠٠