معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

ولو عاد لغرض مع نيّة العود فالأمان باق ، وكذا لو دخل إلينا ليسمع كلام الله أو لسفارة.

ولو استأمن المسلم فسرق وجبت إعادة المسروق وإن كان من محارب في أي الدارين كان. (١)

ولو اقترض مالا أو اشترى متاعا ، وجب ردّ القرض والثمن.

ولو أسلم الزّوجان ألزم الزّوج بالمهر إن كان ممّا يملك ، وإلّا القيمة.

ولو أسلم الزّوج لم يكن لزوجته ولا لوارثها مطالبته بالمهر ، ولو أسلمت قبله طالبته ، ولو ماتت ثمّ أسلم ، أو أسلمت قبله ثمّ ماتت ، طالبه وارثها المسلم دون الحربيّ.

المبحث الخامس

في المهادنة

وهي المعاهدة على ترك القتال مدّة معيّنة بعوض وغيره ، فلا يجوز إطلاق المدّة إلّا أن يشترط الإمام لنفسه الخيار متى شاء ، ولا تجهيلها كبلوغ الغلّات.

وإنّما تجوز مع المصلحة ، كرجاء الدخول في الإسلام ، وتحرم مع عدمها كقوّة المسلمين على الخصم ، واشتمالها على المفسدة ، وقد تجب مع الحاجة إليها كقوّة الكفّار وضعف المسلمين.

__________________

(١) قال العلّامة في القواعد : ١ / ٥٠٤ : ولو دخل مسلم دارهم مستأمنا فسرق وجب عليه إعادته إلى مالكه ، سواء كان المالك في دار الإسلام أو في دار الحرب.

٣٠١

وعاقدها الإمام أو نائبه ، وتقدّر المدّة بقدر الحاجة وإن كثرت ، ومع عدمها واشتمالها على مصلحة يجوز أربعة أشهر إلى سنة ولا يتجاوزها.

ويجب الوفاء بها حتّى تنتهي المدّة إلّا أن تقع منهم خيانة ، فإن جهلوا أنّها خيانة أنذروا ولم يغتالوا (١) ، وكذا لو فسد العقد.

ولو استشعر الإمام منهم خيانة جاز له نبذ العهد إليهم ، وينذرهم.

ويجب الوفاء بالشّرط الصحيح كردّ مسلم يؤمن افتتانه لكثرة عشيرته ، ولو لم يؤمن افتتانه ، أو شرط إعادة الرجال مطلقا بطل.

ويبطل باشتراط الفاسد كترك المسلم في أيديهم ، وإعادة المهاجرة ولو إلى زوجها ، بل يرد الإمام (٢) عليه من بيت المال ما سلّم إليها من المهر المباح دون المحرّم ، ولا يدفع قيمته ولا عوض النفقة والهبة.

فروع

الأوّل : لو طلبها زوجها فارتدّت ، لم تردّ عليه لأنّها بحكم المسلمة ويردّ المهر.

الثاني : لو جاء فمات قبل المطالبة فلا شي‌ء ، وبعدها يردّ على وارثه ؛ ولو ماتت قبل المطالبة فلا شي‌ء له ، وبعدها يردّ عليه.

الثالث : لو طلّقها قبل المطالبة بائنا لم يردّ عليه شي‌ء ، لزوال الحيلولة ، ولو كان رجعيّا فإن راجع فله المطالبة ، وإلّا فلا.

__________________

(١) في « أ » : « ولو يقاتلوا » بدل « ولم يغتالوا ».

(٢) في « أ » : ويردّ الإمام.

٣٠٢

الرابع : لو أسلم في العدّة الرجعيّة ردّت عليه ، ويستعاد منه ما أخذ ، ولو أسلم بعدها لا تردّ إليه (١) ثمّ إن كان طالب بالمهر قبل انقضاء العدة فله المطالبة وإلّا فلا.

المبحث السادس

في التحكيم

إذا حاصر الإمام بلدا جاز أن يعقد العهد على أن ينزلوا على حكمه أو حكم غيره ، ويراعى فيه البلوغ وكمال العقل والإسلام والذكورة والعدالة والعلم بفقه ما يحكم فيه ، ويتخيّره الإمام أو الفريقان ، ولو تخيّر أهل الحرب من فيه الشرائط أجزأ ، ولو مات قبل الحكم بطل ، ويردّون إلى مأمنهم.

ويجوز تعدّده ، ولو مات أحدهم لم يمض حكم الآخر ، ولو اختلفا لم يمض حكمهما.

ويجب امتثال الحكم إذا كان فيه الحظّ للمسلمين ، ولم يخالف المشروع ، فلو حكم بقتل الرّجال وسبي النساء والذرّيّة وغنيمة المال نفذ ، فإن أسلموا قبل الحكم عصموا أنفسهم من القتل ، والذريّة من السّبي ، والمال من الاغتنام ، وإن كان بعد الحكم بذلك سقط القتل خاصّة ، ولو منّ الإمام على من حكم بقتله أو على بعضهم جاز.

__________________

(١) في « أ » : فلا تردّ إليه.

٣٠٣

المقصد الثاني : في أحكام أهل الذمّة

وفيه مطالب :

[ المطلب ] الأوّل : في عقد الجزية ، وهو أن يقول العاقد : « أقررتكم على دينكم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الإسلام » وما في معناه فيقول : الذمّي : « قبلت » ويجب اشتراط هذين الشرطين ويجوز اشتراط غيرهما.

ويصحّ مؤبّدا ومعلّقا بمشيئة الذمي ، وفي الموقّت والمعلّق بمشيئة الإمام توقّف.

ولو اختلّ أحد شروطه فسد ويردّون إلى مأمنهم ولا يقاتلون.

المطلب الثاني : العاقد ، وهو الإمام أو نائبه ، فلا يصحّ من غيرهما وإن كان لواحد ، ويردّ إلى مأمنه ، ولا تلزمه الجزية وإن أقام حولا ، ويجب على الإمام القبول إن بذلوه (١) إلّا من الجاسوس أو مع خوف غائلتهم.

المطلب الثالث : المعقود له ، وهو الكتابي وإن كان عربيّا ، دون الوثني وإن كان أعجميّا ، ولا فرق بين الراهب وغيره ، والسّامرة من اليهود والصابئون من النصارى (٢) إلّا أن يكفّروهم.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : إذا بذلوا.

(٢) قال في جامع المقاصد : ٣ / ٤٤٨ في شرح كلام العلّامة في القواعد « والصائبون من النصارى

٣٠٤

وإذا أطلق العقد دخلت زوجاته وأصاغر ولده ، ولا تتبعه نساء أقاربه إلّا مع الشرط.

ولو ادّعى قوم الذّمّة وبذلوا الجزية قبل بغير بيّنة وأقرّوا إلّا أن يثبت كذبهم.

ولا تؤخذ الجزية من العبد والهمّ والمقعد والصبي والمجنون إلّا أن يفيق حولا ، ولو جنّ أدوارا سقطت.

ولو أعتق العبد ، أو بلغ الصّبي ، أو أفاق المجنون ، كلّفوا الإسلام أو بذلوا الجزية ، (١) فإن امتنعوا صاروا حربا.

ولا جزية على النساء ، فلو شرطها الرّجال عليهنّ أو بذلنها ليأمن الرجال ، لم يصحّ.

__________________

والسامرة من اليهود ، إن كفّروهم لم يقرّوا وإن جعلوهم مبتدعة أقرّوا » ما هذا نصّه :

قد قيل : إن الصابئين من النصارى ، وقيل : إنهم يسبتون فهم من اليهود ، وقيل : إنهم من المجوس ، وقيل : إنهم يعبدون الكواكب ويقولون : إن الكواكب السبعة آلهة وإن الفلك حي ناطق وعلى هذا فلا يقرون بالجزية. والّذي اختاره المصنف : أنّهم من النصارى ، والسامرة من اليهود ، وأنّهم إن كان كلّ من الفريقين عند فريقه كافرا لمخالفته له في الاعتقاد لم يقرّوا بالجزية ، وإن كانوا عندهم مبتدعة لا يخالفونهم في أصل الاعتقاد فهم منهم حقيقة يقرّون بالجزية.

لكن قد يقال : إنّ المرجع في ذلك إن كان إلى اليهود والنصارى أشكل ، من حيث إنّ الإقدام على قتلهم بقول الكفّار الذين لا يؤمنون ممّا يخالف أصول المذهب ، والاطلاع على حالهم إلّا من قبلهم عزيز.

ولو قيل بأخذ الجزية منهم ، تعويلا على ما نقل من كونهم من النصارى واليهود إلى أن يعلم تكفيرهم إيّاهم وعدمه ، أو رجوعا إلى إخبارهم عن أنفسهم بذلك ، وبأنّهم لا يكفرونهم لكان وجها ، لأنّ دعوى من ادّعى أنه من أهل الجزية مسموعة ما لم يعلم خلافها.

(١) في « أ » : أو بذل الجزية.

٣٠٥

ولو قتل الرجال قبل العقد للجزية أو بعده ، فسأل النساء إقرارهنّ ببذل الجزية لم يصحّ.

ولو توثّن الذمّي أو تذمّم الوثني تبعه ولده الصغير ، ولو تولّد بين ذمّي ووثنيّ تبع أباه دون أمّه.

وإنّما يقرّ أهل الذمّة إذا دخل آباؤهم في اليهوديّة أو النصرانيّة أو المجوسيّة قبل بعثة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن كان بعد التبديل (١).

المطلب الرابع : في شرائط الذّمّة

وأصنافها ثلاثة :

الأوّل : ما يجب شرطه وهو قبول الجزية والتزام أحكام الإسلام ، فلو أخلّ بهما أو بأحدهما بطل العقد.

الثاني : ما لا يجب شرطه بل يقتضيه الإطلاق ، وهو أن لا يفعلوا ما ينافي الأمان ، كالعزم على حرب المسلمين ، وإعانة المشركين ، فمتى فعلوا شيئا من ذلك انتقض العهد وإن لم يشترط.

الثالث : ما إذا شرط نقض العهد وإلّا فلا ، وهو الزّنا بنساء المسلمين ، واللّواط بهم ، والسرقة منهم ، وقطع الطريق عليهم ، والدلالة على عوراتهم ، وإصابة المسلمة باسم النكاح ، وافتتان المسلم ، وإيواء عين المشركين ،

__________________

(١) يريد انّه انّما يقبل دخول آباء هذه الطوائف في هذه الشرائع قبل المبعث لا بعده ، لأنّ الدخول بعد البعثة ونسخ الملّة السّابقة تبديل للدين ، وقال عليه‌السلام : « من بدّل دينه فاقتلوه » ولذلك احتمل المصنّف قدس‌سره قبول التبديل قبل البعثة. لاحظ جامع المقاصد : ٣ / ٤٤٧.

٣٠٦

والتجسيس لهم ، وإظهار الخمر والخنزير في بلاد الإسلام ، والتظاهر بالشرب والأكل منهما ، ونكاح المحرّمات ، وإحداث كنيسة أو بيعة ، وضرب الناقوس ، وإطالة بنائه على بناء المسلم.

وكلّما نقض العهد استوفى الإمام ما يقتضيه الجرم ، ثمّ يتخيّر بين المنّ ، والفداء ، والقتل ، والاسترقاق.

فإن أسلم قبل الحكم بشي‌ء من ذلك ، سقط الجميع عدا القود والحدّ وإعادة ما أخذ.

وإن أسلم بعد الاسترقاق أو المفاداة لم يسقط ذلك عنه.

ولو لم ينقض (١) فهم على عهدهم ، ويفعل بهم ما يقتضيه جنايتهم من حدّ وتعزير.

ولو سبّوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتل السابّ ، ولو نالوه بما دونه ، فإن شرط عليهم الكفّ نقضوا ، وإلّا فلا وعزّروا.

وينبغي للإمام أن يشترط في العقد تمييزهم بمخالفة اللباس في اللون ، وشد الزّنار ، ويمنعون من فرق الشعر ، ومن التقلد بالسيوف ، ومن كنى المسلمين ، ومن ركوب الخيل ومن السّروج في غيرها ، بل يركبون عرضا ، ولا يمنعون من فاخر الثياب.

__________________

(١) في « أ » : لم ينتقض.

٣٠٧

المطلب الخامس : في الجزية

ولا تقدير لها ، بل تناط بنظر الإمام ، وما قدّره عليّ عليه‌السلام (١) ليس توظيفا (٢) ويجوز وضعها على الرّءوس ، أو على الأرض أو الجمع (٣).

وتؤخذ عند انتهاء الحول ، فلو أسلم قبله أو بعده قبل الأداء سقطت ، ولو مات بعد الحول أخذت من أصل تركته ، وتقسّط عليها وعلى الدّين ، ولو تعدّد الحول تعدّدت.

ولو مات الإمام بعد التقرير دائما ، لم يغيّره الإمام الثاني ، وكذا لو قدّره بمدّة ولم تخرج ، ولو خرجت أو أطلق جاز التغيير.

وللإمام أن يغيّر ما قرّره النائب.

ويجب « الصّغار » وهو عدم تقدير الجزية وقيل : الإهانة (٤) فتؤخذ منه قائما والمسلم جالسا ، ويؤمر بإخراج يده من جيبه ويطأطئ رأسه ، ويضطرّ إلى أضيق الطّرق (٥).

ويكره أن يبدأ بالسلام.

ويجوز أن يشترط عليهم مع الجزية ضيافة مارّة العسكر ، ويجوز

__________________

(١) لاحظ الوسائل : ١١ / ١١٥ ، الباب ٦٨ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث ٥.

(٢) قال العلّامة في القواعد : ١ / ٥١١ : وضع عليّ عليه‌السلام على الفقير في كلّ حول اثني عشر درهما ، وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الغنيّ ثمانية وأربعين ، وليس ذلك لازما ، بل بحسب ما يراه الإمام في كلّ وقت.

(٣) في « أ » : والجمع.

(٤) لاحظ القواعد : ١ / ٥١٢.

(٥) في « أ » : اضيق الطريق.

٣٠٨

الاقتصار على الضيافة ، فيجب أن يزيد على أقلّ الجزية ، وأن تكون الضيافة معلومة الجنس والقدر من القوت ، والأدم ، وعدد الضيفان ، والأيّام ، وكذا علف الدّواب.

ويستحقّ الجزية المجاهدون ، وكذا ما أخذ صلحا ، وهو للمسلمين مع فقدهم.

والمسروق من أهل الحرب في غير زمان الهدنة لآخذه ، وفيه الخمس ، وفي زمانها يعاد على أهله.

وما يتركه الكفّار بغير حرب فهو للإمام ، وكذا ما غنم بغير إذنه.

المطلب السادس : في الأحكام

إذا صحّ العقد لزمنا أمور :

الأوّل : عصمة أنفسهم وأموالهم.

الثاني : وجوب الذّبّ عنهم.

الثالث : الكف عمّا أبيح لهم ، فلا يتعرّض لمواضع تعبّداتهم ، ولا لما ستروا من خمورهم وخنازيرهم ، فيجب على الغاصب ردّه ، وعلى المتلف قيمته.

ويلزمهم أمور :

الأوّل : منعهم من إحداث الكنائس ، والبيع ، والمدارس ، والربط في بلدة استجدّها المسلمون ، أو فتحت عنوة ، أو صلحا على أنّ الأرض لنا وتزال لو

٣٠٩

أحدثت ، ولو فتحت صلحا على أنّها لهم جاز الإحداث ، ولهم استدامة ما كان قبل الفتح وإن صولحوا على أنّها لنا.

ولو جهل تقدّم الكنيسة على الفتح لم تنقض ، ويجوز الرّمّ وإعادة المنهدم.

الثاني : منعهم من دخول المسجد الحرام وغيره من المساجد ، لبثا واجتيازا وإن أذن المسلم.

الثالث : منعهم من دخول الحرم وإن كان اجتيازا.

الرابع : منعهم من استيطان الحجاز ، ويراد به مكّة والمدينة ، ويجوز الاجتياز به والامتيار (١) منه ، وحدّ بثلاثة أيّام.

الخامس : منعهم من استيطان جزيرة العرب ، وحدّها من عمان إلى ريف عبّادان طولا ، ومن تهامة وما والاها إلى أطراف الشام عرضا (٢).

السادس : منعهم من إعلاء بنائهم على المسلم وإن كان بناؤه منخفضا ، وتجوز المساواة ، ولا يراعى غير جيرانه.

ويقر العلوّ المبتاع من مسلم ، ولا يمنع من ابتياعه ، ولو انهدم لم تجز إعادته.

ولو تعدّى بالرفع فاشتراه مثله كلّف هدمه ، ولو اشتراه المسلم لم يكلّف الهدم.

__________________

(١) في مجمع البحرين : الميرة ـ بالكسر فالسكون ـ : طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد إلى بلد.

(٢) في جامع المقاصد : ٣ / ٤٦٤ : الريف : هي المزارع ومواضع المياه ، و « عبادان » جزيرة تحيط بها شعبتان من دجلة وفرات. وإنّما كانت هذه جزيرة ، لأن بحر الهند الّذي هو بحر الحبشة وبحر فارس والفرات ودجلة محيط بها ، وإنّما نسب إلى العرب ، لأنّها منزلهم ومسكنهم ومعدنهم.

٣١٠

المطلب السابع : في الانتقال

لا يجوز انتقال الكافر بعد البعثة إلى غير الإسلام وإن كان مذهب أهل الكتاب ، ويلزم بالإسلام أو يقتل ، ولا يقبل منه العود إلى ملّته (١) حربيّا كان أو كتابيّا ، وقبل البعثة يقبل انتقال الحربي واليهوديّ والمجوسيّ إلى النصرانيّة وإن كان بعد التبديل ، بخلاف العكس.

خاتمة

إذا فعل الذّميّ سائغا في شرعهم سرّا لم يعترض ، وإن جهر به قوبل بما يقتضيه شرع الإسلام ، ولو لم يكن سائغا تخيّر الحاكم (٢) في الحكم بشرعنا ودفعه إلى أهل نحلته ، ليعاملوه بشرعهم ، وكذا إذا ترافعوا إلينا في خصوماتهم.

ولا يجوز للكافر ابتياع المصحف ، والمسلم ، ولا وصيّته ببناء كنيسة ، أو بيعة ، أو كتابة شي‌ء من التوراة والإنجيل ، وتصحّ وصيّته للراهب والقسّيس.

ويكره ابتياع كتب الأحاديث.

__________________

(١) في « أ » : إلى مثله.

(٢) في « ب » : تخيّر الإمام.

٣١١

المقصد الثالث : في أحكام أهل البغي

الباغي من خرج على إمام عادل وإن لم يبايع غيره ، وتجب إجابة داعي الإمام على من استنفره (١) عموما أو خصوصا ، والعقود كبيرة والوجوب على الكفاية إلّا أن يعيّن الإمام أو يقوم من لا كفاية فيه ، وقتالهم كقتال المشركين ، والفرار كالفرار.

ثمّ إن كان لهم فئة جاز الإجهاز على جريحهم ، وإتباع مدبرهم ، وقتل أسيرهم ، وإلّا اقتصر على تفريقهم ، ويحبس الأسير منهم حتّى تنقضي الحرب.

ولو (٢) قاتل معهم النساء والذريّة فإن لم يمكن التحرّز جاز قتلهم ، وإلّا فلا ، ولا يجوز سبي نسائهم.

ويقسّم ما حواه العسكر بين المقاتلة كغنيمة المشركين ، دون ما لم يحوه.

والمقتول من أهل ( الحرب ) (٣) العدل شهيد ، ومن البغاة كافر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) في « أ » : « استنصره ».

(٢) في « أ » : « وإن ».

(٣) ما بين القوسين يوجد في « ب » و « ج ».

٣١٢

« حربك حربي » (١).

ويضمن الباغي ما يتلفه من نفس أو مال حال الحرب أو غيرها ، ولا يضمن العادل شيئا.

وللإمام أن يستعين بأهل الذمّة ، ولو عاونوا البغاة خرقوا الذمّة.

ولو فعل الباغي موجب الحدّ واعتصم بدار الحرب ، أقيم عليه عند الظفر.

ويقتل سابّ الإمام العادل ، ومانع الزكاة مستحلّا ويقاتل غيره حتّى يدفعها.

__________________

(١) إحقاق الحقّ : ٤ / ٢٥٨ ؛ الغدير : ١٠ / ١٢٦ و ٢٧٨ ؛ أمالي الطوسي : ١ / ٣٧٤ ؛ أمالي الصدوق ، المجلس ٢١ ، برقم ١ ، مناقب ابن المغازلي : ٥٠ ؛ بحار الأنوار : ٢٨ / ٤٥ ؛ عوالي اللآلي : ٤ / ٨٧.

أقول : إنّ في هذا المقام للشارح المعتزلي كلاما أحبّ أن أشير إليه حيث قال :

« لنفرض أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما نصّ عليه بالخلافة بعده ، أليس يعلم معاوية وغيره من الصحابة أنّه قال له في ألف مقام : أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت .... وحربك حربي وسلمك سلمي ». شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٨ / ٢٤.

٣١٣

النظر الرابع : في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ويجبان بالإجماع ، والمستند السمع ، والوجوب على الأعيان ، والأمر بالواجب واجب وبالمندوب مندوب ، وكذا النهي عن المكروه ، والنهي كلّه واجب ، وشرطه العلم بالوجه ، وتجويز التأثير ، وانتفاء المفسدة ، وعدم إقلاعه عن موجبهما.

ويجبان بالقلب ، وهو أن يغضب لله تعالى غضبا يظهر على وجهه ، فإن لم ينجع فالإعراض ، فالكلام الليّن ، ثمّ الخشن ، الأيسر فالأيسر ، ثمّ الضرب الأسهل فالأسهل ، فإن افتقر إلى الجراح توقّف على إذن الإمام.

ولا يقيم الحدود والتعزيرات إلّا الإمام أو نائبه ، ويجوز للفقيه المجتهد من الإماميّة إقامتها في الغيبة مع المكنة ، ويجب على العامّة إعانته.

ولو ولي من قبل الجائر كرها أقامها معتقدا نيابة الإمام ، ولو ألزمه بإقامتها جازت إجابته إلّا في القتل.

وللمولى إقامة الحدّ على عبده وأمته ، وللرجل إقامته على ولده وزوجته ، ولا فرق بين الجلد والرجم ، ولا يشترط في الزوجة الدخول بل الدّوام ، ولا يتعدّى إلى ولد الولد.

٣١٤

وللمجتهد أيضا الحكم بين الناس إذا أمن ، ويجب الترافع إليه ، فإن آثر الخصم المضيّ إلى قضاة الجور كان مرتكبا للمنكر.

ولو أكرهه الجائر على القضاء جاز قبوله ، ويعتمد الحقّ ما أمكن فإن اضطرّه إلى الحكم بمذهب أهل الخلاف امتثل ما لم يكن قتلا ظلما.

ويجوز الافتاء لغير المجتهد على الأصحّ إذا قلّده مشافهة أو بواسطة ثقة حيّ.

تتمّة

يجب دفع الضرر عن المسلمين ، وإعانة الملهوفين ، والتفريج عن المكروبين ، وإطعام الجائعين ، وكسوة العراة مع القدرة ، وإقامة الحجج العلميّة ، ونقض الشّبهات ، وحلّ المشكلات ، وعمل الصنائع الّتي لا غنى عنها ، كلّ ذلك يجب على الكفاية.

* * * * *

قال المحقّق : إلى هنا تمّ القسم الأوّل في العبادات من أربعة  أقسام. ويتلوه القسم الثّاني في العقود.

٣١٥
٣١٦

القسم الثاني :

في العقود

فيه كتب :

كتاب الصلح

٣١٧
٣١٨

وفيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل : أنفع العقود الصلح لعموم فائدته ، لأنّه يفيد فائدة البيع والهبة والإجارة والعارية والإبراء ، وليس فرعا عليها بل هو أصل في نفسه ، ويخالف البيع فلا يلحقه خيار المجلس.

ويصحّ على الدّين بالدّين وعلى الربويّات مع التفاضل ، فيصحّ من ألف مؤجّلة على خمسمائة حالّ وبالعكس ، وعلى ثوب أتلفه وقيمته درهم بدرهمين ولو قال : بعتني ، فهو إقرار بخلاف صالحتني.

ويخالف الصّرف ، فيصحّ على الدّراهم بمثلها وبالدنانير ، ولا يشترط القبض في المجلس.

ويخالف الهبة ، فلا يشترط القبض ، ولا يصحّ الرجوع ، ولا يصحّ على ما في ذمّة غيره.

ويخالف الإجارة ، فيصحّ على منفعة بغير عوض.

ويخالف العارية ، فلو ادّعى دارا فأنكر ثمّ صالحه على سكنى سنة صحّ ، وليس له الرجوع ، وكذا لو أقرّ.

ويخالف الإبراء فيصحّ على براءة ذمّته بعوض وغيره.

ويشترط القبول بخلاف الإبراء ، ويفيد أيضا إثبات الحقوق الماليّة بغير

٣١٩

عوض ، كالصلح على إثبات مال في ذمّة الغير ، وتخصيص أحد الشريكين بالربح ، وقسمة ما في الذّمم ، وجعل المدفوع من الدين المشترك لقابضه ، (١) وغير الماليّة كتأجيل الحالّ وبالعكس ، وعلى الإقالة بزيادة الثمن من البائع ، أو نقيصة من المشتري ، وعلى إسقاط الشفعة ، واستحقاق الاستطراق ، ومسيل الماء ، وحقّ الهواء ، كالصلح على إحداث روشن في المرفوعة ، وإبقاء الأغصان على الجدار أو في الهواء ، مع تقدير الزيادة أو المدّة ، وعلى امتداد العروق في الأرض كذلك ، وعلى قطع التنازع في الدّين والغبن وغير ذلك.

ويصحّ على بعض الدين المقرّ به وعلى بعض المجحود ، مع جهل المتنازعين وعلمهما وعلم المدّعي ، ولو علم المنكر خاصّة لم يبرأ ، ولو صدق أحدهما وكذب الآخر فإن رضيا باطنا صحّ مطلقا ، وإلّا حكم بصحّته ظاهرا ، ولا يبرأ المنكر ممّا أبرئ ، ولا يحلّ للمدّعي ما أخذه.

ويصحّ مع الإقرار والإنكار (٢) إلّا ما أحلّ حراما ، كالصلح معه ليشهد أو يكفّ ، أو حرّم حلالا ، كالصلح على ترك الاستمتاع.

ولا بدّ فيه من الإيجاب والقبول ، وصدورهما عن كامل جائز التصرّف إمّا عن نفسه أو عن غيره كالأب والجدّ له والوصيّ والحاكم والوكيل.

ولا يشترط سبق الخصومة ، ولا ذكر العوض ، لأنّ مناط هذا العقد الرّضا مع الإيجاب والقبول من أهله ، فلو ذكره وجب تقديره ، وصحّة تملّكه ،

__________________

(١) في « ب » و « ج » : لقارضه.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٢ / ٢٨٩ : ويجوز الصلح على الإنكار ، وصورته : أن يدّعي على رجل عينا في يده أو دينا في ذمّته فأنكر المدّعى عليه ، ثمّ صالحه منه على مال اتّفقا عليه ، ويصحّ الصلح ، ويملك المال الّذي يقبضه من المدّعى عليه.

٣٢٠