معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

السيرة الذاتية لابن قطان الحلّي :

الحلّة الفيحاء مدينة كبيرة تقع بين الكوفة وبغداد ، بناها سيف الدولة الأسدي لمّا نزل بها في محرم سنة ٤٩٥ ه‍ ، فبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة ، وتأنّق أصحابه في مثل ذلك ، فصارت ملجأ ، وقد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدة حياة سيف الدولة ، فلمّا قتل بقيت على عمارتها. (١)

وقد بخس الحموي حق المؤسّس أو لم تسنح له الفرصة لأداء حقّه ، فلم يذكر عنه إلّا شيئا طفيفا ، مع أنّ لهذا الأمير ، المساعي المشكورة والأيادي البيض في تأسيس الحلّة الفيحاء وجعلها مقر إمارته وعاصمة ملكه ، وإنشائه المعاهد العلمية فيها حتّى أصبحت محط رجال العلماء ودار هجرة الأدباء بعد ما كانت قاعدة إمارة آبائه بلدة النيل ، وكانت له رغبة باقتناء الكتب ، فألّف خزانة كتب قيّمة.

فإذا كان هذا حال الأمير فبه يعرف حال الرعايا ، فلم تزل تربة الحلّة تربة خصبة تربّي العلماء والأدباء والشعراء في أحضانها ، وكفى فخرا لها انّ الفقيه البارع محمد بن إدريس ( المتوفّى ٥٩٨ ه‍ ) صاحب السرائر ، ونجم الدين أبا القاسم جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلي ( المتوفّى ٦٧٦ ه‍ ) ، وابن أخته نابغة الآفاق الإمام حسن بن المطهر الحلّي ( المتوفّى ٧٢٦ ه‍ ) ، وعشرات من أمثالهم من أبنائها.

__________________

(١) معجم البلدان : ٢ ، مادة حلة.

٢١

وقد كانت مركزا فكريا وثقافيا في أكثر القرون ، لا سيّما القرنين السابع والثامن ، فقد كانت البلدة في أوائل القرن الثامن وأواخر السابع تحتضن أكثر من ٤٤٠ مجتهدا. (١)

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في مقدّمته على كتاب « البابليات » تأليف الشيخ محمد علي اليعقوبي :

وقد ساعد الحلّيّين على هذه العبقرية ولطف القريحة والأريحيّة ، طيب التربة ولطافة الهواء وعذوبة الماء ، ومن هنا شاع نعتها بالحلّة الفيحاء ، ونبغ منها العشرات بل المئات من أساطين علماء الإمامية ودعائم هذا المذهب الحق ، ناهيك بابن إدريس والمحقّق وأسرته الكرام بني سعيد ، وابن عمه يحيى بن سعيد صاحب الأشباه والنظائر ، وآل طاوس ، وآل المطهر كالعلّامة وأبيه سديد الدين وولده فخر المحقّقين ، انّ كثيرا من أمثال هؤلاء الأماثل من مشايخ الإجازة. (٢)

ففي هذه التربة المباركة نبغ الفقيه البارع محمد بن شجاع الأنصاري المعروف بشمس الدين بن القطّان الحلّيّ ( الّذي كان حيا عام ٨٣٢ ه‍ ) واشتغل بالفقه والحديث ، وروى عن الفقيهين :

١ ـ المقداد عبد الله الأسدي السيوري الحلي ( المتوفّى ٨٢٦ ه‍ ).

يقول العلّامة بحر العلوم : وقد تكرّر ذكره في الإجازات.

ففي إجازة الشهيد الثاني للشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي والد

__________________

(١) رياض العلماء : ١ / ٣٦١.

(٢) البابليات : ه ، المقدمة بقلم الشيخ كاشف الغطاء.

٢٢

الشيخ البهائي : وعن الشيخ شمس الدين بن داود ، عن السيد الأجل المحقّق السيد علي دقماق الحسيني ، عن الشيخ الفاضل المحقّق شمس الدين محمد بن شجاع القطّان ، عن الشيخ المحقّق أبي عبد الله المقداد بن عبد الله السيوري الحلّيّ الأسديّ ، عن الشهيد.

ثم قال : رأيته أيضا في إجازة الشيخ شمس الدين محمد الشهير بـ « ابن المؤذن » شيخ الشهيد الثاني وابن عم الشهيد الأوّل ، قال : وأجزت له أن يروي عنّي جميع كتب أصحابي الماضين ، عن السيد علي بن دقماق ، عن شيخه الشيخ محمد بن شجاع القطّان ، عن شيخه أبي عبد الله المقداد. (١)

٢ ـ زين الدين علي بن الحسن الأسترآبادي ( المتوفّى حدود ٨٣٧ ه‍ ) من كبار علماء الإمامية ، روى عنه شيخنا المترجم في كتابه « نهج العرفان ». (٢)

ويروي عنه السيد علي بن محمد بن دقماق الحسيني ( المتوفّى ٨٤٠ ه‍ ) ، كما مرّ ذكره في الإجازات.

الإطراء عليه في كتب التراجم :

والحق انّ التاريخ بخس حقّ الرجل مع انّا راجعنا أكثر من خمسة عشر مصدرا لم نظفر له بترجمة وافية. ونذكر ما قيل في حقّه.

قال الشيخ الحر العاملي في « أمل الآمل » : الشيخ شمس الدين محمد بن شجاع القطّان فاضل صالح ، يروي عن المقداد بن عبد الله السيوري. (٣)

__________________

(١) رجال السيد بحر العلوم المعروف بالفوائد الرجالية : ٣ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٢) كما في الذريعة : ٢٤ / ٤٢٢ ، رقم الترجمة ٢٢٠٩.

(٣) أمل الآمل : ٢ / ٢٧٥ ، رقم الترجمة ٨١١.

٢٣

وبنفس هذا التعبير ذكره في « الرياض ». (١)

والمحدّث القمّيّ في « الفوائد الرضوية ». (٢)

والسيد الخوئي في « معجم رجال الحديث ». (٣) وباختلاف يسير في الكنى والألقاب. (٤)

آثاره العلمية :

قد ترك شيخنا المترجم آثارا فقهية وأخلاقية عسى أن يقيّض المولى سبحانه أصحاب الهمم العالية للتفحّص عنها في المكتبات ونشرها في الملأ العلمي مرفّقا بالتحقيق.

١ ـ نهج العرفان في أحكام الإيمان : فرغ من تصنيفه ٨١٩ ه‍ ، وفرغ من تبييضه سنة ٨٣١ ه‍. ذكره شيخنا الطهراني في « الذريعة » ووصفه بقوله : رتّب الكتاب على قاعدتين وخاتمة ، فالقاعدة الأولى في الإيمان ، وفيها كتب ، أوّلها كتاب الإيمان ، وفيه أبواب أوّلها حقيقة الإيمان ، ورواياته عن الكليني والصدوق والطوسي بالاسانيد المتصلة إلى الشهيد. يقول في أوّله : « يقول الفقير إلى الله محمد بن شجاع الأنصاري مصنّف الكتاب عفا الله عنه : إنّ هذا الحديث أبلغ ما سمع في هذا الباب. وذكر في آخره انّه فرغ من تصنيفه في ١٩ شعبان من

__________________

(١) رياض العلماء : ٥ / ١٠٨.

(٢) الفوائد الرضوية : ٥٣٨.

(٣) معجم رجال الحديث : ١٦ / ١٧٦ ، برقم ١٠٩٤١.

(٤) الكنى والألقاب : ٣ / ٧٠.

٢٤

شهور سنة ٨١٩ ه‍ ، والنسخة موجودة في الخزانة الغروية بخط المؤلف. (١)

٢ ـ المقنعة في آداب الحج : قال الأفندي التبريزي في « الرياض » : رأيته في أردبيل بخط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن علالة المجاز من أستاذه الفاضل المقداد في سنة ٨٢٢ ه‍ ، وفي آخر الكتاب : [ هذا آخر كلام المصنّف دامت فضائله ، حرّره العبد علي بن حسن بن علالة في يوم الأحد الحادي عشر من شعبان سنة ٨٢٢ ه‍ ]. (٢)

٣ ـ معالم الدين في فقه آل ياسين : رتّبه على أربعة أقسام تبعا لمن تقدّم عليه من كبار الفقهاء ، كالمحقق الحلّيّ في « الشرائع » وغيره ، وإليك الإلمام بهذه الأقسام على وجه موجز :

الأوّل : في العبادات : ابتدأ بكتاب الطهارة وأنهاه بكتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثاني : في العقود : ابتدأ بكتاب الصلح وختمه بكتاب النكاح.

الثالث : في الإيقاعات : ابتدأ بكتاب الطلاق وختمه بكتاب الكفّارات.

الرابع : في الأحكام : ابتدأ بكتاب المواريث وختمه بكتاب الديات.

ويعدّ الكتاب دورة فقهية كاملة ، جرّد المؤلّف فيه الفتاوى عن ذكر الروايات واستعراض الأقوال غالبا ، وكرّس جهوده في الإشارة إلى عامّة مسائل الباب حتّى لا يفوته فرع مذكور في الكتب الفقهية المتداولة ، وقد سار على ضوء كتاب « القواعد » للعلّامة الحلي و « الدروس » للشهيد الأوّل غالبا ، و « الشرائع »

__________________

(١) الذريعة : ٢٤ / ٤٢٢ ، مادة نهج.

(٢) الذريعة : ٢٢ / ١٢٤.

٢٥

للمحقّق الحلّيّ ، و « التنقيح الرائع » لأستاذه الفاضل المقداد في بعض الأحيان.

وقد كان الكتاب موضع اهتمام كبار الفقهاء حتّى أنّ الشيخ الأنصاري نقل آراء المؤلف في كتاب « المكاسب » (١) ، ورسالة المواسعة والمضايقة. (٢)

وأكثر ما أفتى به موافق للمشهور ، إلّا أنّه خالف في بعض الموارد ، نذكر منها ما يلي

١ ـ أفتى بأنّ الحدث بين الصلاة وصلاة الاحتياط لا يبطل ، فعليه الإتيان بصلاة الاحتياط بعد تحصيل الطهارة.

٢ ـ لو كان في أوّل الوقت حاضرا وفي آخره مسافرا أو بالعكس ، فلو لم يصلّ أوّل الوقت وصلّى آخره ، فهو مخيّر بين الإتمام والقصر.

وبذلك يعلم صحّة ما قاله العلّامة بحر العلوم في حق الكتاب من أنّه قد يغرب في بعض التفاريع ، قال قدس‌سره :

وجدت في ظهر نسخة لهذا الكتاب : بلغ مقابلة من أوّله إلى آخره مع النسخة الّتي قرئت على مصنّفه ، وفيه خطّه طاب ثراه ، وهو محمد بن شجاع الأنصاري الحلّيّ ، ويظهر من تتبع الكتاب فضيلة المصنّف ، وهو على طريقة الفاضلين [ المحقّق الحلّيّ والعلّامة الحلّيّ ] في أصول المسائل ، لكنّه قد يغرب في التفاريع ، والّذي أرى صحة النقل عنه. (٣)

ومن غرائب الكلام ما ذكره إسماعيل باشا في « إيضاح المكنون » في

__________________

(١) المكاسب المحرّمة : مسألة بيع كلب الماشية : ٥٥.

(٢) رسالة المواسعة والمضايقة : ٢٥ ، ضمن الرسائل الفقهية للشيخ الأنصاري المطبوعة.

(٣) رجال السيد بحر العلوم : ٣ / ٢٨٠.

٢٦

الذيل على كشف الظنون حيث قال : معالم الدين في آل ياسين لشمس الدين محمد بن شجاع القطّان الحلّيّ الشيعي من تلاميذ المفيد!! (١)

فأين المؤلّف الّذي كان حيّا عام ٨٣٢ ه‍ من الشيخ المفيد الّذي توفّي عام ٤١٣ ه‍؟! ولعلّ « المفيد » مصحّف « المقداد » ، مضافا إلى أنّه وصف الكتاب بأنّه « في آل ياسين » والصحيح في فقه آل ياسين.

هذا ولشيخنا المترجم تراجم موجزة في كتب التراجم والفهارس ـ وراء ما مرّ ذكره ـ (٢).

منهجيّة التحقيق :

قد تقدّم في وصف الكتاب انّه جرّد الفتاوى عن ذكر الروايات واستعراض الأقوال ، ولذلك ركّز محقّق الكتاب العلّامة الحجّة الشيخ إبراهيم البهادري المراغي ( حفظه الله ) جهوده الحثيثة على تقويم النصّ وتمييز الصحيح عن السقيم ، وتعيين مقاطع العبارات ، وتقدير كلمة أو جملة بين المعقوفتين يقتضيها سياق العبارة ، والاستعانة لتسهيل فهم مقاصد الكتاب بنقل عبارات الفقهاء في الهامش ، إلى غير ذلك من الأمور الّتي تيسّر فهم مقاصد الكتاب.

هذا وقد اعتمد في تصحيح الكتاب وتحقيقه على نسخ ثلاث ، هي :

__________________

(١) إيضاح المكنون : ٤ / ٥٠٣.

(٢) تنقيح المقال في علم الرجال : ٣ / ١٣١ برقم ١٠٨٤٦ ؛ إيضاح المكنون : ٢ / ٦٩٤ ؛ أعيان الشيعة : ٩ / ٣٦٣ ؛ طبقات أعلام الشيعة : ٤ / ١١٨ ؛ معجم المؤلفين : ١٠ / ٦٤ ؛ فهرست نسخه‌هاى خطى : ١ / ٤١٤ برقم ٣٩٩ ؛ ريحانة الأدب : ٨ / ١٥٧ ؛ فرهنگ بزرگان : ٤ / ٥ ؛ معجم دهخدا : ٢ / ٣٤٠.

٢٧

١ ـ نسخة مكتبة آية الله الگلپايگاني المسجّلة برقم ٣٠ / ١٤٣ ، فهي تشتمل على ٢٦٢ ورقة وكل ورقة على ١٩ سطرا ، ورمز إليها المحقّق بـ « أ ».

٢ ـ نسخة مكتبة آية الله المرعشي المسجّلة برقم ٣٩٩ في فهرس المخطوطات وقد سقطت من أوّلها ورقة فهي تشتمل على ١٩٨ ورقة ، وكل ورقة على ١٨ سطرا ، ورمز إليها المحقّق بـ « ب ».

٣ ـ نسخة المكتبة الرضويّة في مشهد ، المسجّلة برقم ٧٨١ ، وتشتمل على ٣٣٥ ورقة وكلّ ورقة على ١٨ سطرا ، وهي بخط الناسخ محمد بن عراد الحسيني ، ولم يذكر تاريخ نسخها ، وهي ناقصة من أوّلها. ولكنّها أدقّ النسخ وأضبطها. ورمز إليها المحقّق بـ « ج »

ولم يقتصر المحقّق في تقويم النصّ على هذه النسخ ، بل راجع الكتب الّتي سار المصنّف على ضوئها حين التأليف فميّز الصحيح من السقيم على ضوء عباراتها ، كما أنّه استعان بها في توضيح العبارات المغلقة.

فهاك نسخة صحيحة تامّة ، هي حصيلة جهود محقّق صرف جلّ عمره في إحياء التراث الإسلامي ونشر فضائل أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام وآثار الفقهاء ، وقد صدر له لحدّ الآن تحقيق الكتب التالية :

١ ـ الاحتجاج : لشيخنا أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في جزءين.

٢ ـ إصباح الشيعة : للفقيه الأقدم قطب الدين البيهقي الكيدري.

٣ ـ إشارة السبق : تأليف الشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن أبي الفضل ، المعروف بالحلبي.

٢٨

٤ ـ جواهر الفقه : للقاضي ابن البراج.

٥ ـ الرسائل الاعتقادية : للشيخ الطوسي.

٦ ـ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لابن البطريق الحلّي في جزءين.

٧ ـ غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع : لابن زهرة الحلبي في جزءين.

٨ ـ المسائل الميّافارقية : للسيد الشريف المرتضى.

٩ ـ تحرير الأحكام : للعلّامة الحلّي في خمسة أجزاء ، سادسها الفهارس العامّة للكتاب.

مضافا إلى هذا الكتاب الماثل بين يديك والّذي يزفّه الطبع إلى القرّاء الكرام.

ونحن بدورنا نبارك له هذه الخدمات الّتي قدّمها إلى المكتبة الإسلامية ، ونرجو له من الله سبحانه مزيدا من التوفيق ودوام الصحّة.

جعفر السبحاني

قم ـ مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام

١٩ ربيع الثاني عام ١٤٢٣ هـ

٢٩
٣٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الّذي خلقني من ولد آدم الّذي كرّم ، وجعلني من أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الّتي سلّم ، وهداني إلى الولاية الّتي ألزم ، ووفّقني لطلب العلم الّذي عظّم. أحمده على ما أولى وأنعم ، وأصلّي على المبعوث إلى كافّة العالم محمّد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى آله قادة الأمم ، ما دجى ليل وأعتم وأضاء صبح وبسم.

وبعد فإنّ أولى ما توجّهت إليه الهمم وتواضعت له تيجان القمم ، ما به بقاء نوع الإنسان ، والفارق بين العدل والعدوان ، أعني : الشريعة المحمّدية المنسوبة إلى العترة العلويّة ، فحملني ذلك على تصنيف كتاب يشتمل على تجريد مسائله بعد تحقيق أصوله ودلائله ، وفق ما كنت أتوق إليه أيّام الطّلب ، ويروق لي وجود مثله في الكتب ، فالحمد لله الّذي وهب لي ما كنت أتمنّاه ، وله الشكر على جميل نعمه وجزيل عطاياه ، وأسأله قبوله ، وأرجو منه قبوله ، وأن ينفع به كلّ مستفيد ، ويقمع عنه كلّ حاسد عنيد ، فإنّه أكرم المسئولين وأجود المعطين.

وسمّيته « معالم الدّين في فقه آل يس » ورتّبته على أربعة أقسام :

٣١
٣٢

[ القسم ] الأوّل :

في العبادات

وفيه كتب :

كتاب الطهارة

٣٣
٣٤

وهي استعمال الماء أو التراب على وجه يبيح الصلاة ، ومباحثها ثلاثة :

[ البحث ] الأوّل : فيما تفعل به

وهو الماء والتراب ، فالماء إن استحقّ إطلاق الاسم وكذب سلبه ، فمطلق ، وإلّا فمضاف.

أمّا المطلق ففيه فصول :

[ الفصل ] الأوّل

في حقيقته

خلق الماء طهورا ، يرفع الحدث ويزيل الخبث ، فإن مازجه طاهر وغيّر أحد أوصافه ، فإن صدق الاسم فحكمه باق ، وإلّا زالت طهوريّته.

وإن مازجته نجاسة صار أقساما :

الأوّل : الجاري ، ولا ينجس بالملاقاة إذا كان له مادّة ، من عين ، أو نهر وإن قلّت ، ولا ينجس بمروره على النجاسة ، وينجس بالتغيير الحقيقيّ لا التقديري ، كما لو وافقته النجاسة في الصفات ، ويختص المتغير منه بالنّجس (١) إلّا أن

__________________

(١) في « ب » : بالتنجيس.

٣٥

ينقص التحت عن الكر ، ويستوعب التغيير العرضي ، فينجس المتغيّر وما تحته.

وما لا مادّة له ، كالواقف ، وماء الغيث حال نزوله كالجاري ، فإن انقطع فكالواقف ، ومثله ماء الحمّام إذا كان له مادّة من كرّ ، وكذا غير الحمّام إن شرطنا في المادّة الكرّية وإلّا فلا.

الثاني : الواقف ، فالكثير منه ـ وهو ألف ومائتا رطل بالعراقيّ ، وهو أحد وتسعون مثقالا ، أو ثلاثة أشبار ونصف ، طولا وعرضا وعمقا من مستوي الخلقة ـ لا ينجس بالملاقاة بل بالتغيير الحقيقي.

ولا فرق بين الغدير والمحصور في آنية أو حوض.

ويشترط ميعانه وتحقّقه ، فلو شكّ (١) في الكريّة نجس بالملاقاة لا بالشكّ في وقوع النجاسة.

ولو اغترف من الكرّ وفيه نجاسة ، فإن تميّزت فالمأخوذ (٢) طاهر وإلّا فالجميع. ولو تغيّر بعضه اختص بالتنجيس إن بلغ الباقي كرّا ، وإلّا فالجميع.

ولو تغيّر بطول اللبث ، أو بوقوع منتن (٣) طاهر ، أو شكّ ، في استناد التغيّر إلى النجاسة لم ينجس.

والقليل ينجس بالملاقاة وإن كان دما قليلا ، إلّا ماء الاستنجاء.

الثالث : ماء البئر ينجس بالتغيير إجماعا ، ولو تغيّر بمتنجّس كالجلد ، نزح منزوح نجاسته وإن بقيت الرائحة ، وفي نجاسته بالملاقاة توقّف ، ( ووجوب النزح واضح ، وفي إلحاق السماوية توقّف ). (٤)

وماء العين المحبوس كالبئر وغيره كالجاري.

__________________

(١) في « ب » : ولو شك.

(٢) كذا في « ب » ولكن في « أ » : فالمأخوذ منه.

(٣) في « ب » : نتن.

(٤) ما بين القوسين يوجد في « ب ».

٣٦

الفصل الثاني :

في تطهيره

يطهر المتغيّر من الجاري بتدافعه والزائد على الكرّ بتموّجه حتّى يزول التغيّر.

و [ يطهر ] الكرّ بإلقاء كرّ دفعة (١) فكرّ حتّى يزول تغيّره ، لا بزواله من نفسه ، ولا بتصفيق الرّياح ولا بوقوع أجسام طاهرة ، فيطهر حينئذ بإلقاء كرّ دفعة وإن لم يزل به التغيّر (٢) لو لا ذلك.

والقليل المتغيّر كالكثير وغيره بإلقاء كرّ دفعة ، أو باتّصال الغيث أو الجاري أو الكريّة ، ويشترط الشياع إن ورد عليه ، وإلّا فلا ، ولا يطهر بإتمامه كرّا ، ولا بالنّبع من تحته.

وماء البئر بزوال التّغير. (٣)

وينزح الجميع لموت البعير ، ووقوع الخمر والمسكر والفقّاع والمنيّ وأحد الدّماء الثلاثة وغير المنصوص ، فإن غلب تراوح أربعة رجال (٤) يوما.

ونزح كرّ لموت الحمار أو البغل أو الدابّة أو البقرة أو الثور.

وسبعين دلوا لموت الإنسان ، وخمسين للعذرة الرطبة أو الذّائبة ، والدم الكثير كذبح الشاة فصاعدا.

__________________

(١) أي إذا زال وإلّا فكرّ آخر. لاحظ القواعد : ١ / ١٨٦ ؛ الدروس : ١ / ١١٨.

(٢) في « أ » : التغيير.

(٣) في القواعد مكان العبارة : « وماء البئر بالنزح حتّى يزول التغيّر ». قواعد الأحكام : ١ / ١٨٧.

(٤) في « ب » : أربع أربع رجال.

٣٧

وأربعين للسنّور أو الشاة أو الكلب أو الخنزير أو الثعلب أو الأرنب ولبول الرّجل.

وثلاثين لماء المطر المخالط للبول والعذرة وخرء الكلاب (١) فإن تغيّرت الصّورة فلذي الحكم حكمه ، ولخرء الكلب ثلاثون دلوا ، لأنّها له مع غيره فلا يحتمل الأكثر ، والأقلّ غير معلوم.

ويمكن أن ينزح ذلك لبول المرأة ، لإطلاق لفظ البول.

وعشرة للعذرة اليابسة وللدم القليل كذبح الطير فما دون ، وما بين الدّمين كثير.

وسبع لموت الطّير والفأرة المنتفخة أو المنفسخة ولبول الصّبي ، واغتسال الجنب ، وخروج الكلب حيّا وفي إلحاق الخنزير به احتمال قويّ.

وخمس لذرق الدّجاج الجلّال. وثلاث لموت الفأرة والحيّة والوزغة. ودلو للعصفور وشبهه ، ولبول الرضيع قبل اغتذائه بالطّعام.

فروع

الأوّل : حكم المتنجس بأحدها حكمه ، فلو صبّ الدلو الأخير فيها أعاد النزح.

الثاني : يستوي الكلّ والجزء والصّغير والكبير والذّكر والأنثى.

الثالث : يراعى الاسم ، فيتساوى الرّجل والمرأة في العذرة دون البول.

__________________

(١) في « ب » : وخرء الكلب.

٣٨

الرابع : لو تضاعفت النجاسة تداخلت مع التماثل ، وعدمه وينزح الأكثر. (١)

الخامس : يجب تطهير الدّلو إذا خرجت فيه النجاسة قبل النزح.

السادس : [ لو ] تعدد الدلاء [ فالاعتبار ] بالدلو المعتاد ، ولا يعتبر التعدّد في إزالة التغير ، ولو لم يمتل الدلو وجب المائح (٢) وإن تعذّر جاز التلفيق ، وعفي عن الساقط من الدّلو.

السابع : لا تجب النّية في النزح.

الثامن : لا ينزح إلّا بعد إخراج النجاسة أو استحالتها ، ولو انمعطّ الشعر (٣) كفى عليه بخروجه. (٤)

التاسع : لو غار الماء سقط النزح.

العاشر : يتولّى النزح كلّ أحد حتّى الكافر إن لم يباشر.

الحادي عشر : إذا قلنا ؛ لا ينجس الماء بالملاقاة ويجب النزح ، لم تجز الطهارة به قبله ، نعم يطهر به الثوب.

الثاني عشر : لو تغيّرت بما يوجب نزح الجميع أجزأ زوال التغيّر (٥) ولو كان بالبعض.

__________________

(١) في « ب » : وينزح للأكثر.

(٢) في المعجم الوسيط : ماح ميحا : نزل إلى قرار البئر يملأ الدلو لقلّة مائها ، فهو مائح.

(٣) في المعجم الوسيط : امتعط وامّعط الشّعر : تساقط.

(٤) كذا في « ب » ولكن في « أ » : « ولو أحطّ الشّعر كفى عليه كظن بخروجه » وهو لا يخلو عن غموض.

(٥) في « أ » : التغيير.

٣٩

لو وقع فيها ميتة ما يجب النزح لموته ، نزح مقدّره ، ويحتمل الجميع.

الثالث عشر : لا يشترط توالي النزح.

الرابع عشر : إذا أكمل (١) النزح طهر الماء والجدران والحبال والدلو والنازح.

وقد تطهر بالجاري أو الكثير إذا شاع ، لا بإتمامها كرّا ولا بزوال تغيّرها من نفسها ، ولا بوقوع أجسام طاهرة ، فيجب نزح الجميع وإن كفى بعضه في الإزالة.

ويستحبّ تباعد البئر عن البالوعة بـ [ قدر ] خمس أذرع في الصلبة ، أو كانت البئر فوقها ، وإلّا فسبع ، ولا ينجس بالتقارب بل بوصول ماء البالوعة إليها مع التغيّر ، وإلّا فالتوقّف.

الفصل الثالث :

في المستعمل والأسآر وفضلة الوضوء والغسل

والمستعمل منها طاهر مطهّر ، وكذا ماء الاستنجاء إلّا أن يتغيّر بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة خارجة ، وغيره تابع للمحلّ قبل غسله ، وغسالة الحمام المجهول نجسة.

وسؤر الكلب والخنزير والكافر نجس ، وفي حكمه الخوارج والغلاة والنواصب.

ويكره سؤر الحمير والبغال والمسوخ وآكل الجيف مع خلو الفم منها ،

__________________

(١) في « ب » : كمل.

٤٠