معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي

معالم الدين في فقه آل ياسين - ج ١

المؤلف:

شمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلّي


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-049-5
الصفحات: ٦٢٤
الجزء ١ الجزء ٢

الثانية : الحوالة استيفاء لا اعتياض (١) فلو أحال المشتري البائع بالثمن ثمّ ردّ المبيع بعيب سابق بطلت الحوالة ، لترتّبها على البيع ، فإن لم يقبضه البائع فلا يقبضه ، وإن قبضه وقع عن المشتري على الأقوى ، وبرئ المحال عليه ، ورجع المشتري على البائع بعين ما قبضه ، فإن تلف رجع ببدله.

وعلى أنّها اعتياض لم تبطل الحوالة ، وللبائع القبض ، وإن كان قبض رجع عليه المشتري ، ولا يتعيّن عليه المقبوض ، والأقرب أنّ له الرجوع قبل القبض.

ولو أحال البائع أجنبيّا على المشتري ثمّ تجدّد الفسخ لم تبطل الحوالة ، ولو بطل البيع من أصله بطلت في الموضعين ، فيتخيّر المشتري في الرجوع على البائع أو المحتال.

الثالثة : لو أحال البائع على المشتري بثمن العبد ، فادّعى العبد الحريّة ، فإن أقام بيّنة أو صدّقه الثلاثة ثبتت الحريّة وبطلت الحوالة ، ويرجع المشتري على المحتال بما أدّاه ، ويبقى حقّه على البائع ، ولو صدّقه المحيل والمحال عليه فإن أقام العبد بيّنة أو قامت بيّنة الحسبة فكذلك ، ولو أقاما البيّنة لم تسمع ، لأنّهما كذّباها (٢) بالبيع ، ولو أمكن الجمع سمعت كادّعاء البائع عتق وكيله وادّعاء المشتري جهل العتق.

ولو صدّقهما المحتال وادّعى الحوالة بغير الثمن ، فالقول قوله مع اليمين ، وتقبل بيّنته ، لعدم التكذيب.

__________________

(١) في الحوالة احتمالات ثلاثة : ١ ـ استيفاء. ٢ ـ بيع. ٣ ـ اعتياض ، لاحظ في الوقوف على مفاهيمها جامع المقاصد : ٥ / ٣٦٥ ـ ٣٦٦.

(٢) كذا في « أ » ولكن في « ب » و « ج » : كذّباهما.

٤٤١

ولو صدّقه المحيل والمحتال ثبتت (١) وبطلت الحوالة ، وليس لهما مطالبة المحال عليه بشي‌ء.

ولو صدّقه المحتال والمحال عليه ثبتت وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ، وليس للمحتال الرجوع على المحيل.

الرابعة : إذا أحاله ثمّ ادّعى قصد الوكالة وأنكر المحتال ، قدّم قول المحيل قبل القبض قطعا وبعده على الأقوى ، ولو انعكس الفرض قدّم قول المحتال.

ولو قال : احلتني فقال : بل وكّلتك ، قدّم قول مدّعي الوكالة باليمين ، ثمّ إن كان قبضه لم يملكه ، ولو لم يقبضه منع منه ، لإنكاره الوكالة ، ويطالب غريمه بدينه.

ولو انعكس الفرض قدّم قول منكر الحوالة باليمين ، وليس له القبض لانعزاله بإنكار المالك الوكالة ، ويطالبه بدينه ، ولو قبضه ملكه.

المقصد الثالث

في الكفالة

وفيه مباحث :

الأوّل : الكفالة التزام بإحضار الغريم عند المطالبة به ، وصورة العقد أن يقول الكفيل : أنا كفيل فلان ، فيقبل المكفول له ، ويجوز أن يعبّر عن الجملة بنفسه ووجهه وبدنه ، لا برأسه وكبده وقلبه ، وإن لم يمكن الحياة بدونه على الأقوى ، وكذا ما يمكن الحياة بدونه : كيده ورجله ، أو بجزء مشاع : كثلثه.

__________________

(١) في « أ » : ثبت.

٤٤٢

ويشترط التلفّظ بما يدلّ على الوقوع ، فلو قال : أنا أكفله أو أحضره لم ينعقد ، والتنجيز فلو قال : إذا قدم الحاجّ فأنا كفيل به لم يصحّ.

ولو قال : إن لم أحضره كان عليّ كذا ، فهو كفالة.

ولو قال : عليّ كذا إلى كذا إن لم أحضره ، فهو كالضمان إلّا أن يموت الكافل قبل الحلول فيبطل ، ولا يجب في تركته شي‌ء ، وفي الضّمان يحلّ المال بموته ، ويجب في تركته ، لأنّ الضمان ناقل.

والكفالة تقتضي إحضار المكفول خاصّة ووجوب المال لتعذّر الإحضار ، ولا بدّ من رضا الكفيل والمكفول له ، لا رضا المكفول بل تعيينه ، فلو كفل أحدهما أو قال : زيدا أو عمرا لم تصحّ.

وتصحّ حالّة ومؤجّلة ، ويشترط ضبط الأجل ، وينصرف الإطلاق إلى التعجيل والتسليم في بلد العقد ، ولو عيّن غيره تعيّن.

ولا يدخل فيها الخيار ، وفي الفساد به توقّف.

ويصحّ توقيتها فيقول : أنا كفيل بفلان شهرا ، فتحلّ بخروجه.

المبحث الثاني : في المكفول

وهو من يجب إحضاره مجلس الحكم ، سواء كان بالغا أو صبيا ، عاقلا أو مجنونا وتصحّ كفالة بدن الميّت ليشهد على صورته ، والآبق والمكاتب ووجوب الإحضار إمّا بدين لازم أو حقّ تصحّ المطالبة به : كحقّ الزوجية والعقوبة والقصاص ودعوى الكفالة.

ولا تصحّ الكفالة على حد الله ، ولا كفالة من في يده مال مضمون :

٤٤٣

كالغاصب على توقّف ، أو أمانة كالوديعة ، ولا يشترط الثبوت بل استحقاق الحضور ، فلو ادّعى ولم يقم بيّنة جازت الكفالة وإن أنكر الغريم.

المبحث الثالث : في الحكم

إذا تمّت الكفالة وجب تسليم المكفول عند المطالبة به إن كانت مطلقة أو معجّلة أو عند الحلول ، ولو كان غائبا أنظر بقدر ذهابه وعوده ، وينظر في المؤجّلة بعد حلولها بقدر ذلك ، ولو امتنع من التسليم حبس حتّى يحضره أو يؤدّي ما عليه ، ويرجع على المكفول بما أدّاه ، سواء كفل بإذنه أو لا ، ويرجع على المكفول له إذا بان موت المكفول قبل الأداء.

ويجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن كفله بإذنه ، وإلّا فإن طلب منه وجب الحضور ، وإلّا فلا.

ويبرأ بالتسليم التامّ في بلد الكفالة ، أو في المشترط ، وإن كره المكفول له ، وبموت المكفول إن لم يشهد على عينه ، (١) وبالغيبة المنقطعة على توقّف ، وبتسليمه نفسه ، وبانتقال الحقّ عن المستحقّ ، وبإبراء المكفول له أحدهما ، ولا يبرأ بالتسليم في حبس الظالم ، بخلاف الحاكم.

وينتقل حقّ الكفالة إلى الوارث.

ومن أطلق غريما من صاحب الحقّ قهرا لزمه إحضاره أو أداء ما عليه ، ولو كان قتلا لزمه الإحضار والدية ، ولا يسقط القتل بدفعها ، فلو حضر الغريم ردّ الوارث ما أخذه ، وله القتل.

__________________

(١) قال في القواعد : ٢ / ١٦٨ : ويخرج الكفيل عن العهدة بتسليمه .... وبموت المكفول في غير الشهادة على عينه ، أو فيها بعد الدفن إن حرّمنا النبش لأخذ المال.

٤٤٤

ولو ادّعى الكفيل براءة المكفول قدّم قول المكفول له ، فإن أدّى عنه لتعذّر إحضاره لم يرجع عليه.

ولو ادّعى أنّه أبرأ المكفول ، قدّم قوله أيضا ، فإن ردّ اليمين عليه فحلف برئ من الكفالة دون المكفول.

ويصحّ ترامي الكفالة ، (١) ويلزم كلّ أجير إحضار من قبله ، وهكذا حتّى ينتهي إلى المديون ، فإن مات المديون أو أبرأه صاحب الحقّ برئوا جميعا ، ولو مات أحدهم برئ كفيله دون مكفوله.

ويصحّ أن يكفل كلّ من الكفيلين بدن صاحبه ، فإذا مات المديون أو أبرئ برئا معا ، وإن مات أحدهما لم يبرأ الآخر.

ولو كفل اثنان رجلا فسلّمه أحدهما برئ الآخر ، ولو كفله لاثنين فسلّمه إلى أحدهما لم يبرأ من الآخر.

__________________

(١) أي لو كفل الكفيل كفيل ، ثمّ كفل هذا الكفيل كفيل ، وهكذا. لاحظ جامع المقاصد : ٥ / ٣٩٧.

٤٤٥

المطلب الرابع : في المفلّس

وهو من لا يفي ماله بديونه ، ويحسب منه معوّضات الديون ، ولا يتحقّق الحجر بالفلس إلّا بشروط : ثبوت ديونه عند الحاكم ، وحلولها ، وقصور أمواله عنها ، وسؤال الغرماء الحجر ، فلو سأله الغرماء قبل ثبوت ديونهم لم يجابوا ، وكذا لو كانت مؤجّلة ، وإن كان بعضها حالّا ، فإن وفت أمواله به فلا حجر وإن قصرت عن المؤجّلة ، ولو قصرت عن الحالّة حجر عليه ، وقسمت فيها خاصّة ، ثمّ لا يشارك صاحب المؤجّلة إلّا أن تحلّ قبل القسمة ، ولا تحلّ بالحجر بل بالموت ، ولا يدام الحجر لأجلها.

ولو سأل بعض أرباب الحالّة الحجر فإن قصر ماله عنها صحّ ، وعمّ الجميع ، وإلّا فلا.

ولو وفت أمواله بديونه وله كسب ينفق منه ، لم يحجر عليه ، بل يؤمر بالقضاء ، فإن امتنع حبسه الحاكم ليؤدّي أو باع عليه.

ولو تبرّع الحاكم بالحجر ، لظهور فلسه أو لسؤال المديون لم ينفذ ، نعم له الحجر لدين اليتيم والمجنون لا الغائب.

ويحجر على من لا مال له في المتجدّدات كالإرث والاحتطاب وشبهه.

٤٤٦

ويستحبّ إظهار الحجر لئلّا يستضرّ الناس.

وإذا تمّ الحجر تعلّق حقّ الغرماء بجميع ماله حتّى عوض الجناية في الخطأ وفي العمد مع التراضي ، فلا يجب عليه قبول الدية.

ويلحق به أحكام :

الأوّل : منعه من التصرّف المبتدأ في المال الموجود وقت الحجر بعوض : كالبيع والإجارة ، أولا : كالهبة والوقف والعتق ، سواء كان العوض مساويا أو لا ، ويقع التصرّف باطلا لا موقوفا.

أمّا ما لا يصادف المال : كالنكاح ، والخلع ، والقصاص ، والعفو عنه ، أو يصادف المال بالتحصيل : كالاحتطاب ، وقبول الوصية ، أو يصادفه بعد الموت : كالتدبير والوصية ، فإنّه ماض.

ويمضى تصرّفه فيما يتعلّق بالذّمّة ، فلو اشترى فيها ، أو باع سلما ، أو اقترض ، صبر معامله إن كان عالما بالحجر ، وإلّا اختصّ بعين ماله ، فإن تعذّر ضرب مع الغرماء.

ولا يمنع من الردّ بالعيب مع الغبطة ، ولا من الفسخ بالخيار أو الإمضاء وإن لم يكن غبطة ، ولا من وطء مستولدته ، ويمنع من وطء أمته ، فإن أحبلها صارت مستولدة ، ويقدّم حقّ الغرماء مع القصور.

ويمنع من قبض بعض حقّه ، ولو وهب قبل الفلس بشرط الثواب لم يكن له إسقاطه.

ولو أقرّ بدين مطلقا لم يشارك المقرّ له الغرماء ، ولو أسنده إلى ما قبل الحجر شاركهم ، ولو أسنده إلى ما بعده فإن كان عن إتلاف مال أو جناية

٤٤٧

فكذلك ، وإن كان عن معاملة لزمه وصبر صاحبه إلى بعد الحجر.

ولو أقرّ بعين دفعت إلى المقرّ له على توقّف ، فإن كذّبه قسّمت ، وكذا التوقّف لو صدّق المشتري في شراء هذه العين منه قبل الحجر.

ولو أقرّ بمال مضاربة لغائب حلف وأقرّ في يده ، ولو قال لحاضر فإن صدّقه دفع إليه ، وإن كذّبه قسّم.

وتجب مؤاجرة دابّته وداره ومملوكه وإن كانت أمّ ولده.

الثاني : اختصاص الغريم بعين ماله ، فمن وجد عين ماله كان أحقّ بها ، مع الوفاء وعدمه وإن لم يكن سواها ، ويشترط في الميّت الوفاء ، والخيار على الفور ويعذر جاهله ، ولو وجد البعض أخذه بحصّته من الثمن ، وضرب بالباقي.

ثمّ البحث في الشروط والأحكام

أمّا الشروط فأربعة :

الأوّل : انتقال العين بمعاوضة محضة ، فلا يثبت في النكاح والخلع والعفو [ عن القصاص (١) ] على مال لو فلس الزوج بالمهر والزّوجة بالفدية والجاني بالمال ، ويثبت في البيع والسلم والإجارة ، فلو أفلس المسلم إليه ففسخ المسلم رجع إلى رأس ماله ، فإن تلف ضرب به.

ولو أفلس المستأجر ففسخ المؤجر ، رجع بالعين المستأجرة ، ولو قدّم بالأجرة لم يجب عليه القبول ، فإن ضرب آجرها الحاكم ودفع الأجرة إلى الغرماء.

__________________

(١) وما يليه من فلس الزوج والزوجة والجاني من قبيل النشر واللّف المرتّب على ما تقدّم عليهما من النكاح والخلع والعفو.

٤٤٨

ولو أفلس مستأجر الأرض بعد زرعها ففسخ المؤجر ، ترك الزرع بأجرة مقدّمة على الغرماء.

ولو أفلس مشتري الأرض بعد زرعها ففسخ البائع ، ترك الزّرع بغير أجرة.

والفرق انّ المعاوضة في الأولى على المنفعة ولم يمكن من استيفائها وفي الثانية على العين وقد أخذها.

ولو أفلس المؤجر فإن كانت الإجارة على عين ، قدّم المستأجر بالمنفعة ، وإن كانت في الذمة رجع إلى الأجرة مع بقائها ، وإلّا ضرب بقيمة المنفعة.

ولو أفلس ثمّ انهدم المسكن ففسخ المستأجر ، رجع بالأجرة مع بقائها ، وإلّا ضرب بها.

الثاني : سبق المعاوضة على الحجر ، فلو باعه بعده لم يكن له الرجوع ، ولا الضرب إن كان عالما ، بل ينظره إلى الميسرة.

الثالث : بقاء العين في ملكه ، فلو تلفت أو أعتق أو كاتب أو أرهن فلا رجوع ، وكذا لو انتقلت عنه وإن عادت بغير عوض كالهبة ، امّا لو ارتجعه بخيار أو إقالة أو ردّ بالعيب فله الرجوع.

ولا يشترط عدم زيادة القيمة عن الثمن لعموم النصّ.

الرابع : حلول الثمن ، فلو كان مؤجّلا لم يكن له الرجوع وإن حلّ قبل فكّ الحجر ، ولا يوقف السلعة حتّى يحلّ ، ولا يحلّ بالفلس.

٤٤٩

وأمّا الأحكام :

فمتى زادت العين زيادة متّصلة كالنموّ والسّمن فله أخذها (١) مجّانا ، وكذا تعلّم الصنعة ، وإن كانت منفصلة : كالولد والثمرة أخذ الأصل خاصّة بكلّ الثمن وإن كان الولد جنينا والثمرة غير مؤبّرة ، وعليه إبقاؤها إلى الجذاذ.

ولو استولد الأمة فله أخذها وبيعها.

ولو كانت الزيادة صفة محضة : كطحن الحب وقصارة الثوب ، فإن لم تزد بها القيمة رجع مجّانا ولا شركة ، وإن زادت تشاركا ، فلو كانت قيمة الثوب عشرة ومقصورا خمسة عشرة ، وأجرة القصر درهم ، فإن ألحقنا الصفة بالأعيان قدّم البائع بعشرة والمؤجر بدرهم والغرماء بأربعة ، وإن لم يلحقها فللغرماء خمسة ، ويضرب المؤجر بالدرهم ، وكذا لو باعه غزلا فنسجه.

وإن كانت الزيادة عينا من وجه وصفة من وجه كالصبغ ، فإن لم تزد القيمة فلا شركة ، وإن زادت بمثل قيمة الصبغ ـ بأن كان قيمة الثوب أربعة والصبغ دينارين ، ومصبوغا ستّة ـ فللمفلّس ثلث الثمن ، وإن زادت بأكثر من قيمته فعلى إلحاق الصّفة بالأعيان الزيادة للمفلّس ، وإلّا بسطت على قيمة الثوب والصّبغ ، فلو ساوى ثمانية قسّم الثمن أثلاثا ، وإن نقصت قيمته كما لو ساوى خمسة فالنقصان على المفلّس.

ولو مزجت العين بأخرى ولم تتميّز كالزيت ، فإن كانت بمثله أو أردى رجع وإلّا ضرب.

__________________

(١) في « ب » و « ج » : أخذهما.

٤٥٠

ولو غرس الأرض أو بنى ثمّ فلس بثمن الأرض ، فللبائع الرجوع لإزالة الغرس أو البناء وإن بذل الأرش بل يباعان وله ما قابل الأرض ، ولو امتنع جاز بيع الغرس أو البناء منفردا.

ولو أفلس بثمن الغرس فلبائعه الرجوع وإزالته ، وعليه تسوية الحفر.

ولو أفلس بثمن الجميع فلكلّ الرجوع ، فإن قلع صاحب الأرض كان عليه الأرش ، وإن قلع صاحب الغرس كان عليه طمّ الحفر.

ومتى عاب من قبله تعالى أو من قبل المفلّس أخذه بغير أرش أو ضرب بالثمن ، وإن عاب بجناية أجنبيّ أخذه وضرب بالأرش وإن كان بقدر الثمن ، كما أنّ له أخذه صحيحا وقيمته ضعف الثمن.

هذا إذا لم يكن للتالف قسط من الثمن كيد العبد ، وإن كان له قسط كعبد من عبدين فله أخذ الباقي بحصّته من الثمن ويضرب بثمن التالف.

ولو كان بتغيّر الحقيقة كصيرورة الحبّ زرعا والبيضة فرخا لم يكن له الرجوع ، بخلاف ما لو باعه ثمرة لم تبلغ ثمّ بلغت.

وليس للمحرم الرجوع في الصيد ، والرجوع فسخ فلا يشترط معرفة المبيع ، ولا القدرة على تسليمه ، ولو غاب ومضى عليه مدّة يتغيّر فيها صحّ الرجوع ، وله الخيار مع التغير ، (١) فلو رجع في الآبق ، صحّ وإن لم يقدر عليه ، وتلفه بعد الرجوع منه لا قبله ، فيضرب بالثمن.

الثالث : (٢) في بيع ماله وقسمته ، ويتولّاهما الحاكم ، فينبغي له أن يحضر

__________________

(١) في « أ » : التغيير.

(٢) مضى حكم القسم الثاني بقوله : « الثاني اختصاص الغريم بعين ماله » في ص ٤٤٨.

٤٥١

كلّ متاع في سوقه ، وإحضار الغرماء والمفلّس ، ويبدأ بما يخشى تلفه ، ثمّ بالمرهون والجاني.

ويعيّن الحاكم مناديا مع عدم الاتّفاق ، ويبيع حالّا بثمن المثل بنقد البلد ، فإن خالف حقّ الغرماء دفع إليه بالقيمة ، ولا يسلّم المبيع قبل قبض الثمن ، فإن تعاسرا تقابضا معا.

ولا تباع دار سكناه ولا خادمه وفرسه ، إلّا ما يفضل عن حاجته ، ولا أمّ ولده ، ولو طلب ما بيع (١) بزيادة لم ينفسخ العقد ، ولا يجب على المشتري فسخه بل يستحبّ.

ولو خرج المبيع مستحقّا ، فإن كان الثمن باقيا أخذه صاحبه ، وإلّا قدّم به.

وأجرة الدلّال والوزّان والكيّال والحمّال والمسكن على المفلّس ، وينفق عليه وعلى عياله نفقة مثله إلى يوم القسمة ، ونفقة يومها ، ويقدّم كفنه الواجب ، فإذا بيعت أعواضه فإن اقتضت المصلحة تأخير القسمة ، جعل المال في ذمّة مليّ ثقة ، فإن تعذّر أودع من الثقة ، وإلّا قسّم بين ذوي الديون الحالّة ، ولا يكلّفون الحجّة على عدم غيرهم ، بل تكفي إشاعة حاله بحيث لو كان لظهر.

ولو ظهر غريم نقضت القسمة ، وشارك في النماء المتجدّد ، ولا يشارك من حلّ دينه عند النقض.

ولو تلف المال بعد النقض لم يحسب على الغرماء على توقّف.

ويزول الحجر بالقسمة ، ويجب إطلاقه ، ولو بقى عليه شي‌ء لم تجب مؤاجرته ، وتؤجر أمّ ولده والموقوف عليه.

__________________

(١) في « أ » : ما يبيع.

٤٥٢

الرابع : في حبسه ، كلّ من عليه دين يجب قضاؤه ، فإن عرف له مال ظاهر ألزم التسليم ، فإن امتنع حبسه الحاكم ، أو باع عليه ووفّى عنه ، وإن ثبت فقره إمّا بالبيّنة أو بإقرار الغرماء خلّى سبيله.

وإذا ادّعى الإعسار وكذّبه الغريم ، فإن أقام بيّنة عمل بها ، وإلّا فإن عرف له أصل مال حبس حتّى يثبت إعساره ، سواء كان أصل الدعوى مالا أو لا ، وإن لم يعرف له أصل مال فإن كان أصل الدعوى مالا حبس حتّى يثبت الإعسار ، وإلّا قدّم قوله مع اليمين.

ولا تقبل (١) بيّنة الإعسار إلّا مع المعرفة الباطنة ، وللغريم إحلافه ، ولو شهدت بالتلف قبلت وإن لم تخبره ، (٢) وليس له إحلافه.

__________________

(١) في « أ » : ولا يثبت.

(٢) أي لم تخبر بالإعسار ، فالعبارة ناظرة إلى ردّ كلام القائل بالإحلاف كالعلّامة في التذكرة وغيره.

لاحظ تذكرة الفقهاء : ٢ / ٥٩ من الطبعة الحجريّة.

٤٥٣
٤٥٤

كتاب الحجر

٤٥٥
٤٥٦

وهو المنع من التصرّف في المال ، وأسبابه ستّة :

الأوّل : الصّغر

ويحجر على الصّغير إلّا في إيصال الهديّة وفتح الباب للداخل.

ويزول الحجر بوصفين :

الأوّل : البلوغ ، ويحصل بنبت الشّعر الخشن على العانة ، لا بالزّغب (١) وبخروج المنيّ من المعتاد ، أو ببلوغ خمسة عشر سنة في الذكر وتسع في الأنثى ، والحيض دليل على سبقه وكذا الحمل ، ويعلم بالوضع فيحكم بالبلوغ قبله بستّة أشهر ولحظة.

ويحكم ببلوغ الخنثى المشكل إذا أمنى من الفرجين ، أو حاض من فرج الأنثى وأمنى من فرج الذكر.

ولو ادّعى البلوغ بالإمناء في وقت ممكن صدّق بغير يمين ، ولو ادّعاه بالسّن لم يصدّق إلّا بالبيّنة.

الثاني : الرشد ولا يزول الحجر بدونه وإن طعن في السّن ، (٢) وهو إصلاح

__________________

(١) الزّغب محرّكة : صغار الشعر ولينه حين يبدو من الصبيّ. مجمع البحرين.

(٢) ومعنى قوله : « وإن طعن في السنّ » : ذهابه فيه على نحو قولهم : طعن في المفاوزة : أي ذهب فيها ، والمراد : أنّه لو صار شيخا وهذه حالته فحجره باق. جامع المقاصد : ٥ / ١٨٦.

٤٥٧

المال ، ولا يشترط العدالة إلّا أن يستلزم عدمها التبذير : كصرف ماله في الخمر ، ويعلم باختياره بما يلائمه من التصرّفات ، وقوّته على المكايسة وتحفّظه من الانخداع في المعاملات ، والاعتناء بما يناسبه من الحركات : كالصنعة والاستغزال.

ويثبت بشهادة الرجال في الرجال والنساء في النساء ، والعقد المختبر به صحيح.

ولا يصحّ بيعه وشراؤه بدونهما وإن أذن الوليّ ولا تصرّفه مطلقا (١) على الأقوى.

فصل

وليّ الطفل أبوه أو جدّه له وإن علا ، وإن وجدا اشتركا ، ولو فقدا فالوصيّ ، ولو فقد فالحاكم ، وليس للأمّ وباقي الأقارب ولاية.

ولا يتصرف الوليّ إلّا بالغبطة ، فلا يصحّ إسقاط ما في ذمّة الغير ، ولا الطلاق عنه وإن كان بعوض ، ولا العفو عن القصاص مجّانا بل على مال ، ولا إسقاط الشفعة إلّا لمصلحة ولا يبيع عقاره لغير حاجة ، ولا إقراض ماله إلّا مع إرادة السّفر ، أو خوف تلفه بنهب أو غرق ، أو بسبب بقائه إذا لم يمكن بيعه ، فيجب الرهن إن أمكن.

ويصحّ عتق الكبير العاجز ، واستيفاء القصاص ، ورهن ماله للحاجة عند

__________________

(١) من غير فرق بين البيع والشراء.

٤٥٨

الثقة ، والمضاربة بماله ، وإبضاعه (١) ، وبناء عقاره ، وكتابة رقيقه مع الغبطة ، وجعله في المكتب بأجرة ، أو في صنعة تليق به.

ويجب حفظ ماله ، ويستحبّ استنماؤه ، ويجوز الاستئجار ، والاستنابة في ذلك ، وكذا للوصيّ ، وله أن ينفق عليه منفردا ، وأن يخلطه مع عياله ، فينبغي أن يحسب عليه مثل أقلّهم.

ويقبل قوله في الإنفاق عليه وعلى ماله بالمعروف ، وفي التلف من غير تفريط أبا كان أو غيره ، وله أن يأخذ أجرة المثل ، ويستحبّ أن يستعفف مع الغنى أو مع تبرّع الأجنبيّ على توقّف.

الثاني : الجنون

وهو زوال العقل أو تشعّبه ، ويمنع المجنون من كلّ تصرّف حتّى يرشد.

وحكمه حكم الصبيّ فيما تقدّم ، وأنّ للوليّ أن يطلّق عنه ، وأن يزوّجه مع الحاجة ، وله أن يزوّج الصّبيّ مطلقا ، ولا ينفذ بيعه بإذن الوليّ إجماعا.

الثالث : السّفه

وهو ضعف في العقل يقتضي إضاعة المال ، والسفيه من يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة أو في الأغذية التي لا تليق به ، بخلاف صرفه في وجوه القرب.

ولا يثبت الحجر بظهوره بل بحكم الحاكم ، وينبغي له إظهار أمره ، ولا يزول إلّا بحكمه.

__________________

(١) قال في القواعد : ٢ / ١٣٦ : المراد من الإبضاع : دفع مال اليتيم إلى غيره والربح كلّه لليتيم.

٤٥٩

ومع الحجر لا تصحّ تصرّفاته الماليّة : كالبيع ، والشراء ، والهبة ، وإن ناسبت أفعال العقلاء ، ويرتجع الحاكم ما باعه ويردّ الثمن إن وجده وإلّا ضاع ، ويرتجع البائع ما اشتراه إن وجده ، وإلّا ضاع ، ولا يرجع عليه وإن فكّ حجره ، سواء علم بالحجر أو لا ، هذا إن قبض بإذنه ، وإلّا ضمن ، وكذا القرض وكلّ مال حصل في يده برضاء صاحبه.

ولو أودع أو أعير فأتلف أو تلف بتفريط لم يضمن على توقّف.

ولو أتلف مال غيره ، أو غصبه ضمنه ، وكذا حكم الصبيّ والمجنون.

ولا يصحّ إقراره بدين ، أو تلف مال ، أو جناية توجب المال ، ولا يلزم بعد الفك.

ولو أجاز الوليّ عقوده صحّت ، ولو تقدّم الإذن صحّت إن عيّن ، وإلّا فلا ، ولو اتّهب أو باع عن غيره جاز ، ويجوز تصرّفه في غير المال : كالطلاق ، واللعان ، والظهار ، والخلع ، لكن لا يسلّم إليه الفدية ، وطلب القصاص ، والعفو عنه ، لا عن الدية والأرش ، وإن عفا على مال لا يسلّم إليه ، والإقرار بالنسب ، وينفق على الملتحق من بيت المال.

ولو أقرّ بما يوجب قصاصا أو حدّا استوفي منه.

ولو أقرّ بالسرقة قبل في القطع لا في المال ، ويجوز تزويجه مع المصلحة ، ولو بادر ، وقف على إجازة الوليّ ؛ وشراء (١) أمة يطأها ، ولو استولدها عتقت بموته.

وهو في العبادة كغيره لكن لا يتولّى إخراج الزكاة والخمس ، ويمكّن من الحجّ الواجب وإن زادت نفقته على الحضر ، ومن المندوب إن لم تزد ،

__________________

(١) عطف على قوله : « تزويجه » أي يجوز شراء أمة لغاية الوطء.

٤٦٠