كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

فأمّا اعتقاده وفتواه وعمله ، ما ذكره في مسائل خلافه ، وهو إن قال : مسألة ، إذا أحال رجلا على رجل بالحقّ ، وقبل الحوالة ، وصحت ، تحول الحقّ من ذمّة المحيل ، إلى ذمة المحال عليه ، وبه قال جميع الفقهاء ، ثم قال : دليلنا ، انّ الحوالة مشتقة من التحويل ، فينبغي أن يعطي اللفظ حقّه من الاشتقاق والمعنى إذا حكم الشرع بصحّته فإذا أعطيناه حقّه ، وجب أن ينتقل الحق ، من المحيل إلى المحال عليه (١).

وقال بعض أصحابنا ، وأمّا الحوالة ، فعلى ضربين ، أحدهما أن يكون قد أخذ المحال بعضها ، والآخر أن يكون لم يأخذ ، فإن أخذ لم يجز له الرجوع ، وإن لم يأخذ فله الرجوع.

وهذا قول مرغوب عنه ، لأنّه لا دليل عليه ، ولما قد قدّمناه وحررناه.

باب الوكالة

الوكالة جائزة ، بغير خلاف بين الأمة ، فإذا ثبت جواز الوكالة ، فالكلام بعده ، في بيان ما يجوز التوكيل فيه ، وما لا يجوز.

أمّا الطهارة ، فلا يجوز التوكيل فيها ، وانّما يستعين بغيره ، في صبّ الماء عليه ، على كراهية فيه ، عند أصحابنا ، فأمّا غسل أعضائه ، فعندنا لا يجوز ذلك ، مع القدرة ، فأمّا مع العجز ، فإنّه يجوز ، وينوى عند هذه الحال هو بنفسه رفع الحدث ، وذلك ليس بتوكيل ، وانّما هو استعانة على فعل عبادة.

وأمّا الصلاة ، فلا يجوز التوكيل فيها ، ولا تدخلها النيابة ، سوى ركعتي الطواف ، تبعا للحج.

وأمّا الزكاة ، فيصح التوكيل في إخراجها عنه ، بغير خلاف ، وفي تسليمها إلى

__________________

(١) الخلاف : كتاب الحوالة ، المسألة ٤.

٨١

أهل السهمان (١) وقال بعض أصحابنا : ويجوز من أهل السهمان (٢) التوكيل في قبضها ، وقال ابن البراج من أصحابنا : لا يجوز ذلك ، وهو الذي يقوى في نفسي ، لأنّه لا دليل عليه ، فمن ادّعاه ، فقد أثبت حكما شرعيا ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دلالة له ، وأيضا فالذمّة مرتهنة بالزكاة ، ولا خلاف بين الأمة أنّ بتسليمها إلى مستحقها ، تبرأ الذمة بيقين ، وليس كذلك ، إذا سلمت إلى الوكيل ، لأنّ الوكيل ليس هو من الثمانية الأصناف ، بغير خلاف ، ولأنّ الزكاة والخمس ، لا يستحقها واحد بعينه ، ولا يملكها إلا بعد قبضه لها ، فيتعين له ملكها ، والوكيل لا يستحق إلا ما تعيّن ملكه للموكل ، واستحق المطالبة به ، وكلّ واحد من أهل الزكاة والخمس ، لا يستحق المطالبة بالمال ، لأنّ الإنسان مخيّر في وضعه فيه ، أو في غيره ، فلا يجبر على تسليمه إليه.

وأمّا الصيام فلا يصح التوكيل فيه ، ولا يدخله النيابة ، ما دام حيا ، فإذا مات وعليه صوم ، أطعم وعنه وليه ، أو صام عنه ، على ما حررناه في كتاب الصيام ، في الموضع الذي كان وجب عليه ، ففرّط فيه.

وأمّا الاعتكاف ، فلا يصحّ التوكيل فيه بحال ، لأنّه لا يدخله النيابة بوجه.

وأمّا الحجّ ، فلا يدخله النيابة مع القدرة عليه بنفسه ، فإذا عجز عنه بزمانه ، أو موت ، دخلته النيابة.

وأمّا البيع ، فيصح التوكيل فيه مطلقا ، في إيجابه وقبوله ، وتسليم المال فيه ، وتسلّمه.

وكذلك يصح التوكيل في عقد الرهن ، وفي قبضه.

وأمّا التفليس فلا يتصور فيه التوكيل.

وأمّا الحجر ، فللحاكم أن يحجر بنفسه ، وله أن يستنيب غيره في ذلك.

__________________

(١) ج : أهل السهام.

(٢) ج : أهل السهام.

٨٢

وأمّا الصلح فيصح التوكيل فيه ، وكذلك الحوالة ، وعقد الضمان ، وكذلك الشركة ، وكذلك في الوكالة ، ويصح أيضا في قبول الوكالة عنه.

والإقرار يصح التوكيل فيه ، إذا عيّن ما يقرّ به عنه.

وأمّا العارية فيصح التوكيل فيها ، لأنّها هبة منافع.

وأمّا الغصب فلا يصح التوكيل فيه.

وأمّا الشفعة فيصح التوكيل في المطالبة بها ، وكذلك يصح في القراض ، والمساقاة ، والإجارات ، وإحياء الموات ، وكذلك يصحّ التوكيل في العطايا ، والهبات ، والوقوف ، والصدقات.

ولا يصح التوكيل في الالتقاط ، فإذا وكل غيره في التقاط لقطة ، تعلّق الحكم بالملتقط ، لا بالآمر ، وكان الملتقط أحق بها.

والميراث لا يصح التوكيل فيه ، إلا في قبضه واستيفائه.

والوصايا يصح التوكيل في عقدها ، وقبولها.

وأمّا الوديعة فيصح التوكيل فيها أيضا.

وقسم ألفي ، فللإمام أن يتولى قسمته بنفسه ، وله إن يستنيب غيره فيه وكذلك قسمة الصدقات.

وامّا النكاح فيصح التوكيل فيه ، وكذلك التوكيل في الصدقات.

ويصح التوكيل في الخلع ، لأنّه عقد بعوض والأولى ان يقال انّه إيقاع بعوض.

ولا يصح التوكيل في القسم بين الزوجات ، لأنّه يدخله الوطء ولا تصح النيابة فيه.

وأمّا الطلاق فيصح التوكيل فيه ، فيطلق الوكيل مقدار ما أذن له ، إذا كان مأذونا له في المراجعة ، فعلى هذا يصح التوكيل في الرجعة.

والطلاق يصح التوكيل فيه كما قلناه ، سواء كان الموكل حاضرا ، أو غائبا ،

٨٣

بغير خلاف بين المسلمين ، إلا رواية (١) شاذة رويت من جهة أصحابنا ، لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنّه لا خلاف بينهم ، أنّه إذا خيف شقاق بينهما ، بعث الحاكم رجلا من أهل الزوج ، ورجلا من أهل المرأة ، يدبران الأمر في الإصلاح بينهما ، وليس لهما الفراق ، إلا أن يكون الزوج ، قد وكل فيه من بعثه ، فحينئذ يصح طلاقه ووكالته فيه ، مع حضور موكّله بغير خلاف.

وأمّا الظهار ، والإيلاء ، واللعان ، فلا يصح التوكيل فيها.

فأمّا عدد النساء فلا يدخلها النيابة ، فلا يصحّ التوكيل فيها.

والرضاع فلا يصح فيه التوكيل ، لأنّه يختص التحريم بالمرضع والمرضع (٢).

وأمّا النفقات ، فيصح التوكيل في صرفها إلى من يجب.

وأمّا الجنايات ، فلا يصح التوكيل فيها ، وكل من باشر الجناية ، تعلّق به حكمها.

وأمّا القصاص ، فيصح التوكيل في إثباته ، ويصح في استيفائه.

وأمّا الديات ، فيصح التوكيل في تسليمها ، وتسلمها.

وامّا القسامة ، فلا يصحّ التوكيل فيها ، لأنّها أيمان ، والأيمان لا يدخلها النيابة.

وأمّا الكفارات ، فيصح التوكيل في تسليمها.

وأمّا الحدود فللإمام أن يستنيب فيها من يقيمها ، ولا يصح التوكيل في تثبيتها ، لأنّها لا تسمع الدعوى فيها.

وأمّا حدّ القذف فحقّ الآدميين ، فحكمه حكم القصاص ، يصحّ التوكيل فيه.

وأمّا الأشربة ، فلا يصح التوكيل فيها ، وكلّ من شرب الخمر ، فعليه الحد ، دون غيره.

__________________

(١) الوسائل : كتاب الطلاق الباب ٣٩ من أبواب مقدماته وشرائطه ، ح ٥.

(٢) ل : التحريم بالمرتضع والمرضعة.

٨٤

وأمّا الجهاد ، فلا يصح النيابة فيه بحال ، لمن حضر القتال ، لأنّ كل من حضر الصف ، توجه فرض القتال عليه ، وكيلا كان أو موكلا ، وأمّا لمن لم يحضر الصف ، ولا يعين الإمام عليه في الخروج ، فإنّه يجوز له أن يستنيب ، ويستأجر من يجاهد عنه ، على ما رواه أصحابنا (١).

وأمّا الجزية ، والاحتطاب ، والاحتشاش ، والاصطياد ، فلا يدخل ذلك النيابة والتوكيل ، وامّا (٢) الذبح فيصح التوكيل فيه.

وأمّا الايمان ، والنذور ، فلا يصحّ التوكيل فيها.

وأمّا القضاء (٣) ، فيصح الاستنابة فيه.

وأمّا الشهادات ، فتصحّ الاستنابة فيها ، على وجه مخصوص ، وتكون شهادة على شهادة ، وذلك عندنا ليس بتوكيل.

وأمّا الدعوى فيوكّل الإنسان فيها ، لأنّ كل أحد لا يكمل للمخاصمة والمطالبة.

وأمّا العتق ، والتدبير ، والكتابة ، فيصح التوكيل في ذلك.

فإذا ثبت ذلك فجملة الأمر ، من يحصل في يده مال الغير ، ويتلف فيها ، على ثلاثة أضرب ، ضرب لا ضمان عليهم ، بلا خلاف ، وضرب عليهم الضمان ، وضرب فيه خلاف.

فالذين لا ضمان عليهم ، فهم الوكيل ، والمرتهن ، والمودع ، والشريك ، والمضارب ، والوصي ، والحاكم ، وأمينه ، والمستأجر ، والمستعير ، عندنا ، فإذا تلف مال الغير في أيديهم ، من غير تفريط ، وتعدّ منهم ، فلا ضمان عليهم.

والذين عليهم الضمان ، فهم الغاصب ، والسارق ، والمستام والمبتاع بيعا فاسدا إذا قبض المبيع ، فهؤلاء إذا تلف المال في أيديهم ، كان عليهم الضمان ، سواء

__________________

(١) الوسائل : كتاب الجهاد ، الباب ٨ من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.

(٢) ج : النيابة ، وأمّا.

(٣) ل : وأمّا القصاص.

٨٥

تعدّوا فيه ، أو لم يتعدوا ، فرطوا في حفاظه ، أو لم يفرطوا ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (١).

والذي تقتضيه أصولنا ، أنّ المستام لا ضمان عليه ، إذا لم يفرط ، لأنّه أخذه بإذن صاحبه ، وعن أمره ، ولأنّ الأصل ، براءة الذمة فمن شغلها بشي‌ء يحتاج إلى دليل ، قاهر ، فأمّا ان ادّعى الرد ، فيحتاج إلى بينة.

فأمّا ما أورده شيخنا في مبسوطة ، فهو مذهب المخالفين ، بناء منه أنّ المستعير ضامن ، بنفس العارية ، من غير شرط ، قاسوا المستام على المستعير ، والمستعير عندنا لا ضمان عليه ، إلا بالشرط ، ثم القياس عندنا باطل غير معمول عليه ، والمستام أخذ الشي‌ء بإذن صاحبه واختياره ، فهو أمين ، وسبيله سبيل الأمناء ، لا ضمان عليه إلا بالتفريط ، فليلحظ ذلك ، فأمّا في الردّ ، فإنّه يحتاج إلى بيّنة ، على ما قدّمناه.

وأمّا المختلف فيه فهو الصناع الذين يتقبلون الأعمال ، مثل القصّار ، والصباغ ، والحائك ، وغيرهم ، فإذا تلف المال الذي تسلموه للعمل في أيديهم ، فهل عليهم الضمان ، أم لا؟ قيل : فيه قولان ، أحدهما يلزمهم ، تعدوا فيه ، أو لم يتعدوا ، والثاني لا ضمان عليهم ، إلا أن يتعدوا.

وكلا الوجهين رواه أصحابنا (٢) والأخير هو الأظهر بين الطائفة ، والأصح من القولين ، والمعمول عليه عند المحصّلين ، لأنّ هؤلاء سبيلهم سبيل الأمناء ، لأنّ الإنسان يستأمن الصانع ، ويسلم ماله إليه ، ولا خلاف أنّ الأمين لا ضمان عليه.

وجميع من يحصل بيده مال (٣) من وكيل ، سواء كان بجعل ، أم غير جعل ، ومضارب ، ومستام ، وأجير ، مشتركا كان ، أو غير مشترك ، ومرتهن ، ومستعير ، وراع ، وأمين ، وملتقط ، إذا ادّعوا ردّ الشي‌ء الذي حصل بأيديهم ، إلى مالكه

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ص ٣٦٣ ، وفيه : « والمساوم والمبتاع ».

(٢) الوسائل : كتاب الإجارة ، الباب ٢٩ من أحكام الإجارة.

(٣) ج : مال الغير.

٨٦

وصاحبه ، فلا يقبل قولهم في ذلك إلا ببيّنة ، وإن كان يقبل قولهم في التلف ، على ما قدّمناه ، إلا المودع فحسب ، فإنّه يقبل قوله في التلف ، وفي الردّ ، بلا خلاف ، للإجماع ، والباقون يحتاجون في الردّ إلى بينة ، ولا يقبل بمجرد دعواهم ، لقوله عليه‌السلام : على اليد ما أخذت حتى تؤدى (١) ولقوله عليه‌السلام : على المدّعي البيّنة (٢) فليلحظ ذلك ، ويتأمّل.

فأمّا بيان من يجوز له التوكيل ، فكل من يصح تصرفه في شي‌ء ، تدخله النيابة ، صح التوكيل فيه ، سواء كان الموكل رجلا ، أو امرأة ، عدلا أو فاسقا ، مسلما أو كافرا ، حاضرا أو غائبا.

ولا يجوز للوكيل أن يوكل فيما جعل إليه ، إلا بإذن الموكل.

ولا يجوز أن تتوكّل المرأة لزوجها ، في طلاق نفسها ، على الصحيح من المذهب ، ولا بأس أن تتوكل في طلاق ضرتها ، لأنّه لا مانع يمنع منه ، لأنّ كل ما يصح أن يتصرف الإنسان فيه بنفسه صح ان يتوكل فيه لغيره (٣) ، إذا كان مما يدخله النيابة ، فأمّا ما لا يملك التصرف فيه بنفسه ، فلا يصح أن يتوكل (٤) فيه ، مثل أن يزوّج الكافر المسلمة ، فإنّه لا يصح أن يتوكّل (٥) فيه ، لأنه لا يملك تزويجها (٦).

والذي يقوى في نفسي ، أنّه لا يمنع من وكالة الكافر مانع ، في التزويج المذكور ، لأنّا لا نعتبر العدالة في الوكيل ، بغير خلاف ، ولأنّه لا مانع منه من كتاب ، ولا إجماع ، ولا سنة متواترة ، وليس للوكيل الكافر على المسلمة هاهنا سبيل ، فيدخل تحت قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٧).

__________________

(١) مستدرك الوسائل : كتاب الغصب الباب ١ ، ح ٤.

(٢) الوسائل : كتاب القضاء الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم ، ولفظ الحديث ، هكذا : « البيّنة على المدّعي ».

(٣) ج : « إن يوكّل فيه غيره » وهو الظاهر.

(٤) ج : ان يوكّل.

(٥) ج : ان يوكّل.

(٦) ج : تزوّجها.

(٧) النساء : ١٤١.

٨٧

وإذا ادّعى رجل على رجل ، واستحضره الحاكم لمخاصمة المدعي ، كان له أن يحضر (١) ، وكان له أن يقعد ، ويوكل غيره في الخصومة ، رضي خصمه بذلك ، أو لم يرض ، وكذلك إن حضر ، كان له أن يجيب بنفسه ، أو يوكل غيره في الجواب عنه ، ولا يجبر على الجواب بنفسه ، وكذلك للمدّعي ، التوكيل في الخصومة.

وإذا أوجب رجل لرجل عقد الوكالة ، كان بالخيار بين أن يقبل ذلك ، وبين أن يرده ، فلا يقبله ، فإذا أراد أن يقبل في الحال ، كان له ذلك ، وله أن يؤخّر ذلك ، فيقبله. أي وقت أراد ، ولهذا أجمع المسلمون ، على أنّ الغائب إذا وكل رجلا ، ثم بلغ الوكيل ذلك بعد مدّة ، فقبل الوكالة ، انعقدت ، فإذا ثبت هذا ، فله أن يقبل لفظا ، وله أن يقبل فعلا ، مثل أن يتصرف في الشي‌ء الذي وكله فيه.

وكذلك إذا أودعه مالا ، وأحضر المال بين يديه ، فلا فرق بين أن يقبل الوديعة لفظا ، وبين أن يقبلها فعلا ، بأن يأخذها ويحرزها (٢) ، فإذا حصل القبول ، وانعقدت الوكالة ، كان لكل واحد منهما أن يثبت عليها ، وله أن يفسخها ، لأنّها عقد جائز من الطرفين ، لأنّ العقود على أربعة أضرب ، عقد جائز من الطرفين ، وعقد لازم من الطرفين ، وعقد لازم من طرف ، وجائز من طرف ، وعقد مختلف فيه.

فالجائز من الطرفين ، فمثل الجعالة ، والوكالة ، والشركة ، والمضاربة ، والوديعة ، والعارية.

واللازم من الطرفين ، مثل البيع بعد التفرق من المجلس ، والإجارة ، والنكاح.

والجائز من طرف ، فهو الرهن ، فإنّه لازم من جهة الراهن ، جائز من جهة المرتهن ، وكذلك الكتابة المشروطة ، لازمة من جهة السيّد ، جائزة من جهة العبد.

والمختلف فيه ، عقد السبق والرماية ، فيلزمهما قولان ، أحدهما أنّه جعالة ، وهو الأقوى ، فعلى هذا يكون جائزا من الطرفين ، والثاني أنّه إجارة ، فهو لازم من

__________________

(١) ج : ان يحضره.

(٢) ج : ويجوزها.

٨٨

الطرفين ، والأول هو الصحيح ، على ما اختاره شيخنا في مبسوطة (١).

والذي يقوى في نفسي ، أنّه لازم من الطرفين ، لقوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) وهذا عقد.

فأمّا ما به ينفسخ الوكالة ، فمثل الموت ، والجنون والإغماء ، فإذا مات أحدهما أو جن ، أو أغمي عليه ، بطلت الوكالة ، فأمّا النوم المعتاد ، فلا يبطل الوكالة ، لأنّه لا يسقط فرض الصلاة ، والإغماء والجنون يسقطان فرض الصلاة ، ويثبتان عليه الولاية ، والنوم لا يثبتها عليه.

من وكل غيره في الخصومة عنه ، والمطالبة والمحاكمة ، والبيع والشراء ، وجميع أنواع ما يتصرف فيه بنفسه ، فقبل الوكيل عنه ذلك ، فقد صار وكيله ، يجب له ما يجب لموكله ، ويجب عليه ما يجب على موكّله ، إلا ما يقتضيه الإقرار ، من الحدود ، والآداب ، والايمان ، وغير ذلك ، ممّا قدّمنا القول في معناه.

والوكالة يعتبر فيها شرط الموكل ، فإن شرط أن يكون في خاص من الأشياء ، لم تجز فيما عداه ، وإن شرط أن تكون عامة ، قام الوكيل مقام الموكل على العموم ، حسب ما قدّمناه ، بغير خلاف بين أصحابنا ، وبذلك تواترت الأخبار (٣) عن الأئمة الأطهار ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (٤).

وقال في مبسوطة (٥) ومسائل خلافه : مسألة ، إذا وكل رجل رجلا ، في كل قليل وكثير ، لم يصح ذلك ، ثم قال : دليلنا أنّ في ذلك غررا عظيما ، لأنّه ربما لزمه بالعقود ، ما لا يمكنه الوفاء به وما يؤدّي إلى ذهاب ماله ، مثل أن يزوجه بأربع حرائر ، ثم يطلقهن قبل. الدخول ، فيلزمه نصف مهورهّن ، ثم يتزوّج بأربع آخر (٦)

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ، ص ٣٦٧.

(٢) المائدة : ١.

(٣) الوسائل : كتاب الوكالة الباب ١ وما يدل على جواز الوكالة في باب البيع والإجارة وغيرهما.

(٤) النهاية : باب الوكالات.

(٥) المبسوط : كتاب الوكالة ، ج ٢ ، ص ٣٩١.

(٦) ل : ثم يتزوج بأربعة أخرى ج : ثم يزوجه أربعا آخر.

٨٩

ثم على هذا أبدا ويشتري له من الأرضين ، والعقارات ، وغيرها ، ما لا يحتاج إليه. وفي ذلك غرر عظيم ، فما يؤدي إليه فهو باطل ، ثم قال : وأيضا ، فلا دلالة على صحّة هذه الوكالة في الشرع هذا آخر كلامه رحمه‌الله في مسائل الخلاف (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : لا دلالة فيما أحتج به رحمه‌الله ، لأنّ الوكيل لا يصح فعله إلا فيما فيه صلاح لموكله ، وكل ما لا صلح فيه لموكله ، فلا يلزمه منه شي‌ء ، وأنّه باطل غير صحيح ، بغير خلاف ، فعلى هذا التحرير لا غرر فيما أورده.

وقوله رحمه‌الله : لا دليل على صحّة هذه الوكالة في الشرع ، باطل ، لأنّ الدليل حاصل ، وهو إجماع أصحابنا المنعقد على صحّة ذلك ، وهو أيضا قائل به في نهايته (٢) ، والأخبار المتواترة أيضا دليل على صحة ذلك.

والوكالة تصح للحاضر كما تصحّ للغائب ، على ما قدّمناه ، ولا يجب الحكم بها على طريق التبرع ، دون أن يلتزم ذلك بإيثار الموكّل ، واختياره.

وللناظر في أمور المسلمين ، ولحكامهم ، أن يوكل على سفهائهم ، وأيتامهم ، ونواقصي عقولهم ، من يطالب بحقوقهم ، ويحتج عنهم ، ولهم.

وينبغي لذوي المروات من الناس ، أن يوكلوا لأنفسهم في الحقوق ، ولا يباشروا الخصومة بنفوسهم.

وللمسلم أن يتوكل للمسلم على أهل الإسلام والذمة ، ولأهل الذمة على أهل الذمة ، ويكره أن يتوكل للذمي على المسلم.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وللمسلم أن يتوكل للمسلم على أهل الإسلام ، وأهل الذمة ، ولأهل الذمة على أهل الذمة خاصّة ، ولا يتوكل للذمي على المسلم (٣).

وقال بكراهة ذلك في مبسوطة ، قال : يكره أن يتوكل المسلم لكافر على

__________________

(١) الخلاف : كتاب الوكالة ، المسألة ١٤.

(٢) النهاية : باب الوكالات.

(٣) النهاية : كتاب الوكالة.

٩٠

مسلم ، وليس بمفسد للوكالة ، هذا أخر كلامه رحمه‌الله (١).

وكذلك قال في مسائل خلافه (٢) ، وهو الأظهر ، لأنّه لا دليل على تحريمه.

فإن تمسك متمسّك بقوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٣).

قلنا : المسلم الذي هو الوكيل ليس بكافر.

وأيضا لا خلاف أنّ للذمي الذي هو الموكل ، المطالبة للمسلم ، بما له عليه من الحقّ ، فله عليه سبيل ، لأنّه الذي جعل له عليه سبيلا ، أعني المسلم الذي عليه الحقّ ، فللوكيل المسلم ، ما لموكله من المطالبة.

وانّما أورده شيخنا رحمه‌الله في نهايته ، من طريق خبر الآحاد ، دون الاعتقاد ، على ما كررنا القول فيه.

ويتوكل الذمي للمسلم على الذمي ، ولأهل الذمة ، على أمثالهم من الكفار ، ولا يجوز له أن يتوكّل على أحد من أهل الإسلام ، لا لذمي ، ولا لمسلم على حال ، لأنّ الآية المقدّم ذكرها ، تتناول تحريم ذلك ، والنهي عنه والمنع منه.

وينبغي أن يكون الوكيل عاقلا ، بصيرا بالحكم ، فيما أسند إليه الوكالة فيه ، عارفا باللغة التي يحتاج إلى المحاورة بها في وكالته ، لئلا يأتي بلفظ يقتضي إقرارا بشي‌ء ، وهو يريد غيره ، مثاله (٤) أن يقر بعدد فيما دون الواحد إلى العشرة ، مذكر ، فيسقط الهاء منه ، أو يريد أن يقر بعدد مؤنث ، فيلحق الهاء فيه ، وهو لا يريد ذلك ، فيلزمه الحاكم بظاهر إقراره.

ولا يجوز لحاكم أن يسمع من وكيل لغيره ، إلا بعد أن تقوم له عنده البيّنة ، بثبوت وكالته.

ومن وكل وكيلا وأشهد على وكالته ، ثم أراد عزله ، فليشهد على عزله ، علانية

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ، ص ٣٩٢.

(٢) الخلاف : كتاب الوكالة مسألة ١٥.

(٣) النساء : ١٤١.

(٤) ج : مثاله يريد.

٩١

بمحضر من الوكيل ، أو يعلمه ذلك ، كما أشهد على وكالته ، فإذا أعلم عزله ، مع تمكنه من إعلامه ، أو أشهد على عزله ، مع تعذر إعلامه ، فقد انعزل الوكيل عن وكالته ، وكل أمر ينفذه بعد ذلك كان باطلا ، لا يلزم الموكل منه ، قليل ولا كثير.

وإن عزله ولم يشهد ، مع تعذر القدرة على إعلامه بعزله ، أو لم يعلمه عزله مع إمكان إعلامه ، لم ينعزل الوكيل ، وكل أمر ينفذه بعد ذلك كان ماضيا على موكله حينئذ إلى أن يعلم بعزله.

فإن اختلف الموكّل والوكيل في العزل ، فقال الموكّل : قد أعلمته العزل ، وأنكر ذلك الوكيل ، كان على الموكّل البيّنة بأنه أعلمه ذلك ، ولم يكفه إقامة البيّنة على أنّه قد عزله ، إذا كان قادرا على إعلامه ، غير متعذر عليه ذلك ، فإن لم يكن له بينة على إعلامه ، كان على الوكيل اليمين ، أنّه ما علم بعزله عن الوكالة ، فإن حلف ، كانت وكالته ثابتة ، حسب ما قدّمناه ، وإن امتنع من اليمين ، بطلت وكالته ، من وقت ما أقام الموكّل البيّنة على إعلامه بعزله ، فإن كان بحيث يتعذر عليه إعلامه ، أفادته إقامة البينة ، وكفته مئونة الإعلام ، وكل أمر ينفذه ، أو أنفذه بعد إقامة البينة حينئذ على عزله ، عند تعذر إعلامه ، فهو باطل ، غير نافذ على موكله.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه : إذا عزل الموكّل وكيله ، عن الوكالة ، في غيبة من الوكيل ، لأصحابنا فيه روايتان ، إحديهما أنّه ينعزل في الحال ، وإن لم يعلم الوكيل ، وكل تصرف يتصرف فيه الوكيل بعد ذلك ، يكون باطلا ، والأخرى أنّه لا ينعزل ، حتى يعلم الوكيل ذلك ، وكل ما يتصرف فيه يكون واقعا موقعه ، إلى أن يعلم ، ثم قال : دليلنا على ذلك ، أخبار الطائفة ، وهي مختلفة ، وقد ذكرناها في كتابينا المقدم ذكرهما ، قال : ومن راعى (١) العلم ، استدل على ذلك ، بأن قال انّ النهي لا يتعلق به حكم ، في حقّ المنهي ، إلا بعد

__________________

(١) ل : ادعى.

٩٢

حصول علمه به ، وهكذا أبواب نواهي الشرع كلها ، ولهذا لما بلغ أهل قبا ، أنّ القبلة قد حوّلت إلى الكعبة ، وهم في الصلاة ، داروا وبنوا على صلاتهم ، ولم يؤمروا بالإعادة ، وكذلك نهي الموكل وكيله عن التصرف ، ينبغي أن لا يتعلق به حكم في حقّ الوكيل ، إلا بعد العلم ، قال : وهذا القول أقوى من الأول ، وقد رجحناه في الكتابين (١).

قال محمّد بن إدريس : الأقوى عندي ما ذكره رحمه‌الله في نهايته (٢) ، فهو وجه الجمع بين الأحاديث ، وهو الذي حررناه واخترناه في كتابنا هذا ، وهو أنّه إذا قدر الموكّل ، على اعلام الوكيل بالعزل ، ولم يعلمه ، وأشهد على عزله ، وعزله ، لم ينعزل ، وكل أمر ينفذه فهو ماض على موكّله ، فأمّا إذا تعذر على الموكل إعلام وكيله بالعزل ، ولم يقدر على ذلك ، ولم يمكنه ، وأشهد حينئذ على عزله ، وعزله ، فقد انعزل ، وكلّ أمر ينفذه بعد ذلك فهو باطل ، غير ماض على موكّله ، فيحمل الأخبار على هذا الاعتبار ، وقد سلمت من التعارض ، وعمل بجميعها من غير إطراح لشي‌ء منها.

وقوله رحمه‌الله : وقد رجحناه في الكتابين ، يعني تهذيب الأحكام ، والاستبصار ، أمّا تهذيب الأحكام فما رجح فيه شيئا ، بل أورد الأخبار (٣) ، وأطلق الإيراد ، من غير توسّط منه بينها ، وأمّا الإستبصار فما ذكر الباب جملة.

ومتى تعدّى الوكيل شيئا مما رسمه موكله ، كان ضامنا لما تعدى فيه ، فإن وكله في تزويجه امرأة بعينها ، فزوجه غيرها ، لم يثبت النكاح ، ولزم الوكيل نصف المهر المسمّى ، لأنّه غرّها ، هذا إذا قال الوكيل أنّه وكلني في العقد عليك ، ولم يقم له بينة بذلك.

فأمّا إذا صدقته المرأة على صحة قوله ووكالته ، فلا سبيل لها عليه ، لأنّها تقول ظلمني زوجي ، وليس لها أن تتزوج ، إلا بعد موته ، أو طلاقه ، أو فراقه.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الوكالة ، المسألة ٣.

(٢) النهاية : كتاب الوكالة.

(٣) التهذيب : الباب ٨٦ من باب الوكالات.

٩٣

فأمّا إذا لم يدّع الوكالة ، ولا قال للمرأة انّه وكيل فلان ، بل عقد للرجل (١) عليها ، فالنكاح موقوف عندنا على الإجازة ، فإن رضي الذي عقد له على المرأة ، كان النكاح ماضيا ، ولزم المعقود له النكاح ، والمهر جميعا ، وإن لم يرض بالعقد ، كان النكاح مفسوخا ، ولم يلزم العاقد شي‌ء من المهر ، لأنّه ما غرّ المرأة ، ولا ادّعى الوكالة في العقد ، بخلاف المسألة الأوّلة ، التي قلنا فيها يلزمه نصف مهرها لانه غرّها بقوله (٢) ، قد وكّلني فلان على العقد عليك ، ولم يكن له بينة بذلك فلزمه المهر ، لأنّه حينئذ غرّها ، على ما وردت الأخبار (٣) بذلك ، فافترق الأمران.

فإن عقد له على التي أمره بالعقد عليها ، ثم أنكر الموكّل أن يكون أمره بذلك ، ولم يقم للوكيل بينة بوكالته بالعقد ، لزم الوكيل أيضا نصف المهر المسمّى ، ولم يلزم الموكّل شي‌ء ، وجاز للمرأة أن تتزوج بعد ذلك ، غير أنّه لا يحل للموكل ، إن كان وكله في العقد عليها فيما بينه وبين الله تعالى ، إلا أن يطلقها ويغرم لها نصف المسمّى ، لأنّ العقد يكون قد ثبت عليه ، وهذا أمر راجع إليه ، ومنكر لا يعلمه غيره ، فيجب عليه إزالته ، وإنكاره.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : في جميع ذلك يلزم الوكيل المهر (٤) وأطلق القول بذلك ، ولم يقل نصف المهر.

وفي مبسوطة يقول بنصف المهر (٥) ، وكذلك في تهذيب الأحكام (٦) على ما وردت الأخبار.

وقوله في نهايته : لزمه المهر ، فكأنّه أراد المستحق (٧) عليه ، بعد تخلية المرأة ، وجواز العقد عليها لغيره ، فهو بمنزلة الطلاق قبل الدخول ، فأقام إنكاره التوكيل

__________________

(١) ل : للزوج.

(٢) ج : يلزمه نصف مهرها بقوله.

(٣) الوسائل : كتاب النكاح ، الباب ٢٦ من أبواب عقد النكاح.

(٤) النهاية : كتاب الوكالة.

(٥) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الوكالة ، ص ٣٨٦.

(٦) التهذيب : الباب ٨٦ من باب الوكالات.

(٧) ج : يستحق.

٩٤

على العقد ، ودفعه النكاح ، مقام الطلاق.

ولو قيل في ذلك أن الوكيل يلزمه المهر المسمّى كملا ، لأنّه يجب بالعقد جميعه ، ويسقط نصفه بالطلاق ، قبل الدخول ، بغير خلاف بين الأمة ، لكان قويا ظاهرا ، وهذا لم يطلق قبل دخوله ، فيسقط عنه نصفه ، وبهذا أفتي ، وعليه أعتمد ، لأنّه الذي يقتضيه أصولنا ، وتشهد به أخبارنا ، وأدلتنا.

ومن وكل غيره في أن يطلق عنه امرأته ، جاز طلاق الوكيل ، سواء كان الموكل حاضرا أو غائبا ، على الصحيح من المذهب ، لأنّه لا خلاف بين المسلمين في جواز الوكالة للحاضر والغائب ، في جميع ما يجوز الوكالة فيه ، فمن خصّص ذلك ، يحتاج إلى دليل.

وقال شيخنا في نهايته : ومن وكل غيره في أن يطلق عنه امرأته ، وكان غائبا جاز طلاق الوكيل ، وإن كان شاهدا ، لم يجز طلاق الوكيل (١).

وهذا خبر واحد ، أورده في نهايته إيرادا ، لا اعتقادا ، على ما كررنا القول في ذلك ، وهو من أضعف أخبار الآحاد راويه (٢) جعفر بن سماعة وهو فطحي المذهب (٣) لم يورد شيخنا في الاستبصار (٤) غيره ، مخالفا لجميع الأخبار التي أوردها في الكتاب المذكور ، فان جميع الأخبار مطلقة عامة ، في جواز الوكالة في الطلاق ، متواترة بذلك ، وأورد بعدها هذا الخبر الشاذ ، ثم قال رحمه‌الله متوسّطا : فلا ينافي الأخبار الأوّلة ، قال : لأنّ هذا الخبر محمول على أنّه إذا كان الرجل حاضرا في البلد ، لم يصح توكيله في الطلاق ، والأخبار الأولة ، نحملها على جواز ذلك ، في حال الغيبة ، قال رحمه‌الله : لئلا تتناقض الأخبار.

قال محمد بن إدريس : الخبر الذي أورده عن ابن سماعة ، عن جعفر بن

__________________

(١) النهاية : كتاب الوكالة.

(٢) الوسائل : كتاب الطلاق الباب ٣٩ من أبواب مقدّمات وشرائط الطلاق ح ٥.

(٣) ج : وهو فطحي.

(٤) الاستبصار : الباب ١٦٦ من الوكالة في الطلاق ، ح ٦.

٩٥

سماعة ، ليس فيه هذا التفصيل ، وانّما هو مطلق ، في أنّه لا يجوز الوكالة في الطلاق ، وظاهره مخالف لإجماع المسلمين قاطبة ، وما هذا حاله ، لا يلتفت إليه ، ولا يعرج عليه وقوله رحمه‌الله : لئلا تتناقض الأخبار ، انّما يسوغ ذلك ، إذا كانت الأخبار متواترة متكافئة ، فهي حينئذ أدلة ، فيجوز ما ذكره لئلا تتناقض الأدلة ، وهذا الخبر الشاذ ليس هو مكافئا لما أورده من الأخبار المتواترة ، فكيف يجوز ما قاله رحمه‌الله ، من الوساطة ، مع إنّا قد بيّنا ، أن أخبار الآحاد ، لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنّها لا توجب علما ولا عملا ، وأصحابنا قديما وحديثا لا يعملون بها ، ويزرون ويعيبون أشدّ عيب على العاملين بها ، من أهل الخلاف.

وأيضا فلا خلاف بيننا معشر الشيعة الإماميّة ، أنّ حال الشقاق ، وبعث الحكمين ، انّ الرجل إذا وكل الحكم الذي هو من أهله في الطلاق ، وطلق ، مضى طلاقه ، وجاز ، وإن كان الموكل حاضرا في البلد ، بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك.

وأيضا فشيخنا في مسائل خلافه (١) ومبسوطة (٢) يذهب إلى أنّ الوكالة في جميع الأشياء التي يجوز الوكالة فيها تصح للحاضر والغائب ، ثم قال في مسائل الخلاف : دليلنا ان الأخبار الواردة في جواز التوكيل ، عامة في الحاضر والغائب ، فمن خصصها ، فعليه الدلالة ، وقال : وأيضا ، فالأصل جواز ذلك ، والمنع يحتاج إلى دليل ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله. فقد أقرّ (٣) أنّ الأخبار الواردة في جواز التوكيل ، عامة في الحاضر والغائب ، ثم قال : فمن خصصها ، فعليه الدلالة ، وقال : وأيضا فالأصل جواز ذلك ، والمنع يحتاج إلى دليل ، فما باله رحمه‌الله ، يرجع عن الأدلة بغير أدلة ، وتخصيص العموم عند المحصّلين لأصول الفقه ، لا يكون إلا بأدلة قاطعة للأعذار ، إمّا من كتاب ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب الوكالة المسألة ٦.

(٢) المبسوط : كتاب الوكالة ، ج ٢ ، ص ٣٦٤.

(٣) ج : أورد.

٩٦

أو سنة متواترة ، أو أدلة العقول ، أو إجماع ، وهذا بحمد الله تعالى مفقود هاهنا.

والرجل إذا قبض صداق ابنته ، وكانت صبية غير بالغ ، في حجره ، برئت ذمّة الزوج من المهر ، على كل حال ، لأنه القابض عنها ، والوالي عليها ، ولم تكن للبنت مطالبته بالمهر بعد البلوغ ، وإن كانت البنت بالغة ، فإن كانت وكلته في قبض صداقها ، فقد برأ أيضا ذمة الزوج ، وإن لم تكن وكلته على ذلك ، لم تبرأ ذمة الزوج ، وكان لها مطالبته بالمهر ، وللزوج الرجوع على الأب في مطالبته بالمهر ، فإن كان الأب قد مات ، كان له الرجوع على الورثة ، إن كان خلف في أيديهم شيئا ، ومطالبتهم بالمهر ، كما كان له مطالبته في حال حياته ، هذا إذا لم يصدقه الزوج على وكالته ، فأمّا إن ادّعى الأب الوكالة من البنت بقبض المهر ، وصدقه الزوج على ذلك ، فليس للزوج الرجوع عليه ، سواء كان حيا أو قد مات.

وقال شيخنا في مسائل خلافه : البكر البالغة الرشيدة ، يجوز لأبيها أن يقبض مهرها ، بغير أمرها ، ما لم تنهه عن ذلك (١).

وهذا ليس بواضح ، لأنّ الزوج لا تبرأ ذمته بتسليمه ، ولا يجبر على ذلك ، لأنّه يكون قد سلّمه إلى غير من وكّلته في القبض ، ولا إلى من ولّته في قبض أموالها ، ولا له عليها ولاية في أموالها ، بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك.

وإذا باع الوكيل على موكله ، ماله الذي وكله في بيعه ، أو الولي ، مثل الأب والجد والحاكم ، وأمينه ، والوصي ، ثم استحق المال على المشتري ، فانّ ضمان العهدة والدرك ، يجب على من بيع عليه ماله ، فإن كان حيا كان في ذمته ، وإن كان ميتا كانت العهدة في تركته ، ولا يلزم الوكيل والوصي والولي من ذلك ، قليل ولا كثير.

وجميع من يبيع مال الغير ستة أنفس ، الأب ، والجد ، ووصيهما ، والحاكم ، وأمينه ، والوكيل ، ولا يصح لأحد منهم ، أن يبيع المال الذي في يده ، من نفسه ، إلا

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ٢٩.

٩٧

لاثنين فحسب ، الأب ، والجد ، ولا يصح لغيرهما.

ولا يسمع الدعوى في الوكالة ، إلا أن يقيم بيّنة ، شاهدين عدلين ، على أنّه وكله فلان ، ولا يقبل في ذلك شاهد ويمين ، ولا شاهد وامرأتان ، لأنّ الولايات جميعها ، لا تقبل فيها شهادة النساء ، ولا شاهد ويمين.

وإذا كان لرجل على غيره دين ، فجاء آخر ، فادعى أنّه وكيله في المطالبة ، وأنكر ذلك الذي عليه الدين ، فإن كان مع الوكيل بينة ، أقامها ، وحكم له بها ، وإن لم يكن معه بينة ، وطالب من عليه الدين باليمين ، لا يجب عليه ، فإن ادّعى عليه علمه بذلك ، لزمته اليمين ، فإن نكل عنها ، ردّت على المدّعي ، فإذا حلف ثبت وكالته ، لأنّ عندنا اليمين مع النكول ، بمنزلة البيّنة.

وقال شيخنا في مسائل خلافه : فإن ادعى علمه بذلك ، لم يلزمه أيضا اليمين (١).

وهذا قول الشافعي ، اختاره شيخنا ، وليس بواضح ، لأنّه مخالف لأصول مذهبنا.

ثم قال رحمه‌الله في مسائل خلافه : إذا صدقه من عليه الدين في توكيله ، لم يجبر على التسليم إليه (٢).

وهو أيضا مقالة الشافعي ، اختاره شيخنا رضي‌الله‌عنه ، والذي يقتضيه مذهبنا ، خلاف ذلك ، وهو أنّه إذا صدقه من عليه الدين في دعواه الوكالة ، يجبره الحاكم على التسليم إليه ، لأنّه صار وكيلا عليه بتصديقه إيّاه ، فيما عليه ، لأنّ إقرار العقلاء جائز على نفوسهم ، فيما يوجب حكما في شريعة الإسلام ، بغير خلاف بيننا ، إلا ما خرج بالدليل ، من إقرار العبيد.

وليس للوكيل أن يبيع مع إطلاق الوكالة في البيع ، إلا بنقد البلد ، وبثمن المثل حالا ، فإن خالف ذلك ، كان البيع باطلا.

ولا يصح إبراء الوكيل من دون الموكّل من الثمن الذي على المشتري.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الوكالة ، المسألة ١٢.

(٢) الخلاف : كتاب الوكالة ، المسألة ١٣.

٩٨

وإذا اشترى الوكيل السلعة بثمن مثلها ، فإن ملكها يقع للموكل ، من غير أن يدخل في ملك الوكيل ، بدليل أنّه لو وكله في شراء من ينعتق عليه ، لم يعتق على الوكيل ، فلو كان الملك ، قد انتقل إلى الوكيل ، لوجب أن يعتق عليه ، فلما أجمعنا على أنّه لا يعتق على الوكيل لو اشترى من ينعتق عليه. إذا اشتراه لنفسه ، دل على أنّه لا ينتقل الملك إلى الوكيل.

وإذا قال : إن جاء رأس الشهر ، فقد وكلتك في الشي‌ء الفلاني ، فإنّ الوكالة لا تنعقد ، وإن ذلك لا يصح ، فأمّا إن وكله في الحال ، بأن يبيع الشي‌ء إذا جاء رأس الشهر جاز ذلك ، وصح ، لأنّ الوكالة صحّت في الحال ، وانعقدت ، ثم أمره بتأخير البيع ، إلى رأس الشهر ، والمسألة الأوّلة ، ما انعقدت الوكالة في الحال ، بل يحتاج إذا جاء رأس الشهر إلى عقد الوكالة ، فافترق الأمران. وإذا وكله في السلم في الطعام ، فأسلف في حنطة ، جاز وإن أسلف في شعير ، لم يجز ، لأنّ إطلاق الطعام في العادة ، يرجع إلى الحنطة ، دون الشعير ، والاعتبار في الوكالة بالعادة.

وقال شيخنا المفيد ، في مقنعته ، في مختصر كتاب ابتياع : وان يوليه من شاء ، من جري ، أو وكيل (١).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : الجري ، بالجيم المفتوحة ، والراء غير المعجمة ، المكسورة ، والياء المشدّدة ، هو الوكيل ، وانّما اختلف اللفظ ، وإن كان المعنى واحدا ، ويسمى الوكيل جريا ، لأنه يجري مجرى موكله ، يقال ، جريّ بيّن الجراية ، والجراية ، والجمع أجراء (٢).

باب اللقطة

الضالة من البهائم ما يضيع ، يقال ضال ، ومن العبيد يقال آبق ، ومن الأحرار

__________________

(١) المقنعة : قريب من آخر الكتاب ، باب مختصر كتاب الابتياع ص ٨٣٤ ، ط. مؤسسة النشر الإسلامي قم.

(٢) ج : أجرياء.

٩٩

لقيط ، ومنبوذ ، وما يكون من غير الحيوان يقال لقطة ، قال الخليل بن أحمد : اللقطة الرجل الذي يلتقط ، يقال له لاقط ، ولقطة ، بتحريك القاف ، فأمّا الشي‌ء الملتقط ، يقال إنّه (١) لقطة بسكون القاف ، وقال أبو عبيدة : وما عليه عامة أهل العلم ، أنّ اللقطة بتحريك القاف ، هي الشي‌ء الذي يلتقط.

إذا ثبت هذا ، فاللقطة لا تخلو إمّا أن تكون حيوانا ، أو غير حيوان ، فإن كانت حيوانا ، فلا يخلو إمّا أن يكون وجدها في البرية أو في العمران ، فإن وجدها في البرية والصحاري ، فلا يخلو إمّا أن تكون حيوانا قويا ممتنعا من صغار السباع ، مثل الإبل ، والبقر ، والخيل ، والبغال ، فإنّها تمتنع من صغار السباع ، مثل الثعلب ، وابن أوى ، والذئب ، فإنّه لا يقدر عليه ، أو يكون ممّا يمتنع بسرعة مشيه ، مثل الظباء والغزلان ، أو مما يمتنع بطيرانه ، فيدفع بالطيران عن نفسه ، فما هذه صفته ، فليس لأحد أن يأخذها ، لنهيه عليه‌السلام لما سئل عن ضالة الإبل ، فقال : ما لك ولها ، وغضب حتى احمرت وجنتاه (٢).

فإن أخذها ، لزمه الضمان ، ويكون عليه مضمونا ، لأنّه أخذ مال الغير بغير حق.

فإن سيّبها بعد ذلك ، لم يزل عنه الضمان ، فإن ردّها إلى صاحبها ، زال عنه. الضمان ، وبرئ.

وإن سلّمها إلى الإمام ، فهل يسقط عنه الضمان أم لا؟ قيل : فيه قولان ، أحدهما يزول الضمان ، وهو الأقوى (٣) ، والآخر لا يزول.

فإذا ثبت أنّ للإمام أخذها ، فإن كان له حمى يدع فيه لترعى حتى يجي‌ء صاحبها.

وليس للاقط العامي إمساكها ، ولا له أن يفعل وإن يمسك ، لأنّه لا يقوم بمصالح المسلمين ، ولا يلي أمورهم ، وليس كذلك الإمام ، لأنّه منصوب لذلك ، هذا إذا كان حيوانا ممتنعا من صغار السباع.

__________________

(١) ج : يقال له.

(٢) مستدرك الوسائل : كتاب اللقطة ، الباب ٨ ، ح ٦.

(٣) ل : وهو الأقوى والأحرى.

١٠٠