كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

وجملة الأمر وعقد الباب ، أنّه لا يحرم من الرضاع عندنا إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي ، من المجرى المعتاد الذي هو الفم ، فأمّا ما يوجر به ، أو يسعط ، أو ينشق ، أو يحقن به ، أو يحلب في عينه ، فلا يحرم بحال.

ولبن الميتة فلا حرمة له في التحريم.

ولا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين.

ولا يثبت الرضاع بشهادة النساء لا المرضعة ولا غيرها ، كثرن أو قللن ، على الظاهر من أقوال أصحابنا ، وهو الذي يقوى في نفسي ، لأنّ الشهادة.

والعمل بها حكم شرعي يحتاج إلى أدلة شرعيّة ، ولا دليل على ذلك ، من كتاب ، ولا سنّة ، ولا إجماع.

ومن هذا الضرب من المحرمات أم المعقود عليها ، سواء دخل بالبنت أو يدخل ، لأنّ الله تعالى قال ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (١) وهذه من جملة أمهات النساء ، ولم يشترط الدخول.

ومن هذا الضرب أيضا بنت المدخول بها ، سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن ، بلا خلاف إلا من داود ، فإنّه قال : إن كانت في حجره حرمت ، وإلا فلا ، ظنا منه أنّ قوله تعالى ( اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ) (٢) شرط في التحريم ، وليس ذلك شرطا ، وانّما هو وصف لهن ، لأنّ الغالب في العادات أنّ الربيبة تكون في حجره.

ويحرم تحريم جمع ، أربع : وهما الأختان ، والمرأة وعمتها ، إلا برضاها عندنا ، فأمّا بين الأختين ، فلا يعتبر الرضا ، والمحرّم من الجمع بين المرأة وعمتها ، انّ التحريم ، إذا ارتفع الرضا ، وكانت الداخلة بنت الأخ ، أو بنت الأخت ، فأمّا إن كانت الداخلة العمة والخالة فلا تحريم ، عند أصحابنا ، سواء رضيت المدخول عليها ، أو لم ترض ، ومن تحريم الجمع المرأة وخالتها ، وجميع ما قلناه من

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٣.

٥٢١

الأحكام بين المرأة وعمتها ، هو بعينه ثابت بين المرأة وخالتها ، حرفا فحرفا ، والمرأة وبنتها قبل الدخول ، فمتى طلّق الأم قبل الدخول حلّ له نكاح البنت ، إلا أن يدخل بالأم ، فتحرم الربيبة على التأبيد.

وكل من حرمت عينا ، تحرم جمعا ، وكلّ من حرمت جمعا ، لا تحرم عينا إلا الربيبة ، فإنها تحرم عينا تارة وجمعا أخرى ، لأنّه إذا عقد على المرأة حرم عليه نكاح بنتها قبل الدخول من حيث الجمع ، فإن طلّقها حلّ له نكاح الربيبة ، فإن دخل بها حرمت الربيبة على التأبيد ، وهكذا الحكم في الرضاع حرفا فحرفا.

وقد بيّنا أنّ الجمع بين الأختين في النكاح لا يجوز بلا خلاف ، لقوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (١).

فإذا ثبت أنّ الجمع محرم ، فله أن ينكح كلّ واحدة منهما على الانفراد. فان جمع بينهما ، فالجمع جمعان ، جمع مقارنة ، وجمع متابعة.

فالمتابعة أن يتزوج امرأة ، ثمّ يتزوج عليها أختها أو عمتها ، أو خالتها ، أو بنت أخيها ، أو بنت أختها ، فنكاح الثانية باطل ، ونكاح الاولى صحيح.

فأمّا جمع المقارنة ، فان يعقد عليهما معا في دفعة واحدة ، فإذا فعل هذا كان العقد باطلا على الصحيح من المذهب ، لأنّه عقد منهي عنه ، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.

وقال شيخنا رحمه‌الله في نهايته : يمسك أيّتهما شاء (٢) ، والأظهر الأول.

وكذلك الحكم فيمن عنده ثلاث نسوة ، وعقد على اثنتين في عقد واحد ، فانّ العقد باطل ، لأنّه عقد منهي عنه.

وروي أنّه يمسك أيّتهما شاء منهما (٣) ، والصحيح ما قدّمناه ، وقال بعض أصحابنا : تحرم أم المزني بها وابنتها.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٣) الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، وكذلك ورد فيمن تزوج خمسا في عقد واحد في الباب ٤ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد.

٥٢٢

والأظهر والأصح من المذهب ، أنّ المزني بها لا تحرم أمها ولا ابنتها ، للأدلّة القاهرة من الكتاب والسنّة والإجماع ، وهذا المذهب الأخير ، مذهب شيخنا المفيد ، محمّد بن محمد بن النعمان (١) ، والسيد المرتضى (٢) ، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته (٣) ومسائل خلافه (٤) ، وإن كان قد رجع عنه في التبيان ، في تفسير قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ ) (٥) الآية فقال : وأمّا المرأة التي وطأها بلا تزويج ، ولا ملك يمين ، فليس في الآية ما يدل على أنّه يحرم وطء أمها وبنتها : لأنّ قوله ( وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) وقوله ( مِنْ نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (٦) يتضمن اضافة الملك ، إمّا بالعقد أو بملك اليمين ، فلا يدخل فيه من لا يملك وطيها ، غير أنّ قوما من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد والملك ، بالسنة والأخبار المروية في ذلك (٧) ، وفيه خلاف بين الفقهاء (٨) هذا آخر كلامه في التبيان.

والذي يدل على صحة ما اخترناه ، أنّ الأصل الإباحة ، والحظر يحتاج إلى دليل ، وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٩) وهما داخلتان في عموم الآية ، وقول الرسول عليه‌السلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » (١٠) ولا إجماع على ما ذهب إليه من خالف في هذه المسألة ، فلا يرجع عن هذه الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

ويحرم على الأب زوجة الابن ، سواء دخل بها الابن أو لم يدخل. ويحرم

__________________

(١) في المقنعة : أبواب النكاح ، باب الرجل يفجر بالمرأة ص ٥٠٤.

(٢) في الانتصار : كتاب النكاح ، المسألة ٧.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٤) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ٧٩.

(٥) و (٦) النساء : ٢٣.

(٧) الوسائل : الباب ٦ و ٧ و ٨ ، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٨) التبيان في تفسير القرآن : ج ٥ ، ص ١٦٠.

(٩) النساء : ٣.

(١٠) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١٢.

٥٢٣

على الابن زوجة الأب أيضا ، سواء دخل بها أو لم يدخل ، بمجرد العقد ، تحرم المرأتان تحريم أبد.

وقال بعض أصحابنا : يحرم على كلّ واحد منهما العقد على من زنى بها الآخر ، وتمسك في التحريم على الابن ، بقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (١) وقال : لأنّ لفظ النكاح يقع على العقد والوطء معا.

قال محمّد بن إدريس : وهذا تمسك ببيت العنكبوت ، لأنّه لا خلاف أنّه إذا كان في الكلمة عرفان ، عرف اللغة وعرف الشرع ، كان الحكم لعرف الشرع ، دون عرف اللغة ، ولا خلاف أنّ النكاح في عرف الشرع هو العقد حقيقة ، وهو الطاري على عرف اللغة ، وكان ناسخا له ، والوطء الحرام لا ينطلق عليه في عرف الشرع اسم النكاح ، بغير خلاف.

قال شيخنا أبو جعفر ، في كتاب العدة : إنّ النكاح اسم للوطء حقيقة ، ومجاز في العقد ، لأنّه موصل إليه ، وإن كان بعرف الشرع قد اختص بالعقد ، كلفظ الصلاة وغيرها (٢) هذا آخر كلامه في عدته.

فقد اعترف أنّه قد اختص بعرف الشرع بالعقد ، وأيضا قوله تعالى « إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ) (٣) فقد سمى الله تعالى العقد نكاحا ، بمجرده ، وذهب الباقون من أصحابنا إلى أنّ ذلك لا يحرم على كلّ واحد منهما ما فعله الآخر.

وهذا مذهب شيخنا المفيد (٤) ، والسيد المرتضى (٥) ، وهو الصحيح الذي يقوى في نفسي ، لأنّ الأصل الإباحة ، ويعضده قوله تعالى « فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ » وهذه قد طابت ، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في

__________________

(١) النساء : ٢٢.

(٢) عدة الأصول : ج ١ ، ص ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٣) الأحزاب : ٤٩.

(٤) في المقنعة : كتاب النكاح ، باب من يحرم نكاحهن ص ٥٠٠.

(٥) في الانتصار : كتاب النكاح ، مسألة ٧.

٥٢٤

بعض كتبه (١) وقول الرسول عليه‌السلام : « لا يحرّم الحرام الحلال » دليل على صحة ما قلناه واخترناه.

ويحرم العقد على الزانية ، وهي ذات بعل ، أو في عدة رجعية ، ممن زنى بها سواء علم في حال زناه بها أنّها ذات بعل ، أو لم يعلم تحريم أبد.

ومن أوقب غلاما أو رجلا حرم على اللائط الموقب بنت المفعول به ، وامه ، وأخته تحريم أبد ، ويدخل في تحريم الام تحريم الجدة ، وإن علت ، لأنّها أمّ عندنا حقيقة ، وكذلك بنت البنت ، وكذلك بنت ابن بنته ، وإن سفلن (٢) لأنّهن بناته حقيقة ، وأمّا بنت أخته ، فإنّها لا تحرم ، لأنّ بنت الأخت ليست أختا.

وحدّ الإيقاب المحرّم لذلك ، إدخال بعض الحشفة ولو قليلا ، وإن لم يجب عليه الغسل ، لأنّ الغسل لا يجب إلا بغيبوبة الحشفة جميعها ، والتحريم لهؤلاء المذكورات ، يتعلّق بإدخال بعضها ، لأنّ الإيقاب هو الدخول.

فأمّا المفعول به فلا يحرم عليه من جهة الفاعل شي‌ء.

ويحرم أيضا على التأبيد ، المعقود عليها في عدة معلومة ، أيّ عدة كانت ، أو إحرام معلوم ، والمدخول بها فيهما على كلّ حال ، سواء كان عن علم أو جهل بها والمطلّقة تسع تطليقات للعدة ، ينكحها بينها رجلان ، تحرم تحريم أبدا على مطلّقها هذا الطلاق.

وتحرم أيضا تحريم أبد الملاعنة.

ومن قذف زوجته ، وهي صماء أو خرساء ، تحرم عليه تحريم أبد.

ويدلّ على تحريم ذلك أجمع ، إجماع أصحابنا عليه ، فهو الدليل القاطع على ذلك ، واستدلال المخالف علينا في تحليل هؤلاء بأنّ الأصل الإباحة ، وبظواهر القرآن ، كقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٣) وقوله : ( وَأُحِلَّ

__________________

(١) في النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٢) ج : سفل.

(٣) النساء : ٣.

٥٢٥

لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (١) غير لازم ، لأنّا نعدل عن ذلك بالدليل الذي هو إجماعنا ، كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها بغير خلاف بينهم ، فإذا ساغ لهم العدول ، ساغ لغيرهم العدول عن العموم بالدليل ، لأنّه لا خلاف أنّ العموم قد يخص بالأدلة.

وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب ، حكم الحرائر.

قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : مسألة إذا زنى بامرأة ، فأتت ببنت ، يمكن أن تكون منه ، لم تلحق به ، بلا خلاف ، ولا يجوز له أن يتزوجها ، وبه قال أبو حنيفة. ثمّ حكى عن الشافعي جواز أن يتزوجها ، ثم استدل شيخنا على ما اختاره ، فقال : دليلنا ما دللنا عليه ، من أنّه إذا زنى بامرأة ، حرمت عليه بنتها ، وانتشرت الحرمة ، وهذه بنتها ، ثم قال : وأيضا قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) (٢) وهذه بنته لغة ، وإن لم تكن شرعا (٣).

قال محمّد بن إدريس : لم تحرم عليه هذه البنت ، من حيث ذهب شيخنا إليه ، لأنّ عند المحصّلين من أصحابنا إذا زنى بامرأة لم تحرم عليه بنتها ، وقد دللنا على ذلك ، وقوله : هي بنته لغة ، فعرف الشرع ، هو الطارئ على عرف اللغة ، وإنّما تحرم عليه إذا كان الزاني مؤمنا ، لأنّ البنت المذكورة كافرة على ما يذهب إليه أصحابنا من أنّ ولد الزنا كافر ، ولا يجوز للمؤمن أن يتزوج بكافرة ، فمن هذا الوجه تحرم ، لا من الوجهين المقدّم ذكرهما.

وأمّا من يحرم العقد عليه في حال دون حال ، فأخت المعقود عليها بلا خلاف ، أو الموطوءة بالملك بلا خلاف ، إلا من داود بن علي الأصفهاني ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى ( وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) (٤) لأنّه لم يفصّل.

والخامسة حتى تبين إحدى الأربع ، بما يوجب البينونة.

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ٨٣.

(٤) النساء : ٢٣.

٥٢٦

والمطلقة ثلاثا سواء كان ذلك طلاق العدّة ، أو طلاق السنّة ، على ما تبينه ، حتى تنكح زوجا غيره مخصوصا ، نكاحا مخصوصا ، ويدخل بها دخولا مخصوصا ، وتبين منه ، وتنقضي العدة.

والمطلّقة التي تلزمها العدّة حتى تخرج من عدّتها.

ومن عليها عدّة وإن لم تكن مطلّقة ، حتى تخرج من العدّة ، كلّ هذا بدليل إجماعنا.

وبنت الأخ على عمتها ، وبنت الأخت على خالتها ، بغير إذن ورضاء منهما عندنا.

والأمة على الحرة بغير إذنها ورضاها.

والزانية حتى تتوب على الزاني بها ، إذا لم تكن ذات بعل عند بعض أصحابنا ، وهو الذي ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، إلا أنّه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ، فقال : ذلك على الاستحباب دون الوجوب (٢) ، وهو الذي يقوى في نفسي ، وافتي به ، لأنّ الأصل الإباحة ، وقوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٣).

ويحرم عقد الدوام على الكافرة ، وإن اختلفت جهات كفرها ، حتى تتوب من الكفر ، إلا على وجه نذكره بدليل إجماع الطائفة ، ولقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٤) وقوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (٥) وقوله ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) (٦) لأنّه نفى بالظاهر للتساوي في جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة ، فأمّا قوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) (٧) نخصّه بالنكاح المؤجل ، فإنّه جائز عند بعض أصحابنا على الكتابيات اليهود والنصارى ، دون المجوسيات ، أو نحمله عليهن ، إذا كنّ مسلمات ، بدليل ما قدّمناه ، ولا يمتنع أن يكون من جهة

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٢) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ٧١.

(٣) النساء : ٣.

(٤) الممتحنة : ١٠.

(٥) البقرة : ٢٢١.

(٦) الحشر : ٢٠.

(٧) المائدة : ٥.

٥٢٧

الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر ، وبين من لم تكفر أصلا ، فيكون في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة.

فإن قالوا : لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه ، ليسلم لكم ظواهر آياتكم بأولى منا ، إذا خصصنا ظواهركم بالمرتدات ، والحربيات ليسلم لنا ظواهر الآيات التي نستدل بها.

قلنا : غير مسلّم لكم التساوي في ذلك ، نحن أولى بالتخصيص منكم ، لأنّكم تعدلون عن ظواهر كثيرة ، ونحن نعدل عن ظاهر واحد ، وإذا كان العدول عن الحقيقة إلى المجاز انّما يفعل للضرورة ، فقليله أولى من كثيره بغير شبهة.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ويحرم وطء جارية قد ملكها الأب أو الابن ، إذا جامعاها ، أو نظرا منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه ، أو قبلاها بشهوة (١).

قال محمّد بن إدريس : امّا إذا جامعاها ، فلا خلاف في ذلك من جهة الإجماع ، ولو لا الإجماع لما كان على حظر ذلك دليل من جهة الكتاب أو السنّة المتواترة ، فأمّا إذا قبلاها ، أو نظرا إليها على ما قال رحمه‌الله ، فلا إجماع على حظر ذلك ، بل الأصل الإباحة ، مع قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) وقوله ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٣) وهذا مذهب شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان (٤) ، والفقيه أبي يعلى سلّار رحمهما‌الله (٥) ، وبه افتي.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا ملك الرجل جارية ، فوطأها ابنه قبل أن يطأها ، حرم على الأب وطؤها ، فإن وطأها بعد وطء الأب لم يحرم ذلك على الأب وطؤها (٦).

__________________

(١) و (٦) النهاية : كتاب النكاح باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٢) النساء : ٣.

(٣) النساء : ٣.

(٤) في المقنعة : أبواب النكاح ، باب من يحرم نكاحهن ، آخر الباب ص ٥٠٢.

(٥) في المراسم : كتاب النكاح ، والعبارة هكذا : وقد روي أنّ الأب إذا نظر من أمته إلى ما يحرم على غيره النظر إليه بشهوة لا تحلّ لابنه أبدا.

٥٢٨

قال محمّد بن إدريس : لا فرق بين الأمرين في أنّ ذلك لا يحرّمها على الأب ، لأنّ الرسول عليه‌السلام قال : لا يحرّم الحرام الحلال (١) وقال تعالى :

( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) وهذه قد طابت ، وقال تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٣) وهذه ملك يمين ، والأصل الإباحة أيضا ، فلا يرجع عن هذه الأدلة القاهرة بأخبار الآحاد ، إذ لا إجماع منعقد على تحريم هذه الجارية على الأب ، ولا نص كتاب ، ولا سنّة متواترة ، ودليل العقل غير مانع من وطيها ، وإلى هذا ذهب شيخنا ، أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه ، في كتابه ، كتاب من لا يحضره فقيه ، قال : وإن زنى رجل بامرأة ابنه أو امرأة أبيه ، أو بجارية ابنه ، أو بجارية أبيه ، فإنّ ذلك لا يحرّمها على زوجها ، ولا يحرم الجارية على سيّدها ، وانّما يحرّم ذلك إذا كان ذلك منه بالجارية وهي حلال ، فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ، ولا لأبيه (٤) هذا آخر كلام ابن بابويه.

ونعم ما قال ، فإنّه كان ثقة جليل القدر ، بصيرا بالأخبار ، ناقدا للآثار ، عالما بالرجال ، حفظة ، وهو أستاذ شيخنا المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان.

وقد روى أنّ من فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما أبدا (٥) ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٦) ، وشيخنا المفيد في مقنعته (٧) ، والسيد المرتضى في انتصاره (٨) ، فإن كان على المسألة إجماع ، فهو الدليل عليها ، ونحن قائلون وعاملون بذلك ، وإن لم يكن إجماعا ، فلا دليل على تحريم البنتين المذكورتين ، من كتاب ولا سنّة ، ولا دليل عقل ، وليس دليل الإجماع في قول رجلين ، ولا

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ١٢.

(٢) و (٣) النساء : ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : باب ما أحلّ الله عزوجل من النكاح وما حرّم منه ، ج ٣ ، ص ٢٩٣ ، ذيل الحديث ٤١.

(٥) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٦) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٧) المقنعة : أبواب النكاح ، باب من يحرم نكاحهن ص ٥٠١.

(٨) الانتصار : كتاب النكاح ، المسألة ٧.

٥٢٩

ثلاثة ، ولا من عرف اسمه ونسبه ، لأنّ وجه كون الإجماع حجة عندنا ، دخول قول معصوم من الخطأ في جملة القائلين بذلك ، فإذا علمنا في جماعة قائلين بقول أنّ المعصوم ليس هو في جملتهم ، لا نقطع على صحة قولهم إلا بدليل غير قولهم ، وإذا تعيّن المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه ، لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع ، لأنّه انّما كان حجة لدخول قول المعصوم فيه ، لا لأجل الإجماع ، ولما ذكرناه يستدل المحصّل من أصحابنا على المسألة بالإجماع ، وإن كان فيها خلاف من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب ، فليلحظ ذلك وليحقق.

وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين ، فوطأها قبل التسع ، لم يحل له وطؤها أبدا ، وهو بالخيار بين أن يطلّقها ، أو يمسكها ، ولا يحلّ له وطؤها أبدا ، وليس بمجرد الوطء تبين منه ، وينفسخ عقدها كما يظن ذلك من لا يحصل شيئا من هذا الفن ، ولا يفهم معنى ما يقف عليه من سواد الكتب.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا تزوج الرجل بصبيّة لم تبلغ تسع سنين ، فوطأها ، فرّق بينهما ، ولم تحل له أبدا (١).

معنى قوله رحمه‌الله « فرق بينهما » المراد بذلك في الوطء ، دون بينونة العقد وانفساخه ، لأنّ الإجماع منعقد منه رحمه‌الله ومن أصحابنا بأجمعهم ، أنّ من دخل بامرأة (٢) ووطأها ولها دون تسع سنين ، وأراد طلاقها ، طلّقها على كلّ حال ، ولا عدّة عليها منه بعد الطلاق ، على الأظهر من أقوال أصحابنا ، فإذا كانت قد بانت بوطئه لها قبل بلوغها التسع ، فلا حاجة إلى طلاقها ، ولا يتقدر ذلك بحال.

وقد كنّا أملينا مسألة قبل تصنيفنا لهذا الكتاب بسنين عدة ، في هذا المعنى ، فأحببنا إيرادها هاهنا ، وها هي.

إن سأل سائل فقال : أرى في معظم كتبكم مسألة ظاهرها متضاد متناف ،

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٢) ل. ق : بامرأته.

٥٣٠

وهي من وطأ زوجته ولها دون تسع سنين ، حرّمت عليه أبدا ، وفرّق بينهما بغير خلاف بينكم في ذلك ، هذا في أبواب النكاح من تصانيف أصحابكم ، ثمّ في أبواب الطلاق وأقسامه يذكر هؤلاء أصحاب الكتب والتصانيف من أصحابكم بغير خلاف بينهم ، أقسام الطلاق ، ومن تجب عليها عدّة ، ومن لا تجب ، فيقولون : من دخل بامرأته (١) ولها دون تسع سنين ، وأراد طلاقها ، فليطلّقها على كلّ حال ، وليس له عليها بعد طلاقه لها عدة ، وإن كانت مدخولا بها على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وقد قلتم انّ من دخل بزوجته ولها دون تسع سنين ، لا تحل له أبدا ، وحرّمت عليه أبدا ، ويفرّق بينهما ، فإذا كان قد حرّمت عليه أبدا ولا تحلّ له ابدا ، فلا تحتاج حينئذ إلى طلاق ، لأن من يحرم أبدا وطؤها على زوجها ، ولا تحلّ له أبدا ، كيف تقولون إذا أراد طلاقها فليطلقها ، وهذا ظاهره متناقض متناف كما ترى.

قلنا : ليس بين القول بصحة طلاق من ذكر في السؤال ، وبين تحريم وطئها على زوجها أبدا وأنّها لا تحلّ له أبدا ، تناف ولا تضاد ، ولا تناقض ، على ما ظنه السائل ، واعتقده ، وأي تضاد بين تحريم وطئها على زوجها وصحة طلاقها ، لأنّ صحة الطلاق مبنيّ على صحة العقد ، ولا خلاف في صحة عقدها أولا وأنّها زوجته ، فطريان التحريم ، وإن وطئها لا يحل له أبدا ، لا يخرجها من كونها زوجة له ، وإن عقدها الأول غير صحيح ، أو قد انفسخ ، إذ لا تنافي بين الحكمين ، لأنّ الأصل صحة العقد واستدامته ، فمن ادّعى بطلانه بوطئه لها قبل بلوغها تسع سنين يحتاج إلى دليل.

فإن قيل : كيف يكون عقدها ثابتا على ما كان عليه أولا ، وهو. لا يحل له وطؤها أبدا؟

قلنا : هذا غير مستبعد من الأحكام الشرعية والمصالح الدينية ، لأنّا نثبتها

__________________

(١) ج : بامرأة.

٥٣١

بحسب الأدلة ، إذ لا تنافي بينهما على ما مضى ذكره ألا ترى أنّ من ظاهر من امرأته أو آلى منها ولم يكفر عن ظهاره ولا عن إيلائه ، ولا رافعته إلى الحاكم ، واستمر ذلك منها مائة سنة ، فإنّ نكاحها محرّم عليه ، ولا يحل له وطؤها بغير خلاف ، وهي زوجته وعقدها باق ، ويصح طلاقها بغير خلاف ، إذ لا تنافي بينهما ، وكذلك من كان في فرجها قرح أو ألم يضرها الوطء ، ويخشى على نفسها من الوطء في الموضع ، واستمر ذلك تقديرا مائة سنة ، فانّ وطئها لا يحل لزوجها ، وعقدها باق ، ويصح طلاقها بغير خلاف ، إذ لا تضاد بين الحكمين ، أعني تحريم الوطء ، وبقاء العقد على ما كان ، وصحة الطلاق.

وأيضا فقد وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار عليهم‌السلام ، بصحة ما ذكرناه ، فمن ذلك ما أورده شيخنا الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، في كتابه كتاب من لا يحضره فقيه (١) ، قال : روى الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن رجل تزوّج جارية بكرا لم تدرك ، فلمّا دخل بها افتضها فأفضاها ، قال : إن كان دخل (٢) بها ولها تسع سنين ، فلا شي‌ء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين ، أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها ، فافتضّها ، فإنّه قد أفسدها وعطلها على الأزواج ، فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتى تموت ، فلا شي‌ء عليه (٣).

ألا تراه عليه‌السلام قد أثبت له الخيرة بين إمساكها وطلاقها ، بقوله : « فإن أمسكها ولم يطلقها » فلو كانت بنفس الوطء قبل بلوغ تسع سنين تبين منه ، وينفسخ عقدها ، لما قال عليه‌السلام : « فإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شي‌ء عليه ».

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : باب ما أصل الله عزوجل من النكاح وما حرّم منه ، ج ٣ ، ص ٢٧٢ ، ح ٧٩ ، وفي الوسائل : الباب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ١.

(٢) ج : دخل حين دخل.

(٣) الوسائل : الباب ٤٥ من أبواب مقدمات النكاح ، ح ٩.

٥٣٢

وشيخنا أبو جعفر الطوسي يصرّح بهذا ، وأورد في كتابه الاستبصار ، من الأخبار ما يؤذن ببقاء العقد والتخيير بين الطلاق والإمساك ، لمن ذكرنا حاله ، ويتأول بعض الأخبار ، وجمع بين معانيها ، ولائم بين ألفاظها ، في أنّه يحرم عليه وطؤها ، ولا تحلّ له أبدا ، ويصح طلاقها بعد ذلك ، أورده في الجزء الثالث ، في باب من وطأ جارية فأفضاها ، قال الحسن بن محبوب ، عن الحارث بن محمّد بن النعمان ، صاحب الطاق ، عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في رجل افتضّ جارية ، يعني امرأته فأفضاها ، قال : عليه ديتها إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين ، قال : فإن أمسكها فلم (١) يطلّقها فلا شي‌ء عليه ، وإن كان دخل بها ولها تسع سنين ، فلا شي‌ء عليه ، إن شاء أمسك ، وإن شاء طلّق (٢).

فأمّا ما رواه ابن أبي عمير عن حمّاد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل تزوج جارية ، فوقع بها فأفضاها ، قال : عليه الاجراء عليها ما دامت حيّة (٣).

فلا ينافي الخبر الأول ، لأنّا نحمل هذا الخبر على من وطأها بعد التسع السنين ، فإنّه لا تكون عليه الدية ، وانّما يلزمه الاجراء عليها ما دامت حيّة ، لأنّها لا تصلح للرجال ، ولا ينافي هذا التأويل قوله في الخبر الأول : « إن شاء طلّق وإن شاء أمسك ، إذا كان الدخول بعد تسع سنين » لأنّه قد ثبت له الخيار بين إمساكها وبين طلاقها ، ولا يجب عليه واحد منهما ، وإن كان يلزمه النفقة عليها علىّ كلّ حال ، لما قدّمناه.

وأمّا الخبر الذي رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب ، عن بريد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها ، قبل أن تبلغ تسع سنين ،

__________________

(١) ج : ولم.

(٢) الاستبصار : باب من وطء جارية فأفضاها ، ج ٤ ، ص ٢٩٤ ، وفي الوسائل : الباب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ٣.

(٣) الوسائل : الباب ٤٤ من أبواب ديات الأعضاء ، ح ٣.

٥٣٣

فرّق بينهما ، ولم تحل له أبدا (١).

فلا ينافي ما تضمنه خبر بريد من قوله : « فإن أمسكها ولم يطلّقها ، فلا شي‌ء عليه » لأنّ الوجه أن نحمله على أنّ المرأة إذا اختارت المقام معه ، واختار هو أيضا ذلك ، ورضيت بذلك عن الدية ، كان ذلك جائزا ، ولا يجوز له وطؤها على حال ، على ما تضمنه الخبر الأول ، حتى نعمل بالأخبار كلّها.

فهذه الأخبار جميعها ، والتأويلات ، والألفاظ ، إيراد شيخنا أبي جعفر ، وقوله وتأويله ، من غير زيادة ولا نقصان ، ألا تراه قد جمع في آخر تأويله الأخبار ، بين انّها لا تحلّ له أبدا ، وبين إمساكها زوجة ، مع اختيار الزوج ، وفي ألفاظ الأخبار التي أوردها التخيير بين إمساكها وطلاقها.

وأورد في نهايته (٢) الخبر المرسل الذي أورده في استبصاره ، أورده وتأوله ، الذي رواه محمّد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن يعقوب ، عن بريد ، عن بعض أصحابنا.

وهذا كما تراه خبر واحد مرسل ، والمراسيل لا يعمل بها من يعمل بأخبار الآحاد ، فكيف من لا يعمل بأخبار الآحاد جملة ، ولو أورد غيره في نهايته من جملة ما أورده من الأخبار في استبصاره ، كان أوضح في البيان.

وقد قدّمنا أنّ من عقد على امرأة في عدّتها ، ودخل بها ، فرّق بينهما ، ولم تحل له أبدا ، سواء كان عالما أو جاهلا ، وكان لها المهر بما استحل من فرجها ، إذا لم تكن عالمة بأنّ ذلك لا يجوز ، فأمّا إن كانت عالمة بتحريم ذلك ، فلا مهر لها ، وكان عليها عدّتان ، تمام العدّة الاولى من الزوج الأول ، وعدّة اخرى من الزوج الثاني ، فإن كانت العدّة التي عقد فيها الثاني رجعية ، فالنفقة على زوجها

__________________

(١) الاستبصار : باب من وطء جارية فأفضاها ، ج ٤ ، ص ٢٩٤ ، وفي الوسائل : الباب ٣٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ٢ وفي المصدر : يعقوب بن يزيد.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد والزفاف.

٥٣٤

الأول ، وإن أراد مراجعتها ، فانّ له ذلك.

فإن قيل : كيف يكون عليه النفقة ، والنفقة لا تجب إلا بتمكين الاستمتاع بها والوطء ، وهذا ممنوع من ذلك؟

قلنا : المرأة غير مانعة له ، وانّما المنع من جهة الشارع دونها ، لأنّ المنع لو كان منها سقطت نفقتها ، وهذا ليس هو منعا منها ، كما انّها لو كانت مريضة فإنّه ممنوع من وطئها ، ويجب عليه النفقة عليها ، وأيضا فهي زوجة ، والنفقة تجب على الزوجات من الأزواج بغير خلاف.

فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لا حقا بالأول ، فإن كان لستة أشهر فصاعدا كان لا حقا بالثاني.

ومتى قذفها زوجها أو غيره بما فعلته من الفعل ، فإن كانت عالمة بذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن كانت جاهلة ، وجب عليه حد القاذف.

الوطء المباح بعقد غير عقد الشبهة ، والوطء بملك اليمين ، ينشر تحريم المصاهرة ، ويثبت به حرمة المحرم ، فأمّا الوطء الحرام ، فعلى الصحيح من المذهب لا ينشر تحريم المصاهرة ، ولا خلاف أنّه لا يثبت به حرمة المحرم.

ومعنى حرمة المحرم ، ان أمهات الموطوءة وبناتها يحل النظر إليهن ، مثلا حمأة الرجل يحل له النظر إليها ، كما يحلّ له النظر إلى امه ، وبنته ، وكذلك بنت امرأته من غيره ، هذا في العقد الصحيح ، والوطء المباح ، فهذا معنى حرمة المحرّم.

فأمّا معنى تحريم المصاهرة فإنّ الإنسان لا يحلّ له أن يتزوج بأمّ امرأته ، ولا بنتها ، إذا كان قد دخل بالأم تحريم أبد ، ولا بأختها تحريم جمع ، فهذا معنى تحريم المصاهرة.

فأمّا عقد الشبهة ووطء الشبهة ، فعندنا لا ينشر الحرمة ، ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال ، وانّما أصحابنا رووا أنّه يلحق به الولد ، ولا يحدّ فاعله ، لقوله عليه‌السلام : ادرءوا الحدود بالشبهات (١) ، وما سوى هذين الحكمين ، فحكمه

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٤ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٤.

٥٣٥

حكم الوطء الحرام ، وعند الشافعي ينشر تحريم المصاهرة ، ولا يثبت به حرمة المحرم ، وإن كان شيخنا قد أورد ذلك في مبسوطة (١) ، فهو رأي الشافعي ، لا رأي الإمامي.

وقد قلنا أنّه لا يجوز أن يجمع بين الأختين في نكاح الدوام ولا النكاح المؤجل.

فإن عقد عليهما في حالة واحدة ، كان مخيّرا في أن يمسك أيتهما شاء ، على ما روي في بعض الأخبار (٢) ، أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

والذي تقتضيه أصول المذهب ، أنّ العقد باطل ، يحتاج أن يستأنف عقدا على أيّهما شاء ، على ما قدّمناه ، لأنّه منهي عنه ، والنهي يدلّ على فساد المنهي عنه ، بلا خلاف بين محققي أصحاب أصول الفقه ، ومحصّلي هذا الشأن.

وشيخنا فقد رجع في مبسوطة (٤) عما أورده في نهايته ، وهو محجوج بقوله : فان عقد على امرأة ، ثمّ عقد على أختها ، كان العقد على الثانية باطلا ، فإن وطأ الثانية ، فرّق بينهما ، وروي (٥) أنّه لا يرجع إلى نكاح الأوّلة حتى تخرج التي وطأها من عدتها (٦) ، ولا دليل على صحة هذه الرواية.

والذي تقتضيه أصول المذهب ، أنّه لا يمتنع من وطء امرأته الأولى ، لأنّه غير جامع بين الأختين ، لأنّ عدّة الثانية لغيره ، وهي عدة بائنة ، لا رجعة له عليها فيها ، فإذا لم يكن مانع من كتاب الله ، ولا إجماع ، ولا سنّة ، ولا دليل عقل ، بل الكتاب والعقل والسنّة يحكم بما ذكرناه ، لأنّ الأصل الإباحة وقوله تعالى : ( إِلّا

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ٢٠٣ ، والعبارة هكذا : والوطي شبهة ينشر تحريم المصاهرة

(٢) الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٤) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ٢٠٦.

(٥) الوسائل : الباب ٢٦ ، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ١.

(٦) إلى هنا ينتهي كلام الشيخ قدس‌سره في النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

٥٣٦

عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (١) فنفى اللوم عن وطء زوجته.

ومتى عقد على امرأة ثمّ عقد على أمها أو أختها أو بنتها بجهالة ، فرّق بينهما ، فإن وطأها وجاءت بولد ، كان لا حقا به ، وروي أنّه لا يقرب الزوجة الاولى حتى تنقضي عدّتها (٢).

وقد قلنا ما عندنا في مثل ذلك ، فلا وجه لا عادته.

ومتى طلّق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ، لم يجز له العقد على أختها ، حتى تنقضي عدّتها ، فإن كانت التطليقة لا رجعة له عليها في تلك العدّة ، فبعد تلك التطليقة ، جاز له العقد على أختها في الحال ، وكذلك كل عدّة لا رجعة للزوج على الزوجة فيها ، يجوز له العقد على أخت المعتدة في الحال ، متمتعة كانت أو مفسوخا نكاحها ، أو مطلقة مبارية أو مختلعة.

وقد روي في المتمتعة ، إذا انقضى أجلها أنّه لا يجوز العقد على أختها ، حتى تنقضي عدتها (٣) وهذه رواية شاذة ، مخالفة لأصول المذهب ، لا يلتفت إليها ، ولا يجوز التعريج عليها.

فإن قيل : لا يجوز العقد على أختها ، لأنّه يجوز له أن يعقد عليها قبل خروجها من عدّتها ، وغيره لا يجوز له أن يعقد عليها ، ولا أن يطأها إلا بعد خروجها من عدّتها ، والعقد عليها ، فقد صارت كأنّها في عدّته.

قلنا : هذا قول بعيد من الصواب ، لأنّ المختلعة يجوز له العقد على أختها في الحال ، بغير خلاف ، وإن كان يجوز له العقد عليها قبل الخروج من عدّتها ، إذا تراضيا بذلك ، وإن غيره لا يجوز له ذلك بحال ، فلا فرق بينهما من هذا الوجه ، وأيضا هذه عدّة لا رجعة للزوج على الزوجة فيها بغير خلاف ، فخرجت من أن تكون زوجة له ، فلم يكن جامعا في حباله بين الأختين بحال.

__________________

(١) المؤمنون : ٦.

(٢) الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ٦.

(٣) الوسائل : الباب ٢٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ١.

٥٣٧

وإذا ماتت إحدى الأختين ، جاز له أن يعقد على أختها في الحال.

ولا بأس أن يجمع الرجل بين الأختين في الملك ، لكنّه لا يجمع بينهما في الوطء ، لأنّ حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد ، فمتى ملك الأختين ، فوطأ واحدة منهما ، لم يجز له وطء الأخرى ، حتى يخرج تلك من ملكه بالهبة ، أو البيع ، أو غيرهما.

وقد روي (١) أنّه إن وطأ الأخرى بعد وطئه الاولى ، وكان عالما بتحريم ذلك عليه ، حرمت عليه الاولى حتى تموت الثانية ، فإن أخرج الثانية عن ملكه ، ليرجع إلى الأولى ، لم يجز له الرجوع إليها ، وإن أخرجها من ملكه لا لذلك ، جاز له الرجوع إلى الاولى ، وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه ، جاز له الرجوع إلى الأولى على كل حال ، إذا أخرج الثانية من ملكه.

والرواية بهذا الذي سطرناه قليلة لم يوردها في كتابه وتصنيفاته إلا القليل من أصحابنا.

والذي تقتضيه أصول المذهب ويقوى في نفسي ، أنّه إذا أخرج إحداهما من ملكه ، حلّت الأخرى ، سواء أخرجها ليعود إلى من هي باقية في ملكه ، أو لا ليعود ، عالما كان بالتحريم ، أو غير عالم ، لأنّه إذا أخرج إحداهما ، لم يبق جامعا بين الأختين بلا خلاف ، فأمّا تحريم الأولى إذا وطأ الثانية ، ففيه نظر ، فإن كان على ذلك إجماع منعقد ، أو كتاب أو سنّة متواترة ، رجع إليه وإلا فلا يعرج عليه ، لأنّ الأصل الإباحة للأولى ، وانّما التحريم تعلّق بوطء الثانية بعد وطئه للأولى ، لأنّه بوطئه للثانية يكون جامعا بين الأختين ، فكيف تحرم الاولى ، وهي المباحة الوطء ، وتحلّ المحرمة الوطء؟ وقد قلنا أنّها رواية أوردها شيخنا في نهايته (٢) إيرادا لا اعتقادا ، مثل ما أورد كثيرا من الأخبار في كتابه المشار إليه ، إيرادا لا اعتقادا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٧ و ٩ و ١٠.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

٥٣٨

ولا يجوز للرجل الحر أن يعقد على أكثر من أربع من الحرائر ، أو أمتين.

ولا بأس أن يجمع بين حرة وأمتين ، أو حرتين وأمتين بالعقد ، فأمّا بملك اليمين ، فليجمع ما شاء منهن ، مع العقد على أربع حرائر.

فإن كان الرجل عنده ثلاث نسوة ، وعقد على اثنتين ، في عقد واحد أمسك أيّتهما شاء ويخلّي سبيل الأخرى ، على ما روي في بعض الأخبار (١) ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، وأنّ العقد باطل ، لأنّه منهي عنه بغير خلاف.

فإن كان قد عقد عليهما بلفظتين ، ثم دخل بالتي بدأ باسمها ، كان عقدها صحيحا ، فإن دخل بالتي ذكرها ثانيا ، كان نكاحها باطلا ، وتلزمها العدة لأجل الدخول ، ويلزمه المهر ، فإن حملت لحق به الولد.

والذمي إذا كان عنده أكثر من أربع نساء ، ثمّ أسلم فليمسك منهن أربعا ، وليخلّ سبيل الأخر ، ويكون خيرته على الفور ، لئلا يكون جامعا بين أكثر من أربع.

وإذا طلّق الرجل واحدة من الأربع طلاقا يملك فيه الرجعة ، فلا يجوز له العقد على اخرى ، حتى تخرج تلك من العدة ، فإن كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة جاز له العقد على أخرى في الحال ، وكذلك إن كان فسخا لا طلاقا ، جاز له العقد على أخرى في الحال.

والمملوك لا يجمع بين أكثر من حرتين ، أو أربع إماء بالعقد.

ولا بأس أن يعقد على حرة وأمتين ، لأنّ الحرة في حقه بمنزلة الأمتين ، ولا يعقد على حرتين ويضيف إليهما العقد على أمة ، لأنا قد قدّمنا ان الحرة في حقه بمنزلة الأمتين ، فيصير حينئذ كأنه عقد على خامسة.

وقد قدّمنا أن جميع المحرّمات من جهة النسب ، يحرمن من جهة الرضاع.

ولو أنّ رجلا عقد على جارية رضيعة ، فأرضعتها امرأته ، حرمتا عليه جميعا ، إذا

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد ، فيمن تزوج خمسا في عقد واحد.

٥٣٩

كان قد دخل بالمرأة المرضعة ، لأن الجارية الرضيعة صارت ربيبة من نسائه اللاتي دخل بهن ، وحرمت الكبيرة المرضعة ، لأنها صارت من جملة أمّهات نسائه ، فان لم يكن دخل بالكبيرة ، فإن الجارية المرضعة تحل له ، لأنها ممن لم يدخل بأمها ، فأمّا الكبيرة فهي محرمة عليه على كل حال.

وشيخنا أبو جعفر ، أطلق ذلك في نهايته ، من غير تفصيل ، فإنه قال : ولو ان رجلا عقد على جارية رضيعة ، فأرضعتها امرأته ، حرمتا عليه جميعا ، وان أرضعت الجارية امرأتان له ، حرمت عليه الجارية والمرأة التي أرضعتها أولا ، ولم تحرم عليه التي أرضعتها ثانيا (١).

لأنّها بعد رضاعها من المرأة الأولى ، صارت بنته ، فإذا أرضعتها المرأة الأخيرة ، فقد أرضعت بنته ولا بأس بأن ترضع امرأة الرجل بنته بغير خلاف وهذه رواية (٢) شاذة أوردها بعض أصحابنا.

والصحيح ان الأخيرة تحرم عليه أيضا ، لأنها أم من كانت زوجته ، فهي داخلة تحت عموم قوله تعالى « وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ » (٣) فالتمسك بالقران وعمومه ، أولى من التمسك برواية شاذة ، أو قول مصنف ، وإيراده في سواد كتابه.

وان عقد على جاريتين رضيعتين ، فان أرضعتهما امرأة له ، حرمت عليه المرضعة والجاريتان معا ، فإن أرضعت امرأتان له هاتين الجاريتين ، حرمن كلهن ، هذا كلّه بشرط اعتبار الدخول بالكبار المرضعات ، فان لم يكن دخل بالكبار ، حرمن الكبار ، ولا يحرمن الصغار على ما قدّمناه وحرّرناه.

فأمّا مهورهن ، فان كان قد دخل بالكبار ، فقد استقر مهورهن عليه.

فامّا مهور الصغار ، فهي أيضا عليه ، لان الفسخ جاء لا من قبلهنّ ، وقال بعض أصحابنا يعود به على الكبار ، ولا ارى لهذا القول وجها ، والأصل براءة

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح باب ما أصل الله النكاح وما حرّم منه.

(٢) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب ما يحرّم بالرضاع.

(٣) النساء : ٢٣.

٥٤٠