كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

فالأولى أن يقال لا بأس بذلك ، فإن قيل : هذا غرر ، قلنا الشي‌ء المنضم إلى العقد ، يخرجه من كونه غررا.

والذي اعتمده ، وأعمل عليه وأفتي به ، أنّه لا يصح بيعها قبل أن تطلع ومعها شي‌ء آخر ، لأنّ البيع حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، ولا دليل على ذلك ، ولو لا الإجماع المنعقد على صحة بيعها إذا أطلعت سنتين ، لما جاز ذلك ، وإلحاق غيره به قياس ، لا نقول به ، ولو ساغ ذلك ، لساغ أن يباع ما تحمل الناقة ومعه شي‌ء آخر.

فأمّا إذا كان البيع بعد بدوّ الصلاح ، فإنّه جائز على سائر الأحوال ، وجميع الأقوال.

وبدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار ، فان كانت ثمرة النخل وكانت مما تحمر ، أو تسود ، أو تصفر ، فبدو الصلاح فيها ذلك ، وان كانت بخلاف ذلك ، فحين يتموه فيها الماء الحلو ، ويصفو لونها ، ولا يعتبر التلون ، والتموّه ، والحلاوة ، عند أصحابنا ، إلّا في ثمرة النخل خاصة ، وإن كانت الثمرة ممّا يتورّد ، فبدو صلاحها ، أن ينتثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وإن كانت غير ذلك ، فحين يخلق ويشاهد.

وقال بعض المخالفين إن كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغيّر طعمه ، ولا لونه ، فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه ، وقد قلنا أنّ أصحابنا لم يعتبروا بدو الصلاح ، إلا فيما اعتبروه من النخل ، والكرم ، وانتثار الورد في الذي يتورّد.

ولا اعتبار بطلوع الثريا في بدو الصلاح ، على ما روي في بعض الأخبار (١) ، وهو قول بعض المخالفين.

وإن كان في بستان واحد ثمار مختلفة ، وبدا صلاح بعضها ، جاز بيع الجميع ، سواء كان من جنسه ، أو من غير جنسه.

__________________

(١) وهو المروي عن ابن عمر على ما أورده في كتاب الخلاف : كتاب البيوع ، ذيل المسألة ١٤٣.

٣٦١

ومتى باع الإنسان نخلا قد أبّر ، كانت ثمرته للبائع ، دون المبتاع ، إلا أن يشترطها المبتاع ، فإن شرطها في حال العقد ، كانت له على ما شرط ، فأمّا إن باعها قبل التأبير ، فهي للمبتاع ، إلا أن يشترطها البائع ، ولا اعتبار عند أصحابنا بالتأبير ، إلا في النخل ، فأمّا ما عداه ، فمتى باع الأصول وفيها ثمرة ، فهي للبائع ، إلا أن يشترطها المبتاع ، سواء لقّحت ، وأبّرت ، أو لم تلقّح ، لأنّ العقد ما وقع إلا على نفس الأصل ، دون الثمرة ، ولأنّ الأصل والثمرة جميعا ، ملك للبائع ، فبالعقد انتقل الأصل إلى ملك المبتاع ، ولا دليل على انتقال الثمرة ، فبقيت على ما كانت في ملك البائع ، وإلحاق ذلك واعتباره بالتأبير بالنخل ، قياس لا نقول به ، لأنّه عندنا باطل ، فليلحظ ذلك.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى باع الإنسان نخلا ، قد أبرّ ولقّح ، كانت ثمرته للبائع ، دون المبتاع ، إلا أن يشرط المبتاع الثمرة ، فإن شرّط ، كان له على ما شرط ، وكذلك الحكم فيما عدا النخل ، من شجر الفواكه (١).

قوله رحمه‌الله : وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه ، المراد به ومقصوده ، أنّ الثمرة للبائع ، كما قال ذلك في النخل ، لأنّه رحمه‌الله لم يذكر في النخل إلا أنّها أعني ثمرتها ، إذا أبرت ولقحت للبائع ، ولم يذكر المسألة الأخرى التي تكون الثمرة للمبتاع ، وهي إذا لم تؤبّر وتلقح تكون للمبتاع ، إلا من حيث دليل الخطاب ، ودليل الخطاب متروك ، غير معمول به ، عند المحققين (٢) من أصحابنا إلا أن يقوم دليل غيره ، وبالإجماع عرفنا أنّها إذا لم تؤبر الثمرة وباع الأصول فإن الثمرة للمبتاع في النخل ، بقي المعطوف عليه في قوله رحمه‌الله : « وكذلك الحكم فيما عدا النخل من شجر الفواكه » في أن الثمرة للبائع ، لأنّه ما ذكر إلا ما يختص بالبائع ، وأنّها له ، ثم عطف ما عد النخل على النخل ، بعد

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

(٢) ج : المحصّلين.

٣٦٢

التأبير ، بقي ما عدا النخل لا إجماع منّا عليه ، ودليل الخطاب باطل عندنا ، على ما قدّمناه ، وقد قلنا فيما مضى أنّ الأصل والفرع « أعني الثمرة » جميعا للبائع ، فبالعقد يخرج الأصل ، وينتقل إلى ملك المبتاع ، ولا دليل على انتقال الثمرة إلى ملكه ، إلا ما أجمعنا عليه ، من الطّلع الذي لم يؤبّر ، وما عداه من سائر الثمار ، مبقاة على الأصل المقرر ، والأدلة الممهّدة من أنّها ملك للبائع ، هي والأصل ، فينتقل الأصل إلى ملك المشتري بالعقد ، وتبقى الثمرة على ملك صاحبها ، لا دليل على انتقالها ، ولا استدراك على شيخنا أبي جعفر في نهايته ، على ما حرّرناه ، ولا اشتباه في قوله على ما قررناه ، وبيّناه.

فإن قيل : فقد قال في المبسوط بعد شرحه للنخل ، وتأبيره : « وحكم سائر الثمار حكم النخل وثمرتها ، لأنّ أحدا لا يفصل » (١).

قلنا : فقد قال في هذا الكتاب المشار إليه : « وأمّا ما عدا النخل من الأشجار الثابتة التي لها حمل في كل سنة ، خمسة أضرب :

أحدها مثل النخل والقطن وقد بيّنا حكمهما.

والثاني تخرج الثمرة بارزة ، لا تكون في كمام ولا ورد ، مثل العنب والتين ، وما أشبه ذلك ، فإذا باع أصل العنب والتين ، فإن كان قد خرجت الثمرة ، فهي للبائع ، إلا أن يشترط المشتري ، وإن لم يكن خرجت ، وانّما خرجت في ملك المشتري ، فهي للمشتري.

والثالث أن تخرج الثمرة في ورد ، فإذا باع الأصول وقد خرج وردها وتناثر ، وظهرت الثمرة ، فهي للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع ، وإن لم يتناثر وردها ، ولم تظهر الثمرة ، ولا بعضها ، فإنّ الثمرة للمشتري.

والضرب الرابع يخرج الثمرة في كمام ، مثل الجوز ، واللوز ، وغيرهما ، مما دونه

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب البيوع ، فصل في أحكام العقود ، ص ١٠١ ـ ١٠٢.

٣٦٣

قشر يواريه ، إذا ظهر ثمرته ، فالثمرة للبائع ، إلا أن يشترطها المبتاع » هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة (١).

ألا ترى « أرشدك الله » إلى قوله رحمه‌الله : إنّ الثمرة في جميع الأربع مسائل ، جعلها للبائع ، وحكم له بها بنفس الظهور والبروز والخروج ، فلو كان حكمها حكم النخل ، ما جعلها للبائع ، لأنّ البائع لا تكون الثمرة له إذا باع الأصول ، عند أصحابنا ، إلا إذا كانت مؤبرة ، ملقحة ، فأمّا إذا كانت طالعة مخلوقة ، قد خرجت ووبّرت من نفس النخلة قبل تأثيرها ، فهي بإجماعهم للمبتاع ، إلا أن يشترطها (٢) البائع ، وبالتأبير بعد الخروج تكون للبائع ، إلا أن يشترطها المبتاع ، وأيضا فأخبارنا عن أئمتنا عليهم‌السلام (٣) ، لم ترد في التأبير واعتباره ، إلا في النخل خاصة ، وإلا فالسّبر (٤) بيننا ، فلا يجوز لنا أن نتعداها إلى غيرها من الثمار.

وقال رحمه‌الله ، في مبسوطة : إذا باع نخلا قد أطلع ، فإن كان قد أبرّ ، فثمرته للبائع ، وإن لم يكن قد أبّر ، فثمرته للمشتري ، وكذلك إذا تزوج بامرأة على نخلة مطلعة ، أو تخالعه المرأة على نخلة مطلعة ، أو يصالح رجلا من شي‌ء على نخلة مطلعة ، أو يستأجر دارا مدة معلومة بنخلة مطلعة ، قال رحمه‌الله : فجميع ذلك ، إن كان قد أبّر ، فثمرته باقية على ملك المالك الأوّل ، وإن لم يكن أبّر ، فهو لمن انتقل إليه النخل بأحد هذه العقود ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله (٥).

قال محمد بن إدريس ، مصنف هذا الكتاب : وهذا الذي ذكره رحمه‌الله ، مذهب المخالفين لأهل البيت عليهم‌السلام ، لأنّ جميع هذه العقود ، الثمرة فيها للمالك الأول ، سواء أبرت ، أو لم تؤبّر ، بغير خلاف بين أصحابنا ، والمخالف حمل باقي العقود على عقد البيع ، وقاسها عليه ، ونحن القياس عندنا

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب البيوع ، فصل في أحكام العقود ، ص ١٠١ ـ ١٠٢.

(٢) ج : يشترط.

(٣) الوسائل : الباب ٣٢ من أبواب أحكام العقود.

(٤) ج : ما السير.

(٥) المبسوط : ج ٢ ، كتاب البيوع ، فصل في أحكام العقود ، ص ١٠٠.

٣٦٤

باطل ، بغير خلاف بيننا ، فلا يظنّ ظانّ ، ويشتبه على من يقف على كتابه المبسوط ، أنّ جميع ما قاله فيه واختاره مذهب أصحابنا ، بل معظمه مذهب المخالفين وفروعهم ، اختار رحمه‌الله منها ما قوى عنده في الحال الحاضرة ، ولم يعاود النظر فيه ، فليلحظ ما قلناه ، بعين التدبّر والتدين ، دون التقليد لقديم الزمان ، وقول الأول ، فكان الفضل للمتقدّم ، بل الأولى أن نتبع الأدلة ، وقول أمير المؤمنين عليه‌السلام : أعرف الحق تعرف أهله (١) أولى من قول الشاعر من الرّعاع ، وهو عدي بن الرقاع.

وإذا باع نخلة مؤبّرة ، فقد قلنا أنّ الثمرة للبائع ، والأصل للمشتري ، فإذا ثبت هذا ، فلا يجب على البائع نقل هذه الثمرة ، حتى تبلغ أوان ، وقيل إبان ، بكسر الألف والباء المنقطة بنقطة واحدة من تحتها ، مشددة ، وهو وقت الجداد ، بالجيم المفتوحة ، والدالين الغير المعجمتين ، هذا هو الأظهر عند أهل اللغة ، وبعض أصحابنا يقول ذلك بالذّالين المعجمتين ، في العرف والعادة ، وكذلك إذا باع ثمرة منفردة بعد بدو الصلاح فيها ، وجب على البائع تركها ، حتّى تبلغ أوان الجداد في العرف والعادة.

ولا يجوز بيع الخضراوات ، بفتح الخاء ، قبل أن تظهر ، ويبدو صلاحها.

ولا يجوز بيع ما يخرج حملا بعد حمل قبل ظهوره ، كالبادنجان ، والقثّاء ، والخيار والبطيخ ، وأشباه ذلك ، وقد روي جوازه (٢) ، والأحوط ما قلناه ، لأنّ ذلك غرر.

ولا بأس ببيع الزرع بشرط القصل ، والقصل هو القطع ، ويجب على المبتاع قطعه ، قبل أن يسنبل ، فإن لم يقطعه كان البائع بالخيار ، إن شاء قطعه ،

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي الحديث ٣٢. أمالي المفيد : المجلس الأوّل ، الحديث ٣ ص ٥ ، وقد روي مضمونه في نهج البلاغة في قسم الحكم عن كلامه عليه‌السلام ، الرقم (٢٦٢) بهذه العبارة : « انك لم تعرف الحق فتعرف من أتاه ولم تعرف الباطل فتعرف من أتاه ».

(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

٣٦٥

فإن لم يقطعه وبلغ كانت الزكاة إن بلغ النصاب على المشتري ، وعليه أيضا أجرة مثل تلك الأرض ، هذا إذا كانت الأرض عشريّة ، فإن كانت خراجيّة ، كان على المبتاع خراجه.

فأمّا إذا باع الزرع مطلقا عن شرط القطع والقصل ، أو مشروطا بالتبقية ، فلا يجوز للبائع قطعه ، ويجب عليه تبقيته إلى أوان الحصاد ، ولا اجرة له في تبقيته ، بخلاف ما قلناه في المسألة الأولى ، لأنّ هناك تركه غير مستحق ، لأنّه اشترط القطع ، وهذا تركه مستحق ، فوجبت التبقية.

وقال شيخنا في نهايته : ولا بأس بأن يبيع الزرع قصيلا ، وعلى المبتاع قطعه قبل أن يسنبل ، فإن لم يقطعه ، كان البائع بالخيار ، إن شاء قطعه ، وإن شاء تركه ، وكان على المبتاع خراجه (١).

والمراد بقوله رحمه‌الله : « ولا بأس بأن يبيع الزرع قصيلا » ما قلناه من أنّه يبيعه للقطع والقصل ، فلأجل هذا قال : وعلى المبتاع قطعه ، وقوله رحمه‌الله : « وكان على المبتاع خراجه » يريد به طسق الأرض الذي قد قبل به السلطان ، دون الزكاة ، لأنّ الأرض خراجية ، وهي المفتتحة عنوة ، دون أن تكون عشرية ، لأنّها إن كانت عشرية ، كانت عليه الزكاة فحسب ، والخراجيّة عليها الخراج ، الذي هو السهم الذي قد تقبلها به ، فإن فضل بعده ما فيه الزكاة ، تجب عليه الزكاة ، وإن لم يفضل ما يجب فيه ذلك ، لا زكاة عليه فيه.

وروي (٢) أنّه إذا اشترى الإنسان نخلا ، على أن يقطعه أجذاعا فتركه حتى أثمر ، كانت الثمرة له ، دون صاحب الأرض ، فإن كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته ، كان له اجرة المثل.

قال محمّد بن إدريس : أمّا الثمرة فإنّها لصاحب النخل ، دون صاحب الأرض ، بلا خلاف ، وأمّا صاحب الأرض ، فلا يستحق أجرة السقي ،

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

(٢) الوسائل : الباب ٩ من أبواب بيع الثمار ، ح ١ و ٢.

٣٦٦

والحفاظ ، والمراعاة ، لأنّه متبرّع بذلك ، إلا أن يأمره صاحب النخل ، فيكون له اجرة المثل ، فإن لم يأمره بذلك ، فليس له إلا اجرة الأرض ، على ما قلناه في أرض الزرع ، حرفا فحرفا.

ولا بأس أن يبيع الرطبة وهي القت ، الجزة أو الجزتين ، وكذلك ورق الشجر من التوت ، بتائين ، والأس ، والحناء ، وغير ذلك ، لا بأس ببيعها خرطة ، وخرطتين ، فإن باع أصل ذلك ، وفيه ورقه فالورق للبائع ، لأنّه بمنزلة الثمرة ، وليس كذلك ، إذا باع التوت ، وفيه ورقه ، لأنّه ليس بثمر ، لكنّه يجري مجرى الخوص من النخل ، فإنّه للمبتاع.

ولا بأس أن يبيع الإنسان ما ابتاعه من الثمرة ، بزيادة ممّا اشتراه ، وإن كان قائما في الشجر.

ولا يجوز بيع الثمرة في رءوس النخل بالتمر ، كيلا ولا جزافا ، يدا بيد ، ولا نسيئة ، وهي المزابنة التي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها (١) وأصل الزبن في اللغة ، الدفع ، ومنه الحرب الزبون ، التي تدفع أبطالها إلى الموت.

وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة ، لا كيلا ولا جزافا ، لا يدا ولا نسيئة وهي المحاقلة المنهي عنها (٢) « وأصل الحقل ، الأقرحة » وسواء باعه بحنطة من غير تلك الأرض ، أو من تلك الأرض ، وكذلك التمر سواء باعه بتمر من تلك النخل ، أو بتمر من غير تلك النخل ، على الصحيح من أقوال أصحابنا ، وهو الذي تقتضيه أصول مذهبنا.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ولا يجوز بيع الثمرة في رءوس النخل ، بالتمر كيلا ولا جزافا ، وهي المزابنة التي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها وكذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك الأرض ، لا كيلا ولا جزافا ، وهي المحاقلة ، فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض ، لم يكن به بأس ، وكذلك إن باع

__________________

(١) و (٢) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب بيع الثمار ، ح ٥ ـ ١ ـ ٢.

٣٦٧

الثمرة بثمرة من غير ذلك النخل ، لم يكن أيضا به بأس (١).

وإلى هذا القول يذهب في مسائل خلافه (٢) ، إلا أنّه رجع عن ذلك كلّه وعاد إلى القول الصحيح الذي اخترناه ، في مبسوطة ، فقال : بيع المحاقلة والمزابنة محرّم بلا خلاف ، وإن اختلفوا في تأويله ، فعندنا أنّ المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحبّ أو اشتد بحبّ من ذلك السنبل ، ويجوز بيعه بحب من جنسه ، على ما روي في بعض الأخبار (٣) والأحوط أن لا يجوز بيعه بحب من جنسه على كل حال ، لأنّه لا يؤمن أن يؤدّي إلى الربا ، والمزابنة هي بيع التمر على رءوس النخل بتمر منه ، فأمّا بتمر موضوع على الأرض فلا بأس به ، والأحوط أن لا يجوز ذلك ، لمثل ما قلناه في بيع السنابل سواء ، هذا آخر كلامه في مبسوطة رحمه‌الله (٤).

ألا تراه إن ما ذكره واختاره في نهايته جعله هاهنا رواية ضعيفة ، لأنّه قال : على ما روي في بعض الأخبار ، فلا يظنّ بالرّجل (٥) أنّ جميع ما أورده في نهايته أخبار متواترة يعمل بها ويعتقد صحّتها ، معاذ الله ، فاني لا أستجمل لذوي البصائر والتحصيل أن يعتقدوا في شيخنا ـ مع جلالة قدره ـ هذا ، وما اخترناه أيضا مذهب شيخنا المفيد في مقنعته وجماعة من أصحابنا ، لأنّ النهي عام ، ولا مخصّص له من كتاب ولا سنة ولا إجماع.

ويجوز بيع العرايا ، وهي جمع عريّة ، بفتح العين ، وكسر الراء ، وتشديد الياء ، وهو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشقّ عليه الدخول إليها أو في داره ، يجوز أن يبيعها منه بخرصها تمرا ، نقدا يدا بيد لا نسيئة ، لأنّ غير العرايا لا يجوز نقدا يدا بيد ولا نسيئة فامتازت العرايا من غيرها بأن رخّص فيها لمكان الضرورة بأن تباع بخرصها تمرا ، نقدا يدا بيد لا نسيئة وغيرها لا يجوز نقدا ولا

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

(٢) الخلاف : كتاب البيوع ، مسألة ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٣) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب بيع الثمار ، ح ٥ ، وفي النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

(٤) المبسوط : فصل بيع الثمار ، ج ٢ ، ص ١١٨.

(٥) ج : فلا يظنّ ظانّ.

٣٦٨

نسيئة ولا يجوز في غير النخل ذلك ، وإن كان له نخل متفرق ، في كل بستان نخلة ، جاز له أن يبيع كلّ ذلك ، واحدة واحدة ، بخرصها تمرا ، بيع العرايا.

وإذا أراد الإنسان أن يشتري العرية وجب أن ينظر المتبايعان إلى التمرة التي على النخلة ويحزراها (١) ، فإذا عرفا مقدار الرطب وإذا جف صار كذا تمرا فيبيع بمثله من التمر وزنا ، حسب ما يقع الحزر عليه.

ومن شرط صحّة هذا البيع أن يتقابضا قبل التفرّق ، لأنّ ما فيه الربا لا يجوز التفرّق فيه قبل التقابض ، والقبض في التمر الموضوع على الأرض النقل ، وفي الرطب التخلية ، وجملته أنّه يراعي شرطان : أحدهما المماثلة ، من طريق الخرص ، والثاني التقابض قبل التفرّق بالبدن هكذا أورده شيخنا في مبسوطة (٢).

والذي تقتضيه الأدلة أنّه يجوز التفرّق قبل القبض في التمر الذي هو ثمن العرية ، وانّما ذلك على ما يذهب إليه « رحمه‌الله » من أنّ ما يوزن ويكال إذا بيع بجنسه مثلا بمثل لا يجوز التفرّق قبل القبض ، وإنّما ذلك في الصرف خاصّة ، وما عداه فمكروه ، وليس بمحظور ، وإلى هذا يذهب رحمه‌الله في مبسوطة (٣) وهو الصحيح.

والعريّة لا تكون إلا في النخل خاصة ، فأمّا في الكرم وشجر الفواكه فإنّه لا دليل عليه ، وقد قيل في تفسير العرايا أقوال كثيرة :

فقال قوم : العرايا النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته ، ولا يدخلها في البيع ولكنّه يبقيها لنفسه ، فتلك الثنيا لا تخرص عليه ، لأنّه قد عفي لهم عمّا يأكلون ، وسميت عرايا ، لأنّها اعريت من أن تباع أو تخرص (٤) في الصدقة ، فرخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأهل الحاجة والمسكنة ، الذين لا ورق لهم ولا ذهب وهم يقدرون على التمر أن يبتاعوا بتمرهم من أثمار هذه

__________________

(١) الحزر : الحدس والتقدير.

(٢) المبسوط : فصل في بيع الثمار ، ج ٢ ، ص ١٩ ـ ١١٨.

(٣) المبسوط : كتاب البيوع ، فصل في ذكر ما يصح فيه ، الربا وما لا يصح ، ج ٢ ، ص ٨٩.

(٤) ج : وتخرص.

٣٦٩

العرايا بخرصها ، فعل ذلك بهم رفقا لأهل الحاجة ، الذين لا يقدرون على الرطب ، ولم يرخّص (١) لهم أن يبتاعوا منه ما يكون للتجارة والذخائر.

وقال آخرون : هي النخلة يهب الرجل ثمرتها للمحتاج ، ويعريها إيّاه ، فيأتي المعرا ، وهو الموهوب له ، إلى نخلته تلك ليجتنيها ، فيشق ذلك على المعرى وهو الواهب لمكان أهله في النخل ، فرخّص للبائع خاصة أن يشتري ثمرة تلك النخلة من الموهوب له بخرصها.

وقال آخرون : شكا رجال إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّهم محتاجون إلى الرطب ، يأتي ولا يكون بأيديهم ما يبتاعون به فيأكلونه مع الناس ، وعندهم التمر ، فرخّص لهم أن يبتاعوا العرايا ، بخرصها من التمر الذي في أيديهم.

وقال آخرون : الإعراء أن يهب له ثمرة نخلة أو نخلتين أو نخلات ، ومنه الحديث : أنّه رخّص عليه‌السلام في بيع العرايا بخرصها تمرا (٢) ، وذلك أن يمنح الرجل النخلة فيبيع ثمرتها بالتمر ، وهذا لا يجوز في غير العرايا ، وإنما سميت عريّة ، لأنّ من جعلت له يعريها من حملها ، وأنشد الفراء :

ليست بسنهاء ولا رجبيّة

ولكن عرايا في السّنين الحوائج

معنى سنهاء أي مرت عليها السّنون المجدبة ، وقوله : « رجبيّة » نخلة مرجّبة ، وهي التي يبنى حولها البناء لئلا تسقط ، وهو كالتكريم لها.

وقال الهروي صاحب الغريبين : « العرايا هي أنّ من لا نخل له من ذوي اللحمة والحاجة ، ويفضل له من قوته التمر ، ويدرك الرطب ، ولا نقد بيده ليشتري به الرطب لعياله ، ولا نخيل له ، فيجي‌ء إلى صاحب النخل فيقول : بعني ثمرة نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر ، فيعطيه ذلك الفضل من التمر بثمر (٣) تلك النخلات ، ليصيب من أرطابها مع الناس » فرخص النبي صلّى الله عليه

__________________

(١) ج : لم يرض.

(٢) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب بيع الثمار ، ح ١ و ٢.

(٣) ج : بثمن.

٣٧٠

وآله من جملة ما حرّم من المزابنة ، وواحدة العرايا عريّة فعيلة بمعنى مفعولة ، من عراه يعروه ، ويحتمل أن يكون عرى يعرى ، كأنّها عريت من جملة التحريم ، فعريت أي خلت وخرجت ، فهي فعيلة بمعنى فاعلة ، ويقال : هو عرو من هذا الأمر أي خلو منه.

قال محمّد بن إدريس : فهذا جملة ما وقفت عليه في تفسير العرايا ، وأشدّه تحقيقا قول الهروي.

ويجوز للإنسان أن يبيع ثمرة بستان ، ويستثني منها أرطالا معلومة ، ولا مانع منه ، وإن استثنى ربعه أو ثلثه أو نخلات بأعيانها جاز بلا خلاف ، وهو أحوط ، وإن باع ثمرة بستانه إلا نخلة لم يعينها لم يصحّ : لأنّ ذلك مجهول.

إذا قال : بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يخصّ ألفا منها صحّ ، ويكون المبيع ثلاثة أرباعها ، لأنّه يخصّ ألفا منها ربعها ، وإن قال : بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يساوي ألفا منها بسعر اليوم لم يجز ، لأنّ ما يساوي ألف درهم من الثمرة لا يدري قدره ، فيكون مجهولا.

ومتى اشترى الثمرة فهلكت لم يكن للمبتاع رجوع على البائع ، فإن كان قد استثنى من ذلك شيئا كان له من ذلك بحسابه ، من غير زيادة ولا نقصان.

وإذا مرّ الإنسان بشي‌ء من الفواكه جاز له أن يأكل منها مقدار كفايته من غير إفساد ، ما لم يمنعه صاحبها من ذلك ، ولا يجوز له أن يحمل منها شيئا معه على حال إلا بإذن صاحبه ، وهذا يكون إذا لم يقصد من يأكل منها الممر إليها من أول مضيّه ، بل قصد المضي إلى غيرها ثمّ اجتاز بها فدخلها.

وقد روي أنّه إذا كان بين نفسين نخل أو شجر فاكهة ، فقال أحدهما لصاحبه : أعطني هذا النخل بكذا وكذا رطلا ، أوخذ مني أنت بذلك ، فأيّ الأمرين فعل كان جائزا ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

٣٧١

إن أراد بذلك الثمرة فلا يجوز ، لأنّ ذلك داخل في المزابنة ، وإن أراد نفس ماله من النخل دون الثمرة ، فباع ماله من نفس النخل دون الثمرة بالأرطال المذكورة ، كان جائزا ، وإن كان ذلك صلحا جاز ، لأنّه ليس ببيع.

باب بيع المياه والمراعى وحريم الحقوق وأحكام الأرضين وغير ذلك

إذا كان لإنسان شرب في قناة ، فاستغنى عنه ، جاز أن يبيعه بذهب ، أو فضة ، أو حنطة ، أو شعير ، أو غير ذلك من الأعراض والسلع ، وكذلك إن أخذ الماء من نهر عظيم في ساقية يعملها ولزم عليها مئونة ثم استغنى عن الماء جاز له بيعه ، والمعنى في هذا وأمثاله أنّه إن أريد نفس الملك فلا خلاف ولا مسألة ، وانّما المقصود والمراد في ذلك منفعة الشرب ، والسناقية أياما معلومة فسماه بيعا ، وإن كان اجارة ، لا مانع يمنع من تسمية ذلك بيعا في هذا الموضع ، للإجماع عليه ، والأفضل في ذلك أن يعطيه لمن يحتاج إليه من غير بيع عليه ، وهذه هي النطاف والأربعاء التي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما.

قال محمّد بن إدريس : النطاف ، جمع نطفة وهي الماء ، سواء كان كثيرا أو قليلا ، وقد روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث الخوارج : « والله ما يعبرون هذه النطفة » (١) يعني عليه‌السلام النهر ، والأربعاء ممدود ، جمع ربيع ، وهو النهر ، وقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سيل وادي مهزور.

بالزّاي أولا والرّاء ثانيا.

وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : مهزور السيل ، الموضع الذي يجتمع فيه

__________________

(١) لم نعثر على هذه العبارة منه عليه‌السلام إلا أنّ في نهج البلاغة ـ قسم الخطب ، الرقم ٥٩ ـ أنه عليه‌السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له : إنّ القوم عبروا جسر نهروان قال عليه‌السلام :

« مصارعهم دون النطفة ، والله لا يفلت منهم عشرة ولا يهلك منكم عشرة » وقال الشريف الرضي « قدس‌سره » يعني بالنطفة ماء النهر.

٣٧٢

ماء السّيل (١) وفي غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام : سيل وادي مهزور ، وادي بني قريظة ، وكذا أورده ابن دريد في الجمهرة : مهزور بالميم المفتوحة (٢) ، والهاء المسكنة ، والزّاء بعد هاء المضمومة ، والواو المسكنة ، والراء غير المعجمة وقال شيخنا محمد بن علي بن بابويه في كتابه (٣) من لا يحضره فقيه : سمعت من أثق به من أهل المدينة أنّه وادي مهزور ، ومسموعي من شيخنا محمد بن الحسن رضي‌الله‌عنه أنّه وادي مهروز بتقديم الراء غير المعجمة ، ذكر أنّها كلمة فارسيّة ، وهو من هرز الماء ، والماء الهرز بالفارسيّة : الزائد على المقدار الذي يحتاج إليه (٤) هذا آخر كلام ابن بابويه رحمه‌الله (٥).

وأمّا من يقول : مهرور ، براءين غير معجمتين ، على ما كنا نسمع من أدركناه. من أصحابنا فذلك تصحيف بلا ريب.

ان يحبس الأعلى على الذي هو أسفل منه ، للنخل إلى الكعب ، وللزرع إلى الشراك ، ثم يرسل الماء إلى من هو دونه ، ثمّ كذلك يعمل من هو دونه مع من هو أدون منه قال ابن أبي عمير : المهزور موضع الوادي (٦) ، هكذا حكى شيخنا في نهايته (٧) وقال في مبسوطة : روى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل ، وللشجر إلى القدم ، وللزرع إلى الشراك (٨).

ولا بأس أن يحمي الإنسان الحمى من المرعى ، والكلا ، إذا كان في أرضه وسقاه بمائه ، فأمّا غير ذلك فلا يجوز بيعه ، لأنّ الناس كلهم فيه شرع ـ بفتح الرّاء ـ سواء.

ومن باع نخيلا ، واستثنى منها نخلة معيّنة في وسطها ، جاز له الممر إليها

__________________

(١) و (٨) المبسوط : ج ٣ ، كتاب احياء الموات ، فصل في تفريع القاطع والإرفاق ، ص ٢٨٤.

(٢) ج : في الجمهرة ، بالميم المفتوحة.

(٣) ج : كتاب.

(٤) ج : يحتاج.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ باب الحكم في سيل وادي مهزور ، ص ٩٩.

(٦) الوسائل : الباب ٨ من أبواب إحياء الموات ، ح ١ ، باختلاف يسير.

(٧) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع المياه والمراعى ، وفيه وقال ابن أبي عمير.

٣٧٣

والمخرج منها ، وله مدى جرائدها من الأرض ، على ما روي (١).

وحدّ ما بين بئر المعطن إلى بئر المعطن ، أربعون ذراعا ، وحدّ ما بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا ، وما بين

العين إلى العين خمسمائة ذراع ، إذا كانت الأرض صلبة ، فإن كانت رخوة ـ بكسر الرّاء ـ فألف ذراع.

قال محمّد بن إدريس : بئر المعطن هي البئر التي يستقى منها لسقي الإبل ، وأصل المعطن والعطن مباركها حول المياه لتشرب (٢) ، قال الشاعر : « بين الحوض والعطن » فأراد أن يكون في الأرض المباح إذا حفر الإنسان فيها بئرا ليسقي إبله فحسب ، وأراد غيره أن يحفر إلى جنبه بئرا اخرى ليسقي أيضا إبله ، أن يكون بينه وبين بئره أربعون ذراعا ، لا أقل منها ، فأمّا إذا كانت البئر لسقي الزرع يستقى منها بالناضح الذي هو الجمل ، وأراد غيره أن يحفر إلى جنبها بئرا ليسقي زرعه بالناضح أيضا ، فيكون بينه وبينه ستون ذراعا ، لا أقل من ذلك.

والفرق بين هذه البئر وبين تلك أنّ تلك يستقى منها باليد ، ولا يحتاج إلى الناضح ، لقلّة ما يؤخذ منها ، وهذه يؤخذ منها ماء كثير يحتاج إليها للزرع فيستقى عليها بالناضح.

والطريق إذا تشاح عليه أهله في الأرض المباحة ، واختلفوا في سعته ، فجدّه سبعة أذرع.

وإذا كان لإنسان رحى بأمر حق واجب على نهر ، والنهر لغيره ، وأراد صاحب النهر أن يسوق الماء في نهر آخر إلى القرية ، لم يكن له ذلك إلا برضا صاحب الرحى وموافقته.

وقد ذكرنا أحكام الأرضين وأقسامها في كتاب الزكاة من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادته.

ومن أحيا أرضا كان أملك بالتصرّف فيها ، إذا كان ذلك بإذن الإمام

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٠ من أبواب أحكام العقود ، ح ٢ ، وفي النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع المياه والمراعي ..

(٢) ج : المياه.

٣٧٤

عليه‌السلام : لأنّ هذه الأرض له ، فإن كانت الأرض الميتة لها مالك معروف ، وهي مثل أرض خراسان ، وجميع الأراضي التي لم تؤخذ عنوة ، ولها مالك معروف ، ثمّ خربت ، فلا تخرج بخرابها عن ملك صاحبها ، ولا تدخل في جملة الأرض الميتة ، التي هي لإمام المسلمين ، فهذا معنى « لها مالك معروف » ، كان عليه أن يعطي صاحب الأرض طسق الأرض ، وليس للمالك انتزاعها من يده ما دام هو راغبا فيها ، وإن لم يكن لها مالك وكانت للإمام وجب على من أحياها أن يؤدي إلى الإمام طسقها ، ولا يجوز للإمام انتزاعها من يده ، إلى غيره ، إلا أن لا يقوم بعمارتها كما يقوم غيره ، أو لا يقبل عليها ما يقبله الغير ، على ما روي في بعض الأخبار (١).

أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) وهذه أخبار آحاد.

ثم قال : ومتى أراد المحيي الأرض من هذا الجنس الذي ذكرناه ، ان يبيع شيئا منها ، لم يكن له أن يبيع رقبة الأرض ، وجاز له أن يبيع ماله من التصرف فيها (٣).

وكلّ هذه أخبار آحاد ، أوردها على ما وجدها في كتابه النهاية ، والأولى عرضها على الأدلة ، فما صححته منها كان صحيحا ، وما لم تصححه كان باطلا مردودا.

وروي أنّه إذا اشترى الإنسان من غيره جربانا معلومة من الأرض ، ووزن الثمن ، ثمّ مسح الأرض فنقص عن المقدار الذي اشتراه ، كان بالخيار بين أن يرد الأرض ويسترجع الثمن بالكليّة ، وبين أن يطالب برد ثمن ما نقص من الأرض (٤) ، وإن كان للبائع أرض بجنب تلك الأرض ، وجب عليه أن يوفيه تمام ما باعه إيّاه.

قال محمّد بن إدريس : هذا خبر فيه نظر ، أمّا قوله : « وإن كان للبائع أرض

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ و ٣ من احياء الموات ، وربما يوجد في أبواب الأنفال ، والباب ٧٢ من أبواب الجهاد ما يدل على المطلوب.

(٢) و (٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع المياه والمراعي ، وفيه ، متى أراد المحيي الأرض.

(٤) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب الخيار.

٣٧٥

بجنب تلك الأرض وجب عليه أن يوفيه تمام ما باعه إيّاه » فغير واضح ، لأنّ العقد قد وقع على شي‌ء معيّن ، فانتقاله إلى عين اخرى يحتاج إلى دليل ، وأمّا قوله : « كان بالخيار بين أن يردّ الأرض ويسترجع الثمن بالكلية ، وبين أن يطالب برد ثمن ما نقص » ، أمّا الخيار بين الرد والإمساك فله ذلك بغير خلاف ، بل يبقى بأيّ شي‌ء يرجع من الثمن إن لم يرد وأمسك الأرض ، فيه قول ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، قال : إذا قال : بعتك هذه الأرض على أنّها مائة ذراع فكانت تسعين ، فالمشتري بالخيار إن شاء فسخ البيع ، وإن شاء أجازه بجميع الثمن ، لأنّ العقد وقع عليه ، وإن كانت أكثر من مائة ذراع قيل فيه وجهان : أحدهما يكون البائع بالخيار بين الفسخ وبين الإجازة بجميع الثمن ، وهو الأظهر والثاني أن البيع باطل ، لأنّه لا يجبر على ذلك ( وكذلك الثياب والخشب وجميع ما لا يتساوى قيمة أجزائه ، وهو الذي لا مثل له ، بل يضمن بالقيمة ، فحكمه حكم الأرض في البيع ، وهو ما مضى ذكره من الزيادة والنقصان ، فأمّا ما يتساوى قيمة أجزائه ، وهو الذي له مثل ويضمن بالمثلية ، فإنّه ) (١) إذا اشترى صبرة طعام على أنّها مائة كرّ فأصاب خمسين كرا ، كان المشتري بالخيار ، إن شاء أخذها بحصتها من الثمن ، وإن شاء فسخ البيع ، وإن وجدها أكثر من مائة كرّ أخذ المائة بالثمن ، وترك الزيادة ، ويخالف الأرض والثياب والخشب على ما تقدّم ، والفرق بين المسألتين أنّ الثمن ينقسم هاهنا ، أعني في ما يتساوى أجزاؤه على أجزاء الطعام لتساوي قيمتها ، وليس كذلك الأرض والثياب والخشب ، فإن أجزاءها مختلفة القيمة ، فلا يمكن قسمة الثمن على الأجزاء ، لأنّه لا يعلم أنّ الناقص من الذراع لو وجد كم كانت تكون قيمته ، فإذا كان كذلك خيّر البائع في الزيادة بجميع الثمن ، وخيّر المشتري في

__________________

(١) وما وقع في القوسين ليس في المبسوط.

٣٧٦

النقصان بجميع الثمن ، ولأجل هذا الاعتبار لو باع ذراعا من خشب أو من دار أو ثوب ويكون الذراع غير معيّن من الثوب أو الدار أو الخشبة لم يجز ، وكان البيع باطلا ، لأنّه مجهول ، ولأنّ قيمته مختلفة ، ولو باع قفيزا غير معيّن من صبرة معينة لكان البيع صحيحا بلا خلاف ، فهذا جملة ما أورده ومعانيه وتفاصيله وخلاصته (١).

قال محمّد بن إدريس : لا خلاف أن الخيار يثبت في هذه المسائل ، فيما وجده ناقصا ، ممّا لا مثل له ، أو ممّا له مثل ، للمشتري خاصة ، لأنّ له غرضا في جميعه ، وهو ان يكون مكملا ، فإذا وجده بخلاف ذلك ، فله الخيار ، فإن اختار الرد واسترجاع الثمن فلا كلام ، وله ذلك ، وإن اختار الإمساك ، فله ذلك أيضا ، إلا أنّه يمسك ماله مثل ، بما يخصّه (٢) من الثمن المعقود عليه ، وما ليس له مثل ، يمسكه ويسقط من الثمن على قدر القيم بالحصّة من الثمن ، لئلا يجتمع الثمن والمثمن جميعا مع المشتري ، فليلحظ ذلك ويتأمل.

وأمّا إن كان زائدا ، فإن كان له مثل ، أخذ ماله وردّ الباقي ، ولا خيار لواحد منهما ، لقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » وإن كان لا مثل له ، فالمبتاع بالخيار ، لأنّ له غرضا ، إلا أن يكون له في ذلك شريك ، فإن شاء ردّ ، واسترجع الثمن أجمع ، وإن شاء أمسك المبيع ، وكان شريكا للبائع ، وليس للبائع في فسخ البيع خيار على حال ، لقوله تعالى « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ».

ولي في هذه المسألة الأخيرة نظر وتأمّل.

وروي ، أنّه كتب محمّد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام ، رجل اشترى من رجل بيتا في دار له ، بجميع حقوقه ، وفوقه بيت آخر ، هل يدخل البيت الأعلى في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقّع عليه‌السلام : ليس له إلا ما اشتراه في سهمه وموضعه إن شاء الله (٣).

__________________

(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب البيوع فصل في بيع الصبرة وأحكامها ، ص ١٥٤ ـ ١٥٥ ، باختلاف يسير في العبارة.

(٢) ج : بحصّته.

(٣) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب أحكام العقود ، ح ١.

٣٧٧

وكتب أيضا إليه ، رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر ، يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى ، في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي اشتراه أم لا؟ فوقّع : ليس له من ذلك ، إلا الحقّ الذي اشتراه إن شاء الله (١).

وكتب إليه أيضا في رجل قال لرجلين : اشهدا أنّ جميع الدار التي له في موضع كذا وكذا بجميع حدودها كلّها لفلان (٢) بن فلان ، وجميع ماله في الدار من المتاع ، والبيّنة لا تعرف المتاع أيّ شي‌ء هو ، فوقّع عليه‌السلام يصلح إذا أحاط الشراء بجميع ذلك إن شاء الله (٣).

وكتب أيضا إليه (٤) رجل كانت له قطاع أرضين في قرية ، وأشهد الشهود أنّه قد باع هذه القرية بجميع حدودها ، فهل يصلح ذلك أم لا؟ فوقّع : لا يجوز بيع ما ليس يملك وقد وجب الشراء من البائع على ما يملك (٥).

قال محمّد بن إدريس : وقد قدّمنا فيما مضى ، أنّ من باع ملكه وملك غيره في صفقة واحدة ، مضى البيع في ملكه ، وبطل في ملك الغير ، ويأخذه بحصّته من الثمن ، وإن شاء المبتاع ، ردّ المبيع على البائع ، فهو بالخيار في ذلك.

وروي عن الرسول عليه‌السلام ، رواه السكوني بإسناده أنّه قال : من غرس شجرا أو حفر واديا (٦) ، لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله تعالى ورسوله (٧).

وقد قدّمنا مثال ذلك ، وما يعمل عليه.

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه سئل عن النزول على أهل الخراج ،

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب أحكام العقود ، ح ٢.

(٢) ج حدودها لفلان.

(٣) الوسائل : الباب ٤٨ من أبواب الشهادات.

(٤) ج : كتب إليه.

(٥) الوسائل : الباب ٢ من أبواب عقد البيع ، والظاهر أنّه منقول بالمعنى في بعض ألفاظه.

(٦) ج : واديا بديّا.

(٧) الوسائل : الباب ٢ من أبواب إحياء الموات.

٣٧٨

فقال ثلاثة أيام روي ذلك عن النبي عليه‌السلام (١).

وروى إسماعيل بن الفضل ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن السخرة في القرى ، وما يؤخذ من العلوج والأكراد ، إذا نزلوا القرى ، قال تشرط عليهم ذلك ، فما اشترطت عليهم من الدراهم والسخرة ، وما سوى ذلك ، فيجوز لك ، وليس لك أن تأخذ منهم شيئا حتى تشارطه ، وإن كان كالمستيقن ، أنّ من نزل تلك الأرض أو القرية ، أخذ منه ذلك (٢).

قال محمّد بن إدريس : هذا إذا كانت القرية ملكا للإنسان ، فإن نزلوها بغير إذنه ، فله عليهم اجرة المثل ، وإن نزلوها بإذنه وإباحته ، فلا شي‌ء له عليهم ، إلا أن يشارطهم ويؤجرهم ذلك بأجرة مسمّاة ، أو يجعل عليهم جعلا.

فأمّا السخرة بالسّين غير المعجمة المضمومة ، والخاء المعجمة المسكنة ، والراء غير المعجمة المفتوحة ، والهاء ، فهي من التسخير ، وهو تكليفه عملا بغير اجرة ، فلان سخرة ، يتسخر في العمل ، يقال : خادمة سخرة ، يعنى تكلّف العمل بلا اجرة.

قال : وسألته عن أرض الخراج ، اشترى الرجل منها أرضا فبني (٣) فيها أو لم يبن ، غير أن أناسا من أهل الذمّة نزلوها ، إله أن يأخذ منهم اجرة البيوت إذا أدّوا جزية رءوسهم؟ فقال : يشارطهم ، فما أخذه منهم بعد الشرط فهو حلال (٤).

وقد روي أنّه كتب محمد بن الحسن الصفار ، إلى أبي محمد العسكري عليه‌السلام ، في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة ، فيها الزرع والنخل وغيرهما من الشجر ، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه ، وذكر فيه أنه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها ، أيدخل النخل والأشجار والزرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع عليه‌السلام : إذا ابتاع الأرض بحدودها ، وما أغلق عليها بابه فله جميع ما فيها إن شاء الله (٥).

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب المزارعة ، ح ٣.

(٢) و (٤) الوسائل : الباب ٢٠ من أبواب المزارعة ، ح ٣.

(٣) ج : فيبني.

(٥) الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب أحكام العقود.

٣٧٩

قوله عليه‌السلام في الجواب : « وما أغلق عليها بابه » يريد بذلك جميع حقوقها ، فالجواب مطابق للسؤال.

ولا يجوز أن يأخذ الإنسان من طريق المسلمين شيئا ، ولو قدر شبر ، ولا يجوز له أيضا بيعه ولا شراء شي‌ء ، يعلم أنّ فيه شيئا من الطريق ، فإن اشترى دارا أو أرضا ، ثم علم بعد ذلك انّه كان صاحبه قد أخذ شيئا من الطريق فيها ، لم يكن عليه شي‌ء ، إذا لم يتميّز له الطريق ، فإذا تميّز ، وجب عليه ردّه إليها ، وكان له الرجوع على البائع بالدرك ، أو فسخ البيع.

وروي أنّه إذا كان للإنسان في يده دار أو أرض ورثها عن أبيه عن جدّه ، غير أنّه يعلم أنّها لم تكن ملكا لهم ، وانّما كانت ملكا للغير ، ولا يعرف المالك ، لم يجز له بيعها ، بل ينبغي أن يتركها بحالها ، فإن أراد بيعها ، فليبع تصرّفه فيها ، ولا يبيع أصلها على حال (١).

قال محمّد بن إدريس : يمكن أن يقال انّما كان الأمر على ما ذكر في هذا الحديث ، والوجه في ذلك ، وكيف يجوز له (٢) تركها في يده ، وبيع ما جاز له بيعه ، وهو يعلم أنّه لم يكن لمورثه ، أنّ هذه الدار لم يحط علمه بأنّها غصب ، وانّما قال في الحديث لم يكن لمورثه ومن كان بيده شي‌ء ، ولم يعلم لمن هو ، فسبيله سبيل اللقطة ، فبعد التعريف المشروع ، يملك التصرّف ، فجاز أن يبيع ماله فيها ، وهو التصرّف الذي ذكره في الخبر ، دون رقبة الأرض إذا كانت في الأرض المفتتحة عنوة ، فهذا وجه في تأويل هذا الحديث.

وبعد هذا كلّه فهذه كلّها أخبار آحاد ، أوردها شيخنا في نهايته (٣) ، لئلا يشذّ من الأخبار شي‌ء ، على ما اعتذر به رحمه‌الله في عدّته (٤) ، فأوردناها نحن في

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب عقد البيع وشروطه ، ح ٥.

(٢) ج : وكيفية جواز.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع المياه والمراعي ..

(٤) العدة : الفصل الرابع من الكلام في الأخبار ، عند الجواب عن إشكالات حجية خبر الواحد ، وعبارتها هكذا : « ولا يمتنع أن يكون أنّ ما رواه ليعلم أنّه لم يشذّ عنه شي‌ء من الروايات لا لأنّه يعتقد ذلك ».

٣٨٠