كتاب السرائر - ج ٣

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٣

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٦٨٠

١
٢

كتاب العتق

٣

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة

العتق فيه فضل كبير وثواب جزيل ، بغير خلاف بين الأمّة.

ولا يصحّ العتق الّا بعد الملك كما لا يصح الطلاق قبل النّكاح (١) ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا عتق قبل ملك ، ولا طلاق قبل نكاح (٢).

ولا يصح العتق أيضا الّا من كامل العقل ، غير مولى عليه ، مختار له ، قاصد اليه ، متلفظ بصريحه ، وهو قوله أنت حر. مطلق له من الشروط إلّا في النذر خاصّة ، موجه به الى مسلم ، أو من هو في حكمه ، لأنّ عتق الكافر لا يقع على الصحيح من أقوال المحصّلين من أصحابنا ، وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا ، لان العتق قربة الى الله تعالى ، ولا يتقرب إليه بالمعاصي متقرب به الى الله تعالى.

ولا يقع العتق من طفل ، ولا مجنون ، ولا سكران ، ولا محجور عليه ، ولا مكره ولا مجبر ، ولا ساه ، ولا حالف به.

ولا يقع بالكتابة والإشارة مع القدرة على النطق باللسان العربي ، ولا يقع بكنايات العتق ، كقوله أنت سائبة ، ولا سبيل لي عليك ، ولا بقوله ان فعلت كذا وكذا فعبدي حر ، ولا بكافر على ما قدّمناه ، ولا للأغراض الدنياوية ، من نفع ، أو دفع ضرر ، أو إضرار بالغير.

والدّليل على وجوب اعتبار هذه الشروط ، إجماع الأمة ، لأنّه لا خلاف في صحّة

__________________

(١) ج : كما لا يصح الطلاق الّا بعد النكاح.

(٢) الوسائل : كتاب العتق ، باب ٥ ، ح ١ وفيه التقديم والتأخير.

٤

العتق مع تكاملها ، وليس على صحته مع اختلال بعضها دليل ، وأيضا الأصل ان لا عتق ، وامّا الملك فمعلوم ثبوته ، وخروجه عن يد مالكه يحتاج الى دليل ، لأنّ العتق حكم شرعيّ يحتاج في ثبوته الى دليل شرعي.

وإذا أعتق مالك العبد عضوا من أعضائه ، لم يكن لذلك حكم ، ولم يقع به عتق ، فإن أعتق بعضا منه مشاعا ، نصفه مثلا ، أو ثلثه ، أو ربعه ، أو ما زاد على ذلك أو نقص ، عتق الجميع ، فان كان العبد مشتركا ، فأعتق أحد الشركاء نصيبه ، لا للإضرار بالشركاء ، انعتق ملكه خاصّة ، الّا انّه ان كان موسرا انعتق الباقي ، واجبر على قيمته لشريكه ، وان كان معسرا ، استسعى العبد في قيمة باقية ، فإذا أدّاها عتق جميعه ، فان عجز عن ذلك ، فكه سلطان الإسلام من سهم الرقاب من الزكاة ، والّا خدم مولاه بما فيه من العبوديّة.

والعتق في مرض الموت من أصل التركة ، سواء كان واجبا أو متبرّعا به ، على الصحيح من المذهب ، لان بعض أصحابنا يجعله من الثلث ، وهو مذهب جميع من خالفنا ، وبعض أصحابنا وهم المحصّلون يجعله من أصل المال ، لأنها عطيّة منجزة ، وللإنسان أن يتصرف في ماله جميعه في حال حياته ، وينفق في مرضه ما شاء من أمواله ، بغير خلاف.

فامّا ان اوصى بعتق عبده أو عبيده بعد موته ، فإنه من الثلث لان هذه عطيّة مؤخّرة ، وهذه حقيقة الوصية.

فإن أوصى بعتق عبده ، فان كانت قيمته وفق الثلث ، عتق جميعه ، ولا شي‌ء له ولا عليه ، وان كانت القيمة تنقص عن الثلث ، عتق أيضا ، ولا شي‌ء له ولا عليه ، وان كانت القيمة تزيد على الثلث ، فالصحيح من أقوال أصحابنا انه ينعتق منه بقدر الثلث ، ويستسعى فيما زاد على الثلث ، سواء كانت الزيادة ضعفي الثلث ، أو أقل ، أو أكثر ، وعلى كل حال ، وهو مذهب ابن بابويه في رسالته. وشيخنا أبي جعفر في مبسوطة (١) ، وهو الّذي يقتضيه أصول مذهبنا.

__________________

(١) المبسوط ج ٤ كتاب الوصايا ص ٢٢.

٥

وقال بعض أصحابنا ان كانت القيمة على الضعف من الثلث ، بطلت الوصيّة ، ولم ينفذ عتق شي‌ء منه ، وقد أو رد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، إيرادا لا اعتقادا ، لأنّا قد بينا انه رجع عن ذلك في مبسوطة.

فإن أوصى لعبده بثلث ماله ، فان كانت قيمته وفق الثلث ، عتق ولا شي‌ء له ولا عليه ، وان كانت أقلّ من الثلث عتق واعطى تمام الثلث ، وان كانت أكثر من الثلث ، عتق منه بمقدار الثلث ، واستسعى في الزيادة على الثلث ، فإذا أدّاها عتق جميعه.

وإذا اوصى بعتق ثلث عبيده ، استخرج ثلثهم بالقرعة وعتقوا.

ولا يجوز ان يعتق في الكفارة ، الأعمى ، والمجذوم ، والمقعد ، لأنّ هؤلاء خرجوا من الملك بهذه الآفات ، والعتق لا يكون الّا بعد ملك.

وإذا أعتق مملوكا وله مال ، فماله لمولاه ، سواء علم مولاه بالمال في حال إعتاقه ، أولم يعلم ، لان العبد عندنا لا يملك شيئا ، وذهب بعض أصحابنا إلى انه ان علم ان له مالا في حال إعتاقه ، فالمال للعبد المعتق ، وان لم يعلم به ، أو علم فاشترطه لنفسه ، فهو لمولاه دونه ، وينبغي عند هذا القائل ان يقول « مالك لي » وأنت حرّ فإن قال « أنت حرّ ومالك لي » لم يكن له على المال سبيل.

وقد بيّنا فساد هذا المذهب ، بما دللنا عليه من ان العبد لا يملك شيئا لقوله تعالى « عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ » (٢) وانما ذلك المذهب على رأى من يملكه من أصحابنا فواضل الضرائب ، وأروش الجنايات عليه في نفسه ، وذلك باطل للآية التي تلوناها.

وكل من أقر على نفسه بالعبوديّة ، وكان بالغا مجهول النسب بالحرية ، عاقلا ، أو قامت البيّنة على عبوديته ، وان لم يكن بالغا (٣) أو عقل جاز تملكه والتصرّف فيه بالبيع والشّراء والهبة وغير ذلك.

__________________

(١) النهاية ، كتاب الوصايا ، باب الوصيّة وما يصحّ منها وما لا يصحّ.

(٢) سورة النحل : الآية ٧٥.

(٣) ج. ل. لم يكن بلغ.

٦

وكل من خالف الإسلام من سائر أنواع الكفّار ، يصحّ استرقاقهم ، ثمّ هم ينقسمون قسمين ، قسم منهم يقبل منهم الجزية ، ويقرون على دينهم وأحكامهم ، ويعفون من الاسترقاق ، وهم أهل الكتاب ، اليهود والنصارى ، ومن حكمه حكمهم ، وهم المجوس ، فان امتنعوا من قبول الجزية وإجراء أحكامنا عليهم ، قتلوا ، وسبى ذراريهم ، واسترقوا ، ومن عدا أهل الكتاب ، لا يقبل منهم إلا الإسلام ، فإن امتنعوا ، كان الحكم فيهم القتل ، واسترقاق الذراري.

ولا بأس باسترقاق جميع أصناف الكفار ، وان سباهم أهل الفسق والضلال.

وكذلك لا بأس ان يشتري الإنسان ممّا يسبى بعض الكفار من بعض ، ولا بأس أيضا ان يشترى من الكافر بعض أولاده ، أو زوجته ، أو أحد ذوي أرحامه ، ويكون ذلك حلالا له ، ويسوغ له التصرّف فيه كيف شاء ، إذا كانوا مستحقين للسّبي على ما حررناه.

وإذا كان العبد يباع في أسواق المسلمين ، ويد المالك عليه ، فلا بأس بشرائه ، فإن ادعى الحرية ، لم يقبل قوله الّا ببيّنة عادلة.

ومتى ملك الإنسان أحد قراباته فلا يخلو امّا ان يكونوا من ذوي الأنساب ، أو ذوي الأسباب ، فإن كانوا من ذوي الأنساب ، فهم ينقسمون الى قسمين ، العمودان الآباء وان علوا ، والأبناء وان نزلوا ، فهؤلاء ينعتقون بنفس الملك بغير اختيار المالك.

وقد قيل في انّه متى يكون العتق أقوال ، الأصحّ من ذلك انّه مع تمام البيع معا معا لأنّ الإنسان لا يملك من ذكرناه ، وسواء كانوا ذكورا أو إناثا.

والقسم الآخر وهم من عدا العمودين ، وهذا القسم ينقسم الى قسمين : ذكور وإناث ، فالذكور يملكون ، ولا ينعتقون الّا ان يتبرع المالك بالعتق ، والإناث ينقسمون الى قسمين ، من لا يحل للمالك نكاحها ابدا ، مثل العمّات ، والخالات ، وبنات الأخ ، وبنات الأخت ، فهذا القسم ملحق بالعمودين بلا خلاف ، وحكمه حكمهما حرفا فحرفا ، ومن عداهن لا ينعتقن بالملك ، الّا ان يتبرع مالكهن

٧

باعتاقهن.

فاما ذوو الأسباب ، فهو الرّضاع والزّوجية.

فقد اختلف قول أصحابنا في أحكام الرضاع في العتق ، فذهب فريق منهم الى ان حكم الرّضاع في العتق حكم العمودين ، ومن عدا العمودين من الإناث حكمهنّ حكم من عدا العمودين من الإناث ، من الأنساب ، وقال الباقي من أصحابنا المحصّلين يسترق المرضعات ، وليس حكمهنّ في الاسترقاق حكم الأنساب ، وكذلك من عدّاهن من الإناث ، والأوّل اختيار شيخنا أبي جعفر رحمه‌الله (١) والثاني اختيار شيخنا المفيد (٢) وهو الّذي يقوى في نفسي ، وبه افتى ، لأنه لا دليل على عتقهن من كتاب ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، والأصل بقاء الملك والعبوديّة ، فمن اخرج ذلك من الملك يحتاج الى دليل.

وتمسّك الذاهب الى خلاف ما اخترناه بقوله عليه‌السلام : « يحرم من الرضاع من يحرم من النسب » (٣).

فإنّه مفهوم من فحوى هذا القول النكاح ، دون غيره ، وان ورد في ذلك أخبار ، فهي آحاد لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، لأنّ اخبار الآحاد ، لا توجب علما ولا عملا على ما كرّرنا القول فيه وقد مناه.

فامّا الزّوجيّة فمتى ملك أحد الزوجين الآخر ، انفسخت الزّوجيّة بينهما وملكه.

والمملوك إذا عمى من قبل الله تعالى ، أو جذم ، أو أقعد بزمانة من قبل الله تعالى ، انعتق بغير اختيار مالكه ، ولا يكون له ولاء ، بل يتوالى من شاء ، فان لم يتوال أحدا ومات ، كان ميراثه لإمام المسلمين.

وقد روى انه : إذا نكّل به صاحبه ، أو مثّل به ، انعتق في الحال ، ولا سبيل

__________________

(١) في المبسوط ، كتاب العتق ، فصل في من يعتق على من يملكه ، ج ٦ ، ص ٦٨.

(٢) في المقنعة ، كتاب البيع باب ابتياع الحيوانات ص ٥٩٩ ، ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(٣) الوسائل الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الّا ان في اخبار الباب وكذا في غير هذا الباب هكذا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وكذا في اخبار العامة كما عن سنن ابن ماجة الباب ٣٤ من كتاب النكاح ، ج ١ ، ص ٦٢٣.

٨

لصاحبه عليه (١) ، أورد هذه الرّواية شيخنا في نهايته (٢) إيرادا.

وروي في بعض الأخبار : انه إذا كان المملوك مؤمنا واتى عليه بعد ملكه سبع سنين ، استحب عتقه ، وان لا يملك أكثر من ذلك (٣).

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ويستحب عتق المؤمن المستبصر ، ويكره عتق المخالف للحق (٤).

وقد قلنا في ما مضى (٥) انّه لا يجوز عتق الكافر ، ومقصود شيخنا بقوله « ويكره عتق المخالف للحق » المظهر للشهادتين غير الحق.

ثمّ قال ولا بأس بعتق المستضعف ، ثمّ قال ولا عتق الّا ما أريد به وجه الله تعالى.

وقد روى : انّه يستحب ان لا يعتق الإنسان الّا من أغنى نفسه ويقدر على اكتساب ما يحتاج اليه (٦).

ومتى أعتق صبيا أو من يعجز عن النهوض بما يحتاج إليه ، فالأفضل أن يجعل له شيئا يعينه به على معيشته ، وليس ذلك بفرض.

وقال شيخنا في نهايته ، ولا بأس ان يعتق ولد الزّنا (٧).

وتحرير هذا القول على رأي شيخنا أبي جعفر ، من كونه يذهب الى ان عتق الكافر جائز في الكفارات ، وخصوصا من كان مظهرا للشّهادتين ، وان كان مخالفا للحق ، فإنه يرى إعتاقه في غير الكفارة ، فعلى هذا القول انه إذا كان مظهرا للشهادتين ، فإنه يجوز إعتاقه على كراهية في ذلك ، على ما قدمناه عنه في إعتاق من خالف الحق ، وان كان ما هو عليه يقتضي تكفيره ، الّا انه له تحرّم بالإسلام (٨)

__________________

(١) الوسائل ، كتاب العتق ، الباب ٢٢.

(٢) النهاية ، كتاب العتق والتدبير .. باب من يصح ملكه ..

(٣) الوسائل ، الباب ٣٣ ، من أبواب العتق.

(٤ و ٧) النهاية ، كتاب العتق والتدبير .. باب العتق وأحكامه.

(٥) في ص ٤.

(٦) الوسائل ، كتاب العتق ، الباب ١٤ ، ح ١.

(٨) ج. ل. الّا انه يحكم له بالإسلام.

٩

وأحكامه تجري عليه ، وان كان غير مظهر للشهادتين ، فلا يجوز إعتاقه على ما قدمناه.

والأظهر بين الطّائفة ان عتق الكافر لا يجوز ، وولد الزّنا كافر بلا خلاف بينهم.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وإذا كان العبد بين شريكين ، وأعتق أحدهما نصيبه مضارة لشريكه الآخر ، الزم ان يشترى ما بقي ، ويعتقه ، إذا كان موسرا ، وان لم يكن موسرا ، ولا يملك غير ما أعتقه ، كان العتق باطلا ، وإذا لم يقصد بذلك مضارته بل قصد بذلك وجه الله تعالى ، لم يلزم شراء الباقي ، وعتقه بل يستحب له ذلك ، فان لم يفعل استسعى العبد في الباقي ، ولم يكن لصاحبه الّذي يملك ما بقي منه استخدامه ، ولا له عليه ضريبة ، بل له ان يستسعيه فيما بقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته ، كان له من نفسه قدر ما أعتق ، ولمولاه قدر ما بقي هذا آخر كلام شيخنا في نهايته (١).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله قوله رحمه‌الله هذا ، عجيب ، فإنه قال في الباب الّذي ذكر هذا الكلام فيه : « ولا عتق أيضا إلّا ما أريد به وجه الله تعالى » ثمّ قال : « وإذا كان العبد بين شريكين ، وأعتق أحدهما نصيبه مضارة لشريكه الآخر ، الزم ان يشترى ما بقي ، ويعتقه إذا كان موسرا » وهذا متناقض مخالف لأصول المذهب ، ولما أصله من انّه لا عتق الّا ما أريد به وجه الله تعالى ، وانّما أورد هذه الرواية ، ان كانت وردت ، ورويت ، إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد نظائرها ممّا لا يعمل عليه ولا يعتقد صحته.

والدليل على ما قلناه عنه ، انّه رجع في مبسوطة عن هذا ، فقال فإذا أعتق شركا له (٢) من عبد ، لم يخل من أحد أمرين : امّا ان يكون موسرا أو معسرا ، فان كان معسرا أعتق نصفه ، واستقر الرق في نصف شريكه ، وروى (٣) أصحابنا انه ان قصد بذلك الإضرار لشريكه ، انه يبطل عتقه ، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٤).

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.

(٢) الشرك : النصيب.

(٣) الوسائل ، الباب ١٨ ، من أبواب العتق الحديث ١٢.

(٤) المبسوط ، كتاب العتق ، ج ٦ ، ص ٥١.

١٠

ثمّ قال في نهايته : وان لم يقصد بذلك مضارته ، بل قصد بذلك وجه الله تعالى ، لم يلزم شراء الباقي وعتقه ، بل يستحب له ذلك (١).

وهذا غير واضح ، ولا مستقيم ، لأنا قد بيّنا انّه ان كان موسرا الزم شراء الباقي وأجبره السّلطان على ذلك ، وان كان معسرا استسعى العبد في الباقي.

وقال شيخنا في نهايته وإذا أعتق مملوكه وشرط عليه شرطا ، وجب عليه الوفاء به ، ولم يكن له خلافه ، فان شرط عليه انّه متى خالفه في فعل من الافعال ، كان ردا في الرق. فخالفه كان له رده في الرق (٢).

هذا غير واضح ، لان الحرّ لا يجوز انّ يعود رقا. والشرط إذا كان مخالفا للكتاب والسنة كان باطلا ، وهذا شرط يخالف السنة ، فاما ان كان الشرط لا يخالف كتابا ولا سنة فهو شرط صحيح ، فان شرط عليه خدمته سنة ، أو سنتين ، أو أكثر من ذلك لزمه ، فان مات المعتق كان خدمته لورثته ، فإن أبق العبد ولم يوجد الّا بعد انقضاء المدّة التي شرط عليه المعتق فيها الخدمة ، لم يكن للورثة عليه سبيل في الخدمة.

والاولى ان يكون لهم الرّجوع بمثل اجرة تلك المدة ، لأنها مستحقة عليه ، وقد فاتت أوقاتها ، فيرجع عليه بأجرة مثلها ، فامّا الخدمة فليس لهم سبيل عليه فيها ، فلأجل هذا قال شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله في نهايته ، لم يكن للورثة عليه سبيل يعني في الخدمة.

وإذا باع العبد وعلم انّ له مالا ، كان ماله لبائعه دون مشتريه ، وان لم يعلم ان له مالا كان ماله لبائعه بغير خلاف.

وذكر شيخنا في نهايته : انه إذا باع العبد وعلم ان له مالا كان ماله لمن ابتاعه ، وان لم يكن عالما بذلك كان المال له دون المبتاع (٣).

وهذا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا ، لأنّا قد بيّنا انّ العبد لا يملك شيئا عند المحصّلين من أصحابنا لقوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٤) فنفى قدرته

__________________

(١ و ٢ و ٣) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.

(٤) سورة النحل ، الآية ٧٥.

١١

على شي‌ء ، والمال من جملة الأشياء.

والدليل على صحة ما اعتذرنا لشيخنا قوله أيضا في نهايته بعد القول الّذي حكيناه عنه بلا فصل : والعبد المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا ، فان ملّكه مولاه شيئا ، ملك التّصرف فيه ، وليس له رقبة المال على وجه من الوجوه (١).

وقد روى (٢) انه إذا نذر الإنسان ان يعتق أول مملوك يملكه ، فملك جماعة من العبيد في حالة واحدة ، أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه أعتقه ، وقد روى (٣) انه مخير في عتق أيهم شاء ، والأول أحوط هكذا أورده شيخنا في نهايته (٤).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله والأولى عندي انّه لا يعتق شي‌ء من العبيد ، لأنّ شرط النذر ما وجد ، لانّه نذر عتق أول مملوك يملكه ، وليس لمن ملك في حالة واحدة من المماليك أول ، فما وجد شرط النذر ، وأيضا الأصل براءة الذّمة ، فمن شغلها بشي‌ء يحتاج الى دليل ، ولا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وما أورده شيخنا فإنها رواية شاذة.

وأورد شيخنا في نهايته ، انه إذا أعتق ثلاثة من عبيده وكان له أكثر من ذلك ، فقيل له اعتقت مماليكك؟ فقال نعم ، لم يمض العتق الّا فيمن كان أجاز فيهم العتق أوّلا ، وان أجابهم حين سألوه بلفظ العموم بقوله نعم (٥).

وفقه ذلك ان العتق يحتاج إلى نية القربة ، فلا يصح ولا ينعتق الّا من نوى عتقه ، دون من لم ينو ، لأنّه أعرف بنيته.

وقد روى (٦) انه إذا كان للرجل جارية فنذر أنه متى وطأها كانت معتقة ، فإن وطأها قبل ان يخرجها من ملكه انعتقت ، وان أخرجها ثمّ اشتراها بعد ذلك وطأها لم يقع بذلك عتق.

وفقه هذه الرواية ان صحت : انّه إذا أخرجها من ملكه انحل نذره ، لانّه نذر في

__________________

(١ و ٤ و ٥) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه ، في العبارة تقطيع.

(٢ و ٣) الوسائل ، كتاب العتق ، الباب ٥٧ ، ح ١ ـ ٣.

(٦) الوسائل ، كتاب العتق ، الباب ٥٩ ، ح ١.

١٢

ملكه ، فإذا زال ملكه عنها انحلّ نذره ، ولا يصح في ملك الغير ، فيحتاج إذا عادت الى ملكه الى دليل على عتقها.

وإذا نذر الإنسان ان يعتق مملوكا بعينه ، لم يجز له ان يعتق غيره ، وان كان لو لا النذر ما كان يجوز عتقه ، أو كان يكون مكروها ، مثل ان يكون كافرا أو مخالفا في الاعتقاد ، هكذا أورده شيخنا في نهايته (١).

هذا على رأيه رحمه‌الله ومذهبه في ان عتق الكافر يصح في الكفارات والنذور إذا عيّنه فيه ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك (٢) ، فلا وجه لا عادته.

واما قوله رحمه‌الله « لو لا النذر لم يجز ذلك » يعنى ما كان يجوز عتق الكافر الغير المظهر للشهادتين ابتداء من غير نذر بعينه.

واما قوله « أو كان يكون مكروها » يعنى الكافر الّذي يظهر الشهادتين كان لو لا النذر يكون عتقه مكروها إذا كان ابتداء ، لا عن نذر ، فهذا معنى قوله رحمه‌الله.

وأورد في النهاية أيضا انه إذا زوّج الرجل جاريته ، وشرط انّ أوّل ما تلده يكون حرا فولدت توأما ، كانا جميعا معتقين (٣).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ان أراد بالشرط المذكور أول حمل ، كان على ما ذكر ، وان أراد بذلك أول ولد تلده ، كان الأول حرا ، والّذي يخرج ثانيا مملوكا إذا شرطه.

وإذا قال الرجل كل عبد لي قديم فهو حر ، فما كان من مماليكه اتى له ستة أشهر فهو قديم ، وصار حرا ، وكذلك إذا كان في ملكه وقد اتى عليه أكثر من ستة أشهر ، وانّما أقلّه ستة ، لقوله تعالى « حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ » (٤) والعرجون في ستة أشهر يكون كذلك ، من جهة عرف الشرع بالآية ، لا من جهة عرف اللغة.

ولا يجوز للإنسان أن يأخذ من مملوك لغيره مالا ليشتريه من غير علم مولاه.

قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا اشترى الإنسان جارية ولم ينقد ثمنها ،

__________________

(١ و ٣) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.

(٢) في ص ٦.

(٤) سورة يس : الآية ٣٩.

١٣

فأعتقها وتزوجها ، ثمّ مات بعد ذلك ، ولم يخلف غيرها ، فانّ عتقه ونكاحه باطل ، وترد في الرق لمولاها الأول ، وان كانت قد حملت ، كان أولادها رقا كهيئتها ، فإن خلّف ما يحيط بثمن رقبتها ، فعلى الورثة ان يؤدوا ثمنها لمولاها ، وقد مضى العتق والتزويج ، ولا سبيل لأحد عليها (١).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ، الّذي يقتضيه أصول مذهب أصحابنا ، ان العتق المذكور صحيح ، لأنه أعتق ملكه بغير خلاف ، والحر لا يعود رقا ، والنكاح صحيح ، والولد حر ، والحر لا يصير عبدا ، لانّه انعقد حرا ، سواء خلّف غيرها من الأموال ، أولم يخلّف. والثمن في ذمته ، وما ذكره رحمه‌الله من بطلان العتق والتزويج وصيرورة أولادها ان حمل كهيئتها رقا ، غير مستقيم ولا واضح ، لانّه مخالف للأدلّة القاهرة ، ومضاد للكتاب والإجماع والسنّة ، المتواترة ، لأنه لا إجماع عليه ، ولا كتاب ولا سنة ، وما أورد شيخنا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ، أورده إيرادا لا اعتقادا على ما بيناه ، كما أورد أمثاله في هذا الكتاب ، أعني النهاية مما لا يعمل عليه ولا يفتي به.

وقال أيضا في نهايته : وإذا أعتق الرجل مملوكه عند موته وعليه دين ، فان كان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين ، مضى العتق ، واستسعى العبد في قضاء دين مولاه ، وان كان ثمنه أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا (٢).

قال محمد بن إدريس رحمه‌الله ان أراد بقوله عند موته انه أنجز عتقه قبل موته ، فان العتق صحيح ماض ، ولا سبيل للديّان عليه ، لانّه تصرف في ملك الإنسان قبل الحجر عليه ، وللإنسان أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، لان الناس مسلطون على أملاكهم ، يتصرفون فيها بالبيع والهبة ، والصدقة ، والعتق ، وغير ذلك وان أخّر عتقه الى بعد موته ، فهذا تدبير ووصيّة ، لأنّ التدبير عند أصحابنا بمنزلة الوصية ، والوصية لا تصح الّا بعد قضاء جميع الديون ، وانّما الذي أورده شيخنا في نهايته خبر واحد ، على قول من قال من أصحابنا ان العطايا المنجزة في مرضه الموت ، لا تخرج من أصل المال ، وانّما تخرج من الثلث ، لأنّ أصحابنا لهم في ذلك مذهبان ، فبعض

__________________

(١ و ٢) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.

١٤

يرى انها من أصل المال ، وبعض يرى أنها من الثلث ، والأول هو الأظهر ، لأنه الذي يقتضيه أصول المذهب ، لأنّ للإنسان أن ينفق جميع ماله على مرضه بغير خلاف ، وانما وردت بالثاني أخبار آحاد لا يعوّل عليها ولا يلتفت إليها ، وهي موافقة لمذهب مخالفينا.

قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة في كتاب العتق : العتق في المرض المخوف ، يعتبر عند بعض أصحابنا من الأصل ، وعند الباقين من الثلث ، وهو مذهب المخالفين ، ثمّ قال : فإذا ثبت ذلك ، وأعتق شقصا من عبد ، نظرت ، فان كان وفق الثلث نفذ فيه وحده ، ولم يقوّم عليه نصيب شريكه ، وان كان الشقص أقل من الثلث ، قوم عليه تمام الثلث ، وان استغرق جميع ثلثه ، فاما إذا اعتبرناه من أصل المال ، فحكمه حكمه لو كان صحيحا ، وقد مضى ثمّ قال إذا اوصى بعتق شقص له من عبد ، ثمّ مات ، أعتق عنه ذلك الشقص ، ولم يقوّم عليه نصيب شريكه ، وان كان غنيا ، لأنّ ملكه زال عن ماله بالموت ، الّا القدر الذي استثنيناه. هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطة (١) ، أوردناه ليعلم انّ ما أورده في نهايته على أحد القولين اللذين لأصحابنا الّذي هو غير معمول عليه ، لما أشرنا إليه من الأدلّة.

إذا كان العبد بين ثلاثة ، لواحد النصف ، وللآخر (٢) السّدس ، فأعتق صاحب النّصف وصاحب السّدس ملكهما معا في زمان واحد ، أو وكّلا وكيلا فأعتق ملكهما معا سرى الى نصيب شريكهما ، ويكون عليهما قيمة الثلث بينهما نصفين ، وان اختلف ملك المعتقين لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال من أعتق شركا له في عبد ، وكان له مال يبلغ ثمن العبد ، قوّم العبد قيمة العدل ، واعطى شركاؤه حصصهم ، وعتق العبد (٣) ، فعلّق الضمان بأن أعتق شركا له من

__________________

(١) المبسوط ، كتاب العتق ، ص ٥٧ ، ج ٦ ، وفي المصدر ، الّا العقد الذي أثبتناه.

(٢) ل. ولآخر الثلث ولآخر السدس.

(٣) مستدرك الوسائل ، الباب ١٦ ، من أبواب العتق الحديث ٧ ، مع اختلاف في العبارة وهي هذه وعنه عليه‌السلام قال من أعتق شركا له من مملوك أقيم عليه قيمة عدل فاعطى شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد ان كان ذا يسار والّا فقد عتق منه ما عتق.

١٥

عبد ، وقد اشتركا في هذا المعنى ، فكانا سواء في الضمان ، ويكون القيمة حين العتق سواء قيل بنفس اللفظ ، أو بشرطين ، أو مراعى ، لأنّ بين الفقهاء في ذلك اختلافا ، فبعض يقول يعتق حصة شريكه بنفس اللفظ ، وهو الأظهر ، وبعض يقول بشرطين ، باللفظ وقبض القيمة ، وبعض يقول مراعى.

وإذا أعتق الرجل ثلث عبيده ، وله عبيد جماعة ، استخرج منهم ثلثهم بالقرعة ، فمن خرج اسمه كان معتقا. وقال المخالف يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى كل واحد في ثلثي قيمته ، ليؤدي ويعتق.

وجملة الإقراع بينهم ، وكيفيّته ، فإذا كانوا على صفة يمكن تعديدهم أثلاثا بالقيمة والعدد معا ، وهو إذا كانوا ستة قيمة كل واحد الف ، فيكون كل عبدين ثلث ماله ، فانا نجزيهم ثلاثة أجزاء ، كل عبدين جزاء نقرع بينهم ، بان نكتب الرقاع ، ونساهم على ما بيّناه في غير موضع ، ويمكن إخراج الأسماء على الرق والحرّيّة ، وإخراج الرق والحرية على الأسماء ، فإذا أردت ان تخرج الأسماء على الرق والحرّية ، كتبت في كل رقعة اسم اثنين فيكون ثلاث رقاع ، وتقول أخرج رقعة على الحرّيّة ، فإذا أخرجها فضّت فيعتق من اسمه فيها ويرق الباقون ، وقد اكتفيت بإخراج الرقعة دفعة واحدة ، وان قلت : أخرج رقعة على الرق ، فإذا أخرجها فضت ويرق من اسمه فيها ، ولا بدّ من إخراج أخرى ، فتقول : أخرج أخرى على الرق ، فإذا خرج ، رق من فيها ، وعتق الآخران ، فمتى اخرج القرعة على الحرية ، أجزأه دفعة واحدة ، ومتى أخرجها على الرق ، فلا بد من دفعتين.

فان لم يتفق ذلك ، وهو إذا لم يمكن التعديل بالعدد دون القيمة ، أو بالقيمة دون العدد ، مثل ان كانوا ستة ، قيمة عبد الف ، وقيمة عبدين الف ، وقيمة ثلاثة أعبد الف ، فإذا اعتبرت القيمة ، كانت التركة أثلاثا ، لكن العدد مختلف ، ومتى اعتبرت العدد ، وجعلت كل عبدين سهما ، صحّ ، لكن اختلفت القيمة فما الّذي يصنع به؟

قال قوم تعتبر القيمة ، ويترك العدد ، كما ان قسمة الدار إذا لم تمكن بالمساحة والاجزاء ، عدلت بالقيمة ، وقال آخرون يعتبر بالعدد ويترك القيمة ، والأول هو

١٦

الّذي يقتضيه مذهبنا.

وإذا خلّف الرجل مملوكا وشهد بعض الورثة أنّه أعتقه مورّثهم ، فان كان الشاهد مرضيا جائز الشهادة ، وكانا اثنين عتق المملوك ، وان لم يكن مرضيا أو كان غير ان الآخر غير مرضى ، مضى العتق في حصّته ، واستسعى العبد في الباقي.

وإذا اوصى الإنسان بعتق رقبة ، جاز ان يعتق عنه نسمة ، ذكرا كان أو أنثى ، إذا كانت النسمة ممن يجوز إعتاقها.

وقد روى (١) انه إذا أعتق الرجل مملوك ابنه كان العتق ماضيا.

وهذه الرّواية لا يصح العمل بها ، الّا ان يكون الا بن صغيرا ، ويكون الأب قد قوم العبد على نفسه ، والّا فلا يصح ذلك فيه.

وشيخنا أبو جعفر أورد ذلك في نهايته (٢) ، وأطلق ولم يقيّد بالابن الصغير ، وتحرير الفتيا ما قلناه.

وقد روى (٣) انه إذا أعتق الرجل جارية حبلى بمملوك ، صار ما في بطنها حرا كهيئتها ، فإن استثناه من الحرية لم يثبت رقّه مع نفوذ الحرية في امّه.

وهذه الرّواية أوردها شيخنا في نهايته (٤) ولا دليل على صحتها في كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل ان لا عتق ، وثبوت العبودية في حملها ، فمن حرّره يحتاج الى دليل ، ولا دليل له على ما بيّناه ، واخبار الآحاد غير معمول عليها عند أصحابنا ، وانّما هذا يصح على مذهب الشافعي ، لأنّه يجري الحمل مجرى بعض أعضائها ، ولهذا يقول انه إذا باعها واستثنى الحمل ، لا يصح استثناؤه ، ونحمل نحن الرواية على انها وردت مورد التقيّة ، لأنه مذهب مخالفينا.

وإذا أسلم أحد الأبوين ، كان حكم أولاده (٥) حكمه في إجراء حكم الإسلام عليهم ، فان بلغوا واختاروا الشرك ، لم يمكنوا من ذلك ، وقهروا على الإسلام ، فإن

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٦٧ ، من أبواب العتق.

(٢ و ٤) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق وأحكامه.

(٣) الوسائل ، الباب ٦٩ ، من أبواب العتق.

(٥) ل. أولاده الصغار.

١٧

أبوا ذلك ، كان عليهم القتل.

وإذا كان للرجل مملوك ، وهو يحسن اليه ، ويقوم بما يحتاج اليه ، فاستباعه العبد ، لم يلزمه بيعه ، وكان مخيرا في ذلك.

ويكره ان يفرق بين الولد الصغير وبين امه ، وينبغي ان يباعا معا ، وليس ذلك بمحظور على الأظهر من قول المحصّلين من أصحابنا ، والى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في كتاب العتق في نهايته (١).

وإذا أبق العبد ، جاز لمولاه ان يعتقه في الكفارة الواجبة عليه ، ما لم يعرف منه موتا ، على ما بيناه في كتاب الظهار (٢).

وإذا عتق العبد ، وعليه دين ، فان كان استدانه بإذن مولاه وامره ، لزم المولى قضاؤه ، وان كان عن غير اذنه ، كان ثابتا في ذمته ، يتبع به ، ولا يلزم المولى منه شي‌ء.

وقد روى (٣) انه إذا اتى على الغلام عشر سنين ، كان عتقه وصدقته جائزا إذا كان على جهة المعروف ، أوردها في نهايته (٤) شيخنا إيرادا لا اعتقادا لانه لا دليل على صحة العمل بها ، لأنها مخالفة لأصول المذهب ، لكونها لا دليل عليها من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، والأصل نفى الأحكام الشرعية ، وثبوتها يحتاج إلى أدلة شرعية ، وقول الرسول عليه‌السلام المجمع عليه ، يؤيد ما قلناه ، وهو « رفع القلم عن ثلاث » (٥) وذكر الصبي من جملة الثلاث.

وإذا أعتق الرجل عبده عن دبر ، « بالدال غير المعجمة المضمومة ، والباء المسكنة المنقطة من تحتها نقطة واحدة ، والراء والمراد بذلك التأخير ، لأنّ الدبر

__________________

(١ و ٤) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق واحكامه.

(٢) الجزء الثاني ، ص ٧١٨.

(٣) الوسائل ، الباب ٥٦ ، من أبواب العتق الحديث ١.

(٥) سنن ابن ماجة ، كتاب الطلاق الباب ١٥ ، الحديث ١ ، ج ١ ، ص ٦٥٨ ، والحديث هكذا عن عائشة ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال رفع العلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق. وكذلك مع اختلاف يسير في سنن البيهقي الباب ٢٤ ، من كتاب الطلاق الحديث ١ ، ج ٧ ، ص ٣٥٩.

١٨

المؤخر ، والتدبير تفعيل من الدبر ، وهو العتق المؤخر الى بعد الموت » وكان عليه عتق رقبة واجبة ، لم يجز ذلك عنه ، لأنّ المدبر يخرج من الثلث ، والرقبة الواجبة من أصل المال ، والمدبر غير ما يعتق في الكفارات ، فلهذا لا يجزئه ، ولأنّ أسبابهما مختلفة ، فهذا معنى قول شيخنا أبي جعفر في نهايته : وإذا أعتق الرجل عبده عن دبر ، وكان عليه رقبة واجبة ، لم يجز ذلك عنه (١).

وأيضا التدبير على ضربين ، واجب وندب ، فالواجب ما أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر أو العهد ، فان كان هذا الضرب ، فلا يجزئه عن الكفارة ، لأنّ الفرضين لا يتداخلان ، وان كان الضرب الآخر من التدبير ، فلا يجزئه عن الكفارة الواجبة عليه ، لانه يحتاج إلى نية الإعتاق ، والى كيفية النيّة ، وجنس العتق ، والقصد اليه ، وهذا الضرب أيضا يخرج من الثلث ، والكفارة من أصل المال ، فليلحظ جميع هذه الأقسام.

وحد اليسار الذي يقوّم العبد إذا كان مشتركا بينه وبين غيره ، وأعتق نصيبه منه ، ان يكون للمعتق غير هذا النصيب قدر قيمة نصيب شريكه في الفاضل عن قوت يومه وليلته ، لما روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال من أعتق شركا له من عبد ، وكان له مال يبلغ ثمنه ، قوم عليه (٢).

فان لم يكن الّا قدر نصيبه منه وتمام قيمة نصيب شريكه ، فليس له مال الا ثمن العبد (٣) ، فان كان معه وفق قيمة نصيب شريكه ، قوم كل نصيب شريكه عليه ، وان كان معه أقل من ذلك ، قوم عليه بقدر ما يملك من الفاضل عن قوت يومه وليلته.

فامّا ان كان معسرا ، فأعتق نصيبه منه ، عتق ورق الباقي عندنا ، وقال بعض المخالفين يعتق كله ، ويكون قيمة نصيب شريكه في ذمته ، يتبع به إذا أيسر ، وقال

__________________

(١) النهاية ، كتاب العتق والتدبير ، باب العتق واحكامه.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ١٦ ، من أبواب العتق. الحديث ٧.

(٣) ج. فان لم يكن الّا قدر نصيبه منه أو لم يكن تمام قيمة نصيب شريكه فليس له مال يبلغ ثمن العبد.

١٩

بعضهم شريكه بالخيار بين ان يعتق نصيبه ، وبين ان يستسعيه في قيمته ، ليؤدى فيعتق. وقد روى (١) في أخبارنا ذلك.

قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، مسألة : إذا ورث شقصا من أبيه أو أمه ، قوّم عليه ما بقي إذا كان موسرا ، وقال الشافعي لا يقوم عليه لأنّه بغير اختياره ، دليلنا إجماع الفرقة واخبارهم هذا أخر المسألة (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله ، الّذي يقتضيه أصول مذهبنا ، انه لا يقوّم عليه ما بقي ، لأنه لا دلالة على ذلك من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وما ذكره رحمه‌الله من قوله « دليلنا إجماع الفرقة » فعلى اىّ شي‌ء أجمعت ، انّما أجمعت على انه من أعتق شركا له في عبد ، وكان موسرا قوّم عليه حصّة شريكه ، وكذلك الأخبار التي ادّعاها ، انما وردت بما اجمعوا عليه ، وما وردت ، ولا أجمع أصحابه على ان من ورث شقصا له من عبد يعتق عليه ، يقوم عليه ما بقي إذا كان موسرا.

الّا ان شيخنا رجع عما ذكره ، في مبسوطة ، وقال لا يقوم عليه (٣) ، وهو الحق اليقين.

وقال في مسائل الخلاف ، إذا أعتق كافر مسلما ، ثبت له عليه الولاء (٤).

وهذا لا يتقدر على ما قررناه ان العتق لا يقع الّا ان يقصد به وجه الله تعالى ، والكافر لا يعرف الله تعالى ولا يقع منه نية القربة.

عندنا ان العتق لا يقع بشرط ولا يمين ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.

إذا قال كل عبد أملكه فهو حر ، أو قال ان ملكت هذا فهو حرّ ، ولم يجعل ذلك نذرا ، ثمّ ملك ، لم يعتق.

قال شيخنا في مسائل الخلاف ، مسألة : إذا أعتق عن غيره عبدا باذنه ، وقع

__________________

(١) الوسائل ، كتاب العتق ، الباب ١٨ ، ح ٢ ـ ٣ ـ ٤ ـ ٧ وغيرها في الباب.

(٢) الخلاف ، كتاب العتق مسألة ٧.

(٣) المبسوط ، ج ٦ ، كتاب العتق ، فصل فيمن يعتق على من ملكه ، ص ٦٨.

(٤) الخلاف كتاب العتق مسألة ١٢.

٢٠