كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

كتاب الطلاق

٦٦١

كتاب الطلاق

الطلاق جائز لقوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) (١) فأبان بها عدد الطلاق ، لأنّه كان في صدر الإسلام بغير عدد.

وروى عروة ، عن قتادة قال : كان الرجل في صدر الإسلام يطلّق امرأته ما شاء من واحد إلى عشر ، ويراجعها في العدّة ، فنزل قوله تعالى « الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ » فبيّن أنّ عدد الطلاق ثلاث ، فقوله « مَرَّتانِ » إخبار وهو بمعنى الأمر ، لأنّه لو كان إخبارا محضا ، لكان كذبا ، لأنّه قد يطلّق أقل من مرتين ، بل معناه : وطلّقوا مرتين.

واختلف الناس في الثالثة ، فقال ابن عباس « أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ » الثالثة ، وقال غيره ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٢) الثالثة وهذا مذهبنا.

وقال تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (٣) أي لاستقبال عدّتهن في طهر ، لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها ، بلا خلاف ، والأولى أن تكون « اللام » بمعنى « في » ، لأنّه عندنا لا يجوز الطلاق الطاهر التي وطأها زوجها في طهرها ، بل في طهر لم يطأها فيه ، فإذا طلّقها فيه حسب من جملة الأطهار ، فصار الطلاق واقعا هاهنا في بعض العدّة.

وقال السيد المرتضى في الناصريات ، لمّا قال : إنّ الطلاق الثلاث في مجلس واحد من دون تخلل المراجعة بين التطليقات لا يجوز ، ثمّ قال : وإخراج

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

(٣) الطلاق : ١.

٦٦٢

الزوج نفسه من التمكين من مراجعة المرأة مكروه له ، ومن طلّق ثلاثا في ثلاثة أطهار ، لا يحلّ له هذه المرأة إلا بعد نكاحها لغيره ، وهو لا يدري ما ينقلب به قلبه ، قال : ولهذا حمل العلماء قوله ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) بأنّه أراد به الواحدة ، لتملك المراجعة بدلالة قوله « لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً » ومن أبان زوجته بالتطليقات الثلاث في الأطهار الثلاثة والمراجعة بينها ، فقد حرّمها على نفسه إلا بعد أن تنكح زوجا غيره ، ويكره له ذلك (١).

هذا آخر كلام المرتضى ، فأحببت إيراده ليعلم القول في معنى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) فإذا ثبت ذلك من جواز الطلاق ، فإنّه يجوز طلاق الصغيرة التي لم تحض ، والكبيرة التي يئست من المحيض ، وليس في سنّها من تحيض ، والتي يئست من المحيض ، وفي سنّها من تحيض ، والحائل ، والحامل ، والمدخول بها ، وغير المدخول بها ، بلا خلاف ، لعموم آيات الطلاق.

وهو على أربعة أضرب ، واجب ، ومحظور ، ومندوب ، ومكروه.

فالواجب طلاق المولى بعد التربص ، لأنّ عليه أن يفي ، أو يطلّق ، أيّهما فعل فهو واجب ، فإن امتنع منهما حبسه الحاكم ، ولا يطلّق عليه عندنا.

والمحظور طلاق الحائض بعد الدخول ، أو في طهر قربها فيه قبل أن يظهر بها حمل ، بلا خلاف ، وانّما الخلاف في وقوعه ، فعندنا لا يقع ، وعند المخالف يقع مع كونه بدعة.

فأمّا المكروه ، فإذا كانت الحال بينهما عامرة ، والأخلاق ملتئمة ، وكلّ واحد منهما قيّم بحقّ صاحبه.

والمندوب إذا كانت الحال بينهما فاسدة بالشقاق ، وتعذر الاتفاق ، وكلّ واحد منهما يعجز عن القيام بما يجب عليه لصاحبه ، فالمستحب الفرقة ، فهذه أقسام الطلاق.

__________________

(١) الناصريات : كتاب الطلاق ، ذيل المسألة الحادية والستين والمائة.

٦٦٣

فأمّا أقسام النكاح فثلاثة ، محظور ، ومستحب ، ومكروه ، لأنّه لا واجب فيه عندنا.

فالمحظور حال العدّة ، والردّة ، والإحرام.

والمستحب إذا كان بالرجل إليه حاجة ، وله ما ينفق عليها.

والمكروه إذا لم يكن به إليه حاجة ، ولا معه ما ينفق عليها ، خوفا من الإثم.

فإذا تقرّر أقسام الطلاق ، فكلّ طلاق واقع يوجب تحريما ، ويزول ذلك التحريم بثلاثة أشياء ، مراجعة ، ونكاح قبل زوج ، ونكاح بعد زوج.

فالرجعة إذا طلّقها بعد الدخول دون الثلاث بغير عوض ، فالمراجعة ، أن يقول : راجعتك ، أو يلمسها بشهوة ، أو يقبّلها ، أو يطأها ، أو ينكر طلاقها ، هذا كلّه قبل خروجها من العدّة ، ولا يفتقر مراجعتها إلى رضاها ، ولا ولي ، ولا عقد بلا خلاف ، ولا إلى إشهاد عندنا.

وزواله بنكاح من غير زوج ، إذا بانت منه بأقلّ من ثلاث ، وهو أن يطلّقها طلقة أو طلقتين قبل الدخول أو بعده ، بعوض أو بغير عوض ، وصبرت حتى انقضت عدّتها ، وكذلك إذا زال النكاح بالفسخ ، حلّت له قبل زوج غيره.

وأمّا التحريم الذي لا يزول إلا بزوج ونكاح جديد مخصوص ودخول مخصوص ، فإن تبيّن بالثلاث مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره.

وصحّة الطلاق الشرعي يفتقر إلى شروط ، يثبت حكمه بتكاملها ، ويرتفع بإخلال واحدها.

منها كون المطلّق ممن يصح تصرفه ، ولا يكون ممن رفع القلم عنه ، بأن يكون عاقلا بالغا ، لأنّ طلاق المجنون والصبي ما لم يبلغ غير صحيح.

ومنها إيثاره الطلاق.

ومنها قصده إليه.

ومنها تلفّظه بصريحه دون كناياته.

٦٦٤

ومنها كونه مطلّقا من الشروط.

ومنها توجهه إلى معقود عليها.

ومنها تعيينها.

ومنها الإشهاد بعدلين مجتمعين في مكان واحد.

ومنها إيقاعه في طهر لا مساس فيه ، بحيث يمكن اعتباره.

ومنها أن لا يقع على غضب ولا حرد ، ولا يجعله يمينا.

اشترطنا صحّة التصرف ، احترازا من الصبي والمجنون والسكران ، وفاقد التحصيل بأحد الآفات.

واشترطنا الإيثار ، احترازا من المجبر والمكره.

واشترطنا القصد احترازا من الخلف واللغو والسهو وإيقاعه بغير نيته.

واشترطنا إطلاق اللفظ ، احترازا من مقارنة الشروط ، كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار ، أو جاء رأس الشهر.

واشترطنا صريح قوله : أنت طالق ، أو هي طالق ، أو فلانة طالق ، احترازا من الكنايات ، كقوله : أنت حرام ، أو بائنة ، أو بتلة ، أو بتة ، أو خليّة أو بريّة ، أو حبلك على غاربك ، أو الحقي بأهلك ، وأشباه ذلك.

واشترطنا العقد ، احترازا من إيقاعه قبله ، كقوله : إن تزوجت فلانة فهي طالق.

واشترطنا تعيين المطلقة ، احترازا من قوله : زوجتي طالق ، وله عدة أزواج ، أو إحدى زوجاتي طالق ، من غير تعيين لها بقول.

واشترطنا الإشهاد ، احترازا من وقوعه بغير شهادة عدلين مجتمعين.

واشترطنا الطهر للحائض (١) ، احترازا من الحيض والنفاس ، ومما حصل فيه مباشرة.

__________________

(١) ل : الطهر الخالص.

٦٦٥

وقلنا : بحيث يمكن لصحته ، عمّن لا يمكن ذلك فيها ، وهي التي لم يدخل بها ، أو دخل بها وغاب عنها زوجها غيبة مخصوصة ، والتي لم تبلغ ، والآئسة المخصوصة ، والحامل ، والغائبة ، على ما قدّمناه.

ويبطل تعليق الطلاق بالأبعاض ، لأنّه ليس من الألفاظ المشروعة في الطلاق ، فيجب أن لا يقع ، وأيضا قوله تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) (١) يدلّ على ذلك ، لأنّه علّق الطلاق بما يتناوله اسم النساء ، واليد أو الرجل لا يتناولهما ذلك.

ويخص اعتبار الشهادة ، قوله تعالى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) إلى قوله : ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٢) لأنّ ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب ، وهذا يوجب عود ذلك إلى الطلاق ، وإن بعد عنه ، لأنّه لا يليق إلا به ، دون الرجعة التي عبّر عنها بالإمساك ، لأنّه لا خلاف في أنّ الإشهاد عليها غير واجب ، كما وجب عود التسبيح إليه تعالى ، مع بعد ما بينهما في اللفظ في قوله تعالى ( إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ ) (٣) من حيث لا يليق إلا به تعالى.

وحمل الإشهاد على الاستحباب ليعود إلى الرجعة ، عدول عن الظاهر في عرف الشرع بغير دليل.

ولا يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد متعلقا بقوله ( أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) ، لأنّ المراد بذلك هاهنا ترك المراجعة والاستمرار على موجب الطلاق المقتضي للفرقة ، وليس بشي‌ء يتجدد فعله ، فيفتقر إلى إشهاد.

ويخصّ اعتبار الطهر ، أنّه لا خلاف في أنّ الطلاق في الحيض بدعة ومعصية ، وقد فسّر العلماء قوله تعالى ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) بالطهر الذي لإجماع

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) الطلاق : ٢.

(٣) الفتح : ٨ ـ ٩.

٦٦٦

فيه ، على ما حرّرناه وذكرناه فيما مضى ، وإذا ثبت أنّه مخالف لما أمر الله تعالى ، لم يقع ، ولم يتعلّق به حكم شرعي.

والنساء في الطلاق على ضربين ، منهنّ من ليس في طلاقها سنّة ولا بدعة ، ومنهنّ من في طلاقها ذلك.

فالضرب الأوّل الآئسة من المحيض لصغر أو كبر ، والحامل ، وغير المدخول بها ، والغائب عنها زوجها غيبة مخصوصة.

والثاني المدخول بها لا غير ، إذا كانت حائلا من ذوات الأقراء ، فطلاقها للسنّة في طهر لإجماع فيه. والبدعة في حيض ، أو في طهر فيه جماع.

واعلم أنّ الطلاق على ضربين ، رجعي وبائن.

والبائن على ضروب أربعة ، طلاق غير المدخول بها ، وطلاق من لم تبلغ المحيض ، ومن جاوزت خمسين سنة مع تغير عادتها ، سواء كانت قرشية أو عاميّة أو نبطية ، على الصحيح من الأقوال ، لأنّ في بعض الأخبار اعتبار القرشية والنبطية بستين سنة ، ومن عداهما بخمسين سنة ، والأوّل هو المذهب المعمول عليه.

وكلّ طلاق كان في مقابلته بذل وعوض من المرأة ، وهو المسمّى بالخلع والمبارأة ، ونحن نذكر أحكامهما فيما بعد إن شاء الله تعالى.

فأمّا الطلاق الرجعي ، فهو أن يطلّق المدخول بها واحدة ، ويدعها تعتدّ ، ويجب عليه السكنى لها ، والنفقة ، والكسوة ، ولا يحرم عليه النظر إليها ، ووطؤها ، ويحرم عليه العقد على أختها ، وعلى خامسة ، إذا كانت هي رابعة.

وجملة الأمر وعقد الباب أنّها عندنا زوجة ، وقال المخالف : حكمها حكم الزوجة ، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطة : بل هي عندنا زوجة ، لأنّ المخالف قال حكمها حكم الزوجات ، قال : هو ردّا عليه ، بل هي عندنا زوجة (١) ونعم ما قال رحمه‌الله.

__________________

(١) المبسوط : لا يوجد بعينه بل في كتاب الإيلاء ، ج ٥ ص ١٣٤ ، خلافه ، والعبارة هكذا : إذا آلى من الرجعية صحّ الإيلاء ، لأنّها في حكم الزوجات بلا خلاف.

٦٦٧

وله مراجعتها ما دامت في العدّة ، وإن لم تؤثر هي ذلك ، وليس لها عليه في ذلك خيار.

وتجوز المراجعة من غير إشهاد ، والإشهاد أولى.

وتصح عندنا المراجعة بالقول ، أو بالفعل ، فالقول أن يقول : قد راجعتك ، فإن لم يقل ذلك ، ووطأها أو قبّلها ، أو لا مسها ، أو ضمّها بشهوة ، فقد راجعها.

وروى أصحابنا أو ينكر طلاقها (١) ، والدليل على ذلك أجمع إجماعنا ، وقوله تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ) (٢) فسمّى المطلّق طلاقا رجعيا بعلا ، ولا يكون كذلك إلا والمرأة بعلة ، وهذا يقتضي ثبوت الإباحة.

ولم يشترط الشهادة ولا لفظ المراجعة قولا.

فإن خرجت من العدّة ملكت نفسها ، فإن آثر مراجعتها كان ذلك بعقد جديد ومهر جديد ، وتبقى معه على طلقتين أخريين ، فإن كمل طلاقها ثلاث مرات في ثلاثة أطهار ، مع تخلل مراجعته لها ، على ما سندل عليه ، ولم تكن تزوّجت فيما بينها بسواه ، لم تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره بنكاح دوام ، ويكون بالغا ، ويدخل بها واطئا في قبلها ، ويفارقها وتنقضي عدتها منه ، ويهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث ، وإن تكررت من الأول أبدا ، إلا أن يكون طلاق عدّة بعد تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان ، وتبيح المرأة بالعقد المستأنف ، وكذا إن تزوّجت فيما بين الاولى والثانية ، أو الثانية والثالثة ، هدم ذلك ما تقدّم من الطلاق ، على الأظهر الأكثر المعمول عليه من أقوال أصحابنا ورواياتهم ، لأنّ في بعضها لا يهدم الزوج الثاني ما دون الثلاث ، وتمسّك به ، بعضهم ، وقال : متى رجعت إلى الأول كانت معه على ما بقي من تمام الثلاث ، وظاهر قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٣) منعه ، لأنّه

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب أقسام الطلاق.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) البقرة : ٢٣٠.

٦٦٨

يدلّ على تحريمها عليه بالثالثة حتى تنكح زوجا غيره ، من غير تفصيل ، إلا أنّ الإجماع من المحصّلين على ما اخترناه ، والأخبار المتواترة مخصصة لما قدّمناه.

فأمّا غير المدخول بها فإنّه إذا طلّقها واحدة بانت منه ، وملكت نفسها في الحال ، فإن اختار مراجعتها ورضيت هي ، كان ذلك بعقد جديد ومهر جديد ، ولو قلنا بعقد جديد كان كافيا ، وإن لم نقل بمهر جديد ، غير أنّا اتبعنا ألفاظ أصحابنا المصنّفين.

فإن راجعها وطلّقها قبل الدخول بها تمام ثلاث مرات ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وهذا مختص بحرائر النساء.

فأمّا الإماء فأقصى طلاقهن حرا كان الزوج أو عبدا ، طلقتان ، لأنّ الاعتبار عندنا في عدد الطلقات بالنساء ، فأمّا إيقاعه فبيد الرجال.

وأمّا طلاق العدّة فيختص المدخول بها ، المستقيمة الطهر والحيض ، وصفته أن يطلّقها في طهر لإجماع فيه ، ثمّ يراجعها قبل أن تخرج من عدّتها ، ولو بساعة واحدة ، فإذا أراد طلاقها ثانيا طلاق العدّة وطأها ، فإذا حاضت وطهرت ، طلّقها ثمّ يراجعها قبل خروجها من عدّتها ، ولو بساعة واحدة ، فإذا راجعها حينئذ وأراد طلاقها ثالثا ، وطأها ، فإذا اوطأها فإذا حاضت وطهرت طلّقها ، فإذا فعل ذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره بالصفات التي ذكرناها أوّلا ، ولا يهدم الزوج الثاني هذه التطليقات الثلاث أبدا ، بل متى طلّقها مطلّق على هذا الوجه والكيفية تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان ، حرمت عليه أبدا على ما قلناه فيما مضى.

فالفرق بين طلاق العدّة وطلاق غير العدّة ، المسمّى عند بعض أصحابنا بطلاق السنّة ، وإن كان الكلّ عند التحقيق في التسمية طلاق السنّة ، هو أنّ طلاق العدّة لا بدّ لمن أراده بعد طلاقها الأوّل أن يراجعها قبل خروجها من العدّة ، فإذا أراد طلاقها ثانيا وثالثا ، فلا بدّ من وطئها ، وليس كذلك طلاق السنّة ، لأنّه إن أراد طلاقها بعد طلاقها الأوّل ، فليس من شرطه مراجعتها قبل خروجها من عدّتها ، ولا وطؤها إذا أراد طلاقها ثانيا وثالثا ، فيتفق طلاق العدّة

٦٦٩

وطلاق السنّة في المرّة الاولى من الطلاق ويختلفان في الطلاق الثاني والثالث ، فليلحظ ذلك.

وشي‌ء آخر وهو أنّ الإنسان يمكنه أن يبين زوجته في طلاق السنّة ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره في مجلس واحد ، ويوم واحد ، وأقلّ من ذلك ، بعد تخليل المراجعة بين الطلقات الثلاث ، بأن يطلّقها بمحضر من الشاهدين العدلين ، ثم يراجعها بالقول أو التقبيل على ما مضى ، ثمّ يطلّقها ، ثمّ يراجعها ، ثمّ يطلّقها ، وقد بانت منه ساعة طلّقها ، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره ، وإن كان ذلك في يوم واحد ومجلس واحد.

فإن قيل : فأصحابكم لا يجيزون ولا يوقعون الثلاث طلقات في مجلس واحد ، بل يوقعون منها واحدة وبعضهم لا يوقع شيئا منها ، فكيف ذهبتم إلى إيقاع الثلاث في مجلس واحد.

قلنا : أصحابنا ما منعوا من ذلك إلا من دون تخلل المراجعة بين التطليقات الثلاث ، أو قولهم : أنت طالق ثلاثا ، لأنّه إذا طلّقها ولم يراجعها ، ثمّ طلّقها ثانيا وثالثا لا يقع الطلاق ، لأنّ طلاق المطلّق لا يقع ، وليس كذلك ما ذهبنا إليه ، لأنّا اعتبرنا المراجعة بين التطليقات الثلاث ، فليتأمّل ذلك ويلحظ.

وما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته ، من كيفيّة طلاق السنّة ، وهو قوله : إذا أراد الرجل أن يطلّق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها ، طلاق السنّة فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع ، ويشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة ، ثمّ يتركها حتى تخرج من العدّة ، فإذا خرجت من العدّة ملكت نفسها ، وكان خاطبا من الخطاب ، وما لم تخرج من عدّتها فهو ، أملك برجعتها ، فمتى خرجت من عدتها وأراد أن يتزوجها ، عقد عليها عقدا جديدا بمهر جديد ، فإن أراد بعد ذلك طلاقها ، فعل معها ما فعل في الأوّل ، من استيفاء الشروط ، فيطلّقها طلقة أخرى ، ويتركها حتى تخرج من العدة ، فإذا خرجت من العدّة ملكت نفسها مثل الأوّل ، فإن أراد أن يعقد عليها عقدا آخر ، فعل كما فعل في

٦٧٠

الأولتين بمهر جديد وعقد جديد ، فإذا أراد بعد ذلك طلاقها ، طلّقها على ما ذكرناه ، ويستوفي شرائط الطلاق ، فإذا طلّقها الثالثة ، لم تحلّ له حتى تنكح زوجا غيره ، فإن تزوجت فيما بين التطليقة الأولى أو الثانية أو الثالثة ، زوجا بالغا ، ودخل بها ، ويكون التزويج دائما ، هدم ما تقدّم من الطلاق ، وكذلك إن تزوجت بعد التطليقات الثلاث ، هدم الزوج الثلاث تطليقات ، وجاز لها أن ترجع إلى الأول أبدا بعقد جديد ومهر جديد (١) هذا آخر كلام شيخنا في نهايته في كيفيّة طلاق السنّة.

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : هذا منه رحمه‌الله على جهة التقريب ، وعلى لفظ الخبر ، دون أن يكون من طلّق للسنّة على غير ذلك الوجه لا يسمّى طلاق السنّة.

وقد حقّق القول في الاستبصار (٢) ، وأورد أخبارا بأنّه يجوز على خلاف الوجه والكيفية التي أوردها في نهايته ، وأنّها تبين منه في يوم واحد إذا تخللت المراجعة ثمّ ذكر في نهايته ، وقال : الطلاق على ضربين ، طلاق السنّة وطلاق العدّة ، ثمّ قال : وهو ينقسم أقساما ، منها طلاق التي لم يدخل بها ، والتي دخل بها ، ومن لم تبلغ المحيض ، ولا في سنّها من تحيض ، والتي لم تبلغ المحيض وفي سنّها من تحيض ، والمستحاضة ، والمستقيمة الحيض ، والحامل المستبين حملها ، والآئسة من المحيض ، وفي سنّها من تحيض ، والآئسة من المحيض وفي سنّها من لا تحيض (٣).

وعدّد أقساما أخر ، وهذه أجمع راجعة إلى قوله الطلاق على ضربين ، طلاق السنّة ، وطلاق العدّة ، لأنّ كلّ واحد من الأقسام التي ذكرها لا بدّ فيه من أن يكون إمّا للسنّة أو للعدّة ، وانّما ذلك راجع إلى من يطلّق ، أو إلى من تطلّق ، لا إلى جنس الطلاق ، بل إلى عدد المطلّق ، والمطلّقة.

__________________

(١) النهاية : كتاب الطلاق ، باب كيفية أقسام الطلاق.

(٢) الاستبصار : كتاب الطلاق ، باب من طلق امرأته ثلاث تطليقات ، ج ٣ ، ص ٢٨٥ إلى ص ٢٩١.

(٣) النهاية : كتاب الطلاق ، باب أقسام الطلاق وشرائطه.

٦٧١

ثم قال رحمه‌الله : وما يلحق بالطلاق ، وإن لم يكن طلاقا في الحقيقة ، على ضربين ، ضرب منه يوجب البينونة ، مثل الطلاق ، وضرب آخر يوجب التحريم ، وإن لم يقع فرقة ، فالقسم الأول اللعان ، والارتداد عن الإسلام ، والقسم الثاني الظهار والإيلاء ، ويدخل في هذا الباب ، ما يؤثّر في بعض أنواع الطلاق ، وهو الخلع والمبارأة (١).

قوله رحمه‌الله : « ويدخل في هذا الباب ما يؤثّر في بعض أنواع الطلاق » على رأيه واختياره في أنّ الخلع بمجرده لا يقع به فرقة ولا بينونة ، إلا أن يتبع بطلاق ، فلأجل هذا قال ما قال ، ولا يجعله حكما منفردا عن الطلاق فأمّا على ما يذهب إليه غيره من أصحابنا ، مثل السيد المرتضى وغيره ، فانّ الخلع بمجرده يقع به البينونة والفرقة ، وسنبيّن ذلك عند المصير إليه إن شاء الله.

ويدخل فيه أيضا ما يكون كالسبب للطلاق ، وهو النشوز والشقاق.

وشرائط الطلاق على ضربين ، ضرب منه عام في سائر أنواعه ، وضرب منه خاص في بعضه ، فأمّا الذي هو عام ، فهو أن يكون الرجل غير زائل العقل ، ويكون مريدا للطلاق ، غير مكره عليه ، ولا مجبر ، ويكون طلاقه بمحضر من عدلين ، ويتلفظ بلفظ مخصوص ، أو ما يقوم مقامه إذا لم يمكنه على ما نبيّنه.

والضرب الآخر وهو أن لا تكون المرأة حائضا ، لأنّ هذا خاص مراعى في المدخول بها ، غير غائب عنها زوجها غيبة مخصوصة ، على ما نبيّنه فيما بعد ، ومعظم هذه الشروط قدّمناها فيما مضى.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : فإن طلّق الرجل امرأته وهو زائل العقل بالسكر ، أو الجنون أو المرة أو ما أشبهها ، كان طلاقه غير واقع ، فإن احتاج من هذه صورته إلا السكران إلى الطلاق ، طلّق عنه وليه ، فإن لم يكن له ولي ، طلّق عنه الإمام أو من نصبه الإمام (٢).

__________________

(١) و (٢) النهاية : كتاب الطلاق ، باب أقسام الطلاق وشرائطه.

٦٧٢

وذهب في مسائل خلافه في كتاب الخلع ، إلى غير ما ذهب إليه في نهايته ، فقال : مسألة ، ليس للولي أن يطلّق عمّن له عليه ولاية ، لا بعوض ولا بغير عوض ، ثمّ استدل ، فقال : دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا الأصل بقاء العقد وصحته ، وأيضا قوله عليه‌السلام : الطلاق لمن أخذ بالساق (١) ، والزوج هو الذي له ذلك دون غيره (٢) هذا آخر كلامه.

قال محمّد بن إدريس : الأولى أن يكون غير السكران مثل السكران ، وان لا يلي غير الزوج الطلاق ، لقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) (٣) فأضاف الطلاق إلى الزوج ، فمن جعل لغيره الطلاق فيحتاج إلى دليل.

وأيضا فالرسول عليه‌السلام قال : « الطلاق بيد من أخذ بالسّاق » (٤) والذي يأخذ بالساق الزوج ، فمن جعله بيد غيره يحتاج إلى دليل.

وأيضا الأصل بقاء الزوجيّة بينهما ، فمن أبانها منه بطلاق غيره يحتاج إلى دليل.

فإن قيل : هذا وال عليه ، ناظر في مصالحه ، فله أن يفعل ما شاء ممّا هو راجع إلى مصالحه.

قلنا : لا خلاف أنّ الصبي لا يطلّق عليه وليه ، وهو ناظر في أموره.

وأيضا فالطلاق من شرطه مقارنة نية المطلّق الذي هو الزوج به ، وهذا غير موجود في هؤلاء.

ولنا في هذه المسألة نظر ، والذي وقع التحقيق لنا من ذلك ، أنّه لا يجوز طلاق غيره عليه بحال ، لما قدّمناه من الأخبار ، وبقاء الزوجية بينهما ، فمن أبانها منه بطلاق غيره يحتاج إلى دليل.

__________________

(١) سنن ابن ماجة : باب طلاق العبد من كتاب الطلاق ، ح ٢٠٨١.

(٢) الخلاف : كتاب الخلع ، المسألة ٢٩.

(٣) البقرة : ٢٣٠.

(٤) كنز العمال : كتاب الطلاق ، الفرع الأوّل ، ج ٩ ، ص ٦٤٠ أخرجه عن الطبراني ، عن ابن عباس ، راجع ذيل ص ٦٠٠ من الكتاب.

٦٧٣

وقال شيخنا في نهايته أيضا : وإذا طلّق الرجل امرأته وهو مريض ، فإنّهما يتوارثان ما دامت في العدّة ، فإذا انقضت عدّتها ورثته ما بينه وبين سنة ما لم تتزوج ، فإن تزوجت فلا ميراث لها ، وإن زاد على السنة يوم واحد ، لم يكن لها ميراث ، ولا فرق في جميع هذه الأحكام ، بين أن يكون التطليقة هي الأولة ، أو الثانية ، أو الثالثة ، وسواء كان له عليها رجعة ، أو لم يكن ، فإنّ الموارثة ثابتة بينهما على ما قدّمناه ، هذا إذا كان المرض يستمر به إلى أن يتوفى ، فإن صح من مرضه ذلك ، ثمّ مات لم يكن لها ميراث ، إلا إذا كان طلاقا يملك فيه رجعتها ، فإنّها ترثه ما لم تخرج من العدة (١) هذا آخر كلامه رحمه‌الله في نهايته.

قال محمّد بن إدريس. والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، أنّ الطلاق إذا كان رجعيا ، ورثها الرجل ما دامت في العدّة ، فإذا خرجت من العدة لا يرثها ، وهي ترثه بعد خروجها من العدّة إلى سنة ما لم تتزوّج ، أو يبرأ من مرضه ذلك ، فأمّا إذا كان الطلاق غير رجعي ، وهو الطلاق البائن ، فإنّه لا يرثها ساعة طلّقها ، وإن كانت في العدّة ، وهي ترثه مدة السنة على ما قدّمناه ، لأنّها بعد الطلاق البائن غير زوجة له ، والعصمة انقطعت بينهما ، ولو لا الإجماع لما ورثته ، ولا إجماع معنا على أنّه يرثها بعد الطلاق.

وشيخنا أبو جعفر ، فقد رجع عمّا قاله في نهايته ، في مسائل خلافه ، فقال : مسألة ، المطلقة التطليقة الثالثة في حال المرض ، ترث ما بينها وبين سنة ، إذا لم يصح من ذلك المرض ، ما لم تتزوج ، فإن تزوجت فلا ميراث لها ، والرجل يرثها ما دامت في العدّة الرجعية ، فأمّا في البائنة فلا يرثها على حال ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها في الكتاب الكبير (٢) هذا آخر كلامه في الجزء

__________________

(١) النهاية : كتاب الطلاق ، باب أقسام الطلاق وشرائطه.

(٢) التهذيب : كتاب الطلاق ، الباب ٣ في أحكام الطلاق ، الأحاديث ١٨٣ إلى ١٩٠ ، ج ٨ ، ص ٧٨ و ٧٩.

٦٧٤

الثاني من مسائل خلافه في كتاب المواريث (١).

وقال أيضا في الجزء الثالث في كتاب الطلاق : مسألة ، المريض إذا طلّقها طلقة لا يملك رجعتها ، فإن ماتت لم يرثها بلا خلاف ، وإن ماتت هو من ذلك المرض ، ورثته ما بينها وبين سنة ، ما لم تتزوج ، فإن تزوّجت بعد انقضاء عدّتها لم ترثه ، وإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه.

ثمّ قال : مسألة ، إذا سألته أن يطلّقها في مرضه ، فطلّقها ، لم يقطع ذلك الميراث منه ، ثمّ قال : دليلنا عموم الأخبار الواردة ، بأنّها ترثه إذا طلّقها في المرض ، ولم يفصّلوا ، فوجب حملها على عمومها (٢).

ثمّ قال في الجزء الثالث من استبصاره ، في باب طلاق المريض ، لمّا أورد الأخبار ، في أنّها ترثه إذا طلّقها في حال مرضه ، ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج ، أو يبرأ من مرضه ذلك ، ثمّ قال : دليلنا على أنّ الذي اختاره ، هو أنّه انّما ترثه بعد انقضاء العدة ، إذا طلّقها للإضرار بها ، ويحمل على هذا التفصيل جميع ما تقدّم من الأخبار المجملة. يدلّ على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد ، عن أخيه الحسن ، عن زرعة عن سماعة ، قال : سألته عليه‌السلام ، عن رجل طلّق امرأته وهو مريض ، قال : ترثه ما دامت في عدّتها ، وإن طلّقها في حال إضرار ، فهي ترثه إلى سنة ، فإن زاد على السنة يوم واحد ، لم ترثه وتعتد أربعة أشهر وعشرا ، عدّة المتوفّى عنها زوجها (٣).

قال محمّد بن إدريس : الصحيح ما ذهب إليه في مسائل خلافه ، من قوله إذا سألته أن يطلّقها في مرضه ، فطلقها ، لم يقطع ذلك الميراث منه ، والدليل عليه ما استدلّ به رحمه‌الله ، من قوله عموم الأخبار يقتضي ذلك ، ولم يفصّلوا ، فوجب حملها على عمومها.

ومن العجب أنّه يخصص العموم في استبصاره بخبر سماعة الذي رواه

__________________

(١) الخلاف : كتاب الفرائض ، المسألة ١١١.

(٢) الخلاف : كتاب الطلاق ، المسألة ٥٥.

(٣) الإستبصار : كتاب الطلاق ، باب طلاق المريض ، ح ١٤ ، ج ٣ ، ص ٣٠٧.

٦٧٥

زرعة ، وهما فطحيان ، فإن كان يعمل بأخبار الآحاد فلا خلاف بين من يعمل بها ، ان من شرط العمل بذلك ، أن يكون راوي الخبر عدلا ، والفطحي كافر ، فكيف يعمل بخبره ، ويخصّص بخبره العموم المعلوم ، والمخصّص يكون دليلا معلوما ، فهذا لا يجوز عند الجميع.

لا عند من يعمل بأخبار الآحاد ، ولا عند من لا يعمل بها ومتى جعل إليها الخيار ، فاختارت نفسها ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك ، فبعض يوقع الفرقة بذلك ، وبعض لا يوقعها ، ولا يعتدّ بهذا القول ، ويخص هذا الحكم بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا هو الأظهر الأكثر المعمول عليه بين الطائفة ، وهو خيرة شيخنا أبي جعفر (١) ، والأول خيرة السيد المرتضى ، دليلنا : أنّ الأصل بقاء العقد.

وقال شيخنا أيضا : إجماع الفرقة على هذا واخبارهم ، وقد ذكرناها في الكتابين المقدّم ذكرهما ، وبينا الوجه في الأخبار المخالفة لها ، ومن خالف في ذلك لا يعتدّ به ، لأنّه شاد منهم (٢).

وإذا قال : أنت على حرام ، لا يحصل بذلك طلاق ، ولإظهار ، ولا إيلاء ، ولا يمين بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك ، ولا تحرم عليه.

فإن قيل للرجل : هل طلّقت فلانة؟ فقال : نعم ، كان ذلك إقرارا منه بطلاق شرعي.

وما ينوب مناب قوله : أنت طالق ، بغير العربية بأي لسان كان ، فإنه يحصل به الفرقة إذا تعذّر عليه لفظ العربية ، فامّا إذا كان قادرا على التلفظ بالطلاق بالعربية ، وطلّق بلسان غيرها ، فلا تقع الفرقة بذلك ، لأنّه ليس عليه دليل ، والأصل بقاء العقد.

ولا يقع الطلاق إلا باللسان.

__________________

(١) في كتاب الخلاف : في المسألة ٣١ من كتاب الطلاق.

(٢) الخلاف : كتاب الطلاق ، المسألة ٣١ ، ذيل المسألة.

٦٧٦

قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : فإن كتب بيده أنّه طلّق امرأته وهو حاضر ليس بغائب ، لم يقع الطلاق ، فإن كان غائبا فكتب بيده أنّ فلانة طالق ، وقع الطلاق ، وإن قال لغيره : اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها ، لم يقع الطلاق ، فإن طلّقها بالقول ، ثمّ قال لغيره : اكتب إليها بالطلاق ، كان الطلاق واقعا بالقول دون الأمر (١).

قال محمّد بن إدريس : لا يقع الطلاق إذا كتب بخطه أنّ فلانة طالق ، وإن كان غائبا بغير خلاف من محصّل ، لأنّا نراعي لفظا مخصوصا يتلفظ به المطلّق ، ومن كتب فما تلفظ بغير خلاف ، والأصل بقاء العقد وثبوته ، فمن أوقع بالكتابة طلاقا وفرقة ، يحتاج إلى دليل.

وشيخنا أبو جعفر فقد رجع عمّا قاله في نهايته في مسائل خلافه ، فقال : مسألة ، إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد الطلاق ، لا يقع بلا خلاف ، فإن قصد به الطلاق فعندنا أنّه لا يقع به شي‌ء ، ثمّ قال : دليلنا إجماع الفرقة ، وأيضا الأصل بقاء العقد ، ولا دليل على وقوع الطلاق بالكتابة (٢) هذا آخر كلامه في مسائل خلافه.

وقال في نهايته : وإذا وكل الرجل غيره بأن يطلق عنه ، لم يقع طلاقه ، إذا كان حاضرا في البلد ، فإن كان غائبا جاز توكيله في الطلاق (٣).

قال محمّد بن إدريس : يصحّ التوكيل في الطلاق حاضرا كان الموكل أو غائبا ، بغير خلاف بين المسلمين ، وقد استوفينا الكلام على ذلك في باب الوكالة (٤) بما أغنى عن إعادته.

ومن أراد عزل الوكيل ، فليعلمه ذلك ، فإن لم يمكنه فليشهد شاهدين على عزله ، فإن طلّق الوكيل وكان طلاقه قبل العزل ، وقع طلاقه ، وإن كان بعد العزل كان باطلا.

__________________

(١) و (٣) النهاية : كتاب الطلاق ، باب أقسام الطلاق وشرائطه.

(٢) الخلاف : كتاب الطلاق ، مسألة ٢٩.

(٤) راجع ص ٩٥ من الكتاب.

٦٧٧

ومتى وكل رجلين على الطلاق ، ولم يشرط في وكالتهما الانفراد والاجتماع ، لم يجز لأحدهما أن يطلّق ، فإن طلّق بانفراده لم يقع طلاقه ، وإذا اجتمعا عليه وقع.

ومن لم يتمكن من الكلام ، مثل أن يكون أخرس ، فليكتب الطلاق بيده ، إن كان ممن يحسن الكتابة ، فإن لم يحسن فليوم إلى الطلاق ، كما يومي إلى بعض ما يحتاج إليه ، فمتى فهم من إيمائه ذلك ، وقع طلاقه.

وقد روي أنّه ينبغي أن يأخذ المقنعة فيضعها على رأسها ، ويتنحى فيكون ذلك منه طلاقا ، وإذا أراد منه مراجعتها أخذ القناع من رأسها (١).

وهذه الرواية يمكن حملها على من لم يكن له كناية مفهومة ، ولا إشارة معقولة.

ومتى علّق الإنسان الطلاق بشرط من الشروط ، أو صفة من الصفات ، وكذلك العتاق ، كان باطلا على ما قدّمناه.

ومن شرائط الطلاق العامة أن يطلّقها تطليقة واحدة ، فإن طلّقها ثنتين أو ثلاثا بأن يقول : أنت طالق ثلاثا لغير المدخول بها ، أو قال ذلك للمدخول بها ، لم يقع على الصحيح من المذهب ، إلا واحدة ، وقال بعض أصحابنا : لا يقع من ذلك شي‌ء ، والأول هو الأظهر من المذهب.

فإن قال لغير المدخول بها : أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق ، بانت منه بالأولى ، وبطل الطلاق الثاني والثالث بغير خلاف.

فإن قال ذلك للمدخول بها ، لا يقع إلا الطلاق الأول ، دون الثاني والثالث ، لأنّ طلاق الطالق لا يصح ، فإن تحللت المراجعة صحّ على ما قدّمناه.

وقد كتب إليّ بعض الفقهاء الشافعيّة ، وكان بيني وبينه مؤانسة ومكاتبة ، هل يقع الطلاق الثلاث عندكم؟ وما القول في ذلك عند فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام؟

فأجبته أمّا مذهب أهل البيت ، فإنّهم يرون أنّ الطلاق الثلاث بلفظ واحد

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٩ من أبواب مقدمات الطلاق ، وبمضمونه الحديث ٢ و ٣ و ٥.

٦٧٨

في مجلس واحد وحالة واحدة من دون تخلل المراجعة ، لا يقع منه إلا واحدة ، ومن طلّق امرأته تطليقة واحدة وكانت مدخولا بها ، كان له مراجعتها بغير خلاف بين المسلمين.

وقد روي أنّ ابن عباس وطاووسا يذهبان إلى ما يقوله الشيعة (١) ، وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف أنّ الحجاج بن ارطاة كان يقول : ليس الطلاق الثلاث بشي‌ء ، وحكى في هذا الكتاب عن محمد بن إسحاق ، أنّ الطلاق الثلاث يردّ إلى واحدة ، ودليل الشيعة على ما ذهبت إليه بعد إجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، فانّ فيه الحجة من وجوه يطول شرحها لا يحتمل هذا الموضع ذكرها ، لأنّه يوحش المبتدي لسماعة ، ولقول الرسول عليه‌السلام المتفق عليه : « خلّفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا » (٢) فقرن عليه‌السلام العترة إلى الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وجعل حكمها حكمه ، وقال عليه‌السلام : « مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من أتاها نجا ، ومن تخلّف عنها هلك » (٣) مطابقا لقول الله سبحانه : ( فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ ) (٤) إن دلوا (٥) على ان المشروع في الطلاق إيقاعه متفرقا.

وقد وافقهم مالك وأبو حنيفة على أنّ الطلاق الثلاث في الحال الواحدة محرم مخالف للسنّة ، إلا أنّهما يذهبان مع ذلك إلى وقوعه.

__________________

(١) التاج ، ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدة ، عن أبي الصهباء ، أنّه قال لابن عباس : أتعلم انّما كانت الثلاث تجعل واحدة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وثلاثا من امارة عمر؟ فقال ابن عباس : نعم ، وقال ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : كان الطلاق على عهد النبي وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر ، طلاق الثلاث واحدة.

(٢) لم نتحققه بعينه لكن حديث الثقلين مسلم عند الفريقين وأورده في إحقاق الحق : ج ٩ ، من ص ٣٧٥ ـ ٣٠٩ بأسانيد متعددة وألفاظ مختلفة.

(٣) إحقاق الحق : ج ٩ ، ص ٢٩٣ ـ ٢٧٠ ، وهو مروي بأسانيد متعددة باختلاف يسير في الألفاظ.

(٤) العنكبوت : ١٥.

(٥) ج : وقد دلوا.

٦٧٩

وفي هذا القول ما فيه.

والذي يدلّ على صحّة ما ذهب إليه الشيعة ، قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (١) ومن المعلوم أنّه تعالى لم يرد بذلك الخبر ، لأنّه لو أراده لكان كذبا ، وانّما أراد الأمر ، فكأنّه قال تعالى : طلّقوا مرتين ، وجرى مجرى قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) وكقوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٣) والمراد بذلك يجب أن يؤمنوه ، والمرّتان لا تكونان إلا واحدة بعد اخرى ، ومن جمع الطلاق في كلمة واحدة ، لا يكون مطلّقا مرتين ، كما أنّ من أعطى درهمين مرة واحدة ، لم يعطهما مرتين.

فإن احتج من يذهب إلى أنّ الطلاق الثلاث يقع وإن كان بدعة بما روي في حديث ابن عمر من أنّه قال للنبيّ عليه‌السلام : أرأيت لو طلّقتها ثلاثا ، فقال عليه‌السلام : إذن عصيت ربّك ، وبانت منك امرأتك (٤).

فالذي يبطل ذلك أنّه لا تصريح في قوله : « أرأيت لو طلّقتها ثلاثا » فاني كنت أفعل ذلك بكلمة واحدة ، وحالة واحدة ، ويجوز أن يكون مراده انّي لو طلّقتها ثلاثا في ثلاثة أطهار ، تخللها المراجعة ، ولا شبهة في أنّ من طلّق امرأته

__________________

(١) البقرة : ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) آل عمران : ٩٧.

(٤) سنن النسائي : كتاب الطلاق ، باب الرجعة ، وفيه : « كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل طلّق امرأته وهي حائض ، فيقول : إمّا ان طلّقها واحدة أو اثنتين ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمره أن يراجعها ثمّ يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثمّ تطهر ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها ، وامّا أن طلّقها ثلاثا فقد عصيت الله في ما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك امرأتك ». وأورد مثله في صحيح مسلم ، كتاب الطلاق في ذيل ص ٣٤٠ عن ابن عباس ، وفي سنن البيهقي : كتاب الخلع والطلاق ، باب الاختيار للزوج ، أن لا يطلق إلا واحدة ، في حديث عطاء الخراساني ، عن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن عمر .. إلى أن قال : « فقلت : يا رسول الله أفرأيت لو أني طلّقتها ثلاثا كان يحلّ لي أن أراجعها ، قال : كانت تبين منك وتكون معصية » ج ٧ ، ص ٣٣٠ وأورده في التاج : ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدة.

٦٨٠