كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

ومتى عقد الرجل على أكثر من ذلك ، بأضعاف كثيرة لزمه الوفاء به ، على الكمال ، على ما قدّمناه فيما مضى.

وروي (١) أنّه يستحب للرجل أن لا يدخل بامرأته حتى يقدّم لها مهرها ، فان لم يفعل ، قدّم لها شيئا من ذلك ، أو من غيره من الهدية ، يستبيح به فرجها ، ويجعل الباقي دينا عليه ، هكذا ذكره شيخنا في نهايته (٢).

قال محمّد بن إدريس : قوله رحمه‌الله ، يستبيح به فرجها ، غير واضح ، وانّما الذي يستبيح به الفرج ، هو العقد من الإيجاب والقبول ، دون ما يقدّمه من المال المذكور ، فانّ تقديمه كتأخيره بلا خلاف.

ومتى سمّى المهر حال العقد ، ودخل بها ، كان في ذمته ، وإن لم يكن سمّى لها مهرا وأعطاها شيئا قبل دخوله بها ، ثمّ دخل بها بعد ذلك ، لم تستحق عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل الدخول ، سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا ، على ما رواه أصحابنا ، وأجمعوا عليه ، فانّ دليل هذه المسألة هو الإجماع المنعقد منهم بغير خلاف ، وفيه الحجة ، لا وجه لذلك إلا الإجماع.

فان لم يعطها شيئا قبل الدخول بها ، ولم يسم مهرا في حال العقد ، ثمّ دخل بها لزمه مهر المثل ، والمعتبر بمهر المثل راجع إلى النساء في الشرف والجمال ، والأحوال ، والعادات ، والبلدان ، والأزمان ، والثيبوبة ، والبكارة ، ما لم يتجاوز بذلك خمسمائة درهم جيادا ، فإن كان مهور أمثالها أكثر من الخمسمائة ، ردّ إلى الخمسمائة.

ومتى طلّق الرجل امرأته التي قد سمّى لها مهرا قبل الدخول بها ، كان عليه نصف الصداق المسمّى ، فإن كان قد قدّم لها المهر كملا ، رجع عليها بنصف ما أعطاها ، إذا لم يزد زيادة منفصلة ، فإن كان ذلك قد زاد زيادة منفصلة ، رجع عليها في العين دون النماء ، إلا أن يكون العين حاملة وقت التسليم ، فإنّه يرجع

__________________

(١) الوسائل : الباب ٧ من أبواب المهور ، الا ان روايات الباب كلها دالة على كراهة الدخول قبل إعطاء المهر.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح.

٥٨١

عليه بنصف الجميع الحامل والمحمول معا ، إلا أن يكون قد حمل عندها ، فلا يرجع إلا بالعين دون الحمل ، وكذلك إن كان قد زاد ثمنه بنماء متصل وكان حدوث النماء عندها ، فالأولى أن لا يرجع عليها إلا بمثل قيمة العين وقت التسليم ، لأنّ هذا النماء حدث على ملكها دون ملكه ، لأنّ ملكه ما تجدد إلا بعد الطلاق ، مثل إن كان الصداق حملا فصار كبشا ، أو فصيلا فصار جملا كبيرا ، وما أشبه ذلك ، فأمّا إن كان الزائد في ثمنه لزيادة السوق ، فإنّه يرجع في العين بغير خلاف ، لأنّه لا أثر لهذه الزيادة إلا العين.

فإن وهبت المرأة صداقها المسمّى قبل تطليقه لها ، ثمّ طلّقها الزوج ، كان له أن يرجع عليها بمثل نصف المهر إن كان له مثل ، فإن لم يكن له مثل فله أن يرجع عليها بمثل نصف قيمته ، وإن كان المهر مما له اجرة مثل تعليم شي‌ء من القرآن أو صناعة معروفة ، ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ، رجع عليها بمثل نصف اجرة ذلك على ما جرت به العادة.

ومتى ادّعت المرأة المهر على زوجها ، لم يلتفت إلى دعواها ، سواء كان قبل الدخول أو بعده.

وعقد الباب وجملة الأمر أن الزوجين إذا اختلفا في المهر ، أو في قدره ، مثل أن يقول الزوج : تزوجتك بألف ، فقالت : بألفين ، أو اختلفا في جنس المهر ، فقال : تزوجتك بألف درهم ، فقالت : بألف دينار ، فالقول قول الزوج في جميع ذلك ، سواء كان قبل الدخول أو بعده ، لأنّها المدعية والزوج المنكر ، والرسول عليه‌السلام قال : « البينة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه » (١).

فإن اختلفا في قبص المهر بعد اتفاقهما عليه ، فقال الزوج : قد أقبضتك المهر ، وقالت : ما قبضته ، فالقول قولها في ذلك ، عكس ما قلناه في المسألة

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم.

٥٨٢

الأوّلة ، لأنّ الزوج هاهنا مدّع للقبض ، فعليه البينة وعليها اليمين.

إذا كان مهرها ألفا وأعطاها ألفا ، واختلفا فقالت : قلت لي خذي هذا الألف هدية ، أو هبة ، أو صدقة ، وقال : ما قلت ذلك ، بل قلت خذيها مهرا ، فالقول قول الزوج بكل حال ، لأنّها قد أقرّت له بالتسليم ، وادّعت الهبة والهدية والصدقة ، فتحتاج إلى البينة ، وإلا فعلى الزوج اليمين.

ومتى طلّق الإنسان زوجته قبل الدخول بها ، ولم يكن قد سمّى لها مهرا ، كان عليه أن يمتعها إن كان موسرا ، بجارية أو دابة أو عشرة دنانير ، على قدر حاله ، وزمانه ، وعرفه ، وعادة أمثاله ، وإن كان متوسّطا بخمسة دنانير ، أو ثوب قيمته ذلك ، وأدنى ذلك ثلاثة دنانير ، والاعتبار أيضا بالعرف والحال وعادة الأمثال ، وإن كان فقرا فبدون ذلك من الدينار ودونه ، ويرجع أيضا في ذلك إلى حاله ، وزمانه ، وعادة أمثاله.

والمعتبر في المتعة التي تستحقها المرأة المطلّقة قبل الدخول بها ، التي لم يسم لها مهر ، لأنّه لا يستحق المتعة غير من ذكرناها بالأزواج ، لأنّ الله تعالى قال : ( وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ) (١) فالمرجع في ذلك إلى العرف ، لأنّ الخطاب إذا أطلق ، رجع في تقييده إلى عرف الشرع إن وجد ، وإلا يرجع إلى عرف العادة إن وجد ، وإلا يرجع إلى عرف اللغة ، فالمتقدّم عرف الشرع ، وهذا الحكم بخلاف مهر المثل ، لأنّ المعتبر في ذلك بالنساء دون الرجال.

المدخول بها إذا طلّقت لا متعة لها ، بل يجب لها المسمّى إن كان قد سمّى ، وإن لم يكن سمّى المهر ، وجب مهر أمثالها ، من عماتها ، وخالاتها ، وأخواتها ، سواء كن من عصبات الرجال ، أو عصبات النساء.

الموضع الذي تجب فيه المتعة ، فإنّها تثبت سواء كان الزوج حرا ، أو عبدا

__________________

(١) البقرة : ٢٣٦.

٥٨٣

والزوجة حرة ، أو أمة ، لأنّ الآية عامة ، وكلّ فرقة يحصل بين الزوجين سواء كان من قبله أو من قبلها ، أو من قبل أجنبي ، أو من قبلهما ، فلا يجب بها المتعة إلا المطلّقة قبل الدخول بها التي لم يسمّ لها مهر ، فحسب.

إذا طلّق الرجل زوجته بعد ان خلا بها وقبل أن يطأها ، فالذي يقتضيه أصول مذهبنا ، والمعتمد عند محصّلي أصحابنا ، أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء وترجع عليه بنصف الصداق إن كان مسمّى ، أو المتعة إن لم يكن مسمّى ، ولا عدّة عليها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى خلا الرجل بامرأته ، فأرخى الستر ، ثمّ طلقها ، وجب عليه المهر على ظاهر الحال ، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك ، وإن لم يكن قد دخل بها ، إلا أنّه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من نصف المهر ، ما لم يدخل بها ، فإن أمكن الزوج إقامة البينة على أنّه لم يكن دخل بها ، مثل أن تكون المرأة بكرا ، فتوجد على هيئتها ، لم يلزمه أكثر من نصف المهر (١).

وقال في مسائل خلافه : مسألة ، إذا طلّقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسّها ، اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب ، فذهبت طائفة إلى أنّ وجود هذه الخلوة وعدمها سواء ، وترجع عليه بنصف الصداق ، ولا عدّة عليها ، وهو الظاهر من روايات أصحابنا (٢). وذهبت طائفة إلى أنّ الخلوة كالدخول ، يستقر لها المسمّى ، وتجب عليها العدّة ، وبه قال قوم من أصحابنا ، وروي في ذلك أخبار من طريق أصحابنا (٣) ، ثمّ قال في استدلاله على ما اختاره رضي‌الله‌عنه في صدر المسألة : دليلنا قوله تعالى ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (٤) ولم يستثن الخلوة ، فوجب حملها على عمومها ، قال : ووجه الدلالة من الآية أنّه لا يخلو من أن يكون المسيس عبارة عن اللمس

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح باب المهور وما ينعقد به النكاح.

(٢) الوسائل : الباب ٥٥ من أبواب المهور ، ح ١ و ٥ و ٧.

(٣) الوسائل : الباب ٥٥ من أبواب المهور ، ح ٢ و ٣ و ٤ و ٦.

(٤) البقرة : ٢٣٧.

٥٨٤

باليد ، أو الخلوة أو الوطء ، فبطل أن يراد بها اللمس باليد ، لأنّ ذلك لم يقل به أحد ، ولا اعتبره ، وبطل أن يراد به الخلوة ، لأنّه لا يعبّر به عن الخلوة لا حقيقة ولا مجازا ، ويعبّر به عن الجماع بلا خلاف ، فوجب حمله عليه ، على أنّه أجمعت الصحابة على أنّ المراد بالمس في الآية الجماع ، روى ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وروي عن عمر أنّه قال : إذا أغلق الباب ، وأرخى الستر ، فقد وجب المهر ، ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم ، ومعلوم أنّ العجز من الزوج ، ولا يكون عن الخلوة ، ولا عن اللمس باليد ، ثبت أنّه أراد به الإصابة ، وأيضا قال تعالى في آية العدة ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ ) (١) ولم يفصّل ، وأيضا روايات أصحابنا ، قد ذكرناها في ذلك الكتاب المذكور ، وبيّنا الوجه فيما يخالفها ، والأصل أيضا براءة الذمة ، فمن أوجب جميع المهر على الرجل ، أو العدّة على المرأة بالخلوة (٢) فعليه الدلالة هذا آخر كلام شيخنا في مسائل خلافه.

والذي ذهب إليه رحمه‌الله في مسائل الخلاف ، هو الصحيح ، والحق الصريح ، للأدلّة التي استدل بها ، فإنّها أدلة مرضية لا اعتراض عليها ، وما ذكره في نهايته ، أورده إيرادا لا اعتقادا ، من طريق أخبار الآحاد ، وأخبار الآحاد لا تترك لها الأدلة القاطعة للأعذار.

ومتى مات أحد الزوجين قبل الدخول ، استقر جميع المهر كاملا ، لأنّ الموت عند محصّلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه ، وهو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء (٣) ، وهو الصحيح ، لأنّا قد بيّنا ، بغير خلاف بيننا ، أنّ بالعقد تستحق المرأة جميع المهر المسمّى ، ويسقط الطلاق قبل الدخول نصفه ، فالطلاق غير حاصل إذا مات ، فبقينا على ما كنّا عليه من استحقاقه ، فمن ادّعى سقوط شي‌ء منه ، يحتاج إلى دليل ، ولا دليل على ذلك من إجماع ،

__________________

(١) الأحزاب : ٤٩.

(٢) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ٤٢.

(٣) لم نعثر عليه.

٥٨٥

لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، ولا من كتاب الله تعالى ، ولا تواتر أخبار ، ولا دليل عقل ، بل الكتاب قاض بما قلناه ، والعقل حاكم بما اخترناه.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها ، وجب على ورثته أن يعطوا المرأة المهر كاملا ، ويستحب لها أن تترك نصف المهر ، فإن لم تفعل كان لها المهر كلّه ، وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها ، كان لأوليائها نصف المهر ، وإن ماتت بعد الدخول بها ، ولم تكن قبضت المهر على الوفاء ، ولا طالبت به مدة حياتها ، فإنّه يكره لأوليائها المطالبة بعدها ، فإن طالبوا به ، كان لهم ذلك ، ولم يكن محظورا (١).

وهذه أخبار آحاد أوردها رحمه‌الله في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، فلا يرجع عن الأدلة القاهرة اللائحة ، والبراهين الواضحة ، بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

ومتى تزوّج الرجل امرأة على كتاب الله وسنة نبيه ، ولم يسمّ مهرا ، كان مهرها خمسمائة درهم ، لا غير.

فإن تزوّج الرجل امرأة على حكمها ، فحكمت بدرهم إلى خمسمائة درهم ، كان حكمها ماضيا ، فإن حكمت بأكثر من ذلك ، ردّ إلى الخمسمائة درهم ، لأنّه حكمها ، فلا تتعدّى السّنة ، وهذا إجماع من أصحابنا.

وإن تزوّجها على حكمه ، فبأيّ شي‌ء حكم به كان له ، قليلا كان أو كثيرا.

فإن طلّقها قبل الدخول ، بها ، وكان قد تزوّجها على حكمها ، كان لها نصف ما تحكم به إلى خمسمائة درهم ، وإن كان قد تزوّجها على حكمه ، كان لها نصف ما يحكم به الرجل ، قليلا كان أو كثيرا.

وقد روي أنّه إذا مات الرجل ، أو ماتت المرأة قبل أن يحكما في ذلك

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح.

٥٨٦

بشي‌ء ، لم يكن لها مهر ، وكان لها المتعة (١).

وهذه رواية شاذة ، أوردها شيخنا في نهايته (٢) ، إيرادا لا اعتقادا.

والصحيح ما ذهب إليه في مسائل خلافه فإنّه يقول في مسائل الخلاف :

إنّ المتعة لا يستحقها إلا المطلقة قبل الدخول بها ، التي لم يسمّ لها مهر فحسب ، دون جميع المفارقات ، بفسخ أو طلاق أو غير ذلك (٣).

وأيضا فلا خلاف في ذلك ، وإلحاق غير المطلّقة المذكورة بها قياس ، ونحن لا نقول به بغير خلاف بيننا ، لأنّ ذلك حكم شرعي ، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، والإجماع فغير منعقد على ذلك ، ولا به سنّة متواترة ، ولا كتاب الله تعالى ، والأصل براءة الذمة.

والأولى القول بأنّه لا يلزم الزوج شي‌ء بعد موت المرأة ، إذا كان قد تزوّجها على حكمها ، وإن كان قد تزوّجها على حكمه ، لزمه جميع ما يحكم به ، فيرثه هو وورثتها ، على كتاب الله تعالى.

ومتى عقد الرجل على مهر معلوم ، وأعطاها بذلك عبدا آبقا وشيئا آخر معه ، على جهة البيع أو الصلح ، ورضيت به ، ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ، رجع عليها بنصف المهر المسمّى ، دون المبيع الذي هو العبد الآبق ، والشي‌ء الآخر ، لأنّ المهر هو الثمن دون المثمن ، فوجه الفقه في ذلك ما ذكرناه ، وإن لم يجعل في مقابلة المهر سوى العبد الآبق ، كان ذلك غير صحيح ، لأنّ بيع العبد الآبق منفردا غير صحيح عند أصحابنا ، وجاز لها في هذه الحال أن ترجع على زوجها بنصف المهر المسمّى.

وقد روي أنّ الإنسان إذا عقد على دار ولم يذكرها بعينها ، أو خادم ولم

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢١ من أبواب المهور ، ح ٢ ، والظاهر انه منقول بالمعنى.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح.

(٣) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ١٥ ، والمسألة ٤٦ ، فإنّ ما نقله من الحكم مستفاد من المسألتين.

٥٨٧

يذكره بعينه ، ولا وصفه ، كان للمرأة دار وسط من الدور ، وخادم وسط من الخدم (١).

وقد روي أيضا أنّه إذا عقد لها على جارية له مدبرة ، ورضيت المرأة بذلك ، ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ، كان لها يوم من خدمتها ، وله يوم ، فإذا مات المدبر ، صارت حرة ، ولم يكن لها عليها سبيل ، وإن ماتت المدبرة ، وكان لها مال ، كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة (٢) ، أورد ذلك شيخنا في نهايته (٣) من طريق أخبار الآحاد.

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، أن يقال في هذه الرواية ، أنّ العقد على المدبرة صحيح ، وتخرج من كونها مدبرة ، وتستحقها المرأة ، لأنّ التدبير بغير خلاف بيننا بمنزلة الوصية ، بل هو وصية حقيقة ، ومن أوصى ببعض من أملاكه ، ثمّ أخرجه من ملكه قبل موته فلا خلاف أنّ الوصية تبطل بذلك الشي‌ء عند إخراجه من ملكه ، والمدبرة قد أخرجها بجعلها مهرا عن ملكه.

ومما يضعف هذه الرواية قوله : وإذا مات المدبر ، صارت حرة ، وأطلق ذلك ، وإنّما تصير حرة إذا خرجت من الثلث ، بغير خلاف.

ويزيد الرواية ضعفا آخر قوله : « وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة » ولا خلاف بيننا وعند المحصّلين من أصحابنا أنّ العبد المدبر لا يملك شيئا بحال ، فأي مال للمدبر مع قوله تعالى « عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ » (٤) فنفى تعالى قدرته على شي‌ء ، ومن جملة ، ذلك المال ولا خلاف انّ المدبر عبد ، اللهم إلا أن يكون التدبير المذكور واجبا على وجه النذر ، لا رجوع للمدبر فيه ، فحينئذ يصح ما قاله شيخنا رحمه‌الله.

وإذا عقد الرجل على امرأة وسمّى لها مهرا ولأبيها أيضا شيئا ، لم يلزمه ما سمّاه لأبيها.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب المهور.

(٢) الوسائل : الباب ٢٢ من أبواب المهور والظاهر ان الرواية منقولة بالمعنى.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح.

(٤) النحل : ٧٥.

٥٨٨

وإذا عقد على امرأة ، أو شرط لها في الحال شرطا مخالفا للكتاب والسنّة ، كان العقد صحيحا والشرط باطلا ، مثل ان شرط لها أن لا يتزوج عليها ، ولا يتسرى ، ولا يتزوج بعد موتها ، وما أشبه ذلك.

وقد روي أنّه إن شرطت عليه في حال العقد أن لا يفتضّها ، لم يكن له افتضاضها ، فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض ، جاز له ذلك (١) ، أورد هذا شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، إيراد إلا اعتقادا ، لأنّه رجع عنه في مبسوطة ، وقال : ينبغي أن يخص هذه الرواية بالنكاح المؤجل ، دون النكاح الدائم ، لأنّ المقصود من ذلك الافتضاض (٣).

والذي يقتضيه المذهب ، أنّ الشرط باطل ، لأنّه مخالف لموضوع الكتاب والسنّة ، لأنّ الأصل براءة الذمة من هذا الشرط ، والإجماع فغير منعقد عليه ، بل ما يورد ذلك إلا في شواذ الأخبار.

وإن شرط أن لا نفقة لها ، لزمته النفقة مع التمكين من الاستمتاع ، إذا كان النكاح دائما ، وإن كان النكاح مؤجلا فالشرط صحيح ، لأنّه تأكيد لموضوع هذا العقد.

ومتى عقد الرجل وسمّى المهر إلى أجل معلوم إن جاء به ، وإلا كان العقد باطلا ، ثبت العقد وكان المهر في ذمته ، وإن تأخّر عن الوقت المذكور.

وروي (٤) أنّه متى شرط الرجل لامرأته في حال العقد أن لا يخرجها من بلدها ، لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها ، فإن شرط عليها أنّه إن أخرجها إلى بلده كان عليه المهر مائة دينار ، وإن لم يخرجها كان مهرها خمسين دينارا ، فمتى أراد إخراجها إلى بلد الشرك ، فلا شرط له عليها ، ولزمه المهر كملا ، وليس

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٦ من أبواب المهور ، ح ٢.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح.

(٣) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ٣٠٤ ، والعبارة هكذا : وعندي ان هذا يختص عقد المتعة دون عقد الدوام.

(٤) الوسائل : الباب ٤٠ من أبواب المهور.

٥٨٩

عليها الخروج معه ، وإن أراد إخراجها إلى بلاد الإسلام ، كان له ما اشترط عليها.

وهذه رواية شاذة ، لأنّها مخالفة لما يقتضيه أصول المذهب ، لأنّها يجب عليها مطاوعة زوجها ، والخروج معه إلى حيث شاء ، فإن لم تجبه إلى ذلك كانت عاصية لله تعالى وسقطت عنه نفقتها.

وإن كان قد ذكرها وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) ، فقد رجع عنها في مسائل خلافه فقال : مسألة ، إذا أصدقها ألفا ، وشرط أن لا يسافر بها ، أو لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرّى عليها ، كان النكاح والصداق صحيحا ، والشرط باطلا ، وقال الشافعي : المهر فاسد ، ويجب مهر المثل ، فأمّا النكاح فصحيح ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا روي (٢) عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال : ما بال أقوام يشرطون شروطا ليست في كتاب الله ، كلّ شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، ولم يقل الصداق باطل (٣) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

وهو الصحيح فإنّما أورد ما أورده في نهايته ، إيرادا لا اعتقادا.

وروي (٤) أنّه لا يجوز للمرأة أن تبرئ زوجها من صداقها في حال مرضها ، إذا لم تملك غيره ، فإن أبرأته سقط عن الزوج ثلث المهر ، وكان الباقي لورثتها.

أورد هذه الرواية شيخنا في نهايته (٥) إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد أمثالها ممّا لا يعمل هو به ، ورجع عنه ، لأنّها مخالفة للأدلّة ، لأنّ الإنسان العاقل الغير مولى عليه ، مسلّط على التصرّف في ماله ، يتصرف فيه كيف شاء.

والصحيح أنّها إذا أبرأته من مهرها ، سقط جميعه ، وصح الإبراء ، لأنّ هذا ليس بوصية ، وإنّما هو إعطاء منجز قبل الموت ، والوصية بعد الموت ، وانّما هذه

__________________

(١) و (٥) النهاية : كتاب النكاح ، باب المهور وما ينعقد به النكاح أواخر الباب.

(٢) مستدرك الوسائل : الباب ٥ من أبواب الخيار ، ح ٢ قريب من ذلك.

(٣) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ٣١.

(٤) الوسائل : الباب ١٧ من أحكام الوصايا ، ح ١٦ ، قريب من ذلك.

٥٩٠

الرواية على مذهب من قال من أصحابنا أن العطاء في المرض وإن كان منجزا يخرج من الثلث ، مثل العطايا بعد الموت ، والصحيح من المذهب أنّ العطاء المنجز في حال مرض الموت يخرج من أصل المال ، لا أنّه من الثلث ، لأنّه قد أبانها من ماله ، وتسلّمها المعطى له ، وخرجت من ملك المعطى ، لأنّه لا خلاف أنّ له أن ينفق جميع ماله في حال مرضه ، فلو كان ما قاله بعض أصحابنا صحيحا ، لما جاز ذلك ، ولما كان يصح منه النفقة بحال.

ومتى تزوج الرجل بامرأة على أنّها بكر ، فوجدها ثيّبا ، فقد روي أنّه يجوز له أن ينقص من مهرها شيئا ، والصحيح أنّه ينقص من المسمّى مقدار مثل ما بين مهر البكر إلى مهر الثيب ، وذلك يختلف باختلاف الجمال والسن والشرف وغير ذلك ، فلأجل هذا قيل ينقص من مهرها شي‌ء منكر غير معرّف.

والذمي متى عقد على امرأة بما لا يحلّ للمسلمين تملكه ، من خمر أو خنزير أو غير ذلك من المحظورات ، ثمّ أسلما قبل تسليمه إليها ، لم يجر له أن يسلّم إليها ما فرضه لها ، ومهرها إيّاه من المحظورات ، وكان عليه قيمته عند مستحليه.

وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتى تقبض منه المهر إذا كان غير مؤجل ، والزوج موسرا به ، قادرا على أدائه ، وطالبته به قبل الدخول بها ، فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع بعد ذلك ، فإن امتنعت بعد استيفاء مهرها كانت ناشزا ، ولم يكن لها عليه نفقة ، ولا سكنى ، ولا كسوة ، فأمّا إذا دخل بها فلها المطالبة بالمهر ، وليس لها الامتناع حتى تقبضه.

وشيخنا أبو جعفر في نهايته (١) أطلق ذلك إطلاقا ، ولم يفرّق بين قبل الدخول أو بعده.

والصحيح ما ذكرناه ، لأنّ الإجماع منعقد على ذلك ، وهو مذهب السيد

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح باب المهور وما ينعقد به النكاح ، آخر الباب.

٥٩١

المرتضى في انتصاره (١).

وشيخنا أبو جعفر محجوج بقوله في مسائل خلافه ، فإنّه رجع عمّا ذكره وأطلقه في نهايته ، فقال : مسألة ، إذا سمّى الصداق ودخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، لم يكن لها بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتى يستوفى ، بل لها المطالبة بالمهر ، ويجب عليها أن تسلّم نفسها ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : لها أن تمتنع حتى تقبض المهر ، لأنّ المهر في مقابلة كلّ وطء في النكاح ، دليلنا أنّ البضع حقّه ، واستحقه ، والمهر حقّ عليه ، وليس إذا كان عليه حقّ جاز أن يمنع حقّه ، لأنّ جواز ذلك محتاج إلى دليل (٢) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

ومتى لم يقم الرجل بنفقة زوجته وكسوتها وسكناها ، وكان متمكنا من ذلك ، ألزمه الإمام النفقة والقيام بجميع ذلك ، أو الطلاق ، فإن لم يكن متمكنا انظر ، حتى يوسّع الله عليه ، على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وقال بعضهم : يبينها الحاكم منه ، والأول هو المذهب ، لأنّ الله تعالى قال « وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ » (٣) وذلك عام في جميع الأشياء ، والأحكام.

إذا أصدقها تعليم سورة ، فلا بدّ أن يعينها ، وكذلك الآية لا بدّ من تعيينها ، فإن لم يعيّن السورة والآية ، كان لها مهر المثل بعد الدخول.

فإذا ثبت وجوب تعيين السورة والآية ، فلقنها فلم تحفظها منه ، أو حفظتها من غيره ، فالحكم واحد. وكذلك إن أصدقها عبدا ، فهلك قبل القبض ، فالكلّ واحد ، فإنّ لها عندنا بدل الصداق ، وهو اجرة مثل تعليم السورة ، وقيمة العبد ، لأنّه إذا أصدقها صداقا ، ملكته بالعقد ، وكان من ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ، ومن ضمانها إن تلف بعد القبض ، فإن دخل بها استقر ، وإن طلّقها قبل الدخول رجع بنصف العين ، دون نمائها إن كان لها نماء.

إذا قال : أصدقتها هذا الخل ، فبان خمرا ، كان لها قيمتها عند مستحليها ،

__________________

(١) الانتصار : كتاب النكاح ، المسألة ١٦.

(٢) الخلاف : كتاب الصداق المسألة ٣٩.

(٣) البقرة : ٢٨٠.

٥٩٢

هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (١).

والذي يقوى في نفسي ، أنّه يجب عليه مثل الخل ، لأنّ الخل له مثل ، فمن نقله إلى قيمة الخمر ، يحتاج إلى دليل ، ولا يجب لها أيضا مهر المثل ، على ما يذهب إليه الشافعي ، لأنّه عقد على مهر مسمّى مما يحلّ للمسلمين تملكه ، وهو الخل.

إذا تزوجها في السر بمهر ذكراه ، وعقدا عليه ، ثمّ بعد ذلك عقدا في العلانية بخلافه ، فالمهر هو الأول.

المفوضة إذا طلّقها زوجها قبل الفرض وقبل الدخول بها ، فلا مهر لها ، لكن يجب لها المتعة على ما قدّمناه.

مفوضة البضع إذا فرض لها المهر بعد العقد ، كان كالمسمّى بالعقد ، تملك المطالبة به ، فإن دخل بها أو مات ، استقر ذلك ، وإن طلّقها قبل الدخول ، سقط نصفه ، ولها نصفه ، ولا متعة عليه ، فإن مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول ، فلا مهر لها ولا متعة ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وشغلها بذلك يحتاج إلى دليل ، وعندنا لا يجب بالعقد مهر المثل ، إلا بالدخول.

مفوضة المهر ، وهو أن يذكر مهرا ولا يذكر مبلغه ، فيقول تزوجتك على أن يكون المهر ما شئنا أو شاء أحدنا ، فإذا تزوّجها على ذلك ، فإن قال على أن يكون المهر ما شئت أنا ، فإنّه مهما يحكم به وجب عليها الرضا به ، قليلا كان أو كثيرا ، وإن قال على أن يكون المهر ما شئت أنت ، فإنّه يلزمه أن يعطيها ما تحكم المرأة به ، ما لم تتجاوز خمسمائة درهم ، على ما قدّمناه القول في معناه ، لأنّ إجماعنا منعقد على ذلك ، وأخبارنا متواترة به.

وإذا دخل بمفوضة المهر استقر ما يحكم به واحد منهما ، على ما فصّلناه ، وإن طلّقها قبل الدخول بها ، وجب نصف ما يحكم به واحد منهما.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ١٠.

٥٩٣

إذا تزوج امرأة ودخل بها ، ثمّ خالعها ، فلزوجها المخالع نكاحها في عدّتها ، فإن فعل وأمهرها مهرا ، فإن دخل بها في العقد الثاني ، استقر الصداق الثاني ، وإن طلّقها قبل الدخول ، ثبت نصف المهر ، وسقط نصفه.

إذا أصدقها صداقا ، ثمّ وهبته له ، ثمّ طلّقها قبل الدخول ، فله أن يرجع عليها بنصفه ، وكذلك إذا أصدقها عبدا فوهبت له نصفه ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ، فإنّه يرجع عليها بنصف العبد الذي وهبته له.

إذا أصدقها ألفا ثمّ خالعها على خمسمائة منها ، قبل الدخول بها ، فإنّه يسقط عنه جميع المهر.

إذا تزوّج الإنسان أمة من سيدها ، ولم يسمّ لها مهرا ، فاشتراها من سيدها ، انفسخ النكاح ، ولا متعة لها عندنا.

إذا أصدقها إناءين ، فانكسر أحدهما ، ثمّ طلّقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف الموجود ، ونصف قيمة التالف.

إذا أصدقها صداقا ، فأصابت به عيبا ، كان لها ردّه بالعيب ، سواء كان العيب يسيرا أو كثيرا ، بغير خلاف بين أصحابنا.

لا يجب بمجرد العقد مهر المثل ، وأيّهما مات قبل الفرض وقبل الدخول ، فلا مهر لها بغير خلاف بين أصحابنا ، وإن كان قد اختلف فقهاء العامة فيها ، والصحابة ، وقال بما قلناه على عليه‌السلام ، وعبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه وزيد بن ثابت ، والزهري ، وربيعة ، ومالك ، والأوزاعي ، وخالف فيه من الصحابة عبد الله بن مسعود ، واستدل بقول أناس من أشجع في قصة بروع بنت واشق ، على ما أورده شيخنا في مسائل خلافه (١).

قال محمّد بن إدريس : « بروع » بالباء المفتوحة ، المنقطة نقطة واحدة من

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ١٨ و ١٩.

٥٩٤

تحتها ، والراء غير المعجمة المسكنة ، والواو ، والعين غير المعجمة ، وأصحاب الحديث يكسرون الباء ، من بروع والصواب فتحها ، ذكر ذلك الجوهري في كتاب الصحاح وحققه.

باب العقد على الإماء والعبيد وما في ذلك من الأحكام

متى أراد الإنسان العقد على امة غيره ، فلا يعقد عليها إلا بإذن مولاها ، سواء كان المولى رجلا أو امرأة ، وسواء كان العقد دائما أو مؤجلا ، على الصحيح من المذهب ، لقوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (١) وشيخنا أبو جعفر في نهايته ، قال : يجوز له أن يعقد على أمة المرأة عقد المتعة ، من غير استيذان (٢) ، معتمدا على خبر رواه سيف بن عميرة (٣) ، الا انه رجع شيخنا ، في جواب المسائل الحائريات (٤) عمّا ذكره في نهايته ، واعتمد على الآية ، وهذا هو الصحيح الحق اليقين ، لأنّه لا يجوز العدول عن كتاب الله تعالى بأخبار الآحاد ، وأيضا فالتصرف في مال الغير قبيح عقلا وسمعا إلا بإذنه.

فمتى عقد عليها بإذن المولى ، وجب عليه أن يعطيه المهر قليلا كان المهر أم كثيرا ، فإن رزق منها أولادا كانوا أحرارا لاحقين به لا سبيل لأحد عليهم ، لأنّ عندنا يلحق الولد بالحرية من أيّ الزوجين كانت ، مع تعرّي العقد من الاشتراط لرقّ الولد ، فإن اشترط المولى استرقاق الولد كانوا رقّا ، لا سبيل لأبيهم عليهم ، ولا يبطل هذا العقد إلا بطلاق الزوج لها ، أو بيع مولاها لها ، أو عتقها ، سواء عتقت تحت حر أو عبد على الصحيح من المذهب.

وقال بعض أصحابنا : إن عتقت تحت عبد ، كان لها الخيار ، وإن عتقت

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب المتعة وأحكامها.

(٣) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب المتعة ، ح ١.

(٤) المسائل : الحائريات : لا يوجد في النسخة الموجودة عندنا.

٥٩٥

تحت حر ، لم يكن لها الخيار ، والأول هو الأظهر من الأقوال ، لأنّ هذا تخصيص من غير دليل.

فإن باعها السيد كان الذي اشتراها بالخيار بين إقرار العقد وفسخه ، فإن أقرّ العقد لم يكن له بعد ذلك خيار ، وكذلك إن أعتقها مولاها كانت مخيّرة بين الرضا بالعقد وبين فسخه ، فإن رضيت بعد العتق بالعقد لم يكن لها خيار بعد ذلك.

ومتى عقد على أمة غيره بغير إذنه ، كان العقد موقوفا على رضاه ، فإن رضي المولى بذلك كان العقد ماضيا ، وإن لم يرض انفسخ العقد.

وقال شيخنا في نهايته : ومتى عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها ، كان العقد باطلا ، فإن رضي المولى بذلك العقد ، كان رضاه به كالعقد المستأنف ، يستباح به الفرج (١).

وهذا بناء منه رحمه‌الله على مذهب له في أنّ العقد في النكاح لا يقف على الإجازة ، وقد بيّنا فساد ذلك فيما مضى. والذي ينبغي تحصيله في ذلك ، أن يكون العقد باطلا ، وإلى هذا ذهب رحمه‌الله ، فإذا قال انّه باطل فسواء رضي المولى بذلك أو لم يرض ، ولا يكون رضاه كالعقد المستأنف ، لأنّه عقد منهي عنه ، والنهي يدلّ على فساد المنهي عنه ، على مذهب من قال بالإجازة ، وعلى قول من لم يقل بذلك.

فإن عقد عليها بغير إذن مولاها عالما بذلك ، كان أولاده رقّا لمولاها ، لا سبيل له عليهم ، ويجب عليه المهر ، إن اعتقد تحليل ذلك ، واشتبه عليه الأمر فيه ، ولا حدّ عليه لاشتباه الأمر فيه ، ولقوله عليه‌السلام : « ادرءوا الحدود بالشبهات » (٢).

وإن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة شاهدين لها بالحرية ، ورزق منها أولادا ، كانوا أحرارا ، ويجب على الشاهدين ضمان المهر ، إن كان الزوج سلّمه إليها ، وقيمة الأولاد يوم وضعهم أحياء ، لأنّ شهود الزور يضمنون ما يتلفون

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه.

(٢) الوسائل : الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الحدود ، ح ٤.

٥٩٦

بشهاداتهم بغير خلاف بيننا ، بل الإجماع منعقد على ذلك.

وإن عقد عليها على ظاهر الحال ، ولم تقم عنده بيّنة بحريتها ، ثمّ تبيّن أنّها كانت رقا ، كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم إيّاه بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم ، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم ، على ما روي في الأخبار (١) ، أورده شيخنا في نهايته (٢) ، فإن أبى ذلك ، كان على الإمام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب من الزكاة ، فإن لم يكن الإمام ظاهرا جاز أن يشتروا من سهم الرقاب. ولا يسترق ولد حر بدين الوالد (٣) وإن كان قد أعطاها مهرا ، فلا سبيل له عليها ، ووجب عليه المهر لمولاها ، وكان له أن يرجع على وليّها بالمهر كلّه.

وقد روي أنّ عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها (٤) ، أورد ذلك شيخنا في نهايته (٥) إيرادا لا اعتقادا ، من طريق أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

والذي يقتضيه أصول المذهب ، أنّ الامام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ، ولا يجوز أن يشتروا من سهم الرقاب من الزكاة ، لأنّ ذلك السهم مخصوص بالعبيد والكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين ، بل هم أحرار في الأصل ، انعقدوا كذلك ، ما مسّهم رق أبدا ، لأنّه قال رحمه‌الله : ولا يسترق ولد حر ، وصفه بأنّه حر ، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب ، وإنّما أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأنّ من حقّهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم ، فلمّا حال الأب بينه وبينهم بالحرّية ، وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء ، وهو وقت

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٥.

(٢) و (٥) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد واحكامه.

(٣) والموجود في نسخة ج وق بتنوين الولد ، موضع بدين الوالد وفي المصدر هكذا : ولا يسترق ولد حرّ من دون زيادة بدين الوالد وغيره.

(٤) الوسائل : الباب ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

٥٩٧

الحيلولة ، فليلحظ ذلك ويتأمّل.

وإذا عقد الرجل على امرأة يظن أنّها حرة ، وإذا الذي عقد له عليها كان قد دلسها ، وكانت أمته ، كان له الرجوع عليه بمهرها إن كان قد أقبضه ، فإن رزق منها أولادا كانوا أحرارا.

والحرة لا يجوز لها أن تتزوج بمملوك إلا بإذن مولاه ، فإن تزوّجت به بإذن مولاه ، ورزق منها أولادا ، كانوا أحرارا على ما قدّمناه ، من أنّ الولد يلحق بالحرية ، من أي الطرفين كان أحد الزوجين ، بغير اختلاف بين أصحابنا ، والمخالف يلحقه من طرف واحد ، اللهم إلا أن يشترط مولى العبد استرقاق الولد ، فيكون الولد رقا مع الاشتراط ، ومع تعري العقد من الشرط يكون الولد حرا.

وكان الطلاق بيد الزوج دون مولاه ( والمهر على المولى ، وكذلك النفقة ، لأنّه أذن في شي‌ء فيلزمه توابعه ) (١) فإن طلّقها الزوج كان طلاقه واقعا ، وإن لم يطلّق كان العقد ثابتا ، إلا أن يبيعه مولاه ، فإن باعه كان الذي يشتريه بالخيار ، بين الإقرار على العقد وبين فسخه ، فإن أقرّ العقد لم يكن له بعد ذلك اختيار ، هكذا ذكره شيخنا في نهايته (٢) وأورده إيرادا من جهة أخبار الآحاد ، فقد روي رواية شاذة بذلك (٣).

والذي تقتضيه الأدلة ، أنّ العقد ثابت ، ولم يكن للمشتري الخيار ، لأنّ قياسه على بيع الأمة باطل ، لأنّ القياس باطل.

وقد رجع شيخنا في مبسوطة ، فقال : وإن كان للعبد زوجة فباعه مولاه ، فالنكاح باق بالإجماع (٤) هذا آخر كلامه.

__________________

(١) ما وقع في القوسين لا يوجد في المصدر.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه.

(٣) الوسائل : الباب ٤٨ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٤) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، فصل في العيوب التي ترد به النكاح ، ص ٢٥٧.

٥٩٨

والعقد صحيح ، فمن أبطله يحتاج إلى دليل.

وإن عتق العبد ، لم يكن للحرة عليه اختيار ، لأنّها رضيت به ، وهو عبد ، فإذا صار حرا كانت أولى بالرضا به.

فإن عقد العبد على حرة بغير إذن مولاه ، كان العقد موقوفا على رضى مولاه ، فإن أمضاه كان ماضيا ، ولم يكن له بعد ذلك فسخه ، إلا أن يطلّق العبد ، أو يبيع هو عبده (١).

وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، ولو لا الإجماع من أصحابنا على الجارية ، وأنّ في بيعها يكون المشتري مخيّرا ، لما قلنا به ، ولم يوافقنا عليه أحد سوى ابن عباس ، فكيف يلحق العبد بغير دليل ، وهل هذا إلا محض القياس ، ولم يذهب أحد من مصنّفي أصحابنا إلى ذلك ، سوى الرواية التي أوردها شيخنا في نهايته (٢) إيرادا ، وعاد عنها في مبسوطة ، على ما حكيناه عنه ، فإنّه قال : وإن كان للعبد زوجة فباعه مولاه ، فالنكاح باق بالإجماع (٣) ، فليلحظ ذلك ويتأمّل.

فإن طلّق العبد كان طلاقه واقعا ، ليس لمولاه عليه اختيار ، فإن فسخه كان مفسوخا ، وإن رزق منها أولادا ، وكانت عالمة بأنّ مولاه لم يأذن له في التزويج ، كان أولاده رقا لمولى العبد ، ولا صداق لها على السيد ، ولا نفقة ، وإن لم تكن عالمة بأنّه عبد ، كان أولادها أحرارا ، لا سبيل لمولى العبد عليهم.

والأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها بعبد ، كان أولادها رقا لمولاها ، إذا كان العبد مأذونا له في التزويج ، فإن لم يكن مأذونا له في ذلك ، كان الأولاد رقا لمولى العبد ومولى الأمة بينهم بالسوية.

وإذا زوّج الرجل جاريته عبده ، فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها ، وكان الفراق بينهما بيده ، وليس للزوج طلاق على حال ، فمتى شاء المولى أن يفرّق

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه ص ٤٧٨.

(٢) الوسائل : تقدم المصدر في ص ٥٩٨.

(٣) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، فصل في العيوب التي توجب الردّ في النكاح ، ص ٢٥٧.

٥٩٩

بينهما أمره باعتزالها ، وأمرها (١) باعتزاله ويقول قد فرّقت بينكما ، وإن كان قد وطأها العبد استبرأها بحيضة إن كانت مستقيمة الحيض ، وإن كانت مسترابة وفي سنها من تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما ، ثمّ يطؤها إن شاء ، فإن لم يكن وطأها العبد ، جاز له وطؤها في الحال ، فان باعهما كان الذي يشتريهما بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه ، فإن رضى بالعقد كان حكمه حكم المولى الأول ، وإن أبى لم يثبت بينهما عقد على حال ، وإن باع المولى أحدهما كان ذلك أيضا فراقا بينهما ، ولا يثبت العقد إلا أن يشاء هو ثبات العقد على الذي بقي عنده ، ويشاء الذي اشترى أحدهما ثباته على الذي اشتراه ، فإن أبى واحد منهما ذلك ، لم يثبت العقد ، وإن رزق منهما أولادا كانوا رقا لمولييهما ، ومتى أعتقهما جميعا ، كانت الجارية بالخيار بين الرضا بالعقد الأول وبين إبائه ، فإن رضيت كان ماضيا ، وإن أبت كان مفسوخا ، هذا أجمع أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢) ، فحكيناه عنه هاهنا.

والذي يقوى في نفسي ، أنّه إذا زوّج الرجل عبده أمته ، فإنّ السيد لا يجب عليه أن يعطيها شيئا ، وأنّ هذا الفعال من المولى إباحة للعبد فرج جاريته ، دون أن يكون ذلك عقد نكاح ، وإن سمّى تزويجا وعقدا فعلى طريق الاستعارة والمجاز ، وكذلك تفريق المولى بينهما بأمر العبد باعتزالها أوامرها باعتزاله سمّى طلاقا مجازا ، لأنّه لو كان طلاقا حقيقيّا ، لروعي فيه أحكام الطلاق وشروطه وألفاظه ، ولا كان يقع ، إلا أن يتلفظ به الزوج ، لأنّ الرسول عليه‌السلام قال : « الطلاق بيد من أخذ بالساق » (٣) وهذا قد وقع ممن لم يأخذ بالساق ، وهو

__________________

(١) ق : أوامرها.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه ، وفيه لمولاها ،

(٣) كنز العمال : كتاب الطلاق ، الفرع الأوّل. أخرجه عن الطبراني عن ابن عباس ، ج ٩ ، ص ٦٤٠. وفي سنن ابن ماجة : كتاب الطلاق ، باب (٣١) طلاق العبد ، بإسناده عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث (٢٠٨١) ـ : انّما الطلاق لمن أخذ بالساق .. وفي كنز العمال ، عن سنن البيهقي عن ابن عباس عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إلا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق » ج ٩ ، ص ٦٤٥ ، إكمال الفرع الأوّل ، ح ٢٧٨٠١

٦٠٠