كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

يُؤْمِنَّ ) (١) وهذا عامّ ، وخصّصنا اليهودية والنصرانية بدليل الإجماع ، وبقي الباقي على عمومه ، ورجع شيخنا عمّا ذكره في تبيانه (٢).

وبعض أصحابنا يحظر العقد على اليهودية والنصرانية ، سواء كان العقد مؤجلا أو دائما ، وهو الأظهر والأقوى عندي ، لعموم الآيتين ، فمن خصصهما يحتاج إلى دليل ، من إجماع ، أو تواتر ، وكلاهما غير موجودين.

إلا أنّه متى عقد على أحد الجنسين منعهما من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، على ما روي (٣).

ولا بأس أن يتمتع الإنسان بالفاجرة ، إلا أنّه يمنعها بعد العقد عليها من الفجور.

ولا يجب على الرجل سؤالها هل لها زوج أم لا؟ لأنّ ذلك لا يمكن أن يقوم له به بيّنة.

والأولى في الديانة سؤالها عن ذلك ، إن كانت مصدّقة على نفسها ، وإن كانت متهمة (٤) في ذلك احتاط في التفتيش عن أمرها ، استحبابا لا إيجابا.

ولا بأس أن يتزوّج الرجل نكاحا مؤجلا بكرا ليس لها أب من غير وليّ ، كما أنّ له ذلك في عقد الدوام ، فإن كانت البكر بين أبويها جاز ذلك أيضا ، فإن كانت دون البالغ لم يجز له العقد عليها إلا بإذن أبيها ، فإن كانت بالغا جاز العقد عليها من غير استيذانه ، على ما قدّمناه.

ولا بأس أن يتمتع الرجل بأمة غيره بإذنه ، وإن كانت الأمة لامرأة فكذلك ، ولا يجوز له نكاحها ولا العقد عليها إلا بإذن مولاتها ، بغير خلاف ، إلا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة (٥) أوردها شيخنا في نهايته (٦) ورجع عنها في

__________________

(١) البقرة : ٢٢١.

(٢) التبيان : ج ٢ ، ص ٢١٨ ذيل الآية ٢٢١ ، والعبارة هكذا : فامّا المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا.

(٣) الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، ح ١.

(٤) ق. ل : فان اتهمها.

(٥) الوسائل : الباب ١٤ من أبواب المتعة ، ح ١ ، وفيه : لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير إذنها.

(٦) النهاية : كتاب النكاح ، باب المتعة وأحكامها.

٦٢١

جواب المسائل الحائريات (١) على ما قدّمناه.

وقد سئل الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان « رحمه‌الله » في جملة المسائل التي سأله عنها محمّد بن محمّد بن الرملي الحائري « رحمه‌الله » وهي معروفة مشهورة عند الأصحاب ، سؤال : وعن الرجل يتمتع بجارية غيره بغير علم منه ، هل يجوز له ذلك أم لا؟

فأجاب : لا يجوز له ذلك ، وإن فعله كان عاصيا آثما ، ووجب عليه بذلك الحدّ ، وقد ظنّ قوم لا بصيرة لهم ممن يعتزى إلى الشيعة ، ويميل إلى الإمامية ، أنّ ذلك جائز بحديث رووه : « ولا بأس أن يستمتع الرجل من جارية امرأة بغير إذنها » (٢) وهذا حديث شاذ ، والوجه : أنّه يطؤها بعد العقد عليها بغير إذنها ، من غير أن يستأذنها في الوطء ، لموضع الاستبراء لها ، فأمّا جارية الرجل فلم يأت فيه حديث ، ومن جوّزه فقد خالف حكم الشرع ، وفارق الحق ، وقال ما يردّه عليه كافة العلماء ، ويضلّله جماعة الفقهاء.

قال محمّد بن إدريس : فانظر أرشدك الله إلى فتوى هذا الشيخ المجمع على فضله ورئاسته ومعرفته ، وهل رجع إلى حديث يخالف الكتاب والسنّة وإجماع الأمة ، فكيف يجعل ما يورد ويوجد في سواد الكتب دليلا ، ويفتي به من غير حجة تعضده؟ وهل هذا إلا تغفيل من قائله؟

وإذا كانت عند الرجل امرأة حرّة بعقد دوام فلا يجوز له أن يتمتع بأمة إلا بعد رضاها واستيذانها ، وكان الحكم في هذا العقد حكم نكاح الدوام.

فإذا أراد العقد فليذكر من المهر والأجل ما تراضيا عليه ، قليلا كان أو كثيرا ، بعد أن يكون معلوما غير مجهول ، كلّ واحد منهما ، ويكون المهر ما يجوز تمليكه للمسلمين.

فإن ذكر لها مهرا معلوما وأجلا معلوما ، ثمّ أراد مفارقتها قبل الدخول بها ،

__________________

(١) المسائل الحائريات : ..

(٢) الوسائل الباب ١٤ من أبواب المتعة ، ح ١ ، وفيه : لا بأس بأن يتمتع بأمة المرأة بغير اذنها.

٦٢٢

فليهب لها أيّامها ، ويلزمه نصف المهر ، على ما رواه أصحابنا (١) وأجمعوا عليه قولا وعملا ، لأنّهم يجرون هبة الأجل قبل الدخول بها مجرى الطلاق قبل الدخول ، فإن كان قد أعطاها المهر رجع عليها بنصفه ، فإن وهبت مهرها له قبل أن يفارقها ، كان له أن يرجع عليها بمثل نصف المهر بعد تخليته إيّاها ، فإن أعطاها شيئا من مهرها ودخل بها ، لزمه ما بقي عليه منه على كماله ، إذا وفت له بأيامه ، فإن أخلّت بشي‌ء من أيّامه من غير عذر جاز له أن ينقصها بحساب ذلك من المهر فإن تبيّن له بعد الدخول بها أنّ لها زوجا ، أو هي في عدّة ، لا يلزمه أن يعطيها شيئا ، وكان ما أخذت منه حراما عليها.

ويجوز أن يشترط عليها أن يأتيها ليلا ، أو نهارا ، أو في أسبوع دفعة ، أو يوما بعينه ، أيّ ذلك شاء فعل ، ولم يكن عليه شي‌ء.

وقد روي (٢) أنّه إذا عقد عليها شهرا ، ولم يذكر الشهر بعينه ، كان له شهر من ذلك الوقت ، فإذا مضى عليها شهر ثمّ طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل.

والصحيح ترك هذه الرواية ، لأنّ هذا أجل مجهول ، إلا أن يقول : شهرا من هذا الوقت ، فيصح ذلك ، لأنّه يكون معلوما.

فإن كان قد سمّى الشهر بعينه كان له شهره الذي عيّنه ، فإذا ثبت ذلك فلا يجوز لهذه المرأة أن تعقد على نفسها لأحد من عالم الله ، وإن لم يحضر ذلك الشهر المعيّن ، لأنّ عليها عقدا ، ولها زوج ، فلا يجوز أن يكون للمرأة زوجان ، ولا يكون عليها عقدان ، بإجماع المسلمين.

ولا يجوز أيضا لمن عقد عليها العقد الأول أن يعقد على أختها قبل حلول شهره المعيّن وحضوره ، لأنّه يكون جامعا بين الأختين.

واختلف أصحابنا في توارث نكاح المؤجل ، فقال قوم منهم : ترث وتورّث

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٠ من أبواب المتعة ، ح ١.

(٢) الوسائل : الباب ٣٥ من أبواب المتعة.

٦٢٣

إذا لم يشترطا نفي التوارث ، مثل نكاح الدوام ، وقال آخرون منهم : لا ترث ولا تورّث ، إلا أن يشترطا التوارث ، فإن شرطا ذلك توارثا ، وقال الباقون المحصّلون :

لا توارث في هذا النكاح ، شرطا التوارث أو لم يشرطا ، لأنّهما إن شرطا كان الشرط باطلا ، لأنّه شرط يخالف السنة.

وهذا الذي أفتي به وأعمل عليه ، لأنّ التوارث حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ، وقد أجمعنا على تخصيص عموم آيات توارث الأزواج في النكاح الدائم ، واختلف أصحابنا في توريث الأزواج في النكاح المؤجل ، والأصل براءة الذمة.

ولا خلاف أنّه لا يتعلّق بها حكم الإيلاء ، ولا يقع بها طلاق ، ولا يصحّ بينها وبين الزوج لعان ، ويصح الظهار منها عند بعض أصحابنا ، وكذلك اللعان عند السيد المرتضى ، والأظهر أنّه لا يصحّ ذلك بينهما في هذا العقد.

وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق ، ولا سكنى لها ، ولا نفقة ، ويجوز الجمع بغير خلاف بين أصحابنا في هذا النكاح بين أكثر من أربع ، لأنهنّ بمنزلة الإماء عندنا ، ولا يلزم العدل بينهن في المبيت.

ويلحق الولد بالزوج ، ويلزمه الاعتراف به ، ويجب عليه إلحاقه به ، ولا يحلّ له نفيه إذا قطع على أنّه منه ، إلا أنّه إن نفاه أثم ، وكان معاقبا عند الله تعالى ، إلا أنّه لا يحتاج مع نفيه إلى لعان ، بخلاف النكاح الدائم ، لأنّ النكاح الدائم متى علم أنّه ولد على فراشه احتاج في نفيه إلى لعان ، فمتى وطأ في القبل الواطي في النكاح المؤجل لزمه الاعتراف به ، وإن كان يعزل الماء.

ولا بأس إن يعقد الرجل على امرأة واحدة مرّات كثيرة ، واحدة بعد أخرى ، لأنّه لا طلاق في هذا النكاح.

وإذا انقضى الأجل فيما بينهما ، جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال ، قبل خروجها من العدة ، ولا يجوز لغيره ذلك ما دامت في العدّة.

وكذلك يجوز له أن يعقد على أختها قبل خروجها من عدّتها ، وبعد

٦٢٤

خروجها من أجله ، فإن أراد أن يزيدها في الأجل قبل انقضاء أجلها الذي له عليها لم يكن له ذلك ، فإن أراد فليهب لها ما بقي عليها من الأيام ، ثمّ ليعقد عليها على ما شاء من الأيام.

وعدّة المرأة في هذا النكاح ، إذا كانت ممن تحيض حيضا مستقيما ، أو لا تحيض وفي سنها من تحيض ، إذا انقضى أجلها ، أو وهب لها زوجها أيّامها ـ على ما قدّمناه وقلنا إنّه عند أصحابنا بمنزلة الطلاق في هذا النكاح بغير خلاف بينهم ـ قرءان ، وهما طهران للمستقيمة الحيض ، وخمسة وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض ومثلها تحيض ، فأمّا إن كانت لا تحيض وليس في سنّها من تحيض فلا عدّة عليها ، إلا إذا توفي عنها زوجها قبل خروجها من أجله.

فإذا توفى عن المتمتع بها زوجها قبل انقضاء أجلها (١) كانت عدّتها مثل عدّة المعقود عليها عقد الدوام ، على الصحيح من المذهب ، وقال قوم من أصحابنا :

عدّتها شهران وخمسة أيام ، والأول هو الظاهر ، لأنّه يعضده القرآن والمتواتر من الأخبار ، سواء كانت أمة أو حرة ، لظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) (٢) وذلك عامّ في كل من يتوفى عنها زوجها ، ولا إجماع منعقد على تخصيص ذلك ، فيجب العمل بالعموم ، لأنّه الظاهر ، ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل.

وقال شيخنا في نهايته : « عدتها إذا انقضى أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان ، أو خمسة وأربعون يوما ، إذا كانت لا تحيض وفي سنّها من تحيض » (٣).

أمّا قوله : « حيضتان » يريد بذلك المستقيمة الحيض ، تعتد بالأقراء ، وهي قرءان فعبّر عن القرءين بالحيضتين ، وامّا قوله : « أو خمسة وأربعون يوما » فمراده من لا تحيض وفي سنّها من تحيض.

وقد روي أنّه إذا اشترط الرجل في حال العقد أن لا يطأها في فرجها ، لم يكن له

__________________

(١) ق : أجله.

(٢) البقرة : ٢٣٤.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب المتعة وأحكامها.

٦٢٥

وطؤها فيه ، فإن رضيت بعد العقد بذلك كان جائزا.

وقال شيخنا في نهايته : « وكلّ شرط يشرطه الرجل على المرأة انّما يكون له تأثير بعد ذكر العقد ، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدّم ذكرها باطلة لا تأثير لها ، فإن كرّرها بعد العقد ثبتت على ما شرط » (١).

قال محمّد بن إدريس « رحمه‌الله » : لا شرط يجب ذكره ويلزمه (٢) إلا شرطان : وهما ذكر الأجل المحروس من الزيادة والنقصان ، إمّا بالشهور والأيام ، أو بالسنين والأعوام ، والمهر المعلوم إن كان من الموزون بالوزن أو الاخبار عن الوزن ، وإن كان مكيلا فبالكيل أو الاخبار عن الكيل ، وإن كان غير موزون ولا مكيل فبالمشاهدة أو الوصف في غير المشاهدة ، وما عداهما من الشروط لا يلزم ، ولا تأثير له في صحة هذا النكاح ، وأيضا فالمؤثر لا يكون له تأثير إلا إذا قارن وصاحب ، فكيف يؤثر الشرط المذكور بعد العقد ، فكان الاولى إن كانت الشروط مؤثرة ولازمة أن يكون ما يلزم منها مصاحبا للعقد مقارنا له لا يتقدّم عليه ولا يتأخر وشيخنا أورد ذلك من طريق أخبار الآحاد ، دون الاعتقاد.

قال محمّد بن إدريس : يروى في بعض أخبارنا في باب المتعة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : لو لا ما سبقني إليه بني الخطاب ما زنى إلا شفا ـ بالشين المعجمة والفاء ـ ومعناه إلا قليل ، والدليل عليه حديث ابن عباس ، ذكره الهروي في الغريبين : « ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ولو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا إلا شفا » قد أورده الهروي في باب الشين والفاء ، لأنّ الشفاء عند أهل اللغة القليل ، بلا خلاف بينهم ، وبعض أصحابنا ربما صحّف ذلك ، وقاله وتكلم به بالقاف والياء المشددة ، وما ذكرناه هو وضع أهل اللغة ، وإليهم المرجع ، وعليهم المعوّل في أمثال ذلك ، وتعضده

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب المتعة وأحكامها.

(٢) ق : يلزم.

٦٢٦

الرواية عن ابن عباس « رحمه‌الله ».

وقال شيخنا أبو جعفر في الاستبصار ، في باب التمتع بالأبكار ، أورد خبرا فيه : « ما يقول هؤلاء الأقشاب » (١) بالقاف والشين المعجمة.

قال محمّد بن إدريس : الأقشاب الأخلاط ، وهو ذم لهم (٢).

باب السراري وملك الايمان وما في ذلك من الأحكام

يستباح وطء الإماء من ثلاث طرق :

أحدها العقد عليهن بإذن أهلهنّ ، كما قال تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٣) وقد سلف ذكر ذلك فيما مضى من كتابنا.

والثاني بتحليل مالكهن أو إباحته الرجل من وطئهن ، وإن لم يكن هناك عقد متضمن لفظ التزويج أو النكاح.

وجملة الأمر وعقد الباب في ذلك أنّ تحليل الإنسان جاريته لغيره من غير عقد فهو جائز عند أكثر أصحابنا المخصّلين ، وبه تواترت الأخبار ، وهو الأظهر بين الطائفة ، والعمل عليه ، والفتوى به ، وفيهم من منع منه ، فمن أجازه اختلفوا : فمنهم من قال : هو عقد والإباحة والتحليل عبارة عنه ، وهو مذهب السيد المرتضى ، ذكره في انتصاره ، والباقون الأكثرون قالوا : هو تمليك منفعة مع بقاء الأصل ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي « رحمه‌الله » وشيخنا المفيد ، وغيرهما من المشيخة ، وهو الذي يقوى في نفسي ، وبه أفتي ، ويجري ذلك مجرى إسكان الدار وإباحة منافع الحيوان ، إذ لا يمنع من ذلك مانع ، من كتاب ، ولا سنة ، ولا دليل عقل ، ولا إجماع منعقد ، إلا أنّ شيخنا أبا جعفر في مبسوطة يجعل

__________________

(١) الاستبصار ، ج ٣ ، باب التمتع بالأبكار ص ١٤٥ ، ح ١ وفي الوسائل : الباب ١١ من أبواب المتعة ، ح ٦.

(٢) ل : وهو ذمّ لهم ، والذي ورد في كتب اللغة « أو شاب من الناس » بالواو ، وهم الأخلاط.

(٣) النساء : ٢٥.

٦٢٧

من شروطه أن تكون المدّة معلومة.

ويكون الولد لا حقا بامه ، ويكون رقّا ، إلا أن يشترط الرجل الحرية ، والصحيح من المذهب والأقوال والذي تقتضيه الأدلّة أنّ الولد بمجرد العقد في المعقود عليها من الإماء ، أو المباحة المحللة بمجرد الإباحة والتحليل يكون الولد حرا ، إلا أن يشترطه المولى ، لأنّ إجماع أصحابنا منعقد على أنّ كلّ وطء مباح حلال يلحق الولد بالحرية ، من أيّ طرفي العاقدين الزوجين كانت ، سواء كان بعقد ، أو إباحة ، أو نكاح فاسد ، أو وطء شبهة. والمخالف يلحقه بامه ، ولا يلحقه بأبيه ، فإن كانت حرة كان حرا ، ولا يعتدّ بأبيه ، وإن كانت أمة كان رقّا ، ولا يلتفت إلى أبيه وإن كان أبوه حرا ، وأصحابنا على خلاف مذهب المخالف ، وممّا يتفردون به من القوم.

وقد سأل السيد المرتضى نفسه فقال : مسألة في خبر الواحد : إن سأل سائل فقال : كيف تنكرون أن يكون أخبار الآحاد في الأحكام الشرعية ممّا لم تقم الحجة بالعمل بها ، فقد وجدنا الإماميّة يختلفون فيما بينهم في أحكام شرعيّة معروفة ، ويستند كلّ فريق منهم إلى أخبار آحاد في مذهبه ، ولا يخرج كلّ فريق من موالاة الفريق الآخر وإن خالفه ، ولا يحكم بتكفيره وتضليله ، وهذا يقتضي أنّه إنّما لم يرجع عن موالاته ، لأنّه استند فيما ذهب إليه إلى ما هو حجة.

الجواب : أنّ أخبار الآحاد ممّا لم تقم لها دلالة شرعيّة على وجوب العمل بها ، ولا يقطع العذر بذلك ، وإذا كان خبر الواحد لا يوجب علما وإنّما يقتضي إذا كان راويه على غاية العدالة ظنّا ، فالتجويز لكونه كاذبا ثابت ، والعمل بقوله يقتضي الإقدام على ما يعلم قبحه ، فأمّا الاستدلال على أنّ الحجة ثابتة بقبول أخبار الآحاد بأنا لا نكفر من خالفنا في بعض الأحكام الشرعية من الإماميّة ولا نرجع عن موالاته ، فلا شبهة في بعده ، لأنّا لا نكفر ولا نرجع عن موالاة من خالف من أصحابنا في بعض الشرعيات ، وإن استند في ذلك المذهب إلى

٦٢٨

التقليد ، أو رجع فيه إلى شبهة معلوم بطلانها ، ولم يدلّ عدولنا عن تكفيره وتمسكنا بموالاته على أنّ التقليد الذي تمسّك به واعتمد في مذهبه ذلك عليه حقّ ، وأنّ فيه الحجة ، فكذلك ما ظنه السائل ، وبعد فلو كنّا إنّما عدلنا عن تكفيره وأقمنا على موالاته من حيث استند من أخبار الآحاد إلى ما قامت به الحجة في الشريعة لكنّا لا نخطّيه ولا نأمره بالرجوع عمّا ذهب إليه ، لأنّ من عوّل في مذهب على ما فيه الحجة لا يستنزل عنه ، ونحن نخطّي من أصحابنا من خالفنا فيما قامت الأدلة الصحيحة عليه من الأحكام الشرعيّة ، ونأمره بالرجوع إلى الحق ، وترك ما هو عليه ، وانّما لا نضيف إلى هذه التخطئة التكفير والرجوع عن الموالاة ، وليس كلّ مخطئ كافرا وغير مسلم ، انّ المحق من أصحابنا في الأحكام الشرعيّة انّما عوّل فيما ذهب إليه على أخبار الآحاد ، ومن عوّل على خبر الواحد وهو لا يوجب علما ، كيف يكون عالما قاطعا؟

وما بقي ممّا نحتاج إليه في هذا الكلام إلا أن نبيّن من أي وجه لم نكفر من خالفنا في بعض الشرعيات من أصحابنا ، مع العلم بأنّه مبطل والوجه في ذلك أنّ التكفير يقتضي تعلّق أحكام شرعية : كنفي الموالاة ، والتوارث ، والتناكح ، وما جرى مجرى ذلك ، وهذا انّما يعلم بالأدلة القاطعة ، وقد قامت الدلالة وأجمعت الفرقة المحقة على كفر من خالفنا في الأصول ، كالتوحيد ، والعدل والنبوة ، والإمامة ، فامّا خلاف بعض أصحابنا لبعض في فروع الشرعيات فممّا لم يقم دليل على كفر المخطئ ، ولو كان كفرا لقامت الدلالة على ذلك من حاله ، وكونه معصية وذنبا لا يوجب عندنا الرجوع عن الموالاة ، كما نقول ذلك في معصية ليست بكفر.

فإن قيل : فلو خالف بعض أصحابكم في مسح الرجلين ، وذهب إلى غسلهما ، وفي أنّ الطلاق الثلاث يقع جميعه ، أكنتم تقيمون على موالاته؟

قلنا : هذا ممّا لا يجوز أن يخالف فيه إمامي ، لأنّ هذه الأحكام وما أشبهها معلوم ضرورة أنّه مذهب الأئمة عليهم‌السلام ، وعليه إجماع الفرقة المحقّة ، فلا

٦٢٩

يخالف فيها من وافق في أصول الإمامية ، ومن خالف في أصولهم كفر بذلك.

فإن قيل : أفلستم تكفرون من خالفكم من خالف في صغير فروع الشرعيات وكبيرها؟ فكيف يكفر المخالف بما لا يكفر به الموافق؟

قلنا : نحن لا نكفر مخالفنا إذا خالف في فرع لو خالف فيه موافق من أصحابنا لم نكفره ، وإنّما نكفر المخالف في ذلك الفرع بما ذهب إليه من المذاهب التي تقتضي تكفيره ، مثال ذلك : أنّ من خالف من أصحابنا وقال : إنّ الولد الحر من المملوكة مملوك إذا لم يشترط ، لم يكن بذلك كافرا ، وكان هذا القول باطلا ، وكذلك المخالف لنا في الأصول إذا خالف في هذه المسألة وقال : إنّ الولد مملوك وهذا مذهبكم لا يكون بهذا القول بعينه كافرا ، وانّما نكفره على الجملة بما خالف فيه مما يقتضي الأدلة أن يكون كفرا (١). هذا آخر كلام السيد المرتضى ، احتجنا أن نورد المسألة والجواب على وجههما لنبيّن مقصودنا من ذلك ، وهو قوله : « مثال ذلك أنّ من خالف من أصحابنا وقال : إنّ ولد الحر من المملوكة مملوك إذا لم يشترط ، لم يكن بذلك كافرا ، وكان هذا القول باطلا » فدلّ على أنّ الولد حرّ إذا كان أبوه حرا ، وامّه مملوكة ، وكان الوطء حلالا مباحا ، وارتفع الشرط ، سواء كان هذا الوطء بعقد أو إباحة المولى ، لأنّ إطلاق كلام السيد المرتضى يقتضي ذلك ويدلّ عليه ، فدلّ على أنّه إجماع منعقد من أصحابنا.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الخامس من المبسوط ، في فصل في حدّ القاذف (٢) : إذا قذف رجلا ثمّ اختلفا ، فقال القاذف : أنت عبد ، فلا حدّ عليّ ، وقال المقذوف : أنا حرّ ، فعليك الحدّ ، لم يخل المقذوف من ثلاثة أحوال : إمّا يعلم أنّه حرّ ، أو عبد ، أو يشك فيه ، فإن عرف أنّه حرّ ، مثل أن علم ان أحد أبويه حرّ عندنا ، أو يعلم أنّ امه حرّة عندهم وإن كان عبدا فأعتق فعلى

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى المجموعة الثالثة ، مسألة ٤٤ عدم تخطئة العامل بخبر الواحد ص ٢٧١ ـ ٢٧٢.

(٢) وفي المصدر : حد القذف.

٦٣٠

القاذف الحدّ ، وإن عرف أنّه مملوك فلا حدّ على القاذف ، وعليه التعزير ، وإن أشكل الأمر ، كالرجل الغريب لا يعرف ولا يخبر كاللقيط ، قال قوم : القول قول القاذف ، إلى هاهنا كلام الشيخ في المبسوط (١).

مقصودي منه قوله : « فإن عرف أنّه حرّ مثل أن علم أنّ أحد أبويه حرّ عندنا » ولم يشرط في الوطء بعقد أو إباحة ، بل أطلق القول بذلك ، وأنّه متى كان أحد أبويه حرا فهو حرّ عندنا ، يعني عند أصحابنا الإمامية.

وقال ـ في الجزء الخامس أيضا ، في فصل في دية الجنين ـ : ديته مائة دينار ، ويجب ذلك في الجنين الكامل ، وكماله بالإسلام والحرّيّة ، أمّا إسلامه بأبويه أو بأحدهما ، وأمّا الحرّيّة فمن وجوه ، أن تكون امه حرّة ، أو تحبل الأمة في ملكه ، أو يتزوج امرأة على أنّها حرّة فإذا هي أمة ، أو يطأ على فراشه امرأة يعتقدها زوجته الحرة ، فإذا هي أمة ، ففي كلّ هذا يكون حرّا ، بلا خلاف عندنا ، إذا كان أبوه أيضا حرّا وإن كانت الام مملوكة ، فانّ الولد يلحق بالحريّة عندنا ، وفي كلّ هذه المواضع ما تقدّم ذكره من مائة دينار (٢).

وقال أيضا شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الثاني من مسائل خلافه ، في كتاب الرهن : مسألة : إذا أتت هذه الجارية الموطوءة بإذن الراهن بولد كان حرّا لا حقا بالمرتهن ، بالإجماع ، ولا يلزمه عندنا قيمته ، وللشافعي فيه قولان : أحدهما يجب عليه قيمته ، وبه قال المروزي (٣) والآخر لا تجب ، دليلنا ما قدّمناه ، من أنّ الأصل براءة الذمة ، ووجوب القيمة يحتاج إلى دليل (٤) ، هذا آخر كلام شيخنا.

ألا ترى إلى قوله : « كان حرّا لا حقا بالمرتهن بالإجماع ، ولا يلزمه عندنا قيمته » ، ولم يتعرض للشرط ، ولا ذكره جملة ، فقد رجع عمّا ذكره في نهايته

__________________

(١) المبسوط : ج ٨ ، كتاب الحدود ، ص ١٧.

(٢) المبسوط : ج ٧ ، فصل في دية الجنين ، ص ١٩٣.

(٣) ج : المزني.

(٤) الخلاف : كتاب الرهن ، المسألة ٢٣.

٦٣١

ومبسوطة ، فهو محجوج بهذا القول الذي ذهب إليه وحكيناه عنه في مسائل خلافه ، وما أورده في نهايته فمن طريق أخبار الآحاد ، لا على جهة العمل والاعتقاد ، وهو خبر واحد رواية ضريس الكناسي (١) وبإزائه أخبار كثيرة معارضة له ، تتضمن أنّ الولد حرّ بمجرد الإباحة والتحليل ، وأصول المذهب تقتضي أنّ الولد يلحق بأبيه إلا ما قام عليه الدليل.

رجعنا إلى تقسيمنا.

والثالث بأن يملكهنّ فيستبيح وطئهن بملك الأيمان ، وإذا أحلّ وأباح الرجل جاريته لأخيه ، أو المرأة لأخيها أو لزوجها حلّ له منها ما أحلّه له مالكها ، إن أحلّ له وطئها حلّ له كلّ شي‌ء منها ممّا يرجع إلى الاستمتاع ، من تقبيل ولمس وعناق وغير ذلك ، وإن أحلّ له ما دون الوطء فليس له إلا ما جعله منه في حلّ ، إن أحلّ له خدمتها لم يكن له سوى الخدمة شي‌ء ، وإن أحلّ له مباشرتها أو تقبيلها كان له ذلك ، ولم يكن له وطؤها ، فإن وطأها في هذه الحال كان عاصيا ، وإن أتت بولد كان لمولاها ، ويلزمه مهر أمثالها.

وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته : يلزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر لزمه نصف عشر قيمتها (٢) ، وقال أيضا :

ومتى جعله في حلّ من وطئها ، وأتت بولد كان لمولاها ، وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال ، وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه (٣).

قال محمّد بن إدريس : وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، وحكينا رجوعه في مسائل خلافه ، وأيضا فلا يجب على الإنسان أن يشتري ولده إذا كان الولد مملوكا ، بغير خلاف ، فكيف أوجب عليه شراءه ولا يجب عليه أن يستسعى في فك رقبة ولده من الرق ، بغير خلاف بين أصحابنا.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣٧ من أبواب نكاح العبيد الإماء ، ح ١.

(٢) و (٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

٦٣٢

ثمّ قال أيضا في نهايته : ولا يجوز للرجل أن يجعل عبده في حلّ من وطء جاريته ، فإن أراد ذلك عقد له عليها عقدا (١).

قال محمد بن إدريس : لا مانع من تحليل عبده وطء جاريته ، من كتاب ، ولا سنّة ، ولا إجماع ، والأصل الإباحة ، بل قوله تعالى ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ) (٢) وقوله ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ ، مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) (٣) دليل على صحة ذلك.

ثمّ قال أيضا في نهايته : وينبغي أن يراعى في ما ذكرناه لفظ التحليل ، وهو أن يقول الرجل المالك للأمة لمن يحللها له : « جعلتك في حلّ من وطء هذه الجارية ، أو أحللت لك وطئها » (٤).

قال محمّد بن إدريس : ليس قول شيخنا « رحمه‌الله » : ينبغي أن يراعى في ما ذكرناه لفظ التحليل ، بمانع من غيره من الألفاظ ، وهو قوله : أبحتك وطئها ، ولا منع منه.

وإنّما قال : ولا يجوز لفظ العارية في ذلك (٥) لشناعة المخالف علينا ، فإنّهم يقولون : هؤلاء يعيرون الفروج ، يريدون بذلك في الحرائر ، معاذ الله أن نقول ذلك ، وانّما يتخرصون علينا بما لا نقوله ولا نذهب بحمد الله إليه ، فتحرّز أصحابنا ـ خوفا من الشناعة ـ فقالوا : ولا يجوز لفظ العارية في ذلك ، حراسة من التشنيع ، وقد قلنا فيما مضى ، أنّ ذلك تمليك منافع ، كتمليك منافع الدار والفرس وغير ذلك.

وقد ذهب شيخنا في مبسوطة في باب العارية إلى ما اخترناه ، فقال : ولا يجوز إعارة الجارية للاستمتاع بها ، لأنّ البضع لا يستباح بالإعارة ، وحكى عن مالك جواز ذلك ، وعندنا يجوز ذلك بلفظ الإباحة ، ولا يجوز بلفظ العارية (٦) هذا آخر كلامه في مبسوطة.

وإذا كان الرجل مالكا لنصف الجارية ، والنصف الآخر منها يكون حرّا ، لم

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري ، وملك الايمان.

(٢) النساء : ٢٥.

(٣) النور : ٣٢.

(٤) و (٥) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري ، وملك الايمان.

(٦) المبسوط : ج ٣ ، كتاب العارية ، ص ٥٧.

٦٣٣

يجز له وطؤها ، بل يكون له من خدمتها يوم ، ولها من نفسها يوم ، وروي أنّه إذا أراد العقد عليها في يومها عقد عليها عقد المؤجل وكان ذلك جائزا (١).

ومتى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التمليكات ، من بيع ، أو هبة ، أو سبي ، أو غير ذلك ، لم يجز له وطؤها في قبلها ، إلا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض ، وإن لم تكن ممّن تحيض ومثلها تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما ، وإن كانت قد يئست من المحيض ، أو لم تكن بلغته لم يكن عليه استبراء.

وكذلك يجب على الذي يريد بيع جارية كان يطؤها ، فإن استبرأها البائع ثمّ باعها لم يسقط عن المشتري الاستبراء الذي يجب عليه ، وقد روي أنه إن كان البائع موثوقا به جاز للذي يشتريها أن يطأها من غير استبراء (٢) ، أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣) ورجع عنها في مسائل خلافه (٤) ، وهو الصحيح ، لأنّ فعل البائع لا يسقط عن المشتري ما يجب عليه من الاستبراء.

وكذلك إن كانت المملوكة لامرأة ، فيستحب للمشتري استبراؤها ، عند بعض أصحابنا ، والأولى عندي وجوب استبرائها.

فإن اشترى جارية فأعتقها قبل أن يستبرئها جاز له العقد عليها من دون استبراء ، وحل له وطؤها ، والأفضل أن لا يطأها إلا بعد الاستبراء.

ومتى أعتقها وكان قد وطأها جاز له العقد عليها ووطؤها ، ولم يكن عليه استبراء على حال ، فإن أراد غيره العقد عليها لم يجز له ذلك إلا بعد خروجها من عدّتها ـ على ما رواه بعض أصحابنا ـ (٥) أمّا. بثلاثة أشهر ، أو ثلاثة أقراء على حسب حالها.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٢) الوسائل : الباب ٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري ، وملك الايمان.

(٤) الخلاف : كتاب البيوع المسألة ٢١٩ ، وكتاب العدّة المسألة ٤٣ وينافيه قوله في المسألة ٤٠ من هذا الكتاب فراجع.

(٥) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب النكاح العبيد والإماء.

٦٣٤

ومتى اشترى رجل جارية وهي حائض تركها حتى تطهر ، ثمّ يحلّ له وطؤها ، وكان ذلك كافيا في استبراء رحمها على ما روى في بعض الأخبار (١) ، والأظهر الصحيح وجوب الاستبراء بقرءين.

ومتى اشترى جارية حاملا ، كره له وطؤها في القبل ، دون أن يكون ذلك محرّما محظورا ، على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وهو الذي يقتضيه أصول المذهب ، سواء مضى أربعة أشهر أو أقل منها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى اشترى جارية حاملا لم يجز له وطؤها إلا بعد وضعها الحمل أو يمضي عليها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فإن أراد وطئها قبل ذلك وطأها فيما دون الفرج ، وكذلك من اشترى جارية وأراد وطئها قبل الاستبراء جاز له ذلك فيما دون الفرج (٢).

وذهب شيخنا المفيد في مقنعته إلى مضي أربعة أشهر فحسب (٣).

الا انّ شيخنا أبا جعفر رجع في مسائل خلافه عمّا ذكره في نهايته ، فقال :

مسألة : إذا اشترى أمة حاملا كره له وطؤها قبل أن يصير لها أربعة أشهر ، فإذا مضى لها ذلك لم يكره له (٤) وطؤها حتى تضع ، وقال الشافعي وغيره : لا يجوز وطؤها في الفرج ، دليلنا إجماع الفرقة ، والأصل الإباحة وعدم المانع (٥) هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

قال محمّد بن إدريس : ودليلنا نحن على صحّة ما اخترناه قوله تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (٦) فأباحنا تعالى وطء ما ملكت أيماننا بمجرد الملكيّة ، والآية عامّة فمن خصّصها يحتاج إلى دليل ، وأيضا الأصل الإباحة ، ولا مانع من ذلك من كتاب ، أو سنّة مقطوع بها ، أو إجماع.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣ من أبواب النكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

(٣) المقنعة : باب السراري وملك الايمان ص ٥٤٤.

(٤) ج : ل. لم يكن له.

(٥) الخلاف : كتاب العدّة المسألة ٤٦ ، باختلاف يسير في العبارة.

(٦) النساء : ٣.

٦٣٥

وإذا باع جارية من غيره ، ثمّ استقال المشتري فأقاله ، فإن كان قد قبّضها إيّاه وجب عليه الاستبراء ، وإن لم يكن قبّضها لم يجب عليه ذلك ، إذا أراد وطئها.

إذا طلّقت الأمة المزوجة بعد الدخول بها ، وأخذت في العدة ، ثمّ باعها مولاها ، فالواجب عليها إتمام العدّة ، ولم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد استبراء بعد العدة ، لأنّهما حكمان لمكلّفين لا يتداخلان ، فإسقاط أحدهما بالآخر يحتاج إلى دليل ، وهذا القول مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (١) ، وهو الصحيح الحقّ اليقين.

إذا باع جارية فظهر بها حمل ، فادّعى البائع أنّه منه ، ولم يكن أقرّ بوطئها عند البيع ، ولم يصدّقه المشتري ، لا خلاف أنّ إقراره لا يقبل فيما يؤدّي إلى فساد البيع ، وهل يقبل إقراره في إلحاق هذا النسب أم لا؟ عندنا أنّه يقبل إقراره ، لأنّ إقرار العاقل على نفسه مقبول ، ما لم يؤد إلى ضرر على غيره ، وليس في هذا ضرر على غيره ، فوجب قبوله وجوازه.

ولا بأس أن يجمع الرجل بملك اليمين ما شاء من العدد ، مباح له ذلك ، ولا يجمع بين الأختين في الوطء ، ويجوز أن يجمع بينهما في الملك والاستخدام ، وكذلك لا بأس أن يجمع بين الام والبنت في الملك ، ولا يجمع بينهما في الوطء ، فمتى وطأ واحدة منهما ، حرّم عليه وطي الأخرى ، تحريم أبد ، فأمّا الأختان فمتى وطأ إحداهما حرم عليه وطء الأخرى تحريم جمع ، إلى أن يخرج الموطوءة من ملكه ، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه الاولى قبل إخراجها من ملكه ، كان معاقبا مأثوما. ولا يحرم عليه وطء الاولى ، بل التحريم باق في الأخرى ، كما كان قبل وطئه لها.

وقال بعض أصحابنا : إذا وطأ الأخرى بعد وطئه الاولى ، حرمت عليه الاولى إلى أن تخرج الأخيرة من ملكه ، ولا وجه لهذا القول ، لأنّه لا دليل عليه من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، والأصل الإباحة ، وقوله

__________________

(١) المبسوط : ج ٥ ، كتاب العدد ، ص ٢٦٩ ، الظاهر انه في العبارة تقطيع وتلخيص ، فراجع.

٦٣٦

تعالى ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) (١) يعضد ذلك ، ولا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.

ولا يجوز للإنسان أن يطأ جارية قد وطأها أبوه وطئا حلالا ، ويجوز له أن يملكها وإن وطأها أبوه ، وحكم الابن في هذا حكم الأب سواء.

وقد روي أنّ الأب إذا قبّل جاريته بشهوة ، أو نظر منها إلى ما يحرم إلى غير مالكها النظر إليه من غير وطء ، حرمت على ابنه ، وكذلك الابن حكمه في هذا سواء (٢) ، وهو الذي أورده شيخنا في نهايته (٣).

وقال شيخنا المفيد في مقنعته : إنّ جارية الأب بعد التقبيل بالشهوة ، أو النظر منها إلى ما يحرم إلى غير مالكها النظر إليه ، قبل الوطء ، يحرم على ابنه ، وليس كذلك جارية الابن عند هذه الحال (٤).

والفقيه سلار قال في رسالته : لا تحرم الجارية على كلّ واحد من الأب والابن بالنظر بالشهوة ، ولا بالتقبيل (٥).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، أنّ الجاريتين عند هذه الحال غير محرمتين على كلّ واحد من الأب والابن ، إذا ملكها كلّ واحد منهما ، أو وطأها وطئا شرعيا ، لقوله تعالى « أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ » (٦) وهذه ملك يمين إذا صارت إليه ، وقال تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٧) وهذه قد طابت ، ولا دليل يعدلنا عن هاتين الآيتين ، من كتاب ولا سنّة ، مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، بل الخلاف بين أصحابنا ظاهر في ذلك ، والأصل الإباحة ، فمن ادّعى الحظر ، يحتاج إلى دليل ، ولا يرجع عن ظاهر الكتاب بأخبار الآحاد.

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) الوسائل : الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) النهاية : كتاب النكاح باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٤) المقنعة : أبواب النكاح ، باب من يحرم نكاحهن من الأسباب دون الأنساب ، ص ٥٠٢.

(٥) المراسم : كتاب النكاح ، ذكر شرائط الأنكحة.

(٦) و (٧) النساء : ٣.

٦٣٧

وجميع المحرمات اللواتي قدّمنا ذكرهن بالنسب والسبب في العقد ، يحرم أيضا وطؤهنّ بملك الايمان.

ولا يجوز للرجل وطء جاريته إذا كان قد زوّجها من غيره ، إلا بعد مفارقة الزوج لها ، وانقضاء عدّتها إن كانت مدخولا بها.

ولا يجوز له أن يطأ جارية له معه فيها شريك.

وإذا زوّج الرجل جاريته من غيره ، فلا يجوز له النظر إليها متكشفة ، ولا متجردة من ثيابها ، إلا بعد مفارقة الزوج لها ، وانقضاء عدّتها على ما قدّمناه.

ومن اشترى جارية كان لها زوج زوّجها مولاها ، لم يكن عليه الامتناع من وطيها ، إلا مدة استبراء رحمها ، ما لم يرض بذلك العقد ، فإن رضي به ، لم يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها بالطلاق ، أو الموت ، وانقضاء عدّتها.

ولا بأس أن يشتري الرجل امرأة لها زوج من دار الحرب ، وكذلك لا بأس أن يشتري بنت الرجل أو ابنه إذا كانوا مستحقين للسبي ، وكذلك لا بأس أن يشتريهم وإن كان قد سباهم أهل الضلال ، إن كانوا مستحقّين للسبي.

وإذا كان للرجل جارية ، وأراد أن يعتقها ، ويجعل عتقها مهرها ، جاز له ذلك ، إلا أنّه متى أراده ينبغي أن يقدّم لفظ العقد على لفظ العتق ، بأن يقول : تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فإن قدّم العتق على التزويج ، بأن يقول : أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، مضى العتق ، وكانت مخيّرة بين الرضا بالعقد ، والامتناع من قبوله ، فإن قبلته مضى ، وكان لها عليه إذا دخل بها مهر المثل ، وهذا جميعه حكم شرعي ، دليل صحّته انعقاد الإجماع من أصحابنا عليه ، وإلا فكيف يصح تزويج الإنسان نفسه جاريته قبل عتقها.

فإن طلّق التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها ، رجع نصفها رقّا ، واستسعيت في ذلك النصف ، فإن لم تسع فيه ، كان له منها يوم ولها من نفسها يوم في الخدمة ، ويجوز أن تشترى من سهم الرقاب ، هكذا أورده شيخنا في

٦٣٨

نهايته (١) ، من طريق أخبار الآحاد ، إيرادا لا اعتقادا.

والذي يقتضيه أصول المذهب ، أنّه إذا طلّقها قبل الدخول بها ، يكون له عليها نصف قيمتها وقت العقد عليها ، لأنّ عندنا بلا خلاف بيننا أنّ المهر يستحق بنفس العقد جميعه ، وتملكه الزوجة ، والمهر هاهنا نفسها ، فقد ملكت نفسها جميعها ، وصارت حرّة ، فكيف يعود بعضها مملوكا ، والحرّ لا يصير مملوكا ، وإلى هذا يذهب ابن البراج في المهذب (٢).

وقد روي أنّه إن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدّي عنها النصف الباقي (٣).

ولا دليل على هذه الرواية من كتاب ولا سنّة ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وإن كان قد أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا.

وقد روي أنّه إذا جعل عتقها صداقها ، ولم يكن أدّى ثمنها ، ثم مات ، فإن كان له مال يحيط بثمن رقبتها ، ادّي عنه ، وكان العتق والنكاح ماضيين ، وإن لم يترك غيرها ، كان العتق والنكاح فاسدين ، وترجع الأمة إلى مولاها الأول ، وإن كانت قد علقت منه ، كان حكم ولدها حكمها في كونه رقّا (٤).

والذي يقتضيه أصول المذهب ، ترك العمل بهذه الرواية ، والعدول عنها ، لأنّها مخالفة للأدلّة القاهرة ، لا يعضدها إجماع ولا كتاب ولا سنّة ، بل الكتاب مخالف لها ، والسنّة تضادها ، والإجماع ينافيها ، لأنّ الحر لا يعود رقّا ، والعتق صحيح بالإجماع ، وكذلك النكاح ، والولد انعقد حرا بالإجماع ، فكيف يعود رقا.

فإن قيل : البائع يعود في عين سلعته إذا مات المشتري ، ولم يترك وفاء للأثمان؟

قلنا : إذا مات والسلع على ملكه ، وهذه الأمة قد خرجت من ملكه بالعتق ،

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

(٢) المهذب : كتاب النكاح باب السراري وملك الايمان ، ج ٢ ص ٢٤٧ و ٢٤٨.

(٣) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ٢.

(٤) الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب العتق.

٦٣٩

كما لو باعها من آخر ، ثمّ مات ، فبالإجماع لا يرجع فيها البائع ، ثمّ الولد كيف يرجع فيه ، وهو نماء منفصل ، وانّما البائع يرجع في عين السلعة ، دون نمائها المنفصل بلا خلاف ، فلا يعدل عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وانّما أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (١) إيرادا من طريق أخبار الآحاد ، دون العمل والاعتقاد.

وإذا كان للرجل ولد كبير ، وله جارية ، لم يجز له وطؤها ، إلا بإذن ولده في نكاحها ، أو العقد عليها ، فإن عقد له عليها ، أو أذن له في وطئها ، وأتت بولد من أبيه ، فإنّها لا تنعتق على مولاها ، فإن كان الولد ذكرا ، فهو ملك لأخيه ، لأنّ الإنسان إذا ملك أخاه ، لا ينعتق عليه ، وإن كان الولد أنثى ، فإنّها تنعتق على أخيها الذي هو مولى أمها ، لأنّ الإنسان إذا ملك من يحرم عليه وطؤها من الأنساب ، فإنّه ينعتق عليه بلا خلاف ، هذا إذا شرط مولى الجارية في حال العقد على والده كون الولد رقّا ، فأمّا إذا لم يشترط على أبيه كون الولد رقّا ، فالولد حر بلا خلاف بيننا.

وإن كان مولى الجارية الذي هو الولد صغيرا ، جاز لأبيه وطؤها بعد تقويمها على نفسه ، وشراؤها من نفسه ، ويكون ضامنا للثمن ، ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك.

والمرأة الحرة إذا كان لها زوج مملوك ، فورثته أو اشترته ، أبطل ذلك العقد ، فإن أرادته ، لم يكن لها ذلك ، إلا بأن تعتقه ، وتتزوج به.

وإذا أذن الرجل لعبده في التزويج ، فتزوّج ، وجب على السيد المهر إذا عقد العبد على مهر المثل ، وتجب عليه النفقة ، أعني السيد بشرط التمكين للعبد من الاستمتاع بها ، فإن أبق العبد بعد ذلك لم يكن لها على مولاه نفقة ، وقد بانت من الزوج ، وكان عليها العدّة منه ، فإن رجع العبد قبل خروجها من العدّة ، كان

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

٦٤٠