كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

أملك برجعتها ، وإن عاد بعد انقضاء عدّتها ، لم يكن له عليها سبيل ، على ما روي في بعض الأخبار (١) أورده شيخنا في نهايته (٢) ولم يورده غيره ، وقد اعتذرنا له بما اعتذر لنفسه ، فيما يورده في كتاب النهاية.

والذي يقتضيه الأدلة ، أنّ النفقة ثابتة على السيد ، وانّها لا تبين من الزوج ، والزوجية بينهما باقية ، لأنّها الأصل ، والبينونة تحتاج إلى دليل قاطع ، من طلاق الزوج ، أو موته ، أو بيع سيده له ، وفسخ المشتري ، أو لعان ، أو ارتداد ، وليس الإباق واحدا من ذلك.

وإذا كان العبد بين شريكين ، وأذن له أحدهما في التزويج ، فتزوّج ثم علم الآخر ، كان مخيّرا بين إمضاء العقد وبين فسخه.

ولا بأس أن يطأ الرجل جاريته وفي البيت معه غيره ، وكذلك لا بأس أن ينام بين جاريتين ، ويكره جميع ذلك في الحرائر من النساء.

وقد روي أنّه إذا اشترى الرجل جارية ، ومضى عليها ستة أشهر لم تحض فيها ، ولم تكن حاملا ، كان له ردّها ، لأنّه عيب يوجب الردّ (٣).

وإذا زوّج الرجل أمته من غيره ، وسمّى لها مهرا معينا ، ثمّ باع المولى الجارية قبل الدخول بها ، لم يكن له المطالبة بشي‌ء من المهر ، لأنّ كلّ فسخ جاء من قبل النساء قبل الدخول بهن ، فإنّه يبطل مهورهن ، وهذا فسخ جاء من قبل مولى الجارية.

وكذلك ليس لمن يشتريها أيضا المطالبة بالمهر ، إلا أن يرضى بالعقد ، فإن رضي المشتري بالعقد ، كان رضاه كالعقد المستأنف ، وله حينئذ المطالبة بالمهر كملا.

فإن طلّقها الزوج قبل الدخول ، استحق المشتري نصفه ، وإن طلّقها بعد الدخول ، استحقه كلّه ، فإن كان الزوج قد دخل بها قبل أن يبيعها مولاها

__________________

(١) الوسائل : الباب ٧٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

(٣) الوسائل : الباب ٣ من أبواب أحكام العيوب.

٦٤١

الأول ، فإنّ المهر للمولى الأول ، يستحقه جميعه ، لأنّ بالدخول يستقر جميع المهر ، وله المطالبة به ، فإن رضي المولى الثاني الذي هو المشتري بالعقد الأوّل ، لم يكن له مهر على الزوج ، لأنّ عقدا واحدا لا يستحق عليه مهران ، وإن لم يرض بالعقد الأوّل انفسخ النكاح ، وكان للمولى الأول المطالبة بكمال المهر ، إن لم يكن استوفاه ، ولا قبضه ، فهذا تحرير هذه الفتيا.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا زوّج الرجل أمته من غيره وسمّى لها مهرا معيّنا ، وقدّم الرجل من جملة المهر شيئا معيّنا ، ثمّ باع الرجل الجارية ، لم يكن له المطالبة بباقي المهر ، ولا لمن يشتريها ، إلا أن يرضى بالعقد (١).

وأطلق الكلام ، ولم يفصّله.

وقال في مبسوطة : وإذا زوّج الرجل أمته ، كان له بيعها ، فإذا باعها ، كان بيعها طلاقها عندنا ، وخالف الجميع في ذلك ، وقالوا : العقد باق بحاله.

ثمّ قال : فأمّا المهر ، فإن كان الزوج قد دخل بها ، فقد استقر المهر ، فإن كان السيد الأوّل قبضه ، فذلك له ، وإلا كان الثاني مطالبة الزوج به ، وإن لم يكن دخل بها ، لم يجب على الزوج تسليم المهر ، وإن كان الزوج قد أقبضه ، استردّه ، وإن لم يكن أقبضه ، لم يكن عليه إقباضه.

ثم قال : والمهر فلا يخلو من ثلاثة أحوال ، إمّا أن يكون صحيحا أو فاسدا أو مفوّضة ، فإن كان صحيحا وهو المسمّى بالعقد ، كان للسيد الأول ، لأنّه وجب في ملكه ، وإن كان فاسدا لزمه مهر المثل بالعقد ، وكان للسيد الأول ، لأنّه وجب بالعقد ، وكانت حين العقد في ملكه ، وأمّا المفوضة وهو أن يكون نكاح بلا مهر ، أو يقول زوجتكها على أن لا مهر لها ، فالمهر لا يجب بالعقد ، لكن السيد يفرض مهرا ، فإذا فرض لها المهر ، فإن كان قبل البيع فهو للأول ،

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

٦٤٢

لأنّه وجب والملك له ، فإن كان الفرض بعد البيع ، قيل : فيه وجهان ، أحدهما انه للثاني ، والثاني انه للأوّل.

وهكذا إذا زوج أمته مفوضة ، ثمّ أعتقها ، ثمّ فرض المهر ، فيه وجهان ، أحدهما لها والثاني كان لسيدها على ما قلناه ، وعلى ما قدّمناه ، من أنّ بيعها طلاقها ، فالمهر إن كان قد قبضه الأول فهو له ، فإن كان بعد الدخول فقد استقر ، وإن كان قبل الدخول فعليه أن يردّ نصفه ، وإن كان لم يقبضه ، فلا مهر لها ، لا للأول ولا للثاني ، فإن اختار المشتري إمضاء العقد ، ولم يكن قد قبض الأول المهر ، كان للثاني ، لأنّه يحدث في ملكه ، فإن دخل بها بعد الشراء ، استقر له الكلّ ، وإن طلّقها قبل الدخول ، كان عليه نصف المهر للثاني ، وإن كان الأول قد قبض المهر ، ورضي الثاني بالعقد ، لم يكن له شي‌ء ، لأنّه لا يكون مهران في عقد واحد (١).

هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطة ، فأوردته هاهنا ، ليوقف عليه ، ويتأمّل ، والذي حررناه واخترناه ، هو الذي تقتضيه أصول مذهبنا.

وإذا زوّج الرجل مملوكا له بامرأة حرة ، كان المهر لازما في ذمّة المولى ، فإن باع العبد قبل الدخول بها ، وجب على المولى كمال المهر ، وروي نصف المهر (٢) أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

والذي يقتضيه أصول المذهب ، وجوب المهر كملا على المولى ، لأنّ عندنا يجب المهر كملا بمجرد العقد ، ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول ، وما عدا الطلاق فلا يسقط منه شيئا ، وهذا ما طلّق ، وحمل ذلك على الطلاق قياس ،

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، فصل فيمن يجوز العقد عليهن من النساء ، ومن لا يجوز ، وفي العبارة تقطيع.

(٢) الوسائل : الباب ٦٠ من أبواب المهور.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

٦٤٣

وأيضا حقوق الآدميين إذا وجبت ، لا تسقط إلا بدليل ، وأجمعنا على سقوط نصفه بالطلاق ، فأمّا غيره فلا إجماع عليه.

وإذا زوّج الرجل جاريته من رجل حر ، ثمّ أعتقها ، فإن مات زوجها ورثته ، ولزمتها عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإن علّق عتقها بموت زوجها ، ثمّ مات الزوج ، لم يكن لها ميراث ، وكان عليها عدّة الحرة المتوفّى عنها زوجها (١).

قال محمّد بن إدريس : هذه رواية شاذة ، أوردها إيرادا ، لا اعتقادا.

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، أنّ العتق باطل ، لأنّ العتق بشرط ، بإجماعنا غير صحيح ، وليس هذا تدبيرا ، لأنّ حقيقة التدبير تعليق عتق المملوك بموت سيده ، دون موت غيره ، لأنّه بغير خلاف عندنا بمنزلة الوصيّة ، وإلا ما كان يصح ذلك أيضا لو لا الإجماع المنعقد عليه ، فإذا لم ينعتق ، كان يلزمه على مذهبه أن تكون عدّتها شهرين وخمسة أيام ، على ما ذهب إليه في نهايته ، والأظهر أنّ عدّة الأمة المتوفّى عنها زوجها ، عدّة الحرة سواء ، على ما سنبيّنه فيما بعد ان شاء الله.

وقال أيضا في نهايته : فإن أعتق الرجل أم ولده ، فارتدت بعد ذلك ، وتزوّجت رجلا ذميّا ، ورزقت منه أولادا ، كان أولادها من الذمّي رقّا للذي أعتقها ، فإن لم يكن حيّا ، كانوا رقّا لأولاده ، ويعرض عليها الإسلام ، فإن رجعت ، وإلا وجب عليها ما يجب على المرتدة عن الإسلام (٢).

قال محمّد بن إدريس : الذي يقتضي مذهبنا ، أنّ أولادها لا يكونون رقّا ، لأنّه لا دليل على ذلك من كتاب ، أو سنّة ، أو إجماع ، بل الإجماع بخلافه ، لأنّ ولد الحرّين حرّ بلا خلاف ، وانّما هذه رواية شاذة ، أوردها شيخنا إيرادا لا اعتقادا ، كما أورد أمثالها ممّا لا يعمل عليه ، ولا يلتفت إليه.

__________________

(١) و (٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب السراري وملك الايمان.

٦٤٤

وإذا كان لرجل جارية ورزق منها ولدا ، لم يجز له بيعها ما دام الولد باقيا ، فإن مات الولد جاز له بيعها ، ويجوز بيعها مع وجود الولد في ثمن رقبتها ، إذا لم يكن مع المولى غيرها ، وكان ثمنها بعينه دينا عليه ، فحينئذ يجوز بيعها عند أصحابنا ، ودليل ذلك إجماعهم عليه ، وأيضا الأصل الملكية ، فمن أخرجها من الملك ، يحتاج إلى دليل ، وأيضا لا خلاف أنّ ديتها ، لو قتلت دية المماليك ، وهي قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرائر ، وأيضا لا خلاف في جواز وطئها للسيد ، والوطء لا يحل إلا بعقد أو بملك يمين ، فإن كان ولدها أعتقها ، فلا يحلّ لمولاها وطؤها إلا بعقد ، والإجماع حاصل منعقد على أنّه يحلّ له وطؤها من غير عقد ، وأيضا يصح كتابتها بإجماع المسلمين ، وجميع أحكامها أحكام المماليك.

وذهب السيد المرتضى من أصحابنا ، في كتابه الانتصار ، فقال : مسألة ، ومما انفردت به الإماميّة ، القول بجواز بيع أمهات الأولاد بعد وفاة أولادهن ، ولا يجوز بيع أم الولد وولدها حي ، وهذا هو موضع الانفراد (١) ، هذا آخر كلام المرتضى رضى الله عنه.

فإن مات الرجل ولم يخلّف غيرها ، وكان ثمن رقبتها دينا على مولاها ، بيعت وقضي بثمنها دينه ، فإن كان له مال غيرها قضى الدين به ، وجعلت في نصيب ولدها ، وتنعتق.

ولا يجوز للرجل أن يتزوّج بمكاتبة غيره قبل أن يقضي مكاتبتها ، سواء كانت المكاتبة مطلقة أو مشروطة ، لأنّها لم تخلص للحرية ، وحق السيد متعلّق بها ، والفرج لا يتبعض ، فالمشروطة جميعها رق ، والمطلّقة لم يتحرر جميعها بل يتحرر منها بمقدار ما أدّت فحسب.

باب أحكام الولادة والعقيقة والسنّة فيهما وحكم الرضاع

إذا حضر المرأة الولادة ، فليتول أمرها النساء ، ولا يقربها أحد من الرجال

__________________

(١) الانتصار : كتاب التدبير ، المسألة ٩.

٦٤٥

إلا عند عدم النساء ، فذوات المحارم (١) منها من الرجال.

وإذا ولد المولود يستحب أن يغسل بالماء ، ويؤذّن في اذنه الأيمن ، ويقام في اذنه الأيسر ، ويحنّك بالماء الفرات المتشعب من أنهار شتى إن وجد ، فإن لم يوجد فبماء عذب ، فإن لم يوجد الإماء ملح مرس فيه شي‌ء من العسل ، أو التمر ، ثم يحنّك به ، ويستحب أن يحنّك بتربة الحسين عليه‌السلام.

ومن حقّ الولد على والده ، ان يحسن اسمه ، ويستحبّ من الأسماء أسماء الأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وأفضلها اسم نبينا والأئمة من ذريته عليهم‌السلام ، وبعد ذلك العبودية لله تعالى ، دون خلقه.

ولا بأس أن يكنّى الرجل ابنه في حال صغره ، ولا يكنّه أبا القاسم إذا كان اسمه محمّدا ، لأنّ هذه الكنية مخصوصة بالنبي والقائم ابن الحسن عليهما‌السلام وروي أنّه يكره أن يسمّى الرجل ابنه حكما ، أو حكيما ، أو خالدا ، أو مالكا ، أو حارثا (٢).

وإذا كان يوم السابع يستحب للإنسان أن يعق عن ولده بكبش ، إن كان ذكرا ، أو نعجة إن كان أنثى.

والعقيقة سنّة مؤكدة ، لا يتركها مع الاختيار ، فهي شديدة الاستحباب.

وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّها على الإيجاب ، وهو اختيار السيد المرتضى والمذهب الأول ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، ولا إجماع على ذلك.

فإن لم يعق الوالد عن ولده ، ثمّ أدرك ، استحبّ له أن يعق عن نفسه ، ولا يقوم في الاستحباب مقام العقيقة ، الصدقة بثمنها.

وإذا لم يتمكن من العقيقة يوم السابع ، استحبّ له قضاؤها إذا تمكّن منها.

ويستحبّ أيضا أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ، ويتصدّق بوزن شعره

__________________

(١) ل : فإذا عدم النساء فذووا المحارم.

(٢) الوسائل : الباب ٢٨ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ١ ـ ٢.

٦٤٦

ذهبا أو فضّة ، ويكون ذلك مع العقيقة في موضع واحد.

وكلّ ما يجزي في الأضحية فهو جائز في العقيقة ، إلا أنّ الأفضل ما قدّمناه ، ان يعق عن الذكر بالذكر ، وعن الأنثى بالأنثى ، فإن لم يوجد ووجد حمل كبير جاز ذلك أيضا.

وإذا ذبح العقيقة فيستحبّ أن يعطى القابلة ربعها الذي يلي الورك بالفخذ ، فإن لم يكن له قابلة ، أعطى أمه ذلك تتصدّق به ، ولا تأكل منه ، وإن كانت القابلة ذميّة أعطيت ثمن الربع ، وإن كانت القابلة أم الوالد أو من هو في عياله ، لم تعط من العقيقة شيئا.

ويستحب أن يطبخ اللحم ، ويدعى عليه جماعة من المؤمنين أقلّهم عشرة أنفس ، ويكره أن يكونوا كلّهم أغنياء ، وكلّما كثر عددهم كان أفضل ، فإن لم يطبخ اللحم وفرّق على الفقراء كان أيضا جائزا ، إلّا أنّ الأول أفضل ، لأنّه السنة المؤكدة.

ويكره للوالدين أن يأكلا من العقيقة كراهية شديدة ، دون أن يكون ذلك محظورا ، وقال ابن بابويه من أصحابنا : إن أكلت الأم منها فلا ترضعه.

وقال شيخنا في نهايته : ولا يجوز للوالدين أن يأكلا من العقيقة البتة (١).

وذلك منه « رضي‌الله‌عنه » على طريق تأكيد الكراهة ، لأنّ الشي‌ء إذا كان شديد الكراهة قيل : لا يجوز.

ولا ينبغي أن يكسر العظم فيها ، بل يفصل الأعضاء تفؤلا بالسلامة.

ويستحب أن يختن الصبي يوم السابع ، ولا يؤخّره ، فإن أخّر لم يكن فيه حرج إلى وقت بلوغه ، فإذا بلغ وجب عندنا ختانه ، ولا يجوز تركه على حال.

وأمّا خفض الجواري فإن فعل كان فيه فضل ، وإن لم يفعل لم يكن بذلك بأس.

ومتى أسلم الرجل وهو غير مختتن ، ختن وإن كان شيخا كبيرا.

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب الولادة والعقيقة ..

٦٤٧

وإذا مات الصبي يوم السابع ، فإن مات قبل الظهر لم يعق عنه ، وإن مات بعد الظهر استحبّ أن يعق عنه.

وقد روي كراهة أن يترك للصبيان القنازع (١) ، وهو أن يحلق موضع من رأسه ، ويترك موضع.

ولا بأس أن يحلق الرأس كلّه للرجال ، بل ذلك مستحب ، وكذلك إزالة الشعر من جميع البدن على ما روي في الاخبار (٢) ، وروي أنّ ذلك مكروه للشباب (٣) ، أورد ذلك الصفواني في كتابه ، فقال : وقد روي أنّ حلق الرأس مثلة بالشباب ، ووقار بالشيخ.

وإذا ولد الصبي فمن السنّة أن يرضع حولين كاملين ، لا أقلّ منهما ولا أكثر ، فإن نقص عن الحولين مدة ثلاثة أشهر لم يكن به بأس ، فإن نقص عن ذلك لم يجز ، وكان جورا على الصبي ، وفقه ذلك ، أنّ أقلّ الحمل عندنا ستّة أشهر ، وأكثره على الصحيح من المذهب تسعة أشهر ، قال الله تعالى ( وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (٤) ولا بأس أن يزاد على الحولين في الرضاع ، في الرضاع ، إلا أنّه لا يكون أكثر من شهرين ، على ما روي (٥).

ولا يستحق المرضعة الأجر على ما يزيد على الحولين في الرضاع.

وأفضل الألبان التي ترضع بها الصبي لبان الام ، اللبان بالكسر كالرضاع ، يقال : هو أخوه بلبان أمه ، قال ابن السكيت : ولا يقال بلبن أمه ، انّما اللبن الذي يشرب من ناقة أو شاة أو بقرة ، واللبان بالفتح ما جرى عليه اللبب من صدر الفرس ، واللبان بالضم الكندر.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦٦ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ١ و ٣.

(٢) الوسائل : الباب ٦٠ من أبواب آداب الحمام ، ح ٤ و ٨.

(٣) الوسائل : الباب ٦٠ من أبواب آداب الحمام ، ح ١٠.

(٤) الأحقاف : ١٥.

(٥) لم نتحققه في الكتب الروائيّة وفي المسالك في الحضانة وذكروا أنّه مروي.

٦٤٨

فإن كانت امه حرة واختارت رضاعه ، كان لها ذلك ، وإن لم تختر فلا تجبر على رضاع ولدها ، فإن طلبت الأجر على رضاعه وكانت في حبال أبيه غير مطلّقة منه طلاقا لا رجعة فيه ، فلا تستحق أجرا ، ولا ينعقد بينها وبين زوجها عقد إجارة ، لأنّ منافعها في كلّ وقت مستحقة للزوج بعقد النكاح ، فيما يرجع إلى أحكام الوطء وتوابعه ، على ما قدّمناه في باب الإجارة (١) وحرّرناه ، وإن كانت مطلّقة طلاقا لا يملك الزوج الرجعة فيه ، فلها أن تعقد على نفسها لرضاع ولدها ، وسيجي‌ء بيان ذلك.

وقد روي (٢) أنّه إن كانت امه جارية ، جاز أن تجبر على رضاعه.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإن طلبت الحرة أجر الرضاع ، كان لها ذلك على أب الولد ، فإن كان أبوه مات ، كان أجرها من مال الصبي (٣).

وأطلق ذلك إطلاقا.

وقال في مسائل خلافه ، في الجزء الثالث في كتاب الرضاع : مسألة ، ليس للرجل أن يجبر زوجته على الرضاع لولدها ، شريفة كانت أو مشروفة ، موسرة أو معسرة ، دنية أو نبيلة ، وبه قال أبو حنيفة والشافعي ، وقال مالك : له إجبارها إذا كانت معسرة دنية ، وليس له ذلك إذا كانت شريفة موسرة ، وقال أبو ثور : له إجبارها عليه على كلّ حال ، لقوله تعالى ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) (٤) وهذا خبر معناه الأمر ، فإذا ثبت وجوبه عليها ، ثبت انه يملك إجبارها ، لانه إجبار على واجب ، دليلنا أن الأصل براءة الذمة ، والإجبار يحتاج الى دليل ، والآية محمولة على الاستحباب ، وعليه إجماع الفرقة ، وأخبارهم ، تشهد بذلك.

__________________

(١) راجع ص ٤٧١ من الكتاب.

(٢) الوسائل : الباب ٦٨ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ١.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب الولادة والعقيقة ..

(٤) البقرة : ٢٣٣.

٦٤٩

ثمّ قال بعد هذه المسألة : مسألة ، البائن إذا كان لها ولد يرضع ، ووجد الزوج من يرضعه تطوّعا ، وقالت الأم : أريد أجرة المثل ، كان له نقل الولد عنها ، وبه قال أبو حنيفة وقوم من أصحاب الشافعي ، ومن أصحابه من قال : المسألة على قولين أحدهما مثل ما قلناه ، والثاني ليس له نقله عنها ، ويلزمه اجرة المثل ، وهو اختيار أبي حامد ، دليلنا قوله تعالى ( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (١) وهذه إذا طلبت الأجرة وغيرها يتطوع ، فقد تعاسرا ، واستدلّ أبو حامد بقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (٢) فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته ، ولم يفصّل ، وهذا ليس بصحيح ، لأنّ الآية تفيد لزوم الأجرة إن أرضعته ، وذلك لا خلاف فيه ، وانّما الكلام في أنّه يجب دفع المولود إليها ليرضع أم لا؟ وليس كذلك في الآية (٣) هذا آخر كلامه رضي‌الله‌عنه.

ففصّل القول في مسائل خلافه ، وذكر البائن وغير البائن.

قال محمّد بن إدريس : ما تمسّك به أبو حامد قوي وبه أفتي ، وعليه أعمل لقوله تعالى ( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته ، ولم يفصّل بين من هي في حباله أو بائن عنه ، وهو الظاهر من أقوال أصحابنا ، أعني استحقاقها الأجرة ، وصحّة العقد عليها للرضاع ، سواء كانت بائنا عنه ، أو في حبال زوجها ، إلا أنّه لا يجبرها على الرضاع ، وهذا اختيار السيد المرتضى ، وما ذكرناه أولا مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطة (٤) ، والذي اخترناه مذهبه في نهايته (٥) ، وهو المنصوص عن الأئمة الأطهار (٦).

__________________

(١) الطلاق : ٦.

(٣) الخلاف : كتاب النفقات ، المسألة ٣٤.

(٤) المبسوط : ج ٦ ، كتاب النفقات ، ص ٣٧ ـ ٣٨.

(٥) النهاية : كتاب النكاح ، باب الولادة والعقيقة ..

(٦) الوسائل : الباب ٧١ و ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ١ و ٢ و ٣ و ٥.

٦٥٠

ومتى وجد الرجل من يرضع ولده بأجرة مخصوصة ، ورضيت الام بذلك ، كانت هي أولى به من غيرها ، فإن طلبت أكثر من ذلك انتزعه منها.

وإذا بانت المرأة من الرجل ، ولها ولد منه ، فإن كان ذكرا ، فالأم أولى بحضانته من الأب ، وأحقّ به مدة حولين ، فإذا زاد على الحولين ، فالوالد أحقّ به منها ، فإن كان الولد أنثى فالأم أحق بها إلى سبع سنين ، ما لم تتزوج الأم ، فإن تزوّجت سقط حقّها من حضانة الذكر والأنثى ، فإن طلّقها من تزوج بها طلاقا رجعيا ، لم يعد حقّها من الحضانة ، وإن كان بائنا فالأولى أنّه لا يعود ، لأنّ عوده يحتاج إلى دليل.

وقال بعض أصحابنا : يعود حقّها من الحضانة ، واحتجّ بأنّ الرسول عليه‌السلام علّق حقّها بالتزويج (١) ، فإذا زال التزويج فالحقّ باق على ما كان.

وهذا ليس بمعتمد ، لأنّ الرسول عليه‌السلام لما سألته المرأة عن الولد ، وانّ أباه طلّقني ، وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

أنت أحقّ به ما لم تنكحي (٢).

وروى أبو هريرة عنه عليه‌السلام أنّه قال : الأم أحقّ بحضانة ابنها ما لم تتزوج (٣) ، فجعل عليه‌السلام غاية الاستحقاق للحضانة التي يستحقها الام تزويجها ، وهذه قد تزوّجت ، فخرج الحقّ منها ، ويحتاج في عوده إليها إلى شرع.

ولا خلاف أيضا في أنّ المعتدة عدّة رجعية لها السكنى على الزوج ، ولا يحلّ له إخراجها من المنزل ، إلا أن تأتي بفاحشة مبيّنة ، فإذا أتت بها أخرجها ، فإذا أقيم عليها الحدّ ، لا يعود حقّها من السكنى بلا خلاف.

وكذلك إذا آذت أهل الزوج ، فله إخراجها ، فإذا تركت أذاهم لا يعود حقّها إليها من السكنى بلا خلاف.

__________________

(١) مستدرك الوسائل : الباب ٥٨ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ٥.

(٢) و (٣) مستدرك الوسائل : الباب ٥٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٦ و ٥.

٦٥١

والحضانة غير الرضاع ، لأنّ الأم إذا لم ترض في اجرة الرضاع بما يرضاه الغير ، انتزعه الأب منها مع ثبوت الحضانة لها في هذه الحال ، فإذا أرضعته الأجنبية التي رضيت بدون ما رضيت به امه ، كان للأم حضانته ، ثمّ إذا احتاج إلى اللبن ترضعه المرضعة ، ثمّ تأخذه الأم بحقّ الحضانة ، إذا روى من اللبن ، ثمّ هكذا ، فليلحظ ذلك.

وإن كان الوالد قد مات كانت الأم أحق بحضانته من الوصي ، إلى أن يبلغ ، ذكرا كان أو أنثى ، تزوّجت أو لم تتزوج ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (١) ولا خلاف أنّ الأم أقرب إليه بعد الأب من كلّ أحد.

فإن كان الأب مملوكا والام حرّة كانت هي أحقّ بولدها من الأب ، وإن تزوجت ، إلى أن يعتق الأب ، فإذا أعتق كان أحقّ به منها ، على الاعتبار الذي قدّمناه.

وينبغي إذا أراد الإنسان أن يسترضع لولده ، فلا يسترضع إلا امرأة عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة الوجه ، فإنّه روي أنّ اللبن يعدي (٢) ، ولا يسترضع كافرة مع الاختيار ، فإن اضطر إليها فليسترضع يهودية أو نصرانية ، ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، وتكون معه في منزله ، ولا يسلّم الولد إليها لتحمله إلى منزلها.

ولا يسترضع من ولد من الزنا مع الاختيار أيضا.

ولا بأس باسترضاع الإماء ، وقد روي أنّه إذا كانت له أمة ، قد ولدت ، وكانت ولدت من الزنا ، واحتاج إلى لبنها ، فليجعلها في حلّ من فعلها ، ليطيب بذلك لبنها (٣).

وإذا سلّم الرجل ولده إلى ظئر ، ثمّ جاءت به بعد أن فطمته ، فأنكره الرجل ، وقال : هذا ليس بولدي ، لم يكن له ذلك ، لأنّ الظئر مأمونة.

ومتى تسلّمت الظئر الولد ، وسلّمته إلى ظئر أخرى ، كانت ضامنة إلى أن

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

(٢) الوسائل : الباب ٧٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل : الباب ٧٥ من أبواب أحكام الأولاد ، ح ٢ و ٣ و ٥.

٦٥٢

تجي‌ء به ، فإن لم تجئ به ، كان عليها الدية.

وقال شيخنا المفيد في مقنعته : الأم أحقّ بالولد الذكر مدة الحولين ، وبالأنثى مدة تسع سنين (١).

وقال شيخنا في نهايته : سبع سنين في الأنثى (٢).

وقال في مسائل خلافه : مسألة ، إذا بانت المرأة من الرجل ، ولها ولد منه ، فإن كان طفلا لا يميّز ، فهي أحقّ به بلا خلاف ، وإن كان طفلا يميّز ، وهو إذا بلغ سبع سنين ، أو ثمان سنين فما فوقها إلى حد البلوغ ، فإن كان ذكرا فالأب أحقّ به ، وإن كان أنثى فالأم أحقّ بها ما لم تتزوّج ، فإن تزوّجت فالأب أحقّ بها ، ثمّ قال : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (٣) هذا آخر كلامه رضي‌الله‌عنه.

قال محمّد بن إدريس : ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه ، بعضه قول بعض المخالفين ، وما اخترناه هو الصحيح ، لأنّه لا خلاف أنّ الأب أحقّ بالولد في جميع الأحوال ، وهو الوالي عليه والقيّم بأموره ، فأخرجنا بالإجماع الحولين في الذكر ، وفي الأنثى السبع ، فمن ادّعى أكثر من ذلك يحتاج فيه إلى دليل قاطع ، وهو مذهب شيخنا في نهايته ، والعجب قوله في آخر المسألة : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وهذا ممّا يضحك الثكلى ، من أجمع منهم معه؟ وأيّ أخبار لهم في ذلك؟ بل أخبارنا بخلافه واردة ، وإجماعنا بضد ما قاله رحمه‌الله.

قال بعض أصحابنا : الأخت من الأب أولى بالحضانة من الأخت للأم ، ثمّ استدل بآية الميراث ، لأنّ لها النصف ، ولهذه السدس ، فكانت أولى لقوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (٤).

وهذا ليس بمعتمد ، لأنّهما جميعا مسميتان ، كلّ واحدة بنفسها تتقرب إليه.

__________________

(١) المقنعة : كتاب النكاح باب الحكم في أولاد المطلقات ص ٥٣١.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب الولادة والعقيقة ..

(٣) الخلاف : كتاب النفقات ، المسألة ٣٦.

(٤) الأنفال : ٧٥.

٦٥٣

والجدات أولى بالولد وبحضانته من الأخوات ، وأم الأب أولى من الخالة بحضانة الولد ، ولأب الأم وأم أب الأم حضانة ، إذا لم يكن أم وهناك أم أم أو جدة أم أم ، وهناك أب ، فالأب أولى ، وقال الشافعي : أم الأم وجدّاتها أولى من الأب وإن علون ، دليلنا قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) فالأب أقرب بلا شك ، لأنّه يدلي بنفسه ، وكذلك إذا كان مع الأب أخت من أم ، أو خالة ، أسقطهما ، والعمة والخالة إذا اجتمعتا تساويتا بلا خلاف ، وإن كانت العمة أكثر من الخالة في الميراث ، وهذا دليل على بطلان القول بأنّ الأخت للأب أولى بالحضانة من الأخت للأم ، بالاعتبار الذي اعتبره.

وإذا اجتمع أم أب وجد تساويا في الحضانة.

وأخت لأب وجدّ منهما متساويان أيضا.

ولا حضانة لأحد من العصبة مع الام ، لقوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) والام أقرب من العصبة ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله في مسائل خلافه ، وهو من تخريجات المخالفين ، ومعظمه قول الشافعي ، وبناؤهم على القول بالعصبة ، وذلك عندنا باطل.

ولا حضانة عندنا إلا للأم نفسها ، وللأب ، فأمّا غيرهما فليس لأحد ولاية عليه ، سوى الجد من قبل الأب خاصة.

وإذا مرض المملوك مرضا يرجى زواله ، فعلى مالكه نفقته بلا خلاف ، فأمّا إذا زمن زمانة مقعدة ، أو عمى ، أو جذم فعند أصحابنا أنّه يصير حرّا ، وينعتق على مولاه من غير اختياره ، فحينئذ لا يلزم المولى نفقته ، لأنّه ليس بعبده.

وقد بينا فيما مضى أنّ بمجرد عقد النكاح يجب المهر المسمّى ، فأمّا النفقة فإنّما تجب يوما بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع ، فإذا ثبت ما قلناه ، فإن استوفت نفقة هذا اليوم فلا كلام ، وإن لم تستوف استقرت في ذمته ، وعلى هذا أبدا ، هذا إذا كانت ممكنة من الاستمتاع.

٦٥٤

وإذا أسلف زوجته نفقة شهر ، ثم مات ، أو طلّقها بائنا ، فلها نفقة يومها ، وعليها ردّ ما زاد على اليوم.

نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة بلا خلاف ، إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه (١) ، فإنّه ذهب إلى أنّها مقدّرة ، ومبلغها مدّ ، وقدره رطلان وربع ، ثمّ استدل رحمه‌الله بإجماع الفرقة وأخبارهم ، وهذا عجيب منه رضي‌الله‌عنه ، والسبر بيننا وبينه ، فانّ أخبارنا لم يرد منها خبر بتقدير نفقة ، وأمّا أصحابنا المصنّفون فما يوجد لأحد منهم في تصنيف له تقدير النفقة ، إلا من قلده وتابعه أخيرا ، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى ( وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (٢) أي بما يتعارف الناس ، وأيضا الأصل براءة الذمة من التقدير ، فمن ادّعى شيئا بعينه فإنّه يحتاج إلى دليل ، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة.

وإذا كان الزوج كبيرا والمرأة صغيرة لا تجامع مثلها ، لا نفقة لها ، وكذلك إذا كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرا لا نفقة لها ، وإن بذلت التمكين من الاستمتاع ، هكذا أورده شيخنا في مسائل خلافه (٣).

والأولى عندي أنّ على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة ، لعموم وجوب النفقة على الزوجة ، ودخوله مع العلم بحالها ، وهذه ليست ناشزة ، والإجماع منعقد على وجوب نفقة الزوجات ، فليتأمّل ذلك.

وإذا كانا صغيرين لا نفقة لها.

وإذا أحرمت بغير اذن الزوج ، فإن كان في حجّة الإسلام لم يسقط نفقتها عنه ، وإن كانت الحجة تطوعا سقطت.

وكذلك إذا نشزت المرأة سقطت نفقتها.

وإذا اختلف الزوجان بعد ان سلّمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة ،

__________________

(١) الخلاف : كتاب النفقات ، المسألة ٣.

(٢) النساء : ١٩.

(٣) الخلاف : كتاب النفقات ، المسألة ٤.

٦٥٥

فالقول قولها مع يمينها ، لأنّها المنكرة والزوج المدّعي ، فيحتاج إلى بيّنة ، لقوله عليه‌السلام : « على المدّعي البيّنة ، وعلى الجاحد اليمين » (١).

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في الجزء الثالث من كتاب النفقات : مسألة ، إذا اختلف الزوجان بعد ان سلّمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة ، فالذي رواه أصحابنا أنّ القول قول الزوج ، وعليها البيّنة ، إلا أنّه رجع عن هذا في الجزء الثاني في كتاب الصداق ، وقال : إذا اختلفا في قبض المهر ، فانّ على الزوج البينة ، وعلى المرأة اليمين (٢).

وهذا هو الصحيح الحقّ اليقين.

إذا ارتدت الزوجة سقطت النفقة ، ووقف النكاح على انقضاء العدة ، فإن عادت في زمان العدّة ، وجبت نفقتها في المستأنف ، ولا يجب لها شي‌ء لما فات في الزمان الذي كانت مرتدة فيه.

وإذا أعسر الزوج ، ولم يقدر على النفقة على زوجته لم تملك الفسخ عليه ، وعليها الصبر إلى أن أيسر.

المطلّقة البائن لا نفقة لها في عدّتها ، فإن كانت حاملا فلها النفقة بلا خلاف ، لقوله تعالى ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (٣) والأمر يقتضي الفور.

ويجب على الوالد نفقة الولد إن كان موسرا ، وإن لم يكن أو كان وهو معسر ، فعلى جدّه ، فإن لم يكن أو كان وهو معسر ، فعلى أب الجد ، وعلى هذا أبدا.

وإذا لم يكن أب ولا جدّ ، أو كانا وهما معسران ، فنفقته على امّه.

وإذا اجتمع جدّ أبو أب وإن علا وأم ، كانت نفقته على الجدّ دون الأم ، لأنّ الجد يتناوله اسم الأب ، والأب أولى بالنفقة على ولده من الام بالاتفاق.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) الخلاف : كتاب النفقات ، المسألة ١٢.

(٣) الطلاق : ٦.

٦٥٦

وإذا اجتمع أم الأم وأم الأب ، أو أبو أم وأم أب ، فيهما سواء ، لأنّهما تساويا في الدرجة.

تجب النفقة على الأب والجدّ معا.

وكذلك يجب على الإنسان أن ينفق على امّه ، وأمهاتها ، وإن علون.

إذا كان أبواه معسرين ، وليس يفضل عن كفايته إلا نفقة أحدهما ، كان بينهما بالسوية ، وكذلك إذا كان له أب وابن ، ومعه ما يفضل لنفقة أحدهما ، قسّم بينهما بالسوية ، لأنّهما متساويان في النسب الموجب للنفقة ، وتقديم أحدهما على صاحبه يحتاج إلى دليل.

إذا كان له أب وأبو أب معسران ، أو ابن وابن ابن معسران ، ومعه ما يكفي لنفقة أحدهما ، أنفق على الأب دون الجدّ ، وعلى الابن دون ابن الابن ، لقوله تعالى « وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ».

إذا كان الرجل معسرا ، وله أب وابن موسران ، كانت نفقته عليهما بالسوية.

باب إلحاق الأولاد بالآباء وأحكامهم وما في ذلك

إذا ولدت امرأة الرجل ولدا على فراشه ، ومعنى ذلك أن تلد منذ دخل بها بعد مضي ستة أشهر فصاعدا ، لزمه الإقرار به ، فإن اختلفا في الولادة ، فالقول قوله ، لأنّها يمكن أن تقيم عليه البيّنة على الولادة (١) ، فإن اتفقا على الولادة واختلفا في النسب ، فالقول قولها ، ويلحق به الولد ، ولا يجوز له نفيه ، فإن نفاه فيحتاج إلى اللعان ، فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر حيّا سليما ، فيجب عليه نفيه ، لأنّه ليس بولد له ، وكذلك إن جاءت بولد لأكثر من تسعة أشهر ، كان له نفيه ، إلا أنّه متى نفاه ورافعته المرأة إلى الحاكم بعد دخوله بها ، كان عليه

__________________

(١) ج : لأنّها يمكن أن تقيم عليها البيّنة.

٦٥٧

ملاعنتها إذا جاءت به لأكثر من مدّة الحمل ، فأمّا إن جاءت به لأقلّ من ستة أشهر منذ يوم العقد والدخول ، فلا يجب عليه ملاعنتها ، لأنّ هذا الولد مقطوع محكوم من جهة الشارع أنّه ليس بابن له.

ومتى أقر الرجل بولد وقبله ، ثمّ نفاه بعد ذلك ، لم يقبل نفيه ، والزم الولد.

ومتى طلّق امرأته أو باع جاريته ، فتزوجت المرأة ووطئت الجارية ، ثمّ أتت بولد لأقلّ من ستة أشهر فإن كان منذ وطء الثاني ، كان لا حقا بالأوّل ، وإن كان الولد لستة أشهر فصاعدا ، كان لاحقا ممن عنده المرأة والجارية.

ومتى كان للرجل جارية ، فوطأها ثم باعها من آخر ، فوطأها أيضا قبل أن يستبرئها (١) ، كلّ ذلك في طهر واحد ثم جاءت بولد كان لاحقا بالأخير الذي عنده الجارية.

وإذا كانت الجارية بين شريكين ، أو أكثر منهما ، فوطئاها جميعا في ظهر واحد ، وجاءت بولد ، أقرع بينهما الحاكم ، فمن خرج اسمه ، الحق الولد به وغرم نصف ثمنه للشريك الآخر ، وكذلك يغرم ما يخصه من الأم الجارية.

ومتى وطأ امرأته أو جاريته ، وكان يعزل عنهما ، وكان الوطء في القبل ، وجاءت المرأة بولد ، وجب عليه الإقرار به ، ولا يجوز له نفيه ، لمكان العزل ، فإن نفاه كان عليه اللعان. فأمّا جاريته إذا نفاه ، فالقول قوله من غير لعان.

وحكم ما يولد له من النكاح المؤجل حكم الجارية السرية ، في أنّه إذا عزل عنها وكان يطؤها في قبلها وجاءت بولد ، يجب عليه إلحاقه والإقرار به ، ولا يجوز له غير ذلك ، ولا يحلّ له سواه ، فإن نفاه أثم وكان معاقبا ، ولا يجب عليه اللعان كما يجب في نفي أولاد النكاح الدائم ، فهذا فرق ما بين النكاحين ، فليلحظ ذلك.

وإذا كان للرجل امرأة لم يدخل بها ، أو يكون قد دخل بها غير أنّه يكون قد غاب عنها غيبة تزيد على زمان الحمل ، وجاءت امرأته أو جاريته بولد ، لم يكن

__________________

(١) ج : ومتى كان للرجل جارية فوطئاها ، ثم باعها من آخر قبل أن يستبرئها ، فوطأها الذي اشتراها قبل أن يستبرئها ، ثم باعها من آخر فوطئها قبل أن يستبرئها.

٦٥٨

ذلك ولدا له ، ووجب عليه نفيه عن نفسه.

وإذا نعي الرجل إلى امرأته ، أو خبرت بطلاق زوجها لها ، فاعتدت وتزوّجت ورزقت أولادا ، ثمّ جاء زوجها الأول المنعى ، أو الزوج المطلّق ، وأنكر الطلاق ، وعلم أنّ شهادة من شهد بالطلاق كانت شهادة غير مقبولة ، بأن يكونوا فساقا وقت التحمل أو وقت الأداء ، أو يعلم كذبهم بأن تقوم البينة بذلك عليهم بالكذب ، لا بإقرارهم على أنفسهم بالكذب ، فرّق بينهما وبين الزوج الأخير ، ثمّ تعتد منه ، وترجع إلى الأول بالعقد الأوّل ، ولا نفقة على الزوج الأخير في هذه العدّة ، لأنّها لغيره ، بل على الأول ، لأنّها زوجته ، ويكون الأولاد للزوج الأخير دون الأول.

فأمّا إن أكذب شهود الطلاق أنفسهم ، عزّروا ، ولا ينقض الحاكم حكمه ، ولا تعود الزوجة إلى زوجها الأول ، على ما شرحناه وحرّرناه في باب شهادات الزور (١) ، فلينظر من هناك ، ويحقق ، فليس بين المسألتين تضاد ولا تناف ، لأنّه إذا أكذب الشهود أنفسهم ، وأقرّوا على أنفسهم بالكذب في شهادتهم ، لا يردّ الحكم المشهود به ، بل يرجع عليهم بدرك ما شهدوا به.

فأمّا إذا بان أنّهم كذبة من غير إقرارهم ، فإنّ الحاكم يردّ الحكم المشهود به بغير خلاف ، فليلحظ الفرق بين الأمرين ، فإنّه غامض على غير المتأمّل المحصّل ، والله الموفّق للصواب.

ومتى كان للرجل امرأة فوطأها ، ووطأها بعده غيره فجورا بلا فصل ، كان الولد أيضا لاحقا به ، ولم يجز له نفيه ، لقوله عليه‌السلام : « الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٢) فإن نفاه لا عن امّه.

__________________

(١) راجع ص ١٤٦ من الكتاب.

(٢) الوسائل : الباب ٥٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، ح ١.

٦٥٩

وإن كانت له جارية فوطأها ووطأها غيره بعده فجورا ، كان الولد أيضا لا حقا به ، لم يجز له نفيه إذا اشتبه عليه الأمر ، فإن نفاه لا يجب عليه اللعان.

وقد روي (١) أنّه إذا اشترى الرجل جارية حبلى ، فوطأها قبل أن يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيام ، فلا يبيع ذلك الولد ، لأنّه غذّاه بنطفته ، وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا ، ويعتقه ، وإن كان وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة الأشهر والعشرة الأيام ، جاز له بيع الولد على كلّ حال ، وكذلك إن كان الوطء قبل انقضاء الأربعة الأشهر والعشرة الأيام ، غير أنّه يكون قد عزل عنها ، جاز له بيع ولدها على كلّ حال ، ذكر ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته ، وأورده (٢).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا ، أنّ له بيعه على كلّ حال ، لأنّه ليس بولد له بغير خلاف ، وهذه الرواية لا يلتفت إليها ، ولا يعرج عليها ، ولا يترك لها الأدلة القاهرة ، والبراهين الظاهرة ، لأنّا قد بيّنا أنّ أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.

ولا يجوز للرجل أن ينفي ولد جارية أو امرأة له يتهمهما بالفجور ، بل يلزمه الإقرار به على ما قدّمناه وانّما يسوغ له نفيه مع اليقين والعلم.

إذا طلّق الإنسان امرأته واعتدّت ، ثمّ أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدّة ، لم يلحقه إذا كانت العدّة بالشهور الثلاثة ، لأنّا قد دللنا على أنّ زمان الحمل لا يكون أكثر من تسعة أشهر على الصحيح من الأقوال ، فإن كانت قد تزوجت بعد مضي الثلاثة الأشهر ، ودخل بها الثاني ، وجاءت بولد ، ألحقناه بالثاني ، على ما حرّرناه فيما مضى وشرحناه.

__________________

(١) الظاهر أنها موثقة إسحاق بن عمار [ المروية في ١ / ٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء من الوسائل ] إلا أنّها ليس فيها تقييد بما قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيّام ، ولعلّ التقييد به من ناحية الجمع بينها وبين صحيحة رفاعة بن موسى [ المروية في ٣ / ٨ من الأبواب المذكورة ] فراجع.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب إلحاق الأولاد بالآباء.

٦٦٠