كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

المولى ، وهذا أدل دليل وأصدق قيل على أنّ هذا العقد والفعال من المولى إباحة للعبد وطء جاريته ، لأنّه لو كان عقد نكاح لروعي فيه الإيجاب والقبول من موجب وقابل ، ولا يضح ذلك بين الإنسان وبين نفسه ، وكان يراعى فيه ألفاظ ما ينعقد به النكاح ، وأيضا العقد حكم شرعي ، يحتاج إلى دليل شرعي ، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا ، وإن كان شيخنا أبو جعفر رحمه‌الله أورد ذلك في نهايته ، فعلى طريق الإيراد لأجل الرواية ، لئلا يشذ شي‌ء من الروايات على ما اعتذر لنفسه في عدّته (١) دون الاعتقاد والعمل بصحته ، وكتاب الله تعالى خال من ذلك ، والسنة المقطوع بها كذلك ، والإجماع فغير منعقد بذلك ، والأصل براءة الذمة ، ونفي الحكم المدّعى إلى أن يقوم بصحته دليل قاطع للأعذار ، فحينئذ يجب المصير إليه والمعول عليه.

ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره بإذنه ، جاز العقد ، وكان الطلاق بيد العبد ، فمتى طلّق جاز طلاقه ، وليس لمولاه أن يطلّق عليه لما بيّناه ، فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينها ، إلا أن يشاء المشتري إقراره على العقد ، ويرضى بذلك مولى الجارية ، فإن أبى واحد منهما ذلك لم يثبت العقد على حال ، وكذلك إن باع مولى الجارية جاريته كان ذلك فراقا بينهما ، إلا أن يشاء الذي اشتراها إقرارها على العقد ، ويرضى بذلك مولى العبد ، فإن أبى واحد منهما كان العقد مفسوخا (٢).

قال محمّد بن إدريس : لا أرى لرضى الذي لم يبع وجها ، لأنّ الخيار في إقرار العبد ، وفسخه للمشتري في جميع أصول هذا الباب ، وانّما الشارع جعل لمن لم يحضر العقد ، ولا كان مالكا لأحدهما ، وانّما انتقل إليه الملك الخيار ، لأنّه لم يرض بشي‌ء من ذلك الفعال ، لا الإيجاب ولا القبول ، ولا كان له حكم فيهما ،

__________________

(١) العدة : الفصل ٤ من الكلام في الاخبار ، وقد نقلنا عبارتها في ذيل ص ٣٨٠.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه ، باختلاف يسير.

٦٠١

والموجب والقابل أعني السيدين المالكين الأولين رضيا وأوجبا وقبلا ، فمن جعل لهما الخيار أو لأحدهما يحتاج إلى دليل ، لأنّه حكم شرعي ، يحتاج مثبتة إلى دليل شرعي ، وانّما أوجبنا الخيار للمشتري ، لأنّه انتقل الملك إليه ، وليس هو واحدا منهما ، وإن كان المخالف لأصحابنا من العامة ، لا يجعل للمشتري الخيار في فسخ العقد ، بل العقد ثابت عندهم ، لا يصح للمشتري فسخه ، ويمكن أن يقال : المراد بذلك أنّ من باع من السيدين الموجب والقابل ، كان للمشتري الخيار إن باع سيد العبد عبده ، كان لمشتريه منه الخيار ، وإن باع سيد الجارية جاريته ، كان لمشتريها منه الخيار ، وليس المراد أنّ في مسألة واحدة وبيع أحدهما يكون الخيار للاثنين ، للمشتري ولمن بقي عنده ، أحدهما ، كما قال شيخنا في نهايته في السمسار والدلال والمنادي ، قال : فإن كان ممن يبيع ويشتري للناس فأجره على من يبيع له ، وأجره على من يشتري له (١) والمقصود أجرة واحدة على مبيع واحد أو مشتري واحد ، وليس المقصود أنّه يستحق أجرتين على مبيع واحد على ما حررناه في موضعه.

ومتى أعتق مولى الجارية جاريته ، كان بالخيار على ما قدّمناه ، وإن أعتق المولى عبده لم يكن لمولى الجارية خيار ، ولا ينفسخ العقد إلا ببيعهما أو عتقهما ، ومتى رزق بينهما ولد ، فإن كان بين مولييهما شرط ، كان على ما شرطاه ، وإن لم يحصل بينهما شرط ، كان الأولاد بينهما على السواء.

ولا توارث بين الزوجين ، إذا كان أحدهما رقّا لا يرث الرجل المرأة ، ولا المرأة الرجل.

وإذا كانت الجارية بين شريكين ، أحدهما غائب والآخر حاضر ، فعقد عليها الحاضر لرجل ، كان العقد موقوفا على رضى الغائب.

وإذا تزوّج رجل جارية بين شريكين ، ثمّ اشترى نصيب أحدهما ، حرمت عليه إلا أن يشتري النصف الآخر ، أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب اجرة السمسار والدلال ..

٦٠٢

ذلك عقدا مستأنفا ، هكذا أورده شيخنا في نهايته (١).

والأولى أن يقال : أو يرضى مالك نصفها بأن يبيحه وطء ما يملكه منها ، فيطؤها بالملكية وبالإباحة ، دون العقد ، لأنّ الفرج لا يتبعض ، فيكون بعضه بالملك ويكون بعضه بالعقد ، بل لا يجتمع الملك والعقد معا في نكاح ووطء واحد ، فليلحظ ذلك.

باب ما يستحب فعله

لمن أراد العقد والزفاف وآداب الخلوة والجماع والقسمة بين الأزواج وما في ذلك

يستحب لمن عزم على عقد النكاح أن يستخير الله تعالى ، بأن يسأله أن يخير له فيما قد عزم عليه ، ويصلّي ركعتين ، ويقول اللهم اني أريد أن أتزوج ، اللهم قدّر لي من النساء أعفهن فرجا ، وأحفظهن لي في نفسها وفي مالي ، وأوسعهن رزقا ، وأعظمهن بركة ، وقدّر لي منها ولدا طيّبا ، تجعله خلفا صالحا ، في حياتي وبعد مماتي.

وإذا أراد العقد الدائم ، يستحب له أن يكون ذلك بالإعلان ، والاشهاد ، والخطبة فيه ، بذكر الله تعالى ، والمسنون من ذلك خطبة واحدة تتقدّم الإيجاب والقبول ، فإن أخلّ بشي‌ء من ذلك ، أو بجميعه لم يفسد العقد ، وكان ثابتا ، إلا أنّه يكون قد ترك الأفضل.

ويستحب الوليمة عند الزفاف يوما أو يومين ، يدعى فيه المؤمنون ، ويكره تفرد الأغنياء بذلك ، والوليمة مستحبة غير واجبة ، وحضورها مستحب إذا دعي إليها ، وليس بواجب عليه الحضور ، إلا أن يكون فيها شي‌ء من المناكير ، ولا يقدر من يحضر على إنكاره ، فلا يجوز حضورها في حال الاختيار ، فإن كانت لكافر بأي أنواع الكفر كان ، فلا يجوز للمسلم حضورها. وإن دعي إليها ، لأنّ

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب العقد على الإماء والعبيد وأحكامه.

٦٠٣

ذبائحهم محرمة ، وطعامهم الذي يباشرونه بأيديهم نجس ، لا يجوز أكله لقوله تعالى ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (١).

وإذا حضر المسلم وليمة المسلم بعد دعائه إليها ، فلا يجب عليه الأكل ، وانّما يستحب له ذلك.

نثر السكر والجوز واللوز وغير ذلك في الولائم مكروه إذا أخذ على طريق الانتهاب ، فإذا لم يؤخذ على طريق الانتهاب ، فلا بأس بذلك ، إذا علم بشاهد الحال من قصد فاعله الإباحة ، وإن لم ينطق بلسانه ، ولا يجوز لأحد من الحاضرين الاستبداد به.

وإذا قرب تحول المرأة إلى بيت الزوج ، فقد روي أنّه يستحب أن يأمرها بأن تصلّي ركعتين ، وتكون على طهارة ، إذا دخلت عليه ، ويصلّي أيضا قبل (٢) ذلك ، ويكون على طهارة إذا أدخلت عليه امرأته ، ويدعو الله تعالى عقيب الركعتين ، ويسأله أن يرزقه إلفها وودّها ، ورضاها ، فإذا أدخلت عليه ، فيستحب أن يضع يده على ناصيتها ، ـ وهي مقدم شعر الرأس ـ ، ويقول : اللهم على كتابك تزوجتها ، وفي أمانتك أخذتها ، وبكلماتك استحللت فرجها ، فإن قضيت في رحمها نسبا (٣) ، فاجعله مسلما سويا ، ولا تجعله شرك شيطان (٤).

ويستحب ان يكون عقد التزويج والزفاف بالليل ، ويكون الإطعام والوليمة بالنهار.

ولا يجوز للرجل أن يطأ امرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين ، فإن دخل بها قبل ذلك فعابت ، كان ضامنا لعيبها ، ولا يحل له وطؤها أبدا ، فإن أقضاها وجب عليه ديتها ومهرها ونفقتها ما داما حيّين ، فإن مات أحدهما سقطت النفقة ، ومعنى الإفضاء لها أن صير مدخل الذكر ومخرج البول شيئا واحدا أفضى ما بينهما.

وقال شيخنا في مسائل خلافه : هذا إذا كان في عقد صحيح ، أو عقد

__________________

(١) التوبة : ٢٨.

(٢) ج مثل.

(٣) ج : شيئا.

(٤) الكافي ج ٥ ص ٥٠٠. باب القول عند دخول الرجل بأهله.

٦٠٤

شبهة ، فأمّا إذا كان مكرها لها ، فإنّه يلزمه ديتها على كلّ حال ولا مهر لها (١).

قال محمّد بن إدريس : عقد الشبهة لا يلزمه النفقة ، وانّما أوجب النفقة أصحابنا على من فعل ذلك بزوجته ، وهذه ليست زوجته ، فلا ينبغي أن يتعدّى ما أجمعوا عليه ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وثبوت ذلك يحتاج إلى دليل ، ولم يذهب أحد من أصحابنا إلى ما قاله رحمه‌الله ، فأمّا قوله : « إذا كان مكرها لها فإنّه يلزمه ديتها ولا مهر لها » فغير واضح ، لأنّا نجمع عليه الأمرين معا ، المهر والدية ، لأنّ أحدهما لا يدخل في الآخر ، لأنّه قد دخل بها ، فيجب عليه المهر لأجل دخوله ، والدية ، لأنّه إجماع ، وهذه ليست ببغي ، وانّما نهي عن مهر البغي فليلحظ ذلك.

ويستحب التسمية عند الجماع.

ويكره الجماع ليلة الكسوف ويومه ، وفيما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق ، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وفي الريح السوداء والصفراء ، وعند الزلازل ، وفي محاق الشهر ، يقال بكسر الميم وضمها ، وهن الثلاث ليال الأواخر من الشهر ، سمّيت بذلك لا محاق القمر فيها ، أو الشهر ، قال الشاعر :

عجوز ترجى أن تكون فتيّة

وقد لحب الجنبان واحد ودب الظهر

تدسّ إلى العطار سلعة أهلها

وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

تزوجتها قبل المحاق بليلة

فكان محاقا كلّه ذلك الشهر

والعرب تسمّى ليالي الشهر كلّ ثلاث منها باسم ، فيقول ثلاث غرر ، جمع غرة ، وغرة كلّ شي‌ء أوله ، وثلاث نفل ، وفيل لها نفل من زيادة القمر ، من النفل الزيادة ، والعطاء ، وثلاث تسع ، لأنّ آخر يوم منها اليوم التاسع ، وثلاث عشر ، لأنّ أول يوم منها اليوم العاشر ، وثلاث بيض ، لأنّها تبيض بطلوع القمر من أولها إلى آخرها ، وثلاث درع ، سميت بذلك لاسوداد أوائلها ، وابيضاض

__________________

(١) الخلاف : كتاب الصداق ، المسألة ٤١.

٦٠٥

سائرها ، ومنه قيل : شاة درعاء ، إذا اسود رأسها وعنقها ، وابيضّ سائرها ، وثلاث ظلم ، لا ظلامها ، وثلاث حنادس ، لسوادها ، وثلاث دآدى لأنّها بقايا ، وثلاث محاق ، لا محاق القمر أو الشهر.

ويكره الجماع في أول ليلة من الشهر ، إلا شهر رمضان ، ويكره في ليلة النصف ، ويكره أن يجامع الرجل وهو عريان ، أو مستقبل القبلة ، أو مستدبرها ، ويكره له الجماع بعد الاحتلام حتى يغتسل.

ولا يجوز للرجل أن يترك المرأة ، لا يقربها بجماع ، لا من عذر ، أكثر من أربعة أشهر ، فإن تركها أكثر من ذلك كان مأثوما.

ويكره للرجل النظر إلى فرج امرأته ، ويكره الكلام في حال الجماع سوى ذكر الله تعالى.

ويكره للرجل أن يأتي النساء في غير الفروج المعتادة للجماع ، وهي أحشاشهن من غير حظر ولا تحريم ، عند فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، لقوله تعالى ( نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ ) (١) ومن قال أراد بذلك موضع النسل فهو مبعد ، ـ لأنّه لا يمتنع أن يسمّى النساء حرثا ، لأنّه يكون منهن الولد ـ ثمّ يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد ، يدلّ على ذلك أنّه لا خلاف أنّه يجوز الوطء بين الفخذين ، وإن لم يكن هناك ولد.

وثاني متمسّكات المخالف قالوا : قال الله تعالى ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ ) (٢) وهو الفرج ، والإجماع على أنّ الآية الثانية ليست بناسخة للأولى.

وهذا أيضا لا دلالة فيه ، لأنّ قوله « مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ » معناه من حيث أباح الله لكم ، أو من الجهة التي شرعها لكم ، على ما حكي عن الزجاج ، فإنّه قال : معنى الآية نساؤكم ذو حرث لكم فأتوا موضع حرثكم أنّى

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣.

(٢) البقرة : ٢٢٢.

٦٠٦

شئتم ، ويدخل في ذلك الموضعان معا.

وثالثها قالوا : إنّ معناه من أين شئتم ، أي ائتوا الفرج من أين شئتم ، وليس في ذلك إباحة لغير الفرج.

وهذا أيضا ضعيف ، لأنّا لا نسلّم أنّ معناه ائتوا الفرج ، بل عندنا معناه ائتوا النساء وائتوا الحرث من حيث شئتم ، ويدخل فيه جميع ذلك.

ورابعها قالوا : قوله في المحيض ( قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (١) فإذا حرّم الأذى بالدم فالأذى بالنجو أعظم.

وهذا أيضا ليس بشي‌ء ، لأنّ هذا حمل الشي‌ء على غيره من غير علّة ، على أنّه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله « قُلْ هُوَ أَذىً » غير النجاسة ، بل المراد أنّ في ذلك مفسدة ، ولا يجب أن يحمل ذلك على غيره (٢) إلا بدليل يوجب العلم.

على أنّ الأذى بمعنى النجاسة حاصل في البول ودم الاستحاضة ، ومع هذا فليس بمنهي عن الوطء في الفرج.

ويقال : إنّ الآية نزلت ردّا على اليهود ، فإنّهم قالوا : الرجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول ، فاكذبهم الله في ذلك ، ذكره ابن عباس وجابر ، ورواه أيضا أصحابنا.

ويكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرة ، فإن عزل لم يكن بذلك مأثوما ، غير أنّه يكون تاركا فضلا على الصحيح من أقوال أصحابنا والأظهر في رواياتهم ، لأنّه روي أنّ ذلك محظور وعليه دية ضياع النطفة عشرة دنانير ، والأصل براءة الذمة من شغلها بواجب ، ولا يرجع في مثل هذا إلى أخبار الآحاد ، وأمّا الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كلّ حال.

وإذا كان للرجل امرأة واحدة فعليه أن يبيت عندها من أربع ليال ليلة ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

(٢) ق : على ذلك غيره.

٦٠٧

وإذا كانت امرأتان جاز له أن يبيت عند واحدة منهما ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة واحدة ، وإن كانت عنده ثلاث نساء جاز أن يبيت عند واحدة منهن ليلتين وعند كلّ واحدة منهن ليلة ليلة ، فإن كان عنده أربع نساء بعقد الدوام فلا يجوز له أن يبيت عند كلّ واحدة منهن أكثر من ليلة ليلة ، ويجب عليه أن يسوّى بينهن في القسمة ، اللهم إلا أن تترك واحدة منهن ليلتها لامرأة أخرى ، فيجوز حينئذ أن يبيت عند الموهوب لها الليلة ليلتين ، فإن وهبت له ليلتها فله أن يبيت عند من شاء منهن ليلتين ، وإذا بات عند كلّ واحدة منهن ليلة إذا كن أربعا وسوى بينهن في قسم الليالي والمبيت فليس يلزمه جماعها ، بل هو مخيّر في ذلك.

وإذا عقد على امرأة بكر جاز له تفضيلها بسبع ليال ، ويعود إلى التسوية ولا يقضي ما فضلها به ، فإن كانت ثيّبا فضّلها بثلاث ليال.

وروي أنّه إذا اجتمع عند الرجل حرة وأمة زوجية ، كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة من القسم ، فأمّا إن كانت الأمة ملك يمين فليس لها قسمة مع الحرائر.

وروي أنّ حكم اليهودية والنصرانية إذا كانتا زوجتين ، في الموضع الذي يحلّ ذلك فيه ، حكم الإماء على السواء.

ولا بأس أن يفضّل الرجل بعض نسائه على بعض في النفقة والكسوة ، وإن سوى بينهن وعدل كان أفضل.

لا يجوز للرجل الأجنبي من المرأة أن ينظر إليها مختارا ، فأمّا النظر إليها لضرورة أو حاجة فجائز ، فالضرورة مثل نظر الطبيب إليها ، وذلك يجوز بكلّ حال وإن نظر إلى عورتها ، لأنّه موضع ضرورة ، لأنّه لا يمكن العلاج إلا بعد الوقوف عليه. والحاجة مثل أن يتحمل شهادة على امرأة فله أن ينظر وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحقّقها ، وكذلك لو كانت بينه وبينها معاملة أو مبايعة ، فيعرف وجهها ليعلم من التي يعطيها الثمن إن كانت بايعة أو المثمن إن كانت مبتاعة ، ومثل الحاكم إذا حكم عليها ، فإنّه يرى وجهها ليعرفها ويجليها.

٦٠٨

وروي أنّ امرأة أتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لتبايعه ، فأخرجت يدها ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : أيد امرأة أم يد رجل؟ فقالت : يد امرأة ، فقال : اين الحناء (١) فدلّ هذا الخبر على أنّ عند الحاجة يجوز النظر إليها ، لأنّه إنّما عرف أنّه لا حناء على يدها بالنظر إليها مكشوفة.

فأمّا إذا نظر إلى جملتها يريد أن يتزوجها فعندنا يجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها فحسب ، وله أن يكرر النظر إليها ، سواء أذنت أو لم تأذن ، إذا كانت استجابت إلى النكاح ، فأمّا إذا لم توافق على التزويج فلا يجوز له النظر إلى ما كان يجوز له النظر إليه عند استجابتها وظهور العلم بموافقتها.

فأمّا إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها ، حتى يجوز له أن يخلو بها ويسافر معها؟ قيل : فيه وجهان : أحدهما ، وهو مذهبنا ، أنّه لا يكون محرما لها ، ولا يجوز له النظر إلى ما يجوز لذوي محارمها النظر إليه.

والقول الآخر يكون محرما ، ويحل له النظر إليها ، وهو مذهب المخالف ، وتمسك بقوله تعالى ( وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّا لِبُعُولَتِهِنَّ ) إلى قوله ( أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ ) (٢) فنهاهنّ عن إظهار زينتهن لأحد إلا من استثنى ، واستثنى ملك اليمين ، ورووا أنّ الرسول عليه‌السلام دخل على فاطمة عليها‌السلام وهي فضل بالفاء المضمومة ، والضاد المعجمة المضمومة ، أيضا ، يقال : تفضلت المرأة في بيتها ، إذا كانت في ثوب واحد ، كالخيعل ونحوه ، والخيعل بالخاء المعجمة ، والياء المنقطة من تحتها نقطتين ، والعين غير المعجمة ، قميص لا كمي له (٣)

__________________

(١) .. في سنن البيهقي : ج ٧ ، كتاب النكاح ، باب تخصيص الوجه والكفين بجواز النظر ، الحديث ٦ عن عائشة قالت : جاءت امرأة وراء الستر بيدها كتاب الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقبض النبي يده وقال : ما أدري أيد رجل أم يد امرأة؟ قالت : بل يد امرأة ، قال : لو كنت امرأة لغيّرت اظافرك بالحناء. ( ص ٨٦ ).

(٢) النور : ٣١.

(٣) في الصحاح : « وانما أسقطت النون من كمين للإضافة ، لأنّ اللام كالمقحمة ، لا يعتد بها في مثل هذا الموضع ».

٦٠٩

وذلك الثوب مفضل ، بكسر الميم ، والمرأة فضل ، بالضم ، مثال جنب ـ فأرادت أن تستتر ، فقال عليه‌السلام : لا عليك ، أبوك وخادمك ، وروي : أبوك وزوجك وخادمك (١) ، قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : أمّا الآية فقد روى أصحابنا عن الأئمة عليهم‌السلام في تفسيرها ، أنّ المراد به الإماء دون الذكران ، فأمّا الخبر فرواية المخالف ، وهو خبر واحد ، وأخبار الآحاد عندنا لا توجب علما ولا عملا ، ولو صحّ لما كان فيه ما ينافي مذهبنا ، لأنّ الخادم ينطلق على الأنثى أيضا ، فهو محتمل.

ولا بأس أن ينظر الرجل إلى أمة يريد شراءها ، وينظر إلى شعرها ومحاسنها ووجهها ويديها فحسب ، ولا يجوز له النظر إلى ذلك إذا لم يرد ابتياعها.

وقد روي جواز النظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن ، لأنّهنّ بمنزلة الإماء (٢) إذا لم يكن النظر لريبة أو تلذذ ، فأمّا إذا كان لذلك فلا يجوز النظر إليهن على حال.

والذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية والعدول عنها ، والتمسّك بقوله تعالى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ ) (٣) وقال تعالى ( وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ) (٤) وإن كان قد ذكرها وأوردها شيخنا في نهايته فعلى جهة الإيراد لا الاعتقاد.

__________________

(١) لم نعثر في كتبهم على هذه الرواية مشتملة على لفظة « فضل » في فاطمة الزهراء سلام الله عليها لكن في سنن البيهقي : كتاب النكاح ، باب ما جاء في إبداء زينتها لما ملكت يمينها ، ج ٧ ، ص ٩٥ ـ عن أنس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى فاطمة عليها‌السلام يعبد قد وهبه لها ـ قال : وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ رأسها ، فلمّا رأى النبيّ ما تلقى قال : إنّه ليس عليك بأس ، إنّما هو أبوك وخادمك. وأخرجه في الدر المنثور عنه وعن سنن أبي داود وابن مردويه.

(٢) الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، والباب ٤٥ من أبواب العدد ، ح ١ ، ولا ينهى انهما مشتملان على التعليل.

(٣) النور : ٣٠.

(٤) طه : ١٣١.

٦١٠

باب العيوب والتدليس في النكاح ، وما يرد منه

وما لا يرد وما في ذلك من الأحكام

العيوب التي يردّ النكاح بها تنقسم إلى قسمين : منها ما يرجع إلى الرجال ، ومنها ما يرجع إلى النساء.

فالرجل يردّ ويفسخ عليه النكاح من أربعة عيوب : من العنة ، والخصاء بالمدّ وكسر الخاء ـ والجبّ ، والجنون ، سواء كان يعقل معه أوقات الصلوات أو لا يعقل معه ذلك ، إذا كان به ذلك قبل العقد ، فأمّا الجنون الحادث بعد العقد ، فإن كان يعقل معه أوقات الصلوات الخمس فلا خيار للمرأة ، ولا يفسخ النكاح به ، وإن كان لا يعقل أوقات الصلوات الخمس معه ، فالمرأة بالخيار ، ولها فسخ النكاح بذلك.

فأمّا إن دلّس نفسه بالحرية فخرج عبدا ، فلها الخيار والفسخ ، إلا أنّ هذا ليس بعيب في خلقته ، بل هو تدليس ، فلأجل هذا ما أضفناه إلى العيوب الأربعة ، وقلنا : يردّ الرجل من أربعة عيوب.

وقد روي (١) أنّ الرجل إذا انتسب إلى قبيلة فخرج من غيرها ، سواء كان أرذل منها أو أعلى منها ، يكون للمرأة الخيار في فسخ النكاح.

والأظهر أنّه لا يفسخ بذلك النكاح ، لأنّ الله تعالى قال « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » (٢) والإجماع فغير منعقد على خلاف ما اخترناه ، ولا تواترت به الأخبار.

وشيخنا أبو جعفر وإن كان قد أورد ذلك وذكره في نهايته (٣) فعلى جهة الإيراد لأخبار الآحاد لا الاعتقاد لصحتها والعمل بها ، فإنّه رجع في مبسوطة وبيّن أنّ ذلك رواية فقال رحمه‌الله : « وإن كان الغرور بالنسب فهل لها الخيار أم لا؟ فالأقوى ، أنّه لا خيار لها ، وفي الناس من قال : لها الخيار ، وقد روي ذلك في

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب ، العيوب والتدليس ، ح ١ و ٣.

(٢) المائدة : ١.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح ..

٦١١

أخبارنا » (١) هذا آخر كلامه رحمه‌الله في مبسوطة فدلّ ذلك أنّ ما أورده في نهايته رواية من طريق أخبار الآحاد.

إلا أنّ هذا وإن لم يكن عيبا فإنّه يردّ به ، لأنّه تدليس فرددناه من حيث التدليس بالاشتراط ، لا من حيث أنّه عيب يردّ به من غير اشتراط ، لأنّ الغيوب هي في الخلقة يردّ بها النكاح وإن لم يشترط السلامة في حال العقد ، بل بمجرد العقد يردّ النكاح بعيب الخلقة ، فأمّا التدليس فإنّه إذا شرط أنّه حرّ ، فخرج عبدا ، أو انتسب إلى قبيلة ، فخرج بخلافها ، سواء كان أعلى منها أو أدنى ، وكذلك السواد والبياض إذا شرطه فخرج بخلافه ، وما أشبه ذلك ، فلا يردّ به النكاح إلا إذا اشترط خلافه ، فأمّا بمجرّد العقد دون تقدّم الشرط فلا يردّ به النكاح ، فهذا الفرق بين عيب الخلقة وبين التدليس ، فليلحظ ذلك ويتأمّل.

إذا حدث بالرجل جبّ أو خصاء بعد العقد فلا خيار للمرأة في فسخ النكاح ، فإن حدثت العنّة بعد وطئها فلا خيار لها ، وإن حدثت قبل وطئها وبعد العقد ، ولم يطأ غيرها ولا هي مدّة سنة ، فلها الخيار ، فإن وطأها أو وطأ غيرها في مدّة السنّة لم يكن لها خيار ، فأما الجنون الحادث فقد قلنا ما فيه ، فأغني عن إعادته.

فأمّا العيوب الراجعة إلى النساء فسبعة عيوب : الجنون المتقدّم على العقد ، دون الحادث بعده ، والجذام كذلك ، والبرص كذلك ، والرّتق والقرن ـ بفتح القاف وسكون الراء ، والإفضاء ، وهو ذهاب الحاجز الذي بين مخرج البول ومدخل الذكر ، والعمى ، على الأظهر من أقوال أصحابنا ، وهو مذهب شيخنا في نهايته (٢) وقال في مسائل خلافه : وفي أصحابنا من ألحق بها العمى ، وكونها محدودة ، بعد أن ذكر ستّة عيوب فحسب (٣).

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، فصل في ذكر أولياء المرأة والمماليك ، ص ١٨٩.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح وما يردّ منه وما لا يردّ.

(٣) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ١٢٤.

٦١٢

والذي يقوى في نفسي أنّ المحدودة لا تردّ ، بل يرجع على وليها بالمهر إذا كان عالما بدخيلة أمرها ، فإن أراد فراقها طلقها.

وألحق أصحابنا عيبا ثامنا ، وهو العرج البيّن ، ذهب إليه شيخنا في نهايته (١) ولم يذهب إليه في مسائل خلافه.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه : مسألة ، إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي تردّ به ، ولم يكن في حال العقد فإنّه يثبت به الفسخ (٢).

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : الصحيح أنّ كلّ عيب حادث بعد العقد من عيوب النساء لا يردّ به النكاح ، والذي ذهب إليه شيخنا مذهب الشافعي في أحد قوليه ، اختاره شيخنا ، فليلحظ ذلك.

وتردّ المرأة من التدليس ، وهو إذا عقد الرجل على امرأة ، فظنّ أنّها حرّة ، فوجدها أمة ، فإن كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ، وللرجل أن يرجع على وليها الذي تولّى العقد عليها ودلسها بالمهر ، فإن كان الوليّ لم يعلم دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‌ء ، فإن كانت هي المدلّسة والمتولية للعقد على نفسها رجع عليها إذا لحقها العتاق ، فإن كان لم يدخل بها لم يكن لها مهر ، فإن كان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به إذا كان قائم العين ، فإن كان قد أتلفته رجع عليها إذا لحقها العتاق ، فإذا ردّها كان ردّه لها فراقا بينه وبينها ، ولا يحتاج مع ذلك إلى طلاق.

وكذلك إذا تزوّجت المرأة برجل على أنّه حر ، فوجدته عبدا ، كانت بالخيار بين إقراره على العقد وبين اعتزاله ، فإن اعتزلت كان ذلك فراقا بينها وبينه ، فإن استقرت معه لم يكن لها بعد علمها بحاله خيار ، فإن كان قد دخل بها كان

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح وما يردّ منه وما لا يردّ.

(٢) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ١٢٨.

٦١٣

لها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها لم يكن لها شي‌ء.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي « رحمه‌الله » في مسائل خلافه : مسألة ، إذا عقد الحرّ على امرأة على أنّها حرّة ، فبانت أمة ، كان العقد باطلا ، ثمّ استدل فقال : دليلنا إجماع (١) على بطلانه أنّه عقد على من يعتقد أنّه لا ينعقد نكاحها ، فكان باطلا (٢).

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : العقد صحيح ، إلا أنّه له الخيار بين فسخه وإمضائه ، بلا خلاف بين أصحابنا ، وما استدل به فمرغوب عنه ، لأنّ العقد على الأمة عندنا جائز صحيح ، ينعقد نكاحها ، وليس هي كالكافرة الأصلية ، فليلحظ ذلك ويتأمّل.

وإذا عقد الرجل على بنت رجل على أنّها بنت مهيرة ، فوجدها بنت أمة ، كان له ردّها وإن لم يكن دخل بها لم يكن عليه لها شي‌ء ، وروي أنّ المهر على أبيها (٣) ، وليس عليه دليل من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع والأصل براءة الذمة ، فمن شغل ذمة الأب بالمهر يحتاج إلى دليل ، فإن كان قد دخل بها كان المهر عليه بما استحلّ من فرجها ، ورجع على أبيها به ، فإن رضي بعد ذلك بالعقد لم يكن له بعد رضاه الرجوع بالمهر ولا خيار الرّد.

ومتى كان لرجل بنتان : أحدهما بنت مهيرة ، والأخرى بنت أمة ، فعقد للرجل على بنته من المهيرة ، ثمّ أدخلت عليه ابنته من الأمة ، كان له ردّها ، لأنّها ليست زوجة له ، سواء رضي بها أو لم يرض ، فإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان لها ذلك إن كان وفق مهر أمثالها ، وإن كان أنقص فعليه تمامه ، وإن كان أكثر فله الرجوع عليها بما يزيد على مهور أمثالها ، تستحقه بما استحلّ من فرجها ، ورجع على من أدخلها عليه به ، فإن لم يكن دخل بها فليس

__________________

(١) ل : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم. هذا آخر كلامه وهكذا في الخلاف. وفي نسخة الأصل هنا انمحاء.

(٢) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ١٣٢.

(٣) الوسائل : الباب ٨ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٢ ـ ٣.

٦١٤

لها عليه مهر ، وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة.

وإذا تزوّج الرجل بامرأة فوجدها برصاء ، أو جذماء ، أو عمياء ، أو رتقاء ، أو قرناء ، أو مفضاة ، أو عرجاء ، أو مجنونة كان له ردّها من غير طلاق ، فإن كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحلّ من فرجها ، وله أن يرجع على وليّها بالمهر الذي أعطاها ، إذا كان الولي عالما بحالها ، فإن لم يكن عالما بحالها لم يكن عليه شي‌ء ، ورجع عليها به إذا كانت هي المدلسة نفسها ، فان لم يكن دخل بها لم يكن عليه مهر ، فإن كان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به ، ومتى وطأها بعد العلم بحالها ، أو علم بحالها ورضي ، لم يكن له بعد ذلك ردّها ، فإن أراد فراقها بعد ذلك فارقها بالطلاق.

فأمّا ما عدا ما ذكرناه من العيوب فليس يوجب شي‌ء منها الردّ ، مثل العور ، وما أشبه ذلك.

وإذا عقد على امرأة على أنّها بكر فوجدها ، ثيبا لم يكن له ردّها ، غير أنّ له أن ينقص من مهرها بمقدار مهر أمثالها ، على ما قدّمناه فيما مضى وحررناه.

ومتى عقد الرجل على امرأة ، على أنّه صحيح ، فوجدته عنينا ـ ولا يعلم ذلك إلا من جهة الرجل بإقراره ، فحسب ، وقد روي أنّه يعرف ذلك بأن يقام في ماء بارد ، فان تشنج ، أي تقبض العضو ، فليس بعنين ، وإن بقي على حاله فهو عنين (١). وهذا قول ابن بابويه في رسالته (٢) والأول هو المعمول عليه ـ فإذا كان كذلك انتظر به سنة ، فإن وصل إليها في مدّة السنة ، ولو مرّة واحدة ، أو إلى غيرها لم يكن لها عليه خيار ، وإن لم يصل إليها ولا إلى غيرها أصلا كانت مخيّرة بين المقام معه وبين مفارقته ، فإن رضيت لم يكن لها بعد ذلك خيار ، فإن اختارت فراقه كان لها نصف الصداق ، وليس عليها عدّة.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٤.

(٢) رسالته لو كانت فهي من المخطوطات.

٦١٥

وقال شيخنا أبو جعفر « رحمه‌الله » في نهايته : وإن حدث بالرجل عنه كان الحكم في ذلك مثل ما قدّمناه (١).

المراد بذلك أنّها حدثت بعد العقد على المرأة وقبل وطيها ووطء غيرها ، بعد أنّ عقد عليها ، وإن كان قد وطأ قبل العقد عليها نساء عدّة ، فأمّا إذا حدثت بعد العقد عليها وبعد وطيها أو وطء غيرها بعد العقد عليها فلا خيار لها بحال ، وإذا اختلف الزوج والمرأة فادّعى الزوج أنّه قربها ، وأنكرت المرأة ذلك ، فإن كانت المرأة بكرا فانّ ذلك ممّا يعرف بالنظر إليها فإن وجدت كما كانت لم يكن لادّعاء الرجل تأثير ، وإن لم توجد كذلك لم يكن لإنكار المرأة تأثير ، إلا أنّ هذا لا يصح إلا أن تكون دعواه بأنّه قربها في قبلها ، فإن افتضّ عذرتها فيكون الحكم فيه ما قدّمناه ، فأمّا إن ادّعى أنّه وطأها في غير قبلها فلا اعتبار بالحكم الذي قدّمناه ، لأنّه ليس لنا طريق إلى تكذيبه ، ويكون القول قوله ، ولا يلزم بأحكام العنين في المسألتين معا ، لأنّها ما ادّعت عليه العنة ، ولا أقرّ بالعنة ، وأكثر ما في ذلك أنّه ما وطأها ، ولو أقرّ بأنّه ما افتضها ما يثبت عليه أحكام العنين ، لأنّا قد بيّنا أنّه لا يثبت كونه عنينا إلا بإقراره.

فإن كانت المرأة ثيبا كان القول قول الرجل مع يمينه بالله ، وقد روي أنّها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا ، ثمّ يأمر الحاكم الرجل بوطئها ، فإن وطأها فخرج على ذكره أثر الخلوق صدق وكذبت ، وإن لم يكن الأثر موجودا صدقت وكذب الرجل ، ذهب شيخنا في نهايته (٢) إلى أنّ أمرها بالخلوق رواية (٣) ، وذهب في مسائل خلافه إلى أنّه المعمول عليه (٤) ، والصحيح ما قدّمناه وحررناه ، والأظهر ما ذكره في نهايته.

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح وما يردّ به ما لا يردّ.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح وما يردّ منه وما لا يردّ.

(٣) الوسائل : الباب ١٥ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٢ ـ ٣.

(٤) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ١٤٠.

٦١٦

فإن تزوّجت المرأة برجل على أنّه صحيح ، فوجدته خصيا ، كانت بالخيار بين الرضا بالمقام معه وبين مفارقته ، فإن رصيت بالمقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وإن أبت فرّق بينهما.

وقد روي أنّه إن خلا بها كان للمرأة صداقها منه ، وعلى الإمام أن يعزره لئلا يعود إلى مثل ذلك (١).

ولا دليل على صحة هذه الرواية من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، والأصل براءة الذمة ، وإن كان قد أورد ذلك شيخنا في نهايته (٢) إيرادا لا اعتقادا.

ومتى عقد الرجلان على امرأتين فدخلت امرأة هذا على هذا ، والأخرى على الآخر ، ثمّ علم بعد ذلك ، فإن لم يكونا دخلا بهما ردّت كلّ واحدة منهما إلى زوجها ، وإن كانا قد دخلا بهما ، كان لكل واحدة منهما الصداق ، لا المسمّى ، بل مهر المثل ، لأنّ كلّ واحد من الزوجين ما سمّى صداقا لمن دخل بها ، وإنّما هو وطء شبهة ، فيجب على كلّ واحد منهما مهر المثل ، فإن كان الولي تعمد ذلك أغرم ما غرمه الرجل ، وهو مهر المثل ، ولا يقرب كلّ واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدّتها ، فإذا انقضت صارت كلّ واحدة منهما إلى زوجها ، بالعقد الأوّل.

فإن ماتتا قبل انقضاء العدة فقد روي أنّ الرجلين الزوجين يرجعان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثانهما (٣).

والصحيح من الأقوال أنّ بموت أحد الزوجين ، أمّا المرأة ، أو الرجل ، يستقر جميع المهر كملا ، سواء دخل بها الرجل ، أو لم يدخل ، على ما قدّمناه قبل هذا.

فإن مات الرجلان ، وهما في العدة ، فإنّهما ترثانهما ، ولهما المهر المسمّى حسب ما قدّمناه في المتوفّى عنها زوجها ولم يدخل بها ، وعليهما العدّة ما تفرغان من العدّة

__________________

(١) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٢ ، ٣ ، ٥ ، والتعليل غير مذكور فيها.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب التدليس في النكاح وما يردّ به وما لا يردّ.

(٣) الوسائل : الباب ٤٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ٢.

٦١٧

الاولى ، تعتدان عدّة المتوفّى عنها زوجها.

ومتى أقام الرجل بيّنة على أنّه تزوّج بامرأة وعقد عليها عقدا صحيحا ، وأقامت أختها على هذا الرجل البيّنة أنّه عقد عليها ، فإنّ البيّنة بيّنة الرجل ، ولا يلتفت إلى بيّنة المرأة ، اللهم إلا أن تقيم البيّنة بأنّه عقد عليها قبل عقده على أختها ، فإذا كان الأمر كذلك قبل بيّنتها ، وأبطلت بيّنة الرجل ، أو يكون قد دخل بها ، فمتى كان مع بينة الرّجل (١) أحد هذين الأمرين : إمّا دخول بها ، أو تاريخ متقدم ، سمعت بيّنتها وأبطلت بيّنة الرجل.

باب النكاح المؤجل وما في ذلك من الأحكام

النكاح المؤجّل مباح في شريعة الإسلام ، مأذون فيه ، مشروع بالكتاب والسنّة المتواترة وبإجماع المسلمين ، إلا أنّ بعضهم ادّعى نسخه ، فيحتاج في دعواه إلى تصحيحها ، ودون ذلك خرط القتاد.

وأيضا فقد ثبت بالأدلة الصحيحة أنّ كلّ منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل مباحة ، بضرورة العقل ، وهذه صفة نكاح المتعة ، فيجب إباحته بأصل العفل.

فإن قيل : فمن أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل ، والخلاف في ذلك؟

قلنا : من ادّعى ضررا في الآجل فعليه الدليل.

وأيضا ، فقد قلنا : إنّه لا خلاف في إباحتها ، من حيث أنّه قد ثبت بإجماع المسلمين أنّه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبيّ عليه‌السلام بغير شبهة ، ثمّ ادّعى تحريمها من بعد ونسخها ، ولم يثبت النسخ ، وقد ثبتت الإباحة بإجماع ، فعلى من ادّعى الحظر والنسخ الدلالة ، فإن ذكروا الأخبار (٢) التي رووها في أنّ النبيّ عليه‌السلام حرّمها ونهى عنها ، فالجواب عن ذلك أنّ جميع

__________________

(١) ج : مع بينة المرأة.

(٢) الوسائل : الباب ١ من أبواب المتعة ، ح ٣٢.

٦١٨

ما يروونه من هذه الأخبار ، إذا سلمت من المطاعن والتضعيف ، أخبار آحاد ، وقد ثبت أنّها لا توجب علما ولا عملا في الشريعة ، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه.

وأيضا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ » (١) ولفظة « اسْتَمْتَعْتُمْ » لا تعدو وجهين : إمّا أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللفظة ، أو العقد المؤجّل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع.

ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأول لأمرين : أحدهما أنّه لا خلاف بين محصّلي من تكلّم في أصول الفقه في أنّ لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل لأمرين أحدهما وضع أصل اللغة ، والآخر عرف الشريعة أنّه يجب حمله على عرف الشريعة ، ولهذا حملوا كلّهم لفظ صلاة وزكاة ، وصيام ، وحجّ ، على العرف الشرعي ، دون الوضع اللغوي ، والأمر الآخر أنّه لا خلاف في أنّ المهر لا يجب بالالتذاذ ، لأنّ رجلا لو وطأ زوجته ولم يلتذّ بوطئها ، لأنّ نفسه عافتها ، أو كرهتها ، أو لغير ذلك من الأسباب ، لكان دفع المهر واجبا ، وإن كان الالتذاذ مرتفعا.

فعلمنا أنّ لفظ الاستمتاع في الآية إنّما أريد به العقد المخصوص دون غيره.

وأيضا : فقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال من الصحابة والتابعين ، كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وابن عباس ، ومناظرته لابن الزبير عليها معروفة ، رواها الناس كلّهم ، ونظم الشعراء فيها الأشعار ، فقال بعضهم :

أقول للشيخ لما طال مجلسه

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس

هل لك في قنية بيضاء بهكنة (٢)

يكون مثواك حتى مصدر الناس

وعبد الله بن مسعود ، ومجاهد ، وعطاء ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، وسلمة بن الأكوع ، وأبي سعيد الخدري ، والمغيرة بن شعبة ، وسعيد بن جبير ،

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) البهكن البهكنة : الغض والغضة. « أقرب الموارد ».

٦١٩

وابن جريح ، فإنّهم كانوا يفتون بها فادّعاء الخصم الاتفاق على حظر النكاح المؤجل باطل.

وأيضا فإجماع أصحابنا حجة على إباحة هذا النكاح.

وهو ما قدّمنا ذكره من عقد الرجل على امرأة مدة معلومة بمهر معلوم.

ولا بدّ من هذين الشرطين ، فإن لم يذكر المدة كان النكاح دائما ، إذا كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح ، على ما حررناه في ما تقدّم ، فإن كان بلفظ التمتع بطل العقد.

وإن ذكر الأجل ولم يذكر المهر بطل النكاح ، وإن ذكر مدة مجهولة لم يصح العقد على الصحيح من المذهب.

فأمّا ما عدا الشرطين فمستحب ذكره ، دون أن يكون ذلك من الشرائط الواجبة.

وأمّا الاشهاد والإعلان فمسنونان في نكاح الدوام ، فأمّا النكاح المؤجل فليسا بمسنونين فيه ولا واجبين ، اللهم إلا أن يخاف الإنسان التهمة بالزنا ، فيستحب له حينئذ أن يشهد على العقد شاهدين.

والمستحب له إذا أراد هذا العقد أن يطلب امرأة عفيفة مؤمنة مستبصرة ، فإن لم يجد بهذه الصفة ووجد مستضعفة جاز أن يعقد عليها ، ولا بأس أن يعقد على اليهودية والنصرانية هذا النكاح في حال الاختيار ، فأما من عدا هذين الجنسين من سائر الكفار ، سواء كانت مجوسية أو غيرها ، كافرة أصل أو مرتدة أو كافرة ملة ، فلا يجوز العقد عليها ولا وطؤها حتى تتوب من كفرها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ويكره التمتع بالمجوسية ، وليس ذلك بمحظور (١) وهذا خبر أورده إيرادا لا اعتقادا ، لأنّ إجماع أصحابنا بخلافه ، وشيخنا المفيد « رحمه‌الله » في مقنعته يقول : لا يجوز العقد على المجوسيّة (٢) وقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٣) وقوله : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب المتعة وأحكامها.

(٢) المقنعة : باب العقود على الإماء ، والعبارة هكذا : ولا يجوز ، وطء المجوسية المجوسية ، ص ٥٠٨.

(٣) الممتحنة : ١٠.

٦٢٠