كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

الذمة من العود به عليهن.

فان لم يدخل بالكبار فلا يستحققن عليه مهرا ، لان الفسخ جاء من قبلهن قبل الدخول بهن ، وكل فسخ جاء من قبل النساء قبل الدخول بهن ، أبطل مهورهن بغير خلاف ، فامّا الصغار فقد قلنا انّهن لا يحرمن عليه ، فمهورهن ثابتة في ذمته لا تسقط.

وقد قدّمنا أنّه لا يجوز للرجل المسلم ان يعقد على الكافرات ، على اختلافهن ، فان اضطر الى العقد عليهن ، عقد على اليهودية والنصرانية ، وذلك جائز عند الضرورة ، على ما روي (١) في بعض الاخبار.

ولا بأس ان يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار ، لكنّه يمنعهن من شرب الخمور ، ولحم الخنزير ، وقال بعض أصحابنا انه لا يجوز العقد على هذين الجنسين عقد متعة ، ولا عقد دوام ، وتمسك بظاهر الآية ، وهو قوي يمكن الاعتماد عليه ، والركون اليه (٢) وجميع المحرّمات في شريعة الإسلام.

ولا بأس بوطي الجنسين أيضا في حال الاختيار بملك اليمين ، ولا بأس باستدامة العقد الدائم أيضا على الجنسين أيضا ، دون ابتدائه واستئنافه ، لأنه يحل في الاستدامة مالا يحل في الابتداء.

ولا يجوز وطؤه ما عدا الجنسين بملك اليمين ، ولا بأحد العقود ، سواء كان العقد دائما مبتدأ ، أو مستداما أو مؤجلا.

وقد روى (٣) رواية شاذة انه يكره وطي المجوسيّة بملك اليمين وعقد المتعة ، وليس ذلك بمحظور ، أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته (٤) إيرادا لا اعتقادا.

ورجع عن ذلك في كتابه التبيان ، في تفسير قوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ٣.

(٢) وقوله : « رحمه‌الله » وجميع إلخ عطف على لحم الخنزير ، ولعلّ قوله « رحمه‌الله » وقال بعض أصحابنا إلخ حاشيته منه « رحمه‌الله » دخل في المتن.

(٣) لم نقف عليها في المجاميع الروائية.

(٤) النهاية : كتاب النكاح باب ما أحل الله من النكاح وما حرّم منه.

٥٤١

الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (١) فإنه قال : فأما المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا ، وشيخنا المفيد في مقنعته (٢) يحرّم ذلك ، ولا يجوزه.

وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه ، ويقتضيه أصول المذهب ، وقوله تعالى : ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٣) وقوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) (٤).

وإذا أسلم اليهودي والنصراني ، ولم تسلم امرأته ، جاز له ان يمسكها بالعقد الأول ، ويطأها على ما قدّمناه ، فإن أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل ، فإنه ينتظر به عدتها ، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها ، فإنه يملك عقدها ، وان أسلم بعد انقضاء العدة ، فلا سبيل له عليها ، سواء كان بشرائط الذمة ، أو لم يكن لا يختلف الحكم فيه بحال على الصحيح من الأقوال ، وكذلك الحكم فيمن لا ذمة له من سائر أصناف الكفار ، فإنّه ينتظر به انقضاء العدّة ، فإن أسلم كان مالكا للعقد ، وإن لم يسلم إلا بعد ذلك فقد بانت منه ، وملكت نفسها.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : فإن أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل ، وكان الرجل على شرائط الذمة ، فإنّه يملك عقدها ، غير أنّه لا يمكن من الدخول إليها ، ليلا (٥) ولا من الخلو بها ، ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب ، وإن لم يكن بشرائط الذمة ، فإنّه ينتظر به عدّتها ، فإن أسلم قبل انقضاءها فإنّه يملك عقدها ، وإن أسلم بعد انقضاء العدّة ، فلا سبيل له عليها (٦). إلا أنّه رجع عمّا ذكره ، وأورده في نهايته ، إيرادا لا اعتقادا من أخبار الآحاد ، في مسائل خلافه ومبسوطة ، فقال في مسائل خلافه : مسألة إذا كانا وثنيين ، أو مجوسيين ، أو أحدهما مجوسيا والآخر وثنيا ، فأيّهما أسلم ، فإن كان قبل الدخول بها ، وقع الفسخ في الحال ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدّة ، فإن أسلما

__________________

(١) و (٤) البقرة : ٢٢١.

(٢) المقنعة : أبواب النكاح باب من يحرم نكاحهن ص ٥٠٠.

(٣) الممتحنة : ١٠.

(٥) ل : ليلا ولا نهارا.

(٦) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

٥٤٢

قبل انقضاءها ، فهما على النكاح ، وإن انقضت العدّة انفسخ النكاح ، وهكذا إذا كانا كتابيين ، فأسلمت الزوجة ، سواء كان في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، ثمّ قال رحمه‌الله : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم (١) هذا آخر كلامه رحمه‌الله في مسائل خلافه في الجزء الثاني.

وهو الذي اخترناه ، ويقوى عندنا ، لأنّ الأدلة تعضده من الكتاب والسنة والإجماع ، وليس على ما أورده من الرواية الشاذة في نهايته دليل.

وقال في مبسوطة : وروي في بعض أخبارنا ، أنّها إذا أسلمت ، لم ينفسخ النكاح بحال ، فجعل القول الذي اعتمده في نهايته واستبصاره ، رواية ، ثم ضعفها بقوله : « في بعض أخبارنا » ومعظم ما يسطّره ويطلقه على هذا المنهاج (٢) ، وأيضا لو كانت عنده صحيحة ، لما قال في استدلاله في مسائل خلافه : دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وأيضا فيها ، ما يقضى على وهنها ، وضعفها ، لأنّه قال :

فإن كان الرجل بشرائط الذمة ، فإنّه يملك عقدها ، غير أنّه لا يمكن من الدخول إليها ليلا (٣) ، ولا يخلو بها ، وهذا ممّا يضحك الثكلى ، إن كانت زوجته فلا يحلّ أن يمنع منها ، ثمّ إن منع منها ومن الدخول إليها فإنّ نفقتها تسقط ، لأنّ النفقة عندنا في مقابلة الاستمتاع ، وهذا لا يتمكن من ذلك ، فتسقط النفقة عنه.

والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٤) ومن ملكه عقدها فقد جعل له من أعظم السبل عليها ، والله تعالى نفى ذلك على طريق الأبد بقوله : « ولن » ، وأيضا فالإجماع منعقد على تحريم إمساكها ، وأن يجعل للكافر عليها السبيل ، وشيخنا أبو جعفر في نهايته محجوج بقوله في مسائل خلافه ، ومبسوطة.

__________________

(١) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ١٠٥

(٢) ل. ق : المنهاج والصفة.

(٣) ل : ليلا ولا نهارا.

(٤) النساء : ١٤١.

٥٤٣

ويكره للرجل أن يتزوج بامرأة فاجرة معروفة بذلك ، فإن تزوج بها فليمنعها من ذلك.

وإذا فجرت المرأة عند الرجل لا ينفسخ نكاحها ، وكان مخيّرا بين إمساكها وطلاقها ، والأفضل له طلاقها.

وقد قلنا : إنّ شيخنا أبا جعفر ذكر في نهايته أنّ الرجل إذا فجر بامرأة غير ذات بعل ، فلا يجوز له العقد عليها ما دامت مصرّة على مثل ذلك الفعل ، فإن ظهر له منها التوبة ، جاز له العقد عليها ، وتعتبر توبتها بأن يدعوها إلى مثل ما كان منه ، فإن أجابت امتنع من العقد عليها ، وإن امتنعت عرف بذلك توبتها (١).

إلا أنّه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ، فقال : مسألة ، إذا زنى بامرأة جاز له نكاحها فيما بعد ، وبه قال عامّة أهل العلم ، وقال الحسن البصري : لا يجوز ، وقال قتادة وأحمد : إن تابا جاز ، وإلا لم يجز ، وروي ذلك في أخبارنا (٢) ، دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل الإباحة ، وأيضا قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٣) ولم يفصّل ، وقال تعالى ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٤) ولم يفصّل ، وروت عائشة أنّ النبي عليه‌السلام قال : « الحرام لا يحرّم الحلال » وعليه إجماع الصحابة ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وابن عباس ، ولا مخالف لهم (٥). هذا آخر كلامه رحمه‌الله في المسألة.

وهو الذي اخترناه فيما مضى.

لا عدّة على الزانية ، ويجوز لها أن تتزوج ، سواء كانت حاملا أو حائلا ، لأنّ الأصل براءة الذمة من العدّة عليها.

وقد قلنا : إنّه لا يجوز العقد على امرأة وعند الرجل عمتها أو خالتها ، إلا

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله من النكاح وما حرّم منه.

(٢) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها من كتاب النكاح.

(٣) النساء : ٣.

(٤) النساء : ٢٤.

(٥) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ٧١.

٥٤٤

برضى منهما ، فإن عقد عليها كانت العمة والخالة مخيّرة بين إمضاء العقد وبين الاعتزال ، فإن أمضت كان ماضيا على ما روي (١) ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).

والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنّه يحتاج إلى عقد ثان ، إذا عقد من غير اذنها ثمّ رضيت ، لا يكفي رضاها ، بل يحتاج إلى عقد مستأنف ، لأنّ ذلك العقد الأول منهيّ عنه ، والنهي يدلّ على فساد المنهي عنه ، فإن اعتزلت واعتدت كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج ، ومغنيا عن الطلاق ، ولا يستحق في هذه العدّة عليه نفقة ، لأنّها عدة فسخ ، وله أن يتزوج بأختها في الحال. ولا يجوز له أن يستبيح وطء بنت الأخ أو بنت الأخت إلا بعقد مستأنف على ما قدّمناه ، لأنّ العقد الأوّل وقع فاسدا.

ولا بأس بالعقد على العمة والخالة وعنده بنت الأخ أو بنت الأخت ، وإن لم ترضيا بذلك على ما قدّمناه.

وحكم العمة والخالة من جهة الرضاع حكمهما من جهة النسب على السواء.

ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمة وعنده حرّة إلا برضاها ، فإن عقد عليها من غير رضاها كان العقد باطلا بغير خلاف ، فإن أمضت الحرة العقد مضى ، ولم يكن لها بعد ذلك اختيار ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك ، وإن أبت واعتزلت وصبرت إلى انقضاء عدّتها ، كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج ، ولا تحل له الأمة بالعقد الأول ، بل لا بدّ من عقد ثان ، لأنّ الأول وقع باطلا ، لأنّه قبل الرضا والإذن ، وذلك منهي عنه ، والنهي يدلّ على فساد المنهي عنه.

وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان : من شرط صحّة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء أن لا يكون عنده حرة ، وهكذا عندنا إلا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة ، فإن أذنت كان العقد صحيحا عندنا ، ومتى عقد عليها بغير إذن

__________________

(١) لم نقف عليها في المجاميع الروائية ، ولعلّ ظاهر عبارة المتن أيضا أنّها لم ترد إلا في نهاية الشيخ.

(٢) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحلّ الله النكاح وما حرّم منه.

٥٤٥

الحرة ، كان العقد على الأمة باطلا ، وروى أصحابنا أنّ الحرّة تكون بالخيار بين أن تفسخ عقد الأمة ، أو تفسخ عقد نفسها ، والأول أظهر ، لأنّه إذا كان العقد باطلا ، لا يحتاج إلى فسخه (١) هذا آخر كلامه.

قال محمّد بن إدريس : نعم ما قال وحقق هاهنا رحمه‌الله.

ثم قال : فأمّا تزويج الحرة على الأمة فجائز ، وبه قال الجبائي ، وفي الفقهاء من منع منه ، غير أنّ عندنا لا يجوز ذلك إلا بإذن الحرة ، فإن لم تعلم الحرة بذلك ، كان لها أن تفسخ نكاحها أو نكاح الأمة (٢) ، هذا آخر كلامه رحمه‌الله.

قال محمّد بن إدريس : ليس لها أن تفسخ نكاح الأمة إذا كان عقد الأمة متقدّما على عقدها ، بل لها أن تفسخ عقد نفسها فحسب ، دون عقد الأمة المتقدّم على عقدها بغير خلاف بيننا في ذلك ، وهو مذهب شيخنا في نهايته (٣) ، ومبسوطة (٤) ، وجميع كتبه ، وهو الحقّ اليقين ، لأنّ فسخه يحتاج إلى دلالة.

والذي اعتمد عليه ، وافتي به ، أنّ الحرة إذا كان عقدها متقدّما ، فالعقد على الأمة باطل ، ولا تكون الحرة بين ثلاث اختيارات ، على ما روي في بعض الروايات (٥) وهو خبر واحد ضعيف ، عن زرعة ، عن سماعة ، وهما فطحيان ، أورده شيخنا في نهايته (٦) ، ورجع عنه في تبيانه (٧) ، وقال في مبسوطة : ونكاح الأمة باطل إجماعا (٨).

__________________

(١) و (٢) التبيان : ج ٣ ، ص ١٦٩ و ١٧٠ ، ذيل الآية ٢٥ من سورة النساء.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحل الله من النكاح وما حرّم منه.

(٤) و (٨) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ٢١٥.

(٥) الوسائل : الباب ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٣ لكن الراوي عن سماعة هو يحيى اللحّام. كما أن المذكور فيها اختياران ، لا ثلاث ، فراجع.

(٦) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحل الله النكاح وما حرّم منه ، إلا أنّ العبارة هكذا : ولا يجوز للرجل ان يعقد على أمة وعنده حرّة إلا برضاها ، فإن عقد عليها من غير رضاها كان العقد باطلا.

(٧) التبيان : ج ٣ ، ص ١٧٠ ، ذيل الآية ٢٥ من سورة النساء ، والعبارة هكذا : ومتى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد على الأمة باطلا.

٥٤٦

فإن عقد في حالة واحدة على حرّة وأمة ، كان العقد على الحرة ماضيا ، والعقد على الأمة باطلا ، على ما روي في الأخبار (١).

فإن عقد على حرّة ، وعنده أمة زوجة ، والحرة غير عالمة بذلك ، فإذا علمت أنّ له امرأة أمة ، كانت مخيّرة في فسخ نكاحها دون نكاح الأمة ، على ما قدّمناه وبيّناه ، فمتى رضيت بذلك ولم تفسخ النكاح ، لم يكن لها بعد ذلك فسخ ، ولا اختيار.

وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : إذا عقد الكافر في حال كفره على امرأة وبنتها في حالة واحدة ، أو واحدة بعد اخرى ، ثمّ أسلم قبل الدخول بواحدة منهما ، أمسك أيتهما شاء (٢).

قال محمد بن إدريس : الذي يقتضيه أصول مذهبنا أنّ الأم قد حرّمت عليه أبدا ، لأنّها من أمهات نسائه ، فأمّا البنت فله أن يختارها ويمسكها زوجة ، لأنّها بنت من لم يدخل بها ، وإنّما اختار شيخنا قول بعض المخالفين ، وإن كان لهم فيه قول آخر.

ويكره العقد على الأمة مع وجود الطول لنكاح الحرة ، فأمّا مع عدمه فلا بأس بالعقد عليها ، ومتى عقد على الأمة مع وجود الطول ، كان العقد ماضيا ، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل.

وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته (٣) ، وشيخنا المفيد في مقنعته (٤).

وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، إلى أنّ ذلك لا يجوز ، وأنّه غير ماض واستدل بعموم الآية (٥).

وقال في كتاب التبيان في تفسير قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) (٦) قال رحمه‌الله : وهذه الآية على عمومها

__________________

(١) الوسائل : الباب ٤٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.

(٢) الخلاف : كتاب النكاح ، مسألة ١٠٨.

(٣) النهاية : كتاب النكاح ، باب ما أحل الله من النكاح وما حرّم منه.

(٤) المقنعة : باب ضروب النكاح ، باب العقود على الإماء ص ٥٠٥ ، وفيه خلاف ما أورده عنه هنا

(٥) الخلاف : كتاب النكاح ، المسألة ٨٦.

(٦) البقرة : ٢٢١.

٥٤٧

عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار ، وليست منسوخة ولا مخصوصة ، فأمّا المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا ، ثمّ قال : وفي الآية دلالة على جواز نكاح الأمة المؤمنة ، مع وجود الطول ، لقوله تعالى ( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ) فأمّا الآية التي في النساء وهي قوله ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) (١) فإنّما هي على التنزيه دون التحريم (٢) هذا آخر كلامه رحمه‌الله في التبيان.

والأظهر من أقاويل أصحابنا ، أنّ العقد ما وقد يخص العموم بالأدلة ، وأيضا قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٣) وأيضا الأصل الإباحة ، والمنع يحتاج إلى دليل.

وقد روي أنّه يكره العقد على القابلة وابنتها (٤).

ولا بأس أن يجمع الرجل بين امرأة قد عقد عليها وبين امرأة أبيها ، أو سرّيته ، إذا لم تكن أمها.

ويكره أن يزوج الرجل ابنه بنت امرأة كانت زوجته ، وقد دخل بها إذا كانت البنت قد ولدت بعد مفارقتها إيّاه ، وليس ذلك بمحظور ، فإن كانت البنت ولدت قبل عقد الرجل عليها ، لم يكن بذلك بأس ، على ما روي في الأخبار من الكراهة في المسألة الاولى (٥).

ولا بأس للمريض أن يتزوج في حال مرضه ، فإن تزوج ودخل بها ثمّ مات ، كان العقد ماضيا ، وتوارثا ، وإن مات قبل الدخول بها والبراء ، كان العقد باطلا ، على ما رواه أصحابنا (٦) وأجمعوا عليه ، فإذا أقام الرجل بيّنة على العقد على امرأة ، وأقامت أخت المرأة البينة بأنّها امرأة الرجل ، كانت البينة

__________________

(١) النساء : ٢٥.

(٢) التبيان : ج ٢ ص ٢١٧ و ٢١٨ مع تقطيع في العبارة.

(٣) النساء : ٣.

(٤) الوسائل : الباب ٣٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها.

(٥) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ٥.

(٦) الوسائل : الباب ٤٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها ، ح ١.

٥٤٨

بيّنة الرجل ، ولا يلتفت إلى بيّنتها ، إلا أن تكون بيّنتها قبل بيّنة الرجل ، أو يحصل دخول بها ، فإن ثبت لها إحدى هاتين البينتين أبطلت بينة الرجل.

وإذا عقد الرجل على امرأة فجاء آخر ، فادّعى أنّها زوجته ، لم يلتفت إلى دعواه ، إلا أن يقيم البينة.

وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطة : وإن تزوج أمة وعنده حرة ، فنكاح الأمة باطل إجماعا (١) هذا آخر كلامه.

قال محمّد بن إدريس : ونعم ما قال ، وحققنا ما عندنا في ذلك ، وقلنا لا خيار لها ، لأنّ العقد باطل ، فمن جعل لها الخيار يحتاج إلى دليل قاهر ، لأنّ الأصل صحة عقدها ، ولا يرجع في ذلك إلى خبر سماعة الفطحي (٢) في مثل ذلك ، لأنّ أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.

ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخيه ، إذا لم تكن أختا له ، وقد روي أن تركه أفضل (٣).

وقد روي كراهية أن يتزوّج الرجل بضرة أمّه التي كانت مع غير أبيه (٤).

وقد قلنا إن نكاح بنات المرأة المدخول بها حرام محظور بغير خلاف ، سواء كن ربائب في حجره ، أو لم يكنّ ، وكذلك بنات البنت وان نزل ، ونكاح بنات ابن البنت وإن نزلن محرم أيضا بلا خلاف ، لتناول الظاهر لهن ، ولمكان الإجماع على ذلك.

باب أقسام النكاح

النكاح المباح على ثلاثة أقسام ، قسم منها هو النكاح المستدام الذي يسمّى

__________________

(١) المبسوط : ج ٤ ، كتاب النكاح ، ص ٢١٥.

(٢) الوسائل : الباب ٤٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ٣.

(٣) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالنسب ، ح ٢ و ٤.

(٤) الوسائل : الباب ٤٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، ح ١.

٥٤٩

نكاح الغبطة ، ومعناها وحقيقة لغتها الدوام والإقامة ، يقال : أغبطت السماء بالمطر ، واغبطت الحمى على الإنسان إذا دامت وأقامت ، وكذلك المطر ، فكان معناه نكاح الإقامة والدوام ، قال كثير :

فلم أر دارا مثلها دار غبطة

ولهو إذا التفت الحجيج بمجمع

يريد بذلك دار اقامة.

ولا يكون مؤجلا بأيام معلومة ، ولا شهور معيّنة.

ويجب فيه النفقة مع التمكن من الاستمتاع.

ويستحب فيه الإعلان والإشهاد عند العقد ، وليست الشهادة عند أهل البيت عليهم‌السلام شرطا في صحّته ، بل من مستحباته ، وبه تجب الموارثة.

وهو نكاح لا يزول إلا بالطلاق ، أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.

ونكاح المتعة وهو المؤجل بالسنين والأعوام ، أو الشهور والأيام ، والمهر المعيّن ، ومن شرط صحته ذكر الأجل المحروس ، والمهر المعيّن ، أو الموصوف ، وبهذين الحكمين يتميز من نكاح الغبطة ، ومتى لم يذكر فيه الأجل ، وذكر المهر ، وإن سمّى ونطق عند العقد بالمتعة ، كان النكاح دائما ، هكذا ذكره شيخنا في نهايته (١).

والذي يقوى في نفسي ، ويقتضيه أصول المذهب ، أن النكاح غير صحيح ، لأنّ العقد الدائم لا ينعقد إلا بلفظتين ، زوجت وأنكحت ، وما عداهما لا ينعقد به ، وفي هذا الموضع لم يأت بإحدى اللفظتين ، ويمكن أن يقال يكون العقد دائما إذا لم يذكر الأجل وذكر المهر ، إذا كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح ، دون لفظ التمتع.

وأيضا لا خلاف بيننا في أنّه إذا لم يذكر المهر والأجل في لفظ عقد المتعة ، كان العقد باطلا ، ولم يبطل إلا من حيث التلفظ بالتمتع في الإيجاب ، فلو ذكر التزويج أو النكاح مثلا ، بأن قالت : زوجتك أو أنكحتك ولم يذكر المهر

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب ضروب النكاح ، والعبارة هكذا : ومتى لم يذكر فيه الأجل وإن سمّى المتعة كان النكاح دائما.

٥٥٠

والأجل ، أو تلفظ الرجل في إيجابه بلفظ النكاح أو التزويج ، ولم يذكر المهر والأجل ، فإنّ العقد يكون صحيحا بغير خلاف بين أصحابنا ، فما المؤثر في فساد العقد ، إلا التلفظ بالتمتع ، والإخلال بالمهر أو الأجل أو بهما. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ عقد الدوام ينعقد بثلاثة ألفاظ ، زوجتك ، وأنكحتك ، وأمتعتك ، فعلى هذا المذهب يصح ما قاله شيخنا رحمة الله والأول هو الأظهر بين الأصحاب.

ومتى لم يذكر المهر مع الأجل ، كان العقد غير صحيح.

ونكاح بملك الايمان ، وهو يختص الإماء دون الحرائر.

وستقف إن شاء الله تعالى على شرائط هذه الأقسام الثلاثة من النكاح ، فإنّا نفرد لكلّ قسم منها بابا إن شاء الله.

وليس يخرج عن هذه الأقسام الثلاثة ما روى أصحابنا من تحليل الرجل جاريته ، لأخيه (١) ، لأن هذا داخل في جملة الملك ، لأنّه متى أحلّ جاريته له ، فقد ملكه وطئها فهو مستبيح للفرج بالتملك ، حسب ما قدّمناه.

باب الرضاع ومقدار ما يحرم من ذلك وأحكامه

الذي يحرّم من الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم ، على ما قدّمناه ، فإن علم ذلك ، وإلا كان الاعتبار بخمس عشرة رضعة ، على الأظهر من الأقوال ، وقد حكينا الخلاف في ذلك فيما مضى (٢) ، فلا وجه لا عادته إلا أنّا اخترنا هناك التحريم بعشر رضعات ، وقويناه.

والذي افتى به وأعمل عليه الخمس عشرة رضعة ، لأنّ العموم قد خصّصه جميع أصحابنا المحصّلين ، والأصل الإباحة والتحريم طارئ ، فبالإجماع من الكلّ يحرّم الخمس عشرة رضعة ، فالتمسك بالإجماع أولى وأظهر ، فإنّ الحقّ أحق أن يتبع.

وحدّ الرضعة ما يروي الصبيّ ، دون المصة.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٣١ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) راجع ص ٥٢٠ من الكتاب.

٥٥١

وتكون الرضعات متواليات ، لم يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى ، فإن لم يفصل برضاع امرأة أخرى ، بل فصل بينهن بوجور الصبي اللبن ، أو بحقنته ذلك ، فلا يعتد بذلك في الفصل.

فإن لم ينضبط العدد اعتبر برضاع يوم وليلة ، إذا لم ترضع امرأة أخرى.

فمتى كان الرضاع أقل ممّا ذكرناه ، مما لا ينبت اللحم ولا يشد العظم ، أو كان أقل من خمس عشرة رضعة ، أو مع استيفاء العدد ، قد فصل بينهنّ برضاع امرأة أخرى ، أو كان أقل من يوم وليلة لمن لا يراعى العدد ، أو مع تمام يوم وليلة دخل بينه رضاع امرأة أخرى ، فإنّ ذلك لا يحرّم ، ولا تأثير له في التحريم.

والمحرّم من ذلك أن يكون الرضاع في مدة الحولين من عمر الصبي المرتضع ، فإن كان بعض الرضعات في مدة الحولين ، وبعضها بعدهما ، فلا تأثير لذلك في التحريم.

وكذلك إن كانت المرأة المرضعة ، قد ماتت وتمم العدد بعد موتها ، فلا تأثير أيضا لذلك في التحريم.

فإن حصل الرضاع أو بعضه بعد الحولين سواء كان قبل فطام المرتضع أو بعده ، قليلا كان أو كثيرا ، فإنّه لا يحرم.

وكذلك إن درّ لبن امرأة لست مرضعة ، فأرضعت صبيا أو صبيّة ، فإنّ ذلك لا تأثير له في التحريم.

وإنّما التأثير للبن الولادة من النكاح المشروع فحسب ، دون النكاح الحرام والفاسد ، ووطء الشبهة ، لأنّ نكاح الشبهة عند أصحابنا لا يفصلون بينه وبين الفاسد إلا في إلحاق الولد ورفع الحدّ ، فحسب ، وإن قلنا في وطء الشبهة بالتحريم ، كان قويا ، لأن نسبه عندنا نسب صحيح شرعي ، والرسول عليه‌السلام قال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (١) ، فجعله أصلا للرضاع ، ولي في ذلك نظر وتأمّل.

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، ح ١ و ٤ و ٧.

٥٥٢

ومتى حصل الرضاع على الصفة التي ذكرناها فإنّه بمنزلة النسب ، يحرم منه ما يحرّم من النسب ، إلا أنّ النسب منه يراعى من جهة الأب خاصة ، دون الام ، ومعنى ذلك ، انّ المرأة إذا أرضعت صبيا بلبن بعل لها ، وكان لزوجها عدة أولاد من أمهات شتّى ، فإنّهم يحرّمون كلّهم على الصبيّ المرتضع ، ولادة كانوا أو رضاعا ، فأمّا اخوته المنتسبون إلى امه المرضعة ، فإنّما يحرم عليه منهم من كان منها ولادة ، دون الرضاع ، لاختلاف لبن الفحلين.

مثاله أنّه لو أرضعت امرأة صبيا من غيرها ، بلبن بعل لها ، وكان للمرأة بنت برضاع من غير ذلك البعل ، لحلّ التناكح بين الابن والبنت ، ولم يحرّم ذلك الرضاع ، لاختلاف لبن الفحلين ، فإن كان رضاعها لابن القوم بلبن من أبي بنتها التي هي منسوبة إليها بالرضاع ، دون الولادة ، حرّم ذلك التناكح بينهما على ما بيّناه ، لأنّ اللبن هاهنا لبن فحل واحد.

وان كان لامه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع ، فهي أخته لأمّه عند المخالفين من العامة ، لا يجوز له أن يتزوجها ، وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم : يحلّ له تزويجها ، لأنّ الفحل غير الأب ، وبهذا فسّروا قول الأئمة عليهم‌السلام في ظواهر النصوص ، وألفاظ الأخبار المتواترة ، « أن اللبن للفحل » (١) يريدون بذلك لبن فحل واحد. فأمّا إذا كان فحلان ولبنان ، فلا تحريم.

فأمّا إذا كانت لها بنت من غير هذا الفحل ولادة ، فلا خلاف أنّها تحرم.

وإن كان لها بنت من زوجها ، فهي أخته لأبيه وامّه.

وأمّا زوج المرضعة ، فهو الفحل الذي له اللبن ، وهو أبوه من الرضاع ، وأخوه عمّه ، وأخته عمته ، وآباؤه أجداده ، فإن كان لهذا الفحل ولد من غير هذه المرضعة ، فهو اخوه لأبيه ، وإن كان له ولد من هذه المرضعة ، فهو اخوه لأبيه

__________________

(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

٥٥٣

وامّه ، وهذا معنى قولهم عليهم‌السلام : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » (١).

فعلى هذا التقدير ، يحرم أولاد الفحل على هذا المرتضع ولادة ورضاعا.

فأمّا أولاد الأم المرضعة فإنّه لا يحرم على المرتضع ، إلا أولادها ولادة ، فأمّا أولادها المنتسبون إليها بالرضاع فلا يحرمون عليه بحال.

والذي يدور عقد الرضاع عليه ، وجملة بابه ، أنّ امرأة الرجل إذا كان بها لبن منه ، فأرضعت مولودا الرضعات على الصفة المقدّم ذكرها ، صار كأنّه ابنهما من النسب ، فكل من حرم على ابنهما من النسب ، حرم على هذا ، لأنّ الحرمة انتشرت منه إليهما ، ومنهما إليه ، فالتي انتشرت منه إليهما ، أنّه صار كأنه ابنهما من النسب ، والحرمة التي انتشرت منهما إليه ، وقفت عليه وعلى نسله ، دون من هو في طبقته من اخوته وأخواته ، أو أعلى منه من آبائه وأمّهاته ، فيجوز للفحل أن يتزوّج بأمّ هذا المرضع ، وبأخته ، وبجدته ، ويجوز لوالد هذا المرضع أن يتزوج بالتي أرضعته ، لأنّه لا نسب بينهما ، ولا رضاع ، ولأنّه لمّا جاز أن يتزوج أم ولده من النسب ، فبان يجوز أن يتزوج أم ولده من الرضاع ، أولى.

فإن قيل : أليس لا يجوز له أن يتزوج أم أم ولده من النسب ، ويجوز له أن يتزوج بأم أم ولده من الرضاع ، فكيف جاز هذا ، وقد رويتم وقلتم أنّه « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب »؟

قلنا : أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب ، إنّما حرمت بالمصاهرة قبل وجود النسب ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنّما قال : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطة (٢) ، من قولنا والذي يدور عقد الرضاع عليه ، وهو كلام الشافعي ، ومذهبه ، وسؤاله نفسه وجواباته عنها في قوله : فيجوز للفحل

__________________

(١) الوسائل : الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٢) المبسوط : ج ٥ ، كتاب الرضاع ، ص ٣٠٥.

٥٥٤

أن يتزوج بأم هذا المرضع وبأخته وبجدته.

قال محمّد بن إدريس ، مصنّف هذا الكتاب : أمّا تزويجه بأخته وبجدته ، فلا يجوز بحال ، لأنّا في النسب لا يجوز أن يتزوج الإنسان بأخت ابنه ، ولا بأم امرأته بحال ، وانّما الشافعي علل ذلك بالمصاهرة ، وليس هاهنا مصاهرة ، وكذا في قوله وسؤاله نفسه « أليس لا يجوز له يتزوج أم أم ولده من النسب ويجوز أن يتزوج أم أم ولده من الرضاع » أجاب « بأنّ أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب ، وانّما حرمت بالمصاهرة قبل وجود النسب » وعلّل ذلك بالمصاهرة ، فلا يظن ظان بأنّ ما قلناه كلام شيخنا أبي جعفر.

والذي يقتضيه مذهبنا ، أنّ أم أم ولده من الرضاع محرمة عليه ، كما أنّها محرّمة عليه من النسب ، لأنّه أصل في التحريم ، من غير تعليل ، فعلى هذا امرأة لها لبن أرضعت بنتا لقوم ، الرضاع المحرّم ، ولتلك البنت المرضعة أخت ، فإنّه يحل لابن المرضعة الذي قد شربت هذه البنت المرضعة منه ، أن يتزوج بأختها ، وهي أخت أخته من الرضاع ، لما مضى من الأصل ، وهو أنّه انّما يحرم هذا المرضع وحده ، ومن كان من نسله ، دون من كان في طبقته وهذه من طبقته ، لأنّه لا نسب بينه وبين أخت أخته ، ولا رضاع.

ومثاله في النسب ، رجل له ابن تزوّج امرأة لها بنت ، فولدت منه بنتا ، فهذه البنت أخت ابنه من أبيه ، فله أن يتزوج بأختها التي هي بنت زوجة أبيه من غير امّه ، وهي أخت أخته من النسب ، لأنّه لا نسب بينهما ، ولا رضاع.

وهكذا يجوز له أن يتزوج أخت أخيه من الرضاع ، بيانه امرأة لها ابن كبير وابن صغير ، ثم إنّ أجنبيّة لها بنت أرضعت هذا الصغير ، فانّ هذا الصغير أخو هذه الصغيرة من الرضاع ، ولهذا الابن الكبير أن يتزوّج بهذه الصغيرة ، وهي أخت أخيه كما قلناه في النسب.

وعلى هذا يدور كتاب الرضاع ، فكلّما نزلت بك حادثة فارجع إليه ، واعتبر هذا به.

٥٥٥

إذا كان له أربع زوجات ، إحداهن صغيرة لها دون الحولين ، وثلاث كبار لهن لبن ، فأرضعت إحدى الكبار هذه الصغيرة ، انفسخ نكاحهما معا ، فإذا أرضعتها الثانية من الكبار ، انفسخ نكاحها ، لأنّها أم من كانت زوجته ، فإن أرضعتها الثالثة ، انفسخ نكاحها ، لأنّها أم من كانت زوجته.

وروي في أخبارنا أنّ هذه لا تحرم ، لأنّها ليست زوجته في هذه الحال ، وانّما هي بنته والذي قدّمناه هو الذي يقتضيه أصولنا ، لأنّها من أمهات نسائه ، وقد حرّم الله تعالى أمّهات النساء ، وهذه كانت زوجته بلا خلاف.

والرضاع لا يثبت إلا ببينة عادلة ، ولا يقبل فيه شهادة النساء على الصحيح من أقوال أصحابنا.

قال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا ادّعت المرأة انّها أرضعت صبيا لم يقبل قولها ، وكان الأمر على أصل الإباحة (١).

قال محمّد بن إدريس : إن أراد بذلك بعد العقد عليها فصحيح ما قال ، لأنّها ادّعت شيئا يفسخ عقده عليها ، فلا يقبل إقرارها في حقّه ، فأمّا إن ادّعت وأقرّت قبل العقد عليها بأنّه ابنها من الرضاع ، وانّها محرمة عليه ، فلا يجوز العقد وتزويجه بحال ، لأنّ هذا إقرار على نفسها.

وإذا أرضعت المرأة صبيين ، ولكلّ واحد منهما اخوة وأخوات ، ولادة أو رضاعا من غير الرجل الذي رضعا من لبنه ، جاز التناكح بين اخوة وأخوات هذا واخوة وأخوات ذاك ، ولا يجوز التناكح بينهما ، أنفسهما ، ولا بين إخوتهما وأخواتهما من جهة لبن الرجل الذي رضعا من لبنه ، حسب ما قدّمناه.

وروي أنّه إذا ربت المرأة جديا بلبنها ، فإنّه يكره لحمه ولحم كل ما كان من نسله عليها ، وليس ذلك بمحظور.

__________________

(١) النهاية : كتاب النكاح ، باب مقدار ما يحرم من الرضاع وأحكامه.

٥٥٦

وذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في أوّل كتاب الرضاع ، مسألة : إذا حصل الرضاع المحرم ، لم يحل للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع بلبنه ، ولا لأحد من أولاده من غير هذه المرضعة ، ومنها ، لأنّ اخوته وأخواته صاروا بمنزلة أولاده (١).

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : قول شيخنا رحمه‌الله في ذلك غير واضح ، وأي تحريم حصل بين أخت هذا المولود المرتضع ، وبين أولاد الفحل ، وليس هي أختهم لا من أمهم ولا من أبيهم ، والنبي عليه‌السلام جعل النسب أصلا للرضاع في التحريم فقال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وفي النسب لا يحرم على الإنسان نكاح أخت أخيه التي لا من امه ولا من أبيه ، فليلحظ ذلك ويتأمّل.

باب الكفاءة في النكاح واختيار الأزواج

قال الجوهري في كتاب الصحاح : الكفي‌ء النظير ، وكذلك الكفؤ والكفوء ، على فعل وفعول ، والمصدر الكفاءة بالفتح والمدّ (٢).

فعندنا أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران ، الإيمان ، واليسار بقدر ما يقوم بأمرها ، والإنفاق عليها ، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع.

والأولى أن يقال : إنّ اليسار ليس بشرط في صحّة العقد ، وانّما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا بنفقتها ، ولا يكون العقد باطلا ، بل الخيار إليها ، وليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا بان كافرا ، فانّ العقد باطل ، ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار ، فليلحظ ذلك ويتأمّل ، فقد يوجد في كثير من الكتب المصنّفة إطلاق ذلك ، وانّ الكفاءة المعتبرة في صحة النكاح عندنا أمران ، الإيمان والنفقة ، وتحريره ما ذكرناه وبيّناه.

فعلى هذا التحرير ، يجوز العجمي أن يتزوّج بالعربية ، وللعامي أن يتزوّج بالهاشمية ، لأنّ الرسول عليه‌السلام زوّج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب

__________________

(١) الخلاف : كتاب الرضاع ، المسألة ١.

(٢) الصحاح : ج ١ ، ص ٦٨.

٥٥٧

بن هاشم بن عبد مناف ، وهي بنت عمّه عليه‌السلام المقداد بن عمرو وهو عامي النسب ، بغير خلاف.

وكذلك يجوز للعبد أن يتزوّج بحرّة.

ويجوز للفاسق أن يتزوج بالعفيفة ، ولا يفسد العقد ، وإن كان تركه أفضل.

ولا بأس أن يتزوّج أرباب الصنائع الدنيّة أمن الحياكة والحجامة ، والحراسة ، وغير ذلك ، بأهل المروات والبيوتات ، كالتجار والتناء ، والولاة ، ونحو ذلك لقول الرسول والأئمة عليهم‌السلام : « المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض في عقد النكاح كما أنّهم متكافئون في الدماء » (١) إلا ما خرج بالدليل ، من أنّ العبد ليس بكف‌ء للحر في القصاص.

وروي أنّه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته ، وكان عنده يسار بقدر نفقتها ، وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ، ولا يكون مرتكبا لشي‌ء يدخل به في جملة الفساق ، وإن كان حقيرا في نسبه ، قليل المال ، فلم يزوجه إياها ، كان عاصيا لله تعالى ، مخالفا لسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

ووجه الحديث في ذلك أنّه انّما يكون عاصيا إذا ردّه ، ولم يزوّجه ، لما هو عليه من الفقر والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أنّ ذلك ليس بكف‌ء في الشرع ، فأمّا إن ردّه ولم يزوّجه لا لذلك ، بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه ، فلا حرج عليه ، ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث.

ويستحب للإنسان إذا أراد التزويج أن يطلب ذوات الدين والابوات ، والبيوتات ، والأصول الكريمة على الشياع والمتعارف ، بين الناس ، لقول الرسول

__________________

(١) الوسائل : الباب ٢٦ من أبواب مقدمات النكاح ، ح ٣. والباب ٢٣ و ٢٥ منها الحديث ٢ ، ومستدرك الوسائل : الباب ٢٢ من مقدمات النكاح ، ح ٨.

(٢) ويدل على بعض المضمون روايات الباب ٢٨ من أبواب مقدمات النكاح من الوسائل ، وروايات الباب ٢٤ من أبواب مقدمات النكاح من المستدرك.

٥٥٨

عليه‌السلام : تخيّروا لنطفكم ، فانّ العرق دسّاس (١) ، وقوله عليه‌السلام استجيدوا الأخوال (٢). وقوله عليه‌السلام : عليك بذات الدين ، تربت يداك (٣). وهذا دعاء ، بمعنى الدعاء له ، والمدح على فعله إن فعل ، على مذهب كلام العرب ، فإنّهم إذا أرادوا مدح المجوّد في الرمي ، قالوا : قطعت يداه ، ما أرماه ، قال امرؤ القيس :

فهو لا تنمي رميته

ماله لا عدّ من نفره

معناه أماته الله حتى لا يعد في الأحياء من قومه ، ومعنى هذا القول منه ، التعجب ، أي لله درّة ، كما يقال : أهلكه الله ، ما أفرسه! قال أبو عبيد : ترى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يتعمد الدعاء عليه بالفقر ، ولكنّها كلمة جارية على ألسنة العرب ، يقولونها ، وهم لا يريدون وقوع الأمر.

وقال غيره : أراد تربت يداك ، إن لم تفعل ما أمرتك.

وقال ابن الأنباري : معناه ، لله درك إن استعملت ما أمرتك به ، واتعظت بعظتي.

ويجتنب من لا أصل له ولا عقل ، ولا يتزوج المرأة لجمالها ومالها ، إذا لم تكن مرضية في الاعتقاد والأصل والعقل ، فقد روي عنه عليه‌السلام أنّه قال : إيّاكم وخضراء الدمن. فقيل : وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ فقال : المرأة الحسناء من منبت السوء (٤).

وهذا من الفصاحة والاستعارة إلى حدّ تجاوز الغاية والنهاية ، وكيف لا يكون ذلك وهو أفصح العرب ، كما قال عليه‌السلام (٥).

وقد قدّمنا أنّه لا يجوز أن يتزوج مخالفة له في الاعتقاد ، بغير هذه العبارة.

__________________

(١) المحجّة البيضاء : ج ٣ ص ٩٣.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) سنن الترمذي : كتاب النكاح ، الباب ٤ ، ح ١٠٨٦. وفي سنن أبي داود : كتاب النكاح ، الباب ٢ ، ح ٢٠٤٧ : « فاظفر بذات الدين تربت يداك ». ومثله سنن ابن ماجة : الباب ٦ من كتاب النكاح ، ح ١٨٥٨.

(٤) الوسائل : الباب ١٣ من أبواب مقدمات النكاح وآدابه ، ح ٤.

(٥) اختصاص الشيخ المفيد : بعد حديث سقيفة بني ساعدة ، ص ١٨٧. بحار الأنوار ، الباب ١٨ من تاريخ بينا ، ج ١٧ ، ص ١٥٨.

٥٥٩

ولا بأس بنكاح المستضعفات ، ممّن يتشهدن الشهادتين ، ولا يعرف منها. انحراف عن الحقّ ، وحدّ المستضعف من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ، ولا يبغض أهل الحقّ على اعتقاده.

وإذا وجد امرأة لها دين وأصل كريم ، فلا يمتنع من مناكحتها لأجل فقرها ، فانّ الله تعالى يقول ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (١).

ويختار من النساء الولود ، وإن كانت سوءاء قبيحة المنظر ، ويجتنب العقيم منهن ، وإن كانت حسناء جميلة المنظر.

ويستحب التزويج بالأبكار ، فقد روي أنّ النبيّ عليه‌السلام قال : إنّهن أطيب شي‌ء أفواها ، وأدر شي‌ء أخلافا ، وأحسن شي‌ء أخلاقا ، وأفتخ « بالخاء المعجمة » شي‌ء أرحاما (٢) ومعنى « افتخ » : ألين وأنعم.

وروي كراهية التزويج بالأكراد (٣).

ويكره تزويج المجنونة.

ولا بأس أن يتزوج الرجل بامرأة قد علم منها الفجور ، إذا تابت وأقلعت ، وقد روي (٤) أنّه إذا عقد على امرأة ثم علم بعد ذلك العقد أنّها كانت زنت ، كان له أن يرجع على وليها بالمهر ، إذا كان عالما بحالها ، ما لم يدخل بها ، فان دخل بها كان لها المهر بما استحلّ من فرجها ، ولا يكون له فسخ النكاح ، فإن أراد طلاقها فهو مخيّر فيه ، ولا تبين منه إلا بالطلاق ، أو ما يجري مجراه ، وقال بعض أصحابنا : هو من جملة العيوب التي ترد به النساء.

باب من يتولى العقد على النساء

عندنا أنّه لا ولاية على النساء الصغار اللاتي لم يبلغن تسع سنين إلا للأب

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) و (٣) الوسائل : الباب ١٧ و ٣٢ من أبواب مقدمات النكاح.

(٤) الوسائل : الباب ٦ من أبواب العيوب والتدليس ، ح ٤.

٥٦٠