كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

موكله ، في جميع ما يعاد من الاستدراكات والاستحقاقات.

وهذا القول ، قول شيخنا أبي جعفر في نهايته ، إلا أنّه ذهب في الجزء الثاني ، من مسائل خلافه ، في كتاب الرهن ، فقال : مسألة ، إذا باع العدل الرهن بتوكيل الراهن ، وقبض الثمن ، وضاع في يده ، واستحق المبيع من يد المشتري ، فإنه يرجع على الوكيل ، والوكيل يرجع على الراهن ، وكذلك كلّ وكيل باع شيئا ، فاستحقّ ، وضاع الثمن في يد الوكيل ، فإنّ المشتري يرجع على الوكيل ، والوكيل على الموكّل ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال الشافعي في جميع هذه المسائل ، يرجع على الموكّل ، دون الوكيل (١).

إلا أنّه رحمه‌الله ، رجع عن هذا القول ، وعاد إلى ما ذهب إليه في نهايته ، في كتاب التفليس ، من الجزء الثاني أيضا ، من مسائل خلافه ، فقال : مسألة : إذا باع الوكيل على رجل ماله ، أو الولي مثل الأب والجد ، والحاكم ، وأمينه ، والوصيّ ، ثمّ استحق المال على المشتري ، فانّ ضمان العهدة يجب على من بيع عليه ماله ، فإن كان حيا ، كان في ذمّته ، وإن كان ميتا ، كانت العهدة في تركته ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة ، يجب على الوكيل (٢).

فاختار رحمه‌الله ، في تلك المسألة التي في كتاب الرهن ، قول أبي حنيفة ، ثم اختار في هذه المسألة التي ذكرها في كتاب التفليس ، قول الشافعي.

ثمّ دل عليه ، فقال : دليلنا أنّ الأصل براءة الذمّة ، ولا دليل على لزوم ذلك للوكيل ، وهو لا يملك ، فيجب أن يلزم الموكّل ، وإلّا لم يكن من استحق عليه (٣).

هذا آخر كلامه رحمه‌الله ، وهو الذي اخترناه ، ونصرناه ، لأنّ يد الوكيل ، هي يد موكله ، وقائمة مقامها ، ونائبة منابها.

__________________

(١) الخلاف : كتاب الرهن ، المسألة ٤٨.

(٢) الخلاف : كتاب التفليس ، المسألة ١٩.

(٣) الخلاف : كتاب التفليس ، المسألة ١٩. وفيه : للوكيل أو هؤلاء.

٣٤١

باب ابتياع الحيوان وأحكامه

قد بيّنا أن الشرط في الحيوان كلّه ثلاثة أيّام ، يثبت الخيار فيها للمشتري خاصة ، دون البائع ، على الصحيح من الأقوال ، فإن حدث في هذه الثلاثة الأيّام فيه حدث ، أو هلكت عينه ، كان من مال البائع ، دون المشتري ، ما لم يحدث فيه المشتري حدثا مؤذنا بالرضا ، فإن أحدث فيه حدثا ، كان ذلك مبطلا لخياره ، ولم يكن له بعد ذلك ردّه ، فإن لم يحدث فيه حدثا ، إلا أنّه وجد فيه عيبا قبل عقدة البيع ، فله ردّه وأخذ ثمنه ، أو إمساكه وأخذ الأرش ، سواء مضت الثلاثة الأيّام ، أو لم تمض ، فإن حدث في الثلاثة الأيّام حدث ، ينضاف إلى الحدث المتقدّم على عقدة البيع ، فله ردّه ما لم يتصرف فيه ، أو إمساكه وأخذ أرش العيب المتقدّم دون العيب الحادث في الثلاثة الأيام ، فإن حدث فيه بعد الثلاثة الأيام حدث ، ينضاف إلى الحدث الذي قبل عقدة البيع ، لم يكن له ردّه ، وله أرش العيب المتقدّم ، فحسب ، دون الرد.

فإن لم يكن فيه عيب متقدّم ، ولا حدث فيه عيب في الثلاثة الأيام ، إلا أنّ المشتري تصرّف فيه تصرّفا مؤذنا بالرضا ، قبل مضي الثلاثة الأيّام ، بطل الرد ، فإن لم يتصرّف فيه ، بل مضت الثلاثة الأيّام ، وتقضت ، بطل أيضا الرد ، إلا أن يجد فيه عيبا ، كان فيه قبل عقدة البيع ، ولم يكن قد تصرّف فيه ، لا في الثلاثة الأيّام ، ولا بعدها ، فله أيضا الرد ، إلا ان يحدث عيب بعد الثلاثة الأيّام ، ينضاف إلى العيب المتقدّم ، فليس له الرد ، بل له أرش العيب المتقدّم فحسب ، دون الرد.

ولا يصحّ أن يملك الإنسان أحد والديه ، ولا واحدا من أولاده ، ذكرا كان أو أنثى ، ولا واحدة من المحرّمات عليه من جهة النسب ، مثل الأخت ، وبناتها ، وبنات الأخ ، والعمة ، والخالة ، ويصح أن يملك من الرجال ، ما عدا الوالد والولد ، من الأخ ، والعم ، والخال ، ومتى حصل واحدة من المحرّمات اللاتي

٣٤٢

ذكرناهن في ملكه ، فإنّهنّ ينعتقن في الحال.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وكلّ من ذكرناه ، ممّن لا يصحّ ملكه ، من جهة النسب ، فكذلك لا يصحّ ملكه من جهة الرضاع (١).

والصحيح من المذهب ، أنّه يصح أن يملكهن ، إذا كن أو كانوا من جهة الرضاع ، وهو مذهب شيخنا المفيد في مقنعته (٢) ، وهو الحقّ اليقين ، لأنّ الإجماع على من اتفقنا على إعتاقه ، والأصل بقاء الرقّ وثبوته ، فمن ادّعى العتاق ، والخروج عن الأملاك ، يحتاج إلى دليل شرعيّ ، لأنّه حكم شرعيّ.

وجملة الأمر ، وعقد الباب ، أن نقول : ذو والقربى من جهة النسب ، رجال ونساء ، فالرجال العمودان ، الآباء وإن علوا ، والأبناء وإن سلفوا ، متى حصلوا في الملك ، انعتقوا في الحال ، وخرجوا من الأملاك ، بغير اختيار المالك ، وما عداهم من الرجال ، لا ينعتقون ، بل يرقون ، فأمّا النساء فمن يحرم نكاحه على مالكها ، تنعتق على من ملكها ، من غير اختياره ورضاه ، وما عداهن من النساء ، لا ينعتقن إلا باختياره ورضاه ، فأمّا الأقارب من جهة السبب رضاع وغيره ، فالصحيح من المذهب ، أنّهم يملكون ، ولا ينعتق واحد منهم ، إلا برضا مالكه واختياره ، رجالا كانوا أو نساء.

ومتى ملك أحد الزوجين زوجه ، بطل العقد بينهما في الحال.

وكان من اشترى شيئا من الحيوان ، وكان حاملا ، من الأناسي وغيره ، ولم يشترط الحمل ، كان ما في بطنه للبائع ، دون المبتاع ، بمجرّد العقد ، فإن اشترط المبتاع ذلك كان له.

وقد ذكرنا أنّ شيخنا أبا جعفر قال في مبسوطة ، أنّ البائع لا يجوز له أن يشترط الحمل ، لأنّه كعضو من أعضاء الحامل (٣) ، وكذلك قال ابن البراج في

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه

(٢) المقنعة : أبواب المكاسب ، باب ابتياع الحيوانات ص ٥٩٩.

(٣) تقدم نقل كلام المبسوط وابن البراج في الصفحة ٣٣٦.

٣٤٣

جواهر فقهه (١).

وبيّنا أنّ هذا مذهب الشافعي ، لا اعتقاد شيخنا أبي جعفر ، لأنّه يذكر في كتابه المشار إليه ، مذهبنا ، ومذهب غيرنا ، فابن البراج ظن على أنّه اعتقاد شيخنا أبي جعفر ، ومذهبه ، فقلّده ونقله ، وضمنه كتابه جواهر الفقه ، وانّما قلنا ذلك ، لأنّ إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم ، منعقد على أن بمجرد العقد يكون الحمل للبائع ، إلا أن يشترطه المبتاع ، وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر ، في جميع تصنيفاته ، وكتبه ، ما عدا ما ذكرناه ، واعتذرنا له به ، من ذكره مذهب المخالف لنا.

ولا يجوز أن يشتري الإنسان عبدا آبقا ، على الانفراد ، فإن اشتراه لم ينعقد البيع.

وقال السيد المرتضى : إذا كان بحيث يقدر عليه ، ويعلم موضعه ، جاز شراؤه منفردا ، ولا يمنع ممّا قاله رحمه‌الله مانع ، لأنّ الغرر زال ، وهو داخل في قوله تعالى « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا » ، فأمّا إذا كان بحيث لا يقدر عليه ، فلا خلاف أنّه لا يجوز بيعه منفردا ، إلا إذا اشتراه مع شي‌ء آخر ، من متاع أو غيره ، منضم إلى العقد ، فيكون العقد ماضيا والشراء صحيحا بغير خلاف أيضا ، لأنّه أمن الغرر في ذلك.

ومن ابتاع عبدا ، أو أمة ، وكان لهما مال ، كان مالهما للبائع ، دون المبتاع ، اللهم إلا أن يشترط المبتاع ماله ، فيكون حينئذ له ، دون البائع ، سواء كان ما معه أكثر من ثمنه ، أو أقل منه ، هكذا أورده شيخنا في نهايته مطلقا (٢).

والأولى تحرير ذلك ، وتقييده ، وهو أن يقال : إن كان ما مع العبد من جنس الثمن ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال : إمّا أن يكون أقلّ من الثمن ، أو مثله ، أو أكثر منه ، فإن كان ما معه أقلّ من الثمن ، كان البيع صحيحا ، وإن كان مثله ، أو أكثر ، فالبيع غير صحيح ، بغير خلاف ، لأنّه ربا ، مثلا إذا كان مع العبد

__________________

(١) جواهر الفقه المطبوع مع الجوامع الفقهية ص ٤٢٢.

(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان

٣٤٤

عشرون دينارا ، وباعه بعشرين دينارا ، أو بتسعة عشر دينارا ، فالبيع باطل ، لأنّ هذا هو الربا المنهي عنه بغير خلاف ، فأمّا إذا كان الثمن من غير الجنس الذي مع العبد ، فالبيع صحيح ، لأنّه آمن فيه الربا ، لاختلاف الجنس ، فليلحظ ذلك.

فإنّ شيخنا أبا جعفر ، حرّره وقيّده (١) في مسائل خلافه ، فقال : مسألة إذا كان مع العبد مائة درهم ، فباعه بمائة درهم ، لم يصحّ البيع ، فإن باعه بمائة درهم ودرهم صحّ ، وبه قال أبو حنيفة ، وللشافعي فيه قولان ، دليلنا قوله تعالى « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ » والمنع منه يحتاج إلى دليل ، هذا آخر كلام شيخنا في مسائل الخلاف (٢).

ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان ، كما يصحّ ابتياع جميعه ، وكذلك تصح الشركة فيه.

وإذا ابتاع اثنان عبدا أو أمة ، ووجدا به عيبا ، وأراد أحدهما الأرش ، والآخر الرد ، لم يكن لهما إلا واحد منهما ، حسب ما يتراضيان عليه ، هكذا أورده ، وذهب إليه شيخنا أبو جعفر في نهايته (٣).

وذهب في مسائل خلافه ، الى غير ذلك ، وقال لمن أراد الرد الرد ، ولمن أراد الإمساك الإمساك ، وأخذ أرش العيب ، فقال : مسألة إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة ، ثم أصابا به عيبا ، كان لهما أن يردّاه ، وكان لهما إمساكه ، فإن أراد أحدهما الرد ، والآخر الإمساك ، كان لهما ذلك ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : إذا امتنع أحدهما من الرد ، لم يكن للآخر أن يرده ، دليلنا أنّ المنع من الرد بالعيب ، يحتاج إلى دليل ، والأصل جوازه ، وليس هاهنا ما يدل على المنع منه (٤) ، وإلى هذا القول أيضا ذهب في مبسوطة (٥).

قال محمّد بن إدريس : وإلى هذا أذهب ، وبه أفتي وأعمل ، لأنّ منع الرد

__________________

(١) ج : فانّ شيخنا أبا جعفر جوزه ، وقد قيّده.

(٢) الخلاف : كتاب البيوع ، المسألة ٢٠٨.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٤) الخلاف : كتاب الشركة ، المسألة ١٠.

(٥) المبسوط : ج ٢ ، كتاب الشركة ، ص ٣٥١.

٣٤٥

بالعيب يحتاج إلى دليل ، ومنع الرضا بالعقد ، وأخذ الأرش يحتاج إلى دليل ، ولأنّ الملك بالعقد وقع لاثنين ، فهو بمنزلة العقدين ، لأنّ البائع قد علم أنّه يبيعه من اثنين ، ومن منع من الرد ، قال : لأنّ القبول في العقد ، كان واحدا ، كما لو اشتراه لنفسه وحده ، وهذا ليس بشي‌ء ، لأنّا قد بيّنا أنّه لعاقدين ، لأنّه بمنزلة العقدين ، لأنّ شريكه وكله في الشراء له ، فاشترى هو لنفسه ، ولشريكه ، ولا يرجع عن الأدلة القاهرة ، بأخبار الآحاد ، إن كانت وردت.

ومن اشترى جارية ، لم يجز له وطؤها في القبل ، إلا بعد أن يستبرئها بحيضة ، إن كانت ممّن تحيض ، وإن كانت ممّن لا تحيض ، فخمسة وأربعون يوما ، وإن كانت آيسة من المحيض ، ومثلها لا تحيض ، لم يكن عليها استبراء.

ويجب على البائع أن يستبرئ الأمة ، قبل بيعها ، إذا كان يطؤها ، وإن كان لم يطأها ، لم يجب عليه استبراء ، ومتى استبرأها ، وكان عدلا مرضيا ، وأخبر بذلك ، جاز للمبتاع أن يعوّل على قوله ، ولا يستبرئها ، على ما روي في بعض الأخبار (١) والواجب على المشتري ، استبراؤها على كلّ حال.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في مسائل خلافه : إذا ملك امه بابتياع ، أو هبة ، أو إرث ، أو استغنام ، فلا يجوز له وطؤها ، إلا بعد الاستبراء ، إلا إذا كانت في سنّ من لا تحيض ، من صغر ، أو كبر ، فلا استبراء عليها (٢).

قال محمّد بن إدريس : الذي رواه أصحابنا في تصانيفهم ، الخالية من فروع المخالفين وقياساتهم ، ونطقت به أخبار الأئمة عليهم‌السلام ، أنّ الاستبراء لا يجب إلا على البائع ، والمشتري ، ولم يذكروا غير البائع والمشتري ، فيجب عليهما الاستبراء فأمّا من عداهما لم يرووا فيه شيئا ، والأصل براءة الذمة من الأمور الشرعية بغير أدلة قاطعة للأعذار ، والتمسك بقوله تعالى : ( أَوْ ما مَلَكَتْ

__________________

(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب بيع الحيوان ، ح ٢.

(٢) الخلاف : كتاب العدة ، المسألة ٤١ ، باختلاف يسير.

٣٤٦

أَيْمانُكُمْ ) (١) وهذه مما ملكت ايماننا « إلا ما أخرجه الدليل القاطع من الأمة المشتراة إذا أراد المشتري وطيها وأراد البائع بيعها. وكان يطؤها وبقي الباقي على حكم الآية والأصل » وانّما هذه (٢) فروع أبي حنيفة والشافعي. وغيرهما يوردها شيخنا في هذا الكتاب ، أعني مسائل خلافه ، ويقوى عنده ما يقوى منها ويتحدّث عليه معهم ، ولأجل هذا كثيرا ما يرجع عن أقواله معهم في غير ذلك الموضع ، فالأولى التمسّك بأخبار أصحابنا المتواترة ، وتصانيفهم المجمع عليها ، الخالية من الفروع.

ومن اشترى من سوق المسلمين عبدا ، أو أمة ، فادّعيا الحرية لم يلتفت إلى دعواهما ، إلا ببيّنة.

ويكره التفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم ، إذا ملكوا ، حتى يستغنوا عنهن ، وحد ذلك سبع سنين أو ثمان سنين (٣) ، وليس ذلك بمحظور.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته ، في الجزء الثاني في باب ابتياع الحيوان ، ولا يجوز التفرقة بين الأطفال وأمّهاتهم ، إذا ملكوا حتى يستغنوا عنهن (٤).

ورجع عن ذلك وقال بما اخترناه ، في كتاب العتق في نهايته ، أيضا ، في الجزء الثاني ، فإنّه قال : ويكره أن يفرّق بين الولد وبين امّه ، وينبغي أن يباعا معا ، وليس ذلك بمحظور (٥).

وهذا هو الصحيح من الأقوال ، لأنّ الإنسان مسلّط على ملكه ، يعمل به ما شاء ، وما ورد في ذلك محمول على الكراهة ، دون الحظر.

ومتى اشترى جارية فأولدها ، ثم ظهر له أنّها كانت مغصوبة لم تكن لبائعها ، كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع ، وقيمة الولد ومهر أمثالها ، واجرة مثلها ، ما دامت في يده ، وللمبتاع الرجوع على البائع بما قبضه من ثمنها ، وغرمه عن

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) ج : ايماننا وانما هذه

(٣) ج : سبع سنين.

(٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٥) النهاية : باب العتق وأحكامه.

٣٤٧

قيمة ولدها ، وعن أجرتها ، إن كان لم يحصل له انتفاع ، واستخدام ، وليس له أن يرجع عليه بما غرمه ، عن وطئها ، لأنّه حصل له بدلا منه انتفاع ، ولذة ، واستمتاع.

وجملة الأمر ، وعقد الباب ، إن كل ما دخل على أنّه له بعوض ، وهو قيمة الرقبة ، فإنّه يرجع به على البائع ، وهو الثمن ، وكلّ ما دخل على أنّه له بغير عوض ، فإن لم يحصل له في مقابلته نفع ، وهو قيمة الولد ، رجع به على البائع ، وإن حصل له في مقابلته نفع ، وهو مثل المهر في مقابلة الاستمتاع ، لم يرجع به على البائع.

ولا بأس ببيع أمّهات الأولاد بعد موت أولادهن على كلّ حال ، ولا يجوز بيعهن مع وجود أولادهن ، إلا في ثمن أرقابهن ، بأن يكون دينا على مولاها ، بأن يشتريها بثمن في ذمّته أو بأن يستدين ثمنا ، ويشتريها بعينه.

وإذا مات السيد ، وخلّف أم ولد وولدها ، وأولادا جعلت في نصيب ولدها ، فإذا حصلت في نصيبه ، انعتفت في الحال ، وإن لم يخلف الميت غيرها ، انعتقت بنصيب ولدها ، واستسعيت فيما لباقي الورثة من غيرها.

ولا بأس أن يشتري الإنسان ما يسبيه الظالمون ، إذا كانوا مستحقين للسبي ، ولا بأس بوطء من هذه صفتها ، وإن كانت حقا للإمام ، لم يصل إليه ، لأنّ ذلك قد جعله لشيعته ، من ذلك في حل ، وسعة ، لإجماع أصحابنا على ذلك.

وفقه ذلك ، أنّ كلّ سرية ، غزت بغير إذن الإمام ، فما غنمت من أهل الحرب ، فهو في‌ء ، جميعه لإمام المسلمين ، فلأجل هذا ، قلنا وإن كانت حقا للإمام.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : ولا بأس بوطء من هذه صفتها ، وإن كان فيه الخمس لمستحقيه ، لم يصل إليهم ، لأنّ ذلك قد جعلوه لشيعتهم من ذلك في حلّ وسعة (١).

وهذا ليس بواضح ، لأنّ هذا السبي ، جميعه لإمام المسلمين ، على ما

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

٣٤٨

قررناه ، فمن أين فيه الخمس فحسب ، وهذا لفظ الحديث (١) أورده شيخنا إيرادا ، لا اعتقادا ، على ما تكرر اعتذارنا له وعلى ما اعتذر هو لنفسه ، في خطبة مبسوطة.

ومن قال لغيره : اشتر حيوانا أو غيره بشركتي ، والربح بيني وبينك ، فاشتراه ، ثمّ هلك الحيوان ، كان الثمن بينهما ، كما لو زاد في ثمنه ، كان أيضا بينهما على ما اشترطا عليه ، فإن اشترط عليه أنه يكون له الربح إن ربح ، وليس عليه من الخسران شي‌ء ، كان على ما اشترطا عليه ، هكذا أورده شيخنا في نهايته (٢).

قال محمّد بن إدريس : معنى أنّه « إذا قال لغيره : اشتر حيوانا بشركتي » المراد به انقد عني نصف الثمن ، أو ما يختاره ، ويجعله قرضا عليه ، وإلا فما تصح الشركة ، إلا هكذا ، فأمّا قول شيخنا رحمه‌الله « فإن اشترط عليه أن يكون له الربح إن ربح ، وليس عليه من الخسران شي‌ء كان على ما اشترطا عليه » فليس بواضح ولا مستقيم ، لأنّه مخالف لأصول المذهب ، لأنّ الخسران على رءوس الأموال ، بغير خلاف ، فإذا شرطه أنّه على واحد من الشريكين ، كان هذا شرطا يخالف الكتاب والسنة ، لأنّ السنة جعلت الخسران على قدر رءوس الأموال.

والوصي ، والمتولي للنظر في أموال اليتامى « لأنّه ليس كلّ متول على أموال اليتامى وصيا ، وكلّ وصي على أموالهم ، متولّ عليها ، فلأجل هذا قلنا الوصي والمتولي للنظر في أموال اليتامى » لا بأس أن يبيع من مالهم ، العبد والأمة ، إذا رأى ذلك صلاحا ، ولا بأس لمن يشتري الجارية منه ، أن يطأها ، ويستخدمها ، غير حرج في ذلك ، ولا اثم.

ولا بأس بشراء المماليك من الكفّار ، إذا أقروا لهم بالعبودية ، أو قامت لهم البيّنة بذلك ، أو كانت أيديهم عليهم.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٥٠ من أبواب جهاد العدو ، ح ٤ ـ ٦ ، وفي النهاية : كتاب التجارة باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

٣٤٩

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ولا بأس بشراء المماليك من الكفار ، إذا أقروا لهم بالعبودية (١).

وهذا دليل الخطاب ، ولم ينف الشراء ، إذا قامت لهم بينة بالعبودية.

وإذا اشتريت مملوكا ، فإنّه يكره أن يريه ثمنه في الميزان ، لأنّه لا يفلح ، على ما جاء في الأخبار (٢).

وروي في بعض الأخبار ، أنّ من اشترى من رجل عبدا ، وكان عند البائع عبدان ، فقال للمبتاع : اذهب بهما ، فاختر أيّهما شئت ، وردّ الآخر ، وقبض المال ، فذهب بهما المشتري ، فأبق أحدهما من عنده ، فليردّ الذي عنده منهما ، ويقبض نصف الثمن ممّا أعطى ، ويذهب في طلب الغلام ، فإن وجده ، اختار حينئذ أيّهما شاء ، وردّ النصف الذي أخذه ، وإن لم يجد ، كان العبد بينهما نصفين (٣).

أورد ذلك شيخنا في نهايته (٤) وهذا خبر واحد لا يصحّ ، ولا يجوز العمل به ، لأنّه مخالف لما (٥) عليه الأمّة بأسرها ، مناف لأصول مذهب جميع أصحابنا ، وفتاويهم ، وتصانيفهم ، وإجماعهم ، لأنّ المبيع إذا كان مجهولا ، كان البيع باطلا ، بغير خلاف ، وقوله : « يقبض نصف الثمن ويكون العبد الآبق بينهما ويردّ الباقي من العبدين » فيه اضطراب كثير ، وخلل كبير ، إن كان الآبق الذي وقع عليه البيع ، فمن مال مشتريه ، والثمن بكماله لبائعه ، وإن كان الآبق غير من وقع عليه البيع ، والباقي الذي وقع عليه البيع ، فلأيّ شي‌ء يردّه.

وإنّما أورد شيخنا هذا الخبر ، على ما جاء بلفظه إيرادا ، لا اعتقادا ، لأنّه رجع عنه في مسائل خلافه ، في الجزء الثاني من مسائل خلافه ، في كتاب السلم ، فلو كان عنده صحيحا لما رجع عنه ، فقال : مسألة ، إذا قال اشتريت

__________________

(١) و (٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٢) الوسائل : الباب ٦ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١ و ٢.

(٣) الوسائل : الباب ١٦ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١.

(٥) ج : مخالف لأصول المذهب ولما.

٣٥٠

منك أحد هذين العبدين بكذا ، أو أحد هؤلاء العبيد الثلاثة بكذا ، لم يصحّ الشراء ، وبه قال الشافعي ، ثمّ قال : دليلنا أنّ هذا بيع مجهول ، فيجب أن لا يصحّ بيعه ، ولأنّه بيع غرر ، لاختلاف قيمتي العبدين ، ولأنّه لا دليل على صحة ذلك في الشرع ، وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع ، وقلنا : إنّ أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين ، فإن قلنا بذلك ، تبعنا فيه الرواية ، ولم نقس غيرها عليها ، هذا آخر المسألة وآخر كلام شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله (١).

الا ترى إلى إيراده الأدلة الكثيرة على بطلان ذلك ، ثمّ جعله رواية ، وإن كان من جهة أصحابنا لأنّ أصحابنا قد رووا الآحاد والمتواترة ، فلا يظن ظان بشيخنا ، أنّه إذا وجد في كتبه أنّ هذا رواه أصحابنا ، أنّ جميعهم رووه ، أو كلّهم قائل به ، عامل عليه ، لأنّ ذلك يكون إجماعا أو تواترا ، وإنّما مقصوده ، أنّ هذا روي من جهة أصحابنا وطريقهم ، لا من جهة المخالفين وطرقهم. وإذا كانت الجارية بين شركاء ، فتركوها عند واحد منهم ، فوطأها ، فإنّه يدرأ عنه الحدّ ، لأنّ الحدود تدرأ بالشبهات ، هذا إذا قال اشتبه عليّ الحال ، فظننت أنّه يحلّ لكلّ منا وطؤها ، فأمّا إذا لم يقل ذلك ، ولم يشتبه عليه ، ولا ادّعاه ، بل علم أنّه لا يجوز له ، وقال : أنا عالم بذلك ، فإنّه يدرأ عنه من الحدّ ، بقدر ماله منها من الثمن ، ويضرب بمقدار ما لغيره من القيمة ، وتقوّم الأمة قيمة عادلة ، ويلزمها ، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به ، الزم ثمنها الأول ، وإن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قوّمت فيه ، أكثر من ثمنها ، الزم ذلك الأكثر ، وإن أراد واحد من الشركاء الجارية ، كان له أخذها ، ولا يلزمه إلا ثمنها الذي تساوى في الحال.

هذا على ما روي في بعض الأخبار (٢) أورده شيخنا في نهايته (٣) إيرادا لا اعتقاداً.

__________________

(١) الخلاف : كتاب السلم ، المسألة ٣٨.

(٢) الوسائل : الباب ١٧ من أبواب بيع الحيوان.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

٣٥١

والأولى أن يقال : لا يلزم الواطئ لها شيئا ، سوى الحدّ الذي ذكرناه ، على ما صوّرناه ، إلا أن تكون بكرا ، فيأخذ عذرتها ، فيلزمه ما بين قيمتها بكرا ، أو غير بكر ، ويسقط عنه ما يخصّه من ذلك ، ويستحق الباقي باقي الشركاء ، فأمّا إن كانت غير بكر ، فلا يلزم ذلك ، هذا إذا لم يحبلها ، فأمّا إذا أحبلها بولد ، فإنّه يغرم ثمنها الذي تساوى يوم جنايته عليها ، وثمن ولدها يوم يسقط حيا ، إن لو كان عبدا ويسقط من ذلك بمقدار حصّته من الثمنين ، فإن كانت بكرا ، فعلى ما تقدّم القول فيها ، لا يختلف الحكم.

فهذا تحرير هذه الفتيا ، على ما تقتضيه أصول المذهب المقررة ، ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد ، لأنّها لا توجب علما ولا عملا ، ولا تترك لها الأدلة الظاهرة ، والبراهين الواضحة الزاهرة.

والمملوكان إذا كانا مأذونين لهما في التجارة ، فاشترى كلّ واحد منهما صاحبه من مولاه ، فكلّ من سبق منهما بالبيع ، كان له البيع ، وكان الآخر مملوكا له ، وإن اتفق ان يكون العقدان (١) في حالة واحدة ، كان العقد باطلا.

وقد روي أنّه يقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان البيع له ، ويكون الآخر مملوكه (٢).

وهذه الرواية لا يمكن المصير إليها ، لأنّ القرعة تستعمل في الأشياء التي يجوز وقوع الصحة فيها ، وصحة أحدهما ، وبطلان الحكم الآخر ، وهذا السؤال مبني على أنّه وقع العقد في حالة واحدة ، وتحقق وتيقن ذلك.

وقد روي أنّه يذرع الطريق (٣).

والأول من الأقوال ، هو الصحيح الذي يقوى في نفسي.

وقد روي (٤) أنّه إذا قال مملوك إنسان لغيره : اشترني ، فإنّك إذا اشتريتني ، كان لك عليّ دين شي‌ء معلوم ، فاشتراه ، فإن كان المملوك في حال ما قال

__________________

(١) ج : اتفق العقدان.

(٢) و (٣) الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١ و ٢.

(٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

٣٥٢

ذلك له مال ، لزمه أن يعطيه ما شرط له وإن لم يكن له مال في تلك الحال ، لم يكن عليه شي‌ء على حال.

وهذه رواية ، أوردها شيخنا في نهايته (١) إيرادا لا اعتقادا ، لأنّ العبد عندنا لا يملك شيئا ، لقوله تعالى ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٢) فنفى تعالى ، أن يقدر العبد على شي‌ء ، فلا يصح القول بذلك ، فأمّا على قول بعض أصحابنا ، أنّه يملك فضل الضريبة ، وأروش الجنايات ، يصحّ ذلك.

والصحيح من المذهب ، أنّه لا يملك ذلك أيضا للآية ، ولأنّ تملّكه ذلك يحتاج إلى دليل ، لأنّه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.

وإذا أراد الإنسان شراء أمة ، جاز له أن ينظر إلى وجهها ، ومحاسنها ، نظرا من غير شهوة ، بل نظرا للتقليب والرؤية بحالها ، ولا يجوز له ذلك ، وهو لا يريد شراءها على حال.

وإذا كان لإنسان جارية فجاءت بولد من الزنا ، جاز له بيعها ، وبيع الولد ، وتملكه ، فإنّه مملوك له ، ويجوز له أن يحجّ بذلك الثمن ، ويتصدّق به ، وينفقه على نفسه ، حسب ما أراد ، لأنّه حلال له.

ويجتنب وطء من ولد من الزنا ، مخافة العار ، لا أنّه حرام ، بل ذلك على جهة الكراهة ، بالعقد والملك معا ، فإن كان لا بدّ فاعلا فليطأهن بالملك ، دون العقد ، وليعزل عنهن ، هكذا ذكره شيخنا في نهايته (٣).

والذي تقتضيه الأدلة وأصول المذهب ، إن وطء الكافرة حرام ، لقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٤) وقوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) (٥) ولا خلاف بين أصحابنا ، أنّ ولد الزنا كافر ، وانّما أجمعنا على وطء اليهودية والنصرانية بالملك ، والاستدامة ، والباقيات من الكافرات على ما هن عليه من

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٢) النحل : ٧٥.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٤) الممتحنة : ١٠.

(٥) البقرة : ٢٢١.

٣٥٣

الآيات ، والتخصيص يحتاج إلى دليل ، وليس العموم إذا خصّ ، يصير مجازا ، بل الصحيح من قول محصلي أصول الفقه ، أنّه يصح التمسّك بالعموم ، إذا خصّ بعضه ، فليلحظ ذلك.

واللقيط لا يجوز بيعه ، ولا شراؤه ، لأنّه حرّ ، وحكمه حكم الأحرار ، حتى أنّ محصّلي أصحابنا قالوا أنّه إذا كبر ، وأقرّ على نفسه بالعبودية ، لا يقبل إقراره ، وقال بعضهم : إنّه يقبل إقراره ، لأنّ إقرار العقلاء جائز على نفوسهم ، إلا الأحرار المشهوري الأنساب إذا أقروا بالعبودية ، فلا يقبل إقرارهم ، وهذا ما هو مشهور بنسب.

والصحيح أنّه لا يقبل إقراره بالعبودية ، لأنّ الشارع حكم عليه بالحرية.

ولا يجوز للإنسان أن يشتري شيئا من الغنم ، أو غيره من الحيوان ، من جملة قطيع ، بشرط أن ينتفي خيارها ، لأنّ ذلك مجهول ، بل ينبغي أن يميّز ما يريد شراءه ، أو يعيّنه بالصفة.

وإذا اشترك نفسان في شراء إبل ، أو بقر ، أو غنم ، ووزنا المال ، وقال واحد منهما ، أنّ لي الرأس والجلد ، بمالي من الثمن ، كان ذلك باطلا ، ويقسّم ما اشترياه على أصل المال بالسوية.

ومتى اشترى الإنسان حيوانا ، فهلك في مدّة الثلاثة الأيام ، قبل التصرّف من المشتري فيه فإنّه يهلك من (١) مال بايعه ، كما قدّمناه ، وكان لبائعه أن يحلفه بالله تعالى ، أنّه ما كان أحدث فيه حدثا ، فإن حلف ، بري‌ء من العهدة واسترجع الثمن ، وكان من مال البائع ، وإن امتنع من اليمين ، ونكل عنها ، ردّ الحاكم اليمين على البائع ، فإذا حلف أنّه أحدث فيه حدثا ، لزم المشتري البيع ، وكان هلاكه من ماله ، دون مال بايعه.

وقال شيخنا في نهايته : وإن امتنع المشتري من اليمين ، لزمه البيع ، ووجب

__________________

(١) ج : فإنّه من.

٣٥٤

عليه الثمن (١).

وهذا لا يجوز ، لأنّه قضاء بمجرّد النكول ، ولا يجوز عندنا القضاء بمجرّد النكول ، بل لا بدّ بعد النكول من انضمام اليمين إليه ، لأنّ النكول كالشاهد الواحد ، أو اليد المتصرّفة ، لأنّ الأموال لا تنتقل عن ملاكها إلى الغير ، إلا إما بإقرار أو شاهدين ، أو شاهد ويمين ، أو نكول ويمين ، وهذا مذهب شيخنا في مسائل خلافه (٢) ، ومبسوطة (٣) ، ومذهب جميع أصحابنا.

وإذا باع الإنسان بعيرا ، أو بقرا ، أو غنما ، واستثنى الرأس والجلد ، كان ذلك جائزا صحيحا ، لأنّه استثنى معلوما من معلوم ، وهو مذهب السيّد المرتضى ، يناظر فيه المخالفين لنا عليه ، في انتصاره (٤) ، ولأنّه لا دليل على خلاف ذلك ، من كتاب ، ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع ، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك ، وقال تعالى « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا » وهذا بيع.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته وفي سائر كتبه : إذا باع الإنسان بعيرا ، أو بقرا ، أو غنما ، واستثنى الرأس والجلد ، كان شريكا للمبتاع بمقدار الرأس والجلد (٥) ، معتمدا على خبر ضعيف (٦) ، رواه إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، وهذا الراوي عامي المذهب ، وإن كان يروي عن الصّادق عليه‌السلام ، فكيف يترك الأدلة القاهرة لرواية هذا الرجل؟ وشيخنا المفيد رحمه‌الله لم يقبل به ، ولا يودعه كتابه.

وإذا اشترى الإنسان ثلاث جوار مثلا كلّ واحدة منهن بثمن معلوم ، ثمّ حملهن إلى البيع ، الذي هو النخّاس ، وقال له : بع هؤلاء الجواري ، ولك عليّ

__________________

(١) و (٥) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٢) الخلاف : كتاب الشهادات ، المسألة ٣٨.

(٣) المبسوط : ج ٨ ، كتاب الشهادات ، فصل في النكول عن اليمين.

(٤) الانتصار : كتاب البيع والصرف ، المسألة ١١.

(٦) الوسائل : الباب ٢٢ من أبواب بيع الحيوان ، ح ٢.

٣٥٥

نصف الربح ، فباع ثنتين منهن بفضل ، وأحبل صاحبهن الثالثة ، لزمه أن يعطيه نصف الربح فيما باع ، وليس عليه فيما أحبل شي‌ء من الربح ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).

وقد تكلّمنا على مثل هذا ، في باب السّمسار والدلال ، وقلنا ان هذا لا يلزم ، بل يستحق اجرة المثل ، فيما باع فحسب ، ولو لا إيراد شيخنا لهذه المسألة في نهايته ، ما أوردتها في كتابي هذا ، لأنّها قليلة الفقه ، سهلة المأخذ ، وإنّما حداه رحمه‌الله على إيرادها ، لأنّ بعض أخبار الآحاد ورد بها (٢) ، فأوردها على ما هي عليه ، إيرادا لا اعتقادا.

وقد روي أنّ من اشترى جارية ، كانت سرقت من أرض الصلح ، كان له ردّها على من اشتراها منه ، واسترجاع ثمنها ، وإن كان قد مات ، فعلى ورثته ، فإن لم يخلف وارثا ، استسعيت الجارية في ثمنها (٣).

قال محمّد بن إدريس ، رحمه‌الله : كيف تستسعى هذه الجارية بغير إذن صاحبها؟ وكيف تعتق ، ولا على ذلك دليل ، وقد ثبت أنّها ملك الغير؟ والأولى أن تكون بمنزلة اللقطة ، بل يرفع خبرها إلى حاكم المسلمين ، ليجتهد في ردّها على من سرقت منه ، فهو الناظر في أمثال ذلك.

وقد روي (٤) أنّ من اعطى مملوك غيره ، وكان المملوك مأذونا له في التجارة مالا ، ليعتق عنه نسمة ، ويحج عنه فاشترى المملوك أباه ، وأعتقه ، وأعطاه بقية المال ، ليحج عن صاحب المال ، ثمّ اختلف مولى المملوك ، وورثة الآمر ، ومولى الأب الذي اشتراه ، فكلّ واحد منهم قال : إنّ المملوك اشتري بمالي ، كان

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٢) الوسائل : الباب ٢٤ من أبواب بيع الحيوان ، ح ٦.

(٣) الوسائل : الباب ٢٣ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١.

(٤) الوسائل : الباب ٢٥ من أبواب بيع الحيوان ، ح ١.

٣٥٦

الحكم أن يرد المعتق على مولاه الذي كان عنده يكون رقا له (١) كما كان ، ثم أيّ الفريقين الباقيين منهما ، أقام البيّنة ، بأنّه اشترى بماله ، سلّم إليه ، وإن كان المعتق قد حجّ ببقيّة المال ، لم يكن إلى ردّ الحجة سبيل ، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته (٢).

قال محمّد بن إدريس رحمه‌الله : لا أرى لرد المعتق إلى مولاه ، وجها ، بل الأولى عندي ، أنّ القول قول سيد العبد المأذون له في التجارة ، والعبد المبتاع ، لسيّد العبد المباشر للعتق ، وإنّ عتقه غير صحيح ، لأنّ إجماع أصحابنا على أنّ جميع ما بيد العبد ، فهو من مال سيده ، وهذا الثمن في يد المأذون ، وأنّه اشتراه فإذا اشتراه فقد صار ملكا لسيد المأذون الذي هو المشتري ، فإذا أعتقه المأذون بعد ذلك ، فعتقه غير صحيح ، لأنّه لم يؤذن له في العتق ، بل اذن له في التجارة فحسب ، هذا إذا عدمت البينات ، فهذا تحرير القول والفتوى ، في ذلك فليلحظ ، وإنما هذا خبر واحد ، أورده شيخنا في نهايته إيرادا ، لا اعتقادا لصحته ، فلا يرجع عن الأدلة ، بأخبار الآحاد ، لأنّها لا توجب علما ولا عملا.

وأيضا فوكالة العبد المأذون له في التجارة ، غير صحيحة بغير إذن سيده.

إذا اشترى عبدا على أنّه كافر ، فخرج مسلما ، لم يكن ، للمشتري الخيار ، ولا الأرش ، دليلنا أن ثبوت الخيار في ذلك ، وإلحاقه بالعيوب الموجبة الرد ، يحتاج الى دليل ، وأيضا النبي عليه‌السلام قال : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه (٣) هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه (٤).

والذي يقوى عندي ، أنّ للمشتري الرد ، والخيار ، لأنّ هذا تدليس ، والأغراض في ذلك تختلف.

وقال شيخنا في مسائل خلافه : إذا بيّض وجه الجارية بالطلاء أو حمّر خدّيها

__________________

(١) ج : رقّا كما.

(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب ابتياع الحيوان وأحكامه.

(٣) الوسائل : الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، ح ١١ :

(٤) الخلاف : كتاب البيوع ، المسألة ١٨٥ ، وليس فيه : ولا أرش ، والإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

٣٥٧

بالدّمام ، بكسر الدال ، وهو الكلكون ، وقال أيضا : إذا اشترى العبد ، أو الجارية فوجدهما ابخرين ، لم يثبت في جميع ذلك للمشتري الخيار (١).

وقال محمد بن إدريس : الذي يقتضيه مذهبنا ، إثبات الخيار للمشتري ، في جميع هذه المسائل ، لأنّ هذا تدليس وغرر ، والرسول عليه‌السلام نهى عن الغرر (٢).

إذا اشترى الإنسان عبدا ، أو أمة فوجدهما زانيين ، لم يكن له الخيار.

وكذلك إذا بان العبد غير مختون ، فلا خيار لمشتريه ، في ردّه ، وإثبات ذلك عيبا يحتاج إلى دليل.

وكذلك إذا وجد الجارية تحسن الغناء ، فلا خيار له.

باب بيع الثمار

إذا باع الإنسان ثمرة منفردة عن الأصل ، مثل ثمرة النخل ، والكرم ، وسائر الفواكه ، فلا يخلو من أحد أمرين ، امّا أن يكون قبل بدو الصلاح ، أو بعده ، فإن كان قبل بدو الصلاح ، فلا يخلو البيع من أحد أمرين ، إمّا ان يكون سنتين فصاعدا ، أو سنة واحدة ، فإن كان سنتين فصاعدا ، فإنّه يجوز عندنا معشر الإمامية القائلين بمذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، وإن كان سنة واحدة ، فلا يخلو البيع من ثلاثة أقسام ، إمّا أن يبيع بشرط القطع ، أو مطلقا أو بشرط التبقية ، فإن باع بشرط القطع في الحال ، جاز إجماعا ، وإن باع بشرط التبقية أو باع مطلقا ، فقد اختلف أصحابنا في ذلك ، لاختلاف أخبارهم وأحاديثهم عن أئمتهم عليهم‌السلام (٣) ، فذهب قوم إلى أن البيع صحيح ، غير أنّه مكروه ، وذهب آخرون منهم إلى أنّ البيع غير صحيح ، وذهب آخرون منهم إلى أنّه مراعى ، وإن كان جائزا (٤) ، إلا أنّه متى خاست الثمرة المبتاعة سنة واحدة قبل بدوّ

__________________

(١) الخلاف : كتاب البيوع ، المسألة ١٨٣.

(٢) عوالي اللئالى : ج ٢ ، ص ٢٤٨ ، ح ١٧.

(٣) الوسائل : الباب ١ من أبواب بيع الثمار.

(٤) ج : كان مكروها.

٣٥٨

صلاحها ، فللبائع ما أغلت ، دون ما انعقد عليه البيع من الثمن.

والذي يقوى في نفسي الأوّل ، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه‌الله في استبصاره (١) وتهذيبه (٢) ، ومذهب شيخنا المفيد في مقنعته (٣) ، والثاني خيرة شيخنا أبي جعفر في نهايته (٤) ، إلا أنّه رجع عنه في استبصاره ، كما حكيناه عنه ، لمّا جمع بين الأخبار ، ونقدها ، وتوسط بينها ، والثالث مذهب سلار ، ومن قال بقوله.

والذي يدلّ على صحة ما اخترناه ، قوله تعالى « وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا » وهذا بيع ، فمن منع منه ، يحتاج إلى دليل ، فإن قيل هذا غرر ، والرسول عليه‌السلام نهى عن الغرر ، قلنا : معاذ الله أن يكون غررا ، بل هذا بيع عين مرئية مملوكة ، يصح الانتفاع بها ، أو يؤول إلى الانتفاع ، وقوله تعالى ( إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٥) وهذه تجارة عن تراض ، والأخبار في ذلك كثيرة جدا (٦) ، وربما بلغت حدّ التواتر ، وما روي بخلاف ذلك ، يحمل على الكراهة ، لئلا تتناقض الأدلة.

والذي يبطل اختيار سلار ومن اختار سلار قوله قول الله سبحانه « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » فأمر الله تعالى بالوفاء بالعقود ، والأمر في عرف الشريعة يقتضي الوجوب ، ومن راعى ما راعى سلار ما وفي بالعقود ولا امتثل الأمر.

فأمّا بيع ثمرة النخل وغيره سنة واحدة ، من قبل أن يخلق فيها شي‌ء من الطّلع ، ولا ظهر ، فلا يجوز عندنا إجماعا ، وكذلك عند المخالف ، وكذلك لا يجوز بيعها قبل أن تطلع سنتين ، بغير خلاف بيننا وبين المخالفين ، وانّما يجوز عندنا خاصة ، بيعها إذا اطلعت قبل بدو الصلاح سنتين ، وعند المخالفين لمذهب أهل

__________________

(١) الإستبصار : ج ٣ ، باب متى يجوز بيع الثمار من كتاب البيوع ، ص ٨٨.

(٢) التهذيب : ج ٧ ، باب بيع الثمار ، ص ٨٨.

(٣) المقنعة : أبواب المكاسب ، باب بيع الثمار ص ٦٠٢

(٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب بيع الثمار.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) الوسائل : الباب ١ من أبواب بيع الثمار ، الحديث ٢ ـ ٨ ـ ١٣ ـ ١٧ وغيرها ممّا يوجد في أبواب الثمار من كتاب التجارة.

٣٥٩

البيت عليهم‌السلام لا يجوز.

وقد يشتبه على كثير من أصحابنا ذلك ، ويظنّون أنّه يجوز بيعها سنتين ، وإن كانت فارغة ولم تطلع بعد وقت العقد ، وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا ، وخلاف إجماعهم ، وأخبار أئمتهم ، وفتاويهم ، لأنّهم أجمعوا على أنّ الثمرة إذا لم يبد صلاحها ، فلا بأس ببيعها سنتين من غير كراهة ، ولا انضمام إلى العقد غيره ، وهذا الذي تنطق به أخبارنا ، ويودعه مشايخنا تصانيفهم ، لأنّها إذا اطلعت قبل بدوّ الصلاح ، فلا يجوز بيعها عند بعضهم (١) سنة واحدة بانفرادها ، على ما حكيناه عنهم ، من غير انضمام إلى العقد غيرها ، فأمّا إذا باعها حينئذ سنتين ، من غير انضمام إلى العقد غيرها ، زال الخلاف ، وجاز عندنا جميعا ، من غير كراهة ولا حظر ، على جميع الأقوال ، وكذلك إذا باعها سنة واحدة بانضمام إلى العقد غيرها زال الخلاف حينئذ أيضا ، فقامت السنة الثانية ، مقام انضمام الشي‌ء إلى العقد عليها ، قبل بدوّ صلاحها وبعد خروجها وطلوعها ، سنة واحدة عند من منع من بيعها منفردة بعد طلوعها وقبل بدو صلاحها سنة واحدة.

ولا خلاف أنّه إذا باعها سنة واحدة قبل خروجها ، من غير انضمام إليها غيرها في العقد ، لا يصحّ هذا البيع ، لأنّه غرر ، وبيع الغرر لا يصحّ بغير خلاف ، وكذلك بيعها سنتين قبل خروجها ، فإنّه غرر بغير خلاف ، لأنّه بمنزلة السنة الواحدة قبل خروجها من غير انضمام ، إلى العقد غيره ، ولو لا إجماعنا على أنّه يجوز بيعها سنتين ، بعد خروجها وقبل بدوّ صلاحها ، لما جاز ذلك عند من قال من أصحابنا لا يجوز بيعها سنة واحدة بعد خروجها وقبل بدوّ صلاحها من غير انضمام شي‌ء إليها في العقد.

فأمّا إذا باعها ومعها شي‌ء آخر منضما إلى العقد سنة واحدة قبل خروجها ،

__________________

(١) ج : عندهم.

٣٦٠