كتاب السرائر - ج ٢

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي

كتاب السرائر - ج ٢

المؤلف:

أبي جعفر محّمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي


المحقق: مؤسّسة النشر الإسلامي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٦٨

كتاب المكاسب

٢٠١

كتاب المكاسب

باب عمل السّلطان وأخذ جوائزهم

السلطان على ضربين ، أحدهما سلطان الحق العادل ، والآخر سلطان الجور الظالم المتقلب ، فأمّا الأول فمندوب إلى خدمته ومعاونته ، ومرغب فيها ، وربما وجب ذلك على المكلف ، بأن يدعوه فيجب امتثال أمره ، فإذا ولى هذا السلطان إنسانا ، أمارة ، أو حكما ، أو غير ذلك من ضروب الولايات ، وجب عليه طاعته في ذلك ، وترك الخلاف له فيه ، وجائز قبول جوائزه وصلاته ، وأرزاقه ، وسائغ التصرف في ذلك على كل حال.

وأمّا السلطان الجائر ، فلا يجوز لأحد أن يتولى شيئا من الأمور ، مختارا من قبله ، إلا من يعلم ، أو يغلب على ظنه ، أنّه إذا تولّى ولاية من جهته ، تمكّن من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات الى مستحقيها ، وصلة الاخوان ، ولا يكون في شي‌ء من ذلك تاركا لواجب ، ولا مخلا به ، ولا فاعلا لقبيح ، فإنّه حينئذ مستحب له التعرض لتولي الأمر من جهته ، فإن علم أو ظن أنّه لا يتمكن من ذلك ، وأنّه لا بدّ له من الإخلال بواجب ، أو أن يفعل قبيحا ، لم يجز له تولّي ذلك ، فإن ألزمه السلطان الجائز بالولاية ، إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة إلى ذلك ، الخوف على النفس ، وسلب المال ، وإن كان ربما لحقه بعض الضرر ، أو لحقته في ذلك مشقة ، فالأولى أن يتحمل تلك المشقة ، ويتكلّف مضرتها ، ولا يتعرّض للولاية من جهته ، فإن خاف على نفسه ، أو على أحد من أهله ، أو المؤمنين ، أو على ماله ، جاز له أن يتولّى ذلك ، وساغ له عند

٢٠٢

هذا الخوف ، الدخول فيه ، بعد إلزامه له ، وخوفه المذكور منه ، ويجتهد ويحرص بعد هذا كلّه على وضع الأمور الشرعيّة مواضعها ، وإقرار الحق مقره ، فإن لم يتمكن من ذلك ، اجتهد فيما يتمكن منه ، فان لم يتمكّن من فعل شي‌ء ظاهرا فعله سرا ، لا سيّما فيما يتعلّق بحقوق الإخوان في الدين ، والتخفيف عنهم من ظلم السلاطين الجورة ، من خراج ، وغيره ، فإن لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق ، والحال في التقية ، على ما ذكرناه ، جاز له أن يتقي في جميع الأشياء ، وسائر الأمور ، والأحكام التي لا تبلغ إلى قتل النفوس ، وسفك الدماء المحرمة ، لأنّ ذلك ليس فيه تقية عند أصحابنا ، لا خلاف بينهم ، أن لا تقية في قتل النفس ، وسفك الدماء ، فإذا كان الأمر في التقية ما ذكرناه ، جاز له قبول جوائزه ، وصلاته ، ما لم يعلم أنّ ذلك ظلم بعينه ، فإذا لم يعلم أنّه بعينه ظلم ، فلا بأس بقبوله ، وإن كان المجيز له ظالما ، وينبغي له أن يخرج الخمس من كل ما يحصل من ذلك ، ويوصله إلى أربابه ، ومستحقيه ، وينبغي له أن يصل إخوانه من الباقي بشي‌ء ، ويتصرف هو في منافعه بالبعض ، الذي يبقي من ذلك.

وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين ، بالبيع والشراء ، وغير ذلك ، فالأولى به تركها ، ولا يتعرض لشي‌ء منها جملة ، وإن لم يتمكن من ترك معاملتهم ، كانت جائزة إلا أنه لا يشتري منهم شيئا يعلم أنّه مغصوب بعينه جميعه ، فإن كان يعلم أن فيه شيئا مغصوبا ، إلا أنّه غير مميز العين ، بل هو مخلوط في غيره من غلاته ، التي يأخذها على جهة الخراج ، وأمواله ، فلا بأس أيضا بشرائه منها ، وقبول صلته منها ، لأنّها صارت بمنزلة المستهلكة ، لأنه غير قادر على ردّها بعينها ، ولا يقبل منه ما هو محرم في شرع الإسلام ، فإن خاف من ردّ جوائزهم وصلاتهم ، التي يعلمها ظلما بأعيانها ، وغصبا ، على نفسه وماله ، جاز له قبولها عند هذه الحال ، ويجب عليه ردّها على أربابها ، إن عرفهم ، فإن لم يعرفهم ، عرّف ذلك المال ، واجتهد في طلبهم.

٢٠٣

وقد روى أصحابنا أنه يتصدق به عنهم ، ويكون ضامنا إذا لم يرضوا بما فعل (١) والاحتياط حفظه ، والوصية به.

وقد روي أنّه يكون بمنزلة اللقطة (٢).

وهذا بعيد من الصواب ، لأنّ إلحاق ذلك باللقطة يحتاج إلى دليل.

ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه سلطان الجور ، من الزكوات ، الإبل ، والبقر ، والغنم ، والغلات ، والخراج ، وإن كان غير مستحق لأخذ شي‌ء من ذلك ، إلا أن يتعيّن له شي‌ء منه بانفراده أنه غصب ، فإنّه لا يجوز له أن يبتاعه ، وكذلك يجوز له أن يبتاع منهم ما أراد من الغلات ، على اختلافها ، وإن كان يعلم أنّهم يغصبون أموال الناس ، ويأخذون ما لا يستحقونه ، إلا أن يعلم أيضا ويتعيّن له شي‌ء منه بانفراده أنّه غصب ، فلا يجوز له أن يبتاعه منهم.

وإذا غصب ظالم إنسانا شيئا ، وتمكن المظلوم من أخذه ، أو أخذ عوضه ، كان ذلك جائزا له ، وروي أن تركه ، أفضل (٣).

فإن أودعه الظالم وديعة ، جاز له أيضا أن يأخذ منها بقدر ماله ، وقال بعض أصحابنا : لا يجوز له أن يخون في الوديعة ، ويجوز له أن يأخذ ما عداها ، وقد قلنا ما عندنا في ذلك فيما تقدّم ، من كتابنا هذا (٤) ، فإنّ ما ورد في المنع من أخذ الوديعة ، أخبار آحاد ، وقد ورد ما يعارضها ، فإن صحت تلك الأخبار ، فهي محمولة على الكراهة ، دون الحظر.

فإن أودعه الظالم وديعة يعلم أنّها بعينها غصب ، وعرف صاحبها ، وأمن

__________________

(١) الوسائل : كتاب التجارة ، الباب ٤٧ من أبواب ما يكتسب به.

(٢) الوسائل : الباب ١٨ من أبواب اللقطة ، ح ١.

(٣) لعلّه إشارة إلى صحيح سليمان بن خالد المحمول على الأفضلية جمعا. فراجع الوسائل : الباب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٧.

(٤) تقدّم في كتاب الديون ، باب وجوب قضاء الدين إلى الحي والميت ، ص ٣٦.

٢٠٤

بوائق الظالم ، فلا يجوز له أن يردّها على الظالم الغاصب لها ، بل الواجب عليه ، ردّها على صاحبها ، فإن ردّها على الغاصب ، والحال ما ذكرناه ، كان ضامنا لصاحبها ، فإن علم أنّها غصب ، ولم يعرف صاحبها بعينه ، بقاها عنده ، إلى أن يعرفه ، ويستعمل فيها ما ذكرناه أولا ، فإن خاف على نفسه من ترك ردّها على الظالم الغاصب ، جاز له ردّها عليه ، وكذلك إن كانت مختلطة بمال الغاصب ، خلطا لا يتميز ، فلا يجوز له إمساكها عليه ، ووجب عليه ردّها إليه سواء خاف بوائقه أو لم يخف.

وذكر شيخنا في الاستبصار ، في كتاب المكاسب ، باب العينة ( وهي بالعين غير المعجمة المكسورة ، والياء المسكنة ، والنون المفتوحة المخففة ، والهاء المنقلبة عن تاء ومعناها في الشريعة ، هو أنّ يشتري سلعة بثمن مؤجل ، ثم يبيعها بدون ذلك نقدا ، ليقضي دينا عليه ، لمن قد حلّ له عليه ، ويكون الدين الثاني وهو العينة من صاحب الدين الأول ، ليقضيه بها الدين الأول ) روى أبو بكر الحضرمي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل تعيّن ، ثم حلّ دينه ، فلم يجد ما يقضي ، أيتعيّن من صاحبه الذي عيّنه ، ويقضيه ، قال : نعم (١).

مأخوذ ذلك من العين ، وهو النقد الحاضر ، قال الشاعر :

أندان أم نعتان أم ينبري لنا

فتى مثل نصل السيف هزّت مضاربه

معنى أندان : نستدين ، مأخوذ من أدان الرجل ، بتشديد الدال ، بمعنى استدان ، وهو أن يأخذ الدين ، أو يشتري سلعة بدين ، ومنه حديث عمر في أسيفع جهينة : فأدّان معرضا ، ومعنى معرضا ، من عرض الناس ، كل من وجده استدان منه. ومعنى نعتان ، نشتري عينة ، وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ،

__________________

(١) الإستبصار : كتاب المكاسب : باب العينة ، ح ١ ، ص ٧٩ ، ج ٣ ، وفي الوسائل : كتاب التجارة ، الباب ٦ من أبواب أحكام العقود ، ح ٢.

٢٠٥

ثم يبيعها بدون ذلك نقدا ، مأخوذ ذلك من العين ، وهو النقد الحاضر ، على ما قدّمناه ، وحررناه ، وشرحناه.

باب ما يجوز للإنسان أن يأخذ من مال والده وما يجوز للرجل أن يأخذ من مال

ولده ، وما للمرأة من مال زوجها ، ومن يجبر الإنسان على نفقته وأحكام ذلك

لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا ، قليلا كان أو كثيرا ، إلا بإذنه ، لا مختارا ولا مضطرا ، فإن اضطر ضرورة يخاف معها على تلف نفسه ، أخذ من ماله ما يمسك به رمقه ، كما يتناول من الميتة والدم ، هذا إذا كان الوالد ينفق عليه ، ويقيم (١) بواجب حقه ، لأنّ نفقة الولد تجب عندنا على الوالد ، إذا كان الولد معسرا ، سواء كان بالغا ، أو غير بالغ ، ويجبر الوالد على ذلك ، فأمّا إذا كان الولد موسرا ، فلا تجب نفقته على والده ، سواء كان صغيرا أو كبيرا ، بالغا ، بلا خلاف بيننا.

فإذا تقرر ذلك فإن أنفق عليه ، وإلا رفعه إلى الحاكم ، وأجبره الحاكم على الإنفاق ، فإن لم يكن حاكم يجبره على ذلك ، فللولد عند هذه الحال ، الأخذ من مال والده ، مقدار ما ينفقه على الاقتصاد ، ويحرم عليه ما زاد على ذلك.

والوالد فما دام الولد ينفق عليه ، مقدار ما يقوم بأوده ، وسدّ خلته ، من الكسوة ، والطعام بالمعروف ، فليس لوالده أن يأخذ من ماله بعد ذلك شيئا ، لا لقضاء ديونه ، ولا ليتزوج به ، ولا ليحج ، ولا غير ذلك ، فإن لم يكن الوالد معسرا ، وكان مستغنيا عن مال ولده ، فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من ماله ، على حال ، لا بالمعروف ، ولا غيره ، لأنّ نفقة الوالد لا تجب على الولد عندنا ، إلا مع الإعسار ، فأمّا مع الاستغناء ، فلا تجب النفقة على ولده.

__________________

(١) ج يقوم.

٢٠٦

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : وإذا كان للولد مال ، ولم يكن لوالده ، جاز له أن يأخذ منه ما يحج به حجة الإسلام ، فأمّا حجة التطوع ، فلا يجوز له أن يأخذ نفقتها من ماله ، إلا بإذنه (١).

إلا أنه رجع عن هذا في كتاب الإستبصار ، في الجزء الثالث ، فإنّه رحمه‌الله ، قال : قال محمد بن الحسن : هذه الأخبار كلّها دالة ، على أنّه انّما يسوغ للوالد أن يأخذ من مال ولده ، إذا كان محتاجا فأمّا مع عدم الحاجة ، فلا يجوز له أن يتعرض له ، ومتى كان محتاجا وقام الولد به ، وبما يحتاج إليه ، فليس له أن يأخذ من ماله شيئا ، قال رحمه‌الله : فإن ورد في الأخبار ما يقتضي ، جواز تناوله من مال ولده مطلقا ، من غير تقييد ، فينبغي أن يحمل على ذلك التقييد.

قال رحمه‌الله : والذي يدلّ على ما ذكرناه ، من التقييد ، ما رواه محمّد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما يحل للرجل من مال ولده ، قال : قوته بغير سرف ، إذا اضطر إليه ، قال : قلت له : فقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه : أنت ومالك لأبيك ، فقال : إنّما جاء بأبيه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال له : يا رسول الله ، هذا أبي ، قد ظلمني ميراثي من أمي ، فأخبره الأب ، أنّه قد أنفقه عليه ، وعلى نفسه ، فقال : أنت ومالك لأبيك ، ولم يكن عند الرجل شي‌ء أفكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يحبس الأب للابن (٢) ثم قال رحمه‌الله : فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سعيد بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيحج الرجل من مال ابنه ، وهو صغير؟ قال : نعم ، قلت : يحج حجة الإسلام ، وينفق منه ،

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب ما يجوز للرجل أن يأخذ من مال ولده.

(٢) الوسائل : الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٨.

٢٠٧

قال : نعم بالمعروف ، ثم قال : نعم يحج منه ، وينفق منه ، إنّ مال الولد للوالد ، وليس للولد أن ينفق من مال والده إلا بإذنه (١) ، قال رحمه‌الله : فما يتضمّن هذا الخبر من أنّ للوالد أن ينفق من مال ولده ، محمول على ما قلناه ، من الحاجة الداعية إليه ، وامتناع الولد من القيام به ، على ما دل عليه الأخبار المتقدّمة ، قال رحمه‌الله : وما يتضمن من أنّ له أن يأخذ ما يحج به حجة الإسلام ، محمول على أنّ له ، أن يأخذ على وجه القرض على نفسه ، إذا كان وجبت عليه حجة الإسلام ، فأمّا من لم تجب عليه ، فلا يلزمه أن يأخذ من مال ولده ، ويحج به ، وانّما يجب الحج عليه بشرط وجود المال ، على ما بيّناه ، ثم قال رحمه‌الله : وما تضمنته الأخبار الأوّلة ، من أنّ له أنّ يطأ جارية ابنه ، إذا قوّمها على نفسه ، ما لم يمسها الابن ، محمول إذا كان ولده صغارا (٢) ويكون هو القيم بأمرهم ، والناظر في أموالهم. هذا آخر ما أوردته من كلام شيخنا أبي جعفر في أول الجزء الثالث من استبصاره (٣).

وهو الذي يقوى عندي ، دون ما ذكره ، وأطلقه في نهايته (٤) ، إلا ما قاله من جواز أخذ نفقة حجة الإسلام ، على جهة القرض ، فانّ هذا أيضا لا يجوز ، لأنّه لا يجب عليه الاستدانة ليحج بها ، إلا أنّه لو حج ، كانت الحجة مجزية عما وجب ، واستقر في ذمته ، غير أنّه ما ورد عند أصحابنا ، إلا أنّ للوالد أن يشتري من مال ابنه الصغير ، من نفسه بالقيمة العدل ، ولم يرد بأنّ له ، أن يستقرض المال.

وإذا كان للولد جارية ، لم يكن وطئها ، ولا مسّها بشهوة ، جاز للوالد أن

__________________

(١) الوسائل : الباب ٧٨ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٤.

(٢) ج على ما إذا كان أولاده صغارا

(٣) الاستبصار : الباب الأوّل من كتاب المكاسب ، ص ٤٩ ـ ٥١ ، ح ٦ و ٩.

(٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب ما يجوز للرجل أن يأخذ مال ولده.

٢٠٨

يأخذها ، ويطؤها ، بعد أن يقومها على نفسه ، قيمة عادلة ، ويضمن قيمتها في ذمته ، هكذا أورده شيخنا في نهايته (١) ، وقد بيّنا أنّه رجع في استبصاره عن إطلاق هذا القول ، وقيّده بأن تكون للولد الصغير (٢) ، وهذا هو الصحيح الذي عليه الإجماع ، فأمّا إذا كان الولد بالغا كبيرا ، فلا يجوز للوالد وطئ جاريته ، إلا بإذنه على كل حال.

ثم قال شيخنا في نهايته : ومن كان له ولد صغار ، فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من أموالهم ، إلا قرضا على نفسه (٣).

والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا ، لا على سبيل القرض ، ولا غيره ، إلا إذا كانت معسرة ، ولم ينفق عليها ، فلها أن ترفعه إلى الحاكم ، ويلزمه الحاكم النفقة عليها ، ويجبره على ذلك ، فإن لم يكن حاكم يجبره جاز لها أن تأخذ النفقة بالمعروف.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا ، إلا على سبيل القرض على نفسها (٤).

وهذا غير واضح ، لأنّه لا دلالة على ذلك ، وقوله عليه‌السلام : لا يحل مال امرأة مسلم إلا عن طيب نفس منه (٥) ، وأيضا التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح عقلا وسمعا ، فمن جوزه ، فقد أثبت حكما يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.

ولا يجوز للمرأة أن تأخذ من بيت زوجها ، من غير أمره وإذنه ، شيئا ، قلّ ذلك أو كثر ، إلا المأدوم فقط ، على ما روى أصحابنا ، لشاهد الحال ، ما لم يؤد

__________________

(١) و (٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب ما يجوز للرجل أن يأخذ مال ولده.

(٢) ج : يكون الولد صغيرا.

(٤) النهاية : كتاب التجارة ، باب ما يجوز للرجل أن يأخذ مال ولده.

(٥) الوسائل : الباب ١ من أبواب القصاص في النفس ، ح ٣ ، وعبارته هكذا : « لا يحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه ».

٢٠٩

ذلك إلى الإضرار به ، فإن أدّى ذلك إلى الإضرار به ، لم يجز لها أخذ شي‌ء منه ، على حال ، وكذلك إن نهاها عن ذلك ، وإن لم يؤد إلى الإضرار به ، فإنّه والحال ما وصفناه ، لا يحل لها أخذ شي‌ء منه بحال.

ويجبر الإنسان على نفقة ولده ، ووالديه ، وجده ، وجدته ، وزوجته ، ومملوكه ، وإن اختصرت القول في ذلك ، فقلت يجبر الإنسان على نفقة العمودين ، الآباء والأبناء ، صعد هؤلاء ، أو نزل هؤلاء ، والزوجة ، والمملوك ، كان جيدا حسنا.

ولا يجبر على نفقة أحد غير من سميناه بحال من الأحوال ، بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، وإن كانوا من ذوي أرحامه ، وقد روي أنّه يجبر على نفقة أقرب ذوي أرحامه إليه ، إذا كان من يرثه ، ولم يكن له وارث غيره (١) وذلك محمول على الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب.

وإذا وهبت المرأة لزوجها شيئا ، كان ذلك ماضيا ، فإن أعطته شيئا ، وشرطت له الانتفاع به ، فإن كان ذهبا ، وقالت له : اتّجر به ، والربح لك ، فهذا يكون قرضا عليه ، لا قراضا ومضاربة ، وكان حلالا له التصرف فيه ، والربح له ، دونها.

وجملة الأمر ، وعقد الباب ، انّ هاهنا ثلاثة عقود ، عقد يقتضي أنّ الربح كله لمن أخذ المال ، وهو القرض ، وعقد يقتضي أنّ الربح كله لرب المال ، وهو البضاعة ، يقول له : خذ هذا المال ، فاتجر به ، والربح كله لي ، فإنّه يصح ، لأنّها استعانة منه على ذلك ، وعقد يقتضي أنّ الربح بينهما ، وهو القراض ، فإذا قال : خذه ، واتجر به ، صلح لهذه الثلاثة العقود قرض ، وقراض ، وبضاعة ، فإذا قرن به قرينة ، أخلصته إلى ما تدلّ القرينة عليه ، فإن قال : خذه واتّجر به ، والربح لك ، كان قرضا ، لأنّها قرينة تدلّ عليه ، وإن قال : خذه فاتّجر به ، على أنّ الربح لي ، كان بضاعة لمثل ذلك ، فإن قال : خذه واتجر به ، على أنّ الربح

__________________

(١) الوسائل : الباب ١١ من أبواب النفقات ، ح ٤.

٢١٠

بيننا ، كان قراضا ، لأنّ القرينة تدلّ عليه.

وقد روي أنّه يكره له أن يشتري بذلك المال الذي أعطته إيّاه زوجته ، جارية يطؤها ، لأنّها أرادت مسرته ، فلا يريد مساءتها ، فإن أذنت له في ذلك زالت الكراهة (١).

باب التصرف في أموال اليتامى

لا يجوز التصرف في أموال اليتامى ، إلا لمن كان وليا لهم ، أو وصيّا ، قد اذن له في ذلك ، والفرق بين الولي والوصي ، أنّ الولي يكون من غير ولاية ، مثل الحاكم ، والجد ، والأب ، والوصي لا يكون إلا بولاية غيره عليهم ، فمن كان وليا ، أو وصيا يقوم بأمرهم ، ويجمع أموالهم ، وسد خلاتهم ، وحفاظ غلاتهم ، ومراعاة مواشيهم ، جاز له أن يأخذ من أموالهم ، قدر كفايته وحاجته ، من غير إسراف.

وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان (٢) ومسائل الخلاف (٣) له أقلّ الأمرين ، إن كانت كفايته أقل من اجرة المثل ، فله قدر الكفاية ، دون اجرة المثل ، وإن كانت اجرة المثل أقل من كفايته ، فله الأجرة ، دون الكفاية.

والذي يقوى في نفسي ، أنّ له قدر كفايته ، كيف ما دارت القصة ، لقوله تعالى ( فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) (٤) فالتلزّم (٥) بظاهر التنزيل ، هو الواجب ، دون ما سواه ، لأنّه المعلوم ، وما عداه ، إذا لم يقم عليه دليل مظنون ، هذا إذا كان القيم بأمورهم فقيرا ، فأمّا إن كان غنيا ، فلا يجوز له أخذ شي‌ء من أموالهم (٦) لا قدر الكفاية ، ولا اجرة المثل.

__________________

(١) الوسائل : الباب ٨١ من أبواب ما يكتسب به ، ح ٢.

(٢) التبيان : ج ٣ ، ذيل الآية ٦ من سورة النساء ، ولا يخفى ان ما في التبيان مخالف لما ذكره عنه هنا ، ولفظه هكذا : « والظاهر في أخبارنا أنّ له اجرة المثل سواء كان قدر كفايته أو لم يكن ».

(٣) الخلاف : كتاب البيوع ، المسألة ٢٩٥.

(٤) النساء : ٦.

(٥) ج : بالالتزام.

(٦) وقع من هنا في نسخة الأصل سقط أوراق إلى أواسط باب ضروب المكاسب

٢١١

ومتى اتّجر الإنسان المتولي لمال اليتيم ، نظرا لهم ، وشفقة عليهم ، فربح ، كان الربح لهم ، وإن خسر ، كان عليهم.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : ويستحب أن يخرج من جملته الزكاة (١).

والذي يقوى عندي ، أنّه لا يخرج ذلك ، لأنّه لا دلالة عليه ، من كتاب ، ولا سنة مقطوع بها ، ولا إجماع ، لأنّه لا يجوز له التصرف ، إلا فيما فيه مصلحة لهم ، وهذا لا مصلحة لهم فيه ، من دفع عقاب ، ولا تحصيل ثواب ، لأنّ الأيتام لا يستحقون ثوابا ولا عقابا ، لكونهم غير مخاطبين بالشرعيات.

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته : ومتى اتجر به لنفسه ، وكان متمكنا في الحال ، من ضمان ذلك المال ، وغرامته ، إن حدث به حادث ، جاز ذلك ، وكان المال قرضا عليه ، فإن ربح كان له ، وإن خسر كان عليه ، ويلزمه في ماله وحصته الزكاة ، كما تلزمه لو كان المال له ، ندبا واستحبابا (٢).

قال محمّد بن إدريس : هذا غير واضح ، ولا مستقيم ، ولا يجوز له أن يستقرض شيئا من ذلك ، سواء كان متمكنا في الحال من ضمانه ، وغرامته ، أو لم يكن ، لأنّه أمين ، والأمين لا يجوز أن يتصرف لنفسه في أمانته ، بغير خلاف بيننا معشر الإمامية ، ولا يجوز له أن يتجر فيه لنفسه ، على حال من الأحوال ، وانّما أورد شيخنا ذلك إيرادا ، لا اعتقادا ، من جهة أخبار الآحاد ، كما أورد أمثاله في هذا الكتاب ، وهو غير عامل عليه.

ثم قال في الكتاب المشار إليه : ومتى اتّجر لنفسه ، بما لهم ، وليس يتمكن في الحال من مثله وضمانه ، كان ضامنا لذلك المال ، فإن ربح كان للأيتام ، وإن خسر كان عليه ، دونهم (٣).

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب التصرف في أموال اليتامى.

(٢) و (٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب التصرف في أموال اليتامى.

٢١٢

وقد قلنا إنّه لا يجوز أن يتّجر لنفسه في ذلك المال ، بحال من الأحوال.

ومتى كان لليتامى على إنسان مال ، جاز لوليّهم أن يصالحه على شي‌ء ، يراه صلاحا في الحال ، ويأخذ الباقي ، وتبرأ ذمة من كان عليه المال.

قال محمّد بن إدريس : أمّا الوليّ ، فجائز له مصالحة ذلك الغريم ، إذا رأى ذلك صلاحا للأيتام ، لأنّه ناظر في مصلحتهم ، وهذا من ذاك ، إذا كان لهم فيه صلاح ، فأمّا من عليه المال ، فإنّ ذمته لا تبرأ ، إن كان جاحدا مانعا ، وبذل دون الحق ، وأنكر الحق ، ثم صالحه الوليّ ، على ما أقرّ له به ، أو أقرّ بالجميع ، وصالحه على بعض فلا تبرأ ذمته من ذلك ، ولا يجوز للوليّ إسقاط شي‌ء منه بحال ، لأنّ الولي لا يجوز له إسقاط شي‌ء من مال اليتيم ، لأنّه نصب لمصالحه واستيفاء حقوقه ، لا لإسقاطها ، فيحمل ما ورد من الأخبار (١) ، وما ذكره بعض أصحابنا ، وأودعه كتابه على ما قلناه ، وحررناه أولا ، من أنّه إذا رأى الصلاح ، الوليّ في مصالحة الغريم ، فيما فيه لليتيم الحظ ، فجائز له ذلك ، ولا يجوز فيما عداه ، مما ليس له الحظ فيه ، والصلاح.

وإذا كان للإنسان على غيره مال ، ومات ، جاز لمن عليه الدين ، أن يوصله إلى ورثته ، وإن لم يذكر لهم ، أنّه كان عليه دينا ، ويجعل ذلك على جهة الصلة لهم ، والجائزة ، ويكون فيما بينه وبين الله تعالى ، غرضه فكاك رقبته ، مما عليه.

والمتولي للنفقة على اليتامى ينبغي أن يثبت على كل واحد منهم ما يلزمه عليه ، من كسوته بقدر ما يحتاج إليه فأمّا المأكول والمشروب ، فيجوز أن يسوي بينهم ، على ما رواه (٢) أصحابنا ، لأنّ ذلك متقارب غير متفاوت.

ومتى أراد مخالطتهم بنفسه وأولاده ، جعله كواحد من أولاده ، وينفق من

__________________

(١) الوسائل : الباب ٧٢ من أبواب ما يكتسب به ، وكذلك الباب ٧٥ من تلك الأبواب.

(٢) الوسائل الباب ٧٣ من أبواب ما يكتسب به.

٢١٣

ماله ، بقدر ما ينفق من مال نفسه ، ولا يفضله في ذلك ، على نفسه ، وأولاده ، بل إن فضّل نفسه (١) عليه ، فهو الأولى والأفضل وقد قلنا إنّ المتولّي ، والقيّم بأموال اليتامى ، يأخذ من أموالهم ، قدر كفايته لنفسه فحسب ، من غير إسراف ، وحكينا عن شيخنا أبي جعفر ، ما قاله في مسائل خلافه ، وتبيانه.

وقال في نهايته ، في أول باب التصرّف في أموال اليتامى بما اخترناه ، وهو أنّ الوليّ والقيّم على أموالهم ، جاز له أن يأخذ من أموالهم ، قدر كفايته وحاجته ، من غير إسراف ولا تفريط (٢).

وقال في آخر الباب : والمتولّي لأموال اليتامى ، والقيّم بأمورهم ، يستحق اجرة المثل ، فيما يقوم به من مالهم ، من غير زيادة ولا نقصان ، فإن نقص نفسه ، كان له في ذلك فضل وثواب ، وإن لم يفعل ، كان له المطالبة باستيفاء حقه ، من اجرة المثل ، فأمّا الزيادة فلا يجوز أخذها على حال (٣).

وما ذكره رحمه‌الله في صدر الباب ، هو الحق اليقين ، لأنّه يعضده ظاهر التنزيل ، على ما حررنا القول فيه ، واستوفيناه.

باب ضروب المكاسب

المكاسب على ثلاثة أضرب : محظور على كل حال ، ومكروه ، ومباح على كل حال ، فأمّا المحظور على كلّ حال ، فهو كلّ محرم من المأكل والمشارب ، وسيرد (٤) ذلك في موضعه ، وتراه في أبوابه من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى.

والأجرة على خدمة السلطان الجائر ، ومعونته ، وتولي الأمر من جهته ، اتباعه في فعل القبيح ، ولمعونته ، وأمره ونهيه بذلك ، والرضا بشي‌ء منه ، مع

__________________

(١) ل : بل يفضل نفسه.

(٢) و (٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب التصرف في أموال اليتامى.

(٤) ل : وسيرد وسنبين.

٢١٤

ارتفاع التقية ، والتمكّن من ترك ذلك ، والإلجاء إليه.

والتعرض لبيع الأحرار ، وابتياعهم ، وأكل أثمانهم ، وكذلك مملوك الغير بغير إذن مالكه.

وآلات جميع الملاهي ، على اختلاف ضروبها ، من الطبول ، والدفوف ، والزمر ، وما يجري مجراه ، والقضيب ، والسير ، والرقص ، وجميع ما يطرب من الأصوات والأغاني ، وما جرى مجرى ذلك ، والخبال على اختلاف وجوهه ، وضروبه ، وآلاته.

وسائر التماثيل ، والصور ذوات الأرواح ، مجسّمة كانت أو غير مجسمة.

والشطرنج ، والنرد ، وجميع ما خالف ذلك ، من سائر آلات القمار ، كاللعب بالخاتم ، والأربعة عشر ، وبيوت الرعاة ، واللّعب بالجوز ، والطيور ، وما جرى مجرى ذلك.

وأحاديث القصّاص ، والأسمار ، والنوح بالأباطيل ، والنميمة ، والكذب ، والسعاية بالمؤمنين ، والسعي في القبيح ، ومدح من يستحق الذم ، وذم من يستحق المدح.

وغيبة المؤمنين ، والتعرض لهجوهم ، والأمر بشي‌ء من ذلك ، والنهي عن مدح من يستحق المدح ، والأمر بمدح من يستحق الذم ، أو بشي‌ء من القبائح.

والحضور في مجالس المنكر ، ومواضعه ، إلا لإنكار ، أو ما جرى مجرى ذلك.

واقتناء الحيات ، وما خالف ذلك من المؤذيات ، واقتناء الكلاب ، إلا لصيد ، أو حفظ ماشية ، أو زرع ، أو حائط. وكذلك يحرم اقتناء السباع المؤذيات ، التي لا تصلح للصيد.

وذكر بعض أصحابنا ، وخصاء الحيوان ، والأولى عندي تجنب ذلك ، دون أن يكون محرّما محظورا ، لأنّ للإنسان أن يعمل في ملكه ما فيه الصلاح له ،

٢١٥

وما روي في ذلك (١) يحمل على الكراهة ، دون الحظر.

ويحرم بناء الكنائس ، والبيع ، والأجرة على ذلك ، وكل ما يكون معبدا لأهل الضلال ، والصلبان ، والعيدان ، والأوثان ، والأنصاب ، والأزلام ، والأصنام ، والتطفيف في الوزن والكيل ، والغش في جميع الأشياء.

وعمل المواشط بالتدليس ، بأن يشمن الخدود ، ويحمّرنها ، وينقشّن الأيدي والأرجل ، ويصلن شعر النساء بشعور غيرهن ، وما جرى مجرى ذلك ، ممّا يلبسن ، به على الرجال في ذلك.

وعمل السلاح ، مساعدة ومعونة لأعداء الدين ، وبيعه لهم ، إذا كانت الحرب قائمة بيننا وبينهم ، فإذا لم يكن ذلك ، وكان زمان هدنة ، فلا بأس بحمله إليهم ، وبيعه عليهم ، على ما روي في الأخبار عن الأئمة الأطهار (٢).

وذكر شيخنا في نهايته ، أنّه لا بأس ببيع ما يكنّ من آلة السلاح ، لأهل الكفر ، مثل الدروع ، والخفاف (٣) ( وقد نقط بخط الخاء بنقطة واحدة والفاء بنقطة واحدة ).

قال محمّد بن إدريس مصنّف هذا الكتاب : الخفاف ليس هي من السلاح ، فإن أراد التخفاف ، والجمع التخافيف ، فهي من آلة السلاح ، قال أبو علي النحوي الفارسي : التاء زائدة في التخفاف ، فعلى قول أبو علي مع سقوط التاء يصير الخفاف ، فيستقيم أن يكون من آلة الحرب ، وإن كان قد روي في أخبارنا ، أورده شيخنا في الاستبصار (٤) ، وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام ، عن

__________________

(١) مستدرك الوسائل : الباب ٢٩ من أبواب أحكام الدواب ..

(٢) الوسائل : الباب ٨ من أبواب ما يكتسب به.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب المكاسب المحظورة .. والعبارة في المصدر ، هكذا : ولا بأس ببيع ما يكن من آلة السلاح لأهل الكفار مثل الدروع والتخافيف.

(٤) الاستبصار : كتاب المكاسب الباب ٣٣ ، ح ٣ و ١٨٨ ، وفي المصدر : محمد بن قيس قال :

٢١٦

الفئتين تلتقيان من أهل الباطل ، أبيعهما السلاح ، فقال : بعهما ، ما يكنهما ، من الدروع والخفين ، فشيخنا في نهايته ، ما أراد إلا الخفاف جمع خف ، على لفظ الخبر ، إلا أنّه ليس من آلة السلاح ، بل التخفاف ، من السلاح الذي يكن ، وأسقطت التاء الزائدة ، على ما قال أبو علي النحوي ، فصار الخفاف ، وهو الذي يقتضيه الكلام.

والجمع بين أهل الفسق للفجور ، والفتيا بالباطل ، والحكم به ، والتعرض للقول في ذلك ، من غير دليل مثمر لليقين ، والارتشاء على الأحكام ، والقضاء بين الناس ، وأخذ الأجرة على ذلك ، ولا بأس بأخذ الرزق على القضاء ، من جهة السلطان العادل ، ويكون ذلك من بيت المال ، دون الأجرة على كراهة فيه.

ولا يجوز أخذ الأجرة على الأذان والإقامة ، ولا على الصلاة بالناس ، وتغسيل الأموات ، وتكفينهم ، وحملهم ، ودفنهم ، والصلاة عليهم ، والأجرة المحرّمة على حملهم هي إلى المواضع التي يجب على من حضرهم الحمل إليها ، وهي ظواهر البلدان ، والجبانة المعروفة بذلك ، فأمّا ما بعد عن ذلك ، من المواضع المعظمة ، والأمكنة الشريفة المقدسة ، فلا يجب حمل الموتى إليها ، على من حضرهم ، ولا تحرم الأجرة ، على من استؤجر للحمل إلى المواضع المذكورة النائية.

ولا يحرم ثم الماء الذي يغسل به الميت على بايعه ، ولا الكفن على بايعه ، بحال ، لأنّ المحرم هو الأجر على التغسيل ، والتكفين ، وهما مصدران ، دون الماء والكفن ، فمن حرم ثمن الماء ، يلزمه تحريم ثمن الكفن ، إذ لا فرق بينهما بحال.

وشيخنا أبو جعفر ، قال في مبسوطة : وإذا وجد الماء ، لغسل الميت ، بالثمن ، وجب شراؤه من تركته ، فإن لم يخلّف شيئا ، لم يجب على أحد ذلك ، هذا آخر

__________________

سألت أبا عبد الله عليه‌السلام.

٢١٧

كلامه رحمه‌الله في مبسوطة (١).

والكهانة ، والشعبذة ، والحيل المحرمة ، وما أشبه ذلك ، والقيافة ، والسحر ، وتعلمه ، وتعليمه ، ونسخ الضلال ، وحفظه ، والأجرة عليه ، وإيراد الشبه القادحة ، وتخليدها ـ بالخاء ـ الكتب من غير نقض لها ، والأجرة على تزويق المساجد ، وزخرفتها ، وفعل ذلك محرّم ، وجمع تراب الصياغة لبيعه ، وأخذه ، فإن جمعه إنسان ، فعليه أن يتصدق به ، عن أربابه.

واتخاذ العقارات ، والمساكن لعمل المناكير فيها ، مع القصد إلى ذلك ، واتخاذ السفن وغيرها ، ممّا يحمل عليه المحرمات ، مع العلم بذلك ، والقصد إليه أيضا.

واحتكار الغلات المنهي عن احتكارها ، عند عدم الناس لها ، وحاجتهم الشديدة إليها ، وإن لا يوجد في البلد سواها ، بعد ثلاثة أيام.

وبيع المصاحف ، إذا كان ذلك في المكتوب ، وبيع السرقة ، والخيانة ، وابتياعهما ، مع العلم بهما.

ونثار الأعراس ، إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة ، لا قولا ولا شاهد حال ، فأمّا إذا علم من قصد مالكه بشاهد الحال ، أو الإذن بالقول ، الإباحة لأخذه ، فلا بأس بذلك ، غير أنّه يكره ما يؤخذ منه ، انتهابا.

وسلوك طريق يظهر فيه أمارة الخوف ، مع ترك التحرز ، والكشف عن ذلك.

والخمر ، والتصرف فيها حرام ، على جميع الوجوه ، من البيع ، والشراء ، والهبة ، والمعاوضة ، والحمل لها ، والصنعة ، وغير ذلك من أنواع التصرف ، ولا بأس بإمساكها ، ليخللها ، ويكون قصده ذلك ، دون غيره.

ولحم الخنزير ، وبيعه ، وهبته ، وأكله ، واتخاذه ، وكذلك كلّ ما كان من

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة فصل في ذكر التيمم وأحكامه ، ص ٣١.

٢١٨

الخنزير ، من شعر ، وجلد ، وشحم ، وعظم.

وكلّ شراب مسكر ، حكمه حكم الخمر ، على السواء ، قليلا كان أو كثيرا ، نيا كان أو مطبوخا ، وكذلك حكم الفقاع حكمه ، شربه ، وعمله ، والتجارة فيه ، والتكسب به حرام ، محظور ، بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّ إجماعهم منعقد على ذلك.

وكل طعام أو شراب ، حصل فيه شي‌ء من الأشربة المحظورة ، أو شي‌ء من المحرمات والنجاسات ، فإن شربه ، وعمله ، والتجارة فيه ، والتكسب به ، والتصرف فيه ، حرام محظور.

وجميع النجاسات ، محرّم التصرّف فيها والتكسب بها على اختلاف أجناسها ، من سائر أنواع العذرة ، وروث ما لا يؤكل لحمه ، وبوله ، ولا بأس بأبوال وأرواث ما يؤكل لحمه.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : والأبوال وغيرها ، إلا أبوال الإبل خاصة ، فإنّه لا بأس يشربه والاستشفاء به عند الضرورة (١).

والصحيح من المذهب ، أن بول الإبل ، وبول غيرها مما يؤكل لحمه ، سواء لا بأس بذلك ، لأنّه طاهر عندنا ، بلا خلاف بيننا ، سواء كان لضرورة ، أو غير ضرورة ، وإنما أورد شيخنا هذا الخبر ، إيرادا ، لا اعتقادا.

وبيع الميتة ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، وبيع الخنافس ، والجعلان ، وبنات وردان ، والعقارب ، والحيّات ، وكلّ شي‌ء لا منفعة فيه ، حرام محظور ، وكذلك بيع سائر المسوخ ، وشراؤها ، مما يكون نجس العين ، نجس السؤر.

وقال شيخنا أبو جعفر ، في نهايته : وبيع سائر المسوخ ، وشراؤها ، والتجارة فيها ، والتكسب (٢) بها ، محظور ، مثل القردة ، والفيلة ، والدببة ، وغيرها من أنواع المسوخ (٣).

__________________

(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب المكاسب المحظورة ..

(٢) إلى هنا انتهى سقط نسخة الأصل.

(٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب المكاسب المحظورة ..

٢١٩

قال محمد بن إدريس : قوله رحمه‌الله : الفيلة والدببة فيه كلام ، وذلك انّ كلّ ما جعل الشارع ، وسوغ الانتفاع به ، فلا بأس ببيعه ، وابتياعه لتلك المنفعة ، والا يكون قد حلل ، وأباح ، وسوّغ شيئا غير مقدور عليه ، وعظام الفيل ، لا خلاف في جواز استعمالها ، مداهن ، وأمشاطا وغير ذلك ، والدب ليس بنجس السؤر ، بل هو من جملة السباع ، فعلى هذا ، جلده بعد ذكاته ، ودباغه ، طاهر.

والرشا في الأحكام سحت وكذلك ثمن الكلب ، إلا كلب الصيد ، سواء كان سلوقيا ـ منسوب إلى سلوق ، قرية باليمن. أو لم يكن ، وكلب الزرع ، وكلب الماشية ، وكلب الحائط ، فإنّه لا بأس ببيع الأربعة كلاب ، وشرائها ، وأكل ثمنها ، وما عداها محرّم محظور ثمنه ، وثمن جلده ، سواء ذكي ، أو لم يذك ، لأنّه لا تحله الذكاة ، سواء كان كلب بر ، أو بحر ، فقد ذكر العلماء ، أنّه ما من شي‌ء في البر ، إلا ومثله في الماء ، سواء نسب إلى اسم ، أو أضيف إليه ، لأنّ الكلب اسم جنس ، يتناول الوجوه كلّها والأحوال.

وقال شيخنا في نهايته : والرشا في الأحكام سحت ، وكذلك ثمن الكلب ، إلا ما كان سلوقيا للصيد (١).

فاستثنى السلوقي فحسب ، والأظهر ما ذكرناه ، لأنّه لا خلاف بيننا ، أنّ لهذه الكلاب الأربعة ، ديات ، وأنّه تجب على قاتلها ، وشيخنا فقد رجع في غير هذا الكتاب ، في مسائل خلافه (٢) ، عمّا ذكره في نهايته.

ثم قال في نهايته : وبيع جميع السباع ، والتصرف فيها ، والتكسب بها ، محظور ، إلا بيع الفهود ، خاصة ، فإنّه لا بأس بالتكسب بها ، والتجارة فيها ، لأنّها تصلح للصيد (٣).

__________________

(١) و (٣) النهاية : كتاب التجارة ، باب المكاسب المحظورة.

(٢) الخلاف : كتاب البيوع ، المسألة ٣٠٢ ـ ٣٠٥.

٢٢٠