وانقضت أوهام العمر

السيّد جمال محمّد صالح

وانقضت أوهام العمر

المؤلف:

السيّد جمال محمّد صالح


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-13-7
الصفحات: ٤٣١

ـ « ولكن علياً هو سبب تلك المؤاخذات المفتعلة على أبي طالب ».

ـ « هل ترى غير ذلك؟ ».

ـ « وما ذنب علي عليه‌السلام؟ ».

ـ « إلاّ لأ نّه على الحق ومعاوية على الباطل ، فعداء معاوية لعلي عداوة جوهرية يستحيل تحويلها ، فهي عداوة الشر للخير والخبيث للطيب والباطل للحق والكفر للايمان ».

وعندها التفتُّ إليه وكأني قد تنبهت إلى مسألة ، حسبت أن لي فيها هوى مؤقت .. إلاّ أنّي شعرت أنّي بحاجة ماسة إلى سماعها والعمل في خلال ذلك على اغتنام مثل هذه الفرصة ، ومحاولة مطالبة عمر بن الحاج أحمد الدباغ بها .. الآن الآن! فقلت له :

ـ « هل لك أن تطلعني على مجموعة من السنن المؤيدة للنصوص من الأخبار المروية من طرق أهل السنة؟ ».

فقال :

ـ « سأزوّدك بالمزيد منها .. فأولها : قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو آخذ بضبع علي : « هذا إمام البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ثُمّ مد بها صوته » (١).

ـ « والثاني؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوحي الي في علي ثلاث : أنّه سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين » (٢).

____________

(١) المستدرك ٣ : ١٢٩ ، كنز العمال ٦ : ١٥٣ ح٢٥٢٧.

(٢) المستدرك ٣ : ١٣٨ ، كنز العمال ٦ : ١٥٧ ح٢٦٢٨.

٢٦١

ـ « أما الثالث : فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوحي الي في علي أنّه سيد المسلمين ، وولي المتقين ، وقائد الغر المحجلين » (١).

ـ « والرابع؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلي : « مرحباً بسيد المسلمين وإمام المتقين ، أخرجه ابو نعيم في حلية الاولياء » (٢).

ـ « والخامس؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أول من يدخل من هذا الباب إمام المتقين ، وسيد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، وقائد الغر المحجلين ، فدخل علي ، فقام إليه مستبشراً ، فاعتنقه وجعل يسمح عرق جبينه ، وهو يقول له : « أنت تؤدى عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي » (٣).

ـ « والسادس؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ اللّه عهد إليّ في علي أنّه راية الهدى ، وإمام أوليائي ، نور من أطاعني ، وهو الكلمة التي الزمتها المتقين ، الحديث » (٤).

ـ « والسابع؟ ».

ـ « أما السابع فهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد أشار بيده إلى على : « إنّ هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحنى يوم القيامة ، وهذا الصديق الاكبر ، وهذا فاروق

____________

(١) كنز العمال ٦ : ١٥٧ ح٢٦٣٠.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٤٥٠ ، كنز العمال ٦ : ١٥٧ ح٢٦٢٧.

(٣) أبو نعيم في الحلية ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ : ٤٥٠.

(٤) أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي بزرة الأسلمي ، وأنس بن مالك ، ونقله المعتزلي في شرح النهج ٢ : ٤٤٩.

٢٦٢

هذه الأُمّة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، الحديث » (١).

ـ « والثامن؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر الأنصار إلاّ أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً ، هذا علي فأحبوه بحبي ، وأكرموه بكرامتي ، فإنّ جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن اللّه عزّ وجلّ. أخرجه الطبراني في الكبير » (٢).

ـ « فانظر كيف جعل عدم ضلالهم مشروطاً بالتمسك بعلي ، فدل المفهوم على ضلال من لم يستمسك به ، وانظر أمره إياهم أن يحبوه بنفس المحبة التي يحبون بها النّبي ، ويكرموه بعين الكرامة التي يكرمون النّبي بها ».

ـ « وإذن؟ ».

ـ « وإذن ، فإنّ كُلّ هذا ليس إلاّ لكونه ولي عهده ، وصاحب الأمر بعده ، وإذا تدبرت قوله : « فإنّ جبرائيل أمرني بالذى قلت لكم عن اللّه ، تجلت لك الحقيقة ».

ـ « والتاسع؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا مدينة العلم ، وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب » (٣).

ـ « وكيف كان طعنهم؟ ».

____________

(١) الطبراني في الكبير ، والبيهقي في سننه ، كنز العمال ٦ : ١٥٦.

(٢) كنز العمال ٦ : ١٥٧ ح٢٦٢٥ ، شرح النهج للمعتزلي ٢ : ٤٥٠.

(٣) الجامع الصغير للسيوطي : ١٠٧ ، المستدرك ٣ : ٢٢٦ ، وافرد الإمام أحمد بن محمّد بن الصديق المغربي لتصحيح هذا الحديث كتاباً أسماه ( فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ).

٢٦٣

ـ « لقد نظرت في طعنهم ، فوجدته تحكّما لم يدلوا فيه بحجة ما ، غير الوقاحة في التعصب كما صرح به الحافظ صلاح الدين العلائي ».

ـ « وكيف؟ ».

ـ « حيث نقل القول ببطلانه عن الذهبي وغيره ، فقال : ولم يأتوا في ذلك بعلة قادحة سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر ».

ـ « والعاشر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا دار الحكمة وعلى بابها » (١).

ـ « والحادي عشر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « على باب علمي ، ومبين من بعدى لأُمتي ، ما أرسلت به ، حبه إيمان ، وبغضه نفاق. الحديث » (٢).

ـ « والحديث الثاني عشر؟ ».

ـ « أما هذا فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « أنت تبين لأُمتي ما اختلفوا فيه من بعدي » (٣).

ـ « والثالث عشر ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما أخرجه الدار ابن السماك عن ابي بكر مرفوعاً : « علي مني بمنزلتي من ربي » (٤).

____________

(١) أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن جرير ، كنز العمال ٦ : ٤٠١ وقال : قال ابن جرير : هذا خبر عندنا صحيح سنده.

(٢) كنز العمال ٦ : ١٥٦ عن الديلمي.

(٣) المستدرك ٣ : ١٢٢ ، كنز العمال ٦ : ١٥٦.

(٤) الصواعق المحرقة : ١٠٦.

٢٦٤

ـ « والحديث الرابع عشر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما أخرجه الدارقطني في الأفراد عن ابن عباس مرفوعاً : « علي بن أبي طالب باب حطّة ، من دخل منه كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً » (١).

ـ « والآخر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يوم عرفات في حجة الوداع : « علي مني وأنا من علي ، ولا يؤدي عنّي إلاّ أنا أو علي » (٢).

ـ « والحديث السادس عشر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاني عصى اللّه ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني » (٣).

ـ « والذي يليه؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي من فارقني فقد فارق اللّه ، ومن فارقك فقد فارقني » (٤).

ـ « والثامن عشر! اسمعني إياه؟ ».

ـ « هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حديث أُم سلمه : من سب علياً فقد سبني » (٥).

____________

(١) كنز العمال ٦ : ١٥٣.

(٢) سنن ابن ماجه ١ : ٩٢ ، والترمذي والنسائي في سننهما ، وكنز العمال ٦ : ١٥٣ ، مسند أحمد ٤ : ١٦٤.

(٣) المستدرك ٣ : ١٢١ وصححه ووافقه الذهبي في التلخيص.

(٤) المستدرك ٣ : ١٢٤ وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

(٥) المصدر السابق ٣ : ١٢١ وصححه الذهبي في التلخيص ، مسند أحمد ٦ : ٣٢٣ ، الخصائص للنسائي : ١٧.

٢٦٥

ـ « والحديث التاسع عشر؟ فما هو؟ ».

ـ « أما هذا فهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحبَّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضنى » (١).

ـ « وهل ثمة مثل هذا الحديث؟ ».

ـ « ومثله قول علي فيما أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ص ٤٦ من الجزء الأول من صحيحه وروى ابن عبد البر مضمونه في ترجمة علي من الاستيعاب عن طائفة من الصحابة. وقد تواتر قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، » كما اعترف بذلك صاحب الفتاوى الحامدية في رسالته الموسومة بالصلاة الفاخرة في الأحاديث المتواترة ».

ـ « ماذا قال؟ ».

ـ « قال : « والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النّبي الأُمي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا يحبنى إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ».

ـ « أووه .. والحديث الآخر؟ ».

ـ « أما هذا ، فهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي أنت سيد في الدنيا ، وسيد في الآخرة ، حبيبك حبيبي ، وحبيبي حبيب اللّه ، وعدوك عدوي وعدوي عدو اللّه ، والويل لمن أبغضك من بعدي » (٢).

ـ « والآخر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك

____________

(١) المستدرك ٣ : ١٣٠ واعترف الذهبي بصحته.

(٢) المستدرك ٣ : ١٢٨.

٢٦٦

وكذب فيك » (١).

ـ « والحديث الآخر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أراد أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي ، فليتول علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ، ولن يدخلكم في ضلالة ».

ـ « أعتقد أنّا قد بلغنا وفي تسلسل الأحاديث التي أخبرتني بها إلى الحديث الثالث بعد العشرين .. أليس كذلك؟ ».

ـ « أعتقد كذلك؟ ».

ـ « وما هو؟ ».

ـ « هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب ، فمن تولاه تولاني ، ومن تولاني فقد تولى اللّه ومن أحبه فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب اللّه ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه عزّوجلّ ».

ـ « وآخر يلحق به ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليتول علياً من بعد وليوال وليه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طيتني ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أُمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي ».

ـ « والآخر؟ ».

____________

(١) المستدرك ٣ : ١٣٢.

٢٦٧

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أحب أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنة التي وعدني ربي ، وهي جنّة الخلد ، فليتول علياً وذريته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم باب ضلالة ».

ـ « ».

ـ « أما الآخر فهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا عمار إذا رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فإنّه لن يدلك على ردي ولن يخرجك من هدى » (١).

ـ « والذي بعده؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في حديث أبي بكر : « كفّّى وكفّ علي في العدل سواء » (٢).

ـ « وهل هناك المزيد من الأحاديث والروايات؟ ».

ـ « لا شك في هذا ، فهاك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا فاطمة أما ترضين أن اللّه عزّ وجلّ ، اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين ، أحدهما أبوك ، وآخر بعلك » (٣).

ـ « وغيره؟! ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا المنذر ، وعلي الهاد وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي » (٤).

ـ « وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « أنا وهذا ، يعني علياً ، حجة على أمتي يوم القيامة » (٥).

____________

(١) كنز العمال ٦ : ١٥٦.

(٢) كنز العمال ٦ : ١٥٣.

(٣) المستدرك ٣ : ١٢٩.

(٤) كنز العمال ٦ : ١٥٧.

(٥) كنز العمال ٦ : ١٥٧.

٢٦٨

ـ « وآخر غير هذه كُلّها؟! ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ، وإلى آدم في علمه ، إلى إبراهيم في حمله ، وإلى موسى في فطنته ، وإلى عيسى في زهده ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب » (١).

ـ « والحديث الذي يلحق بهذا؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « السبق ثلاثة : السابق إلى موسى ، يوشع بن نون ، والسابق إلى عيسى ، صاحب ياسين والسابق إلى محمّد ، علي بن أبي طالب ».

ـ « أي رقم وصلنا إليه مع هذه الأحاديث؟ ».

ـ « لا أدري ، ولكن هاك هذا الآخر ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الصديقون ثلاثة : حبيب النجار ، مؤمن آل ياسين ، قال : ( يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ، وحزقيل ، مؤمن آل فرعون ، قال : ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللّهُ ) ، وعلي بن أبي طالب ، وهو أفضلهم » (٢).

ـ « هل هناك أخبار أُخرى؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي : « إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقل على سنتي ، من أحبك أحبني ، ومن أبغضك أبغضني وأن هذه ستخضب من هذا ، يعني لحيته من رأسه » (٣).

ـ « هات الآخر؟ ».

ـ « قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على

____________

(١) البيهقي في سننه ، شرح النهج للمعتزلي ٢ : ٤٤٩ ، التفسير الكبير للرازي ٢ : ٢٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة : ٧٤.

(٣) المستدرك ٣ : ١٤٧ وصححه ووافقه الذهبي.

٢٦٩

تنزيله ، فاستشرف لها القوم وفيهم أبو بكر وعمر قال أبو بكر : أنا هو؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل يعني علياً ، قال أبو سعيد الخدري : فأتيناه فبشرناه ، فلم يرفع به رأسه كأنه قد كان سمعه من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (١).

ـ « ونحوه حديث أبي أيوب الأنصاري في خلافة عمر : « أمر رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ». وحديث عمار بن ياسر ، قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي ستقاتلك الفئة الباغية ، وأنت على الحق فمن لم ينصرك يومئذ فليس منّي » ، وحديث أبي ذر قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي نفسي بيده ، إن فيكم لرجلاً يقاتل الناس من بعدي على تأويل القرآن ، كما قاتلت المشركين على تنزيله ».

ـ « أما الأخير ».

ـ « أووه أزفت النهاية ووصلنا إلى مفترق الطرق ...

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يا علي أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي ، وتخصم الناس بسبع؟ أنت أولهم إيمانا باللّه ، وأوفاهم بعهد اللّه ، وأقومهم بأمر اللّه ، أقسمهم بالسوية ، وأعدلهم في الرعية ، وأبصرهم بالقضية وأعظمهم عند اللّه مزية » (٢).

____________

(١) المستدرك ٣ : ١٢٢ ، مسند أحمد ٣ : ٣٣ ، كنز العمال ٦ : ١٥٥.

(٢) كنز العمال ٦ : ١٥٦.

٢٧٠

الفصل الحادي والعشرون

هل أوصى الرسول أم لم يوص ِ

كنت أطوّع النفس على قبول أئمة الشيعة ، فودعتها تصير مطواعة حتّى بدأت أجلّها أكثر ومن ذي قبل ، وذلك حينما اكتشفت مقدار صبرها ، وفيض هدأتها ، وبدأت أعودها على الرضى بهذه ، وذلك ريثما تأتي مسائل أعظم ، فإنّي كنت قد عودتها على احتمال سابقاتها ، وإذا به يلوح لي إنّها تقوى على تحمل الأصعب منها والتنازل عن شيء وأشياء من غروها لقاء أن تحفل بمعان من أطيب الملامح وترتشف من لدن معين العلوم وغدير المعارف التي جعلت منها تحياها وتعيشها كما جعلت ذهني يعيش أيام التاريخ ، وكأني أنقلب زمان الأئمة الأربعة أو في عصر ما قبل صدر الإسلام ، وأيام الدعوة أو في أيام الدولة الأُموية. بينما جعلت أحتمل أسئلة وأُخرى ، كنت أجدها تنشب مخالبها في لحمي من قبل أن أنشب أظفار عقلي ومخالب ذهني في رحى أحشائها وعوالق بطونها .. فلم لم يوحي رسول اللّه لمن بعده؟ فلِمَ لم يعيّن حاكماً يأتي وراءه؟ ولم كان لأبي بكر وعمر وعثمان أن يفطنوا إلى مثل هذا الأمر حتّى كان لابنته عائشة هي الأُخرى أن تتميز ضرورة مثل هذه الوصية ، فتبعث إلى عمر بن الخطاب قبيل وفاته لتذكره بعدم ترك أُمة محمّد كالغنم ومن دون راعي .. وهل كان الرسول لا يفهم فلسفة الوصية؟ وإذن فإنّ ديننا يُحمل في قبالة كافة أديان العالم نقاط ضعفها ، لا يمكن أن سيدها أعظم عمالقة

٢٧١

علماء الأزهر ولا بغداد .. فأين وصية محمّد؟ وهل كان له أن يقيم دينه اللّه ، ويدع أُمته دون راع ، ليتقاسموا إرثه ومن بعدها ، في سقيفة بني ساعدة ، يكادون يحطّموا أجساد بعضهم البعض حتّى كأنهم أرادوا أن يعودوا إلى أيام ما قبل الإسلام ، لتحكمهم مقومات الحياة الجاهلية ، وأن الحكومة لا يتولاها سوى أقرب العشائر إلى الحاكم السابق ، والا فعلنا كذا وكذا؟. وهم الذين ما كانوا ليجدوا أن الدين المحمّدي قد جاء ليفرز أواصر القبيلة ، أو سيؤكد على أن الحكم يلتزم عدم الخروج من حدود نطاق القبيلة والعشائرية أو الطائفية .. فكيف كان لهم أن ينبروا بقول مثل هذه الأقاويل؟ وكيف كان لهم أن يتقاتلوا والرسول مسجىً لم يدفن بعد .. وكيف كان للرسول أن يترك أمته كهمل النعم ، فلا يوصي ، ونعترف بذلك .. اشفاقاً منّا على سمعة الصحابة ، ودعماً منّا لصحة حكوماتهم ، وتأييداً تثمينياً من قِبلنا لكُلّ خلافاتهم وجميع الأسباب التي توسلوابها لتصدّر أمر بلاد الإسلام وحكم أُمة الرسول من بعده ، وذلك على حساب سمعة هذا البطل الأخير ، والذي ظل يؤكد على أن من عمل منكم عملاً فليتمه! .. فكيف كان له أن ينسى العلم بما يقول ، فيذهب دون أن يتم رسالته .. ولقد قال له اللّه : ( اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) ، فأين هي هذه النعمة ، وأين هو هذا الإكمال؟ والكُلّ يقولون إنّ رسول الإسلام ما كان قد أوصى .. وكأنه قد تعمد أعمال الفتنة ، لأ نّه ما اراد سواها ، وما كان له ان يجيء بأي تعليمة من اله السماء ان ما جاء به هو من عنده .. ولا كان هو بالذي ينطق إلاّ عن الهوى ، وما كان هو وحياً يوحى حتّى ليمكن أن يمتد مثل هذا النقص والانتقاص إلى ربِّ محمّد

٢٧٢

نفسه .. فيديننا المسيحيون واليهود على عبادتنا لمثل هذا الربِّ الذي لم يوح إلى رسوله بضرورة الايصاء وإعلان مثل ذلك إمام الملأ أجمع .. فهل القياصرة هم أفضل من محمّد ، لأ نّهم كان لهم وبعقيدتهم هذه أن يحقنوا دماء أقوامهم ، ولا يدعوهم دون أن يوصوا إلى ولدهم من بعدهم .. حتّى اليهود كذلك .. فما كان لأحد إحبارهم أن يترك صومعته ، إلاّ بعد أن يترك من يقوم على أمرها .. وكذا يفعل اليوم أخسّ الحكام وأحطّهم درجة من الذين يحكمون أضعف بلدان العالم .. فهل كان رسولنا بدعاً من الرسل .. ولقد أوصى إبراهيم إلى إسماعيل ، وأوصى إسماعيل إلى اسحق ، وإسحاق إلى يعقوب .. أكان رسولنا أقل شأناً من هؤلاء وهو خلاصة وزبدة الرسل قاطبة وخاتم الأنبياء جميعاً حتّى كان علينا أن نرتضي بما سجله التاريخ ولا نحقق في الأمر ، ولا نبحث في الأسباب بل نقول لكُلّ من يريد الابحار في موج عباب مثل هذه القضايا ، بأنّ القضية قيدت ضد مجهول ، وليس لك أن تثير الإحن ، وتنقب عن مقالع تصنع الفتن .. هذا ولو كان لمثل هذا أن يجري على حساب سمعة الرسول الذي ما أرسله اللّه إلاّ ليتم مكارم الاخلاق ، ومعاصي أخلافنا اليوم ، تنسف كُلّ النسف ، ونظل ننادي بأننا مسلمون .. فأين هي المحمّدية في يومياتنا ، وكُلّ ما نبصره من مظاهر الحياة في البلدان الإسلامية ، مع أنّ الكُلّ يدعى أن دولته تدين بالدين الإسلامي الحنيف .. فاليوم كذلك هم يريدون تبرئة ساحاتهم ونسب كُلّ ما شطّ ، وضعف إلى دين محمّد نفسه ، وأ نّه ما كان قد تمم مكارم الاخلاق ، والاّ لما كانت كُلّ هذه الملاهي والخلاعة وألوان الفساد قد تفشت بأنواع ضروب الظلم وصنوف الطغيان .. حتّى صار التمسح باعتاب

٢٧٣

الأعراف الاجتماعية في الغرب صورة بديلة عن محمّد لتبرير ضعف الإسلام ، وعدم قدرته ، على أن يطال ما حققته المجتمعات الغربية ، فلو كانت الأخيرة على خطأ أو ديانتها كذلك ، فما كان لها أن تتسنم عبقريات العلوم ، وتتفنن وتبرع في مختلف مجالات التطور حتّى وصلوا إلى الفضاء ، والتمسوا من لمحة الثريا ، بعد أن عبوا من بطون الثرى ، واستنفدوا معادنها ، واحاطوا بثرواتها إحاطة واسعة ، مدغمة.

نهضت من فراشي ، وأنا الذي كنت قد عزمت على النوم ، توجهت إلى خالد وطلال ، أنصرف بعدها خالد إلى شغل اضطره إلى الذهاب ، فبقي طلال وأنا أسائله :

ـ « لِمَ لَم يوصِ الرسول؟ وهل كان بدعاً من الرسل حتّى نقول إنّه لم يوصِ؟ ) ».

نظر إليّ ، وكأ نّه كان يجدني أنطق بحججه ، ومن قبل أن ينطق بها هو ، ولم يرغه ما وجدني عليه ، وكأنه قد مرّ بمثل هذه المراحل هو الآخر ومن قبل.

تابعت حديثي وأنا أقول :

ـ « أنا لم أسمع عن شيء اسمه الوصية ، فإنّ كان لك منها إفاضات ، فهاتها كيما أغتنم العبّ منها؟ ».

نظر إليّ بامعان ، وشرع يسهب في الكلام ، كأنّه عزم على أن لا ينطلق حتّى يضمن إذعاني له بالتالي ، قال :

ـ « سأزودك بنصوص ربما لم تسمع بها لليوم ، لإنك لم تتفقد كتب أهل السنة ».

ـ « كيف تقول هذا؟ ».

٢٧٤

ـ « إنك لم تتفقد كتبكم بالشكل الذي يسمح لك باستيعاب مسألة الوصية .. والمصادرة عليها بأنها قضية مبدئية بديهية صودق عليها في السماوات العلى ».

ـ «؟!».

ـ « أما نصوص الوصية فهي متواترة ، وحسبك مما جاء من طريق أهل السنة ، قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد اخذ برقبة علي : « هذا أخي ووصيي ، وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ... » وأخرج محمّد بن حميد الرازي ، عن سلمة الأبرش ، عن ابن إسحاق عن أبي ربيعة الأيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه بريدة ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكُلّ نبي وصي ووارث ».

وهنا جعل ينظر إليّ بدقة ، وكأ نّه يوصيني بالانصياع لبداهة الأُمور قبل الدخول في مضامير البحث والدراسة.

ـ « .. وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب ».

ـ « من أورد هذا الحديث؟ ».

ـ « هذا الحديث ، .. أورده الذهبي في أحوال شريك من ميزان الاعتدال كذب به ، وزعم أن شريكاً لا يحتمله ».

ـ « وماذا قال؟ ».

ـ « وقال : إن محمّد بن حميد الرازي ليس بثقة ».

ـ « ولماذا تخبرني بالحديث ، ثُمّ تضعّفه؟ ».

ـ « إني أطرح عليك الحقائق كما يقال عنها ، وسأجيبك بما يشفي الغليل .. إنّي لا أُريد اقناعك عنوة ، ولكني أريدك أن تسترسل على سجيتك من دون أيّما إغراء أو إهمال! ».

ـ « بينما قال الجوال : إن الإمام أحمد بن حنبل والإمام أبا القاسم البغوي

٢٧٥

والامام ابن جرير الطبري وإمام الجرح والتعديل ابن معين وغير هم من طبقتهم ، وثّقوا محمّد بن حميد ورووا عنه ، فهو شيخهم ومعتمدهم كما يعترف به الذهبي ».

ـ « نفس الذهبي؟! ».

ـ « أجل ، هو يعترف بذلك ».

ـ « أين؟ ».

ـ « في ترجمة محمّد بن حميد من الميزان ».

ـ « هكذا إذن ».

ـ « ولهذا ، ما عليك إلاّ أن تتبين الكلام المقول بفعل التأثيرات المحيطة بالمرء أو بانعكاس الآثار النفسية على بعض المؤرخين والعلماء .. حتّى يمكنك أن تخرج بنتيجة حسنة ، ليس فيها أيّما إسراع في الحكم والخروج بنظرة مضطربة ليس فيها أيّما فائدة بل ربما حملت اضراراً بليغة .. لا تُستبان آثارها في الحال! ».

ـ « بينما يستدرك الجوال حديثه ، فيقول : ».

ـ « والرجل ممن لم يتهم بالرفض ولا بالتشيع ، وإنّما هو من سلف الذهبي فلا وجه لتهمته في هذا الحديث ».

ـ « وأخرج الطبراني في الكبير بالاسناد إلى سلمان الفارسي ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إنّ وصيي وموضع سري ، وخير من أترك بعدي ، ينجز عدتي ، ويقضي ديني ، علي بن أبي طالب ».

ـ « وهذا الحديث بلفظه وسنده ليعد الحديث ٢٥٧٠ من أحاديث كنز العمال في آخر صفحة ١٥٥ من جزئه السادس ، وأورده في منتخب الكنز ،

٢٧٦

فيمكنك أن تراجع من المنتخب ما هو مطبوع في هامش ص ٣٢ من الجزء الخامس من مسند أحمد ».

ـ «؟!».

ـ « وهذا نصّ في كونه الوصي ، وصريح في أنّه أفضل الناس بعد النّبي ، فيه من الدلالة الالتزامية على خلافته ، ووجوب طاعته ، ما لا يخفى على أولي الألباب ».

ـ « كما وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ، كما في ص ٤٥٠ من المجلد الثاني من شرح النهج ، عن أنس ، قال : قال لي رسول اللّه (ص) : « يا أنس أول من يدخل عليك هذا الباب إمام المتقين ، وسيد المسلمين ، ويعسوب الدين ، وخاتم الوصيين ، .. ( انتبه هنا .. يقول خاتم الوصيين ) وقائد الغر المحجلين » قال أنس :

ـ « .. فجاء علي ، فقام إليه رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مستبشراً فاعتنقه ، وقال له : « أنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي ».

ـ « ولقد أخرج الطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الانصاري ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال : « يا فاطمة ، أما علمت أن اللّه عزّوجلّ اطلع على أهل الأرض ، فاختار منهم أباك فبعثه نبياً ، ثُمّ اطّلع الثانية فاختار بعلك ، فأوحى إلي ، فأنكحته واتخذته وصياً » (١).

ـ « جميل حقاً! ».

ـ « أُنظر كيف أختار اللّه عليّاً من أهل الأرض كافة بعد أن أختار منهم خاتم

____________

(١) كنز العمال ٦ : ١٤٣ ح٢٥٤١.

٢٧٧

أنبيائه ، وأُنظر إلى أختيار الوصي وكونه على نسق أختيار النّبي ، أُنظر كيف أوحى اللّه إلى نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً ، وأُنظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلاّ أوصياءهم ».

ـ «؟!».

ـ « وهل يجوز تأخير خيرة اللّه من عباده ووصي سيد أنبيائه ، وتقديم غيره عليه ، وهل يصح لأحد أن يتولى الحكم عليه ، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ ».

جعلتني هذه الأسئلة أطّرح في دوامة هائلة .. تصورت أنّه ليس بميسوري الفكاك من ربقتها أبداً .. بينما أخذ صوته يتدفق أكثر فأكثر ويتعاظم في ذاكرتي ورأسي :

ـ « .. وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولى واجبة على هذا الذي اختاره اللّه كما أختار نبيه؟ ».

ـ « بدهتني أسئلة كثيرة تجاوزت حدود استفسارات رفيقي الاستنكارية .. حتّى صرت أكره ما سلف من إيامي .. كيف تقضت وأنا لم أكن أُفكر مثلما أُفكر اليوم! ».

ـ « .. وكيف يختاره اللّه ورسوله ثُمّ نحن نختار غيره ( وَما كانَ لِمُؤْمِن وَلا مُؤْمِنَة إِذا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) ».

ـ « وإذن فالطاعة للّه وحده ، وما كان خارج حدود هذا فهو يخرج إلى حدود الشيطان .. ( قلت ذلك في نفسي وأنا أحاول أن أراجع حساباتي جميعاً .. بل قررت كذلك ) ».

ـ « .. وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أنّ

٢٧٨

رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سيزوج علياً من بضعته الزهراء ـ وهي عديلة مريم سيدة نساء أهل الجنة ـ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر ، ولا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح ».

ـ « هل يمكن أن تدعم ذلك بحديث أو رواية؟ ».

ـ « وكيف لا! فلقد أخرج ابن أبي حاتم عن أنس ، قال : « جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى النّبي ، فسكت ولم يرجع اليهما شيئاً ، فانطلقا إلى علي ينبهانه إلى ذلك » (١).

ـ « وإذن ، فقد تقدم إلى خطبتها كُلّ من الصحابيين : أبي بكر وعمر بن الخطاب ، ولم يوفّقا .. إلى ذلك ».

ـ « أجل! لم يقبل بهما رسول اللّه ».

ـ « وما معنى هذا؟ ».

ـ « ماذا ترى أنت؟ ».

ـ « أرى أن من لا يصلح زوجاً لفاطمة .. وبعدم رضىً من أبيها .. ربما صلح للخلافة .. لأنّ السياسة غير الحياة الزوجية ».

ـ « وإذا ثبت أن الزواج من فاطمة هو زواج إلهي .. قائم على أُسس وآمال إلهية .. فلما ليس لنا أن نفترض المساعي الإلهية لا تتصل بالسياسة الإلهية .. ما كان لنا أن نفترض خلو هذا الزواج الإلهي من دون أيّما إرادة إلهية في دوام الخلافة الإلهية في أرضه عبر نسل فاطمة الزهراء ».

ـ « وإذن ».

____________

(١) الصواعق المحرقة : الباب الحادي عشر.

٢٧٩

ـ « وإذن ، البقية ستلحق بذهنك حالما تنتبه إلى آمال أكبر تنزع بالجنس البشري إلى افتراش سيب الفيوض النّبوية والتمسك بأهداب الالتحاف بالشعاعات الإلهية! ».

ـ « والآن ، هل لك في أن تزيدني؟ ».

ـ « عن علي ، قال : خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول اللّه ، فأبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما ، قال عمر : أنت لها يا علي » (١).

ـ « وأنت ، ما هي نظرتك حيال فحوى ومضمون مثل هذه الأخبار؟ ».

ـ « أما الآن ، فما عليك بما أنظر أنا ، وأنظر أنت بنفسك وحاول أن تقيم لعقلك سعة من القدر أكثر مما يمكن أن تقيمها لعقول الرجال من غيرك وفكر أنت فيما قاله الآخرون .. وأنصف من نفسك وأحكم عليه بالعدل والإحسان؟! ».

ـ « وماذا قال الآخرون؟ ».

ـ « قالوا : إنّ هذه ميزه يظهر بها فضل علي ، فلا يلحقه ، بعدها لاحق ، ولا يطمع في إدراكه طامع ، فاجلبوا بما لديهم من ارجاف ، وعملوا لذلك أعمالاً ، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين ينفّرنها ، فكان مما قلن لها : إنّه فقير ليس له شيء ، لكنها عليها‌السلام لم يخف عليها مكرهن ، وسوء مقاصد رجالهن ».

ـ « وإذن ، كانت قد تنبهت إلى ما يرمون إلى صنعه؟ ».

ـ « أجل ، فإنّها ، ومع كُلّ ذلك ، لم تبد لهن شيئاً يكرهنه ، حتّى تم ما أراد اللّه عزّ وجلّ ورسوله لها ».

____________

(١) كنز العمال ٦ : ٣٩٢ ، كما أخرجه ابن جرير ، وصححه وأخرجه الدولابي في الذرية الطاهرة.

٢٨٠