وانقضت أوهام العمر

السيّد جمال محمّد صالح

وانقضت أوهام العمر

المؤلف:

السيّد جمال محمّد صالح


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الأبحاث العقائدية
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-13-7
الصفحات: ٤٣١

الفصل الثالث عشر

الحوادث المؤلمة

عُدتُ بذاكرتي من جديد إلى صاحبي الجامعي عبد الرزاق وهو يحدثني عما وقع بين المسلمين من مآسي.

ـ « وإذا اردنا أن نولي وجوهنا شطر الحوادث التي حدثت بين المسلمين ».

ـ « السنة والشيعة؟ ».

ـ « فإنّ ذلك أدهى وأمر ، وأشد وقعاً ، وأعظم خطراً ».

ـ « لقد وقعت بين السنّة والشيعة حوادث مؤلمة أدت إلى إثارة نيران الفتن ، وإراقة الدماء ، وحرق المساكين ».

ـ « وليس بودنا أن نذكر هنا كُلّ ما حدث من خلاف بين هاتين الطائفتين من أُمور ».

ـ « لو طرحت على بساط البحث والمناقشة العلمية لزال كُلّ شيء ، وكان الحكم للحق وحده ، والحق أحق أن يتبع ».

ـ « هذا أمر طبيعي! ».

ـ « ولأنّ الخلاف كان لا يتعدى حدود النزاع في مسألة الأُمّة وغيرها من المسائل التي حدث الخلاف بين الطائفتين فيها ».

ـ « وكيف تطور الوضع؟ ».

ـ « لقد تطور الوضع إلى حالة تحزب ضد الشيعة ، واتجاه معاكس ».

١٦١

ـ « وكيف تمّ مثل ذلك؟ ».

ـ « لقد حاكوا لهم التهم ، وحملوا عليهم بكُلّ ما هو شائن من دون التفات إلى حق العلم ، أو خضوع للحق ».

ـ « وهل لك أن تشرح لي ملابسات ظروف كُلّ ذلك؟ ».

ـ « يطول بنا الحديث حول ذلك ، وسنتحدث عن ذلك فيما بعد ، والشيء الذي أود أن أشير إليه هو : أن الأمر بلغ أشده حتّى أدى إلى ثورات دموية مؤسفة ».

ـ «؟!».

ـ « وفتن ذهب تحت هياجها خلق كثير ».

ـ « ولعل من أعظم ذلك يوم كان الشيعة يقومون بإقامة شعائرهم الدينية ».

ـ « بالضبط! ».

ـ « كيوم عاشوراء ، ويوم الغدير كذلك ، فإنّ ذلك كُلّه يدعو إلى الإنكار من إخوانهم السنّيّين ».

ـ « ولماذا؟ ».

ـ « لأ نّهم يدّعون أنّ النياحة في محرم ، وإقامة الزينة يوم الغدير بدعة ».

ـ « وهل كان يصاحب ذلك مشاجرات؟ ».

ـ « لقد كان يصحب هذا الإنكار إعتداء أدى إلى إراقة الدماء بين الفريقين ».

ـ « وهل قتل فيها عدد غفير؟ ».

ـ « لقد قتل فيها الخلق الكثير! ».

ـ « كُلّ هذا أين وجدته؟ ».

١٦٢

ـ « لقد طالعته في كتاب البداية النهاية لابن كثير (١) ».

ـ « البداية والنهاية! ».

ـ « ومع هذا فإنّ السنّة قاموا بما قامت به الشيعة من النياحة على مصعب بن الزبير مقابلة للحسين ».

ـ « كرد على الشيعة وبالمثل؟ ».

ـ « وأقاموا الزينة يوم الغار مقابل يوم الغدير وقد مرت الإشارة لذلك ».

ـ « لا حول ولا قوة إلاّ باللّه ».

ـ « كما أنّهم أقاموا النياحة على كثير من الناس ، وقد رأوا أنّ ذلك من الأُمور المستحسنة ».

ـ « وأين وصل بهم الحد؟ ».

ـ « حتّى قال محمّد بن يحيى النيسابوري ـ حين بلغه موت أحمد بن حنبل ـ : ينبغى لأهل كُلّ دار في بغداد أن يقميوا على أحمد بن حنبل النياحة في دورهم ».

ـ « أين قرأت هذا؟ ».

ـ « قرأته في طبقات الحنابلة (٢) ».

ـ « وأقيمت النياحة على أحمد بن حنبل ، وعظم الحزن عليه ، ولازموا قبره مدّة من الزمن ، إظهاراً للتفجّع ، وأُقيمت مجالس العزاء عليه ، كما أقيمت النياحة على غيره من الرجال ».

ـ « هل لك أن تذكر لي من الأمثلة على ذلك؟ ».

____________

(١) البداية والنهاية ١١ : ٢٣٥.

(٢) طبقات الحنابلة ٢ : ٥١.

١٦٣

ـ « هاك : يموت أبو الفتح إسماعيل بن السلطان محمود سنة ٥٦٧ هـ فتقام عليه المآتم ، ويناح عليه نوح الثكلى ، ويكثر البكاء في الطريق ، وتفرش بالرماد إظهاراً للحزن ، وتعظيماً للمصاب ».

ـ « أين ورد هذا الخبر؟ ».

ـ « ورد في شذرات الذهب ج ٦ ص ١١٢ ».

ـ « والآخر؟ ».

ـ « ويموت ابن تيمية سنة ٧٢٨ هـ فتحضر جنازته خمسون ألف امرأة ينحن عليه ».

ـ « أووه! ».

ـ « ومائتا ألف رجل يرفعون أصواتهم بالتكبير مزيجاً بالبكاء والعويل ، لما غسل جمع ماء غسله ».

ـ «؟!».

ـ « فشربوه تبركاً به ».

ـ « لا .. إن هذا شيء لا يطاق تحمله حقاً والرضا به! ».

ـ « واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به تبركاً ».

ـ « ».

ـ « ودفع بالطاقية التي على رأسه خمس مائة درهم ، والخيط الذي في رقبته فيه الزئبق لدفع القمل دفع فيه مائة وخمسون ديناراً ، وسارت جنائز أهل السنّة ، ولما وضع على المغتسل دخل الرجال عليه يقبلونه وينوحون عليه ».

ـ « والنساء؟ ».

ـ « ثُمّ أُذن للنساء ففعلن مثل ذلك ».

١٦٤

ـ « وأين كان كُلّ هذا؟ ».

ـ « عثرت عليه في تاريخ ابن كثير (١) ».

ـ « وهل واصلوا إقامة مراسيم العزاء على روحه؟ ».

ـ « أووه ، لقد أُقيمت عليه المآتم ودامت النياحة ورثاه خلق كثير منهم شمس الدين الذهبي وغيره ».

ـ « وأين ذكر هذا؟ ».

ـ « ذكر في العقود الدرية في مناقب ابن تيمية (٢) ».

ـ « وهل لديك المزيد؟ ».

ـ « وكيف لا ، استمع إلى هذه : يموت أحمد بن السلطان ملك شاه سنة ٤٨١ هـ فمكث الناس ينوحون عليه سبعة أيام ولم يركب أحد فرساً ».

ـ « والنساء؟ ».

ـ « والنساء ينحن عليه في الأسواق ، وسوّد أهل البلاد أبوابهم ».

ـ « ولا بدّ أنّ مثل ذلك يتعدى إلى شيخ الحرمين كذلك؟ ».

ـ « ولِمَ لا ، فإنّه يموت شيخ الحرمين ، فتطوف تلامذته في الشوارع ينوحون عليه نوح النساء ».

ـ « ومن الطبيعي أن يشذّوا عن القاعدة ».

ـ « لقد كسروا المحابر وأقاموا النياحة عليه سنة كاملة ».

ـ « وأين وضعت اليد عليه؟ ».

____________

(١) البداية والنهاية ١٤ : ١٣٨.

(٢) العقود الدرية في مناقب ابن تيمية : ٣٩٩.

١٦٥

ـ « في طبقات الشافعية (١) ».

ـ « طبقات الشافعية؟ حقاً؟! ».

ـ « وأبو عمر الحنبلي المتوفى سنة ٦٠٧ هـ يعظم عليه البكاء والعويل يتناحون عليه رجالا ونساء ، وغسل في المسجد ، ونشف ماء غسله بخمر النساء ».

ـ « بخمر النساء؟ ».

ـ « أجل ، وبعمائم الرجال ـ للتبرك به طبعاً ـ ويتسابقون إلى تمزيق كفنه يتبركون به ، وكادت تبدو عورته ».

ـ « حقاً؟ ».

ـ « وذلك لولا محافظة الدولة على كرامته. فدفعت الناس عنه بالسيف ».

ـ « وبعد ذلك؟ ».

ـ « قال ابن العماد : ولولا الدولة لما وصل من كفنه إلى قبره شيء ».

ـ « إلى هذا الحد ، .. أقول : أين قرأت كُلّ هذا؟ أخبرني؟! ».

ـ « وجدته في شذرات الذهب (٢) ، ويمكنك مراجعته إن لم تطمئن! ».

ـ « وغير ذلك؟ ».

ـ « وتخرج النساء يوم وفاة المسترشد العباسي سنة ٥٢٩ هـ ينحن عليه يلطمن وهن منشرات الشعور ينشدن المراثي في الطرقات ».

ـ « وإذن ، فهم يعتقدون بكُلّ هذا الذي يفعلونه وذلك بحكم التكرار والتواصل! ».

____________

(١) طبقات الشافعية ٣ : ٢٥٩.

(٢) شذرات الذهب ٣ : ٣٠.

١٦٦

ـ « أمّا الرجال فشاركوهن بالنياحة وزادوا بأن شقوا الثياب عليه ».

ـ « وهذا الآخر ، من أين لك به؟ ».

ـ « إنّه في تاريخ دول الإسلام للذهبي (١) ».

ـ « وغير هؤلاء ممن يطول بنا الحديث عنهم وما حدث من مظاهر الحزن والأسى يوم وفاتهم وبعده ».

ـ « فما هي إذن أسباب تلك المؤاخذات؟ ».

ـ « ونحن إذا نظرنا إلى أسباب تلك المؤاخذات التي تؤاخذبها الشيعة استوجبت حدوث تلك الحوادث ، نجد الأسباب تعود إلى متابعة أغراض السلطة ، حتّى تحكم العداء للشيعة ».

ـ « وأصبح الابتعاد عن تهمة التشيع ».

ـ « .. أجل .. أمر لازم حتّى حرموا التشبه بهم ».

ـ « وما يمكن أن يكون في جعبتك من الأخبار التي لها صلة بالموضوع؟ ».

ـ « ذكر الزرقاني في المواهب اللدنية في صفة عمّة النبي على رواية علي في اسدالها على منكبه حين عممه رسول اللّه ».

ـ « طيب! ».

ـ « ثُمّ ذكر قول الحافظ العراقي أنّ ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الإمامية ، فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم ».

ـ « أووه! ».

____________

(١) تاريخ دول الإسلام ١ : ١٨٢.

١٦٧

ـ « فهذا الشيخ يفتي بترك التشبّه في اتخاذ العمة التي كان رسول اللّه يلبسها ».

ـ « وهذا هو بحد ذاته ليعد شاهداً من آلاف الشواهد التي عامل بها رجال أولئك العصر شيعة آل محمّد ».

ـ « ولا غرابة في ذلك ، فإن تهمة التشيع تدعو لسخط الدولة ، وهل وراء ذلك إلاّ ازهاق الأرواح ، ونهب الأموال أو السجن أو التبعيد؟ ».

ـ « لذلك التجأ الأكثر إلى التظاهر في الوقيعة بهم ».

ـ « بالضبط! فأدى الأمر إلى التباعد عنهم والحذر من تهمة التشيع حتّى في الرؤيا ».

ـ « أضف إلى حديثنا مزيداً من الأخبار الداعمة؟ ».

ـ « يحدثنا الخطيب البغدادي : أنّ رجلاً رأى علياً ( كرم اللّه وجهه ) في المنام فلم يجسر على الدنو منه ».

ـ « ولماذا؟ ».

ـ « فسأله صاحبه فقال : أخشى أن قربت إليه أسأله أن أتهم بالتشيع ».

ـ « إلى هذا المبلغ! ».

ـ « وأكثر ، وهكذا كانت السلطة الجائرة قد أرادت تفريق كلمة المسلمين ، وايقاد نار العداء فيما بينهم ، لغايات تعود لمصالحهم الخاصة ، رغبات في نفوسهم ، لا تنال مع الوحدة والاتحاد ، وتبادل الثقة والإخاء ».

ـ « ولم يكن في الأُمّة كُلّها أيّما رجال يدعون إلى الحقّ؟ ».

ـ « كيف لا ، لقد كان في الأُمّة رجال يدعون إلى الحق ، وينبهونهم على هذه الأخطاء ولكن جهودهم لم تثمر كثير فائدة ».

ـ « كيف؟ ».

١٦٨

ـ « لأن الفوضى تحكمت في المجتمع ، ودبت روح الاختلاف في النفوس ، وطغت موجة التعصب ، حتّى كانت عاقبة ذلك الجهل أن سلط عليهم أعداء لا يعرفون الرحمة ».

ـ « حتّى ».

ـ « حتّى ألبسوهم الذل ، وحكموا فيهم السيف ، وسقوا من دمائهم الأرض ».

ـ « ولربما أقاموا من رؤوسهم تلالاً ».

ـ « بالضبط ، فتمكن من قلوب المسلمين الرعب ».

ـ « وحتماً كان لهم أن تسلب منهم تلك القوة والشجاعة ، والتفاني في سبيل نشر كلمة التوحيد ، يوم ساروا تحت راية الإسلام ، وهم يستهينون بالحياة ، ويستقلبون الموت ، ويتمنون الشهادة ، حتّى أخضعوا جبابرة الأرض ودانت لهم البلاد ».

ـ « وليس ذلك فقط وحسب! وإذا بهم بعد تلك العزة ، يستولي عليهم الذل ، ويدخل في قلوبهم الرعب ، ولا يدافعون عن أنفسهم ».

ـ « هل لك أن تستشهد؟ ».

ـ « كان الرجل الواحد من التتر يقتل جماعة من المسلمين الواحد بعد الآخر ».

ـ « حقاً؟ ».

ـ « ودخلت امرأة داراً وقتلت جماعة من أهلها ، ولم يدفعوها عن أنفسهم ».

ـ «؟!».

ـ « ودخل واحد منهم درباً فيه مائة رجل فما زال يقتلهم واحداً واحداً حتّى

١٦٩

أفناهم ، ولم تمد إليه يد بسوء ».

ـ « أووه! ».

ـ « وأخذ رجل من التتر رجلاً من المسلمين ولم يجد ما يقتله فيه ، فقال له : ضع رأسك على هذا الحجر ولا تبرح ، فوضع رأسه وبقى نائماً حتّى جاء التتري وقتله ».

ـ « أُمور لا تُصدّق! ».

ـ « وهذا ما يذهب بنفس المسلم حسرات ويميت قلبه أسفاً وحزناً ».

ـ « بالفعل ».

ـ « وها نحن اليوم أمام تيار المبادىء الفاسدة ، والآراء الهدامة ، والعقائد السخيفة ، وإنّ خطرها على المسلمين لأعظم خطر يخاف عاقبته ».

ـ « ولا بدّ أن تخشى مغبته ، وذلك إن لم ينهج المسلمون لمكافحتها بتفهيم التعاليم الإسلامية والقيام بتطبيقها عملياً ، وأن يتحدوا لابعاد المتدخلين بين صفوف المسلمين ، لهدم المجتمع الإسلامي ، وتشويه تعاليمه الدينية الأخلاقية ».

ـ « واستبداله بتعاليم إباحية ، ولا يدفع ذلك الخطر إلاّ باتحاد الكلمة وفهم الإسلام فهماً صحيحاً ، وان تُستقى تعاليمه من ينبوعه الذي أراد اللّه ان نأخذ منه ونتبع قول الحق ».

ـ « وأكثر ».

ـ « وأئمة الصدق ».

ـ « مَن تقصد؟ ».

١٧٠

الفصل الرابع عشر

طاعة أولي الأمر ولفحات الحقيقة

وفي يوم آخر تابعت الحديث معه ، فكان يقول لي ، وذلك بعد أن سألته أن يعرض عليّ بعض الآيات القرآنية والتي لها أن تدلل على ولاية علي بن أبي طالب :

ـ « مثل آية أولي الأمر ».

فقلت :

ـ « لم أسمع بهذا الاسم من قبل ، وأي الآيات هي؟ ».

قال :

ـ « هي : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) ».

ـ « في أي السور تقع هذه الآية؟ ».

ـ « النساء : ٥٩ ».

ـ « وعلى ماذا يركز القرآن فيها؟ ».

ـ « يركز القرآن الكريم على وجود منصبين للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

ـ « وماهما؟ ».

ـ « الأوّل : منصب ابلاغ التشريع وما يوحيه اللّه إليه ، وأداء رسالة اللّه ، بيان

١٧١

الأحكام والمبادئ الإسلامية في مختلف المجالات ».

ـ « من مثل؟ ».

ـ « من مثل قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ). وذلك في سورة النحل : ٤٤ ».

ـ « والثاني؟ ».

ـ « الثاني : منصب القيادة والحكم بين الناس ، الذي يتطلب اتباع الأُمّة له في أوامره ونواهيه وتصويب آرائه والتسليم له ».

ـ « شاهده؟ ».

ـ « قال تعالى : ( إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ ) كما في سورة النساء ، الآية : ١٠٥ ».

ـ « وهنا ، على أي المسائل ، يمكن أن يؤكد القرآن؟ ».

ـ « والقرآن إذ يركز على وجود هذين المنصبين له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤكد على لزوم طاعة الأُمّة الإسلامية له في كلا المجالين ، فيقول تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ، باعتبار أنّ طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي طاعة اللّه تعالى في الواقع ».

ـ « وتكرار ( أَطِيعُوا )؟ ».

ـ « أما تكرار ( أَطِيعُوا ) فليس للتأكيد ـ كما قال به بعض المفسرين ـ وإنّما يشعر بلزوم طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المجال الثاني أيضاً ».

ـ « واللزوم هنا؟ ».

ـ « إنّ هذه الآية الكريمة لتأمر ـ بكُلّ وضوح ـ جميع أهل الإيمان بإطاعة اللّه تبارك وتعالى في أوامره ونواهيه ، وإطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وأولي الأمر في مختلف أوامرهم ونواهيهم مطلقاً ».

١٧٢

ـ « وهل كرّر القرآن الأمر بإطاعة اللّه عزّ وجلّ مقرونة باطاعة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ».

ـ « لقد كرر القرآن الكريم لتوضيح أن طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي طاعة اللّه تعالى ، إنّ وجوب إطاعتهما هو على نسق واحد ».

ـ « أين؟ ».

ـ « وذلك في آيات كثيرة مثل : ( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) وردت في سورة آل عمران ، الآية : ١٣٢ وآية : ( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ) ، آل عمران : ٣٢ و : ( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) ، الأنفال : ١ و : ( وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ ) ، المجادلة : ١٣ و : ( قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) ، النور : ٥٤ .. و : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) ، سورة محمّد : ٣٢ وغير ذلك من الآيات الكريمة ».

ـ « وإذا كانت إطاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد انفردت في بعض الآيات كما قال تعالى : ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) ( النور : ٥٦ )؟ ».

ـ « إنّ ذلك لا يعني افتراقها عن طاعة اللّه عزّ وجلّ ، فإن الآية الكريمة الأُخرى تصرح بالوحدة بينهما حيث يقول تعالى في سورة النساء ، الآية ٨٠ : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ ). وهكذا نقطع من خلال ملاحظة هذه الآيات إنّ طاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي طاعة اللّه ومن سنخها ».

ـ « وأين يقع معيار الطاعة المطلقة؟ ».

ـ « فإنّه لما كانت طاعة اللّه مطلقاً في أوامره ونواهيه هي طاعة معصوم

١٧٣

بالضرورة ، كانت طاعة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مطلقاً في أوامره ونواهيه الحكومية وبياناته المفسرة لمجمل الكتاب ، طاعة معصوم أيضاً لوجود تلك العينية بين الطاعتين ... وهي حقيقة قرآنية جلية لا مجال لإنكارها لشدة وضوحها ».

ـ « وطاعة أولي الأمر؟ ».

ـ « ولما كان ( أولو الأمر ) قد ذكروا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّ الآية الكريمة تدلّ على فرض طاعتهم نظير ما للرسول من إطاعة في مجال الولاية والحكومة ، من لزوم قبول رأيهم وطاعة أوامرهم ، لأ نّهم ولاة أمر الناس وحكامهم ».

ـ « أتقصد أن هناك اتحاد في مثل هذه الطاعة؟ ».

ـ « إنّ مما يمكن أن يلاحظ في هذه الآية ، هو أنّها تؤ كد وحدة اطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإطاعة ولي الأمر ، إذ جعل اللّه تعالى لنفسه إطاعة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأولي الأمر إطاعة ، فتكون إطاعة أولي الأمر إطاعة للرسول ، فهى إذن إطاعة للمعصوم ».

ـ « وبذلك تكون واجبة مطلقاً؟ ».

ـ « أجل ، وذلك بحكم الالتحام بين طاعتهم وطاعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي تعنى طاعة اللّه تعالى ، وبهذا تكون الآية دالة على عصمة أولي الأمر ، لإقتران طاعتهم بطاعة اللّه تعالى ».

ـ « بماذا يمكن أن يؤيَّد هذا المعنى؟ ».

ـ « إنّه يمكن أن يدعم بعدة نقاط ، النقطة الأُولى : إنّ اللّه تعالى أمر باطاعة أولي الأمر من جهة ، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان من جهة أُخرى. فإذا افترضنا أنّ ولي الأمر لم يكن معصوماً لزم أن يكون اتباعه في مورد خطئه اتباعاً للشيطان. ولا يمكن الأمر بشيء قد نهي عنه ، لأ نّه يلزم منه التناقض ، كما أنّه

١٧٤

يتنافى مع الاطلاق في ( أطيعوا اللّه ) ».

ـ « والثانية؟ ».

ـ « النقطة الثانية : إنّ اللّه تعالى أوجب طاعة أُولي الأمر على الاطلاق كطاعته وطاعة الرسول ، وهذا الاطلاق لا ينسجم إلاّ مع عصمة أُولي الأمر ، لأنّ غير المعصوم قد يأمر بمعصية فيحرم طاعته في ذلك ، وعند ذلك لو قلنا بأنّ الإطاعة ما زالت واجبة اجتمع الضدان ( الوجوب والحرمة ) وهو أمر باطل ».

ـ « إنّ الأمر في هذه الآية وإن كان مطلقاً لكنه مقيد بمثل الآية الشريفة ( قُلْ إِنَّ اللّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ) ( الاعراف : ٢٨ ) وقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ، فإذا أمر أُولو الأمر بمعصية حرم اتباع أمرهم ولم يشمله وجوب الطاعة ، فلا يوجد أي تضاد ».

ـ « إنّ هذا الادعاء مردود ، حيث إنّ العارف باللغة يجد تعارضاً بين القولين التاليين : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ ) ، كما هو وارد في سورة النساء ، الآية ٨٠ ) ، و : لا تطع الرسول في ما خالف اللّه!! ».

ـ « كيف؟ ».

ـ « إنّ هذا التنافى الواضح ينشأ من دلالة القول الأوّل ضمناً على صحة كُلّ ما يأمر به الرسول وموافقته لأمر اللّه تماماً ، وهذا لا ينسجم مع دلالة القول الثاني على إمكان مخالفة رسول اللّه مما يجعله مناقضاً لمضمون القول الأوّل ».

ـ « والنتيجة؟ ».

ـ « النتيجة هي : أنّ الآية تنزل إطاعة الرسول منزلة إطاعة اللّه : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ ). وهذا التنزيل لا يقبل أي تخصيص أو تقييد بلا ريب. ولما كانت إطاعة أُولي الأمر تشترك مع إطاعة الرسول في السياق تتساوى معها

١٧٥

في الإطلاق ، فهي لا تقبل تقييداً كذلك ».

ـ « طيب والنقطة الثالثة؟ ».

ـ « أما النقطة الثالثة فهي : لا معنى مطلقاً لأنّ نتصور الآية تأمر بإطاعة أُولي الأمر في خصوص ما عدا المعاصي ، فإنّ ذلك لا ينسجم أبداً مع ما هو الظاهر منها من كونها تركز على تعظيم الرسول وأُولي الأمر وجعلهما في مستوى واحد من اللزوم. فإنّ تعظيم العاصي ـ ولا سيما المنغمس بأنواع الفواحش ـ قبيح ».

ـ « وأكثر من هذا؟ ».

ـ « هذا بالإضافة إلى أنّ وجوب الطاعة لمن يأمر بالطاعات ».

ـ « أقول .. وإذن فهل تجب طاعة كُلّ آمر بالمعروف وناه عن المنكر؟ ».

ـ « وأنا أقول حين جوابك ، فلماذا لم يذكر هؤلاء هنا وخص الأمر بهم دون غيرهم؟ ».

ـ «؟!».

ـ « كُلّ هذا يؤكد أنّ المستفاد من الآية هو عصمة الرسول وأُولي الأمر لأ نّهم لا يأمرون ولا ينهون إلاّ بالحق ».

ـ « والقرينة العقلية؟ ».

ـ « وبعد هذا كُلّه ، فإنّه لا مجال لأنّ يقال بأنّ عدم جواز طاعة المخلوق في معصية الخالق أمر عقلي مسلم مرتكز في ذهن العقلاء ، فهو يشكل قرينة عقلية متصلة بالكلام تمنع من إطلاق قوله تعالى : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ ) ، وتجعله دالاًّ على لزوم إطاعة الرسول وأُولي الأمر في غير المعاصي ».

ـ « وهل ثمة مجال للقول بأنّ ذكر أُولي الأمر وتخصيصهم إنّما هو

١٧٦

لمصلحة اجتماعية ، هي حفظ وحدة المجتمع وصيانته من اختلاف الكلمة؟ رغم أنّه من المحتمل أن يخطئوا ، لأنّ هذه المصلحة تعوض وتسد نقص الأخطاء ».

ـ « اّنّ مثل هذا لا يعد إلاّ توهماً باطلاً وذلك طبقاً لما أوضحته لك ».

ـ « وهل يمكن للقرآن أن يمنح الشخص مثل هذه الاحتمالات؟ ».

ـ « إنّ القرآن الكريم وأُسلوبه في التعبير لا يساعد على هذه الاحتمالات ، فإنّ القرآن يلتزم بالتقييد في ما هو أهون من ذلك بكثير وأوضح ».

ـ « مثال؟ ».

ـ « كما في قوله تعالى في سورة العنكبوت ، الآية : ٨ ، وذلك حين التعرض لبرّ الوالدين : ( وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ) ».

ـ « وهل اعترف أحد كبار المفكرين الإسلاميين بدلالة الآية على العصمة؟ ».

ـ « لقد اعترف إمام المشككين الفخر الرازي بدلالة الآية على عصمة الرسول وأولي الأمر ، فقال في المسألة الثالثة في ذيل الآية : اعلم أن قوله عليهم‌السلام ( أولي الأمر منكم ) ، يدل عندنا على أن إجماع الأُمّة حجّة ».

ـ « وماذا كان دليله؟ ».

ـ « تابع كلامه بالقول : .. والدليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته ، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ ، والخطأ لكونه خطأ نهي عنه. فهذا يقتضي اجتماع الأمر والنهى في الفعل

١٧٧

الواحد باعتبار واحد ، وإنّه محال. فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم ، وثبت أنّ كُلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ. فثبت أنّ أُولي الأمر المذكور في الآية لابدّ وأن يكون معصوماً ».

ـ « وهل يمكن تبيّن رأيه بدقة أكثر؟ ».

ـ « لقد قال في موضع آخر : .. فكان حمل الآية على الإجماع أولى ، لأ نّه أدخل الرسول وأُولي الأمر في لفظ واحد ، وهو قوله : ( أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) فكان حمل أُولي الأمر الذي هو مقرون الرسول على المعصوم أولى من حمله على العاجز والفاسق الخ ».

ـ « وهل غامر غيره في بحث هذه المسألة؟ ».

ـ « لقد صححّ المطالب كُلٌّ من النيشابوري والشيخ محمّد عبده ـ على ما حكاه مقرر بحثه في المنار بقوله : فأهل الحل والعقد من المؤمنين إذا أجمعوا علي أمر من مصالح الأُمّة ـ إلى أن قال ـ فطاعتهم واجبة ، ويصح أن يقال هم المعصومون في هذا الإجماع. وإن أضاف إليه المقرر ما يوهم خلافه ».

ـ « من هم أُولو الأمر؟ ».

ـ « وأُولو الأمر طائفة من الأُمّة يتملكون شأناً هاماً هو : ولاية أمرها ، والإشراف على تسيير دفة الحكم فيها ، ولهم أن يأمروا بما يرون فيه مصلحة الأُمّة وسيرها الطبيعي ».

ـ « ولا ريب في دلالة الآية الكريمة على وجودهم في الأُمّة ، وإلاّ لكان الأمر باطاعتهم لغواً. ولكن من هم هؤلاء؟ وهل كان أحدهم موجوداً على عهد رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ وهل كان هذا ـ لو وجد ـ يتقلد منصباً ويتولى شأناً من

١٧٨

الشؤون أو كان على الأقل مؤهلاً لتولي هذا الشأن؟ ».

ـ « هذه أسئله لا تجيب عليها الآية الشريفة ، ولذا كان اللازم الرجوع الى من أسلمت له مهمة بيان الكتاب وتفصيل مجمله ، وذلك كما في أمثال هذا المورد من عدد الصلوات وركعاتها ومناسك الحج وغيرها ».

ـ « ثُمّ إنّ أُولي الأمر : اسم جمع يدل على كثرة المسمين به ».

ـ « إلاّ أنّه لا مانع من أن يراد به آحاد يتقلدون الأمر واحداً بعد الآخر ».

ـ « هل يمكنك أن تأتيني بنظائر لهذا الاستعمال؟ ».

ـ « إنّ لهذا الاستعمال نظائر عديدة في القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى في سورة القلم : ٨ ( فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ) وقوله تعالى : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ ) وذلك في سورة الشعراء ، الآية : ١٥١ ، وقوله تعالى : ( إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا ) كما في الاحزاب : ٦٧ .. وأمثال ذلك ».

ـ « والمقصود به أنّ الاستعمال على نحو القضية الحقيقة ـ كما يعبر المناطقة ـ أي على نحو اصدار حكم على موضوع معين مفروض ، فمتى ما تحقق ذلك الموضوع في الخارج تحقق الحكم. وهنا يقال : إنّه متى ما تحقق ولي الأمر ووجد خارجاً تجب طاعته. وليس هذا المعنى خلافاً للظاهر من التعبير القرآني ».

ـ « ومن هنا نعرف فساد ما توهمه الفخر الرازى من أن أُولي الأمر جمع فلا بدّ من إرادة جماعة ، أي إرادة هيئة مكونة من أفراد مجتمعة ، أما إرادة فرد واحد منها فهو خلاف الظاهر ».

ـ «؟!».

ـ « نعم ، إذا استعمل لفظ الجمع في المفرد لا غير ـ على نحو القضية

١٧٩

الشخصية ـ فهو خلاف الظاهر بلا ريب ، وليس الأمر هنا كذلك ».

ـ « وتعبير : ( منكم ) ، في الآية الكريمة؟ ».

ـ « أما تعبير ( منكم ) في الآية ، فهو نظير تعبير ( منهم ) في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ). ولعل ذكر هذين التعبيرين لأجل توضيح حقيقة وجوب طاعتهم رغم أنّهم ( منكم ) ، وذلك باعتبار وجود مزية لهم على الآخرين ».

ـ «؟!».

ـ « فليس بسديد ما قيل من أن تعبير ( منكم ) إنّما جاء للتنبيه على أنّهم أناس عاديون مثلكم بلا أي مزية كالعصمة وشبهها ».

ـ « وهل المراد بهم أهل الحلّ والعقد؟ ».

ـ « بعد أن اعترف الرازي بلزوم عصمة أُولي الأمر واستظهر من لفظ الجمع أن المقصود هم جماعة ، فسر أُولي الأمر بأ نّهم أهل الحل والعقد من العلماء ، وبنى عليه حجية الإجماع معبراً عنه بإجماع الأُمّة تارة ، وإجماع أهل الحل والعقد أُخرى ».

ـ « إذن .. فهم أُولي الحل والعقد؟ ».

ـ « .. اسمع! إلاّ أن هذا الرأي تكتنفه تساؤلات كثيرة وثغرات تجعله رأياً هزيلاً باطلاً ».

ـ « وكيف؟ ».

ـ « إذ يتساءل قبل كُلّ شيء عن المقصود بهذا التفسير ، وهل أنّ المراد هو عصمة كُلّ فرد فرد من أهل الحل والعقد؟ وهو واضح البطلان ولا يدعيه أحد ».

ـ « أو أنّ المراد هو عصمة هذه الجماعة بما هي جماعة بلا أن يتصف

١٨٠