عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

وروي بأسانيد معتبرة انّه : ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله ولم يذكرونا ، الاّ كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة (١).

__________________

١ ـ البحار ٧٥ : ٤٦٨ ح ٢٠ باب ٩٥ ـ عن عدّة الداعي.

١٤١

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر انّ الله جلّ ثناؤه لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم الاّ أصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك حتى تكلّم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قالوا : « اتخذ الله ولداً » فلمّا قالوها اقشعرّت الأرض ، وذهبت منفعة الأشجار.

يقول الله تعالى : ( تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتنشَقُّ الأَرضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدّاً * أن دَعَوا لِلرَّحمَنِ وَلَداً ) (١).

ولقد تكلم كفّار قريش بهذه الكلمة الشنيعة حيث زعموا أن البنات أولاد الله تعالى ، وجعلت اليهود عزيراً ابن الله ، وجعلت المسيح عيسى ابن الله ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : لم يخلق الله عزّوجلّ شجرة الاّ ولها ثمرة تؤكل ، فلما قال الناس : « اتخذ الله ولداً » أذهب نصف ثمرها ، فلمّا اتخذوا مع الله الهاً شاك الشجر (٢).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : انّ نبياً من أنبياء الله بعثه الله تعالى إلى قومه ، فبقي فيهم أربعين سنة فلم يؤمنوا به ، فكان لهم عيد في كنيسة

____________

١ ـ مريم : ٩٠.

٢ ـ علل الشرائع : ٥٧٣ ح ١ باب ٣٧٤ ـ عنه البحار ٦٦ : ١١٢ ح ٣ باب ١.

١٤٢

فاتبعهم ذلك النبي ، فقال لهم : آمنوا بالله.

قالوا له : ان كنت نبيّاً فادع لنا الله أن يجيئنا بطعام على لون ثيابنا ، وكانت ثيابهم صفراء ، فجاء بخشبة يابسة ، فدعا الله تعالى عليها ، فاخضرت وأينعت وجاء بالمشمش حملاً.

فأكلوا ، فكلّ من أكل ونوى أن يسلم على يد ذلك النبيّ خرج ما في جوف النوى من فيه حلواً ، ومن نوى انّه لا يسلم خرج ما في جوف النوى من فيه مرّاً (١).

وملخص هذه الكلمات انّ الانسان يحرم نفسه من الرحمة الظاهرية والمعنويّة بأعماله السيئة من القول والفعل ، وكما شاك الشجر الظاهري بأفعال الانسان القبيحة ، فكذلك لم تثمر ولم تفد الأشجار المعنوية من العلم والكمالات النابتة في مزارع الصدور وبساتين القلوب.

ولمّا جاء الشيطان بالتصوف الباطل ، وأذاعه بين الناس ، وجعل الله تعالى متّحداً مع كل دنّي ووضيع اقشعرّت قلوب العلماء ، والناس تركوهم ولم يستفيدوا من ثمرات علمهم وحكمتهم ، وصار الجهل بين الناس كمالاً ، وقد شبه الله الكلمة الطيبة بالشجرة حيث قال :

( أَلم تَرَ كَيفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبِةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُهَا ثَابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّمَاءِ * تُوتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِاذنِ رَبِّها وَيَضرِبُ اللهُ الامثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُون * وَمَثَلُ كِلمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اُجتَثَّت مِن فَوقِ الأرضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ ) (٢).

ووجه انطباق هذا التمثيل على العقلاء ظاهر بأنّ الايمان والعقائد الحقّة

__________________

١ ـ علل الشرائع : ٥٧٣ ح ١ باب ٣٧٥ ـ عنه البحار ٦٦ : ١٩٠ ح ٣ باب ١٤.

٢ ـ إبراهيم : ٢٤ و٢٥ و٢٦.

١٤٣

ثابتة الأصل والجذر لا تتزلزل بالتشكيكات والتسويلات ولا تزول ، كما أنّ مذهب الشيعة الحقّ ما زال مع أعدائه الأقوياء ، وانّ المذاهب الباطلة بقيت أياماً ثمّ اضمحلّت في أقلّ زمان.

فشجرة الحق ثابتة الجذر والأصل وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين باذن الله من العبادات والمعارف والكمالات ، والأشقياء محرومون منها.

١٤٤

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر انّ الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحاً.

تجري هنا نفس الاحتمالات الجارية في الفقرة السابقة ، مع انّ المجاز هنا انّه لو اريد ذكر ميتٍ بعظمةٍ أن يقال : تبكي عليه السماوات والأرض ، لكن عدم تأويل هذه الأخبار وحملها على ظاهرها أقرب للاحتياط.

روي بسند معتبر عن موسى بن جعفر عليه‌السلام انّه قال : إذا مات المؤمن بكت عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله ، وثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيء ، لأنّ المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة لها (١).

واعلم انّ فضل المؤمن أكثر من أن يحدّ ويحصى ، كما روي بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّ الله عزّوجلّ لا يوصف ، وكيف يوصف وقال في كتابه : ( مَا قَدَرُوا اللهََ حَقَّ قَدرِهِ ) (٢) فلا يوصف بقدر الاّ كان أعظم من ذلك.

وانّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يوصف ، وكيف يوصف عبد احتجب الله عزّوجلّ بسبع ، وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء ، فقال : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا ) (٣) ومن أطاع هذا فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد

__________________

١ ـ الكافي ١ : ٣٨ ح ٣ باب فقد العلماء.

٢ ـ الحج : ٧٤.

٣ ـ الحشر : ٧.

١٤٥

عصاني ، وفوّض إليه.

وانّا لا نوصف ، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك ، والمؤمن لا يوصف ، وانّ المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه ، فلا يزال الله ينظر اليهما والذنوب تتحاتّ عن وجوههما كما يتحاتّ الورق عن الشجر (١).

وروي [ عن إسحاق بن عمار ] ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : انّ المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة ، فاذا التزما لا يريدان بذلك الاّ وجه الله ، ولا يريدان غرضاً من أغراض الدنيا قيل لهما : مغفوراً لكما فاستأنفا ، فاذا أقبلا على المساءلة قالت الملائكة بعضها لبعض : تنحّوا عنهما فإنّ لهما سرّاً وقد ستر الله عليهما.

[ قال إسحاق : ] فقلت : جعلت فداك لا يكتب عليهما لفظهما وقد قال الله عزّ وجلّ : ( مَا يَلفِظُ مِن قَولٍ اِلاَّ لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (٢).

قال : فتنفّس أبو عبدالله عليه‌السلام الصعداء ، ثم بكى حتى اخضلّت دموعه لحيته وقال : يا إسحاق انّ الله تبارك وتعالى انّما أمر الملائكة أن تعتزل عن المؤمنين إذا التقيا اجلالاً لهما ، وانّه وان كانت الملائكة لا تكتب لفظهما ولا تعرف كلامهما ، فانّه يعرفه ويحفظه عليهما عالم السرّ وأخفى (٣).

وروى عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّ الله عزّوجلّ أعطى المؤمن ثلاث خصال : العزّة في الدنيا ، والفلح في الآخرة ، والمهابة في صدور الظالمين (٤).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : المؤمن يتقلب في خمسة من النور : مدخله نور ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٨٢ ح ١٦ باب المصافحة.

٢ ـ ق : ١٨.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٨٤ ح ٢ باب المعانقة.

٤ ـ الخصال : ١٥٢ ح ١٨٧ باب ٣.

١٤٦

ومخرجه نور ، وعلمه نور ، وكلامه نور ، ومنظره يوم القيامة إلى النور (١).

وروي بسند معتبر انّه كان قوم من خواص الصادق عليه‌السلام جلوساً بحضرته في ليلة مقمرة مصحية ، فقالوا : يا ابن رسول الله ما أحسن أديم هذه السماء ، وأنور هذه النجوم والكواكب؟

فقال الصادق عليه‌السلام : انكم لتقولون هذا وانّ المدبّرات الأربعة جبرئيل وميكائيل واسرافيل وملك الموت عليهم‌السلام ينظرون إلى الأرض فيرونكم واخوانكم في أقطار الأرض ونوركم إلى السماوات واليهم أحسن من نور هذه الكواكب ، وانّهم ليقولون كما تقولون : ما أحسن أنوار هؤلاء المؤمنين (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّ المؤمن يعرف في السماء كما يعرف الرجل أهله وولده ، وانّه لأكرم على الله عزّوجلّ من ملك مقرّب (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المؤمن ينظر بنور الله (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ... انّما سمّي المؤمن لأنّه يؤمن من عذاب الله تعالى ، ويؤمن على الله يوم القيامة فيجيز له ... (٥).

وكما يظهر من الأحاديث المعتبرة انّ الأعمال دخيلة في الايمان ، وانّ ارتكاب الكبائر وترك الفرائض يخرجان من الايمان ، كما أشرنا إليه سابقاً على وجه الاجمال ، وقد يعبّر عن العبد المخلص بالمؤمن ، وقد يعبّر عنه بالشيعي أو

__________________

١ ـ الخصال : ٢٧٧ ح ٢٠ باب ٥ ـ عنه البحار ٦٨ : ١٧ ح ٢٤ باب ١٥.

٢ ـ البحار ٦٨ : ١٨ ح ٢٥ باب ١٥ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٣ ـ البحار ٦٨ : ١٨ ح ٢٦ باب ١٥ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٤ ـ البحار ٦٧ : ٧٥ ح ٩ باب ٢ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٥ ـ البحار ٦٧ : ٦٣ ح ٧ باب ١ ـ عن قضاء الحقوق للصوري.

١٤٧

وليّ الله ، وقد يطلقون المؤمن والشيعي على من كمل اعتقاده وصحّ.

فلا وجه للاغترار بالأحاديث الواردة في فضل المؤمن والشيعي ، والأجر المذخور لهم ، ولو رجع شخص إلى الأحاديث الواردة في صفات المؤمنين والشيعة لعلم قلّتهم ، كما روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ... المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر ... (١).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال :

« وقوراً عند الهزاهز ، صبوراً عند البلاء ، شكوراً عند الرخاء ، قانعاً بما رزقه الله ، لا يظلم الأعداء ولا يتحامل للأصدقاء ، بدنه منه في تعب والناس منه في راحة ، انّ العلم خليل المؤمن ، والحلم وزيره ، والعقل أمير جنوده ، والرفق أخوه ، والبرّ والده » (٢).

وروي عن علي بن الحسين عليه‌السلام انّه قال : المؤمن يصمت ليسلم ، وينطق ليغنم ، لا يحدّث أمانته الأصدقاء ، ولا يكتم شهادته من الأعداء (٣) ، ولا يعمل شيئاً من الخير رياء ، ولا يتركه حياء ، ان زكّي خاف ممّا يقولون ويستغفر الله لما لا يعلمون ، لا يغرّه قول من جهله ، ويخاف احصاء ما عمله (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : المؤمن له قوّة في دين ، وحزم في لين ، وايمان في يقين ، وحرص في فقه ، ونشاط في هدى ، وبرّ في استقامة ، وعلم

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٤٢ ح ٢ ـ عنه البحار ٦٧ : ١٥٩ ح ٣ باب ٨.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٧ ح ١ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٦٨ ح ١ باب ١٤.

٣ ـ في الكافي والبحار : « من البعداء ».

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٣١ ح ٣ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٧٠ ح ٢ باب ١٤.

١٤٨

في حلم ، وكيس في رفق ، وسخاء في حقّ ، وقصد في غنى ، وتجمّل في فاقة ، وعفو في قدرة ، وطاعة في نصيحة ، وانتهاء في شهوة ، وورع في رغبة ، وحرص في جهاد ، وصلاة في شغل ، وصبر في شدّة.

وفي الهزاهز وقور ، وفي المكاره صبور ، وفي الرخاء شكور ، ولا يغتاب ، ولا يتكبر ، ولا يقطع الرحم ، وليس بواهن ، ولا فظّ ، ولا غليظ ، ولا يسبقه بصره ، ولا يفضحه بطنه ، ولا يغلبه فرجه ، ولا يحسد الناس.

يُعَيَّر ولا يُعَيِّر ، ولا يسرف ، ينصر المظلوم ، ويرحم المسكين ، نفسه منه في غناء ، والناس منه في راحة ، لا يرغب في عزّ الدنيا ، ولا يجزع من ذلّها ، للناس همّ قد أقبلوا عليه ، وله همّ قد شغله ، لا يُرى في حكمه نقص ، ولا في رأيه وهن ، ولا في دينه ضياع ، يرشد من استشاره ، ويساعد من ساعده ، ويكيع (١) عن الخنا والجهل (٢).

وروي بسند معتبر انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صفات المؤمن ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« ... عشرون خصلة في المؤمن فإن لم تكن فيه لم يكمل ايمانه ، انّ من أخلاق المؤمنين يا علي الحاضرون الصلاة ، والمسارعون إلى الزكاة ، والمطعمون المسكين ، الماسحون رأس اليتيم ، المطهرون أطمارهم (٣) ، المتزرون على أوساطهم.

الذين ان حدّثوا لم يكذبوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ،

__________________

١ ـ أي يهرب عن الفحش في القول والجهل والسفاهة.

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٣١ ح ٤ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٧١ ح ٣ باب ١٤.

٣ ـ أي ثيابهم البالية بالغسل أو بالتشمير.

١٤٩

وإذا تكلّموا صدقوا ، رهبان بالليل ، اُسد بالنهار ، صائمون النهار ، قائمون الليل ، لا يؤذون جاراً ، ولا يتأذّى بهم جار ، الذين مشيهم على الأرض هون ، وخطاهم الى بيوت الأرامل وعلى أثر الجنائز ، جعلنا الله وإياكم من المتقين » (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : انّ شيعة علي كانوا خمس البطون ، ذبل الشفاه ، أهل رأفة وعلم وحلم ، يعرفون بالرهبانية ، فأعينوا على ما أنتم عليه بالورع والاجتهاد(٢).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ... المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ... انّ المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم ... (٣).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : المؤمنون هيّنون ، ليّنون كالجمل الأنف (٤) ان قيد انقاد ، وان أُنيخ على صخرة استناخ (٥).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : ثلاثة من علامات المؤمن : العلم بالله ، ومن يحبّ ، ومن يكره (٦).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : صلّى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالناس الصبح بالعراق ، فلمّا انصرف وعظهم ، فبكى وأبكاهم من خوف الله.

ثم قال : أما والله لقد عهدت أقواماً على عهد خليلي رسول الله صلّى الله عليه وآله

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٣٢ ح ٥ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٧٦ ح ٤ باب ١٤ ـ مثله أمالي الصدوق : ٤٣٩ ح ١٦ مجلس ٨١.

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٣٣ ح ١٠ ـ عنه البحار ٦٨ : ١٨٨ ح ٤٣ باب ١٩ ـ مثله صفات الشيعة : ٩ ح ١٨.

٣ ـ الكافي ٢ ٢٣٣ ح ١٢ ـ عنه البحار ٦٧ : ٣٥٤ ح ٥٦ باب ١٤.

٤ ـ أي المأنوف وهو الذي عقر الخشاش أنفه فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به وقيل : الأنف الذلول ( كافي ).

٥ ـ الكافي ٢ : ٢٣٤ ح ١٤ ـ عنه البحار ٦٧ : ٣٥٥ ح ٥٨ باب ١٤.

٦ ـ الكافي ٢ : ٢٣٥ ح ١٥ ـ عنه البحار ٦٧ : ٣٥٧ ح ٦٠ باب ١٤.

١٥٠

وسلّم وانّهم ليصبحون ويمسون شعثاً غبراً خمصاً ، بين أعينهم كركب المعزي ، يبيتون لربّهم سجّداً وقياماً ، يراوحون بين أقدامهم وجباههم ، يناجون ربهم ، ويسألونه فكاك رقابهم من النار ....

كأنّ زفير النار في آذانهم ، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر ، كأنّما القوم باتوا غافلين ، قال : ثم قام ، فما رئي ضاحكاً حتى قبض صلوات الله عليه (١).

وقال عليه‌السلام : ... شيعتنا المتباذلون في ولايتنا ، المتحابّون في مودتنا ، المتزاورون في إحياء أمرنا ، الذين إذا غضبوا لم يظلموا ، وإن رضوا لم يسرفوا ، بركة على من جاوروا ، سلم لمن خالطوا (٢).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من عرف الله وعظّمه منع فاه من الكلام ، وبطنه من الطعام ، وعفى نفسه بالصيام والقيام ، قالوا : بآبائنا يا رسول الله هؤلاء أولياء الله؟

قال : انّ أولياء الله سكتوا فكان سكوتهم ذكراً ، ونظروا فكان نظرهم عبرة ، ونطقوا فكان نطقهم حكمة ، ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة ، لولا الآجال التي قد كتبت عليهم لم تقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً الى الثواب (٣).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن خيار العباد ، فقال : الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساؤوا استغفروا ، وإذا اعطوا

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٣٥ ح ٢١ و٢٢ ملّفقاً ، باب المؤمن وعلاماته وصفاته.

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٣٦ ح ٢٤ ـ عنه البحار ٦٨ : ١٩٠ ح ٤٦ باب ١٩.

٣ ـ الكافي ٢ : ٢٣٧ ح ٢٥ ـ عنه البحار ٦٩ : ٢٨٨ ح ٢٣ باب ٣٧.

١٥١

شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا غضبوا غفروا (١).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال لجابر الجعفي : يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت ، فوالله ما شيعتنا الاّ من اتقى الله وأطاعه ، وما كانوا يعرفون يا جابر الاّ بالتواضع ، والتخشع ، والأمانة ، وكثرة ذكر الله ، والصوم ، والصلاة ، والبرّ بالوالدين ، والتعاهد للجيران من الفقراء ، وأهل المسكنة ، والغارمين ، والأيتام ، وصدق الحديث ، وتلاوة القرآن ، وكفّ الالسن عن الناس الاّ من خير ، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

قال جابر : فقلت : يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصفة ، فقال : يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب ، حسب الرجل أن يقول : أحب علياً وأتولاّه ، ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال : انّي احبّ رسول الله فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خير من عليّ عليه‌السلام ، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنّته ما نفعه حبّه ايّاه شيئاً.

فاتقوا الله واعملوا لما عند الله ، ليس بين الله وبين أحد قرابة ، أحبّ العباد إلى الله عزّوجلّ وأكرمهم عليه أتقاهم وأعملهم بطاعته ، يا جابر والله ما يتقرب إلى الله تبارك وتعالى الاّ بالطاعة ، وما معنا براءة من النار ، ولا على الله لأحد من حجة ، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليّ ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدوّ ، وما تنال ولايتنا الاّ بالعمل والورع (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّما شيعة علي عليه‌السلام الشاحبون ، الناحلون ، الذابلون ، ذابلة شفاههم ، خميصة بطونهم ، متغيّرة

____________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٤٠ ح ٣١ ـ عنه البحار ٦٩ : ٣٠٥ ح ٢٦ باب ٣٧.

٢ ـ الكافي ٢ : ٧٤ ح ٣ ـ عنه البحار ٧٠ ـ ٩٧ ح ٤ باب ٤٧ ـ صفات الشيعة : ١١ حديث ٢٢.

١٥٢

ألوانهم ، مصفرّة وجوههم ، إذا جنّهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً ، واستقبلوا الأرض بجباههم ، كثير سجودهم ، كثيرة دموعهم ، كثير دعاؤهم ، كثير بكاؤهم ، يفرح الناس وهم يحزنون (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : انّما شيعة جعفر من عفّ بطنه وفرجه ، واشتدّ جهاده ، وعمل لخالقه ، ورجا ثوابه ، وخاف عقابه ، فاذا رأيت اولئك فاولئك شيعة جعفر (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : يا علي طوبى لمن أحبّك وصدّق بك ، وويل لمن أبغضك وكذّب بك ، محبّوك معروفون في السماء السابعة ، والأرض السابعة السفلى وما بين ذلك ، هم أهل الدين ، والورع ، والسمت الحسن ، والتواضع لله عزّوجلّ.

خاشعة أبصارهم ، وجلة قلوبهم لذكر الله عزّوجلّ ، وقد عرفوا حقّ ولايتك ، ألسنتهم ناطقة بفضلك ، وأعينهم ساكبة تحنّناً عليك وعلى الأئمة من ولدك ، يدينون الله بما أمرهم به في كتابه ، وجاءهم به البرهان من سنّة نبيه.

عاملون بما يأمرهم به اُولوا الأمر منهم ، متواصلون غير متقاطعين ، متحابّون غير متباغضين ، انّ الملائكة لتصلّي عليهم وتؤمّن على دعائهم ، وتستغفر للمذنب منهم ، وتشهد حضرته ، وتستوحش لفقده إلى يوم القيامة (٣).

وجاء في رواية أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام خرج ذات ليلة من المسجد وكانت ليلة قمراء ، فأمّ الجبانة ولحقه جماعة يقفون أثره ، فوقف عليهم ثم قال : من

__________________

١ ـ الخصال : ٤٤٤ ح ٤٠ باب ١٠ ـ عنه البحار ٦٨ : ١٤٩ ح ٢ باب ١٩.

٢ ـ الخصال : ٢٩٥ ح ٦٣ باب ٥ ـ صفات الشيعة : ١١ ح ٢١.

٣ ) البحار ٦٨ : ١٥٠ ح ٣ باب ١٩ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

١٥٣

أنتم؟ قالوا : شيعتك يا أمير المؤمنين ، فتفرّس في وجوههم ثم قال : فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ قالوا : وما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟

فقال : صفر الوجوه من السهر ، عمش العيون من البكاء ، حدب الظهور من القيام ، خمص البطون من الصيام ، ذبل الشفاه من الدعاء ، عليهم غبرة الخاشعين (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون كامل العقل ، ولا يكون كامل العقل حتى تكون فيه عشر خصال : الخير منه مأمول ، والشرّ منه مأمون ، يستقلّ كثير الخير من نفسه ، ويستكثر قليل الخير من غيره ، ويستكثر قليل الشر من نفسه ، ويستقلّ كثير الشر من غيره.

ولا يتبرّم بطلب الحوائج قبله ، ولا يسأم من طلب العلم عمره ، الذلّ أحبّ اليه من العزّ ، والفقر أحبّ إليه من الغنى ، حسبه من الدنيا قوت ، والعاشرة وما العاشرة لا يلقى أحداً الاّ قال : هو خير منّي وأتقى.

انّما الناس رجلان : رجل خير منه وأتقى ، وآخر شرّ منه وأدنى ، فاذا لقي الذي هو خير منه تواضع له ليلحق به ، وإذا لقي الذي هو شرّ منه وأدنى قال : لعلّ شرّ هذا ظاهر وخيره باطن ، فاذا فعل ذلك علا وساد أهل زمانه (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : لقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً حارثة بن النعمان الأنصاري ، فقال له : كيف أصبحت يا حارثة؟ قال : أصبحت يا رسول الله مؤمناً حقّاً ، قال : انّ لكلّ ايمان حقيقة فما حقيقة ايمانك؟

قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، وأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ، فكأنّي

__________________

١ ـ البحار ٦٨ : ١٥٠ ح ٤ باب ١٩ ـ عن الارشاد.

٢ ـ أمالي الصدوق : ١٥٣ ح ٥ مجلس ٦ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٩٦ ح ٢١ باب ١٤.

١٥٤

بعرش ربّي وقد قرب للحساب ، وكأنّي بأهل الجنّة فيها يتراودون ، وأهل النار فيها يعذّبون.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مؤمن نوّر الله الايمان في قلبك ، فأثبت ثبتك الله ، فقال له : يا رسول الله ما أنا على نفسي من شيء أخوف منّي عليها من بصري ، فدعا له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذهب بصره (١).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض اسفاره إذ لقيه ركب فقالوا : السلام عليك يا رسول الله ، فقال : ما أنتم؟ فقالوا : نحن مؤمنون يا رسول الله؟ قال : فما حقيقة ايمانكم؟ قالوا : الرضا بقضاء الله ، والتفويض إلى الله ، والتسليم لأمر الله.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علماء ، حكماء ، كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء ، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تجمعوا ما لا تأكلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون (٢).

والأخبار في هذا الباب أكثر من أن تحد وتحصى ، وانّ أفضل الأخبار في هذا الباب لهو حديث همام الذي كتب له والدي رحمه‌الله الملك المنان عليه شرحاً وافياً ، نرجو من الله توفيق جميع المؤمنين باكتساب هذه الكمالات ، والفوز بهذه السعادات.

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ١٨٧ ح ٥ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٩٩ ح ٢٥ باب ١٤.

٢ ـ الكافي ٢ : ٥٢ ح ١ ـ عنه البحار ٦٧ : ٢٨٦ ح ٨ باب ١٤.

١٥٥

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر إذا كان العبد في أرض قفر فتوضّأ أو تيمم ثم أذّن وأقام وصلّى أمر الله عزّ وجلّ الملائكة فصفّوا خلفه صفّاً لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، يؤمّنون على دعائه.

يا أباذر من أقام ولم يؤذّن لم يصلّ معه الاّ ملكاه اللذان معه.

اعلم انّ الأذان والاقامة من سنن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المؤكدة ، والأحاديث في فضلهما لا تحد ولا تحصى ، وحكم بعض العلماء بوجوبهما في صلاة الجماعة ، وبعض آخر بوجوب الاقامة في جميع الصلوات ، والأذان في صلاة الصبح والليل ، والاحتياط في عدم ترك الاقامة مطلقاً ، وكذلك لا يترك الأذان في صلاة الصبح والليل مهما أمكن.

والاحتياط أن يراعي في الاقامة الشرائط التي لابد من مراعتها في الصلاة كالقيام ، والاتجاه نحو القبلة ، والطهارة ، وعدم الكلام ، وعدم الحركة ، وهما يختصان بالصلوات الخمسة ، أما في غيرها من الصلوات الواجبة والمستحبة فهي بدعة.

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... ألا ومن أذّن محتسباً يريد بذلك وجه الله عزّوجلّ أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد ، وأربعين ألف صدّيق ، ويدخل في شفاعته أربعين ألف مسيء من أمتي إلى الجنّة.

ألا وانّ المؤذّن إذا قال : « أشهد أن لا اله الاّ الله » صلّى عليه تسعون ألف ملك ،

١٥٦

واستغفروا له ، وكان يوم القيامة في ظلّ العرش حتى يفرغ الله من حساب الخلائق ويكتب ثواب قوله : « أشهد أن محمداً رسول الله » أربعون ألف ألف ملك ، ومن حافظ على الصف الاوّل والتكبيرة الأولى لا يؤذي مسلماً أعطاه الله من الأجر ما يعطي المؤذّنون في الدنيا والآخرة (١).

وروي بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : من أذّن عشر سنين محتسباً يغفر الله له مدّ بصره وصوته في السماء ، ويصدّقه كلّ رطب ويابس سمعه ، وله من كلّ من يصلّي معه في مسجده سهم ، وله من كلّ من يصلّي بصوته حسنة (٢).

وفي حديث بلال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... المؤذنون أمناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم ، لا يسألون الله عزّوجلّ شيئاً الاّ أعطاهم ، ولا يشفعون في شيء الاّ شفعوا.

من أذّن أربعين عاماً محتسباً بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقاً عملاً مبروراً متقبّلاً ... من أذّن عشرين عاماً بعثه الله عزّوجلّ يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء الدنيا.

من أذّن عشر سنين أسكنه الله عزّوجلّ مع إبراهيم في قبّته أو في درجته ... من أذّن سنة واحدة بعثه الله عزّوجلّ يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلّها بالغة ما بلغت ، ولو كانت مثل زنة جبل أحد ....

من أذّن في سبيل الله صلاة واحدة ايماناً واحتساباً وتقرّباً إلى الله عزّوجلّ

__________________

١ ـ البحار ٨٤ : ١٣٠ ح ٢٢ باب ٣٥ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ الوسائل ٤ : ٦١٤ ح ٥ باب ٢.

١٥٧

غفر الله له ما سلف من ذنوبه ، ومنّ عليه بالعصمة فيما بقي من عمره ، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة (١).

وفي رواية اخرى عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : للمؤذن فيما بين الأذان والاقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله (٣).

وروي بسند معتبر عن هشام بن إبراهيم انّه شكا إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام سقمه وأنّه لا يولد له ولد ، فأمره أن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي سقمي وكثر ولدي (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : إذا تولعت بكم الغول فأذّنوا (٥).

وروي في أحاديث صحيحة عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من صلّى بأذان وإقامة صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، ومن صلّى باقامة بغير أذان صلّى خلفه صفّ واحد ... (٦).

وفي بعض الأحاديث انّ طول كلّ صف ما بين المشرق والمغرب ، وفي بعضها الآخر انّ أقلّه ما بين المشرق والمغرب وأكثره ما بين السماء والأرض.

__________________

١ ـ البحار ٨٤ : ١٢٤ ضمن حديث ٢١ باب ٣٥ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ البحار ٨٤ : ١٤٧ ضمن حديث ٤٠ باب ٣٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٣ ـ البحار ٨٤ : ١٤٧ ضمن حديث ٤٠ باب ٣٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٤ ـ الوسائل ٤ : ٦٤١ ح ١ باب ١٨.

٥ ـ الوسائل ٤ : ٦٧٢ ح ١ باب ٤٦.

٦ ـ البحار ٨٤ : ١٤٧ ضمن حديث ٤١ باب ٣٥ ـ عن ثواب الأعمال.

١٥٨

وروي بسند معتبر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام انّه قال : من أذّن وأقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، وإن أقام بغير أذان صلّى عن يمينه واحد ، وعن شماله واحد (١).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من صلّى باقامة صلّى خلفه ملك (٢).

ويمكن الجمع بين هذه الأخبار بأنّ الصفين للأذان الكامل ، والصف الواحد لغير الكامل ، ويحمل الاختلاف في الاقامة إلى اختلاف الأعذار ، فإن ترك الأذان لعذر موجّه قويّ صلّى خلفه صف واحد ، وإن تركه لعذر سهل غير موجّه صلّى خلفه ملكان ، وإن تركه بغير عذر صلّى خلفه ملك واحد.

__________________

١ ـ الوسائل ٤ : ٦٢٠ ح ٤ باب ٤.

٢ ـ البحار ٨٤ : ١٤٧ ح ٤١ باب ٣٥ ـ عن ثواب الأعمال.

١٥٩

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر ما من شاب يَدَع لله الدنيا ولهوها ، وأهرم شبابه في طاعة الله الا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً.

يا أباذر الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.

انّ الصّديق من صدّق الأنبياء وتابعهم في القول والفعل أكثر من غيره ، ويمكن توجيه هذه الأحاديث الواردة في ثواب الأعمال والأفعال بوجهين :

الأول : أن يكون المراد الصديقين من سائر الأُمم ، أي انّ الشاب الصالح له أجر اثنين وسبعين صدّيقاً من سائر الأُمم.

الثاني : انّ كلّ عمل يستحق مقداراً من الأجر والثواب والله تعالى يعطي أضعافه بفضله ، فالمراد انّ ما يعطيه الله لذلك الشاب الصالح يساوي استحقاق أجر اثنين وسبعين صديقاً ، وهناك وجوه اُخر ونكتفي بهذين الوجهين لكونهما أظهر من غيرهما.

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ثلاثة يدخلهم الله الجنة بغير حساب ... امام عادل ، وتاجر صدوق ، وشيخ أفنى عمره في طاعة الله عزّوجلّ ... (١).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : سبعة يظلّهم الله عزّوجلّ في ظلّه يوم لا ظلّ الاّ ظلّه ، امام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عزّوجلّ ، ورجل قلبه

__________________

١ ـ الخصال : ٨٠ ح ١ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٣٦ ح ٥ باب ٨١.

١٦٠