عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

الأرض حتى يغفر له (١).

( النجم الثالث )

في علّة عدم استجابة بعض الأدعية

اعلم انّ الله تعالى وعد باستجابة دعاء العباد ، فلا يمكن أن يخلف وعده ، ويمكن الجواب على بعض الأدعية التي لا تستجاب بوجوه :

الوجه الأول : بما انّ الله حكيم حليم فأفعاله تكون منوطة بالحكمة والمصلحة ألبتة ، فالوعد الذي وعده مشروط بالحكمة أي إذا وجدت المصلحة استجيب الدعاء ، كما لو قال كريم : كلّ من طلب مني شيئاً أعطيته ، فيجيء شخص ويقول له : أعطني حية قاتلة وَضَعها في يدي ، أو أعطني سمّاً قاتلاً كي أشربه ، والحال انّ هذا السائل لا يعلم بضررهما وانهما يوجبان هلاكه.

فعدم الاعطاء حينئذٍ أنسب بالكرم بل انّ العطاء جور ، ومن الواضح انّ أكثر أماني الخلائق مضرّة لهم وهم لا يعلمون ويطلبونها جهلاً.

وأشار الامام زين العابدين عليه‌السلام في دعاء طلب الحوائج من الصحيفة الكاملة إلى هذا المعنى ، حيث قال :

« يا من لا تبدّل حكمته الوسائل ... » (٢).

فان قال قائل : إذا كان الأمر لا يتغير لوجود المصالح فما فائدة الدعاء؟ نقول

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٢١٩ ح ٧ مجلس ٤٥ ـ عنه البحار ٩٥ : ٣٤٧ ح ٢ باب ١٢٦ ـ الوسائل ١ : ٤٦١ ح ٣ باب ١١٤.

٢ ـ الصحيفة الكاملة ، دعاء رقم ١٣ في طلب الحوائج.

١٢١

يمكن أن يكون أمر لا مصلحة في اعطائه الاّ بالدعاء أي انّ المصلحة مشروطة بالدعاء ، فالامور اذاً على ثلاثة أقسام ، فبعضها تصلح للعطاء من دون دعاء ، وبعضها الآخر لا تصلح للعطاء حتى بالدعاء ، فهذه لا تعطى مطلقاً.

والقسم الثالث تصلح للعطاء بالدعاء ولولاه لا مصلحة في اعطائها ، فبما انّ الانسان لا يميّز بعقله بين هذه الأمور فلابد أن يدعو ولا ييأس إن لم يجاب إليه ، وليعلم انّ هذا لا مصلحة فيه لذا لم يجبه الله ، كما قال أبو عبدالله عليه‌السلام : ادع ولا تقل قد فرغ من الأمر ، فإنّ الدعاء هو العبادة ... (١).

وسنذكر تفصيل الكلام بعد هذا.

الوجه الثاني : ان لكلّ شيء شروطاً وموانع فاذا لم تتوفر الشروط ولم ترفع
الموانع لا تترتب ثمرة على ذلك الفعل ، كما انّ الله تعالى أمر بالصلاة للمغفرة ، وللصلاة شرائط لا تقبل بدونها ، فاذا صلّى شخص من دون وضوء لم يصلّ في الحقيقة ولم يستحق المغفرة ، وكذلك لها موانع تمنع التأثير ، كما قالوا انّ الصلاة توجب القرب ، فلو صلّى أحد وفعل جميع القبائح فتأثير هذه القبائح الموجبة للبعد والحرمان تمنع تأثير الصلاة في القرب....

فللدعاء أيضاً شرائط كما ذكرناها سابقاً كالتضرع والاهتمام والمعرفة ، ورفع الموانع التي مضى ذكرها ، فلو أخلّ بكل منها ولم يستجب دعاؤه لا يكون منافياً لوعد الله تعالى ، ونكتفي بهذا المقدار لذكر الأحاديث المتضمّنة لهذا المعنى سابقاً في باب الشرائط.

الوجه الثالث : انّ الله تعالى قد يستجيب الدعاء لكن يرى المصلحة في

____________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٦٧ ح ٥ باب فضل الدعاء والحث عليه.

١٢٢

تأخيره ، أمّا لكونه يضرّ العبد في هذا الوقت ، أو يريد أن يكثر العبد من الدعاء كي يزيده في مراتب القرب ، ولو أعطاه حاجته سريعاً لترك الدعاء ولم يفز بتلك الدرجات العالية ، وقد تستجاب حاجة مؤمن بعد عدة سنوات من دعائه.

روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه سئل : يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر؟ قال : نعم ، عشرين سنة (١).

وقال عليه‌السلام : كان بين قول الله عزّوجلّ : ( قَد اُجِبَيت دَّعوَتُكُما ) (٢) وبين أخذ فرعون أربعين عاماً (٣).

وري بسند صحيح عن ابن أبي نصر انّه قال : قلت لأبي الحسن [ الرضا ] عليه‌السلام : جعلت فداك انّي قد سألت الله حاجة منذ كذا وكذا سنة وقد دخل قلبي من ابطائها شيء ، فقال : يا أحمد اياك والشيطان أن يكون له عليك سبيل حتى يقنّطك ، انّ ابا جعفر [ الباقر ] عليه‌السلام كان يقول :

« انّ المؤمن يسأل الله عزّوجلّ حاجة ، فيؤخّر عنه تعجيل اجابته حبّاً لصوته ، واستماع نحيبه ».

ثم قال : والله ما أخّر الله عزّوجلّ عن المؤمنين ما يطلبون من هذه الدنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأيّ شيء الدنيا ، انّ أبا جعفر عليه‌السلام كان يقول : ينبغي للمؤمن أن يكون دعاؤه في الرخاء نحواً من دعائه في الشدة ، ليس إذا اُعطي فتر.

فلا تملّ الدعاء فانّه من الله عزّوجل بمكان ، وعليك بالصبر ، وطلب الحلال ، وصلة الرحم ، وايّاك ومكاشفة الناس فانّا أهل البيت نصل من قطعنا ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٨٩ ح ٤ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١٠٨ ح ٤ باب ١٩.

٢ ـ يونس : ٨٩.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٨٩ ح ٥ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١٠٨ ح ٢ باب ١٩.

١٢٣

ونحسن إلى من أساء إلينا ، فنرى والله في ذلك العاقبة الحسنة.

انّ صاحب النعمة في الدنيا إذا سأل فاعطي طلب غير الذي سأل ، وصغرت النعمة في عينه ، فلا يشبع من شيء ، واذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها.

أخبرني عنك لو أنّي قلت لك قولاً أكنت تثق به منّي؟ فقلت له : جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه؟

قال : فكن بالله أوثق فانّك على موعد من الله ، أليس الله عزّوجل يقول : ( وإذا سألك عبادي عني فأني قريب اجيب دعوة الداع إذا دعان ) (١) وقال : ( لا تَقنَطَوا مِن رَّحمَةِ اللهِ ) (٢) وقال : ( والله يَعِدُكُم مَّغفِرَةَ مِنهُ وَفَضلاً ) (٣) فكن بالله عزّوجلّ أوثق منك بغيره ، ولا تجعلوا في أنفسكم الاّ خيراً فانّه مغفور لكم (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب ، له ثم اخّر ذلك إلى حين ليزداد من الدعاء (٥).

وقال عليه‌السلام : انّ العبد ليدعو ، فيقول الله عزّوجلّ للملكين : قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فانّي احبّ أن أسمع صوته ، وانّ العبد ليدعو ، فيقول الله تبارك وتعالى : عجّلو له حاجته ، فانّي أبغض صوته (٦).

__________________

١ ـ البقرة : ١٨٦.

٢ ـ الزمر : ٥٣.

٣ ـ البقرة : ٢٦٨.

٤ ـ الكافي ٢ : ٤٨٨ ح ١ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١٠٧ ح ١ باب ١٩.

٥ ـ الكافي ٢ : ٤٨٩ ح ٢ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ بتغير وتصرّف.

٦ ـ الكافي ٢ : ٤٨٩ ح ٣ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١١٢ ح ٣ باب ٢١.

١٢٤

وقال عليه‌السلام : لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عزّوجلّ ما لم يستعجل ، فيقنط ويترك الدعاء ، قلت له : كيف يستعجل؟ قال : يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الاجابة (١).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : بينا إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام في جبل بيت المقدس يطلب مرعى لغنمه إذ سمع صوتاً ، فإذا هو برجل قائم يصلّي ، طوله اثنا عشر شبراً ، فقال له : يا عبدالله لمن تصلّي؟ قال لإله السماء.

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : هل بقي أحد من قومك غيرك؟ قال : لا ، قال : فمن أين تأكل؟ قال : أجتني من هذه الشجر في الصيف وأكله في الشتاء ، قال له : فأين منزلك؟ قال : فأومأ بيده إلى جبل.

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : هل لك أن تذهب بي معك فأبيت عندك الليلة؟ فقال : انّ قدامي ماء لا يخاض ، قال : كيف تصنع؟ قال : أمشي عليه ، قال : فاذهب بي معك فلعلّ الله أن يرزقني ما رزقك.

قال : فأخذ العابد بيده ، فمضيا جميعاً حتى انتهيا إلى الماء ، فمشى ومشى إبراهيم عليه‌السلام معه حتى انتهيا إلى منزله ، فقال له إبراهيم عليه‌السلام : أيّ الأيّام أعظم؟ فقال له العابد : يوم الدين ، يوم يدان الناس بعضهم من بعض.

قال : فهل لك أن ترفع يدك وأرفع يدي فندعو الله عزّوجلّ أن يؤمننا من شرّ ذلك اليوم؟ فقال : وما تصنع بدعوتي ، فوالله انّ لي لدعوة منذ ثلاث سنين فما اُجبت فيها بشيء.

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٩٠ ح ٨ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١٠٧ ح ٣ باب ١٧.

١٢٥

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : أولاً أخبرك لأيّ شيء احتبست دعوتك؟ قال : بلى ، قال له : أنّ الله عزّوجلّ إذا أحبّ عبداً احتبس دعوته ليناجيه ويسأله ويطلب إليه ، وإذا أبغض عبداً عجّل له دعوته أو ألقى اليأس في قلبه منها.

ثم قال له : وما كانت دعوتك؟ قال : مرّ بي غنم ومعه غلام له ذؤابة ، فقلت : يا غلام لمن هذا الغنم؟ فقال : لابراهيم خليل الرحمن ، فقلت : اللهم ان كان لك في الأرض خليل فأرينه ، فقال له إبراهيم : فقد استجاب الله لك أنا إبراهيم خليل الرحمن ، فعانقه ، فلمّا بعث الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاءت المصافحة (١).

الوجه الرابع : انّ الله تعالى يكرم من طلب حاجة ولم تكن في صلاحه بأضعاف مضاعفة خيراً من تلك الحاجة في الدنيا والآخرة ، فانّه تعالى لم يرد دعاءهم بل قضى حاجتهم بوجه أكمل ، كما لو طلب شخص درهماً من سلطان وأعطاه السلطان درّة تسوى مائة ألف دينار ، فلا يقول عاقل انّ الملك ردّ حاجة السائل ، بل يمدحه باعطائه أضعاف ما طلبه السائل.

فكذلك عند ملك الملوك فإنّ هؤلاء السائلين الجهلة ، يطلبون من الله المطالب الخسيسة ولكن ذلك الكريم على الاطلاق يهب لهم في قبالها نعم لا تنتهي ، ورحمة لا تحد ولا تحصى ، وهم لا يعرفون قدرها ويشكون لعدم حصول تلك المطالب الخسيسة الدنيّة ، لكن ما أعد لهم في الآخرة من الدرجات الرفيعة والمراتب العالية في الجنّة أكثر بكثير مما طلبوه ....

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : انّ المؤمن ليدعو الله عزّوجلّ في حاجته ، فيقول الله عزّوجلّ : أخّروا اجابته ، شوقاً إلى صوته ودعائه ، فاذا

__________________

١ ـ البحار ١٢ : ٧٦ ح ١ باب ٤ ـ عن أمالي الصدوق : ٢٤٤ ح ١١ مجلس ٤٩.

١٢٦

كان يوم القيامة قال الله عزّوجلّ : عبدي دعوتني فأخّرت اجابتك وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت اجابتك وثوابك كذا وكذا.

قال : فيتمنّى المؤمن انّه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب (١).

وما يعطيهم الله في الدنيا من مراتب القرب والكمال غير متناهٍ ، وهذه المراتب ملازمة للدعاء.

واعلم يا عزيزي أن الله سبحانه وتعالى يتعامل مع العبيد الجهّال بنوع من اللطف والشفقة يلائم جهلهم ، ويوردهم ساحة كبريائه بالحكمة وبأنواع الفنون وبما يلائم هوى طبعهم الجموح ، كما لو أراد سلطان صيد صقر فإن قال له في البداية : تعال إليّ كي أضعك على يدي واعزّك ، فلا فائدة فيه ، بل لابدّ أن يخدعه بالطعام والأكل كي يألفه ثم يضعه على يده ، وليعود إليه إذا بعثه نحو صيد معين.

وأيضا انّ الأب الشفيق إذ أراد إرسال إبنه إلى المعلم لتعلّم العلوم والحقائق ، فلو أقام له مئات الآلاف من البراهين والأدلة لا يفيد ، بل لابد أن يشوّقه إلى المدرسة أولاً بالطعام والثياب الملونة وما شاكل ، فإذا ذاق لذة الحقائق والحكم سوف لا يردعه عنها أيّ أمر عظيم.

وكذلك هذه الحيوانات العديمة الشعور ، والمغرورين المضاهين للأطفال في الطبع والسيرة ، فبما انّهم لا يعرفون فضلاً وكمالاً ولذة سوى الأكل والشرب واللبس والدينار والدرهم والخيل والحشم وسائر اللذات الجسمية ، فإنّ الحيكم والكريم على الاطلاق مع غاية عظمته واستغنائه وجلاله قد دعاهم إلى ساحته ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٩٠ ح ٩ باب من أبطأت عليه الاجابة ـ الوسائل ٤ : ١١١٢ ح ٥ باب ٢١.

١٢٧

بأن اطلبوا منّي كلّ ما تريدون حتى ملح طعامكم.

وذلك حتى يأتوا إليه من هذا الطريق ، ويفوزوا بالقرب والمعرفة بالدعاء والتوسل والمناجات ، وليجدوا حلاوة حبّه ، ويلجؤوا إليه في جميع الأمور ، ويصرفوا وجوههم عن الخلق.

ما أكثر هذا الكرم غير المتناهي حيث يوصل الانسان إلى القرب بالماء والملح والطعام وأهواء النفس ، وذاك الجاهل الغبيّ يشكل وينزعج بعدم قضاء حاجته « انّ الانسان لكفور ».

ألا تعلم انّ أصل الدعاء عبادة ، وأنت تعبد الله في ضمنه وتناجي ملك الملوك ، وحصلت على الأجر الأخروي ، ووطأت بساط قرب ربّ الأرباب ، وجعلته أنيساً لك وصاحب سرّك ، وسمعت من يقول « لبيك » من عرش الرفعة بسمع اليقين والايمان ، ولو فهمت معنى المناجات ولذّتها ، وسمعت بقلبك السرّ الخفي ، وأدركت لطف ومحبّة ذلك المحبوب الحقيقي حين التضرّع والدعاء لهانت عليك حوائجك بل نفسك ولنسيتها.

لو أجيز لك الدخول على ملوك الدينا العاجزين ، ورأيت التفاتة مختصرة منهم لنيسيت حوائجك كلّها ، هيات هيهات ، ألا يكفي لهذا الجسم الترابي حيث أجيز بالمكالمة وعرض الحوائج مع ربّ الأرباب مشافهة ، وأودعت مفاتيح خزائن الرحمة في لسانه ، وتكفّلوا أموره ومصالحه ، ويقول له ربّ العزة : أُدع أنت ودع خيرك إليّ ، لكنّه يعصي ويتجاسر عليه بعلمه الناقص وجهله الكامل ويتحكّم أيضاً.

ولولا اضطراب عقولهم بالغفلة لكان الواجب على من سمع هذه الأحاديث

١٢٨

المتواترة حيث يقول ربّ العزّة : « أخّروا اجابته ، شوقاً إلى صوته ودعائه » أن يموت شوقاً على عدم انقضاء حوائجه ، ولا يحوم حول طلبة اُخرى.

ولما كان الكلام دقيقاً ، وكانت العبائر غير موصلة للمعنى ، وكان المطلب وسيعاً نختصر الكلام ونختمه بذكر من يستجاب دعاؤه ومن لا يستجاب.

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج فانظروا كيف تخلفونه ، والغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه ، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه (١).

وروي [ عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ] كان أبي عليه‌السلام يقول : خمس دعوات لا تحجبن عن الرب تبارك وتعالى : دعوة الامام المقسط ، ودعوة المظلوم ، يقول الله عزّوجل : لأنتقمنّ لك ولو بعد حين ، ودعوة الولد الصالح لوالديه ، ودعوة الوالد الصالح لولده ، ودعوة المؤمن لاخيه بظهر الغيب ، فيقول : ولك مثله (٢).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : اياكم ودعوة المظلوم فانّها ترفع فوق السحاب حتى ينظر الله عزّوجلّ إليها ، فيقول : ارفعوها حتى استجيب له ، واياكم ودعوة الوالد فانّها أحدّ من السيف (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربعة لا تردّ لهم دعوة حتى تفتح لهم أبواب السماء ، وتصير إلى العرش : الوالد لولده ، والمظلوم على من ظلمه ، والمعتمر حتى يرجع ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٥٠٩ ح ١ باب من تستجاب دعوته.

٢ ـ الكافي ٢ : ٥٠٩ ح ٢ باب من تستجاب دعوته.

٣ ـ الكافي ٢ : ٥٠٩ ح ٣ باب من تستجاب دعوته.

١٢٩

والصائم حتى يفطر (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ثلاث دعوات لا يحجبن عن الله تعالى : دعاء الوالد لولده إذا برّه ، ودعوته عليه إذا عقّه ، ودعاء المظلوم على ظالمه ، ودعاؤه لمن انتصر له منه ، ورجل مؤمن دعا لأخٍ له مؤمن واساه فينا ، ودعاؤه إذ لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه (٢).

وروي عنه عليه‌السلام بسند معتبر آخر انّه قال : ... خمسة لا يستجاب لهم : رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما يعطيها ولم يخل سبيلها ، ورجل أبق مملوكه ثلاث مرّات ولم يبعه ، ورجل مرَّ بحائط مائل وهو يقبل إليه ولم يسرع المشي حتى سقط عليه ، ورجل أقرض رجلاً مالاً فلم يشهد عليه ، ورجل جلس في بيته وقال : اللهم ارزقني ولم يطلب (٣).

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : ]

يا أباذر انّ الله يصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته والدور حوله ما دام فيهم.

انّ مفاد هذه الكلمات الشريفة الترغيب في الصلاح والسداد والعبادة والطاعة ، وانّ الله تعالى يصلح ويسدّد أولاد وذرية عباده الصالحين كي يبقى ذكر خيرهم في الدنيا والآخرة ، وتصل إليهم ثمرة صلاحهم.

ويدفع الله تعالى ببركته البلايا من أقربائه وأصدقائه وجيرانه بل يدفع بهم البلاء عن بلادهم ، كما روي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : انّ

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٥١٠ ح ٦ باب من تستجاب دعوته.

٢ ـ أمالي الطوسي : ٢٨٠ ح ٧٩ مجلس ١٠ ـ عنه البحار ٩٣ ـ ٣٥٦ ح ٦ باب ٢٢.

٣ ـ الخصال : ٢٩٩ ح ٧١ باب ٥ ـ عنه البحار ٩٣ : ٣٥٦ ح ١٠ باب ٢٢.

١٣٠

الله تبارك وتعالى إذا رأى أهل قرية قد أسرفوا في المعاصي وفيها ثلاثة نفر من المؤمنين ، ناداهم جلّ جلاله وتقدّست أسماؤه :

« يا أهل معصيتي لولا من فيكم من المؤمنين المتحابّين بجلالي ، العامرين بصلاتهم أرضي ، ومساجدي ، والمستغفرين بالأسحار خوفاً منّي ، لأنزلت بكم عذابي ثم لا اُبالي » (١).

__________________

١ ـ البحار ٨٧ : ١٣٧ ضمن حديث ٣ باب ٧٥.

١٣١

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر انّ ربك عزّوجلّ يباهي الملائكة بثلاثة نفر : رجل في أرض قفر فيؤذّن ثم يقيم ثم يصلّي ، فيقول ربك للملائكة : انظروا إلى عبدي يصلّي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يصلّون ورائه ، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم.

ورجل قام من الليل فصلّى وحده ، فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول تعالى : انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد.

ورجل في زحف يفر أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى يقتل.

اعلم انّه وردت أحاديث في مدح اخفاء العبادة ، فقد روي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : أعظم العبادة أجراً أخفاها (١).

وفي حديث آخر : ... العمل الصالح إذا كتمه العبد وأخفاه أبى الله عزّوجلّ الاّ أن يظهره ليزيّنه به مع ما يدّخر له من ثواب الآخرة ... (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ الصلاة وهي آخر وصايا الأنبياء ، فما أحسن الرجل يغتسل أو يتوضّأ ، فيسبغ الوضوء ثم يتنحّى حيث لا يراه أنيس ، فيشرف الله عليه وهو راكع أو ساجد.

انّ العبد إذا سجد فأطال السجود نادى ابليس : يا ويله أطاعوا وعصيت ،

____________

١ ـ قرب الاسناد : ١٣٥ ح ٤٧٥ ـ عنه البحار ٧٠ : ٢٥١ ح ١ باب ٥٥.

٢ ـ البحار ٧٨ : ٤٤٥ ضمن حديث ١ باب ٣٣.

١٣٢

وسجدوا وأبيت (١).

وهناك أحاديث كثيرة تدلّ على انّ اتيان العبادات الواجبة كالصلاة الواجبة ، والزكاة وغيرها علانية أفضل كي لا يُتّهم الانسان بترك الواجبات ، ويسبّب رغبة الآخرين ، ولا يكون فيها رياء لأنّها حقٌّ واجبٌ ولازم ، ولا فخر ولا رياء في أداء الحقوق الواجبة.

كما روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ... كلّما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من إسراره ، وكلّما كان تطوّعاً فإسراره أفضل من اعلانه ، ولو انّ رجلاً يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسّمها علانية كان ذلك حسناً جميلاً (٢).

وبهذا المضمون أحاديث كثيرة سيّما اتيان الصلاة الواجبة جماعة في المساجد والمجامع ولها فضل غير متناه ، وما ورد في اخفاء العبادة انّما هو في العبادات المستحبة ، أو يكون المراد عدم إذاعتها للناس سمعةً وعدم الافتخار بها.

وما ورد في هذا الحديث بما انّه يشتمل على الأذان والإقامة لا يمكن حمله على الصلاة المستحبة ، لأنّ الأذان والإقامة فيها بدعة ، فيحمل على انّه بقي في الصحراء وحيداً ومع وحدته لم ينس الله تعالى بل يتوجه نحو العبادة بالآداب والشرائط.

والله تعالى يتدارك له بأذانه وإقامته ، فيرسل ملائكة تقتدي به كي لا يفوته ثواب الجماعة ، وهذا لا يعني انّ الانسان يترك الجماعة اختياراً ويذهب إلى الصحراء حيث لا يوجد أحد ، فيحرم نفسه من فضل الجماعة.

__________________

١ ـ الوسائل ٣ : ٢٦ ح٢ باب ١٠ ـ الكافي ٣ : ٢٦٤ ح ٢ باب فضل الصلاة.

٢ ـ الوسائل ٦ : ٢١٥ ح ١ باب ٥٤.

١٣٣

واعلم انّ صلاة الليل سنّة وطريقة الأنبياء وأولياء الله ، وتشتمل على فضائل لا نهاية لها ، وبما انّ الانسان حين المناجات مع قاضي الحاجات في النهار يكون مشغول البال للمشاغل الدنيوية ، ولا يحصل عنده حضور القلب ، وبما انّ الناس يطّلعون على أحواله فيصعب عليه الاخلاص.

لكنه بعد نومه في أول الليل وقيامه في آخره تكون نفسه خالية من التخيلات والوساوس ، ويسهل عليه حضور القلب ، ويكون العمل أقرب للاخلاص لعدم اطلاع أحد عليه ، كما يقول الله تعالى :

( اِنّ نَاشِئَةَ الَّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئَاً وَأَقوَمُ قِيلاً ) (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام في تفسير هذه الآية انّه قال : يعني بقوله : « وأقوم قيلاً » قيام الرجال عن فراشه بين يدي الله عزّوجلّ لا يريد به غيره (٢).

مع انّ لله على عباده في ظلام ذلك الليل أنوار وفيوضات ورحمات يجد لذتها المتعبدون.

وروي بأسانيد كثيرة عن النبي والأئمة عليهم‌السلام انّ شرف المؤمن صلاته بالليل ، وعزّه كفّ الأذى عن الناس (٣).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : عليكم بصلاة الليل فانّها سنّة نبيكم ، ودأب الصالحين قبلكم ، ومطردة الداء عن أجسادكم.

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : صلاة الليل تبيّض الوجه ، وصلاة الليل تطيّب

__________________

١ ـ المزمل : ٦.

٢ ـ البحار ٨٧ : ١٤٨ ضمن حديث ٢٢ باب ٧٥.

٣ ـ البحار ٨٧ : ١٤١ ح ١٠ و١١ باب ٧٥ ـ عن الخصال.

١٣٤

الريح ، وصلاة الليل تجلب الرزق (١).

وقال عليه‌السلام : المال والبنون زينة الحياة الدنيا ، وثمان ركعات من آخر الليل [ والوتر ] زينة الآخرة ... (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه جاءه رجل فشكا إليه الحاجة ، فأفرط في الشكاية حتى كاد أن يشكوا الجوع ، فقال له عليه‌السلام : يا هذا أتصلّي بالليل؟ قال : فقال الرجل : نعم.

قال : فالتفت أبو عبدالله عليه‌السلام إلى أصحابه فقال : كذب من زعم انّه يصلّي بالليل ويجوع بالنهار ، انّ الله عزّوجل ضمن بصلاة الليل قوت النهار (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قيام الليل مصحّة للبدن ، ومرضاة للرب عزّ وجلّ ، وتعرّض للرحمة ، وتمسّك بأخلاق النبيين (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : انّ العبد ليقوم في الليل فيميل به النعاس يميناً وشمالاً ، وقد وقع ذقنه على صدره ، فيأمر الله تبارك وتعالى أبواب السماء ، فتفتح ثم يقول لملائكته : انظروا إلى عبدي ما يصيبه في التقرب إليّ بما لم أفرض عليه راجياً منّي لثلاث خصال :

« ذنباً أغفره ، أو توبة اجدّدها ، أو رزقاً أزيده فيه ، اشهدكم ملائكتي انّي قد جمعتهنّ له » (٥).

__________________

١ ـ البحار ٨٧ : ١٤٩ ح ٢٥ باب ٧٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٢ ـ معاني الأخبار : ٣٢٤ ح ١ ـ عنه البحار ٨٧ : ١٥٠ ح ٢٦ باب ٧٥.

٣ ـ البحار ٨٧ : ١٥٣ ح ٣١ باب ٧٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٤ ـ البحار ٨٧ : ١٤٤ ضمن حديث ١٧ باب ٧٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٥ ـ البحار ٨٧ : ١٤٨ ضمن حديث ٢٢ باب ٧٥ ـ عن علل الشرائع.

١٣٥

وقال عليه‌السلام : صلاة الليل تحسن الوجه ، وتحسن الخلق ، وتطيّب الريح ، وتدرّ الرزق ، وتقضي الدين ، وتذهب بالهمّ وتجلوا البصر (١).

وقال عليه‌السلام : انّ البيوت التي يصلّى فيها بالليل بتلاوة القرآن ، تضيء لأهل السماء كما يضيء نجوم السماء لأهل الأرض (٢).

وقال عليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ : ( اِنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبنَ السَّيَّئَاتِ ) (٣) قال : صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من رزق صلاة الليل من عبد أو أمة ، قام لله عزّوجلّ مخلصاً ، فتؤضّأ وضوءاً سابغاً ، وصلّى لله عزّوجلّ بنيّة صادقة ، وقلب سليم ، وبدن خاشع ، وعين دامعة ، جعل الله تبارك وتعالى خلفه تسعة صفوف من الملائكة ، في كلّ صفّ ما لا يحصي عددهم الاّ الله تعالى ، أحد طرفي كلّ صفّ في المشرق والآخر بالمغرب ، قال : فاذا فرغ كتب له بعددهم درجات (٥).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ... انّ العبد إذا تخلّى بسيّده في جوف الليل المظلم وناجاه ، أثبت الله النور في قلبه ، فاذا قال : يا رب يا رب ، ناداه الجليل جلّ جلاله : لبيك عبدي ، سلني اُعطيك ، وتوكل عليّ أكفك.

ثم يقول جلّ جلاله لملائكته : ملائكي أُنظروا إلى عبدي فقد تخلّى في

__________________

١ ـ البحار ٨٧ : ١٥٣ ضمن حديث ٣١ باب ٧٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٢ ـ البحار ٨٧ : ١٥٣ ح ٣٢ باب ٧٥ ـ عن ثواب الأعمال.

٣ ـ هود : ١١٤.

٤ ـ البحار ٨٧ : ١٤٨ ضمن حديث ٢٣ باب ٧٥ ـ عن علل الشرائع.

٥ ـ البحار ٨٧ : ١٣٦ ح ٣ باب ٧٥ عن أمالي الصدوق.

١٣٦

جوف هذا الليل المظلم ، والبطالون لاهون ، والغافلون نيام ، اشهدوا انّي قد غفرت له ... (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما زال جبرئيل يوصيني بقيام الليل حتى ظننت انّ خيار امتي لن يناموا (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام : يا عليّ ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا : لقاء الاخوان ، والافطار من الصيام ، والتهجد من آخر الليل (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اتخذ الله إبراهيم خليلاً الاّ لاطعامه الطعام ، وصلاته بالليل والناس نيام (٤).

وروي بسند صحيح عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتنّ الاّ بوتر (٥).

وروي انّه جاء رجل إلى أمير المؤمينن عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين انّي قد حرمت الصلاة بالليل ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت رجل قد قيّدتك ذنوبك (٦).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الركعتان في جوف الليل أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها (٧).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قالت أُمّ سليمان بن داود لسليمان عليه‌السلام : اياك

__________________

١ ـ البحار ٨٧ : ١٣٧ ح ٤ باب ٧٥ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ البحار ٨٧ : ١٣٩ ضمن حديث ٧ باب ٧ عن أمالي الصدوق.

٣ ـ الخصال : ١٢٥ ضمن حديث ١٢١ باب ٣ ـ عنه البحار ٨٧ : ١٤٢ ح ١٣ باب ٧٥.

٤ ـ البحار ٨٧ : ١٤٤ ح ١٨ باب ٧٥ عن علل الشرائع.

٥ ـ البحار ٨٧ : ١٤٥ ح ١٩ باب ٧٥ عن علل الشرائع.

٦ ـ البحار ٨٧ : ١٤٦ ضمن حديث ١٩ باب ٧٥ عن علل الشرائع.

٧ ـ البحار ٨٧ : ١٤٨ ح ٢٣ باب ٧٥ عن علل الشرائع.

١٣٧

وكثرة النوم بالليل ، فإنّ كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيراً يوم القيامة (١).

وروي بسند معتبر انّ رجلاً سأل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام عن قيام الليل بالقرآن ، فقال له : أبشر من صلّى من الليل عُشر ليلة لله مخلصاً ابتغاء مرضات الله قال الله عزّوجلّ لملائكة : اكتبو لعبدي هذا من الحسنات عدد ما أنبت في الليل من حبّة وورقة وشجرة ، وعدد كلّ قصبة وخوط (٢) ومرعى.

ومن صلّى تُسع ليلة أعطاه الله عشر دعوات مستجابات ، وأعطاه كتابه بيمينه يوم القيامة ، ومن صلّى ثُمن ليلة خرج من قبره يوم يبعث ووجهه كالقمر ليلة البدر حتى يمرّ على الصراط مع الآمنين ، ومن صلّى سدس ليلة كتب من الأوّابين ، وغفر له ما تقدّم من ذنبه.

ومن صلّى خُمس ليلة زاحم إبراهيم خليل الرحمن في قبته ، ومن صلّى ربع ليلة كان في أوّل الفائزين حتى يمرّ على الصراط كالريح العاصف ، ويدخل الجنّة بغير حساب ، ومن صلّى ثلث ليلة لم يبق ملك الاّ غبطه بمنزلته من الله عزّوجلّ وقيل : ادخل من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شئت.

ومن صلّى نصف ليلة فلو أعطى ملء الأرض ذهباً سبعين ألف مرّة لم يعدل جزاءه ، وكان له ذلك أفضل من سبعين رقبة يعتقها من ولد إسماعيل ، ومن صلّى ثلثي ليلة كان له من الحسنات قدر رمل عالج ، أدناها حسنة أثقل من جبل أحد عشر مرّات.

ومن صلّى ليلة مائة تامة تالياً لكتاب الله عزّوجلّ ، راكعاً ساجداً وذاكراً اُعطي من

__________________

١ ـ الخصال : ٢٨ ح ٩٩ باب ١ ـ عنه البحار ٨٧ : ١٥٢ ح ٢٩ باب ٧٥.

٢ ـ الخوط ـ بالضم ـ : الغصن الناعم لسنة ، أو كلّ قضيب.

١٣٨

الثواب ما أدناه يخرج من الذنوب كما ولدته امّه ، ويكتب له عدد ما خلق الله من الحسنات ، ومثلها درجات ، ويثبت النور في قبره ، وينزع الاثم والحسد من قلبه ، ويجار من عذاب القبر ، ويعطى براءة من النار ، ويبعث من الآمنين.

ويقول الرب تبارك وتعالى لملائكته : ملائكتي انظروا إلى عبدي أحيا ليلة ابتغاء مرضاتي ، أسكنوه الفردوس ، وله مائة ألف مدينة ، في كلّ مدينة جميع ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، وما لا يخطر على بال سوى ما أعددت له من الكرامة والمزيد والقربة (١).

والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وقد ذكر كيفية صلاة الليل وأدعيتها في كتب الدعاء والحديث فليرجع الطالب إليها ، وقد ألّف والدي رحمه‌الله رسالات صغيرة وكبيرة في هذا الباب ... ولو ذكرنا هنا كيفيات وأحكام العبادات لطال بنا المقام.

__________________

١ ـ البحار ٨٧ : ١٧٠ ح ٤ باب ٧٧ ـ عن أمالي الصدوق : ٢٤٠ ح ١٦ مجلس ٤٨.

١٣٩

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر ما من رجل يجعل جبهته في بقاع الأرض الاّ شهدت له بها يوم القيامة ، وما من منزل ينزله قوم الاّ وأصبح ذلك المنزل يصلى عليهم أو يلعنهم.

يا أباذر ما من صباح ولا رواح الاّ وبقاع الأرض ينادي بعضها بعضاً : يا جارتي هل مرّ بك ذاكر لله ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة : نعم ، فاذا قالت : نعم ، اهتزّت وابتهجت ، وترى أنّ لها الفضل على جارتها.

اعلم انّ الانسان احاطه الغرور بحيث أصبحت الجمادات أكثر وعياً منه وأعرف قدراً لعبادة الله تعالى وطاعته ، ويمكن توجيه هذه الأخبار بوجوه.

الأول : أن تحمل على حقيقتها ، وانّ للجمادات شعور ضعيف : كما يقول الله تعالى : ( وَاِن مِن شَيءٍ اِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفقَهُونَ تَسبِيحَهُم ... ) (١).

الثاني : انّ هذا الكلام مقدّر ، أي انّها لو كانت تشعر لقالت هكذا.

الثالث : أن يكون المراد من بقاع الأرض سكّان تلك البقاع من الملائكة وصالحي الجن ، العابدين الله فيها ، وروي بسند معتبر انّ أبا عبدالله عليه‌السلام سئل : يصلّى الرجل نوافله في موضع أو يفرّقها؟ فقال : لا بل يفرّقها هاهنا وهاهنا ، فانّها تشهد له يوم القيامة (٢).

__________________

١ ـ الاسراء : ٤٤.

٢ ـ الكافي ٣ : ٤٥٥ ح ١٨ باب تقديم النوافل ....

١٤٠