عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

بها أجر حاجّ ومعتمر (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من أغاث أخوه المؤمن اللهفان اللهثان عند جهده ، فنفّس كربته وأعانه على نجاح حاجته كتب الله عزّوجلّ له بذلك ثنتين وسبعين رحمة من الله ، يعجّل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته ، ويدّخر له احدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله (٢).

وقال عليه‌السلام : [ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] : من أعان مؤمناً نفّس الله عزّوجل عنه ثلاثاً وسبعين كربة ، واحدة في الدنيا ، وثنتين وسبعين كربة عند كربه العظمى ، قال : حيث يتشاغل الناس بأنفسهم (٣).

وقال عليه‌السلام : أيما مؤمن نفّس عن مؤمن كربة وهو معسر يسّر الله حوائجه في الدنيا والآخرة ، قال : ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة ، قال : والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه ، فانتفعوا بالعظة ، وارغبوا في الخير (٤).

وروي بسند معتبر آخر انّه قال عليه‌السلام : ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته الاّ خذله الله في الدنيا والآخرة (٥).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... من فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه [ اثنتين وسبعين كربة من كرب الآخرة ] واثنتين وسبعين كربة من كرب

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٩٧ ح ٣ باب السعي في حاجة المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٣٢ ح ١٠٧ باب ٢٠.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٩٩ ح ١ باب تفريج كرب المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣١٩ ح ٨٥ باب ٢٠.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٩٩ ح ٢ باب تفريج كرب المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٢٠ ح ٨٦ باب ٢٠.

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٠٠ ح ٥ باب تفريج كرب المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٢٢ ح ٨٩ باب ٢٠.

٥ ـ البحار ٧٥ : ١٧ ح ١ باب ٣٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢٦١

الدنيا (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : أربعة ينظر الله عزّوجلّ إليهم يوم القيامة : من أقال نادماً ، أو أغاث لهفان ، أو أعتق نسمة ، أو زوّج عزباً (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من ردّ على المسلمين عادية ماء ، أو عادية نار ، أو عادية عدوّ مكابر للمسلمين غفر الله له ذنبه (٣).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : أُقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له : انّا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله ، فقال : لا أطيقها ، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة ، فقالوا : ليس منها بدّ.

فقال : فيما تجلدونيها؟ قالوا : نجلدك لأنّك صلّيت يوماً بغير وضوء ، ومررت على ضعيف فلم تنصره ، قال : فجلدوه جلدة من عذاب الله عزّوجلّ ، فامتلى قبره ناراً (٤).

وروي بسند معتبر آخر عنه عليه‌السلام انّه قال : أيّما رجل مسلم أتاه رجل مسلم في حاجة وهو يقدر على قضائها ، فمنعه اياها ، عيّره الله يوم القيامة تعييراً شديداً ، وقال له : أتاك أخوك في حاجة قد جعلت قضاءها في يدك ، فمنعته ايّاها زهداً منك في ثوابها ، وعزّتي لا أنظر إليك اليوم في حاجة معذّباً كنت أو مغفوراً لك (٥).

____________

١ ـ الوسائل ١١ : ٥٨٧ ح ٧ باب ٢٩.

٢ ـ الخصال : ٢٢٤ ح ٥٥ باب ٤ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٩ ح ١٣ باب ٣٣.

٣ ـ قرب الاسناد ك ١٣٢ ح ٤٦٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٢٠ ح ١٤ باب ٣٣.

٣ ـ قرب الاسناد ١٣٢ ح ٤٦٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٢٠ ح ١٤ باب ٣٣.

٤ ـ البحار ٧٥ : ١٧ ح ٤ باب ٣٣ عن ثواب الأعمال وعلل الشرائع.

٥ ـ أمالي الطوسي : ٩٩ ح ٦ مجلس ٤ ـ عنه الوسائل ١١ : ٦٠٠ ح ٤ باب ٣٩.

٢٦٢

وقال عليه‌السلام : ... انّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن ، قال [ الراوي : ] قلت : وما الخائن؟ قال : من ادخر عن مؤمن درهماً ، أو حبس عنه شيئاً من أمر الدنيا ، قال : أعوذ بالله من غضب الله.

فقال : انّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يسكن جنّته أصنافاً ثلاثة : الراد على الله عزّوجلّ ، أو رادّ على امام هدى ، أو من حبس حقّ امرء مؤمن ، قال : قلت : يعطيه من فضل ما يملك؟ قال : يعطيه من نفسه وروحه ، فإن بخل عليه مسلم بنفسه فليس منه ، انّما هو شرك الشيطان (١).

وقال عليه‌السلام : أيّما مؤمن منع مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه وهو يقدر عليه من عنده أو من عند غيره ، أقامه الله يوم القيامة مسوّداً وجهه ، مزرقة عيناه ، مغلولة يداه إلى عنقه ، فيقال : هذا الخائن الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار (٢).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... من منع طالباً حاجته وهو قادر على قضائها فعليه مثل خطيئة عشّار ، فقام إليه [ عوف بن مالك ] فقال : ما يبلغ خطيئة عشار يا رسول الله؟ قال : على العشّار كلّ يوم وليلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً ... (٣).

( الجدول الرابع )

في ذمّ تحقير المؤمن وايذائه واهانته وطرده وضربه

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : أيّما مؤمن كان بينه وبين

__________________

١ ـ الخصال : ١٥١ ح ١٨٥ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٧٣ ح ٣ باب ٥٩.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣٦٧ ح ١ باب من منع مؤمناً شيئاً ـ الوسائل ١١ : ٥٥٩ ح ١ باب ٣٩.

٣ ـ البحار ٧٦ : ٣٦٩ ضمن حديث ٣٠ باب ٦٧ ـ عن ثواب الأعمال.

٢٦٣

مؤمن حجاب ضرب الله عزّوجلّ بينه وبين الجنّة سبعين ألف سور ، ما بين السور إلى السور مسيرة ألف عام (١).

وروي بسند معتبر عن [ محمد بن سنان قال : كنت عند الرضا عليه‌السلام فقال لي : يا محمد ] (٢) انّه كان في زمن بني اسرائيل أربعة نفر من المؤمنين ، فأتى واحد منهم الثلاثة وهم مجتمعون في منزل أحدهم في مناظرة بينهم ، فقرع الباب فخرج إليه الغلام ، فقال : أين مولاك؟ فقال : ليس هو في البيت.

فرجع الرجل ودخل الغلام إلى مولاه ، فقال له : من كان الذي قرع الباب ، قال : كان فلان فقلت له : لست في المنزل ، فسكت ولم يكترث ولم يلم غلامه ولا اغتمّ أحد منهم لرجوعه عن الباب وأقبلوا في حديثهم.

فلمّا كان من الغدّ بكّر إليهم الرجل فأصابهم وقد خرجوا يريدون ضيعة لبعضهم فسلّم عليهم وقال : أنا معكم ، فقالوا له : نعم ، ولم يعتذروا إليه وكان الرجل محتاجاً ضعيف الحال ، فلمّا كانوا في بعض الطريق إذا غمامة قد أظلّتهم فظنّوا انّه مطر ، فبادروا ، فلمّا استوت الغمامة على رؤوسهم اذاً مناد ينادي من جوف الغمامة : أيتها النار خذيهم وأنا جبرئيل رسول الله.

فاذا نار من جوف الغمامة قد اختطفة الثلاثة النفر وبقي الرجل مرعوباً يعجب ممّا نزل بالقوم ولا يدري ما السبب ، فرجع إلى المدينة ، فلقى يوشع بن نون عليه‌السلام فأخبره الخبر وما رأى وما سمع.

فقال يوشع بن نون عليه‌السلام : أما علمت انّ الله سخط عليهم بعد أن كان عنهم راضياً وذلك بفعلهم بك ، فقال : وما فعلهم بي؟ فحدّثه يوشع ، فقال الرجل : فأنا

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٣٦٤ ح ١ باب من حجب أخاه المؤمن ـ عنه البحار ٧٥ : ١٩٠ ح ٣ باب ٦١.

٢ ـ لم يكن ما وضعناه بين المعقوفتين من المتن الفارسي.

٢٦٤

أجعلهم في حلّ وأعفوا عنهم ، قال : لو كان هذا قبل لنفعهم فأمّا الساعة فلا ، وعسى أن ينفعهم من بعد (١).

وروي بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : ... أيما مسلم أتى مسلماً زائراً أو طالب حاجة وهو في منزله فاستأذن له ولم يخرج إليه لم يزل في لعنة الله حتى يلتقيا (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله عزّوجلّ يوم لا ظلّ الاّ ظلّه (٣).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار ، ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار (٤).

وقال عليه‌السلام : من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقى الله عزّوجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمتي (٥).

وروي بأسانيد معتبرة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّ في جهنّم لجبلاً يقال له : الصعداء ، وانّ في الصعداء لواد يقال له : سقر ، وانّ في قعر سقر لجبّاً يقال له : هبهب ، كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النار من حرّه ، وذلك منزل الجبّارين(٦).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٣٦٤ ح ٢ باب من حجب أخاه المؤمن ـ عنه البحار ٧٥ : ١٩١ ح ٤ باب ٦١.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣٦٥ ح ٤ باب من حجب أخاه المؤمن ـ عنه البحار ٧٥ : ١٩٢ ح ٥ باب ٦١.

٣ ـ الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ١ باب من أخاف مؤمناً ، عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ١٩ باب ٥٧.

٤ ـ الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ٢ باب من أخاف مؤمناً ـ عنه البحار ٧٥ : ١٥١ ح ٢٠ باب ٥٧.

٥ ـ الكافي ٢ : ٣٦٨ ح ٣ باب من أخاف مؤمناً ـ عنه البحار ٧٥ : ١٥٢ ح ٢١ باب ٥٧.

٦ ـ البحار ٧٥ : ٣٤٦ ح ٤٥ باب ٨١ ـ عن ثواب الأعمال.

٢٦٥

وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه قال : لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً (١).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... من دفع مؤمناً ليذلّه بها ، أو لطمه لطمة ، أو أتى إليه أمراً يكرهه لعنته الملائكة حتى يرضيه من حقّه ويتوب ويستغفر ، فايّاكم والعجلة إلى أحد فلعلّه مؤمن وأنتم لا تعلمون ، وعليكم بالاناءة واللين ، والتسرع من سلاح الشياطين ، وما من شيء أحبّ إلى الله من الاناة واللّين (٢).

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... ألا ومن لطم خدّ مسلم أو وجهه بدّد الله عظامه يوم القيامة ، وحشره مغلولاً حتى يدخل جهنّم....

ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعباناً من النار طوله سبعون ذراعاً ، يسلّط الله عليه في نار جهنّم وبئس المصير ... (٣).

[ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] من سعى بأخيه إلى سلطان لم يبد له منه سوء ولا مكروه أحبط الله عزّوجلّ كلّ عمل عمله ، فإن وصل إليه منه سوء أو مكروه أو أذى جعله الله في طبقة مع هامان في جهنّم (٤).

وروي بسند معتبر انّه سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام رسول الله صلّى الله وآله وسلّم عن صاحب حكم جائر على رعيته ولم يصلح أُمورهم ما حاله؟ فأجاب صلّى الله عليه

__________________

١ ـ البحار ٧٥ : ١٤٧ ح ١ باب ٥٧ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٢ ـ البحار ٧٥ : ١٤٨ ح ٤ باب ٥٧ ـ عن علل الشرائع.

٣ ـ البحار ٧٦ : ٣٣٤ و ٣٣٦ ضمن حديث ١ باب ٦٧ ـ عن أمالي الصدوق.

٤ ـ البحار ٧٦ : ٣٦٥ ح ٣٠ باب ٦٧.

٢٦٦

وآله وسلّم بأنّه يكون رابع الشيطان وقابيل وفرعون (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال في رجل قتل رجلاً مؤمناً ، قال : يقال له : مت أيّ ميتة شئت ، إن شئت يهودياً ، وإن شئت نصرانياً ، وإن شئت مجوسياً (٢).

وروي بأسانيد معتبرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : انّ أعتى الناس على الله عزّوجلّ من قتل غير قاتله ، ومن ضرب من لم يضربه (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يغرّنّكم رحب الذراعين بالدم فإنّ له عند الله قاتلاً لا يموت ، قالوا : يا رسول الله وما قاتل لا يموت؟ فقال : النار (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ، قال : لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّداً للتوبة (٥).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّ الرجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم فيقول : والله ما قتلت ولا شركت في دم ، فيقال : بلى ذكرت عبدي فلاناً فترقى ذلك حتى قتل ، فأصابك من دمه (٦).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : لا يدخل الجنّة سافك للدم ، ولا شارب للخمر ، ولا مشّاء بنميم (٧).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : [ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ] :

__________________

١ ـ مضمون النص.

٢ ـ الوسائل ١٩ : ٩ ح ١ باب ٣ ـ الكافي ٧ : ٢٧٣ ح ٩ باب القتل.

٣ ـ البحار ٧٥ : ١٤٩ ح ٩ باب ٥٧ ـ عن ثواب الأعمال.

٤ ـ الوسائل ١٩ : ٤ ح ٤ باب ١ ـ الكافي ٧ : ٢٧٢ ح ٤ باب القتل.

٥ ـ الوسائل ١٩ : ٥ ح ٨ باب ١ ـ الكافي ٧ : ٢٧٢ ح ٧ باب القتل.

٦ ـ الوسائل ١٩ : ٨ ح ١ باب ٢ ـ الكافي ٧ : ٢٧٣ ح ١٠ باب القتل.

٧ ـ الوسائل ١٩ : ٥ ح ٩ باب ١ ـ الكافي ٧ : ٢٧٣ ح ١١ باب القتل.

٢٦٧

اوّل ما يحكم الله فيه يوم القيامة الدماء ، فيوقف ابنا آدم فيفصل بينهما ، ثم اللذين يلونهما من أصحاب الدماء حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم الناس بعد ذلك حتى يأتى المقتول بقاتله ، فيتشخّب في دمه وجهه ، فيقول : هذا قتلني ، فيقول : أنت قتلته؟ فلا يستطيع أن يكتم الله حديثاً (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام (٢) : أوحى الله إلى موسى بن عمران أن يا موسى قل للملأ من بني اسرائيل : اياكم وقتل النفس الحرام بغير حقّ ، فإنّ من قتل منكم نفساً في الدنيا قتلته مائة ألف قتلة مثل قتلة صاحبه (٣).

وروي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : من قتل مؤمنا متعمّدا أثبت الله على قاتله جميع الذنوب ، وبرئ المقتول منها ... (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله انّه قال : والذي نفسي بيده لو انّ أهل السماوات والأرض اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لادخلهم الله في النار (٥).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : يجيء يوم القيامة رجل إلى رجل حتى يلطخه بالدم والناس في الحساب ، فيقول : يا عبدالله مالي ولك؟ فيقول : أعنت عليّ يوم كذا وكذا بكلمة فقتلت (٦).

__________________

١ ـ الوسائل ١٩ : ٤ ح ٦ باب ١ ـ الكافي ٧ : ٢٧١ ح ٢ باب القتل.

٢ ـ في المتن الفارسي عن الامام الباقر عليه‌السلام ولم نجدها.

٣ ـ الوسائل ١٩ : ٦ ح ١٥ باب ١.

٤ ـ الوسائل ١٩ : ٧ ح ١٦ باب ١.

٥ ـ البحار ٧٥ : ١٥٠ ضمن حديث ١٢ باب ٥٧.

٦ ـ الوسائل ١٩ : ٩ ح ٣ باب ٢.

٢٦٨

( الجدول الخامس )

في حقوق الملوك ورعايتهم والدعاء لصلاحهم

وعدم التعرض لسطواتهم

اعلم انّ للملوك الذين دانوا بدين الحقّ حقوقاً كثيرة على الرعية حيث انهم يحرسونهم ويدفعون أعداء الدين عنهم ويحفظون عرضهم ومالهم وأنفسهم ، فلابدّ من الدعاء لهم ومعرفة حقّهم سيّما لو سلكوا طريق العدالة ، كما أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى انّ اكرام السلطان المقسط من اجلال الله تعالى ، وان كان يراد من ظاهره الامام ومن انتسب إليه كما ورد في حديث آخر بهذا المضمون ، وجاء فيه الامام المقسط بدل السلطان المقسط ، لكن الأحاديث العامة سنذكرها لاحقاً.

وان انحرف الملوك عن جادة الصلاح والعدالة فلابدّ من الدعاء لاصلاحهم أو أن يصلح الانسان نفسه حتى يصلح الله الملوك ، لأنّ قلوب الملوك وجميع الخلائق في قبضة الله ، ولابدّ من رعاية مطلق الملوك سواء الجائر والظالم أو المقسط ، وتجب التقية عندهم كي يحفظوا أنفسهم عن ضررهم وعدم التعرض لقهرهم.

قال الامام السجاد عليه‌السلام في حديث الحقوق : ... وحقّ السلطان أن تعلم انّك جعلت له فتنة وانّه مبتلى فيك بما جعل الله عزّوجلّ له عليك من السلطان ، وانّ عليك ان لا تتعرّض لسخطه ، فتلقى بيديك إلى التهلكة ، وتكون شريكاً له فيما يأتي إليك من سوء (١).

__________________

١ ـ البحار ٧٤ : ٤ ضمن حديث ١ باب ١ ـ عن الخصال.

٢٦٩

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال [ بعد ذكره لاخراج نمرود إبراهيم عليه‌السلام بعد ما ألقاه في النار ] : فتحمّل إبراهيم عليه‌السلام بماشيته وماله ، وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشدّ عليها الاغلاق غيرة منه عليها ، ومضى حتى خرج من سلطان نمرود وصار إلى سلطان رجل من القبط ....

فمرّ بعاشر له (١) ، فاعترضه العاشر ليعشر ما معه ، فلمّا انتهى إلى العاشر ومعه التابوت قال العاشر لإبراهيم عليه‌السلام : افتح هذا التابوت حتى نعشر ما فيه ، فقال له إبراهيم عليه‌السلام : قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتى نُعطي عشره ولا نفتحه ، قال : فأبى العاشر الاّ فتحه.

قال : وغضب إبراهيم عليه‌السلام على فتحه ، فلمّا بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال ، قال له العاشر : ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم عليه‌السلام : هي حرمتي وابنة خالتي ، فقال له العاشر : فما دعاك إلى أن خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم عليه‌السلام : الغيرة عليها أن يراها أحد ، فقال له العاشر : لست أدعك تبرح حتى أعلم الملك حالها وحالك.

قال : فبعث رسولاً إلى الملك فأعمله ، فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت ، فأتوا ليذهبوا به ، فقال لهم إبراهيم عليه‌السلام : اني لست أفارق التابوت حتى تفارق روحي جسدي ، فاخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن أحملوه والتابوت معه.

فحملوا إبراهيم عليه‌السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتى أُدخل على الملك ، فقال له الملك : افتح التابوت ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : أيها الملك انّ فيه حرمتي وابنة

__________________

١ ـ أي الذي يأخذ العشر.

٢٧٠

خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي ، قال : فغضب الملك إبراهيم على فتحه ، فلمّا رأى سارة لم يملك حلمه سفهه أن مدّ يده إليها ، فأعرض إبراهيم عليه‌السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال : اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي ، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه.

فقال له الملك : انّ الهك هو الذي فعل بي هذا؟ فقال له : نعم انّ الهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام ، فقال له الملك : فادع الهك يردّ عليّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : الهي ردّ عليه يده ليكفّ عن حرمتي.

قال : فردّ الله عزّوجلّ عليه يده ، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه‌السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال : اللّهم احبس يده عنها ، قال : فيبست يده ولم تصل إليها [ وفعل هكذا ثلاث مرّات ].

فلمّا رأى ذلك الملك من الغيرة ما رأى ، ورأى الآية في يده عظّم إبراهيم عليه‌السلام وهابه وأكرمه واتقاه وقال له : قد أمنت من أن أعرض لها أو لشيء ممّا معك فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة ، فقال إبراهيم عليه‌السلام : ما هي؟ فقال له : أحبّ أن تأذن لي أن أخدمها قبطيّة عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً.

قال : فأذن له إبراهيم عليه‌السلام ، فدعا بها فوهبها سارة وهي هاجر أمّ إسماعيل ، فسار إبراهيم عليه‌السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشي خلف إبراهيم عليه‌السلام اعظاماً لابراهيم عليه‌السلام وهيبة له ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى إبراهيم أن قف ولا تمشى قدّام الجبار المتسلّط ويمشي هو خلفك ، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظّمه وهبه فانّه متسلّط.

فوقف إبراهيم عليه‌السلام وقال للملك : امض فإنّ الهي أوحى إليّ الساعة أن

٢٧١

أعظّمك وأهابك وأن أقدّمك أمامي وأمشي خلفك اجلالاً لك ، فقال له الملك : أوحى إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم : نعم ، فقال له الملك : أشهد أنّ الهلك لرفيقٌ حليمٌ كريمٌ (١).

وجاء فيما أوصى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى عليّ عليه‌السلام ، قال : ثمانية إن أُهينوا فلا يلوموا الاّ أنفسهم : الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها ، والمتأمرّ على ربّ البيت ، وطالب الخير من أعدائه ، وطالب الفضل من اللئام ، والداخل بين اثنين في سرّ لهم لم يدخلاه فيه ، والمستخفّ بالسلطان ، والجالس في مجلس ليس له بأهل ، والمقبل بالحديث على من لا يسمع منه (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ثلاثة من عازّهم (٣) ذلّ : الوالد ، والسلطان ، والغريم (٤).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : قال الله جلّ جلاله : أنا الله لا اله الاّ أنا ، خلقت الملوك وقلوبهم بيدي ، فأيّما قوم أطاعوني جعلت قلوب الملوك عليهم رحمة ، وأيّما قوم عصوني جعلت قلوب الملوك عليهم سخطة ، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسبّ الملوك توبوا إليّ أعطف قلوبهم عليكم (٥).

وروي بسند معتبرعن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : إذا أراد الله عزّوجلّ برعيّة خيراً جعل لها سلطاناً رحيماً ، وقيّض له وزيراً عادلاً (٦).

__________________

١ ـ الكافي ٨ : ٣٧١ ضمن حديث ٥٦٠ ـ عنه البحار ١٢ : ٤٥ ضمن حديث ٣٨ باب ٢.

٢ ـ الخصال : ٤١٠ ح ١٢ باب ٨ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٧١ ح ١٢ باب ٨٢.

٣ ـ المعازة : المغالبة والمنازعة.

٤ ـ الخصال : ١٩٥ ح ٢٧٠ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٣٨ ح ١٠ باب ٨١.

٥ ـ البحار ٧٥ : ٣٤٠ ح ٢١ باب ٨١ ـ عن أمالي الصدوق : ٢٩٩ ح ٩ مجلس ٥٨.

٦ ـ أمالي الصدوق : ٢٠٣ ح ٣ مجلس ٤٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٤٠ ح ١٩ باب ٨١.

٢٧٢

وروي بسند معتبر عن موسى بن جعفر عليهما‌السلام انّه قال لشيعته : يا معشر الشيعة لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم ، فإن كان عادلاً فاسألوا الله ابقاءه ، وان كان جائراً فاسألوا الله اصلاحه ، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم ، وانّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم ، فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم ، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم (١).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : طاعة السلطان واجبة ، ومن ترك طاعة السلطان فقد ترك طاعة الله عزّوجلّ ودخل في نهيه ، انّ الله عزّوجلّ يقول : ( لاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم اِلَى التَّهلُكَةِ ) (٢) (٣).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ... من تعرّض لسلطان جائر فأصابته منه بليّة ، لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها (٤).

( الجدول السادس )

في مفاسد التقرب إلى الملوك وعدم الاعتماد عليهم

والنهي عن اعانة الظالمين وعن الرضا بظلمهم وعن مدحهم

وعن أكل طعامهم

اعلم انّ في التقرب إلى الملوك والأمراء خسارة الدنيا والعقبى ، وانّ اعتبارات الدنيا المشوبة بمئات الآلاف من المحن والذل سرعان ما تنفد ويبقى

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٢٧٧ ح ٢١ مجلس ٥٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٦٩ ح ٢ باب ٨٢.

٢ ـ البقرة : ١٩٥.

٣ ـ أمالي الصدوق : ٢٧٧ ح ٢٠ مجلس ٥٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٦٨ ح ١ باب ٨٢.

٤ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٢ ح ١٦ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٢٧٣

الانسان منكوباً في الدنيا ومغضوباً عليه في الأخرى ، ويكفي في وضوح هذا الأمر مشاهدة أحوال أرباب الدول والملوك وسرعة انقضاء ممالكهم ، والمطلّع على أحوالهم يعلم انّه مع ما لهم من الاعتبار لا راحة لهم حتى لحظة واحدة ويتمنون عيشة الفقراء والضعفاء.

وللتقرب منهم مفاسد كثيرة :

الاُولى : الاعانة على الظلم لأنّ من الواضح انّ معاشرتهم ومخالطتهم كثيراً ما لا تتحصل بدون اعانة على ظلم.

ثانياً : حبّهم والميل القلبي إليهم لأنّ كثرة المعاشرة توجب المحبة والودّ ، والله تعالى أمر أن لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ، والأخبار في النهي عن مراودتهم كثيرة.

ثالثاً : الرضا بأفعالهم القبيحة ، وهذا أيضا يحصل بكثرة المعاشرة ، والراضي بظلم شريك فيه.

رابعاً : نسيان بل استحسان أعمالهم القبيحة بكثرة مشاهدة أطوارهم السيّئة ، والميل والرغبة نحوها والابتلاء بها.

خامساً : أن المتعارف في مجالسهم ذكر أيّ باطل وقبيح شاؤوا ومدحهم بها ، وهذا عين النفاق والافتراء على الله والرسول.

سادساً : لا يمكن للانسان منع الظلم في مجالسهم حسب المتعارف مضافاً إلى أن يلتزم بقول ما يرتضون ، فيكون تاركاً للنهي عن المنكر وهو من الذنوب الكبيرة.

سابعاً : لابدّ أن يكون مريداً لبقائهم على الظلم كي يبقى معززاً عندهم ، أو

٢٧٤

يريد العزّة بسبب حبّهم وهذا غير جائز أيضا.

ثامناً : لابدّ من دخول دورهم وقصورهم المشتبهة بالحرام ، وكذا وطيء فراشهم المشتبه ، وأكل طعامهم المشتبه ، وهذا كلّه ممّا يوجب قساوة القلب ، بل انّه سوف يقطع بحرمة هذه الأمور بكثرة مصاحبته لهم ومع ذلك لابدّ أن يتصرف فيها ويغمض الطرف ولا يقول شيئاً ، وهناك مفاسد كثيرة أخرى لا يسعها الكتاب ، وهناك أحاديث كثيرة في هذا المضمون.

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ... ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذّة ، ولا لملوك وفاء ، ولا لكذّاب مروّة ... (١).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : أقلّ الناس وفاء الملوك ، وأقلّ الناس صديقاً الملوك ... (٢).

وروي بسند معتبرعن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : إذا كان صديق فولي ولاية فأصبته على العشر ممّا كان لك عليه قبل ولايته ، فليس بصديق سوء (٣).

وروي بسند معتبر عن موسى الكاظم عليه‌السلام انّه قال : [ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ] أربع يفسدن القلب ، وينبتن النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر : استماع اللهو ، والبذاء ، واتيان باب السلطان ، وطلب الصيد (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... من لزم السلطان افتتن ، وما يزداد من السلطان قرباً الاّ ازداد من الله تعالى بعداً (٥).

__________________

١ ـ الخصال : ٢٧١ ح ١٠ باب ٥ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٣٨ ح ١٣ باب ٨١.

٢ ـ البحار ٧٥ : ٣٤٠ ح ١٧ باب ٨١ ـ عن أمالي الصدوق.

٣ ـ أمالي الطوسي : ٢٧٩ ح ٧١ مجلس ١٠ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٤١ ح ٢٥ باب ٨١.

٤ ـ الخصال : ٢٢٧ ح ٦٣ باب ٤ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٧٠ ح ١٠ باب ٨٢.

٥ ـ أمالي الطوسي : ٢٦٤ ح ٢١ مجلس ١٠ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٧١ ح ١٣ باب ٨٢.

٢٧٥

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال [ في الورع من الناس ] : الذي يتورّع من محارم الله ويجتنب هؤلاء ، وإذا لم يتّق الشبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه ، وإذا رأى المنكر فلم ينكره وهو يقوى عليه فقد أحبّ أن يُعصى الله.

ومن أحبّ أن يُعصى الله فقد بارز الله بالعداوة ومن أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يعصى الله ، أنّ الله تبارك وتعالى حمد نفسه على إهلاك الظلمة ... (١).

وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه قال : العالم بالظلم ، والمعين عليه ، والراضي به شركاء ثلاثة (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : قال عيسى بن مريم لبني اسرائيل : لا تعينوا الظالم على ظلمه فيبطل فضلكم ... (٣).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من مدح سلطاناً جائراً وتخفّف له طمعاً فيه كان قرينه إلى النار ... من دلّ جائراً على جور كان قرين هامان في جهنّم ... من تولّى خصومة ظالم أو أعان عليها نزل به ملك الموت قال له : أبشر بلعنة الله ونار جهنّم وبئس المصير (٤).

وروي بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : لا يحضرنّ أحدكم رجلاً يضربه سلطان جائر ظلماً وعدواناً ، ولا مقتولاً ولا مظلوماً إذا لم ينصره لأنّ نصرة المؤمن على المؤمن فريضة واجبة إذا هو حضره والعافية أوسع ما لم يلزمك الحجّة الظاهرة (٥).

__________________

١ ـ معاني الأخبار : ٢٥٢ ح ١ معنى الورع ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٦٩ ح ٦ باب ٨٢.

٢ ـ الخصال : ١٠٧ ح ٧٢ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣١٢ ح ١٦ باب ٧٩.

٣ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٠ ح ٧ باب ٨٢ ـ عن معاني الأخبار.

٤ ـ البحار ٧٥ : ٣٦٩ ح ٣ باب ٨٢ ـ عن أمالي الصدوق.

٥ ـ البحار ٧٥ : ١٧ ح ٢ باب ٣٣ عن قرب الإسناد.

٢٧٦

وروي بسند معتبر عن محمد بن مسلم انّه قال : مرّ بي أبو جعفر [ وأبو عبدالله عليهما‌السلام ] وأنا جالس عند قاض بالمدينة ، فدخلت عليه من الغد فقال لي : ما مجلس رأيتك فيه أمس؟

قال : قلت له : جعلت فداك انّ هذا القاضي لي مكرم فربما جلست اليه ، فقال لي : وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعمّ من في المجلس (١).

وجاء فيما أوصى به أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه الحسن عليه‌السلام عند وفاته : أحبّ الصالح لصلاحه ، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من عذر ظالماً بظلمه سلّط الله عليه من يظلمه ، فإن دعا لم يستجب له ، ولم يأجره الله على ظلامته (٣).

وروي بسند معتبر عنه عليه‌السلام قال : أنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد (٤).

وروي عنه عليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ : ( وَلاَ تَركَنُوا اِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٥) قال : هو الرجل يأتي السلطان فيحبّ بقاءه إلى أن يدخل يده إلى كيسه فيعطيه (٦).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : إذا كان يوم القيامة

__________________

١ ـ الكافي ٧ : ٤١٠ ح ١ باب كراهية الجلوس إلى قضاة الجور.

٢ ـ البحار ٧٥ : ٣٦٩ ح ٤ باب ٨٢ ـ عن أمالي المفيد والطوسي.

٣ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٢ ح ١ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٤ ـ الكافي ٥ : ١٠٧ ح ٧ باب عمل السلطان وجوائزهم.

٥ ـ هود : ١١٣.

٦ ـ الكافي ٥ : ١٠٨ ح ١٢ باب عمل السلطان وجوائزهم.

٢٧٧

نادى مناد : أين الظلمة وأعوانهم؟ من لاق لهم دواّةً ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة قلم ، فاحشروهم معهم (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما اقترب عبد من سلطان الاّ تباعد من الله ، ولا كثر ماله الاّ اشتد حسابه ، ولا كثر تبعه الاّ كثرت شياطينه (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اياكم وأبواب السلطان وحواشيها ، فإنّ أقربكم من أبواب السلطان وحواشيها أبعدكم من الله عزّوجلّ ، ومن آثر السلطان على الله عزّوجلّ أذهب الله عنه الورع وجعله حيران (٣).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : صونوا دينكم بالورع ، وقوّوه بالتقيّة والاستغناء بالله عن طلب الحوائج من السلطان ، واعلموا انّه أيّما مؤمن خضع لصاحب سلطان أو من يخالطه على دينه طلباً لما في يديه من دنياه أخمله الله ومقته عليه ووكله إليه.

فان هو غلب على شيء من دنياه وصار في يده منه نزع الله البركة منه ، ولم يأجره على شيء ينفقه في حج ولا عمرة ولا عتق (٤).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عزّوجلّ عليه ساخطاً حتى ينزع عن معونته (٥).

__________________

١ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٢ ح ١٧ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٢ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٢ ح ١٨ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٣ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٢ ح ١٩ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٤ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٠ ح ١٥ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٥ ـ البحار ٧٥ : ٣٧٣ ح ٢٢ باب ٨٢ ـ عن ثواب الأعمال.

٢٧٨

( الجدول السابع )

في بيان وجوه مسوّغة للدخول في بيوت الحكّام والأُمراء

اعلم انّه قد تجب المعاشرة مع الملوك والحكام ، ويجب الدخول في بيوتهم لأسباب :

أولاً : للتقية كما ذكر سابقاً ، فمن خاف بسبب هجرهم ضرراً على نفسه أو ماله أو عرضه فلابد من الذهاب إليهم دفعاً لما يكره ويخاف ، وقد كان الأئمة المعصومون عليهم‌السلام يترددون على خلفاء بني العباس عليهم اللعنة ، والمنسوبين إليهم تقية ، وكانوا عليهم‌السلام يداروهم ويتعاملون معهم باللين والمجاملة.

ثانياً : أن يذهب لدفع ضرر عن مظلوم أو جلب نفع لمؤمن ، وقد يجب هذا الأمر أيضاً كما مرّت الأحاديث في غوث المظلوم وقضاء حوائج المؤمنين ، بل انّ من قدر على دفع ظلم عن مؤمن ولم يفعل رعاية لعزّة نفسه واعتبارها كان شريكاً في ذلك الظلم وسوف يعاقب وسيذلّه الله تعالى ، كما ورد من انّ لكل شيء زكاة وزكاة الاعتبار والجاه صرفه في قضاء حوائج المؤمنين ، وكما انّ المال يزداد بالزكاة فإنّ الجاه سيزداد كذلك بالزكاة ، وكما انّ المال يتلف بعدم الزكاة فكذلك في الجاه والاعتبار.

روي بسند معتبر عن موسى الكاظم عليه‌السلام انّه قال : أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته فانّه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه على الصراط يوم القيامة (١).

__________________

١ ـ أمالي الطوسي : ٢٠٣ ح ٥٠ مجلس ٧ ـ عنه البحار ٧٥ : ٣٨٤ ح ٣ باب ٨٤.

٢٧٩

وروي بسند معتبر آخر عنه عليه‌السلام انّه قال : لئن أسقط من جالق (١) فأتقطّع قطعة قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّي لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط أحدهم الاّ ... لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فكّ أسره ، أو قضاء دينه ....

انّ أهون ما يصنع الله بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ما من جبّار الاّ ومعه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين وهو أقلهم حظاً في الآخرة ـ يعني أقلّ المؤمنين حظّاً لصحبة الجبار ـ (٣).

وروي بسند معتبر عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام انّه قال : انّ لله عزّوجلّ مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه (٤).

ثالثاً : أن يذهب إليهم بقصد هدايتهم ان كانوا من أهلها فلعلّه يهدي أحدهم أو يتعظ هو بأحوالهم ويعتبر ، كما روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام من انّ لقمان كان يذهب إلى القضاة والملوك والأمراء فيعظهم ويترحّم عليهم للبلاء الذي ابتلوا به ولعلاقتهم بأمور الدنيا الفانية ، وكان يعتبر من أحوالهم ، وكان يأخذ من أفعالهم بما يغلب به النفس ، وكان يجاهد النفس والهوى.

واعلم يا عزيزي انّه ربما تكون هذه الوجوه المذكورة ـ وكثير غيرها مما لا يسع المجال لذكرها ـ غرض الانسان من التقرب إلى الملوك ، لكن كثيراً ما تعكس

__________________

١ ـ الجالق : الجبل المرتفع.

٢ ـ الكافي ٥ : ١٠٩ ح ١ باب شرط من أذن له في أعمالهم.

٣ ـ الكافي ٥ : ١١١ ح ٥ باب شرط من أذن له في أعمالهم.

٤ ـ الكافي ٥ : ١١٢ ح ٧ باب شرط من أذن له في أعمالهم.

٢٨٠