عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

فات بما بقي ، وإن كان ما مضى لا يتدارك لأنّ لكل زمان حظ من الأعمال الصالحة ، والعمل الذي تعمله في كلّ زمان فهو حقّ ذلك الزمان وما فات ذهب عنك.

وإن لم تطع النفس ولم تقبل فجادلها وجاهدها وألجمها بالفكر الصحيح ، وتذكر الآيات والأخبار والوعيد ، فإنّ الانسان بمثابة الفرس الجموح الذي يعدو في صحراء وعرة فيها الحفر الكثيرة والآبار عن يمين الطريق ويساره ، فإن غفلت لحظة تجد نفسك في قعر بئر الضلالة.

روي بسند معتبر عن موسى بن جعفر عليه‌السلام انّه قال : ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم ، فإن عمل خيراً استزاد الله وحمد الله ، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه وتاب إليه (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال لرجل : انّك جُعلت طبيب نفسك ، وبُيّن لك الداء ، وعُرّفت آية الصحة ، ودُللت على الدواء ، فانظر كيف قيامك على نفسك (٢).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : اجعل قلبك قريناً برّاً أو ولداً واصلاً ، واجعل عملك والدا ًتتبعه ، واجعل نفسك عدوّاً تجاهدها ، واجعل مالك عارية تردّها (٣).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : اقصر نفسك عمّا يضرّها من قبل أن تفارقك ، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك ، فإنّ نفسك رهينة بعملك (٤).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : خذ لنفسك من نفسك ، خذ منها في الصحة

__________________

١ ـ الاختصاص : ٢٤٣ ـ عنه البحار ٧٠ : ٧٢ ح ٢٤ باب ٤٥.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٥٤ ح ٦ ـ الوسائل ١١ : ١٢٢ ح ٣ باب ١.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٥٤ ح ٧ ـ الوسائل ١١ : ١٢٢ ح ٤ باب ١.

٤ ـ الكافي ٢ : ٤٥٥ ح ٨ ـ الوسائل ١١ : ٢٣٦ ح ٢ باب ٣٩.

٨١

قبل السقم ، وفي القوة قبل الضعف ، وفي الحياة قبل الممات (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يصغر ما ينفع يوم القيامة ، ولا يصغر ما يضرّ يوم القيامة ، فكونوا فيما أخبركم الله عزّوجلّ كمن عاين (٢).

وقال عليه‌السلام في وصيته لابنه الحسن عليه‌السلام : يا بنيّ للمؤمن ثلاث ساعات ، ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة فيها يحاسب فيها نفسه ، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذّتها فيما يحلّ ويحمد ... (٣).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ألا فحاسبو أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، فإنّ في القيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مقام ألف سنة (٤).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في النقص فالموت خير له (٥).

وقال عليّ بن الحسين عليه‌السلام : ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همّك ، وما كان الخوف لك شعاراً ، والحزن لك دثاراً ، ابن آدم انّك ميّت ومبعوث وموقوف بين يدي الله عزّوجلّ ومسؤول ، فأعدّ جواباً (٦).

____________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٥٥ ح ١١ ـ باب محاسبة العمل.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٥٦ ح ١٤ ـ باب محاسبة العمل.

٣ ـ البحار ٧٠ : ٦٥ ح ٦ باب ٤٥ ـ عن أمالي الطوسي.

٤ ـ البحار ٧٠ : ٦٤ ح ٤ باب ٤٥ ـ عن أمالي الطوسي.

٥ ـ البحار ٧٠ : ٦٤ ح ٣ باب ٤٥ ـ عن معاني الأخبار : ١٩٨ ضمن حيث ٤ باب معنى الغايات.

٦ ـ أمالي الطوسي : ١١٥ ح ٣٠ مجلس ٤ ـ عنه البحار ٧٠ : ٦٤ ح ٥ باب ٤٥.

٨٢

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر استح من الله فانّي والذي نفسي بيده لا أزال حين أذهب إلى الغائط متقنّعاً بثوبي استحي من الملكين الذين معي.

يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة؟ قلت : نعم فداك أبي وأمي ، قال : فاقصر من الأمل ، واجعل الموت نصب عينيك ، واستح من الله حق الحياء ، قال : قلت : يا رسول الله كلّنا نستحي من الله.

قال : ليس ذلك الحياء ، ولكن الحياء أن لا تنسى المقابر والبلى ، والجوف وما وعى ، والرأس وما حوى ، ومن أراد كرامة الآخرة فليدع زينة الدنيا ، فإذا كنت كذلك أصبت ولاية الله.

لقد أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المقام إلى خصال من الأخلاق الكريمة.

[ الخصلة ] الاُولى : في الحياء ، وهو تأثر النفس وانزجارها من أمر ظهر لها قبحه ، وهو على قسمين ، قسم من أفضل الصفات الكمالية ويورث الفوز والسعادة ، وقسم يوجب الحرمان من الكمالات.

أمّا ما كان كمالاً منه ، فهو انّ الانسان بعد ما ميّز بين الحق والباطل والحسن والقبيح بالعلم استحى من الله ومن الخلق في ترك العبادات ، ومحاسن آداب الشريعة ، وارتكاب المعاصي وقبائح الآداب التي علم قبحها من الشرع ، وقد ذكرنا مجملاً عن تفسير الحياء في أول الكتاب.

ومن الواضح انّ المتصف بصفة الحياء إذا أراد فعل قبيح تفكر بحضور الله

٨٣

تعالى واطلاعه على أفعاله ، وكذلك اطلاع النبي والأئمة عليهم‌السلام وعرض أعمال الأُمة عليهم في كلّ يوم ، وكذلك اطلاع الملكين الموكلين به ، ولو رفع الله ستره عنه لاطلع على فعله جميع ملائكة السماء ، وسينفضح يوم القيامة أمام مائة وأربع وعشرين ألف نبيّ ، وجيمع الملائكة وسائر العباد ، فلو تفكر في هذه الأمور وأذعن بها عن يقين وايمان فلا يتوجه إلى ذلك العمل البتة ، وكذلك الأمر في فعل الطاعات.

وأمّا الحياء المذموم بأن يرى الانسان أمراً من الحق قبيحاً بعقله الناقص فيتركه ، وهذا ناشىء من الجهل ، كما لو أشكلت عليه مسألة فلا يسألها ويستحي ويبقى في الجهالة ، أو يترك عبادة لكون بعض الأشقياء لا يستحسنها ، وهذا الحياء يوجب الحرمان من السعادة ، ويقول الله تعالى :

( وَاللهُ لاَ يَستَحي مِنَ الحَقِّ ) (١).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : الحياء حياءان ؛ حياء عقل وحياء حمق ، فحياء العقل هو العلم ، وحياء الحمق هو الجهل (٢).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : الحياء من الايمان ، والايمان في الجنة (٣).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : الحياء والايمان مقرونان في قرن ، فاذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه (٤).

__________________

١ ـ الاحزاب : ٥٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٠٦ ح ٦ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣١ ح ٦ باب ٨١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٠٦ ح ١ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٢٩ ح ١ باب ٨١.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٠٦ ح ٤ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣١ ح ٤ باب ٨١.

٨٤

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : لا ايمان لمن لا حياء له (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربع من كنّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدلها الله حسنات ، الصدق ، والحياء ، وحسن الخلق ، والشكر (٢).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : من رقّ وجهه ، رقّ علمه (٣). [ فالحياء في طلب العلم ليس بحسن ].

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : لم يبق من أمثال الأنبياء الاّ قول الناس : إذا لم تستح فاصنع ما شئت (٤). [ فترك الحياء يوجب ارتكاب جميع القبائح ].

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث آخر : الحياء على وجهين فمنه الضعف ، ومنه قوّة واسلام وايمان (٥).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه : إذا قعد أحدكم في منزله فليرخي عليه ستره ، فإنّ الله تبارك وتعالى قسّم الحياء كم قسّم الرزق(٦).

ويظهر من هذا الحديث الشريف استحباب التقنّع عند التغوّط ، لأنّ الحالة بئس الحالة فالتقنّع يناسب الحياء ، وبما انّه يطّلع على عيوبه الظاهرة من الفضلات والقاذورات فليتذكر عيوبه الباطنة ، والأخلاق الذميمة والذنوب ، وليستح منها فانّها

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ١٠٦ ح ٥ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣١ ح ٥ باب ٨١.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٠٧ ح ٧ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣٢ ح ٧ باب ٨١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٠٦ ح ٣ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣٠ ح ٣ باب ٨١.

٤ ـ البحار ٧١ : ٣٣٣ ح ٨ باب ٨١ ـ عن أمالي الصدوق وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٥ ـ قرب الاسناد : ٤٦ ح ١٥٠ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣٤ ح ١٠ باب ٨١.

٦ ـ قرب الاسناد : ٤٦ ح ١٥١ ـ عنه البحار ٧١ : ٣٣٤ ح ١١ باب ٨١.

٨٥

أسوء من الأوساخ الظاهرية وتشير الأدعية في آداب الخلاء إلى هذا المعنى.

ونقل أكثر العلماء في مستحبات الخلاء تغطية الرأس ، واعتقد بعض باستحباب كلا الحالتين ، والتقنّع يشمل تغطية الرأس أيضاً وله فائدة اُخرى بدنية ، وهي منع وصول الروائح النتنة إلى الدماغ.

الخصلة الثانية : عفة البطن عن المحرمات والمكروهات ، والواجب منها الاجتناب عن أكل الحرام ، والمستحب منها ترك ما نُهي عنه نَهي كراهة أو كان مشبوهاً ، وظاهر الشرع يحكم بحليتها ، ويحتمل وجود الحرام فيه كالذين تحرم أكثر مكاسبهم.

وهذا التكليف من أعظم تكاليف الله ، والسعي في تحصيل الحلال من أصعب الأمور ، كما ورد من أنّ الحلال قوت المنتخبين ، وجاء في بعض الروايات انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يمهر جرابه حذراً من اختلاط المشتبه به.

واعلم انّ للطعام مدخل عظيم في آثار الأعمال والبعد من الله والقرب إليه ، لانّ قوة الجسم من الروح الحيوانية ، وهي بخار تحصل من الدم ، والدم يحصل من الأطعمة ، فإذا وصل الطعام الحلال إلى الأعضاء والجوارح يلزم كلّ واحد منها إلى العمل المرضيّ ، وتنصرف تلك القوّة كلّها في العبادة.

وإذا دخلت لقمة الحرام في الجسم ووصلت قوتها إلى الأعضاء والجوارح فبما انّها نتيجة لحرام فلا يصدر عن نتيجة الحرام عمل الخير ، فإن ظهرت هذه القوة في العين تصرفها في المعاصي والمفاسد ، وإن ظهرت في الأذن تصرفه إلى سماع أنواع الباطل ، وكذلك في سائر الأعضاء والجوارح ، وإن صارت نطفة كان الولد من جهةٍ وَلَد حرام ويميل إلى الشرّ ، والحديث القائل إنّ الراغب في غيبة

٨٦

المسلمين لم يكن ولد حلال ، يمكن حمله على هذا المعني.

ولقمة الحلال أيضاً تصير نوراً عبادة ومعرفة ، وتوجب القرب نحو الله تعالى ، وتنوّر القلب ، وقد علم هذا المعنى بالتجربة.

روي عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنّه قال : من سرّه أن يستجاب دعاؤه فليطيّب كسبه (١).

وروي بأسانيد معتبرة عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : انّ أفضل العبادة عفّة البطن والفرج (٢).

وقال له رجل : اني ضعيف العمل قليل الصوم ، ولكن أرجوا ان لا آكل إلاّ حلالا ، قال : فقال له : أي الأجتهاد أفضل من عفة بطن وفرج (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان : البطن والفرج (٤).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من سلم من أمتي من أربع خصال فله الجنة : من الدخول في الدنيا ، واتباع الهوى ، وشهوة البطن ، وشهوة الفرج (٥).

وروي بسند معتبر عن أبي جعفر عليه‌السلام (٦) انّه قال لنجم : يا نجم كلّكم في

__________________

١ ـ البحار ٩٣ : ٣٧٣ ضمن حديث ١٦ باب ٢٤ ـ عن عدّة الداعي.

٢ ـ الكافي ٢ : ٧٩ ح ٢ ـ عنه البحار ٧١ : ٢٦٩ ح ٢ باب ٧٧.

٣ ـ الكافي ٢ : ٧٩ ح ٤ ـ عنه البحار ٧١ : ٢٦٩ ح ٤ باب ٧٧.

٤ ـ الكافي ٢ : ٧٩ ح ٥ ـ عنه البحار ٧١ : ٢٦٩ ح ٥ باب ٧٧.

٥ ـ الخصال : ٢٢٣ ح ٥٤ باب ٤ ـ عنه البحار ٧١ : ٢٧١ ح ١٤ باب ٧٧.

٦ ـ في المتن الفارسي عن أبي عبدالله عليه‌السلام ولم نجدها.

٨٧

الجنة معنا الاّ أنّه ما أقبح بالرجل منكم أن يدخل الجنّة قد هتك ستره ، وبدت عورته ، قال : قلت له : جعلت فداك وانّ ذلك لكائن؟ قال : نعم ان لم يحفظ فرجه وبطنه (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّ أخوف ما أخاف على اُمتي من بعدي هذه المكاسب الحرام ، والشهوة الخفية ، والربا (٢).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : إذا اكتسب الرجل مالاً من غير حلّه ، ثم حجّ فلبّى نودي : «لا لبيك ولا سعديك» ، وان كان من حلّه فلبّى ، نودي : «لبيك وسعديك» (٣).

وروي عنه عليه‌السلام انّه قال : تشوّقت الدنيا لقوم حلالاً محضاً فلم يريدوها فدرجوا ، ثمّ تشوّقت لقوم حلالاً وشبهة ، فقالوا : لا حاجة لنا في الشبهة ، وتوسعوا من الحلال.

ثم تشوّقت لقوم آخرين حراماً وشبهة ، فقالوا : لا حاجة لنا في الحرام وتوسعوا في الشبهة ، ثم تشوّقت لقوم حراماً محضاً فيطلبونها فلا يجدونها ، والمؤمن في الدنيا يأكل بمنزلة المضطرّ (٤).

وقال أبو الحسن موسى عليه‌السلام : ... انّ الحرام لا ينمى ، وان نمى لا يبارك له فيه ، وما أنفقه لم يؤجر عليه ، وما خلّفه كان راده إلى النار (٥).

ونقل بسند معتبر عن سماعة انّه قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن رجل

__________________

١ ـ الخصال : ٢٥ ح ٨٨ باب الواحد ـ عنه البحار ٧١ : ٢٧٠ ح ٩ باب ٧٧.

٢ ـ الكافي ٥ : ١٢٤ ح ١ ـ الوسائل ١٢ : ٥٢ ح ١ باب ١.

٣ ـ الكافي ٥ : ١٢٤ ح ٣ ـ الوسائل ١٢ : ٥٩ ح ٣ باب ٤.

٤ ـ الكافي ٥ : ١٢٥ ح ٦ ـ الوسائل ١٢ : ٥٣ ح ٤ باب ١.

٥ ـ الكافي ٥ : ١٢٥ ح ٧ ـ الوسائل ١٢ : ٥٣ ح ٥ باب ١.

٨٨

أصاب مالاً من عمل بني اُميّة وهو يتصدّق منه ، ويصل منه قرابته ، ويحجّ ليغفر له ما اكتسب ، وهو يقول : انّ الحسنات يذهبن السيئات.

فقال أبو عبدالله عليه‌السلام : انّ الخطيئة لا تكفّر الخطيئة ، ولكنّ الحسنة تحطّ الخطيئة ... (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام في تفسير قوله عزّوجلّ : ( وَقَدِمنَا إلى مَا عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فَجَعَلنَاهُ هَباءً مَنثُوراً ) (٢).

فقال : إن كانت أعمالهم لأشدّ بياضاً من القباطي ، فيقول الله عزّوجلّ لها : كوني هباء ، وذلك أنّهم كانوا إذا شرع لهم الحرام أخذوه (٣).

الخصلة الثانية : عفة الفرج عن المحرمات والمكروهات والشبهات ، وهذا أيضاً من التكاليف الالهية الشاقة ، وتحقيقه ما مضى من انّ اجتناب الزنا واجب ، والزنا من الذنوب الكبيرة ، وتستحب العفة عمّا دلّ الشرع على كراهته.

وانّ الشبهات على قسمين ، يكون أحدها باعتبار التشكيك في مسألة ، والاحتراز منها هنا مستحب أيضاً على المشهور ، لكنّ البعض اعتبر هذا الاحتياط واجباً الاّ أن يكون طرف الحرمة ضعيفاً ، وثانيها يرجع إلى نفس الشبهة ، كما لو اشترى جارية بأموال مشبوهة ، أو جعل مالاً مشبوهاً مهراً ، أو غصب مهر المرأة ، أو لم يعطها مع القدرة عليه.

والزنا ينقسم على الأعضاء والجوارح ، فزنا الفرج معلوم ، وزنا العين النظر الى الأجنبية والصبيان بشهوة ، وزنا الاذن سماع الغناء المهيج والمثير للشهوة ، وزنا

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ١٢٦ ح ٩ ـ الوسائل ١٢ : ٥٩ ح ٢ باب ٤.

٢ ـ الفرقان : ٢٣.

٣ ـ الكافي ٥ : ١٢٦ ح ١٠ ـ الوسائل ١٢ : ٥٣ ح ٦ باب ١.

٨٩

اليد لمس الأجنبية ، وكذلك سائر الأعضاء.

روي بسد معتبر عن أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله عليهما‌السلام قالا : ما من أحد الاّ وهو يصيب حظّاً من الزنا ، فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللمس ، صدّق الفرج ذلك أم كذّب (١).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : انّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقر نطفته في رحم تحرم عليه (٢).

وروي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام انّه قال : اتق الزنا فانّه يمحق الرزق ، ويبطل الدين (٣).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : للزاني ست خصال ، ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، فأمّا التي في الدنيا فانّه يذهب بنور الوجه ، ويورث الفقر ، ويعجّل الفناء ، وأمّا التي في الآخرة ، فسخط الرب جلّ جلاله ، وسوء الحساب ، والخلود في النار (٤).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا كثر الزنا من بعدي كثر موت الفجأة (٥).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : قال يعقوب لابنه : يا بنيّ لا تزن ، فلو أنّ الطير زنا لتناثر ريشه (٦).

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ٥٥٩ ح ١١ ـ الوسائل ١٤ : ١٣٨ ح ٢ باب ١٠٤.

٢ ـ البحار ٧٩ : ٢٦ ح ٢٨ باب ٦٩.

٣ ـ الكافي ٥ : ٥٤١ ح ٢ ، باب الزاني.

٤ ـ الخصال : ٣٢١ ح ٤ باب ٦ ـ عنه البحار ٧٩ : ٢٢ ح ١٧ باب ٦٩.

٥ ـ الكافي ٥ : ٥٤١ ح ٤ ، باب الزاني.

٦ ـ البحار ٧٩ : ٢٧ ح ٣٠ باب ٦٩.

٩٠

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : اجتمع الحواريّون إلى عيسى عليه‌السلام فقالوا له : يا معلّم الخير أرشدنا ، فقال لهم : انّ موسى كليم الله عليه‌السلام أمركم أن لا تحلفوا بالله تبارك وتعالى كاذبين ، وأنا آمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين.

قالوا : يا روح الله زدنا ، فقال : انّ موسى نبيّ عليه‌السلام أمركم أن لا تزنوا ، وأنا آمركم أن لا تحدّثوا أنفسكم بالزنا فضلاً عن ان تزنوا ، فإنّ من حدّث نفسه بالزنا كان كمن أوقد في بيت مزوّفق فأفسد التزاويق الدخان وان لم يحترق البيت (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام لمفضل : ... يا مفضل أتدري لم قيل : من يزن يوماً يزن به؟ قلت : لا جعلت فداك ، قال : انّها كانت بغيّ في بني اسرائيل ، وكان في بني اسرائيل رجل يكثر الاختلاف إليها ، فلمّا كان في آخر ما أتاها أجرى الله على لسانها أما انك سترجع إلى أهلك فتجد معها رجلاً.

قال : فخرج وهو خبيث النفس ، فدخل منزله غير الحال التي كان يدخل بها قبل ذلك اليوم ، وكان يدخل باذن فدخل يومئذ بغير إذن ، فوجد على فراشه رجلاً ، فارتفعا إلى موسى عليه‌السلام ، فنزل جبرئيل عليه‌السلام على موسى عليه‌السلام ، فقال : يا موسى من يزن يوماً يزن به ، فنظر اليهما فقال : عفّوا تعفّ نساؤكم (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبرني جبرئيل عليه‌السلام انّ ريح الجنّة يوجد من مسيرة ألف عام ما يجدها عاق ، ولا قاطع رحم ، ولا شيخ زان ... (٣).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : كذب من زعم انّه ولد من حلال وهو

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ٥٤٢ ح ٧ باب الزاني ـ الوسائل ١٤ : ٢٤٠ ح ١ باب ٥.

٢ ـ الكافي ٥ : ٥٥٣ ح ٣.

٣ ـ معاني الأخبار : ٣٣٠ ح ١ ـ عنه البحار ٧٣ : ١٠٣ ح ٩٠ باب ١٢٢.

٩١

يحبّ الزنا ... (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم ، وعفّوا عن نساء الناس تعف عن نسائكم (٢).

وقال : علامات ولد الزنا ثلاث : سوء المحضر ، والحنين إلى الزنا ، وبغضنا أهل البيت (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنّ الاّ خرب ولم يعمر بالبركة : الخيانة ، والسرقة ، وشرب الخمر ، والزنا (٤).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمّا اسري بي مررت بنسوان معلّقات بثديهنّ ، فقلت : من هؤلاء يا جبرئيل؟ فقال : هؤلاء اللواتي يورثن أموال أزواجهنّ أولاد غيرهم(٥).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ... من نكح امرأة حراماً في دبرها ، أو رجلاً أو غلاماً حشره الله عزّوجلّ يوم القيامة أنتن من الجيفة ، يتأذّى به الناس حتى يدخل جهنّم ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، وأحبط الله عمله ، ويدعه في تابوت مشدود بمسامير من حديد ، ويضرب عليه في التابوت بصفائح حتى يشبّك في تلك المسامير ، فلو وضع عرق من عروقه على أربعمائة ألف امّة لماتوا جميعاً ، وهو من أشدّ اهل النار عذاباً.

ومن زنى بامرأة يهوديّة أو نصرانيّة أو مجوسيّة أو مسلمة ، حرّة أو أمة أو من

____________

١ ـ البحار ٧٩ : ١٨ ح ١ باب ٦٩ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ أمالي الصدوق : ٢٣٨ ح ٦ مجلس ٤٨ ـ عنه البحار ٧٩ : ١٨ ح ٢ باب ٦٩.

٣ ـ أمالي الصدوق : ٢٧٨ ح ٢٢ مجلس ٥٤ ـ عنه البحار ٧٩ : ١٩ ح ٣ باب ٦٩.

٤ ـ أمالي الصدوق : ٣٢٥ ح ١٢ مجلس ٦٢ ـ عنه البحار ٧٩ : ١٩ ح ٤ باب ٦٩.

٥ ـ البحار ٧٩ : ١٩ ح ٦ باب ٦٩ ـ عن تفسير القمي.

٩٢

كانت من الناس ، فتح الله عزوجلّ عليه في قبره ثلاثمائة ألف باب من النار تخرج عليه منها حيّات وعقارب وشهب من نار ، فهو يحترق إلى يوم القيامة ، يتأذّى الناس من نتن فرجه ، فيعرف به إلى يوم القيامة حتى يؤمر به إلى النار ....

ومن اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل ، أو شعر امرأة ، أو شيء من جسدها كان حقّاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا ، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله ، ويبدي عورته للناس في الآخرة.

ومن قدر على امرأة أو جارية حراماً فتركها مخافة الله عزّوجلّ حرّم الله عزّوجلّ عليه النار ، وآمنه من الفزع الأكبر ، وأدخله الجنة ....

ومن صافح امرأة حراماً جاء يوم القيامة مغلولاً ثم يؤمر به إلى النار ، ومن فاكه امرأة لا يملكها حبس بكلّ كلمة كلّمها في الدنيا ألف عام في النار ، والمرأة اذا طاوعت الرجل فالتزمها ، أو قبّلها ، أو باشرها حراماً ، أو فاكهها ، أو أصاب منها فاحشة ، فعليها من الوزر ما على الرجل ، فإن غلبها على نفسها كان على الرجل وزره ووزرها ...

ومن ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما عزّوجلّ يوم القيامة بمسامير من نار ، وحشاهما ناراً حتى يقضى بين الناس ، ثم يؤمر به إلى النار ...

ومن فجر بامرأة ولها بعل انفجر من فرجهما من صديد واد مسيرة خمسمائة عام يتأذّى أهل النار من نتن ريحهما ، وكانا من أشدّ الناس عذاباً.

واشتدّ غضب الله عزّوجلّ على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها ، فانّها ان فعلت ذلك أحبط الله كلّ عمل عملته ، فإن أوطأت

٩٣

فراشه غيره كان حقّاً على الله أن يحرقها بالنار بعد ان يعذّبها في قبرها ... (١).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج ، انّ الله أهلك اُمّة بحرمة الدبر ولم يهلك أحداً بحرمة الفرج (٢).

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة ، لا ينقيه ماء الدينا ، وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له جهنم وساءت مصيراً.

ثم قال : انّ الذكر ليركب الذكر ، فيهتزّ العرش لذلك ، وانّ الرجل ليؤتى في حقبه ، فيحسبه الله على جسر جهنّم حتى يفرغ من حساب الخلائق ، ثم يؤمر به إلى جهنّم فيعذّب بطبقاتها طبقة طبقة حتى يردّ إلى أسفلها ولا يخرج منها (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اللواط ما دون الدبر ، والدبر هو الكفر (٤).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ... قال الله عزّوجلّ : وعزتي وجلالي لا يقعد على استبرقها ولا حريرها [ أي الجنّة ] من يؤتى في دبره (٥).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : .... إذا كان يوم القيامة يؤتى بهنّ [ أي بالمساحقات ] قد البسن مقطّعات من نار ، وقنعن بمقانع من نار ، وسرولن من النار ، وادخل في أجوافهنّ إلى رؤوسهنّ أعمدة من نار ، وقذف بهنّ في النار ... (٦).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قبّل غلاماً من شهوة ألجمه الله يوم

__________________

١ ـ البحار ج ٧٦ : ٣٦١ و٣٦٢ و٣٦٣ و٣٦٦ ، حديث ٣٠ باب ٦٧ ـ عن ثواب الأعمال.

٢ ـ الكافي ٥ : ٥٤٣ ح ١.

٣ ـ الكافي ٥ : ٥٤٤ ح ٢.

٤ ـ الكافي ٥ : ٥٤٤ ح ٣.

٥ ـ الكافي ٥ : ٥٥٠ ح ٥ ـ البحار ٧٩ : ٦٧ ح ١٣ باب ٧١.

٦ ـ الكافي ٥ : ٥٥٢ ضمن حديث ٢ ـ البحار ٧٩ : ٧٥ ضمن حديث ٣ باب ٧٢.

٩٤

القيامة بلجام من نار (١).

[ الخصلة الرابعة : ] حفظ العين من المحرمات والمكروهات ، وتحصل مفاسد عظيمة في النفس من العين بل انّها باب أكثر المعاصي ، فمنها يأتي خيال كثير من المعاصي في النفس ، والنظر إلى النساء الأجنبيات ، والنظر إلى فرج غير امرأته دائماً أو منقطعاً وأطفاله حرام.

وكذلك يحرم النظر إلى الصبيان مصحوباً باللذة والشهوة مما يوجب العشق المجازي الذي هو كفر في الحقيقة لأنّه يصبح بتوجّهه إلى معشوقه في جميع الأحوال عابد وثن ، فيبعد من الله ويطيع معشوقه في كلّ فسق أو كفر يأمره به.

وري بسند معتبر انّ أبا عبدالله عليه‌السلام سئل عن العشق ، فقال : قلوب خلت عن ذكر الله ، فأذاقها الله حبّ غيره (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : اياكم وأولاد الأغنياء والملوك المرد ، فإنّ فتنتهم أشدّ من فتنة العذاري في خدورهنّ (٣).

وعن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : النظرة سهم من سهام ابليس مسموم ، من تركها لله عزّوجلّ لا لغيره أعقبه الله أمناً وايماناً يجد طعمه (٤).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبها فتنة (٥).

__________________

١ ـ الكافي ٥ : ٥٤٨ ح ١٠ ـ البحار ٧٩ : ٧٢ ح ٢٧ باب ٧١.

٢ ـ البحار ٧٣ : ١٥٨ ح ١ باب ١٢٦ ـ عن أمالي الصدوق.

٣ ـ الكافي ٥ : ٥٤٨ ح ٨.

٤ ـ الوسائل ١٤ : ١٣٩ ح ٥ باب ١٠٤ ـ عن الفقيه ٤ : ١٨ ح ٤٩٦٩.

٥ ـ الوسائل ١٤ : ١٣٩ ح ٦ باب ١٠٤ ـ عن الفقيه ٤ : ١٨ ح ٤٩٧٠.

٩٥

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : ما يأمن الذين ينظرون في أدبار النساء أن ينظر بذلك في نسائهم (١).

ومن النظر المذموم المورث للمفاسد النظر إلى زينة الدنيا وأهلها نظر طالب ومتمنّى ، لانه يوجب الميل نحو الدنيا وارتكاب المحرمات ، كما يقول الله تعالى.

( وَلاَ تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَجاً مِّنهُم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدُنيَا لِنَفتِنَهُم فِيهِ وَرِزقُ رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى ) (٢).

ورزق ربك الذي يأتيك كلّ يوم ، أو الرزق غير المتناهي في الآخرة المقرّر لك ، أو الرزق المعنوي من المعارف والكمالات خير لك وأبقى وأدوم من الأموال الفانية الدنيوية التي لا اعتبار لها.

ومضى بعض تكاليف اللسان والاذن وسائر ما يحتويه الرأس ، وسيأتي بعضها الآخر في محلّها المناسب إن شاء الله.

__________________

١ ـ الوسائل ١٤ : ١٤٤ ح ١ باب ١٠٨ ـ الفقيه ٤ : ١٩ ح ٤٩٧٣.

٢ ـ طه : ١٣١.

٩٦

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر يكفي من الدعاء مع البر ما يكفي الطعام من الملح.

يا أباذر مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمى بغير وتر.

وتوضيح هذه المطالب العالية يتم في طي نجوم ثلاثة :

( النجم الأول )

في فضل الدعاء وفوائده

اعلم انّ الدعاء والتضرّع والمناجات من أفضل العبادات ، وأقرب الطرق لوصول العبد إلى ساحة قاضي الحاجات ، وبكثرة الدعاء والمناجات يزداد اليقين بالله تعالى وبصفاته الكمالية ، ويزداد توكلّه وتفويضه إلى الله تعالى ، ويوجب قطع الطمع والعلائق عن الخلق ، وهذه الطريقة هي المنقولة من جميع الأئمة عليهم‌السلام بأنهم كانوا مشغولين بالتضرّع والمناجات بعد أداء الفرائض والسنن سيّما سيد الساجدين عليه‌السلام ، كما قال الله تعالى :

( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادعُونِي استَجِب لَكُم اِنَّ الَّذِينَ يَستَكبِرُونَ عَن عِبَادَتِي سَيَدخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرينَ ) (١).

وجاء في أحاديث كثيرة عن أئمتنا الأطهار عليهم‌السلام انّ المراد من العبادة في

__________________

١ ـ غافر : ٦٠.

٩٧

الآية هو الدعاء ، فالله تعالى أمر أوّلاً بالدعاء ثم وعد الاجابة ، ثم عدّ الدعاء عبادة وتركه تكبّراً ، وأوعد على تركه جهنّم.

وقال تعالى في موضع آخر :

( وَإذاَ سَأَلَكَ عَبَادِي عَنَّي فَانِّي قَرِيبٌ اُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ فَليَستَجيِبُوا لِي وَليُؤمِنوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ ) (١).

فليستجيبوا لي أي فليستجيبوا في الدعاء الذي طلبته منهم ، أو بما انّي اُجيب دعاءهم فليستجيبوا لي في أداء جميع تكاليفي ، وليؤمنوا بي أي يؤمنوا بوعدي في اجابة الدعاء ، أو فليثبتوا في ايمانهم لعلّهم يرشدون.

روي بسند معتبر انّ أبا جعفر الباقر عليه‌السلام سُئل أيّ العبادة أفضل؟ فقال : ما من شيء أفضل عند الله عزّوجلّ من أن يسأل ويطلب مما عنده ، وما أحد أبغض إلى الله عزّوجلّ ممن يستكبر عن عبادته ، ولا يسأل ما عنده (٢).

وروي عن ميسّر بن عبد العزيز ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قال لي : يا ميسّر ادع ولا تقل انّ الأمر قد فرغ منه ، انّ عند الله عزّوجلّ منزلة لا تنال الاّ بمسألة ، ولو انّ عبداً سدّ فاه ولم يسأل لم يعط شيئاً ، فسل تعط ، يا ميسّر انّه ليس من باب يقرع الاّ يوشك أن يفتح لصاحبه (٣).

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : من لم يسأل الله عزّوجلّ من فضله فقد افتقر(٤).

__________________

١ ـ البقرة : ١٨٦.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٦٦ ح ٢ ـ باب فضل الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٨٨ ح ٢ باب ٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٦٦ ح ٣ ، باب فضل الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٩١ ح ١ باب ٦.

٤ ـ الكافي ٢ : ٤٦٧ ح ٤ ، باب فضل الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٨٤ ح ٦ باب ١.

٩٨

وقال عليه‌السلام : عليكم بالدعاء فانكم لا تقربون بمثله ، ولا تتركوا صغيرة لصغرها أن تدعوا بها ، انّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار (١).

وقال عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أحبّ الأعمال إلى الله عزّوجلّ في الأرض الدعاء ، وأفضل العبادة العفاف ، قال : وكان أمير المؤمنين عليه‌السلام رجلاً دعّاء (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : الدعاء سلاح المؤمن ، وعمود الدين ، ونور السماوات والأرض (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث آخر لأصحابه : ألا أدلّكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا : بلى ، قال : تدعون ربكم بالليل والنهار ، فانّ سلاح المؤمن الدعاء (٤).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام (٥) : انّ الدعاء أنفذ من السنان (٦).

وقال عليه‌السلام : الدعاء يرد القضاء بعد ما ابرم ابراماً ، فأكثر من الدعاء فانّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله عزّوجلّ الاّ بالدعاء ، وانّه ليس باب يكثر قرعه الاّ يوشك أن يفتح لصاحبه (٧).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٦٧ ح ٦ ، باب فضل الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٨٩ ح ١ باب ٤.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٦٧ ح ٨ ، باب فضل الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٨٩ ح ٤ باب ٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٦٨ ح ١ باب انّ الدعاء سلاح المؤمن ـ الوسائل ٤ : ١٠٩٤ ح ٣ باب ٨.

٤ ـ الكافي ٢ : ٤٦٨ ح ٢ باب انّ الدعاء سلاح المؤمن ـ الوسائل ٤ : ١٠٩٥ ح ٥ باب ٨.

٥ ـ رويت في المتن الفارسي عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ولم نجدها.

٦ ـ الكافي ٢ : ٤٦٩ ح ٦ ـ الوسائل ٤ : ١٠٩٤ ح ٢ باب ٨.

٧ ـ الكافي ٢ : ٤٧٠ ح ٧ ـ باب انّ الدعاء يردّ البلاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٨٦ ح ٧ باب ٢.

٩٩

وقال عليه‌السلام في حديث آخر : عليك بالدعاء فانّه شفاء من كلّ داء (١).

وروي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام انّه قال : ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه الله عزّوجلّ الدعاء الاّ كان كشف ذلك البلاء وشيكاً ، وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء الاّ كان ذلك البلاء طويلاً ، فاذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء والتضرّع إلى الله عزّوجلّ (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا أبواب البلاء بالدعاء ، وحصّنوا أموالكم بالزكاة ، فانّه ما يصاد ما صيد من الطير الاّ بتضييعهم التسبيح (٣).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء ، فو الذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلى التلعة إلى أسفلها ، ومن ركض البراذين.

وقال عليه‌السلام : ما زالت نعمة ولا نضارة عيش الاّ بذنوب اجترحوا ، انّ الله ليس بظلاّم للعبيد ، ولو أنّهم استقبلوا ذلك بالدعاء والانابة لم تنزل ، ولو انّهم إذا نزلت بهم النقم ، وزالت عنهم النعم فزعوا إلى الله بصدق من نيّاتهم ولم يهنوا ولم يسرفوا لأصلح الله كلّ فاسد ، ولردّ عليهم كلّ صالح (٤).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ثلاث لا يضرّ معهنّ شيء ، الدعاء عند الكربات ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٤٧٠ ح ١ ، باب انّ الدعاء شفاء من كلّ داء ـ الوسائل ٤ : ١٠٩٩ ح ١ باب ١١.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٧١ ح ٢ ـ باب الهام الدعاء ـ الوسائل ٤ : ١٠٩٨ ح ١ باب ١٠.

٣ ـ قرب الاسناد : ١١٧ ح ٤١٠ ـ عنه البحار ٩٣ : ٢٨٨ ح ٣ باب ١٦.

٤ ـ البحار ٩٣ : ٢٨٩ ح ٥ باب ١٦ ـ عن الخصال.

١٠٠