عين الحياة - ج ٢

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

عين الحياة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


المحقق: السيد هاشم الميلاني
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧١

متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه.

ورجلان كانا في طاعة الله عزّوجلّ فاجتمعا على ذلك وتفرّقا ، ورجل ذكر الله عزّوجلّ خالياً ففاضت عيناه من خشية الله عزّوجلّ ، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال فقال : انّي أخاف الله عزّوجل ، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما يتصدّق بيمينه (١).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه ، وجعله الله عزّوجلّ مع السفرة الكرام البررة ، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة ، يقول : يا ربّ انّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي ، فبلّغ به أكرم عطاياك.

قال : فيكسوه الله العزيز الجبار حلّتين من حلل الجنّة ، ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له : هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن : يا ربّ قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا.

فيعطي الأمن بيمينه ، والخلد بيساره ، ثم يدخل الجنّة فيقال له : اقرأ واصعد درجة ، ثم يقال له : هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول : نعم ، قال : ومن قرأه كثيراً وتعاهده بمشقّة من شدّة حفظه أعطاه الله عزّوجلّ أجر هذا مرّتين (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ذاكر الله عزّوجلّ في الغافلين كالمقاتل عن الفارّين ، والمقاتل عن الفارّين له الجنّة (٣).

والأحاديث بهذه المضامين كثيرة.

__________________

١ ـ الخصال : ٣٤٢ ح ٧ باب ٧.

٢ ـ الكافي ٢ : ٦٠٣ ح ٤ ـ الوسائل ٤ : ٨٣٣ ح ١ باب ٦.

٣ ـ الكافي ٢ : ٥٠٢ ح ٢ ـ الوسائل ٤ : ١١٨٩ ح ٢ باب ١٢.

١٦١

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من السكوت ، والسكوت خير من املاء الشر (١).

يا أباذر لا تصاحب الاّ مؤمناً ، ولا يأكل طعامك الاّ تقي ، ولا تأكل طعام الفاسقين.

يا أباذر أطعم طعامك من تحبه في الله ، وكل طعام من يحبّك في الله عزّوجلّ.

اعلم انّه قد ثبت بالتجربة انّ للمصاحبة دخل عظيم في الأخلاق والأعمال ، فلابدّ أن يهتمّ الانسان في مصاحبة الأخيار لعلّ أفعالهم الحميدة والمرضية تؤثر فيه ويتّصف بأخلاقهم الحسنة ، وأن يحترز من مصاحبة الأشرار حذراً من تأثير قبائحهم فيه ، وانّ صحبة الأشرار الذين هم شياطين الانس أضرّ للانسان من شياطين الجن ، لأنّ الانسان يتقبّل من مجانسه أكثر من غيره ، بل انّ أكثر الاغواء يكون من شياطين الانس.

روي عن موسى بن جعفر عليه‌السلام انّه قال : انّ صاحب الشرّ يعدي ، وقرين السوء يردي ، فانظر من تقارن (٢).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : قال أبي عليّ بن الحسين عليه

____________

١ ـ الاملاء لغةً أن يتكلّم شخص ويكتبه آخر ، فذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشرّ هنا اشعاراً بأنّ كلّ ما يقوله من لغو وباطل فهو يمليه على كاتبيه ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لرجل يتكلّم بفضول الكلام : « يا هذا انّك تملي على حافظيك ». منه رحمه‌الله.

٢ ـ الوسائل ٨ : ٤١٢ ح ٢ باب ١١.

١٦٢

السلام : يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق ، قلت : يا أبة من هم عرّفهم؟

قال : ايّاك ومصاحبة الكذاب فانّه بمنزلة السراب يقرّب لك البعيد ويبعّد لك القريب ، واياك ومصاحبة الفاسق فانّه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك ، واياك ومصاحبة البخيل فانّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.

واياك ومصاحبة الأحمق فانّه يريد أن ينفعك فيضرّك ، واياك ومصاحبة القاطع لرحمه فانّي وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّوجلّ في ثلاثة مواضع.

وروى بسند صحيح عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : لا تصاحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المرء على دين خليله وقرينه (٢).

وروي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه كان يقول مراراً في خطبه : ينبغي للمؤمن أن يجتنب مواخاة ثلاث : الماجن ، والأحمق ، والكذاب.

فأمّا الماجن فيزيّن لك فعله ، ويحبّ أن تكون مثله ، ولا يعينك على أمر دينك ومعادك ، ومقارنته جفاء وقسوة ، ومدخله ومخرجه عليك عار.

وأمّا الأحمق فانّه لا يشير عليك بخير ، ولا يرجى لصرف السوء عنك ولو أجهد نفسه ، وربّما أراد منفعتك فضرّك ، فموته خير من حياته ، وسكوته خير من نطقه ، وبعده خير من قربه.

وأمّا الكذاب فانّه لا يهنئك معه عيش ، ينقل حديثك وينقل إليك الحديث ،

__________________

١ ـ البحار ٧٤ : ١٩٦ ح ٢٩ باب ١٤ ـ عن الاختصاص : ٢٣٩ ـ ومثله الكافي ٢ : ٣٧٦ ح ٧.

٢ ـ الكافي ٢ : ٣٧٥ ح ٣ ـ عنه البحار ٧٤ : ٢٠١ ح ٤٠ باب ١٤.

١٦٣

كلّما أفنى اُحدوثة مطّها بأخرى حتى انّه يحدث بالصدق فما يصدّق ، ويغري بين الناس بالعداوة ، فينبت السخائم في الصدور ، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ... اتبع من يبكيك وهو لك ناصح ، ولا تتبع من يضحك وهو لك غاش ، وستردّون على الله جميعاً فتعلمون (٢).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي (٣).

وقال عليه‌السلام : لا تكون الصداقة الاّ بحدودها ، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة.

فأوّلها أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة ، والثاني أن يرى زينك زينه وشينك شينه ، والثالثة أن لا تغيّره عليك ولاية ولا مال ، والرابعة أن لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته ، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال أن لا يسلّمك عند النكبات (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : أسعد الناس من خالط كرام الناس (٥).

وروي انّه : قالت الحواريّون لعيسى : يا روح الله من نجالس؟ قال : من يذكركم الله رؤيته ، ويزيد في علمكم منطقه ، ويرغبكم في الآخرة عمله (٦).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٣٧٦ ح ٦ ـ عنه البحار ٧٤ : ٢٠٥ ح ٤٣ باب ١٤.

٢ ـ الكافي ٢ : ٦٣٨ ح ٢ باب من يجب مصادقته ومصاحبته.

٣ ـ الكافي ٢ : ٦٣٩ ح ٥ باب من يجب مصادقته ومصاحبته.

٤ ـ الكافي ٢ : ٦٣٩ ح ٦ باب من يجب مصادقته ومصاحبته.

٥ ـ البحار ٧٤ : ١٨٥ ح ٢ باب ١٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٦ ـ الكافي ١ : ٣٩ ح ٣ باب مجالسة العلماء.

١٦٤

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من وقف نفسه موقف التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن ، ومن كتم سرّه كانت الخيرة بيده ، وكلّ حديث جاوز اثنين فشا ، وضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ، ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.

وعليك باخوان الصدق ، فأكثر من اكتسابهم ، فانّهم عدة عند الرخاء ، وجنّة عند البلاء ، وشاور في حديثك الذين يخافون الله ، وأحب الاخوان على قدر التقوى ، واتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهنّ على حذر ، إن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنّ كيلا يطمعن منكم في المنكر (١).

وسئل عليه‌السلام : أيّ صاحب شر؟ قال : المزين لك معصية الله (٢).

وقال عليه‌السلام : مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار (٣).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : أنظر إلى كلّ من لا يفيدك منفعة في دينك فلا تعتدنّ به ، ولا ترغبنّ في صحبته ، فإنّ كلّ ما سوى الله تبارك وتعالى مضمحل وخيم عاقبته (٤).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... ثلاثة مجالستهم تميت القلب : مجالسة الأنذال ، والحديث مع النساء ، ومجالسة الأغنياء (٥).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : أربعة يذهبن ضياعاً : مودّة تمنحها من لا وفاء له ،

__________________

١ ـ أمالي الصدوق : ٢٥٠ ح ٨ مجلس ٥٠ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٨٦ ح ٧ باب ١٣.

٢ ـ البحار ٧٤ : ١٩٠ ح ٣ باب ١٤ ـ عن أمالي الطوسي.

٣ ـ البحار ٧٤ : ١٩١ ح ٤ باب ١٤ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٤ ـ قرب الاسناد : ٥١ ح ١٦٧ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٩١ ح ٥ باب ١٤ ـ والوسائل ٨ : ٤١٢ ح ٥ باب ١١.

٥ ـ الخصال : ٨٧ ح ٢٠ باب ٣ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٩١ ح ٦ باب ١٤.

١٦٥

ومعروف عند من لا يشكر له ، وعلم عند من لا استماع له ، وسرّ تودعه عند من لا حصانة له (١).

وقال أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : ... لا تجالس الأغنياء ، فإنّ العبد يجالسهم وهو يرى انّ لله عليه نعمة ، فما يقوم حتى يرى أن ليس لله عليه نعمة (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربع يمتن القلب : الذنب على الذنب ، وكثرة مناقشة النساء ـ يعني محادثتهنّ ـ ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع إلى خير أبداً ، ومجالسة الموتى ، فقيل له : يا رسول الله وما الموتى؟ قال : كلّ غنيّ مترف(٣).

واعلم انّ لإطعام المؤمنين فضلاً كثيراً ، ولابدّ من كثرة الإطعام لعلّ أن يكون مؤمناً فيهم فيدرك ثواب إطعام المؤمن.

روي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنّة ، ومن كساه عرى كساه الله من استبرق وحرير [ وصلّى عليه الملائكة ما بقي في ذلك الثوب سلك ] (٤) ومن سقاه شربة على عطش سقاه الله من الرحيق المختوم ، ومن أعانه أو كشف كربته أظلّه الله في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ الاّ ظلّه (٥).

وروي بسند معتبر عن الإمام علي النقي عليه‌السلام انّه قال : لمّا كلّم الله موسى

__________________

١ ـ الخصال : ٢٦٤ ح ١٤٤ باب ٤ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٩٤ ح ٢٠ باب ١٤.

٢ ـ أمالي الصدوق : ٢٠٩ ح ٣ مجلس ٤٤ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٩٤ ح ٢١ باب ١٤.

٣ ـ الخصال : ٢٢٨ ح ٦٥ باب ٤ ـ عنه البحار ٧٤ : ١٩٤ ح ٢٢ باب ١٤.

٤ ـ ما بين المعقوفين ليس من أصل الرواية بل أخذناه من رواية اُخرى.

٥ ـ أمالي الصدوق : ٢٣٣ ح ١٥ مجلس ٤٧ ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٨٢ ح ٨٨ باب ٢٣ ـ الوسائل ١٧ : ٢٠١ ح ٣ باب ١١.

١٦٦

بن عمران عليه‌السلام قال موسى : الهي ما جزاء من أطعم مسكيناً ابتغاء وجهك؟

قال : يا موسى آمر منادياً ينادي يوم القيامة على رؤوس الخلائق انّ فلان بن فلان من عتقاء الله من النار (١).

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام انّه قال : ثلاث درجات : افشاء السلام ، وإطعام الطعام ، والصلاة بالليل والناس نيام ... (٢).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من أشبع مؤمناً وجبت له الجنّة...(٣).

وقال عليه‌السلام : لأن أطعم رجلاً من المسلمين أحبّ إليّ من أن أطعم أفقاً من الناس ، [ قلت : وما الاُفق؟ قال : ] مائة ألف أو يزيدون (٤).

وروي بسند صحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله من ثلاث جنان في ملكوت السماوات الفردوس ، وجنّة عدن ، وطوبى ، وشجرة تخرج من جنّة عدن غرسها ربنا بيده (٥).

وروي عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : من أطعم مؤمناً حتى يشبعه لم يدر أحدٌ من خلق الله ماله من الأجر في الآخرة لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل الاّ الله ربّ العاليمن ، ثم قال : من موجبات المغفرة اطعام المسلم السغبان ... (٦).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : من سقى مؤمناً

__________________

١ ـ البحار ٧٤ : ٣٨٢ ح ٨٩ باب ٢٣ ـ عن أمالي الصدوق.

٢ ـ البحار ٧٤ : ٣٨٢ ح ٩١ باب ٢٣ ـ عن الخصال : ٨٤ ضمن حديث ١٠ باب ٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ٢٠٠ ح ١ باب اطعام المؤمن.

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٠٠ ح ٢ باب اطعام المؤمن ـ الوسائل ١٦ : ٤٥٠ ح ٢ باب ٣٠.

٥ ـ الكافي ٢ : ٢٠٠ ح ٣ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧١ ح ٦٥ باب ٢٣.

٦ ـ الكافي ٢ : ٢٠١ ح ٦ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧٣ ح ٦٨ باب ٢٣.

١٦٧

شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه الله بكلّ شربة سبعين ألف حسنة ، وان سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنّما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل (١).

وروي بسند معتبر عن حسين بن نعيم انّه قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : أتحبّ اخوانك يا حسين؟ قلت : نعم ، قال : تنفع فقراءهم؟ قلت : نعم ، قال : أما انّه يحقّ عليك أن تحبّ من يحبّ الله ، أما والله لا تنفع منهم أحداً حتى تحبّه.

أتدعوهم إلى منزلك؟ قلت : نعم ما آكل الاّ ومعي منهم الرجلان والثلاثة والأقلّ والأكثر ، فقال أبو عبدالله : أما أنّ فضلهم عليك أعظم من فضلك عليهم ، فقلت : جعلت فداك أطعمهم طعامي وأوطئهم رحلي ويكون فضلهم عليّ أعظم؟ قال : نعم انّهم إذا دخلوا منزلك دخلوا بمغفرتك ، ومغفرة عيالك ، وإذا خرجوا من منزلك خرجوا بذنوبك وذنوب عيالك (٢).

وقال عليه‌السلام : من أطعم مؤمناً موسراً كان له يعدل رقبة من ولد إسماعيل ينقذه من الذبح ، ومن أطعم مؤمناً محتاجاً كان له يعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل ينقذها من الذبح (٣).

وقال عليه‌السلام : لإطعام مؤمن أحبّ إليّ من عتق عشر رقاب وعشر حجج ... (٤).

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من اجابة الفاسقين إلى طعامهم.

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٢٠١ ح ٧ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧٤ ح ٦٩ باب ٢٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ٢٠١ ح ٨ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧٥ ح ٧٠ باب ٢٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ٢٠٣ ح ١٩ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧٨ ح ٨١ باب ٢٣.

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٠٤ ح ٢٠ باب اطعام المؤمن ـ عنه البحار ٧٤ : ٣٧٩ ح ٨٢ باب ٢٣.

١٦٨

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر انّ الله عزّوجلّ عند لسان كلّ قائل ، فليتق الله امرؤ ، وليعلم ما يقول.

يا أباذر اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أباذر كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكلّ ما يسمع.

يا أباذر ما من شيء أحقّ بطول السجن من اللسان.

لقد مرّ الكلام سابقاً في فضل السكوت وترك الكلام الباطل ، وما قاله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أنّه كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما يسمع ، يمكن أن يكون المراد أنه لو نقله بجزم وقطع يكون كذباً فينبغي عند ارادة نقل حدث نسبته إلى قائله.

كما روي بسند معتبر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام انّه قال : إذا حدّثتم بحديث فأسندوه إلى الذي حدّثكم ، فإن كان حقّاً فلكم ، وإن كان كذباً فعليه (١).

ويحتمل أن يكون المراد بأنكم تصيرون كاذبين عند الناس ومشهورين به وإن نسبتموه إلى قائله حتى تتخلّصوا من الكذب ، لكن من كثر تحدّثه وظهر الكذب منه لا يعتمد على كلامه.

ويحتمل أن يكون المراد انكم إذا نقلتهم شيئاً اُذكروا مأخذه ، ولا تنقلوا عمّن لا يعتمد على كلامه ، فإنّ سماع الكلام الذي لا أصل له ونقله يكون بمنزلة الكذب في القباحة والشناعة ، والله العالم.

__________________

١ ـ البحار ٢ : ١٦١ ح ١٥ باب ٢١ ـ عن منية المريد.

١٦٩

[ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر رحمه‌الله ] :

يا أباذر ان من اجلال الله تعالى اكرام ذي الشيبة المسلم ، واكرام حملة القرآن العاملين به ، واكرام السلطان المقسط.

واليك بيان هذه الكلمات الشريفة في طيّ ثلاثة ينابيع :

( الينبوع الأول )

في اكرام ذي الشيبة المسلم

اعلم انّه يجب اكرام جميع المسلمين سيّما الشيوخ منهم ، لأنّ الشيبة من رحمة الله والله تعالى يحترمها ، فاجلالها تعظيم الله سبحانه ، كما ورد في الخطب والأحاديث الكثيرة انّه ارحموا صغاركم ووقّروا كباركم.

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بجّلوا المشايخ ، فأن من إجلال الله تبجيل المشايخ (١).

وروي بسند معتبر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من عرف فضل شيخ كبير فوقّره لسنّه ، آمنه الله من فزع يوم القيامة (٢).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : ثلاثة لا يجهل حقّهم الاّ

__________________

١ ـ أمالي الطوسي : ٣١١ ح ٧٨ مجلس ١١ ـ عنه البحار ٧٥ : ١٣٦ ح ٢ باب ٥٢.

٢ ـ البحار ٧٥ : ١٣٧ ح ٣ باب ٥٢ ـ عن ثواب الأعمال.

١٧٠

منافق معروف بالنفاق : ذو الشيبة في الإسلام ، وحامل القرآن ، والامام العادل (١).

وقال عليه‌السلام : ... من أكرم مؤمناً فبكرامة الله بدأ ، ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته (٢).

وروى بسند معتبر عنه عليه‌السلام انّه قال : انّ الله عزّوجلّ ليكرم ابن السبعين ، ويستحيي من ابن الثمانين (٣).

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : إذا بلغ المرء أربعين سنة آمنه الله عزّوجلّ من الادواء الثلاثة ، الجنون والجذام والبرص ، فاذا بلغ الخمسين خفّف الله حسابه.

فاذا بلغ الستين رزقه الانابة إليه ، فاذا بلغ السبعين أحبّه أهل السماء ، فاذا بلغ الثمانين أمر الله باثبات حسناته وإلقاء سيئاته ، فاذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر ، وكتب أسير الله في أرضه (٤) [ وشفّع في أهل بيته ].

وروي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام انّه قال : كان الناس لا يشيبون ، فأبصر إبراهيم عليه‌السلام شيباً في لحيته ، فقال : يا رب ما هذا؟ فقال : هذا وقار ، فقال : ربّ زدني وقاراً (٥).

وقال عليه‌السلام : من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة (٦).

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٦٥٨ ح ٤ باب وجوب اجلال ذي الشيبة المسلم.

٢ ـ الكافي ٢ : ٦٥٨ ح ٥ باب وجوب اجلال ذي الشيبة المسلم.

٣ ـ الخصال : ٥٤٥ ح ٢٢ أبواب الاربعين وما فوقه.

٤ ـ الخصال : ٥٤٦ ح ٢٥ أبواب الاربعين وما فوقه.

٥ ـ البحار ٧٦ : ١٠٦ ح ٤ باب ١٠ ـ عن علل الشرائع.

٦ ـ مكارم الاخلاق : ٦٨ باب ٤ في الشيب ـ عنه البحار ٧٦ : ١٠٧ ح ٦ باب ١٠.

١٧١

( الينبوع الثاني )

في بيان فضل القرآن وحامله وفضل بعض الآيات والسور

وهو يشتمل على سواقي :

( الساقية الأولى )

في فضل القرآن

روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... عليكم بالقرآن فانّه شافع مشفّع ، وماحل مصدّق ، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار ، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل ، وهو كتاب فيه تفصيل ، وبيان ، وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ، وله ظهر وبطن ، فظاهره حكم وباطنه علم.

ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم (١) ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ، ومنار الحكمة ، ودليلٌ على المعرفة لمن عرف الصفة ، فليجل جال بصره ، وليبلغ الصفة نظره.

ينج من عطب (٢) ، ويتخلص من نشب ، فإنّ التفكر حياة قلب البصير ، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور ، فعليكم بحسن التخلّص وقلّة التربّص (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : القرآن هدى من الضلالة ، وتبيان من العمى ، واستقالة

____________

١ ـ اي الأئمة عليهم‌السلام الذين عندهم علوم القرآن ( منه رحمه الله ).

٢ ـ العطب : الهلاك.

٣ ـ الكافي ٢ : ٥٩٩ ضمن حديث ٢ ـ الوسائل ٤ : ٨٢٨ ح ٣ باب ٣.

١٧٢

من العثرة ، ونور من الظلمة ، وضياء من الأحداث ، وعصمة من الهلكة ، ورشد من الغواية ، وبيان من الفتن ، وبلاغ من الدنيا إلى الآخرة ، وفيه كمال دينكم ، وما عدل أحدٌ عن القرآن الاّ إلى النار (١).

وقال أبو عبدالله عليه‌السلام : ان العزيز الجبار أنزل عليكم كتابه وهو الصادق البار ، فيه خبركم وخبر من قبلكم ، وخبر من بعدكم ، وخبر السماء والأرض ، ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك لتعجّبتم (٢).

وروي بأسانيد متواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : ... انّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله تبارك وتعالى حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (٣).

( الساقية الثانية )

في فضل حامل القرآن

روي بسند معتبر عن أبي عبدالله عليه‌السلام (٤) انّه قال : انّ الدواوين يوم القيامة ثلاثة ، ديوان فيه النعم ، وديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه السيئات.

فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات ، فتستغرق النعم عامّة الحسنات ويبقى ديوان السيئات ، فيدعى بابن آدم المؤمن للحاسب ، فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة ، فيقول : يارب أنا القرآن ، وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٦٠٠ ضمن حديث ٨ ، كتاب فضل القرآن.

٢ ـ الكافي ٢ : ٥٩٩ ح ٣ ، كتاب فضل القرآن.

٣ ـ البحار ٩٢ : ١٣ ح ٢ باب ١ ـ عن عيون أخبار الرضا عليه‌السلام.

٤ ـ في المتن الفارسي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم نجدها عنه.

١٧٣

بتلاوتي ، ويطيل ليله بترتيلي ، وتفيض عيناه إذا تهجّد ، فأرضه كما أرضاني.

قال : فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك ، فيملأها من رضوان الله العزيز الجبار ، ويملأ شماله من رحمة الله ، ثم يقول : هذه الجنّة مباحة لك فاقرأ واصعد ، فاذا قرأ آية صعد درجة (١).

وقال : [ يقول الله تعالى للقرآن : ] وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لأكرمنّ اليوم من أكرمك ، ولأهنينّ من أهانك (٢).

وروي بسند معتبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : تعلّموا القرآن فانّه يأتي يوم القيامة صاحبه في صورة شاب جميل ، شاحب اللون ، فيقول له القرآن : أنا الذي كنت أسهرت ليلك ، وأظمأت هواجرك ، وأجففت ريقك ، وأسلت دمعتك ، أؤول معك حيثما اُلت ، وكلّ تاجر من وراء تجارته وأنا اليوم لك من وراء تجارة كلّ تاجر ، وسيأتيك كرامة من الله عزّوجلّ فأبشر.

فيؤتى بتاج فيوضع على راسه ، ويعطى الأمان بيمينه ، والخلد في الجنان بيساره ، ويكسى حلّتين ، ثم يقال له : اقرء وارقه ، فكلّما قرأ آية صعد درجة ، ويكسى أبواه حلّتين ان كانا مؤمنين ، ثم يقال لهما : هذا لما علّمتماه القرآن (٣).

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : عليك بالقرآن ، فإنّ الله خلق الجنّة بيده ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ، جعل ملاطها (٤) المسك ، وترابها الزعفران ، وحصبائها اللؤلؤ ، وجعل درجاتها على قدر آيات القرآن ، فمن قرأ القرآن قاله له : اقرأ وارق ،

__________________

١ ـ الكافي ٢ : ٦٠٢ ح ١٢ ، كتاب فضل القرآن ـ عنه البحار ٧ : ٢٦٧ ح ٣٤ باب ١١.

٢ ـ الكافي ٢ : ٦٠٢ ضمن حديث ١٤ ، كتاب فضل القرآن.

٣ ـ الكافي ٢ : ٦٠٣ ح ٣ باب فضل حامل القرآن.

٤ ـ الملاط : الطين الذي يجعل بين سافي البناء يملط به الحائط.

١٧٤

ومن دخل منهم الجنة لم يكن في الجنّة أعلى درجة منه ما خلا النبيّون والصدّيقون (١).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : أشراف أمتي حملة القرآن ، وأصحاب الليل (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حملة القرآن عرفاء أهل الجنة (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يعذّب الله قلباً وعى القرآن (٤).

وروي بسند معتبر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّه قال : أنّ أهل القرآن في أعلا درجة من الآدميّين ما خلا النبيّين والمرسلين ، فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم ، فإنّ لهم من الله لمكاناً (٥).

( الساقية الثالثة )

صفات قرّاء القرآن وأصنافهم

اعلم انّ لفظ حملة القرآن يراد منه عدة معان :

الأول : أن يتعلّم لفظ القرآن بشكل صحيح وهذا أوّل مراتب حملة القرآن ، ويكون التفاضل فيها بزيادة علم القراءة ومعرفة آدابها ومحسناتها ، وبكثرة حفظ السور والآيات القرآنية.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل ٤ : ٢٥٦ ح ١ باب ١٠ ـ البحار ٩٢ : ١٩٨ ح ٨ باب ٢٣ ـ عن تفسير القمي.

٢ ـ الخصال : ٧ ح ٢١ باب ١ ـ أمالي الصدوق : ١٩٤ ح ٦ مجلس ٤١ ـ عنهما البحار ٩٢ : ١٧٧ ح ٢ باب ١٩.

٣ ـ الخصال : ٢٨ ح ١٠٠ باب ١ ـ معاني الأخبار ص ٣٢٣ ح ١ ـ عنهما البحار ٩٢ : ١٧٧ ح ٣ باب ١٩.

٤ ـ أمالي الطوسي : ٦ ح ٧ مجلس ١ ـ عنه البحار ٩٢ : ١٧٨ ح ٦ باب ١٩.

٥ ـ البحار ٩٢ : ١٨٠ ح ١٤ باب ١٩ ـ عن ثواب الأعمال.

١٧٥

الثاني : معرفة معاني القرآن ، وكان القرّاء سابقاً يعلّمون المعاني أيضاً ، وهذه أعلى من معرفة اللفظ ، ويكون التفاضل فيها بزيادة فهم معاني القرآن من الظواهر والبواطن ونقصانه.

الثالث : العمل بأحكام القرآن ، والتخلّق بأخلاقه ، والخلّو من الصفات التي نهى عنها ، فالحامل الحقيقي للقرآن هو من حمل الألفاظ والمعاني ، وتخلّق بصفاته الحميدة.

واعلم انّ القرآن احسان الله المعنوي كما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انّ القرآن مائدة الله ، ومن الواضح انّ مائدة الكرماء تكون جامعة وفيها لكلّ شخص نعمة حسب شأنه ، وما من أحد الاّ وله حظ من القرآن.

فينتفع الكثير نفعاً دنيوياً وأُخروياً بكتابة ألفاظه ، حتى من هيّأ الدواة والقرطاس ، ومن يكتب ومن يعطي الاجور وغيرهم ممن له دخل في كتابة القرآن ، فإن فعلوا لله كان نفعهم في الدارين معاً ، وإن فعلوا للدنيا انتفعوا نفعاً دنيوياً.

وهناك من ينتفع به نفعاً دنيوياً وأخروياً أيضاً بتعليم وتعلم ألفاظه ، وكلّ ذي علم من العلوم الكثيرة ينتفع بالقرآن ، فعالم الصرف يستفيد من وجوه تُصاريفه واشتقاقاته ، والنحوي يستشهد بأنواع اعرابه ، والمعاني والبيان يأخذ النكات الغريبة ، ويستفيد أصحاب البلاء من بركة آياته الكريمة بالتلاوة والكتابة ، ويلجأ إلى سوره وآياته أرباب المطالب الدنيوية والأخروية ويجدون سؤلهم فيه.

ومن وجوه اعجاز القرآن آياته وسوره وتأثيراته الغريبة ، ولجوء أرباب التكسير وأصحاب الأعداد وغيرهما إليه ، وانتفاع جميع العلماء بمعانيه الغريبة من

١٧٦

متكلم وحكيم وفقيه ورياضيّ ، وعلماء الأخلاق والطب والشعراء والأُدباء وغيرهم من الذين ينتفعون بظاهر القرآن.

وينتفع من كل بطن من بطونه بفوائد وحكم ومعارف غير متناهية من يكون قابلاً لها كأصحاب العرفان وأرباب اليقين ، فالحامل الكامل للقرآن المجيد هم الذين يستفيدون من جميع منافع القرآن على وجه كامل ، وهم النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم.

ولقد علم بالأحاديث المتواترة أنّ لفظ القرآن يختصّ بهم ، وانّ القرآن التام الكامل عندهم ، وانّ العلوم القرآنية الموجودة تنسب كلّها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام بالاتفاق ، ووردت أحاديث متواترة أيضاً انّ معنى القرآن لا يفهمه غيرهم وعندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وانّ جميع الشرائط والأحكام في القرآن وعلمها مخزون عندهم.

وانّ للقرآن سبعة أبطن أو سبعين بطناً وعلم جميع هذه البطون عندهم ، وكذلك يختصون بالعمل بجميع شرائع القرآن وأحكامه لأنّهم معصومين من جميع الخطايا ، ومتصفين بجميع الكمالات البشرية.

وانّ أكثر القرآن ورد في مدحهم وذم مخالفيهم ، كما ورد انّ ثلث القرآن نزل في أهل البيت ، وثلث منه في ذم أعدائهم ، وثلث منه في الفرائض والأحكام ، والظاهر انّ الصفات الممدوحة في القرآن ترجع إلى مدح صاحبها ، وهم أصحاب تلك الصفات على الوجه الكامل ، وكذا الصفات المذمومة فيه ترجع إلى ذمّ صاحبها وهم أعداء أهل البيت عليهم‌السلام.

واعلم انّ القرآن ليس شيئاً قائماً بالذات بل هو عرض له ظهورات مختلفة

١٧٧

في أماكن مختلفة ، فانّه كان في علم واجب الوجود ، ثم ظهر في اللوح ، ثم انتقل إلى الروح وجبرئيل عليهما‌السلام ، ثم ظهر في نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقدسة بواسطة جبرئيل أو بدون واسطة ، ثم سرى إلى قلوب الأوصياء والمؤمنين وظهر على هيئة كتاب.

ولجوهر القرآن احترام وهيبة خاصة فلذا يصبح كلّ مكان ظهر القرآن فيه محترماً ومهيباً ، وكلّما كان ظهوره في مكان أكثر كانت حرمته أكثر. فالنقوش والألفاظ والأوراق والجلد المجاور لها ـ مع كونها أدنى مراتب ظهوره ـ لها درجة من الحرمة بحيث يحكم بكفر من أساء الأدب إليها ، فكيف بقلب المؤمن الحامل للقرآن ، فحرمته أكثر من حرمة تلك النقوش والأوراق.

كما ورد من انّ حرمة المؤمن أعظم من حرمة القرآن ، وكلّما ظهرت المضامين الحسنة والأخلاق القرآنية في المؤمن أكثر كان احترامه أكثر ، وكلّما ظهر خلافها من الأخلاق الذميمة والنقائص والمعاصي سبّبت نقصان ظهورات القرآن ونقصان حرمة المؤمن.

اذاً فإنّ لهذه الأوصاف والظهورات القرآنية ازدياد حتى تصل إلى غايتها في النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار صلوات الله عليهم ، كما جاء في وصف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان خلقه القرآن ، بل لو نظرت جيدا لرأيت أنه صلوات الله عليهم حقيقة القرآن ، حيث كانوا لفظ القرآن ومعناه وخلقه.

وكما عرفت من انّ القرآن الحقيقي يطلق على ما يحتوى النقوش والالفاظ إذاً فإنّ نقوش القرآن بحسب المعنى واللفظ انّما هو في قلوبهم المطهرّة ، كما انّ أمير المؤمنين عليه‌السلام كان يقول كثيراً : « أنا كلام الله الناطق ».

١٧٨

وهذا هو معنى ما ورد عن أبي عبدالله (١) عليه‌السلام حيث قال في حديث طويل من انّ القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة ويشفع لحملته ، فقال الراوي : قلت : جعلت فداك وهل يتكلّم القرآن؟ فتبسّم ثم قال : رحم الله الضعفاء من شيعتنا انّهم أهل تسليم ، ثم قال : نعم والصلاة تتكلم ولها صورة وخلق تأمر وتنهى.

قال الراوي : فتغيّر لذلك لوني وقلت : هذا شيء لا أستطيع أنا اتكلّم به في الناس ، فقال : وهل الناس الاّ شيعتنا ، فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقّنا ، ثم قال : اسمعك كلام القرآن قال : فقلت : بلى صلى الله عليك ، فقال : « اِنَّ الصَّلاةَ تَنهى عَنِ الفَحشَاءِ واَلمُنكَرِ وَلَذِكرُ اللهِ اَكبَر » فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ، ونحن ذكر الله ونحن أكبر (٢).

وبما انّ لهذا المطلب دخلاً كبيراً في توضيح أخبار أهل البيت عليهم‌السلام فإنّ الزيادة في توضيحه أصوب.

اعلم انّ لكل شيء صورة ومعنى وجسداً ، سواء فيه الأخلاق وغيرها ، لكن الحشوية تمسكوا بالظواهر ولم يخرجوا منها ، فحرموا أنفسهم عن كثير من الحقائق ، وتمسك بعض آخر بالبواطن والمعاني تاركين الظواهر فألحدوا لذلك ، وصاحب الدين من أذعن بكليهما.

مثلاً انّ للجنّة صورة وهي الجدران والأشجار والأنهار والحور والقصور ، ولها أيضا معنى وهو الكمالات والمعارف واللذات المعنويّة وهذه في الجنة

__________________

١ ـ وجدناه في الكافي عن سعد الخفاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢ ـ لاحظ الكافي ٢ : ٥٩٨ ضمن حديث ١ ، باب كتاب فضل القرآن.

١٧٩

الصوريّة ، والحشويّ يقول : انّ الجنة لا تكون غير لذة الأكل والشرب والجماع.

والمحلد يقول : انّ الجنّة ليس لها جدران وأبواب ، وهذه كناية عن اللذات المعنوية ، فلهذا أنكروا ضروريّ الدين فكفروا لذلك ، لكن صاحب اليقين يعلم انّ كليهما حقّ ، وتكون اللذات المعنوية في ضمنها ، كما أشرنا في أوّل الكتاب إلى هذا المعنى.

وكذلك الأمر في الصراط ، فهو حق ، وورد انّ أهل البيت عليهم‌السلام هم الصراط المستقيم ، وورد أيضاً انّ الصراط حبّ عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وجاء انّ الصراط جسر على جهنّم ، فهذا كلّه حق ، لأنّ صراط الآخرة مثال للصراط الدنيوي ، وقالوا لنا : استقيموا في الدنيا على صراط دين الحق وولاية أهل البيت عليهم‌السلام.

وهناك شعب وطرق كثيرة في اليمين والشمال من المذاهب المختلفة والذنوب الكبيرة ، فمن توجّه نحوها انحرف عن الصراط ، وهو في غاية الدقة وقد كمنت الشياطين في طريقه ، وله سبل منها العبادات الشاقة ، وترك المعاصي ، وقد ضلّ فيها الكثير وتاه.

فهذا انموذج كامل عن صراط الآخرة الذي في غاية الدقة والصعوبة وقد وضع على جهنّم ، فمن كان في الدنيا مستقيماً عليه يسير عليه حتى يصل الجنّة سريعاً ، ومن انحرف عنه بسبب اعتقاد فاسد أو كبيرة مهلكة فسوف تزل قدماه في نفس تلك العقبة والكمين ، ويسقط في جهنّم.

وكذلك الحيات والعقارب فهي في الآخرة صورة الأخلاق الذميمة ، وانّ الأشجار والحور والقصور صورة الأفعال الحسنة وثمرتها ، وكذلك الصلاة فإنّ لها

١٨٠